دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:07 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الكلام في الأزل

وَالْكَلَامُ فِي الْأَزَلِ، قِيلَ لَا يُسَمَّى خِطَابًا، وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ

  #2  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 03:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(وَالْكَلَامُ) النَّفْسِيُّ (فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يُسَمَّى خِطَابًا) حَقِيقَةً لِعَدَمِ مَنْ يُخَاطِبُ بِهِ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يَفْهَمُ وَإِسْمَاعِهِ إيَّاهُ بِاللَّفْظِ كَالْقُرْآنِ أَوْ بِلَا لَفْظٍ كَمَا وَقَعَ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ. خَرْقًا لِلْعَادَةِ وَقِيلَ سَمِعَهُ بِلَفْظٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ (وَ) الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ (قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهَا لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهَا فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَكُونُ الْأَنْوَاعُ حَادِثَةً مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ فِي الْأَزَلِ إلَيْهَا بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ حُدُوثِ الْأَنْوَاعِ مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا يَلْزَمُهُ مُحَالٌ مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ أَنْوَاعِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ أَيْ عَوَارِضُ لَهُ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهَا تَحْدُثُ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَيْهَا عَلَى الثَّانِي بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ صِفَةً وَاحِدَةً كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ فَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فِي الْأَزَلِ أَوْ فِيمَا لَا يَزَالُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ لِفِعْلِهِ يُسَمَّى أَمْرًا أَوْ لِتَرْكِهِ يُسَمَّى نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ المتعلقتين بِالْمَدْلُولِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى النَّظَرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لِاسْتِتْبَاعِهِ مَا يَطُولُ.

  #3  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 03:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص): (والكلامُ في الأزلِ قِيلَ: لاَ يُسَمَّى خِطَاباً، وَقِيلَ: لاَ يَتَنَوَّعُ).
(ش): فيه مسألتَانِ:
إِحْدَاهُمَا:كلامُ اللَّهِ تَعَالَى في الأَزَلِ هَلْ يُسَمَّى خِطَاباً ؟
فيه خِلاَفٌ، حَكَاهُ الشيخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ في كتابِ (الْحُدُودِ) وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ في (الْمُرْشِدِ) قَالاَ: فَذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلى أَنَّهُ لاَ يُسَمَّى خِطَاباً وَأَمْراً ونَهْياً في الأَزَلِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ فِيمَا لاَ يَزَالُ عِنْدَ وجودِ المُخَاطَبِ، وهو حدوثُ تسميةٍ لاَ حدوثٌ عَنِ الكلامِ، ولاَ تتغيرُ بِذَلِكَ صِفَتُهُ في نَفْسِهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يصيرُ أَباً وعَمًّا وَزَوْجاً بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مِنْ ذلكَ، وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا بِتَغَيُّرِ الغيرِ اسْتَحَقَّ هَذِهِ الأسماءَ حَقِيقَةً؛ فَعَلَى هَذَا كُلُّ خِطَابٍ كلامٌ، ولاَ يَنْعَكِسُ لأنَّ كلامَهُ في الأَزَلِ ليسَ بِخِطَابٍ.
والثانِي: وعليه المتأخرونَ يُسَمَّى خِطَاباً بِشَرْطِ حُدُوثِ المُخَاطَبِ، وَقَالَ ابْنُ القُشَيْرِيِّ: وهو قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ الصحيحُ؛ لأنَّ الآمِرَ أَمَرَ لنفسِهِ، والصفاتُ النفسيةُ لاَ تَتَحَدَّدُ بِتَحَدُّدٍ.
قُلْتُ: وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الأَشْعَرِيُّ: إِنَّ المعدومَ مَأْمُورٌ بِالأَمْرِ الأَزَلِيِّ عَلَى تقديرِ الوُجُودِ، وَحَكَى الشيخُ السُّبْكِيُّ في (شَرْحِ الْمِنْهَاجِ) المنعَ عَنِ القاضِي أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ، فَهَلْ يُسَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ وُجُودُ المُخَاطَبِ والمأمورِ، يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنْ حَصَلَ إِسْمَاعُهُ لذلكَ كَمَا فِي مُوسَى (عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ) يُسَمَّى خِطَاباً بِلاَ شَكٍّ، وَإِلاَّ فَلاَ على قياسِ قَوْلِ القاضِي .
قُلْتُ: المانعُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لاَ يُسَمَّى خِطَاباً وَأَمْراً عِنْدَ وُجُودِ المخاطبِ والمأمورِ كَمَا سَبَقَ عَنِ الشيخِ وابْنِ الْقُشَيْرِيِّ، وهو عِنْدَهُمْ مِنْ صِفَاتِ الأفعالِ بِمَثَابَةِ اتِّصَافِ الرَّبِ تَعَالَى فِي الأَزَلِ، بِكَوْنِهِ خَالِقاً رَازِقاً، وَذَكَرَ بعضُهم أَنَّ الخلافَ لَفْظِيٌّ؛ لأنَّ الطلبَ الأزلِيَّ، إِنَّمَا هُوَ طَلَبٌ بالصلاحِيَّةِ، لاَ بالتعلُقِ؛ إِذِ الكلامُ الأزَلِيُّ فيِ نفسِهِ عَلَى صِفَةِ الاقتضاءِ مِمَنْ سَيَكُونُ، فَإِذَا كَانَ تَعَلَّقَ به ذلكَ الاقتضاءُ فيكونُ اقتضاءً بالفعلِ،فهذا يُسَمَّى اقتضاءً حقيقةً، والأولُ يُسَمَّى اقتضاءً مجازاً، ولهذا اخْتُلِفَ في جَوَازِ إِطْلاَقِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الخِلافُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تفسيِر الخطابِ، فَمَنْ فَسَّرَهُ بالكلامِ الذي يُقْصَدُ بِهِ إِفْهَامُ مَنْ هُوَ مُتَهَيِّئٌ لِفَهْمِهِ في الحالِ .
قَالَ: لاَ يُسَمَّى خِطَاباً، وَمَنْ قَالَ: يُقْصَدُ بِهِ الإفهامُ في الجملةِ، أَطْلَقَهُ عليه.
والحقُّ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ، وَمِمَّا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ، أَنَّ الكلامَ حُكْمٌ فِي الأَزَلِ، أَوْ يَصِيرُ حُكْماً فِيمَا لاَ يَزَالُ، هي مسألةُ أَمْرِ المعدومِ السابقةُ.
الثانيةُ: هَلْ يَتَنَوَّعُ الكلامُ ؟ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ـ كَمَا قَالَ الإِمَامُ فيِ (المُحَصِّلِ) ـ إلى تَنَوُّعِهِ إِلَى خَمْسِ كَلِمَاتٍ: الأمرُ، والنهيُ، والخبرُ، والاستخبارُ، والنداءُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ إِلَى سَبْعَةٍ، وَزَادَ: الوعدَ، والوعيدَ.
والجمهورُ على أَنَّهُ لاَ يَتَنَوَّعُ، وَحَكَى إِمَامُ الحَرَمَيْنِ فِي (الإِرْشَادِ): فِيهِ الاتفاقَ، وَلَهُمْ فِيهِ مَسَالِكُ، مِنْهَا التمسكُ بنوعٍ مِنَ الإجماعِ، وَهِيَ طريقةُ القاضِي، فَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى نَفْيِ كلامٍ ثانٍ قديمٍ وَنَفْيِ إِرَادَةٍ ثانيةٍ قديمةٍ . قَالَ: وَإِنَّمَا صِرْتُ إلى هَذَا؛ لأَنَّا وَجَدْنَا الْعِلْمَ القديمَ مُتَعَلِّقاً لِسَائِرِ المعلوماتِ قائماً مقامَ علومٍ مختلفةٍ في الشاهدِ، وليسَ في العقلِ مَا يَمْنَعُ مِنْ قِيَامِ العِلْمِ القَدِيمِ مَقَامَ القُدْرَةِ، وَلاَ يُؤَدِّي إلى وُجُوبِ تَعَلُّقِ العلمَ بجميعِ المعلوماتِ فَاضْطُرِرْنَا إلى الرجوعِ إلى الإجماعِ، وَنَازَعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ في الإجماعِ بِمَا حَكَى عَنِ الأستاذِ أَبِي سَهْلِ الصُّعْلُوكِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ بِكُلِّ معلومٍ عِلْمٌ، فَلَهُ عُلُومٌ لاَ نهايةَ لَهَا، وَلاَ شَكَّ أَنَّهُ يُجْرِيهِ فيِ الكَلاَمِ وَالقُدْرَةِ، وَسَائِرَ الصفاتِ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا دَخُولُ مَا لاَ نهايةَ لَهُ في الوجودِ، وَيَسْتَحِيلُ حَصْرُ مَا لاَ يَنْحَصِرُ، ودخولُ مَا لاَ تَنَاهِيَ لَهُ في الوجودِ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ، وَمِنْهَا التمسكُ بالعقلِ، فَإِنَّ الدليلَ العقليَّ قَامَ على وجوبِ اتحادِ كُلِّ صِفَةٍ لِلَّهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مُتَعَلَّقَاتُهَا، فَكَمَا أَنَّهُ عَالِمٌ بعِلِمْ ٍواحدٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ واحدةٍ عَلَى جَمْعِ الْمَقْدُرَواتِ، والعلومُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا حقيقةٌ واحدةٌ، وهي العلميةُ ـ فكذلكَ الكلامُ مُتَّحِدٌ لاَ كَثْرَةَ فِيهِ فِي نَفْسِهِ، بَلِ الكَثْرَةُ إِنَّمَا هِيَ في مُتَعَلَّقَاتِهِ الخارجيةِ، فَإِذَا تَعَلَّقَ بالمأمورِ سُمِّيَ أَمْراً، وَبِالْمَنْهِيِّ سُمِّيَ نَهْياً، وَإِنْ كَانَ بالنسبةِ إلى حالةٍ مَا فَهُوَ الخبرُ، فَاخْتِلاَفُ التسميةِ بِحَسْبِ اختلافِ تَعَلُّقَاتِهِ، وليسَ راجعاً إلى نفسِ الكلامِ، بَلْ إلى أمرٍ خارجٍ عَنْهُ، ولهذا لَوْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ هَذِهِ لمَ ْيَرْتَفِعْ نَفْسُ الكلامِ .
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَجْمَعَ العقلاءُ على انقسامِ الكلامِ إلى أمرٍ، ونهيٍ، وخبٍر، وغيرِ ذلكَ مِنَ الأنواعِ.
فالجوابُ مِنْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لهذا الإشكالِ الْتَزَمَ الأستاذُ رَدَ جميعِهَا إلى الخبرِ لِيَنْتَظِمَ لَهُ القَوْلُ بالوحدةِ، فَقَالَ: الأمرُ خَبَرٌ عَنْ تَحَتُّمِ الفعلِ، والنهيُ خَبَرٌ عَنْ تَحَتُّمِ التركِ، وَكَذَا قَالَ الإمامُ فِي (الْمُحَصِّلِ) قَالَ: وَالاسْتِخْبَارُ إِخْبَارٌ عَنْ طَلَبِ شيءٍ مِنَ الْمُخَاطَبِ، والنداءُ خبٌر عَنْ أَنَّ المنادَى يَصِيرُ بَعْدَ النداءِ مُخَاطَباً، وَذَكَرَ الآمِدِيُّ نَحْوَهُ، وَقَالَ: الاستخبارُ يَسْتَحِيلُ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلى التقديرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الخَبَرِ.
قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ تَعَلَّقَ بِمَا حُكِمَ بِفِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ يُسَمَّى طَلَباً، وَإِنْ تَعَلَّقَ بغيرِهِ سُمِّيَ خَبَراً.
وثانِيهَا: أَنَّا إِذَا قُلْنَا: لاَ يَتَّصِفُ في الأزلِ بكونِهِ أَمْراً وَنَهْياً وَخَبَراً، وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بذلكَ عِنْدَ وُجُودِ المخاطَبِ زَالَ الإشكالُ، وَإِنْ قُلْنَا بِاتِّصَافِهِ في الأَزَلِ بذلكَ كَمَا ـ هو رَأْيُ الأَشْعَرِيِّ ـ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ فِي نفسِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ، والاختلافُ فيه يَرْجِعُ إلى التعبيراتِ عنه بِحَسْبِ تَعَلُّقِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الكلامُ واحداً، والمتعلقاتُ متعددةٌ على نَحْوِ تَعَلُّقِ الشمسِ بِمَا قَابَلَهَا، واسْتِضَاءَتُهَا مِنْ زجاجاتٍ مختلفةٍ، فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الأَلْوَانُ مِنْ أسودَ وأبيضَ وأخضرَ، لاَ يُوجِبُ وُقُوعَ التَّعَدُّدِ في الشمسِ نَفْسِهَا، وهو نَحْوَ قَوْلَ الفيلسوفِ في المبدأِ الأولِ حَيْثُ قَضَي بِوَحْدَتِهِ، وَأَنَّ تَكَرُّرَ أسمائِهِ بسببِ سلوبٍ وإضافاتٍ لاَ تُوجِبُ صفاتٍ زائدةٍ على الذاتِ، قَالَ الآمِدِيُّ في (غَايَةِ المَرَامِ): وَمَنْ فَهْمِ هذا التحقيقِ انْدَفَعَ عَنْهُ الإشكالُ وَزَالَ الخَيَالُ فَإِنَّهُ غَيْرُ بعيدٍ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى خَبَرٌ عَنْ إرسالِ نُوحٍ مَثَلاً، وَيَكُونُ التعبيُر عَنْهُ قَبْلَ إرسالِهِ، بِأَنَّا نُرْسِلُهُ، وبَعْدَ الإرسالِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوْحاً} فالمعبرُ عَنْهُ يَكُونُ واحداً في نفسِهِ على مَمَرِّ الدهورِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُعَبَّرُ بِهِ، قَالَ: وهذا جَلِيٌّ لِكُلِّ مُنْصِفٍ، وَقَدْ أَوْرَدَ على هذا الطريقِ أَنَّكُمْ إِذَا جَعَلْتُمْ التنوعَ باختلافِ المتعلقاتِ أُشْكِلَ عَلَيْكُمْ بالإرادةِ والعلمِ والقدرةِ وغيرِهَا مِنَ الصفاتِ، فَهَلاَّ قُلْتُمْ: إِنَّهَا تَرْجِعُ لِمَعْنًى واحدٍ، وَيَكُونُ التعبيُر عَنْهُ بسببِ المتعلقاتِ لاَ بسببِ اختلافِهِ في ذاتِهِ فَسُمِّيَ إِرَادَةً عِنْدَ تَعَلُّقِهِ بِالْمُخَصِّصِ، وَقُدْرَةً عِنْدَ تَعَلُّقِهِ بالإيجادِ، وَكَذَا سَائِرُ الصفاتِ، وَأَجَابَ المحققونَ بِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِرُجُوعِ العِلْمِ أَوِ القدرةِ لأَدَّى إلى عدمِ الفَرْقِ بَيْنَ المعلوماتِ والمقدوراتِ، وهو مُمْتَنِعٌ، فَكَذَلِكَ وَجَبَ اختلافُ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ المعلوماتُ والمقدوراتُ، وَلَمْ يَجِبْ في الكلامِ، وَحَكَى الآمِدِيُّ فِي (الأَبْكَارِ) عَنِ الأصحابِ أَنَّهُمْ أَجَابُوا بِأَنَّ القدرةَ والإرادةَ تَخْتَلِفُ مَعَهَا التَأَثُّرَاتُ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الاخْتِلاَفِ في نَفْسِ المُؤَثِّرِ بخلافِ الكلامِ، فَإِنَّ تَعَلُّقَهُ بِمُتَعَلَّقَاتِهِ لاَ يُوجِبُ أَثَراً، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ مختلفاً، ثُمَّ اسْتَشْكَلَ الْهُذَلِيُّ هذا الجوابَ، وَقَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِي كُلُّهُ، وَلِعُسْرِ جَوَابِهِ ذَهَبَ بعضَ أصحابِنَا إلى تَعَدُّدِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ الدليلَ قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُودِ أَصْلِ الكلامِ فالقولُ بِنَفْيِهِ تَقْصِيٌر، والقولُ بِتَكْثِيرِهِ إِفْرَاطٌ، وَكُلُّ خَارِجٍ عَنْ جَوْدَةِ الاحتياطِ .
واسْتَجْوَدَ الآمِدِيُّ في (غَايَةِ الْمَرَامِ) هذا، قَالَ: ولعمري إن ممن رام نفي التكثر عن الكلام وغيره من الصفات بغير هذا الطريق ـ لم يجد مسلكاً وقد أورد على القول بالإيجاد أنه كيف يسوغ ما أخبر اللَّه عنه من القصص الماضية وهي مختلفة متمايزة، فإنَّ ما جرى لكل نبي غير ما جرى للآخر، وكذلك المأمورات والمنهيات، فكيف يكون ما جرى لآدم هو نفس الخبر عما جرى لموسى أو عيسى، أم كيف يكون الأمر بالحج هو نفس الأمر بالصلاة، وكيف يكون {قل هو اللَّه أحد} نفس {تبت يدا أبي لهب} فلم يبق إلا أنه أنواع مختلفة الذوات مشتركة في الكلام، والكلام كالجنس لها، والجواب: أنا لم نرد بذلك أن ما يرد بذلك أن ما عبر عنه بالنهي عين ما عبر عنه بالأمر أو ما عبر عنه في بعض الأخبار عين ما عبر عنه في الآخر، فإنَّ ذلك محال، بل قلنا: إن حقيقة الكلام واحدة، واختلاف الأساس باعتبار اختلاف التعلقات والإضافات إلى الأمور الخارجة، وليس ذلك بمحال، وإنما انقسام القديم، وهو مقصودنا بنفي التنوع، ولهذا قلنا في الحادث بالتنوع، إذ هو من قبيل الأعراض المتجددة المتغيرة، وذلك يستحيل في حق القديم.

  #4  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 03:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: والكلام في الأزل، قيل: لا يسمى خطاباً، وقيل: لا يتنوع.
ش: فيه مسألتان.
إحداهما: اختلف في أن كلام الله تعالى هل يسمى في الأزل خطاباً، أو لا يسمى بذلك إلا عند وجود المخاطب؟ والأول محكي عن الأشعري، والثاني عن القاضي أبي بكر، ولذلك قال الأشعري: إن المعدوم مأمور بالأمر الأزلي على تقدير الوجود، ويعترض على المصنف في جزمه بذلك فيما تقدم عن أصحابنا فقال: ويتعلق الأمر بالمعدوم خلافاً للمعتزلة، وحكي هذا الخلاف من غير ترجيح مع أن هذه المسألة أصل لذلك.
الثانية: اختلف أيضاً في أن كلام الله تعالى هل يتنوع؟ فقال الجمهور: لا، وكونه أمراً ونهياً وخبراً، أوصاف للكلام لا أقسام له، وقال بعضهم: يتنوع إلى أمر ونهي وخبر واستخبار ونداء، وزاد بعضهم أمرين آخرين وهما: الوعد الوعيد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكلام, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir