دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 12:25 PM
منيرة خليفة أبوعنقة منيرة خليفة أبوعنقة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 618
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٤٣} [سورة البقرة:143]

بين الله جل جلاله مكانة أمة محمد وميزهم بوسطيتهم عن بقية الأمم ولهم في الآخرة منزلة الشهود عليهم وفي هذه الآية لفتة بيانية من لطائف التقديم والتأخير فإن في الآية تأخير صلة الشهادة في قوله (لتكونوا شهداء على الناس) وتقديم صلة الشهادة في قوله (ويكون الرسول عليكم شهيداً) فلم يقل لتكونوا على الناس شهداء ويكون الرسول عليكم شهيداً ، بتقديم صلة الشهادة لكليهما أو لتكونوا شهداء على الناس ويكون عليكم الرسول عليكم شهيداً أو عليكم يشهد الرسول، ويرى الزمخشري أنك إن سألت لِمَ أُخرت صلة الشهادة أولاً وقدمت آخراً ؟ فذلك: لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم.([1]) أي هذا قصر لشهادة الرسول عليهم ورفعاً لشأنهم، إذ فضلهم على سواهم في الأولى بأن شهدوا عليهم، وفضلهم في الثانية بأن جعل رسوله المصطفى هو الشاهد وشهادته ذات قيمة ومكانة عند بارئه.
إذا فتقديم صلةة الشهادة هنا (ويكون الرسول عليكم شهيداً) يفيد الخصوص.

أما ابن عاشور ذكر في سبب التقديم والتأخير ثلاثة أقوال:

القول الأول: وهو موافق لقول الزمخشري في أن سببه التشريف لهذه الأمة بشهادتها على الأمم والرسل، وهي لا يشهد عليها إلا رسولها.

والقول الثاني: أن سبب تقديم صلة الشهادة في آخر الآية؛ لكي تكون الكلمة التي تختم بها الآية في محل الوقف كلمة ذات حرف مد قبل الحرف الأخير، فالمد أمكن للوقف وهذا من بدائع فصاحة القرآن.

والقول الثالث: أن تقديم صلة الشهادة في آخر الآية مفيد لقصر الفاعل على المفعول، وهو تكلف ومثله غير معهود في الكلام. ([2])

وذكر الألوسي: أن سبب تأخير صلة الشهادة في أول الآية؛ لكون الشهادة في الدنيا فيما لا يصلح إلا بشهادة الأخيار، وتقديم صلة الشهادة في آخر الآية؛ لتكون شهادة الرسول بتزكيته للأمة وعلمه بعدالتهم.([3])

ويرجّح الباحث: أن السبب هو التشريف لهذه الأمة بشهادتها على الأمم والرسل وتخصيصها بشهادة رسولها عليها.
وهذا لكثرة القائلين به ([4])، ولأن تقديم المجرور على عامله يفيد إبراز فضل هذه الأمة بتخصيص شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، والآية مقصدها مدح للأمة فكان في بيان اختصاصها هنا أظهر وأرجح. أما القول بأنها قد تفيد سلامة التركيب من حيث قصد حسن ختم الآية بمد. فهذا غير لازم فقد يحصل بطرق متعددة بإرادة الله، وقصد المعنى أبلغ من المبنى حين الترجيح، وإن كان في مبنى التركيب بختمها بمد أفصح إلا أن الدلالة المعنوية هي المقصودة والتركيب اللفظي والحرفي قد يحصل بأكثر من سياق ولا تقتصر على هذا السياق.أما قول أن الآية مفيدة لقصر الفاعل على المفعول فهو كما ذكر ابن عاشور، وفي قول أن السبب هو لتكون الشهادة في الدنيا بشهادة الأخيار وتزكية الرسول بعلمه بعدالتهم، فهذا المعنى لا يوحي إليه سياق الآية في كونها سبب التقديم والتأخير في صلة الشهادة.

([1]) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري ، دار الكتاب العربي، بيروت ، ط/3 ، 1407هـ (1/199 ) .

([2]) التحرير والتنوير لابن عاشور، دار سحنون( 2 /22)

([3]) تفسير الألوسي لمحمود الألوسي ، دار احياء التراث العربي، ( 2 / 6)

([4]) ينظر: التفسير الكبير للرازي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1425ه ، (1 / 94 )، تفسير الألوسي لمحمود الألوسي ، دار احياء التراث العربي، ( 2 / 6 ).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 02:41 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تفسير سورة العصر تفسيرا بيانيا:
قال تعالى: ﴿ وَٱلْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ ﴾
ذكر سيد قطب في مقدمة تفسير هذه السورة كلاما عذبا فقال:
في هذه السورة الصغيرة ذات الآيات الثلاث يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام . وتبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الكبيرة الشاملة في أوضح وأدق صورة . إنها تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار . وتصف الأمة المسلمة:حقيقتها ووظيفتها . في آية واحدة هي الآية الثالثة من السورة . . وهذا هو الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا الله . .
والحقيقة الضخمة التي تقررها هذه السورة بمجموعها هي هذه:
إنه على امتداد الزمان في جميع الأعصار , وامتداد الإنسان في جميع الأدهار , ليس هنالك إلا منهج واحد رابح , وطريق واحد ناج . هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده , وهو هذا الطريق الذي تصف السورة معالمه . وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار . .
(والعصر , إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا , وعملوا الصالحات , وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) إنه الإيمان ،والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر. انتهى كلامه رحمه الله.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه: لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم. وبيان ذلك أن المراتب أربع، باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله. إحداها: معرفة الحق. الثانية: عمله به. الثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه. فذكر تعالى المراتب الأربع في هذه السورة. ذكر ذلك ابن القيم-رحمه الله-.
(والعصر)
قال ابن عباس : والدهر . قيل : أقسم به لأن فيه عبرة للناظر . وقيل : معناه ورب العصر ، وكذلك في أمثاله . وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما العصران . وقال الحسن : من بعد زوال الشمس إلى غروبها . وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار . وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى. ذكره البغوي
وقال ابن عاشور في تفسير هذه الآية:
أقسم الله تعالى بالعصر قسماً يراد به تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن .
والمقسَم به من مظاهر بديع التكوين الرباني الدال على عظيم قدرته وسعة علمه .
وللعصر معاننٍ يتعين أن يَكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية ، يتعين إما بإضافته إلى ما يُقدر ، أو بالقرينة ، أو بالعهد ، وأيَّاً ما كان المرادُ منه هنا فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكِّر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله ، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصرٍ معين مبارك .
وأشهر إطلاق لفظ العصر أنه علَم بالغلبة لوقت ما بين آخر وقت الظهر وبين اصفرار الشمس فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثلَه بعد القَدْر الذي كان عليه عند زوال الشمس ويمتد إلى أن يصير ظلُّ الجسم مثلَيْ قدرِه بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس . وذلك وقت اصفرار الشمس ، والعصر مبدأ العشيّ . ويعقبه الأصيل والاحمرار وهو ما قبل غروب الشمس ، قال الحارث بن حِلزة :
آنستْ نبأة وأفزَعها القَنَّ ... اصُ عَصراً وقَدْ دَنَا الإِمساء

فذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار ، ويذكر بخلقة الشمس والأرض ، ونظام حركة الأرض حول الشمس ، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية .

وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجنَّاتهم ، وتجاراتهم في أسواقهم ، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإِنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على العمل ونظاممٍ لابتدائه وانقطاعه . وفيه يتحفز الناس للإِقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم . وهو من النعمة أو من النعيم ، وفيه إيماء إلى التذكير بمَثَل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهَرم .

وتعريفه باللام على هذه الوجوه تعريف العهد الذهني أي كل عَصْر .

ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العَصر . وهي صلاة معظمة . قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] . وجاء في الحديث : « من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه » . وورد في الحديث الصحيح : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة » فذَكَر « ورجل حلف يميناً فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يُعْطَ » وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علَماً بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العَقَبَة .

ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جِيل من الناس ، أو مَلِك أو نبيء ، أو دين ، ويعيَّن بالإِضافة ، فيقال : عصر الفِطَحْل ، وعصر إبراهيم ، وعصر الإِسكندر ، وعصر الجاهلية ، فيجوز أن يكون مراد هذا الإِطلاق هنا ويكون المعنيّ به عصرَ النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف فيه تعريف العهد الحضوري مثل التعريف في ( اليوم ) من قوْلك : فعلت اليوم كذا ، فالقسم به كالقسم بحياته في قوله تعالى :{ لعمرك } [ الحجر : 72 ] . قال الفخر : فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلد } [ البلد : 2 ] وبعمره في قوله : { لعمرك } . اه .

ويجوز أن يراد عصر الإِسلام كلِه وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم عصر الأمة الإِسلامية بالنسبة إلى عصر اليهود وعصر النصارى بما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس بقوله : « مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء يعملون له يوماً إلى الليل فعملت اليهود إلى نصف النهار ثم قالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك وما عملنا باطل ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلتَ لنا ، واستأجر قوماً أن يعملوا بقيةَ يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هُم » . فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإِسلام في هذه الآية .

ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله ، قال ابن عطية : قال أبي بن كعب : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار . وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر .

ومناسبة القَسَم بالعَصر لغرض السورة على إرادة عصر الإِسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإِسلام بين مَن كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإِسلام ، ويعرف منه حالُ من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت ، أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإِسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم ، وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإِسلام من الشرك أو بدين جاء الإِسلام لنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى : { من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } في سورة آل عمران ( 85 ) .

( إن الإنسان لفي خسر )
أي خسران ونقصان ، قيل : أراد به [ الكافر ] بدليل أنه استثنى المؤمنين ، و " الخسران " : ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره [ بالمعاصي ] ، وهما أكبر رأس ماله . ذكره البغوي
وتعريف الإنسان تعريف الجنس مراد به الاستغراق وهو استغراق عرفي لأنه يستغرق أفراد النوع الإِنساني الموجودين في زمن نزول الآية وهو زمن ظهور الإِسلام كما علمت قريباً . ومخصوص بالناس الذين بلغتهم الدعوة في بلاد العالم على تفاوتها . ولما استُثني منه الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقي حكمه متحققاً في غير المؤمنين كما سيأتي . . .

والخُسر : مصدر وهو ضد الربح في التجارة ، استعير هنا لسوء العاقبة لمن يظن لنفسه عاقبةً حسنة ، وتلك هي العاقبة الدائمة وهي عاقبة الإِنسان في آخرته من نعيم أو عذاب .

وقد تقدم في قوله تعالى { فما ربحت تجارتهم } في سورة البقرة ( 16 ) وتكررت نظائره من القرآن آنفاً وبَعيداً ، والظرفية في قوله : (لفي خسر) مجازية شبهت ملازمة الخسر بإحاطة الظرف بالمظروف فكانت أبلغ من أن يقال : إن الإنسان لخاسر ،وتنكير { خسر } يجوز أن يكون للتنويع ، ويجوز أن يكون مفيداً للتعظيم والتعميم في مقام التهويل وفي سياق القسَم ،والمعنى : إن الناس لفي خسران عظيم وهم المشركون .

ومجيء هذا الخبر على العموم مع تأكيده بالقَسم وحرف التوكيد في جوابه ، يفيد التهويل والإِنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس . ذكره ابن عاشور

( إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ)
وأعقب بالاستثناء بقوله : { إلا الذين آمنوا } الآية فيتقرر الحكم تاماً في نفس السامع مبيناً أن الناس فريقان : فريق يلحقه الخسران ، وفريق لا يلحقه شيء منه ، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يلحقهم الخسران بحال إذا لم يتركوا شيئاً من الصالحات بارتكاب أضدادها وهي السيئات .

ومن أكبر الأعمال الصالحات التوبة من الذنوب لمقترفيها ، فمن تحقق فيه وصف الإِيمان ولم يعمل السيئات أو عملها وتاب منها فقد تحقق له ضد الخسران وهو الربح المجازي ، أي حسن عاقبة أمره ، وأما من لم يعمل الصالحات ولم يتب من سيئاته فقد تحقق فيه حكم المستثنى منه وهو الخسران .

وهذا الخسر متفاوت فأعظمه وخالده الخسر المنجر عن انتفاء الإِيمان بوحدانية الله وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ودون ذلك تكونُ مراتب الخسر متفاوتة بحسب كثرة الأعمال السيئة ظاهرها وباطنها . وما حدده الإِسلام لذلك من مراتب الأعمال وغفران بعض اللمم إذا ترك صاحبه الكبائر والفواحشَ وهو ما فسر به قوله تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } [ هود : 114 ] .

وهذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإِنذار والوعيد ، أي لفي خسر في الحياة الأبدية الآخرة فلا التفات إلى أحوال الناس في الحياة الدنيا ، قال تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } [ آل عمران : 196 ، 197 ] .

وال التعريف في قوله: (الصالحات) تعريف الجنس المراد به الاستغراق؛ أي عملوا جميع الأعمال الصالحة التي أمروا بعملها بأمر الدين. وعَمل الصالحات يشمل ترك السيئات. ذكره ابن عاشور.
( وتواصوا ) أوصى بعضهم بعضا ، ( بالحق ) بالقرآن ، قاله الحسن وقتادة ، وقال مقاتل : بالإيمان والتوحيد . ( وتواصوا بالصبر ) على أداء الفرائض وإقامة أمر الله . وروى ابن عون عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم ، وهي مثل قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. ذكره البغوي
وعُطف على عَمل الصالحات التواصي بالحق والتواصي بالصبر وإن كان ذلك من عمل الصالحات ، عَطْف الخاص على العام للاهتمام به لأنه قد يُغفل عنه ، يُظن أن العمل الصالح هو ما أثرُه عمل المرء في خاصته ، فوقع التنبيه على أن من العمل المأمور به إرشادَ المسلم غيره ودعوتَه إلى الحق ، فالتواصي بالحق يشمل تعليم حقائق الهدى وعقائد الصواب وإراضة النفس على فهمها بفعل المعروف وترك المنكر .

والتواصي بالصبر عطف على التواصي بالحق عطف الخاص على العام أيضاً وإن كان خصوصه خصوصاً من وجهٍ لأن الصبر تحمَّل مشقة إقامة الحق وما يعترض المسلم من أذى في نفسه في إقامة بعض الحق .

وحقيقة الصبر أنه : منع المرء نفسه من تحصيل ما يشتهيه أو من محاولة تحصيله ( إن كان صعبَ الحصول فيترك محاولة تحصيله لخوْف ضر ينْشأ عن تناوله كخوف غضب الله أو عقاب ولاة الأمور ) أو لرغبة في حصول نفع منه ( كالصبر على مشقة الجهاد والحج رغبة في الثواب والصبر على الأعمال الشاقة رغبة في تحصيل مال أو سمعة أو نحو ذلك ) .

ومن الصبر الصبر على ما يلاقيه المسلم إذا أمَرَ بالمعروف من امتعاض بعض المأمورين به أو مِن أذاهم بالقول كمن يقول لآمره : هَلاّ نظرت في أمر نفسك ، أو نحو ذلك .

وأما تحمل مشقة فعل المنكرات كالصبر على تجشّم السهر في اللهو والمعاصي ، والصبر على بشاعة طعم الخمر لشاربها ، فليس من الصبر لأن ذلك التحمل منبعث عن رجحان اشتهاء تلك المشقة على كراهية المشقة التي تعترضه في تركها .

وقل اشتمل قوله تعالى : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } على إقامة المصالح الدينية كلها ، فالعقائد الإِسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحق ، والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر .

والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها فإن الارتياض بالأخلاق الحميدة لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة ، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبرَ عليه حتى تصير مكارم الأخلاق ملكه لمن راض نفسه عليها ، كما قال عمرو بن العاص

: ... إذا المرءُ لم يَترُكْ طعاماً يُحبُّه

ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيثُ يمَّما ... فيوشِك أن تُلفَى له الدَّهرَ سُبّةٌ

إذا ذُكِرَتْ أمثالُها تَمْلأ الفَمَا ...

وكذلك الأعمال الصالحة كلها لا تخلو من إكراه النفس على ترك ما تميل إليه . وفي الحديث : " حُفَّت الجنة بالمكارِهِ وحُفّت النار بالشهوات " . وعن علي بن أبي طالب : «الصبر مطية لا تكبو» .

وأفادت صيغة التواصي بالحق وبالصبر أن يكون شأن حياة المؤمنين قائماً على شيوع التآمر بهما ديدناً لهم ، وذلك يقتضي اتصاف المؤمنين بإقامة الحق وصبرهم على المكاره في مصالح الإِسلام وأمته لما يقتضيه عرف الناس من أن أحداً لا يوصي غيره بملازمة أمر إلا وهو يرى ذلك الأمر خليقاً بالملازمة إذ قلّ أن يُقدم أحد على أمر بحق هو لا يفعله أو أمر بصبر وهو ذو جزع ، وقد قال الله تعالى توبيخاً لبني إسرائيل : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } [ البقرة : 44 ].

وذكر ابن كثير في قوله: (وتواصوا بالصبر) أنه الصبر على المصائب والأقدار، وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.
فبالأمرين الأولين يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم. كما أورده السعدي.

والحمدلله رب العالمين..

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 محرم 1438هـ/2-10-2016م, 11:41 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

قال تعالى في سورة سبأ:

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)

نستخلص هنا بحول الله المسائل البيانية، من الآية العاشرة من سورة سبأ والتي قال عنها ابن عاشور في تفسيره:

"وَفِي هَذَا الْأُسْلُوبِ الَّذِي نُظِمَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنَ الْفَخَامَةِ وَجَلَالَةِ الْخَالِقِ وَعِظَمِ شَأْنِ دَاوُدَ مَعَ وَفْرَةِ الْمَعَانِي وَإِيجَازِ الْأَلْفَاظِ"


• قوله تعالى: { منا }

1. فيه تَشْرِيفٌ لِلْفَضْلِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [الْقَصَص: 57] .
2. كون الفضل من الله أضاف له شرف، على شرفه.
3. فيه حصر، فالفضل من الله وحده.
4. وتقديم { منا} على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم، والتشويق إلى المؤخر، لأن ما حقه التقديم إذا أخر ترقبت النفس له، فإذا ذكر كان وقعه عليها أقوى.

• قوله تعالى: { فضلا}
1. التنكير هنا لغرض التعظيم، والتفخيم، ويشمل كل ما أوتيه داود عليه السلام من فضائل
2. التنوين هنا أيضا للتعظيم

• قوله تعالى: { يا جبال}

1. أنزل الجبال، والطير، منزلة العاقل تنبيها على كمال قدرته، وبديع تصرفه في الأشياء كلها.
2. تنزيل الجبال والطير منزلة العاقل، يشعر بأن ما سواهما من الخلق حتى لو كان جمادا أو حيوانا، فهو تحت سلطان رب العالمين، منقاد لأمره.
3. قرن بين تسبيح أشد الأرض ( الجبال)، وألطف الحيوان ( الطير ).
4. ذكر تسبيح الطير يشير إلى حقيقة تسبيح الجبال، خلافا لمن ظن أن تسبيح الجبال هنا رجع الصدا
وأخيرا أنقل ما قاله صاحب الكشاف عن بديع نظم هذه الآية حيث قال:
"فإن قلت: أى فرق بين هذا النظم وبين أن يقال وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا تأويب الجبال معه والطير؟
قلت: كم بينهما. ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى: من الدلالة على عزّة الربوبية وكبرياء الإلهية، حيث جعلت الجبال منزّلة منزلة العقلاء الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا: إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت، إلا وهو منقاد لمشيئته، غير ممتنع على إرادته" [الكشاف، 3: 571]

المراجع:
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور،
- تفسير أبي السعود
- وروح المعاني للألوسي
- والكشاف للزمخشري
- ونظم الدرر للبقاعي
- حاشية الطيبي على الكشاف
- حاشية الشهاب الخفاجي على البيضاوي

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir