57: قصيدة المرقش الأصغر: لاِبنَةِ عَجلاَنَ بالجَو رسومْ = لم يتعفينَ والعهدُ قَديمْ

[علي بن عمر]

وقال الأصغر أيضاً:

لاِبْنَةِ عَجْلاَنَ بالجَوِّ رُسُومْ = لم يَتَعَفَّيْنَ والعَهْدُ قَدِيمْ
لاِبْنَةِ عَجْلاَنَ إِذْ نَحْنُ معاً = وأَيُّ حالٍ منَ الدَّهْرِ تَدُومْ
أَمِنْ دِيارٍ تَعَفَّى رَسْمُها = عيْنُكَ مِنْ رَسْمِها بِسَجُومْ
أَضْحَتْ قِفاراً وقدْ كانَ بها = فِي سَالِفِ الدَّهْر أَرْبابُ الهُجُومْ
بَادُوا وأَصْبَحْتُ مِنْ بَعدِهِمُ = أَحْسَبُني خالِداً ولا أَرِيمْ
يَا ابْنَةَ عَجْلاَنَ ما أَصْبَرَنِي = علي خُطُوبٍ كَنَحْتٍ بالقُدُومْ
كأَنَّ فيها عُقَاراً قَرْقَفاً = نَشَّ مِنَ الدَّنِّ فالكأْسُ رَذُومْ
شَنَّ عليها بماءٍ باردٍ = شَنٌّ مَنُوطٌ بأَخْرَابِ هَزِيمْ
في كلِّ مُمْسىً لَها مِقْطَرَةٌ = فيها كِباءٌ مُعَدٌّ، وحَمِيمْ
لاَ تَصْطَلِي النَّارَ باللَّيْلِ ولاَ = تُوقَظُ لِلزَّادِ، بَلْهاءُ نَؤُومْ
أَرَّقَنِي الليْلَ بَرْقٌ ناصِبٌ = ولَمْ يُعِنِّي عَلَى ذاكَ حَمِيمْ
مَنْ لِخَيَالٍ تَسَدَّى مَوْهِناً = أَشْعَرَنِي الهمَّ فَالقَلْبُ سقِيمْ
ولَيْلةٍ بِتُّها مُسْهِرَةٍ = قد كَرَّرَتْها عَلَى عَيْنِي الهُمُومْ
لم أَغْتَمِضْ طُولَهَا حَتَّى انْقَضَتْ = أَكلَؤُها بَعْدَ ما نامَ السَّلِيمْ
تَبْكِي على الدَّهْرِ، والدَّهْرُ الَّذِي = أَبْكَاك، فالدَّمْعُ كالشَّنِّ الهَزيمْ
فَعَمْرَكَ اللهَ هَلْ تَدْرِي إِذَا = ما لُمْتَ في حُبِّهَا فِيمَ تَلُومْ
تُؤْذِي صَدِيقاً وتُبْدِي ظِنَّةً = تُحْرِزُ سَهماً وسَهماً ما تَشِيمْ
كم مِنْ أَخِي ثَرْوَةٍ رَأَيْتُهُ = حَلَّ علَى مالِهِ دَهْرٌ غَشُومْ
ومن عزِيز الحِمَى ذِي مَنْعَةٍ = أَضْحَى وقد أَثَّرتْ فيهِ الكُلومْ
بَيْنَا أَخُو نِعَْةٍ إِذْ ذَهَبتْ = وحُوِّلَتْ شِقْوَةٌ إِلى نَعِيمْ
وبَيْنَا ظَاعِنٌ ذُو شُقَّةٍ = إِذْ حَلَّ رَحْلاً وإِذْ خَفَّ المُقِيمْ
ولِلْفَتَى غَائِلٌ يَغُولُهُ = يا ابْنَةَ عَجْلاَنَ مِنْ وَقْعِ الحُتُومْ

[محمد أبو زيد]

57

وقال الأصغر أيضا

1: لابنة عجلان بالجو رسوم = لم يتعفين والعهد قديم
2: لابنة عجلان إذ نحن معا = وأي حال من الدهر تدوم
3: [أمن ديار تعفي رسمها = عينك من رسمها بسجوم]
4: أضحت قفارا وقد كان بها = في سالف الدهر أرباب الهجوم
5: بادوا وأصبحت من بعدهم = أحسبني خالدا ولا أريم
6: يا ابنة عجلان ما أصبرني = على خطوب كنحت بالقدوم
7: كأن فيها عقارا قرقفا = نش من الدن فالكأس رذوم
8: [شن عليها بماء بارد = شن منوط بأخراب هزيم]
9: في كل ممسى لها مقطرة = فيها كباء معد، وحميم
10: لا تصطلي النار بالليل ولا = توقظ للزاد، بلهاء نؤوم
11: أرقني الليل برق ناصب = ولم يعني على ذاك حميم
12: من لخيال تسدى موهنا = أشعرني الهم فالقلب سقيم
13: وليلة بتها مسهرة = قد كررتها على عيني الهموم
14: لم أغتمض طولها حتى انقضت = أكلؤها بعد ما نام السليم
15: تبكي على الدهر، والدهر الذي = أبكاك، فالدمع كالشن الهزيم
16: فعمرك الله هل تدري إذا = ما لمت في حبها فيم تلوم
17: تؤذي صديقا وتبدي ظنة = تحرز سهما وسهما ما تشيم
18: كم من أخي ثروة رأيته = حل على ماله دهر غشوم
19: ومن عزيز الحمى ذي منعة = أضحى وقد أثرت فيه الكلوم
20: بينا أخو نعمة إذ ذهبت = وحولت شقوة إلى نعيم
21: وبينا ظاعن ذو شقة = إذ حل رحلا وإذ خف المقيم
22: وللفتى غائل يغوله = يا ابنة عجلان من وقع الحتوم

---

جو القصيدة: في هذه القصيدة حديث عن رسوم دار ابنة عجلان، وقد عرفت خبرها في القصيدة السالفة. وفيها نسيب بها وتشبيه ريقها بالخمر، وبيان ما كان فيه من نعمة، وفيها تصوير أثر البرق في الأرق. وقد ذكر طروق الخيال، وأرقه وطول ليله للهموم. ثم خاطب عاذله وأيأسه مما يحاول. وتحدث عن سطوة الدهر على ذوي الغنى والجاه. وتبدل الأحوال بالناس. ثم لم ينس في نهاية القصيدة أن يذكر لابنة عجلان أن الموت غاية كل حي. وهذا مذهب نادر.
تخريجها: منتهى الطلب 1: 313-314 عدا البيت 22. وانظر الشرح 503-507.
(1) الجو: مكان بعينه. لم يتعفين: لم يدرسن.
(3) سجوم: كثيرة إرسال الدمع، والباء زائدة في الخبر المثبت، وهو جائز، وشاهده قوله تعالى في الآية 27 سورة يونس: {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها}. وهذا البيت زيادة من المرزوقي، وعجزه مضطرب الوزن.
(4) الهجوم: جمع هجمة، وهي القطعة من الإبل.
(5) لا أريم: لا أبرح. يقال: "قد رام يريم" إذا زال عن موضعه، وأكثر ما يستعمل هذا الفعل مع النفي.
(7) كأن فيها: أي في فمها. العقار: الخمرة. القرقف: التي يصيب صاحبها من شربها رعدة. نش: صوت عند الغليان. الرذوم: السائل.
(8) شن: صب، أراد مزجها بالماء. بماء: الباء زائدة. الشن: القربة الخلق. منوط: معلق. الأخراب: جمع خربة، بضم فسكون، وهي عروة القربة. الهزيم: القربة المتشققة. وهذا البيت زيادة من المرزوقي.
(9) المقطرة: المجمرة. الكباء: العود. حميم: ماء حار تحم به.
(10) لا توقظ للزاد: يقول: ليست شرهة للأكل، هي منعمة مكفية، تنام متى شاءت. بلهاء: أي عن الفواحش والخنا لأنها لا تعرفه.
(11) ناصب: من النصب، وهو التعب. وهو بمعنى منصب، أي يتعبني بالنظر إليه. الحميم: القريب الذي توده ويودك.
(12) تسدى: تخطى إليه. موهنا: أي بعد ساعة من الليل.
(13) كررتها: أطالتها حتى خيل إليه تكرارها.
(14) أكلؤها: أرعى نجومها. السليم: اللديغ.
(17) الظنة: التهمة. تشيم: تدخل، و"ما" قبله زائدة، يقول: إنك فارغ بطال لا تصنع شيئا، إنما أنت كرجل يسل من كنانته سهما ويدخل سهما.
(19) الحمى: ما منع وحفظ. ذي منعة: أي معه من يحفظه ويمنعه. ويقال منعة ومنعة، بالتحريك والإسكان. الكلوم: الجراحات. أي أثر فيه الدهر.
(21) الشقة: السفر البعيد. والمعنى. بينما الرجل مسافر إذ حل رحله وأقام، وبينما الرجل مقيم إذ سافر، أي ليس الناس على حالة. و"بينا" كذا رويت في صلب المتن. وأشار الأنباري إلى أنه يروى أيضا "وبينما".
(22) يغوله: يذهب به. الحتوم: جمع حتم، وهو القضاء.

[محمد أبو زيد]

وقال الأصغر أيضًا

1: لابنة عجلان بالجو رسوم.......لم يتعفين والعهد قديم

غيره: (الرسم): الأثر بلا شخص والطلل ما شخص من آثار الدار.

2: لابنة عجلان إذ نحن معًا.......وأي حالٍ من الدهر تدوم
3: أضحت قفارًا وقد كان بها.......في سالف الدهر أرباب الهجوم

(الهجوم): جمع هجمة وهي القطعة من الإبل وقال الأصمعي: الهجمة مائة من الإبل وأنشد لشاعرٍ يعير رجلاً بأخذ الدية:

ظفرت بهجمةٍ سودٍ وحمرٍ.......تسر بما يساء به اللبيب

وقال غيره: الهجمة دون المائة وأكثر من الخمسين.

4: بادوا وأصبحت من بعدهم.......أحسبني خالدًا ولا أريم

يقال قد رام يريم إذا زال عن موضعه ورام الشيء يرومه إذا تعاطاه رومًا. غيره: (أريم) أبرح. ويروى: أحسب أني خالد لا أريم.

5: يا ابنة عجلان ما أصبرني.......على خطوبٍ كنحتٍ بالقدوم

(الخطوب): المصائب والأحداث الواحد خطب والقدوم الفأس. غيره: فأس لها رأس واحد.

6: كأن فيها عقارًا قرقفًا.......نش من الدن فالكأس رذوم

قال: ويروى: (كأن فاها عقار قرقف) ويروى: شن من الدن. (العقار): الخمرة سميت بمعاقرة الدن والمعاقرة طول الإقامة. (القرقف): التي يصيب صاحبها من شربها رعدة. و(نش): تحرك. وشن صب. و(الرذوم): السائل، يقال رذم أنفه إذا سال، قال عبيد الله بن قيس الرقيات: تغدو جفانه رذمًا، أي: تسيل دسمًا وقال الآخر:

من لي منها إذا جلبة أزمت.......ومن أويس إذا ما أنفه رذما

غيره: صب من الدن والدن ختيم، أي: مختوم ويروى: (عقار) صفقت أي مزجت.

7: في كل ممسى لها مقطرة.......فيها كباء معد وحميم

(المقطرة): المجمرة، قال الأصمعي: هي مفعلة من القطر و(القطر): العود يتبخر به. وأنشد قول طرفة:

وتنادى القوم في مجلسهم.......أشواء ذاك أم ريح قطر

(الكباء): العود ممدود، والكبى مكسور مقصور الكساحة.

8: لا تصطلي النار بالليل ولا.......توقظ للزاد بلهاء نؤوم

يقول: ليست بشرهةٍ للأكل هي منعمة مكفية تنام متى شاءت، كقول امرئ القيس:

ويضحي فتيت المسك فوق فراشها.......نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل

وقوله (بلهاء) أي: عن الفواحش والخنا لأنها لا تعرفه، كقول أبي النجم: بلهاء لم تخفر ولم تضيع.
غيره: لم تحفظ ولم تضييع أي: هي بلهاء عن الفواحش لم تحفظ لعفتها ولم تضيع في معيشتها.

9: أرقني الليل برق ناصب.......ولم يعني على ذاك حميم إليه

غيره. الرواية (برق ناضب) أي بعيد ويروى دائم وناصب في معنى منصب أي يتعبني بالنظر إليه.

10: من لخيالٍ تسدى موهنًا.......أشعرني الهم فالقلب سقيم

غيره: (موهنًا) أي بعد ساعةً من الليل. (أشعرني) أي: صار مثل الشعار لي. و(تسدى) أي: صار إلي. يقال تسديته إذا تخطيت إليه كقول امرئ القيس:

فلما دنوت تسديتها.......فثوبًا نسيت وثوبًا أجر

غيره: تسديت علوت وأنشد:

وما ابن حناءة بالرث ألوان.......يوم تسدى الحكم بن مروان

أي: علاه وكان قتله.

11: وليـــــــــــــــــــــلةٍ بتهـــــــــــــــا مسهرةٍ.......قد كررتها على عيني الهموم
12: لم أغتمض طولها حتى انقضت.......أكلؤها بعد ما نام السليم

غيره: (أكلؤها): أرعى نجومها. و(السليم): للديغ سمي سليمًا تفاؤلاً بالسلامة كما قيل للمهلكة مفازة.

13: تبكي على الدهر والدهر الذي.......أبكاك فالدمع كالشن الهزيم

(الشن): القربة الخلق. و(الهزيم): الذي فيه هزوم وهو تكسر وأصل الهزم الكسر شبه دموعه بما يسيل من الشن المتهزم. غيره: تكسر من البلى ومنه سميت الهزيمة لأن أهلها ينكسرون.

14: فعمرك الله هل تدري إذا.......ما لمت في حبها فيم تلوم

(العمر) والعمر لغتان، إذا دخلت اللام عليه ارتفع وبلا لامٍ هو منصوب.

15: تؤذي صديقًا وتبدي ظنةً.......تحرز سهمًا وسهمًا ما تشيم

(تشيم): تدخل في الكنانة، و(الشيم) من الأضداد يقال شام سيفه إذا أغمده وإذا سله، وقال الأصمعي: ما صلة وتشيم سهمًا تدخله في جسدي. ويقال ما تشيم ما تدخل، يقول إنك فارغ بطال لا تصنع شيئًا إنما تسل سهمًا وتدخل سهمًا.

16: كم من أخي ثروةٍ رأيته.......حل على ماله دهر غشوم

(الثروة): الكسرة وأصل الغشم الظلم.

17: ومن عزيز الحمى ذي منعة.......أضحى وقد أثرت فيه الكلوم

غيره. (الكلوم): جمع كلم وهي الجراحات والحمى ما منع وحفظ أي أثر فيه الدهر ولم يبال بعزته ومنعته ويقال منعة ومنعة.

18: بينا أخو نعمةٍ إذ ذهبت.......وحولت شقوة إلى نعيم
19: وبينا ظاعن ذو شقةٍ.......إذ حل رحلاً وإذ خف المقيم

غيره: ويروى: (وبينما ظاعن)، والمعنى بينما الرجل مسافر إذ حل رحله وأقام، وبينما الرجل مقيم إذ سافر. أي ليس الناس على حالةٍ. وينسب ذلك إلى الدهر بفعله ورب الدهر يفعله يصرفهم الدهر يغنى هذا ويفقر هذا ويظعن هذا ويقيم هذا، والله تعالى يفعل هذا كله ويغير أحوالهم.

20: وللفتى غائل يغوله.......يا ابنة عجلان من وقع الحتوم

(الحتوم): جمع حتم وهو القضاء و(يغوله) يذهب به.
حدثنا أبو عكرمة الضبي قال: لقيت بنو تغلب المرقش الأصغر ومعه ابن عمه ثعلبة بن عمرو فقتلوا ثعلبة وآلى المرقش ألا يغسل رأسه حتى يقتل به فلقي رجلاً من بني تغلب فقتله.

[شرح المفضليات: 503-507]