دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:00 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة الكهف

سورة الكهف
فإن قيل: قوله تعالى: (قيّمًا) بمعنى مستقيمًا وقوله: (ولم يجعل له عوجًا) مفن عن قوله: "قيمًا " لأنه متى انتفى العوج ثبتت الاستقامة، لأن العوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد به هنا نفى الاختلاف والتناقض في معانيه، وأنه لا يخرج منه شيء عن الصواب والحكمة، وقيل: في الآية تقديم وتأخير تقديره: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا؟
قلنا: قال الفراء: معنى قوله تعالى "قيمًا " قائمًا على الكتب السماوي كلها، مصدقًا لها شاهدًا بصحتها ناسخًا لبعض شرائعها، فعلى هذا لا تكرار فيه، وعلى القول المشهور يكون الجمع بينهما للتأكيد سواء قدر قيمًا مقدمًا أو أقر في مرتبته ونصب بفعل مضمر تقديره: ولكن جعله قيمًا، ولابد من هذا الإضمار أو من التقديم
والتأخير، وإلا يصير المعنى ولم يجعل له عوجًا مستقيمًا، ولكن العوج لا يكون مستقيمًا.
فإن قيل: اتخاذ الله تعالى ولدًا محال، فكيف قال تعالى:
(ما لهم به من علمٍ) وإنما يستقيم أن يقال: فلان ما له علم بكذا إذا كان ذلك الشيء مما يعلمه غيره، أو مما يصح أن يعلم كقولنا: زيد ما له علم بالعربية أو بالحساب أو بالشعر ونحو ذلك؟
قلنا: معناه ما لهم به من علم، لأنه ليس مما يعلم لاستحالته، وهذا لأن انتفاء العلم بالشيء تارة يكون للجهل بالطريق الموصل إليه،
[أنموذج جليل: 291]
وتارة لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به، وما نحن فيه من هذا القبيل.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ثمّ بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمدًا) وهو عالم بذلك في الأزل؟
قلنا: معناه لنعلم ذلك علم مشاهدة كما علمناه علم غيب.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (فابعثوا أحدكم) ولم يقل واحدكم؟
قلنا: لأنه أراد فردًا منهم أيهم كان، ولو قال واحدكم لدل على بعث رئيسهم ومقدمهم، فإن العرب تقول رأيت أحد القوم أي فردًا منهم، ولا تقول رأيت واحد القوم إلا إذا أرادت المقدم المعظم.
فإن قيل: كيف جاء تعالى بسين الاستقبال في الفعل الأول دون الآخرين في قوله تعالى: (سيقولون ثلاثةٌ)؟
قلنا: أراد دخول الفعلين الآخرين في حكم الأول بمقتضى العطف، فاقتصر على ذكر السين في الأول إيجازًا واختصارًا كما تقول: زيد قد يخرج ويركب، تريد وقد يركب.
فإن قيل: كيف دخلت الواو في الجملة الثالثة دون الأوليين وهي قوله تعالى: (وثامنهم كلبهم)؟
قلنا: قال بعض المفسرين: هي واو الثمانية، وقد ذكرنا مثلها في
[أنموذج جليل: 292]
آخر سورة التوبة، وقال الزجاج: دخول هذه الواو وخروجها سواء في صفة النكرة، فجاء القرآن بهما، وقال غيره: الواو مرادة في الجملتين الأوليين، وإنما حذفت فيهما تخفيفًا، وأتى بها في الجملة
الثالثة دلالة على إرادتها فيهما، ويرد على هذا القول أنه لو كان كذلك لكانت مذكورة في الجملة الأولى محذوفة في الجملة الثانية والثالثة، ليدل ذكرها أولا على حذفها بعد ذلك، كما سبق في سين الاستقبال، وقال الزمخشري وغيره: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة النكرة، كما تدخل على الصفة الواقعة حالا من المعرفة، تقول: جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفى يده سيف، ومنه قوله تعالى: (وما أهلكنا من قريةٍ إلّا ولها كتابٌ معلومٌ) وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهذه الواو هي التي أذنت، فإن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن، كما رجم غيرهم، والدليل عليه أن الله تعالى أتبع القولين الأولين قوله: (رجمًا بالغيب) وأتبع القول الثالث قوله: (ما يعلمهم إلّا قليلٌ) وقال ابن عباس رضي الله عنه: وقعت الواو لقطع العدد، أي لم يبق بعدها عدد عاد يلتفت إليه.
ويثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم على القطع والثبات، وقال الثعلبي: هذه واو الحكم والتحقيق، وكأن الله تعالى حكى اختلافهم فتم الكلام
[أنموذج جليل: 293]
عند قوله سبعة، ثم حكم بأن ثامنهم كلبهم باستئنافه الكلام، فحقق ثبوت العدد الأخير لأن الثامن لا يكون إلا بعد السبعة، فعلى هذا يكون قوله: (وثامنهم كلبهم) من كلام الله تعالى حقيقة أو تقديرًا، ويرد على هذا أن قوله تعالى بعد هذه الواو: (قل ربّي أعلم بعدّتهم) وقوله تعالى: (ما يعلمهم إلّا قليلٌ) ويدل على بقاء الإبهام وعدم زوال اللبس بهذه الواو.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (لا مبدّل لكلماته) وقال في موضع آخر: (وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ) ويلزم من تبديل الآية بالآية تبديل الكلمات فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: معنى الأول لا مغير للقرآن من البشر، وهو جواب لقولهم للنبي عليه الصلاة والسلام: (ائت بقرآنٍ غير هذا أو بدّله)
الثاني: أن معناه لا خلف لمواعيده ولا مغير لحكمه، ومعنى الثاني النسخ والتبديل من الله تعالى فلا تنافى بينهما.
فإن قيل: قول تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) إباحة وإطلاق للكفر؟
قلنا: قال ابن عباس رضي الله عنه: معناه فمن شاء ربكم فليؤمن ومن
[أنموذج جليل: 294]
شاء ربكم فليكفر، يعنى لا إيمان ولا كفر إلا بمشيئة الله تعالى، الثاني: أنه تهديد ووعيد، الثالث: أن معناه لا تنفعون الله بإيمانكم ولا تضرونه بكفركم، فهو إظهار للغنى لا إطلاق للكفر.
فإن قيل: لبس الأساور في الدنيا عيب للرجال، ولهذا لا يلبسها من يلبس الذهب والحرير من الرجال، فكيف وعدها الله تعالى المؤمنين في الجنة؟
قلنا: كانت عادة ملوك الفرس والروم لبس الأساور والتيجان مخصوصين بها دون من عداهم، فلذلك وعدها الله تعالى المؤمنين في الجنة لأنهم ملوك الآخرة.
فإن قيل: كيف أفرد تعالى الجنة بعد التثنية فقال: (ودخل جنته)؟
قلنا: أفردها ليدل على الحصر، معناه ودخل ما هو جنته لا جنة له غيرها ولا نصيب له في الجنة التي وعد المتقون، بل ما ملكه في الدنيا هو جنته لا غير، ولم يقصد جنة معينة منهما بل جنس ما كان له.
فإن قيل: كيف قال الأخ المؤمن لأخيه: (لكنّا هو اللّه ربّي ولا أشرك بربّي أحدًا) وهذا تعريض بأن أخاه مشرك، وليس في كلام أخيه ما يقتضى الشرك، بل الكفر وهو قوله تعالى: (وما أظنّ السّاعة قائمةً)
[أنموذج جليل: 295]
قلنا: إشراك أخيه الذي عرض له به هو اعتقاده أن زكاة جنته ونماءها بحوله وقوته، ولهذا قال له: (ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه) ولهذا قال هو أيضًا لما أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها: (يا ليتني لم أشرك بربّي أحدًا) اعترف بالشرك.
فإن قيل: ما فائدة قوله: "أنا" في قوله: (إن ترن أنا أقلّ)؟
قلنا: "أنا" في مثل هذا الموضع يفيد الخبر في المخبر عنه، ومنه قوله تعالى: (إنّي أنا ربّك) وقوله: (إنّي أنا اللّه) ونظائره كثيرة.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: (ولم تكن له فئةٌ ينصرونه من دون اللّه) وكذا كل ما أشبهه مما جاء في القرآن العزيز، فقال تعالى: (واتّخذوا من دون اللّه آلهةً)
و(اتّخذوا من دونه أولياء) و(وما لكم من دون اللّه من وليٍّ ولا نصيرٍ)
[أنموذج جليل: 296]
كيف تحقيق معناه؟
قلنا: دون تستعمل في كلام العرب بمعنى غير، كقولهم: لفلان مال دون هذا، ومن دون هذا أي غير هذا ونظيره قوله تعالى: (ولهم أعمالٌ من دون ذلك) أي من غيره، وتستعمل أيضًا بمعنى قبل كقولهم: المدينة دون مكة أي قبلها، ومن دونه حرط القتاد، ولا أقوم من مجلس دون أن تجئ، ولا أفارقك دون أن تعطيني حقي.
وما أعلم أنها جاءت في القرآن العزيز بمعنى قبل، بل بمعنى غير فقط.
فإن قيل: كيف قال: (هنالك الولاية للّه الحقّ) يعنى في يوم القيامة أو في مقام الآخرة، والولاية بكسر الواو السلطان والملك، وبفتح الواو التولي والنصرة، وكل ذلك لله تعالى في الدنيا والآخرة، يعز من يشاء ويذل من يشاء، وينصر من يشاء ويخذل من يشاء، ويتولى من يشاء بحراسته وحفظه، فما فائدة تخصص يوم القيامة؟
قلنا: فائدته أن الدعاوى المجازية كثيرة في الدنيا، ويوم القيامة تنقطع كلها ويسلم الملك لله تعالى عن كل منازع، وقد سبق نظير هذا السؤال في سورة الأنعام في قوله تعالى (قوله الحقّ وله الملك يوم ينفخ في الصّور).
فإن قيل: كيف قال تعالى: (هو خيرٌ ثوابًا وخيرٌ عقبًا) أي
[أنموذج جليل: 297]
عاقبة، وغير الله تعالى لا يثيب ليكون الله تعالى خيرًا منه ثوبا؟
قلنا: هنا على الغرض والتقدير معناه: لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل، ولكانت طاعته أحمد عاقبة وخيرًا من طاعة غيره.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:01 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال تعالى: (وحشرناهم) بلفظ الماضي وما قبله مضارعان، وهما قوله تعالى: (ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزةً) أي لا شيء عليها يسترها كما كان في الدنيا؟
قلنا: للدلالة على أن حشرهم كان قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال وتلك العظائم، كأنه قال: وحشرناهم قبل ذلك.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها) مع أنه أخبر أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر بقوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم)؟
قلنا: الآية الأولى في حق الكافرين بدليل قوله تعالى: (فترى المجرمين) والمراد بهم هنا الكافرون، كذا قاله مجاهد، وقال غيره: كل مجرم في القرآن فالمراد به الكافر، والآية الثانية المراد بها المؤمنون لأن اجتناب الكبائر لا يكون متحققًا مع وجود الكفر.
الثاني: لو ثبت أن المراد بالمجرم مطلق الذنب لم يلزم التناقض لجواز أن تكتب الصغائر ليشاهدها العبد يوم القيامة، ثم تكفر عنه
[أنموذج جليل: 298]
فيعلم قدر نعمة العفو، فإن أكثر الذنوب ينساها العبد خصوصا الصغائر.
فإن قيل: قوله تعالى: (إلّا إبليس كان من الجنّ) يدل على أنه من الجن، وقوله تعالى في موضع آخر: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس) يدل على أنه من الملائكة، فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: فيه قولان: احدهما: أنه من لجن عملا بظاهر هذه
الآية، ولأن له ذرية قال الله تعالى: (أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني) والملائكة لا ذرية لهم، ولأنه أكفر الكفرة وأفسق الفسقة، والملائكة معصومون عن الكبائر لأنهم رسل الله وعن المعاصي مطلقًا لأنهم عقول مجردة بغير شهوة، ولا معصية إلا عن شهوة، ويؤيده قوله تعالى:
(لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وقال تعالى: (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون (19) يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون) "يعنى الملائكة" فكيف يكون إبليس منهم ويؤمر بالسجود فيمتنع.
فعلى هذا يكون استثناءه من الملائكة استثناء من غير الجنس أو يكون استثناء من جنس المأمورين بالسجود لا من جنس الملائكة،
[أنموذج جليل: 299]
ويكون التقدير: وإذ قلنا للملائكة وإبليس اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس، كما تقول: أمرت إخوتي وعبدي بكذا فأطاعوني إلا عبدي، والعبد ليس من الأخوة ولا داخلا فيهم إلا من حيث شملهم الأمر بالفعل معهم، فهذا كذلك، القول الثاني: أنه كان من الملائكة قبل أن يعصى الله فلما عصاه مسخه شيطانًا، روى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه فيكون معنى قوله تعالى: "كان من الجن صار من الجن) لمخالفته فتكون كان بمعنى صار، وقيل: معناه كان من الجن في سابق علم الله تعالى، وهذان القولان يدلان على أنه كان من الملائكة قبل المعصية، وروى عنه أيضًا أنه كان من خزان الجنة، وهم جماعة من الملائكة يسمون الجن، فعلى هذا يكون قوله تعالى (من الجن) أي من الملائكة الذين هم خزان الجنة (ففسق عن أمر ربه) بمخالفته فيكون استثناء من الجنس، وقال الزمخشري في سورة البقرة في قوله تعالى: (فسجدوا إلا إبليس) هو استثناء متصل لأنه كان جنيًا واحدًا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورًا بهم، فغلبوا عليه في قوله تعالى: (فسجدوا) قلت: وفى هذا التعليل نظر، ثم قال بعده: ويجوز أن يجعل منقطعًا.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني) والأولياء: الأصدقاء والأحباب وهم ضد الأعداء، ويؤيده
[أنموذج جليل: 300]
قوله تعالى: (وهم لكم عدوٌّ) وليس من الناس أحد يحب إبليس وذريته ويصادقهم؟
قلنا: المراد بالمولاة هنا إجابة الناس لهم فيما يأمرونهم به من المعاصي، ويوسوسون في صدورهم وطاعنهم إياهم، فالمولاة مجاز عن هذا لأنه من لوازمها.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) أي لم تجب الأصنام المشركين، فنفى عن الأصنام النطق، وقال تعالى في سورة النحل: (وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون)
يعنى فكذبتهم الأصنام فيما قالوا فأثبت لهم النطق فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: المراد بقول تعالى هنا: (نادوا شركائي الّذين زعمتم) أي نادوهم للشفاعة لكم أو لدفع العذاب عنكم، فدعوهم فلم يجيبوهم لذلك، فنفى عنهم النطق بالإجابة إلى الشفاعة ودفع العذاب عنهم.
وفى سورة النحل أثبت لهم النطق بتكذيب المشركين في دعوى عبادتهم، فلا تناقض بين المنفى والمثبت.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: "شركائي " وقال في سورة النحل:
[أنموذج جليل: 301]
"شركائهم"؟
قلنا: قوله تعالى: "شركائي" معناه في زعمكم واعتقادكم، ولهذا قال: "شركائي الذين زعمتم " أو أخرجه مخرج التهكم بهم كما قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنونٌ) وقوله تعالى: "شركاءهم " يعنى آلهتهم التي جعلوها شركاء، فأضافتها إلى الله تعالى لجعلهم إياها شركاء له.
وإضافتها إليهم لجعلهم: إياها شركاء، والإضافة تصح بأدنى ملابسه لفظية أو معنوية فصحت الإضافتان.


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:02 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فإن قيل: كيف قال تعالى: (نسيا حوتهما) والناسي إنما كان يوشع وحده بدليل قوله لموسى عليه الصلاة والسلام معتذرًا: (فإنّي نسيت الحوت) أي قصة الحوت وخبره: (وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره)؟
قلنا: أضيف النسيان إليهما مجازًا، والمراد أحدهما قال الفراء: نظيره قوله تعالى: (يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان) وإنا يخرج من البحر المالح لا من العذب وقيل: نسى موسى عليه الصلاة والسلام تفقد الحوت، ونسى يوشع أن يخبره خبره، وذلك أنه كان حوتًا مملوحًا في مكتل قد تزوداه، فلما أصابه من ماء عين الحوت
[أنموذج جليل: 302]
رشائش حي وأنسل من المكتل وسلك في البحر، ويوشع يراه، وكان موسى قد ذهب لقضاء حاجة فعزم يوشع أن يخبره بما رأى من أمر الحوت، فلما جاء موسى نسى أن يخبره، ونسى موسى تفقد الحوت والسؤال عنه.
فإن قيل: هذا التفسير يدل على أن النسيان من يوشع أو منهما كان بعد حياة الحوت وذهابه في البحر، وظاهر الآية يدل على أن النسيان كان سابقًا على ذهابه في البحر متصلا ببلوغ مجمع البحرين لقوله تعالى: (فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربًا)؟
قلنا: في الآية تقديم وتأخير تقديره: فلما بلقا مجمع بينهما اتخذ الحوت سبيله في البحر سربًا فنسيا حوتهما.
فإن قيل: كيف نسى يوشع مثل هذه الأعجوبة العظيمة في مدة يسيرة بل في لحظة، واستمر به النسيان يومه ذلك وليلته إلى وقت الغداء من اليوم الثاني، ومثل ذلك لا ينسى مع تطاول الزمان، كيف وقد كان الله تعالى جعل فقدان الحوت علامة لهما على وجدان
الخضر، على ما نقل أن موسى سأل الله تعالى علامة على موضع وجدانه، فأوحى الله إليه أن خذ معك حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم؟
قلنا: سبب نسيانه أنه كان قد اعتاد مشاهدة المعجزات من موسى عليه الصلاة والسلام، واستأنس بها، فكان إلفه لمثلها من خوارق العادات سببًا لقلة اهتمامه بتلك الأعجوبة وعدم اكتراثه لها.
[أنموذج جليل: 303]
فإن قيل: كيف قال تعالى: (حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها) بغير فاء، و(حتّى إذا لقيا غلامًا فقتله) بالفاء؟
قلنا: جعل خرفها جزاءًا للشرط فلم يحتج إلى الفاء كقولك: إذا ركب زيد الفرس عقره، وجعل قتل الغلام من جملة الشرط فعطفه عليه بالفاء والجزاء، قال: "أقتلت " كقولك: ركب زيد الفرس فعقره، قال له صاحبه: أعقرته؟
فإن قيل: كيف خولف بين القصتين؟
قلنا: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب، وقتل الغلام تعقب لقاءه.
فإن قيل: كيف قال تعالى في قصة الغلام: (لقد جئت شيئًا نكرًا) وفى قصة السفينة: (لقد جئت شيئًا إمرًا)؟
قلنا: قيل: إمرًا معناه منكرًا فعلى هذا لا فرق في المعنى، لأن النكر والمنكر بمعنى واحد، وقيل: الأمر العجب أو الداهية وخرق السفينة كان أعظم من قتل نفس واحدة، لأن في الأول هلاك كثيرين، وقيل: النكر أعظم من الأمر فمعناه جئت شيئًا أنكر من الأول، لأن ذلك كان يمكن تداركه بالسد، وهذا لا يمكن تداركه.
فإن قيل: كيف قال تعالى في قصة السفينة: (ألم أقل إنّك).
[أنموذج جليل: 304]
وفى قصة الغلام: (ألم أقل إنّك)؟
قلنا: لقصد زيادة المواجهة بالعتاب على رفض الوصية مرة ثانية، وللتنبيه على تكرر ترك الصبر والثبات.
فإن قيل: ما فائدة إعادة ذكر الأهل في قوله تعالى: (استطعما أهلها) وهلا قال: "استطعماهم " لأنه قد سبق ذكر الأهل مرة؟
قلنا: فائدة إعادة التوكيد لا غير.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (يريد أن ينقضّ) نسب الإرادة إلى الجماد، وهي من صفات من يعقل؟
قلنا: هذا مجاز بطريق المشابهة، لأن الجدار بعد مشارفته ومداناته للانقضاض والسقوط شأن من يعقل ويريد في تهيئه للسقوط، فظهرت منه هيئة السقوط كما يظهر ممن يعقل ويريد، فنسبت إليه الإرادة مجازًا بطريق المشابهة في الصورة، وقد أضافت العرب أفعال العقلاء إلى ما لا يعقل مجازًا قال الشاعر:
يربد الرمح صدر أبي براء * * * ويعدل عن دماء بني عقيل
(وقال حسان):
إن دهرًا يلف شملي بحمل *** لزمان يهم بالإحسان
ومن أمثالهم: تمرد مارد وعز الأبلق، ومنه قوله تعالى: (ولمّا سكت عن موسى الغضب)
[أنموذج جليل: 305]
وقوله: (فإذا عزم الأمر) وقوله: (أتينا طائعين) ونظائره كثيرة.
فإن قيل: لأي سبب لم يفارقه الخضر عليه الصلاة والسلام عند الاعتراض الأول والثاني، وفارقه عند الثالث؟
قلنا: لوجهين أحدهما أن موسى عليه الصلاة والسلام شرط على الخضر ترك مصاحبته على تقدير وجود الاعتراض الثالث، وقد وجد فكان راضيًا به، الثاني: أن اعتراض موسى عليه الصلاة والسلام في المرة الأولى والثانية كان تورعًا وصلابة في الدين، واعتراضه في المرة الثالثة كان لهوى نفسه وشهوة بطنه فأعقبه هواه هوانا.
فإن قيل: قوله: (فأردت أن أعيبها) علته خوف الغضب فكان حقه أن يتأخر عن علته فلم قدم عليها؟
قلنا: هو متأخر عنه لأن علة تعييبها أو علة إرادته تعييبها خوف الغضب، وخوف الغضب سابق لأنه الحامل للخضر عليه الصلاة والسلام على ما فعله، وفى قراءة أبي وعبد الله رضي ألله عنهما:
"كل سفينة صالحة " لابد من إضمار هذه الزيادة على قراءة الجمهور وإلا لم يفد الخرق.
فإن قيل: الشمس في السماء الرابعة وهي بقدر كرة الأرض مائة
[أنموذج جليل: 306]
وستين مرة، وقيل مائة وخمسين مرة، وقيل مائة وعشرون مرة، فكيف تسعها عين في الأرض حتى أخبر الله تعالى عن ذي القرنين أن: (وجدها تغرب في عينٍ حمئةٍ) أو "حامية " على اختلاف القراءتين؟
قلنا: المراد بقوله تعالى: "وجدها" أي في زعمه وظنه، كما يرى راكب البحر إذا لجج فيه وغابت عنه الأطراف والسواحل أن الشمس تطلع من البحر وتغرب فيه فذو القرنين انتهي إلى آخر البنيان في جهة الغرب فوجد عينًا حمئة واسعة عظيمة فظن أن الشمس تغرب فيها.
فإن قيل: ذو القرنين كان نبيًا أو تقيًا حكيمًا على اختلاف القولين، فكيف خفي عليه هذا حتى وقع في ظن المستحيل الذي لا يقبله العقل؟
قلنا: الأنبياء والأولياء والحكماء ليسوا معصومين عن ظن الغلط والخطأ، وإن كانوا معصومين عن كبائر الذنوب ألا ترى إلى ظن موسى عليه الصلاة والسلام فيما أنكره على الخضر عليه الصلاة والسلام في القضايا الثلاث، وظنه أنه يرى الله تعالى في الدنيا.
وهو من كبار الأنبياء، وكذلك يونس عليه الصلاة والسلام على ما أخبر الله تعالى عنه بقوله: (وذا النّون إذ ذهب مغاضبًا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات) وكان الواقع بخلاف ظنه، الثاني: أن الله تعالى قادر على تصغير جرم الشمس وتوسيع العين الحميئة وكرة الأرض، بحيث تسع عين الماء عين الشمس فلم لا يجوز أن يكون قد وقع ذلك، ولم نعلم به لقصور علمنا عن
[أنموذج جليل: 307]
الإحاطة بذلك؟
فإن قيل: قوله تعالى: (يا ذا القرنين إمّا أن تعذّب وإمّا أن تتّخذ فيهم حسنًا) يدل على أنه كان نبيًا لأن الله تعالى خاطبه؟
قلنا: من قال أنه ليس نبيًا يقول هذا الخطاب له كان بواسطة النبي الموجود في زمانه، كما في قوله تعالى: (يا بني إسرائيل) وما أشبهه.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا في حق الكفار: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا) أي فلا ينصب لهم ميزانًا لأن الميزان إنما ينصب لتوزن به الحسنات بمقابلة السيئات، والكافر لا حسنة له ولا طاعة لقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورً) وقال في موضع آخر: (وأمّا من خفّت موازينه (8) فأمّه هاويةٌ) أي فمسكنه النار فأثبت له ميزانًا؟
قلنا: معنى قوله تعالى: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا) أي لا يكون لهم عندنا قدر (ولا خاطر) لخستهم وحقارتهم، ولو كان معناه ما ذكرتم يكون المراد بقوله تعالى: (وأمّا من خفّت موازينه (8) فأمّه هاويةٌ) من غلبت سيئاته على حسناته من
[أنموذج جليل: 308]
المؤمنين، فإنه يسكن في النار، ولكن لا يخلد فيها، بل بقدر ما يمحص عنه ذنوبه فلا تنافى بينهما.
[أنموذج جليل: 309]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكهف, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir