1/1240 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
الْحَدِيثُ دليلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا لَهُ نَابٌ مِنْ سِبَاعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَالنَّابُ: السِّنُّ خَلْفَ الرُّبَاعِيَّةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالسَّبُعُ: هُوَ الْمُفْتَرِسُ مِن الْحَيَوَانِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْضاً، وَفِيهِ: الافْتِرَاسُ: الاصْطِيَادُ.
وَفِي النِّهَايَةِ: نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ، هُوَ مَا يَفْتَرِسُ الْحَيَوَانَ، وَيَأْكُلُ قَهْراً وَقَسْراً؛ كَالأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَنَحْوِهَا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا؛ فَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدَ إلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ، وَلَكِنَّهُم اخْتَلَفُوا فِي جِنْسِ السِّبَاعِ الْمُحَرَّمَةِ.
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَا أَكَلَ اللَّحْمَ فَهُوَ سَبُعٌ، حَتَّى الْفِيلُ وَالضَّبُعُ وَالْيَرْبُوعُ وَالسِّنَّوْرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْرُمُ مِن السِّبَاعِ مَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ؛ كَالأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَنَحْوِهَا، دُونَ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ؛ لأَنَّهُمَا لا يَعْدُوَانِ عَلَى النَّاسِ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عنهُ، وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ، عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُ فِيهَا ضَعْفٌ، وَالشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى حِلِّ لُحُومِ السِّبَاعِ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآيَةَ، فَالْمُحَرَّمُ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي الآيَةِ، وَمَا عَدَاهُ حَلالٌ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَهُوَ نَاسِخٌ لِلآيَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَبِأَنَّ الآيَةَ خَاصَّةٌ بِثَمَانِيَةِ الأَزْوَاجِ مِن الأَنْعَامِ؛ رَدًّا عَلَى مَنْ حَرَّمَ بَعْضَهَا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ} إلَى آخِرِ الآيَاتِ.
فَقِيلَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآيَةَ؛ أَيْ: أَنَّ الَّذِي أَحْلَلْتُمُوهُ هُوَ الْمُحَرَّمُ، وَالَّذِي حَرَّمْتُمُوهُ هُوَ الْحَلالُ، وَأَنَّ ذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ، وَقَرَنَ بِهَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ؛ لِكَوْنِهِ مُشَارِكاً لَهَا فِي عِلَّةِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ كَوْنُهُ رِجْساً.
فَالآيَةُ وَرَدَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُحِلُّونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَيُحَرِّمُونَ كَثِيراً مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، وَكَانَ الْغَرَضُ مِن الآيَةِ بَيَانَ حَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُضَادُّونَ الْحَقَّ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَا حَرَّمَ إِلاَّ مَا أَحْلَلْتُمُوهُ؛ مُبَالَغَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ.
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: قُلْ: لا أَجِدُ الآيَةَ مُحَرَّماً، إلاَّ مَا ذُكِرَ فِي الآيَةِ، ثُمَّ حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ بَعْدُ كُلَّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ. وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ، لا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
2/1241 - وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِلَفْظِ: نَهَى. وَزَادَ: ((وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ)).
(وَأَخْرَجَهُ)؛ أَيْ: أَخْرَجَ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مسلمٌ، (مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: نَهَى)؛ أَيْ: نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ، (وَزَادَ)؛ أَي: ابْنُ عَبَّاسٍ، (وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ): بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللاَّمِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ، (مِنَ الطَّيْرِ).
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ تَحْرِيمَ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضاً مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، وَزَادَ فِيهِ: يَوْمَ خَيْبَرَ. فِي الْقَامُوسِ: الْمِخْلَبُ: ظُفُرُ كُلِّ سَبُعٍ مِن الْمَاشِي وَالطَّائِرِ، أَو لِمَا يَصِيدُ مِن الطَّيْرِ، وَالظُّفُرُ لِمَا لا يَصِيدُ. وَإِلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ ذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ.
وَفِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: نُسِبَ إلَى الْجُمْهُورِ الْقَوْلُ بِحِلِّ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ، وَقَالَ: وَحَرَّمَهَا قَوْمٌ، وَنَقْلُ النَّوَوِيُّ أَثْبَتُ؛ لأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفَرِيقَيْنِ وَأَحْمَدَ؛ فَإِنَّ فِي دَلِيلِ الطَّالِبِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ مَا لَفْظُهُ: وَيَحْرُمُ مِن الطَّيْرِ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ؛ كَعُقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينَ، وَعَدَّ كَثِيراً مِنْ ذَلِكَ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِنْهَاجِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَمِثْلُهُ لِلْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ، وَلا يَحْرُمُ. وَأَمَّا النَّسْرُ فَقَالُوا: لَيْسَ بِذِي مِخْلَبٍ، لَكِنَّهُ يُحَرَّمُ؛ لاسْتِخْبَاثِهِ.
وقَالَت الشَّافِعِيَّةُ: يَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ؛ كَحَيَّةٍ، وَعَقْرَبٍ، وَغُرَابٍ أَبْقَعَ، وَحِدَأَةٍ، وَفَأْرَةٍ، وَكُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ))، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، قَالُوا: وَلأَنَّ هَذِهِ مُسْتَخْبَثَاتٌ شَرْعاً وَطَبْعاً.
قُلْتُ: وَفِي دَلالَةِ الأَمْرِ بِقَتْلِهَا عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا نَظَرٌ، وَيَأْتِي لَهُمْ أَنَّ الأَمْرَ بِعَدَمِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الآدَمِيَّ إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً مِنْ بَهَائِمِ الأَنْعَامِ فَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِقَتْلِهَا، قَالُوا: وَلا يَحْرُمُ أَكْلُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا مُلازَمَةَ بَيْنَ الأَمْرِ بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيمِ.