دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 09:20 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تخفيف (إن) و (أن) و (كأن) و (ولكن)


وخُفِّفَتْ إنَّ فقَلَّ العَمَلُ = وتَلْزَمُ اللامُ إذا ما تُهْمَلُ
ورُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عنها إنْ بَدَا = ما ناطقٌ أَرادَهُ مُعْتَمِدَا
والفعلُ إنْ لمْ يكُنَاسِخًا فَلَا = تُلْفِيهِ غالبًا بإنْ ذي مُوصَلَا
وإنْ تُخَفَّفْ أنَّ فاسْمُها اسْتَكَنْ= والخبرَ اجعَلْ جُملةً مِنْ بَعْدِ أَنْ
وإنْ يكُنْ فِعْلًا ولمْ يكُنْ دُعَا = ولمْ يكُنْ تَصريفُهُ مُمْتَنِعَا
فالأحْسَنُ الفَصْلُ بِقَدْ أوْ نَفْيٍ اوْ = تَنفيسٍ اوْ لوْ وقليلٌ ذِكْرُ لَوْ
وخُفِّفَتْ كأنَّ أيضًا فَنُوِي = مَنصوبُها وثابتًا أيضًا رُوِي

  #2  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 02:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ = وتَلْزَمُ اللامُ إِذَا ما تُهْمَلُ ([1])
ورُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عنها إنْ بَدَا = ما ناطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا ([2])

إذَا خُفِّفَتْ (إنَّ) فالأكثرُ في لِسانِ العربِ إِهمالُها، فتقولُ: (إنْ زَيْدٌ لقائمٌ)، وإذا أُهْمِلَتْ لَزِمَتْهَا اللامُ؛ فارِقَةً بينَها وبينَ (إنِ) النافيَةِ، ويَقِلُّ إعمالُها، فتقولُ: (إنْ زيداً قائِمٌ)، وحَكَى الإعمالَ سِيبَوَيْهِ والأخفشُ رَحِمَهُما اللهُ تعالى ([3])، فلا تَلْزَمُها حينَئذٍ اللامُ؛ لأنَّها لا تَلْتَبِسُ والحالةُ هذه بالنافيَةِ؛ لأنَّ النافيةَ لا تَنْصِبُ الاسمَ وترفَعُ الخبرَ، وإنما تَلْتَبِسُ بإنِ النافيَةِ إذا أُهْمِلَتْ ولم يَظْهَرِ المقصودُ بها، فإنْ ظَهَرَ المقصودُ بها فقدْ يُسْتَغْنَى عن اللامِ؛ كقولِهِ:
103- وَنَحْنُ أُبَاةُ الضَّيْمِ مِنْ آلِ مَالِكٍ = وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ ([4])
التقديرُ: وإنْ مالكٌ لكانَتْ، فحُذِفَتِ اللامُ؛ لأنَّها لا تَلْتَبِسُ بالنافيةِ؛ لأنَّ المعنى على الإثباتِ، وهذا هو المرادُ بقولِهِ: (ورُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عنها إِنْ بَدَا... إلى آخِرِ البيتِ).
واخْتَلَفَ النحْوِيُّون في هذه اللامِ هل هي لامُ الابتداءِ أُدْخِلَتْ للفرقِ بينَ (إنِ) النافيَةِ و (إنِ) المخفَّفةِ من الثقيلةِ، أم هي لامٌ أُخْرَى اجْتُلِبَتْ للفرقِ؟ وكلامُ سِيبَوَيْهِ يَدُلُّ على أنها لامُ الابتداءِ دَخَلَتْ للفرقِ.
وتَظْهَرُ فائدةُ هذا الخلافِ في مسألةٍ جَرَتْ بينَ ابنِ أبي العافِيَةِ وابنِ الأَخْضَرِ، وهي قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِناً)). فمَن جَعَلَها لامَ الابتداءِ أَوْجَبَ كَسْرَ (إنْ)، ومَن جَعَلَها لاماً أُخْرَى اجْتُلِبَتْ للفرقِ فتَحَ (أنْ)، وجَرَى الخلافُ في هذه المسألةِ قبلَهما بينَ أبي الحسنِ عليِّ بنِ سُلَيْمَانَ البَغْدَادِيِّ الأَخْفَشِ الصغيرِ، وبينَ أبي عليٍّ الفارِسِيِّ؛ فقالَ الفارِسِيُّ: هي لامٌ غيرُ لامِ الابتداءِ اجْتُلِبَتْ للفرقِ. وبه قالَ ابنُ أبي العافِيَةِ، وقالَ الأَخْفَشُ الصغيرُ: إنما هي لامُ الابتداءِ أُدْخِلَتْ للفرقِ. وبه قالَ ابنُ الأَخْضَرِ ([5]).
والفِعْلُ إنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ = تُلْفِيهِ غَالِباً بِإِنْ ذِي مُوصَلا ([6])
إذا خُفِّفَتْ (إنْ) فلا يَلِيها من الأفعالِ إلاَّ الأفعالُ الناسخةُ للابتداءِ، نحوُ: كانَ وأَخَوَاتِها، وظَنَّ وأَخَوَاتِها؛ قالَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}، وقالَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ}، وقالَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}.
ويَقِلُّ أنْ يَلِيَهَا غيرُ الناسخِ، وإليه أشارَ بقولِهِ: (غالِباً)، ومنه قولُ بعضِ العربِ: (إنْ يَزِينُكَ لَنَفْسُكَ وإِنْ يَشِينُكَ لَهِيَهْ)، وقولُهم: (إِنْ قَنَّعْتَ كَاتِبَكَ لَسَوْطاً)، وأجازَ الأَخْفَشُ: (إنْ قامَ لأَنَا) ([7]).
ومنه قولُ الشاعِرِ:
104- شَلَّتْ يَمِينُكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً = حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ الْمُتَعَمِّدِ ([8])
وإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ = وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنّ ([9])

إذَا خُفِّفَتْ (أنَّ) المفتوحةَ بَقِيَتْ على ما كانَ لها من العملِ، لكِنْ لا يكونُ اسْمُها إلاَّ ضميرَ الشأنِ محذوفاً ([10])، وخبرُها لا يكونُ إلاَّ جملةً، وذلك نحوُ: (عَلِمْتُ أنْ زَيْدٌ قائمٌ)، فـ(أنْ) مخفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، واسمُها ضميرُ الشأنِ، وهو محذوفٌ، والتقديرُ (أَنْهُ)، و (زيدٌ قائمٌ) جملةٌ في موضِعِ رفعِ خبرِ (أنْ)، والتقديرُ: (عَلِمْتُ أنْهُ زيدٌ قائمٌ)، وقد يَبْرُزُ اسْمُها، وهو غيرُ ضميرِ الشأنِ؛ كقولِهِ:
105- فَلَوْ أَنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سَأَلْتِنِي = طَلاَقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ ([11])

وإنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا = وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا ([12])
فالأَحْسَنُ الفَصْلُ بقدْ أَوْ نفيٍ اوْ = تنفيسٍ اوْ لَوْ وقليلٌ ذِكْرُ لَوْ ([13])
إذا وَقَعَ خبرُ (أنِ) المُخَفَّفَةِ جملةً اسْمِيَّةً لم يَحْتَجْ إلى فاصلٍ، فتقولُ: (عَلِمْتُ أنْ زَيدٌ قائمٌ) مِن غيرِ حرفٍ فاصلٍ بينَ (أنْ) وخَبَرِها، إلاَّ إذا قُصِدَ النفيُ فيُفْصَلُ بينَهما بحرفِ النفيِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
وإنْ وَقَعَ خبرُها جملةً فعليَّةً فلا يَخْلُو إمَّا أنْ يكونَ الفعلُ متصرِّفاً أو غيرَ متصرِّفٍ، فإنْ كانَ غيرَ متصرِّفٍ لم يُؤْتَ بفاصِلٍ، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، وقولِهِ تعالى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ}.
وإنْ كانَ مُتَصَرِّفاً فلا يَخْلُو إما أنْ يكونَ دعاءً أو لا؛ فإنْ كانَ دعاءً لم يُفْصَلْ؛ كقولِهِ تعالى: (وَالْخَامِسَةَ أَنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا) في قراءةِ مَن قَرَأَ (غَضِبَ) بصيغةِ الماضِي.
وإنْ لم يَكُنْ دعاءً فقالَ قومٌ: يَجِبُ أنْ يُفْصَلَ بينَهما إلاَّ قليلاً. وقالَتْ فِرْقَةٌ، منهم المصنِّفُ: يَجُوزُ الفصلُ وتركُه([14])، والأحسنُ الفصلُ.
والفاصلُ أحدُ أربعةِ أشياءَ:
الأوَّلُ: (قد)؛ كقولِهِ تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا}.
الثاني: حرفُ التنفيسِ، وهو السينُ أو سوفَ، فمثالُ السينِ قولُه تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}، ومثالُ (سوفَ) قولُ الشاعرِ:
106- واعْلَمْ فَعِلْمُ الْمَرْءِ يَنْفَعُهُ = أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِرَا ([15])
الثالثُ: النفيُ؛ كقولِهِ تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}، وقولِهِ تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ}، وقولِهِ تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}.
الرابعُ: (لو)، وقَلَّ مَن ذَكَرَ كَوْنَها فاصِلَةً مِن النحْويِّين، ومِنه قولُه تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ}، وقولُهُ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} ([16]).
وممَّا جاءَ بدونِ فاصلٍ قولُه:
107- عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُونَ فَجَادُوا = قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ ([17])
وقولُه تعالى: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ) في قِراءةِ مَن رَفَعَ (يُتِمُّ) في قولٍ، والقولُ الثاني أنَّ (أنْ) ليسَتْ مخفَّفَةً من الثقيلةِ، بل هي الناصِبَةُ للفعلِ المضارِعِ، وارْتَفَعَ (يُتِمُّ) بعدَه شُذُوذاً ([18]).
وخُفِّفَتْ كأَنَّ أيضاً فَنُوِي = مَنْصُوبُها وثَابتاً أيضاً رُوِي ([19])

إذا خُفِّفَتْ (كأنَّ) نُوِيَ اسمُها وأُخْبِرَ عنها بجملةٍ اسميَّةٍ ([20])، نحوُ: (كأنْ زيدٌ قائمٌ)، أو جملةٍ فعليَّةٍ مصدَّرَةٍ بلم ([21])؛ كقولِه تعالى: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}، أو مُصَدَّرَةٍ بـ(قدْ)؛ كقولِ الشاعِرِ:
أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا = لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ ([22])
أي: (وكَأَنْ قدْ زَالَتْ)، فاسمُ (كأنْ) في هذه الأمثلةِ محذوفٌ، وهو ضميرُ الشأنِ، والتقديرُ: (كأنه زيدٌ قائمٌ، وكأنه لم تَغْنَ بالأمسِ، وكأنه قد زَالَتْ).
والجملةُ التي بعدَها خبرٌ عنها، وهذا معنى قولِه: (فَنُوِي مَنْصُوبُها)، وأشارَ بقولِه: (وَثَابِتاً أَيْضاً رُوِي) إلى أنه قد رُوِيَ إثباتُ منصوبِها، ولكنَّه قليلٌ، ومنه قولُه:
108- وَصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْرِ = كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ ([23])
فـ(ثَدْيَيْهِ) اسمُ كأنْ، وهو منصوبٌ بالياءِ؛ لأنَّه مثنًّى، و (حُقَّانِ) خبرُ كأنْ، ورُوِيَ (كأنْ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ)، فيكونُ اسمُ (كأنْ) محذوفاً، وهو ضميرُ الشأنِ، والتقديرُ: (كأنْهُ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ)، و (ثدياهُ حُقَّانِ) مبتدأٌ وخبرٌ في موضِعِ رفعِ خبرِ كأنْ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ (ثدياهُ) اسمَ (كأنْ) وجاءَ بالألفِ على لغةِ مَن يَجْعَلُ المثنَّى بالألفِ في الأحوالِ كلِّها.


([1])(وخُفِّفَتْ) الواوُ عاطفةٌ، خُفِّفَ: فعلٌ ماضٍ مبنِيٌّ للمجهولِ، والتاءُ للتأنيثِ، (إنَّ) نائبُ فاعلِ خُفِّفَ، (فَقَلَّ) الفاءُ عاطفةٌ، قَلَّ: فعلٌ ماضٍ معطوفٌ بالفاءِ على خُفِّفَ، (العَمَلُ) فاعلٌ لِقَلَّ، (وتَلْزَمُ) فعلٌ مضارِعٌ، (اللامُ) فاعلُ تَلْزَمُ، (إذا) ظرفٌ للمستقبَلِ مِن الزمانِ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ، (ما) زائدةٌ، (تُهْمَلُ) فعلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يعودُ إلى (إن) المُخَفَّفَةِ، والجملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافةِ إذا إليها، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ، والتقديرُ: إذا ما تُهْمَلُ إن التي خُفِّفَتْ لَزِمَتْها اللامُ.

([2])(ورُبَّمَا) الواوُ عاطفةٌ، رُبَّ: حرفُ تقلِيلٍ، وما: كافَّةٌ، (اسْتُغْنِيَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، (عَنْهَا) جارٌّ ومجرورٌ نائِبٌ عن الفاعِلِ لاسْتُغْنِيَ، والضميرُ المجرورُ مَحَلاًّ عائدٌ على اللامِ الُمَحَدَّثِ عنها بأنها تَلْزَمُ عندَ تَخْفِيفِ إن في حالةِ إِهْمَالِها، (إنْ) شرطيَّةٌ، (بَدَا) فعلٌ ماضٍ فعلُ الشرطِ، (ما) اسمٌ موصولٌ فاعلُ بَدَا، (ناطِقٌ) مبتدأٌ، وهو فاعلٌ في المَعْنَى؛ فلذا جازَ أنْ يُبْتَدَأَ به معَ كونِه نَكِرَةً، (أَرَادَهُ) أرادَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على نَاطِقٌ، والهاءُ مفعولٌ به، والجملةُ مِن أرادَ وفاعِلِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِه لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (مُعْتَمِدَا) حالٌ مِن الضميرِ المستَتِرِ في (أرادَ).

([3])على الإعمالِ في حالِ التخفيفِ وَرَدَ قولُه تعالى: (وَإِنْ كُلاًّ لَمَا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) في قراءةِ مَن قَرَأَ بسكونِ نونِ (إنْ) وتَخْفِيفِ ميمِ (لَمَا)، وفي هذه الآيةِ ـ على هذه القراءةِ ـ إعرابانِ:
أَوَّلُهما: أنَّ (إنْ) مُؤَكِّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، (كُلاًّ) اسمُ إنَّ المخفَّفَةِ، (لَمَا) اللامُ لامُ الابتداءِ، وما اسمٌ موصولٌ بمعنى الذين، خَبَرُ إنِ المُؤَكِّدَةِ المخفَّفَةِ، (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) اللامُ واقعةٌ في جوابِ قَسَمٍ محذوفٍ، يُوَفِّيَ: فعلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ على الفتحِ لاتِّصالِه بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، ونونُ التوكيدِ حرفٌ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وضميرُ الغائبينَ العائدُ على الذين مفعولٌ أوَّلُ، و(رَبُّكَ) ربُّ فاعلُ يُوَفِّيَ، وربُّ مضافٌ وضميرُ المخاطَبِ مضافٌ اليه، وأعمالَ: مفعولٌ ثانٍ ليُوَفِّيَ، وأعمالَ مضافٌ وضميرُ الغائبينَ العائدُ على الذين مضافٌ إليه، وجملةُ الفعلِ المضارِعِ وفاعلِه ومفعولَيْهِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ جوابُ القَسَمِ المحذوفِ، وتقديرُ الكلامِ: وإنْ كُلاًّ لَلذينَ واللهِ لَيُوَفِّيَنَّهُم رَبُّكَ أعمالَهم، والجملةُ القَسَمِيَّةُ لا محَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ.
ويَرُدُّ على هذا الإعرابِ أنَّ جملةَ القَسَمِ إنشائيَّةٌ، وجملةَ الصلةِ يَجِبُ أنْ تكونَ خَبَرِيَّةً معهودةً، وقد أجابَ ابنُ هِشامٍ عن هذا في كِتَابِه (المُغْنِي) بأنَّ صلةَ الموصولِ في الحقيقةِ هي جملةُ جوابِ القَسَمِ، لا جُمْلَةُ القَسَمِ، وجملةُ جوابِ القَسَمِ خبريَّةٌ لا إنشائيَّةٌ.
والإعرابُ الثاني: أنَّ (إنْ) مُؤَكِّدَةٌ مخفَّفَةٌ، (كُلاًّ) اسمٌ إنَّ، (لَمَا) اللامُ لامُ الابتداءِ، وما زائدةٌ، (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) اللامُ مُؤَكِّدَةٌ لِلاَّمِ الأُولى، ويُوَفِّيَ فعلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ على الفتحِ لاتصالِه بنونِ التوكيدِ، والضميرُ مفعولٌ به أوَّلُ، (رَبُّكَ) فاعلٌ ومضافٌ إليه، و(أَعْمَالَهُم) مفعولٌ ثانٍ ومضافٌ إليه، والجملةُ من الفعلِ المضارِعِ ومفعولَيْهِ في مَحَلِّ رفْعٍ خبرُ إنَّ المؤكِّدَةِ المُخَفَّفَةِ.

([4]) البيتُ للطِّرِمَّاحِ ـ الحَكَمِ بنِ حَكِيمٍ ـ وكُنْيَتُهُ (أبو نَفَرٍ)، وهو شاعِرٌّ طَائِيٌّ، وسَتَعْرِفُ نَسَبَه في بَيَانِ لُغَةِ البيتِ.
اللغةُ: (ونحنُ أُبَاةُ الضَّيْمِ)، ويُرْوَى في مكانِه: (أنَا ابنُ أُبَاةِ الضَّيْمِ) جَمْعُ آبٍ، اسمُ فاعلٍ مِن أَبَى يَأْبَى؛ أيِ: امْتَنَعَ. تقولُ: أَمَرْتُ فُلاناً أنْ يَفْعَلَ كذا فأَبَى. تُرِيدُ أنه امْتَنَعَ أنْ يَفْعَلَه، والضَّيْمُ: الظُّلْمُ، (مَالِكٍ) هو اسمُ قبيلةِ الشاعِرِ، فإنَّ الطِّرِمَّاحَ هو الحَكَمُ بنُ حَكِيمِ بنِ نَفَرِ بنِ قَيْسِ بنِ جَحْدَرِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عبدِ رِضا بنِ مالِكِ بنِ أَبَانِ بنِ عَمْرِو بنِ رَبِيعَةَ بنِ جَرْوَلِ بنِ ثُعَلَ بنِ عَمْرِو بنِ الغَوْثِ بنِ طَيِّئٍ، (كِرَامَ المَعَادِنِ) طَيِّبَةَ الأصولِ شريفةَ المَحْتِدِ.
الإعرابُ: (ونحنُ) مبتدأٌ، (أُبَاةُ) خبرُ المبتدأِ، وأُبَاةُ مُضَافٌ و(الضَّيْمِ) مضافٌ إليه، (مِن آلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ ثانٍ، أو حالٌ مِن الخبرِ، وآلِ مضافٌ و(مالِكٍ) مضافٌ إليه، (وإنْ) مخفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ مُهْمَلَةٌ، (مالِكٌ) مبتدأٌ، (كَانَتْ) كانَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يعودُ إلى مالِكٌ باعتبارِ القبيلةِ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (كِرَامَ) خبرُ كانَ، وكِرَامَ مضافٌ و(المعادِنِ) مضافٌ إليه، والجملةُ من كانَ واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ الذي هو مالِكٌ الذي تَقَدَّمَتْ عليه (إنِ) المُخَفَّفَةُ وأُهْمِلَتْ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (وإنْ مَالِكٌ كانَتْ... إلخ)؛ حيثُ تَرَكَ لامَ الابتداءِ التي تُجْتَلَبُ في خبرِ (إنِ) المكسورةِ الهمزةِ المخفَّفَةِ من الثقيلةِ عندَ إهمالِها، فُرْقاناً بينَها وبينَ (إنِ) النافيَةِ، وإنما تَرَكَها هنا اعْتِمَاداً على انْسِيَاقِ المعنى المقصودِ إلى ذِهْنِ السامِعِ، وثِقَةً منه بأنه لا يُمْكِنُ توجيهُه إلى الجَحْدِ، بقرينةِ أنَّ الكلامَ تَمَدُّحٌ وافتخارٌ، وصَدْرُ البيتِ واضِحٌ في هذا، والنفيُ يَدُلُّ على الذمِّ، فلو حُمِلَ عَجُزُ البيتِ عليه لَتَنَاقَضَ الكلامُ واضْطَرَبَ، ألاَ تَرَى أنَّكَ لو حَمَلْتَ الكلامَ على أنَّ (إنْ) نافيةٌ لكانَ معنى عَجُزِ البيتِ: ولَيْسَتْ مالِكٌ كرامَ المعادنِ؛ أي: فهي قبيلةٌ دَنِيئَةُ الأصولِ، فيكونُ هذا ذَمًّا ومتناقِضاً معَ ما هو بِصَدَدِه، فلَمَّا كانَ المَقامُ مانِعاً مِن جَوَازِ إرادةِ النفيِ ارْتَكَنَ الشاعِرُ عليه، فلم يأتِ باللامِ، فالقرينةُ ههنا معنويَّةٌ.
ومثلُ هذا البيتِ - في اعتمادِ الشاعرِ على القرينةِ المعنويَّةِ- قولُ الشاعِرِ:
إنْ كُنْتُ قَاضِيَ نَحْبِي يَوْمَ بَيْنِكُمُ = لو لَمْ تَمُنُّوا بِوَعْدٍ غَيْرِ مَكْذُوبِ
ألاَ تَرَى أنه في مكانِ إظهارِ الأَلَمِ وشَكْوَى ما نَزَلَ به مِن فِرَاقِ أحبابِه؟ فلو حُمِلَتْ (إنْ) في صدرِ البيتِ على النفيِ فَسَدَ المعنى، ولم يَسْتَقِمِ الكلامُ.

([5])قد عَلِمْتَ فيما مَضَى أنَّ لامَ الابتداءِ لا تَدْخُلُ إلا على المبتدأِ، أو على ما أَصْلُه المبتدأُ، وأنها تَدْخُلُ في بابِ إن على الخبرِ أو مَعْمُولِهِ أو ضَمِيرِ الفَصْلِ، وعَلِمْتَ أيضاًً أنها لا تَدْخُلُ على خَبَرِ إن إلا إذا كانَ مُثْبَتاً متأخِّراً غيرَ ماضٍ مُتَصَرِّفٍ خالٍ مِن قد، ولو أنَّكَ نَظَرْتَ في شواهِدِ هذه المسألةِ لَوَجَدْتَ هذه اللامَ الفارِقَةَ بينَ (إنِ) النافيةِ والمخفَّفَةِ مِن الثقيلةِ تَدْخُلُ على مفعولٍ ليسَ أَصْلُه مبتدأً ولا خَبَراً؛ كما في قولِ عَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بنِ عَمْرٍو، وسيأتي شَرْحُه:
شَلَّتْ يَمِينُكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً = حَلَّتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ
وهو الشاهِدُ رَقْمُ 104، ويأتي قَرِيباً جِدًّا.
وتَدْخُلُ على الماضِي المتصرِّفِ الذي لم يَسْبِقْه (قدْ)، نحوُ قولِكَ: إنْ زيدٌ لقامَ، وتَدْخُلُ على المنصوبِ المُؤَخَّرِ عن ناصبِه، نحوُ قولِه تعالى: {إِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}، فلَمَّا كانَ شأنُ اللامِ التي تَدْخُلُ لأجلِ الفرقِ بينَ المخفَّفَةِ المؤكِّدَةِ والنافيةِ غيرَ شأنِ لامِ الابتداءِ - كانَ القولُ بأنَّ إحداهما غيرَ الأخرى أَصَحَّ نَظَراً وأقومَ حُجَّةً، فمَذْهَبُ أبي عليٍّ الفارِسِيِّ الذي أَخَذَ به ابنُ أبي العافِيَةِ مَذْهَبٌ مُسْتَقِيمٌ في غايةِ الاستقامةِ.

([6])(والفِعْلُ) مبتدأٌ، (إنْ) شرطيَّةٌ، (لَمْ) حرفُ نفيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ، (يَكُ) فعلٌ مضارِعٌ ناقِصٌ مجزومٌ بلَمْ، وهو فِعْلُ الشرطِ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الفعلُ، (نَاسِخاً) خبرُ يَكُ، (فَلاَ) الفاءُ لرَبْطِ الجوابِ بالشرطِ، ولا: نافيةٌ، (تُلْفِيهِ) تُلْفِي: فعلٌ مضارِعٌ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، والهاءُ مفعولٌ أوَّلُ لِتُلْفِي، والجملةُ من الفعلِ والفاعلِ في مَحَلِّ رَفْعٍ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: فأَنْتَ لا تُلْفِيهِ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ، (غَالِباً) حالٌ مِن الهاءِ في (تُلْفِيهِ) السابِقِ، (بإنْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (مُوصَلا) الآتِي، (ذِي) نعتٌ لإِنْ، (مُوصَلاً) مفعولٌ ثانٍ لِتُلْفِي.

([7])ههنا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:
أُولاَهَا: أنْ يكونَ الفعلُ مَاضِياً ناسِخاً، نحوُ: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً}، ونحوُ: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}.
والثانيةُ: أنْ يكونَ الفعلُ مُضارعاً ناسخاً، نحوُ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ}، ونحوُ: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}.
والثالثةُ: أنْ يكونَ مَاضِياً غيرَ ناسِخٍ، نحوُ قولِ عَاتِكَةَ: (إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً).
والرابعةُ: أنْ يكونَ الفعلُ مُضارعاً غيرَ ناسِخٍ، نحوُ قولِ بعضِ العربِ: (إنْ يَزِينُكَ لَنَفْسُكَ، وإنْ يَشِينُكَ لَهِيَهْ)، وهي مُرَتَّبَةٌ على هذا الترتيبِ الذي سُقْنَاهَا به، ويجوزُ القياسُ على كلِّ واحدةٍ مِنها عندَ الأَخْفَشِ، ومَنَعَ جمهورُ البَصْرِيِّينَ القياسَ على الثالثةِ والرابعةِ.

([8]) البيتُ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ القُرَشِيَّةِ العَدَوِيَّةِ، تَرْثِي زَوْجَها الزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وتَدْعُو على عَمْرِو بنِ جُرْمُوزٍ قَاتِلِه.
اللغةُ: (شَلَّتْ) بفتحِ الشينِ، وأصلُ الفعلِ: شَلِلَتْ ـ بكَسْرِ العينِ التي هي اللامُ الأُولى ـ والناسُ يَقُولُونَه بضمِّ الشينِ على أنه مبنيٌّ للمجهولِ، وذلك خَطَأٌ، (حَلَّتْ عَلَيْكَ)؛ أي: نَزَلَتْ، ويُرْوَى مَكَانَه: (وَجَبَتْ عليك).
الإعرابُ: (شَلَّتْ) شَلَّ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (يَمِينُكَ) يَمِينُ: فاعلُ شَلَّ، ويَمِينُ مضافٌ والكافُ مضافٌ إليه، (إنْ) مُخَفَّفَةٌ من الثقيلةِ، (قَتَلْتَ) فعلٌ وفاعلٌ، (لَمُسْلِماً) اللامُ فارِقَةٌ، مُسْلِماً: مفعولٌ به لِقَتَلَ، (حَلَّتْ) حَلَّ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (عَلَيْكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحَلَّ، (عُقُوبَةُ) فاعلٌ لحَلَّ، وعقوبةُ مضافٌ و(المُتَعَمِّدِ) مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً)؛ حيثُ وَلِيَ (إِنِ) المُخَفَّفَةَ مِن الثقيلةِ فعلٌ ماضٍ غيرُ ناسخٍ، وهو (قَتَلْتَ)، وذلك شاذٌّ لا يُقاسُ عليه إلاَّ عندَ الأخفشِ.

([9])(وإنْ) شرطيَّةٌ، (تُخَفَّفْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، فعلُ الشرطِ، (أنَّ) قُصِدَ لفظُه: نائبُ فاعلٍ لِتُخَفَّفْ، (فَاسْمُها) الفاءُ لربطِ الجوابِ بالشرطِ، اسمُ: مُبْتَدَأٌ، واسمُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (اسْتَكَنْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى اسْمُها، والجملةُ مِن الفعلِ والفاعلِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ، (والخَبَرَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو قولُه: (اجْعَل) الآتي، (اجْعَلْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (جُمْلَةً) مفعولٌ ثانٍ لاجْعَلْ، (مِن بَعْدِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْعَلْ، وبعدِ مضافٌ و(أنْ) قُصِدَ لفظُه: مضافٌ إليه.

([10])الذي اشْتَرَطَ في أن المُخَفَّفَةِ أنْ يكونَ اسْمُها ضميرَ شأنٍ محذوفاً مِن النُّحاةِ هو ابنُ الحَاجِبِ، فأما الناظِمُ والجمهورُ فلم يَشْتَرِطُوا فيه ذلك؛ لأنَّهم رَأَوْا أنَّ ضميرَ الشأنِ خارِجٌ عن القياسِ، فلا يُحْمَلُ الكلامُ عليه ما وُجِدَ له وجهٌ آخَرُ، ومِن أجلِ ذلكَ قَدَّرَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ في قَوْلِهِ تعالى: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}: أنك يا إبراهيمُ قدْ صَدَّقْتَ الرُّؤيا.

([11]) البيتُ مِمَّا أَنْشَدَهُ الفَرَّاءُ، ولم يَعْزُهُ إلى قائِلٍ معيَّنٍ.
اللغةُ: (أنْكِ) بكسرِ كافِ الخطابِ؛ لأنَّ المخاطَبَ أُنْثَى، بدليلِ ما بَعْدَه، والتاءُ في (سَأَلْتِنِي) مكسورةٌ أيضاًً لذلكَ، (صَدِيقُ) يجوزُ أنْ يكونَ فَعِيلاً بمعنى مفعولٍ، فيكونُ تَذْكِيرُه معَ أنَّ المرادَ به أُنْثَى قِياساً؛ لأنَّ فعيلاً بمعنَى المفعولِ يَسْتَوِي فيه المذكَّرُ والمؤنَّثُ والمفردُ وغيرُه غالباً؛ كجَرِيحٍ، وقَتِيلٍ، ويجوزُ أنْ يكونَ فَعِيلاً بمعنى فاعلٍ ويكونُ تذكيرُه معَ المؤنَّثِ جارياً على غيرِ القياسِ، والذي سَهَّلَ ذلك فيه أنه أَشْبَهَ في اللفظِ فَعِيلاً بمعنى مفعولٍ، أو أنهم حَمَلُوه على (عَدُوٍّ) الذي هو ضِدُّه في المعنى؛ لأنَّ مِن سَنَنِهِم أنْ يَحْمِلُوا الشيءَ على ضِدِّهِ كما يَحْمِلُونه على مِثْلِه وشَبِيهِه.
المعنى: لو أنْكِ سَأَلْتِنِي إِخلاءَ سَبِيلِكِ قبلَ إحكامِ عُقْدَةِ النِّكاحِ بينَنا لم أَمْتَنِعْ مِن ذلك، ولبَادَرْتُ به، معَ ما أنتِ عليه من صِدْقِ المَوَدَّةِ لي. وخَصَّ يومَ الرخاءِ؛ لأنَّ الإنسانَ قد لا يَعِزُّ عليه أنْ يُفَارِقَ أحبابَه في يومِ الكَرْبِ والشِّدَّةِ.
الإعرابُ: (فلو) لو: شرطيَّةٌ غيرُ جازمةٍ، (أَنْكِ) أنْ: مخففةٌ مِن الثقيلةِ، والكافُ اسْمُها، (في يومِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (سَأَلْتِنِي) الآتي، ويومِ مضافٌ و(الرَّخَاءِ) مضافٌ إليه، (سَأَلْتِنِي) فِعْلٌ وفاعلٌ، والنونُ للوقايةِ، والياءُ مفعولٌ أَوَّلُ، (فِرَاقَكِ) فِراقَ: مفعولٌ ثانٍ لِسَأَلَ، وفِرَاقَ مضافٌ والكافُ مضافٌ إليه، (لم) حرفُ نفيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ، (أَبْخَلْ) فعلٌ مضارِعٌ مجزومٌ بلَمْ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، والجملةُ جوابُ الشرطِ غيرِ الجازِمِ، فلا مَحَلَّ لها من الإعرابِ، (وأَنْتِ) الواوُ واوُ الحالِ، أنتِ: ضميرٌ منفصِلٌ مبتدأٌ، (صَدِيقُ) خبرُ المبتدأِ، والجملةُ من المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَنْكِ)؛ حيثُ خُفِّفَتْ (أنِ) المفتوحةُ الهمزةِ وبَرَزَ اسْمُها، وهو الكافُ، وذلك قليلٌ، والكثيرُ عندَ ابنِ الحاجِبِ ـ الذي جَرَى الشارِحُ على رَأْيِهِ ـ أنْ يكونَ اسْمُها ضميرَ الشأنِ واجِبَ الاستتارِ، وأنْ يكونَ خَبَرُها جملةً.
واعْلَمْ أنَّ الاسمَ إذا كانَ محذوفاً ـ سواءٌ أكانَ ضميرَ شأنٍ أمْ كانَ غيرَه ـ فإنَّ الخبرَ يَجِبُ أنْ يكونَ جملةً.
أمَّا إذا كانَ الاسمُ مذكوراً شذوذاً كما في هذا الشاهدِ، فإنَّه لا يَجِبُ في الخبرِ أنْ يكونَ جُمْلَةً، بل قد يكونُ جُمْلَةً كما في البيتِ، وقد يكونُ مُفْرَداً، وقدِ اجْتَمَعَ ـ معَ ذِكْرِ الاسمِ ـ كونُ الخبرِ مُفرداً وكونُه جملةً، في قولِ جَنُوبَ بنتِ العَجْلاَنِ مِن كَلِمَةٍ تَرْثِي فيها أخاها عَمْرَو بنَ العَجْلاَنِ:
لَقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ والمُرْمِلُونَ = إذَا اغْبَرَّ أُفْقٌ وَهَبَّتْ شَمَالاَ
بأنْكَ رَبِيعٌ وغَيْثٌ مَرِيعٌ = وأنْكَ هُناكَ تكونُ الثِّمَالاَ
أَلاَ تَرَى أنه خَفَّفَ (أنْ) وجاءَ بها مرتيْن معَ اسمِها، وخَبَرُها في المرةِ الأولَى مفردٌ، وذلك قولُه: (بأنْكَ رَبِيعٌ)، وخَبَرُها في المرَّةِ الثانيةِ جملةٌ، وذلك قولُه: (وأَنْكَ تكونُ الثِّمَالاَ).

([12])(وإنْ) شرطيَّةٌ، (يَكُنْ) فعلٌ مضارِعٌ ناقِصٌ فِعْلُ الشرطِ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الخبَرِ، (فِعْلاً) خبرُ يَكُنْ، (ولم) الواوُ واوُ الحالِ، لم: حرفُ نَفْيٍ وجَزْمٍ وقَلْبٍ، (يَكُنْ) فعلٌ مضارِعٌ ناقِصٌ مجزومٌ بلم، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الفِعْلِ، أو إلى الخبرِ، (دُعَا) قُصِرَ للضرورةِ: خبرُ يَكُنِ المَنْفِيِّ بلم، والجملةُ مِن يَكُنِ المَنْفِيِّ بلم واسْمِه وخبرِه في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، (ولم) الواوُ عاطفةٌ، لم: حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ، (يَكُنْ) فعلٌ مضارِعٌ ناقِصٌ مجزومٌ بلم، (تَصْرِيفُهُ) تصريفُ: اسمُ يَكُنْ، وتصريفُ مضافٌ، والهاءُ مضافٌ إليه، (مُمْتَنِعَا) خبرُ يَكُنِ الأَخِيرِ.

([13])(فالأَحْسَنُ) الفاءُ واقِعَةٌ في جوابِ الشرطِ الواقِعِ في أوَّلِ البيتِ السابِقِ، الأَحْسَنُ: مبتدأٌ، (الفَصْلُ) خبرُ المبتدأِ، (بقد) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (الفَصْلُ)، (أو نفيٍ أو تَنْفِيسٍ أو لوْ) كلُّ واحدٍ منها معطوفٌ على (قد)، (وقَلِيلٌ) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، وقليلٌ: خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (ذِكْرُ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، وذِكْرُ مضافٌ و(لو) قُصِدَ لفظُه: مُضافٌ إليه.

([14])مِمَّا وَرَدَ فيه الخبرُ جُمْلَةً فعليَّةً فِعْلُها متصرِّفٌ غَيْرُ دُعاءٍ، ولم يُفْصَلْ بفاصِلٍ من هذه الفواصِلِ، سِوَى ما سَيُنْشِدُهُ الشارِحُ ـ قولُ النابغةِ الذُّبْيَانِيِّ:
فَلَمَّا رَأَى أنْ ثَمَّرَ اللهُ مَالَهُ = وأَثَّلَ مَوْجُوداً وسَدَّ مَفَاقِرَهْ
أَكَبَّ على فأسٍ يُحِدُّ غُرَابَهَا = مُذكَّرَةٍ مِن المَعَاوِلِ باتِرَهْ
فأنْ: مُخَفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، واسْمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، (ثَمَّرَ): فعلٌ ماضٍ، و(اللهُ): فاعلٌ، ومالَ: مفعولٌ به لِثَمَّرَ، ومالَ مضافٌ وضميرُ الغائبِ مضافٌ إليه، وجملةُ الفعلِ الماضي وفاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ أنْ، وهذا الفِعْلُ ماضٍ، غيرُ دُعَاءٍ، ولم يُفْصَلْ.
ومِمَّن قالَ بوجوبِ الفصلِ: الفَرَّاءُ وابنُ الأنبارِيِّ.
وقدِ اخْتَلَفَ العلماءُ في السببِ الذي دَعَا إلى هذا الفَصْلِ؛ فذَهَبَ الجمهورُ إلى أنَّ هذا الفصلَ يكونُ للتفرقةِ بينَ أنِ المخفَّفَةِ من الثقيلةِ وأنِ المصدريَّةِ.
وعلى هذا يَنْبَغِي أنْ يُقْسَمَ الفصلُ إلى قِسْمَيْنِ: واجِبٍ، وغيرِ واجبٍ، فيَجِبُ إذا كانَ الموضِعُ يَحْتَمِلُهما، ولا يَجِبُ إذا كانَ ممَّا تَتَعَيَّنُ فيه إحداهما، كما فيما بعدَ العِلْمِ غيرِ المُؤَوَّلِ بالظنِّ؛ فإنَّ هذا الموضِعَ يكونُ لأنِ المُخَفَّفَةِ لا غَيْرُ، إلاَّ عندَ الفَرَّاءِ وابنِ الأنباريِّ، فليسَ عندَهما مَوْضِعٌ تَتَعَيَّنُ فيه المخفَّفَةُ؛ ولذلك أَوْجَبَا الفَصْلَ بواحِدٍ مِن هذه الأشياءِ للتفْرِقَةِ دَائِماً.
وقالَ قومٌ: إنَّ المقصودَ بهذا الفصلِ جَبْرُ الوَهْنِ الذي أَصَابَ أنِ المؤكِّدَةَ بتخفِيفِها.
ويُشْكِلُ على هذا أنَّ الوَهْنَ موجودٌ إذَا كانَ الخَبَرُ جملةً اسميَّةً، أو جملةً فعليَّةً فِعْلُها جامدٌ أو دُعاءٌ، فلماذا لم يُجْبَرِ الوَهْنُ معَ شيءٍ مِن ذلك؟!.

([15]) هذا البيتُ أَنْشَدَه أبو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ وغَيْرُه، ولم يَنْسُبْه أحدٌ مِنهم إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، والبيتُ مِن الكامِلِ، وقد وَهِمَ العَيْنِيُّ رَحِمَه اللهُ في زَعْمِهِ أنه من الرَّجَزِ المُسَدَّسِ.
الإعرابُ: (وَاعْلَمْ) فعلُ أَمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (فَعِلْمُ) مبتدأٌ، وعِلْمُ مضافٌ، و(المَرْءِ) مضافٌ إليه، (يَنْفَعُهُ) يَنْفَعُ: فعلٌ مُضَارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على (عِلْمُ)، والهاءُ مفعولٌ به لِيَنْفَعُ، والجملةُ مِن يَنْفَعُ وفاعلِه في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، (أنْ) مُخَفَّفَةٌ من الثقيلةِ، واسْمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ وُجُوباً، (سَوْفَ) حرفُ تنْفِيسٍ، (يَأْتِي) فعلٌ مُضارِعٌ، (كُلُّ) فاعلُ يأتي، والجملةُ مِن الفعلِ والفاعلِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ أنْ، وكلُّ مضافٌ، و(ما) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه، (قُدِرَا) قُدِرَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على (ما)، والجملةُ مِن قُدِرَ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أنْ سَوْفَ يَأْتِي)؛ حيثُ أَتَى بخَبَرِ (أنِ) المخفَّفَةِ من الثقيلةِ جملةً فعليَّةً وليسَ فِعْلُها دُعاءً، وقد فُصِلَ بينَ (أنْ) وخبرِها بحرفِ التنفيسِ، وهو (سوفَ)، ومثلُ هذا البيتِ قولُ الفَرَزْدَقِ:
أَبِيتُ أُمَنِّي النَّفْسَ أَنْ سَوْفَ نَلْتَقِي = وَهَلْ هُوَ مَقْدُورٌ لِنَفْسِي لِقَاؤُهَا

([16])هذه الفواصِلُ الأربعةُ منها ما يَخْتَصُّ بالفعلِ الماضِي، وهو قدْ، ومِنها ما يَخْتَصُّ بالمضارِعِ، وهو لم ولن والتنفيسُ، ومنها ما هو مُشْتَرَكٌ بينَهما، وهو لو.

([17]) هذا البيتُ مِن الشواهدِ التي لا يُعْلَمُ قَائِلُها.
الإعرابُ: (عَلِمُوا) فعلٌ وفاعلٌ، (أنْ) مخفَّفةٌ مِن الثقيلةِ، واسْمُها محذوفٌ، (يُؤَمَّلُونَ) فِعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، وواوُ الجماعةِ نائبُ فاعِلٍ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ (أنِ) المُخَفَّفَةِ، (فَجَادُوا) الفاءُ عاطفةٌ، وجَادُوا: فِعْلٌ وفاعلٌ، والجملةُ معطوفةٌ على جُمْلَةِ عَلِمُوا، (قبلَ) ظرفٌ متعلِّقٌ بجَادَ، (أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، (يُسْأَلُوا) فِعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ منصوبٌ بأنِ المَصْدَرِيَّةِ، وواوُ الجماعةِ نائبُ فاعلٍ، وقبلَ مضافٌ و(أنْ) وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مضافٌ إليه، (بِأَعْظَمِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بجَادَ، وأعظمِ مضافٌ و(سُؤْلِ) مضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (أنْ يُؤَمَّلُونَ)؛ حيثُ اسْتَعْمَلَ فيه (أنِ) المُخَفَّفَةَ مِن الثقيلةِ، وأَعْمَلَهَا في الاسمِ الذي هو ضميرُ الشأنِ المحذوفُ، وفي الخبرِ الذي هو جملةُ (يُؤَمَّلُونَ)، ومعَ أنَّ جملةَ الخبرِ فِعْلِيَّةٌ فِعْلُها متصرِّفٌ، غيرُ دُعَاءٍ، لم يَأْتِ بفاصِلٍ بينَ (أنْ) وجملةِ الخبرِ.
والاستشهادُ بهذا البَيْتِ إنما يَتِمُّ على مَذْهَبِ الجمهورِ الذين يَذْهَبُون إلى أنَّ (أنِ) الوَاقِعَةَ بعدَ عَلْمٍ غيرِ مُؤَوَّلٍ بالظَّنِّ تكونُ مُخَفَّفَةً من الثقيلةِ لا غيرُ، فأمّا على مذهَبِ الفَرَّاءِ وابنِ الأنباريِّ اللذيْن لا يَرَيانِ للمخفَّفةِ مَوْضعاً يَخُصُّها، وأَوْجَبَا الفصلَ بواحدٍ مِن الأمورِ التي ذَكَرَها الشارِحُ للتفرِقَةِ- فإنَّهما يُنكِرانِ أنْ تكونَ (أنْ) في هذا البيتِ مخففةً من الثقيلةِ، ويزعُمانِ أنها هي المصدريَّةُ التي تنصِبُ المضارِعَ، وأنها لم تَنصِبْه في هذا البيتِ كما لم تَنصِبْه في قولِ الشاعِرِ:
أنْ تَقْرَآنِ على أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا = مِنِّي السَّلامَ، وأنْ لاَ تُشْعِرَا أَحَدَا
وكما لم تَنْصِبْه في قَوْلِهِ تعالى: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ) في قِراءةِ مَن قَرَأَ برفعِ (يُتِمُّ)، وكما لم تَنْصِبْه في حديثِ الْبُخَارِيِّ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنها: (6/ 120 الطبعة السلطانيَّة) قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِينَ لَهُ؟ عمك))، إلا أنه قدْ يُقالُ: إنه لا يَجُوزُ على مَذْهَبِهِما أيضاًً أنْ تكونَ (أنْ) في البيتِ الشاهدِ مصدريَّةً مهملَةً، مِن قِبَلِ أنَّ الشاعرَ قد قالَ بعدَ ذلكَ: (قبلَ أنْ يَسْأَلُوا)، فنَصَبَ الفعلَ بحذفِ النونِ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ لغةَ هذا القائلِ النصبُ بأنِ المصدريَّةِ، فيكونُ هذا قَرِينةً على أنَّ (أنِ) الأُولى مُخَفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، فإنَّ مِن البَعِيدِ أنْ يَجْمَعَ الشاعِرُ بينَ لُغَتَيْنِ في بيتٍ واحدٍ.

([18])قدْ ذَكَرَ العلماءُ أنَّ هذه لغةٌ لجماعةٍ مِن العربِ، يُهْمِلُونَ (أنِ) المصدريَّةَ؛ كما أنَّ عامَّةَ العربِ يُهْمِلُونَ (ما) المصدريَّةَ فلا يَنْصِبُونَ بها، وأنْشَدُوا على ذلك شواهِدَ كثيرةً، وتَحْقِيقُ هذا الموضوعِ على الوجهِ الأكملِ مما لا تَتَّسِعُ له هذه العُجالةُ، ولكنَّا قد ذَكَرْنَا لكَ في شرحِ الشاهدِ السابقِ بعضَ شواهدَ مِن القرآنِ الكريمِ، ومِن الحديثِ الصحيحِ ومِن الشعْرِ.

([19])(وَخُفِّفَت) الواوُ عاطفةٌ، خُفِّفَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (كأنَّ) قُصِدَ لفظُه: نائبُ فاعلٍ لخُفِّفَ، (أيضاًً) مفعولٌ مُطْلَقٌ لفِعْلٍ محذوفٍ، (فنُوِي) الفاءُ عاطفةٌ، نُوِي: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، (مَنْصُوبُهَا) منصوبُ: نائبُ فاعلِ نُوِي، ومنصوبُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (وثابتاً) الواوُ عاطفةٌ، وثَابِتاً: حالٌ مُقَدَّمٌ على صاحبِه، وهو الضميرُ المستَتِرُ في قولِهِ: (رُوِي) الآتي، و(أيضاًً) مفعولٌ مُطْلَقٌ لفعلٍ محذوفٍ، (رُوِي) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى مَنصُوبُها.

([20])لم يَسْتَشْهِدِ الشارِحُ هنا لمجيءِ خبرِ (كأنْ) جملةً اسميَّةً، ومِن شواهدِ ذلكَ قولُ الشاعِرِ (ش 108) في روايةٍ أخرَى غيرِ التي ذَكَرَها الشارِحُ في إنشادِ البيتِ، ولكنه أشارَ إليها بعدُ:
وَصَدْرٌٍ مُشْرِقُِ اللَّوْنِ = كَأَنْ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ
فكأنْ: حرفُ تشبيهٍ ونصبٍ، واسْمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، وثَدْيَاهُ: مبتدأٌ ومضافٌ إليه، وحُقَّانِ: خبرُ المبتدأِ، والجملةُ مِن المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ كأنْ.

([21])إذا كانَتْ جملةُ خَبَرِ (كأنِ) المخفَّفَةِ فعليَّةً، فإنْ قُصِدَ بها الثُّبُوتُ اقْتَرَنَتْ حَتْماً بقدْ، كبيتِ النابغةِ الذي أَنْشَدَهُ الشارِحُ (رَقْم 2)، وكقولِ الآخَرِ:
لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاءُ لَظَى الْحَرْ = بِ فمَحْذُورُهَا كأنْ قَدْ أَلَمَّا
وإنْ قُصِدَ بها النفيُ اقْتَرَنَتْ بلم؛ كما في الآيةِ الكريمةِ، وكما في قولِ الخَنْسَاءِ:
كأَنْ لم يكونوا حِمًى يُتَّقَى = إذِ الناسُ إذْ ذَاكَ مَن عَزَّ بَزَّا

وكقولِ شاعرٍ مِن غَطَفَانَ (انْظُرْه في مُعْجَمِ البُلْدَانِ 6 /18):
كأنْ لم يُدَمِّنْهَا أَنِيسٌ ولم يَكُنْ = لَهَا بعدَ أيَّامِ الهِدَمْلَةِ عَامِرُ

([22])هذا هو الشاهِدُ رَقْمُ (2)، وقد شَرَحْنَا هذا البيتَ في مَبْحَثِ التنوينِ أوَّلَ الكتابِ، فانْظُرْه هناكَ، والاستشهادُ به هنا في قولِهِ: (وكأنْ قَدِ)؛ حيثُ خُفِّفَتْ (كأنْ) وحُذِفَ اسمُها، وأُخْبِرَ عنها بجملةٍ فعليَّةٍ مُصَدَّرَةٍ بقدْ، والتقديرُ: وكأنْهُ؛ (أي: الحالَ والشأنَ) قد زَالَتْ، ثمَّ حُذِفَتْ جملةُ الخبرِ؛ لأنَّه قد تَقَدَّمَ في الكلامِ ما يُرْشِدُ إليها ويَدُلُّ عليها، وهو قولُه: (لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا).

([23]) هذا الشاهدُ أحدُ الأبياتِ التي اسْتَشْهَدَ بها سِيبَوَيْهِ (ج 1ص 281) ولم يَنْسُبُوها.
اللغةُ: (وصَدْرٍ) قد رَوَى سِيبَوَيْهِ في مكانِ هذه الكَلِمَةِ: (وَوَجْهٍ)، ورَوَى غيرُه في مكانِها: (ونَحْرٍ)، وعلى هاتين الروايتيْنِ تكونُ الهاءُ في قولِه: (ثَدْيَيْهِ) عائدةً إلى (وَجْهٍ) أو (نَحْرٍ) بتقديرِ مضافٍ، وأصلُ الكلامِ: كأنْ ثَدْيَيْ صَاحِبِه، فحَذَفَ المضافَ، وهو الصاحِبُ ، وأقامَ المضافَ إليه مُقامَه، (مُشْرِقِ اللَّوْنِ) مُضِيءٍ؛ لأنَّه ناصِعُ البَيَاضِ، وهذا هو الثابِتُ، وقد رَوَاهُ الشارِحُ كما تَرَى، (حُقَّانِ) تَثْنِيَةُ حُقَّةٍ، وحُذِفَتِ التاءُ التي في المفردِ مِن التثنيةِ كما حُذِفَتْ في تثنيةِ (خُصْيَةٍ، وأَلْيَةٍ) فقالوا: خُصْيَانِ وأَلْيَانِ، هكذا قالُوا، وليسَ هذا الكلامُ بشيءٍ، بل حُقَّانِ تَثْنِيَةُ حُقٍّ ـ بضمِّ الحاءِ وبدونِ تاءٍ ـ وقد وَرَدَ في فَصيحِ شِعْرِ العربِ بغيرِ تاءٍ، ومن ذلكَ قولُ عمرِو بنِ كُلْثُومٍ التَّغْلِبِيِّ:
وَصَدْراً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخْصاً = حَصَاناً مِنْ أَكُفِّ اللاَّمِسِينَا
والعربُ تُشَبِّهُ الثَّدْيَيْنِ بحُقِّ العاجِ؛ كما في بيتِ الشاهدِ، وكما في بيتِ عَمْرٍو، ووجهُ التشبيهِ أنهما مُكْتَنِزَانِ نَاهِدَانِ.
الإعرابُ: (وَصَدْرٍ) بعضُهم يَرْوِيهِ بالرفعِ، فهو مبتدأٌ خَبَرُه محذوفٌ، والتقديرُ: ولها صَدْرٌ، والأكثرونَ على رِوَايَتِه بالجرِّ، فالواوُ واوُ رُبَّ، وصَدْرٍ: مبتدأٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ حرفِ الجرِّ الزائدِ، (مُشْرِقِ) صفةٌ لصَدْرٍ، ومُشْرِقِ مضافٌ و(اللونِ) مضافٌ إليه، (كأنْ) مُخَفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، (ثَدْيَيْهِ) ثَدْيَي: اسْمُها، وثَدْيَيْ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (حُقَّانِ) خبرُ كأنْ، ومَن رَوَى (ثَدْيَاهُ حُقَّانِ)، وهي الروايةُ التي أَنْشَدْنَا البيتَ عليها في تعليقَةٍ سَبَقَتْ قريباً (ص 390) فهي جملةٌ مِن مبتدأٍ وخبرٍ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ كأنْ، واسْمُها محذوفٌ، والتقديرُ: كأنْهُ ـ أي: الحالَ والشأنَ ـ ثَدْيَاهُ حُقَّانِ، وجملةُ كأنْ واسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ الذي هو قولُه: (صَدْرٍ)، وقد ذَكَرَ الشارِحُ رَحِمَه اللهُ الروايتيْنِ جميعاً، وبَيَّنَ وَجْهَ كلِّ واحدةٍ مِنهما بما لا يَخْرُجُ عمَّا ذَكَرْنَاهُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ)؛ حيثُ رُوِيَ بنصبِ (ثَدْيَيْهِ) بالياءِ المفتوحِ ما قبلَها على أنه اسمُ (كأنِ) المخفَّفَةِ مِن الثقيلةِ، وهذا قليلٌ بالنظرِ إلى حذفِ اسمِها ومجيءِ خَبَرِها (جملةً)؛ ولهذا يُرْوَى برفعِ ثَدْيَيْهِ على ما ذَكَرْنَاه في إعرابِ البيتِ، فيكونُ البيتُ على هذه الروايةِ جَارِياً على الكثيرِ الغالِبِ.
ولا دَاعِيَ لِمَا أَجَازَه الشارِحُ على روايةِ (كأنْ ثَدْيَاهُ) من أنْ يكونَ (ثَدْيَاهُ) اسمَ كأنْ أَتَى به الشاعِرُ على لغةِ مَن يُلْزِمُ المُثَنَّى الألِفَ؛ فإنَّ في ذلك شيئيْنِ، كلُّ حدٍ منهُما خلافُ الأصلِ :
أحدُهما: أن مجيءَ المُثَنَّى في الأحوالِ كلِّها بالألِفِ لُغَةٌ مهجورةٌ قديمةٌ لبعضِ العربِ.
ثانيهما: أنَّ فيه حَمْلُ البيتِ على القليلِ النادرِ ، وهو ذِكُرُ اسْمِ كأنْ ـ معَ إمكانِ حَمْلِه على الكثيرِ المشهورِ، والذي يَتَعَيَّنُ على المُعْرِبِينَ ألاَّ يَحْمِلُوا الكلامَ على وجهٍ ضعيفٍ مَتَى أَمْكَنَ حملُه على وجهٍ صحيحٍ راجِحٍ.
قد تَمَّ ـ بحمدِ اللهِ تعالى وحُسْنِ تَوْفِيقِه ـ الجُزْءُ الأوَّلُ من شَرْحِ ابنِ عَقِيلٍ على أَلْفِيَّةِ ابنِ مَالِكٍ، معَ حَوَاشِينَا عليه، التي بَذَلْنَا فِي تَمْحِيصِها وتَحْقِيقِها الجَهْدَ الجاهِدَ، واللهُ تَعالى المسؤولُ أنْ يُوَفِّقَ لإِتْمَامِها على الوجهِ الذي يَجْعَلُ النفعَ بها دانِيَ الثَّمَرَاتِ قَرِيبَ الجَنَى، إنه وَلِيُّ ذلك، وهو حَسْبُنَا ونِعْمَ الوَكِيلُ.


  #3  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


[تخفيف "إن" وعملها]:
190 - وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ العَمَلْ = وَتَلْزَمُ اللامَّ إذا ما تُهْمَلْ
191 - وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إِنْ بَدَا = مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا
(وخُفِّفَتْ إِنَّ) المكسورةِ (فَقَلَّ العَمَلُ) وكثُرَ الإهمالُ ، لزوالِ اختصاصِها حينئذٍ نحوَ: { وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} وجازَ إعمالُها استصحابًا للأصلِ نحوَ: {وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم} (وَتَلْزَمُ اللامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ) لتَفْرِقَ بينَها وبينَ "إِنْ" النافيةِ ولهذا تُسَمَّى اللامُ الفارقةُ وقد عرَفْتَ أنها لا تلزمُ عندَ الإعمالِ لعدم ِاللبسِ.
تنبيهٌ : مذهبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ هذه اللامَ هي لامُ الابتداءِ وذهبَ الفارسيُّ إلى أنها غيرُها اجتلُبِتْ للفرقِ ويظهَرُ أثرُ الخِلافِ في نحوِ قولِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (( قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا)). فعلَى الأَوَّلِ يجِبُ كسرُ "إن" وعلى الثانِي يجِبُ فتحُها.
( وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عنها) أي: عنِ اللامِ (إن بدَا) أي: ظهَرَ (مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا) على قرينةٍ: إما لفظيَّةٍ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
277 - إِنَّ الحَقَّ لا يخَفْى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ = وَإِنْ هُوَ لَمْ يُعْدَمْ خِلافَ مُعَانِدِ
أو معنويةٍ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
278 - أَنَا ابْنُ أُبَاةِ الضَّيْمِ مِنْ آلِ مَالِكٍ = وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ المَعَادِنِ
192 - وَالفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخًا فَلاَ = تَلْفِيه غَالِبًا بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ
(والفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً) للابتداءِ وهو "كَانَ" و "كَادَ و "ظَنَّ وأخواتُهَا (فلا * تَلْفِيه) أي: لا تجِدُه (غَالبًا بِإِنْ ذِي) المخففَّةِ مِنَ الثقيلة (موصلا) وإن كانَ ناسخًا وجدْتَه مُوصَلاً بها كثيرًا نحوَ {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكَاذِبِينَ} وَأَكْثَرُ منهُ كونُهُ مَاضيًا، نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً}، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} وَمِنَ النادرِ قولُه [مِنَ الكَامِلِ]:
279 - شَلَّتْ يَمِينُكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا = وَجَبَتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةِ المُتَعَمِّدِ
ولا يقاسُ عليهِ نحوُ: " إِنْ قَامَ لَأَنَا" و" إِنْ قَعَدَ لَزَيْدٌ" خِلافًا للأخفشِ والكُوفِيِّينَ وأندرَ منهُ كونُه لا ناسخًا ولا ماضيًا كقولِهم: "إِنْ يَزِينُكَ لَنَفْسُكَ" و"إِنْ يَشِينُكَ لَهِيَهْ".
[تخفيف "أن" وعملها]:
193 - وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنَّ = وَالخَبَرَ اجْعَلَ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ
(وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ) المفتوحةَ (فَاسْمُها) الذي هو ضميرُ الشأنِ (استكَنَّ) بمعنَى حُذِفَ مِنَ اللفظِ وجوبًا ونُوِيَ وجودُه لا أنها تحمَّلَتْهُ لِأنَّها حرفٌ وأيضا فهو ضميرُ نَصْبٍ ، وضمائرُ النصبِ لا تستَكِنُّ وأما بروزُ اسمِهَا وهو غيرُ ضميرِ الشأنِ في قولِه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
280 - فَلَوْ أَنَّكِ فِي يومِ الرخاءِ سَأَلْتِنِي = طَلاَقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ
وقوله [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
281 - بِأَنَّكَ رَبِيعٌ وَغَيْثٌ مَرِيعٌ = وَأَنَّكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثُّمَالاَ
فضرورة.
(وَالخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ) نحو: "عَلِمْتُ أَنْ زَيْدٌ قائمٌ" فـ "أَنْ" مخفَّفَةٌ مِنَ الثقيلةِ ، واسمُهَا ضميرُ الشأنِ محذوفٌ و"زيدٌ قائمٌ" جملة ٌفي موضعِ رفْعٍ خبرُها.
تنبيهٌ : أ"نَّ " المفتوحةُ أشبَهُ بالفعلِ مِنَ المكسورةِ ؛ لأنَّ لفظَهَا كلفظِ "عض"َّ مقصودًا بهِ المَاضي أو الأمرُ ، والمكسورةُ لا تُشْبِهُ إلا الأمرَ كـ"جَدَّ" فلذلك أُوثِرَتْ "أنَّ" المفتوحةَ المخفَّفَةَ ببقاءِ عملِها على وجهٍ يُبَيِّنُ فيهِ الضعفَ ، وذلك بأنْ جعَلَ اسمَهَا محذوفًا ؛ لتكُونَ بذلِكَ عاملَةً كلا عاملةٍ وممُّا يوجِبُ مزيَّتَها على المكسورةِ أنَّ طلبَها لما تعمَلُ فيهِ مِنْ جهةِ الاختصاصِ ومِنْ جهةِ وصليَّتِها بمعمولِها ولا تطلُبَ المكسورةَ ما تعملُ فيهِ إلا من جهةِ الاختصاصِ فضَعُفَتْ بالتخفيفِ وبطُلَ عملُها بخلافِ المفتوحةِ.
194 - وَإِنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا = وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعًا
195 - فَالأَحْسَنُ الفَصْلُ بِقَدْ ، أَوْ نَفْيٍ اوْ تَنْفِيسٍ او لَوْ ، وقَلِيلٌ ذِكْرُ لَوْ
(وَإِنْ يَكُنْ) صَدْرُ الجملةِ الواقعةِ خبرُ "أن" المفتوحةِ المُخَفَّفَةِ (فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ) ذلك الفعلُ (دُعَا * ولم يَكْنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا, فَالأَحْسَنُ) حينئذٍ (الفصلُ) بينَ "أَنْ" وبينَهُ "بقد" نحو: { وَنَعْلَمُ أَنْ قَدْ صَدَّقْتَنَا}. وفي قولِه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
282 - شَهِدْتُ بِأَنْ قَدْ خُطَّ مَا هُوَ كَائِنٌ = وَأَنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ
(أو نَفِي) بـ "لا" و"لن" أو "لم" نحو: { وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}، {أَيْحَسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}، { أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدْ} (أو) حرفٍ (تَنْفِيسٍ) نحوَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونَ} وقوله [من السريع]:
283- وَاعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْءِ يَنْفَعُهُ = أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِّرَا
(أَوْ لَوْ) نحوُ: { وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} (وقليلٌ) في كتبِ النحاةِ (ذِكْرُ لَوْ) وإنْ كانَ كثيرًا في (لسانِ العربِ) وأشارَ بقولِهِ: "فالأحسنُ الفصلُ" إلى إنَّهُ قد يَرِدُ والحالةُ هذه بدونِ فاصلٍ كقولِهِ [مِنَ الخَفِيفِ]:
284 - عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُونَ فَجَادُوا = قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ
وقوله [من مَجْزُوء الكَامِلِ]:
285 - إِنِّي زَعِيمٌ يَا نُوَيْـ = ـقَةُ إِنْ أَمِنْتَ مِنْ الرَّزَاحِ
وَنَجَوْتِ مِنْ عَرَضِ المَنُو = نِ مِنَ العَشِيِّ إِلَى الصَّبَاحِ
أَنْ تَهْبِطِينَ بِلاَدَ قَوْ = مٍ يَرْتَعُونَ مِنَ الطِّلاحِ
أما إذا كانَتْ جملةُ الخبرِ اسميَّةً أو فعليَّةً فعلُها جامدٌ أو دعاءٌ فلا تحتاجُ إلى فاصلٍ كما هو مفهومُ الشرطِ مِنْ كلامِهِ ، نحوُ { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، {وَأَنّ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}.
[تخفيف "كأن" وعملها]:
196 - وَخُفِّفَتْ كَأَنَ أيضًا فَنُوِي = مَنْصُوبُهَا وَثَابِتًا أيضًا رُوِي
(وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أيضًا) حَمْلاً على " أنَّ " المفتوحةَ (فَنُوِيَ * منصوبُها) وهو ضميرُ الشأنِ كثيرًا (وَثَابِتًا أيضًا رُوِيَ) وهو غيرُ ضميرِ الشأنِ قليلاً كمنصوبِ "أنْ" فمِنَ الأوَّل ِقولُه [من الهزج]:
286 - وَصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْرِ = كَأَنْ ثَدْيَاهُ حِقَانِ
وقوله [مِنَ الطَّوِيلِ]:
287 - وَيَوْمًا تُوَافِينَا بِوَجْهٍ مُقْسِمٍ = كَأَنْ ظِبْيَةٌ تَعْطُو إِلْى وَارِقِ السَّلْمِ
على روايةِ مَنْ رفَعَ فيهما وعلى روايةِ النصبِ هما مِنَ الثانِي وقد عرَفْتَ أَنَّهُ لا يلزَمُ في خبرِها عندَ حذْفِ الاسمِ أنْ يكونَ جملةً كما في "أن" بل يجوزُ أن يكونَ جملةً كما في البيتِ الأَوَّلِ ، وأنْ يكون مفردًا كما في الثانِي.
تنبيهٌ : إذا كانَ خبرُ "كأَنْ" المخفَّفَةِ جملةً اسميَّةً لم يُحْتَجْ إلى فاصلٍ كما في البيتِ الأَوَّلِ ، وإِنْ كانت فعليَّةً فُصِلَتْ بـ "قد" أو "لم" نحوَ { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} وكقولِهِ [مِنَ الخَفِيفِ]:
288 - لاَ يَهُولَنَّكَ اصْطِلاَءِ لَظَى الحَرِّ = بـِ فَمَحْذُورُهَا كَأَنْ قَدْ أَلَمَّا
[تخفيف "لعل" و"لكن"]:
خاتمةٌ : لا يجُوزُ تخفيفُ "لعلَّ" على اختلافِ لغاتِها وأما "لكنَّ" فتُخَفَّفُ فتهُمْلُ وجوبًا نحو (وَلَكِنِ اللَّهُ قَتَلَهُمْ) وأجازَ يُونُسُ وَالأَخْفَشُ إعمالَها حينئذٍ قياسًا وحُكِيَ عن يُونُسَ أَنَّهُ حكَاه عِنِ العربِ ، واللَّهُ أعلمُ.

  #4  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 02:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


تَخفيفُ (إنَّ)
189- وخُفِّفَتْ إنَّ فقَلَّ العَمَلُ = وتَلْزَمُ اللامُ إذا ما تُهْمَلُ
190- ورُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إنْ بَدَا = ما ناطِقٌ أَرادَهُ مُعْتَمِدَا

إذا خُفِّفَتْ (إنَّ) المكسورةُ فلها حالتانِ:
الأُولَى: أنْ يَلِيَها الاسمُ.
الثانيةُ: أنْ يَلِيَها الفعْلُ.
أمَّا الأُولَى - وهي أنْ يَلِيَهَا الاسمُ - فيَجوزُ فيها الإهمالُ، وهذا هو الكثيرُ، ويَجوزُ فيها الإعمالُ ويكونُ اسْمُها اسْمًا ظاهرًا لا ضميرًا، وإذا أُهْمِلَتْ لَزِمَتِ اللامَ في خبرِ المبتدأِ بعدَها؛ لتُفَرِّقَ بينَها وبينَ (إنِ) النافيةِ، ولهذا تُسَمَّى (اللامَ الفارِقَةَ) و(لامَ الفصْلِ)، نحوُ: إنِ القراءةُ لَمُفِيدَةٌ.
فإنْ عَمِلَتْ لم تَلْزَمِ اللامُ؛ لأنها لا تَلتبِسُ بإنِ النافيةِ؛ لأنَّ النافيةَ لا تَنْصِبُ الاسمَ وتَرفعُ الخبرَ، نحوُ: إنِ القراءةَ مُفيدةٌ.
وإنْ وُجِدَ قَرينةٌ مَعنويَّةٌ أو لفظيَّةٌ تُبَيِّنُ المقصودَ بـ (إنْ)، (وهو التوكيدُ) استُغْنِيَ عن اللامِ لعَدَمِ اللَّبْسِ، فمِثالُ المعنويَّةِ : إنِ الاستقامةُ سعادةُ الدارَيْنِ، فهي مُخَفَّفَةٌ؛ لأنَّ المعنى يَفْسُدُ على اعتبارِها نافيةً.
ومنه قولُ الشاعرِ:
أَنَّا أُباةُ الضَّيْمِ مِن آلِ مَالِكٍ = وإنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ

فقد تَرَكَ الشاعرُ اللامَ في قولِه: (وإنْ مالِكٌ كانَت)؛ اعتمادًا على ظُهورِ المرادِ؛ لدَلالةِ مَقامِ الافتخارِ في شَطْرِ البيتِ على الإثباتِ.
ومِثالُ اللفظيَّةِ : إنِ الفعْلُ الجميلُ لنْ يَضيعَ، ومنه قولُ الشاعرِ:
إنِ الْحَقُّ لا يَخْفَى على ذي بَصيرَةٍ = وإنْ هوَ لم يُعْدَمْ خِلافَ مُعَانِدِ

فإنَّ وجودَ (لنْ) في المِثالِ و(لا) في البيتِ يُبْعِدُ أنْ تكونَ (إنْ) نافيةً؛ لأنَّ إدخالَ النفيِ على النفيِ لإبطالِ الأوَّلِ قليلٌ جِدًّا في الكلامِ الفصيحِ؛ إذ يُمْكِنُ أنْ يَأتِيَ الكلامُ مُثْبَتًا مِن أوَّلِ الأمْرِ مِن غيرِ حاجةٍ إلى نفيِ النفيِ الْمُؤَدِّي للإثباتِ بعدَ تطويلٍ، وفيه قَرينةٌ مَعْنَوِيَّةٌ؛ فإنَّ نَفْيَ النفيِ إثباتٌ، فيكونُ المعنى: الحقُّ يَخْفَى على ذي بَصيرةٍ، وفَسادُه ظاهِرٌ.
ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ هذه اللامَ هي لامُ الابتداءِ.
وذَهَبَ أبو عليٍّ الفارِسِيُّ إلى أنها غَيْرُها اجْتُلِبَتْ للفرْقِ، وهذا هو الظاهرُ لدُخُولِها في مَواضِعَ لا تَدْخُلُ فيها لامُ الابتداءِ، ويَظْهَرُ أثَرُ الخِلافِ في نحوِ قولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((قَدْ عَلِمْنَا أَنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ)). رَوَاهُ البُخارِيُّ، فعلى الأوَّلِ يَجِبُ كسْرُ همزةِ (إنْ)؛ لأنها بعْدَ فعْلٍ مِن أفعالِ القلوبِ، وقد عُلِّقَ عن العملِ بلامِ الابتداءِ؛ كما تَقدَّمَ، وعلى الثاني يَجِبُ الفتْحُ؛ لطلَبِ العامِلِ لها بعدَ التأويلِ، وليسَتْ الفارِقَةُ مِن الْمُعَلِّقَاتِ.
قالَ ابنُ مالِكٍ: (وخُفِّفَتْ إنَّّ)؛ أي: المكسورةُ، (فقَلَّ العمَلُ)؛ أيْ: وكَثُرَ إهمالُها، ولَزِمَ مَجيءُ اللامِ بعدَها، وربما تُرِكَتْ هذه اللامُ إنْ ظَهَرَ الذي أرادَه المتكلِّمُ مُعْتَمِدًا على قَرينةٍ تُوَضِّحُ المقصودَ.
مِن أحكامِ (إنَّ) إذا خُفِّفَتْ
191- والفعلُ إنْ لم يَكُ نَاسِخًا فَلاَ = تُلْفِيهِ غالِبًا بإنْ ذي مُوصَلاَ
هذه الحالةُ الثانيةُ لـ (إنَّ) بعدَ التخفيفِ، وهي أنْ يَلِيَها الفعْلُ فيَجِبُ إهمالُها لزوالِ اختصاصِها بالاسمِ، والغالبُ أنْ يَلِيَها فعْلٌ مِن الأفعالِ الناسخةِ، مِثْلُ (كانَ) أو (ظَنَّ)، والماضي الناسِخُ أكثَرُ مِن المضارِعِ.
فالماضي نحوُ: إنْ وَجَدْنَا الكَذَّابَ لأَبْعَدَ مِن احترامِ الناسِ وتَوْقِيرِهم. قالَ تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}.
والمضارِعُ نحوُ: إنْ يَكادُ الذَّلِيلُ لَيَأْلَفُ الهوَانَ. قالَ تعالى: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}.
ويَقِلُّ أنْ يَلِيَهَا غيرُ الناسخِ؛ كالماضِي في قولِهم: (إِنْ قَنَّعْتَ كاتِبَكَ لسَوْطًا)، وقولِ المرأةِ:
شَلَّتْ يَمِينُكَ إنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا = حَلَّتْ عليكَ عُقوبةُ الْمُتَعَمِّدِ
أو المضارِعِ؛ كقولِهم: (إنْ يَزِينُكَ لَنَفْسُكَ، وإنْ يَشينُكَ لَهِيَهْ)، ولا داعِيَ لِمُحَاكَاةِ هذه الأمثلةِ القليلةِ، وإنما تُذْكَرُ للعلْمِ بها.
وهذا معنى قولِه: (والفعلُ إنْ لم يَكُ ناسِخًا.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ الفعْلَ إذا لم يَكُنْ مِن الأفعالِ الناسخةِ فإنك غالِبًا لا تَجِدُه متَّصِلاً بـ (إنِ) المخَفَّفَةِ، وإنما الذي يَتَّصِلُ بها - في الغالِبِ - هو الفعْلُ الناسخُ.
تخفيفُ (أنَّ)
192- وإنْ تُخَفَّفْ أنَّ فاسْمُها اسْتَكَنْ = والخبرَ اجْعَلْ جُملةً مِن بَعْدِ أَنْ
193- وإنْ يَكُنْ فِعْلاً ولم يَكُنْ دُعَا = ولم يَكُنْ تَصريفُه مُمْتَنِعَا
194- فالأحْسَنُ الفَصْلُ بقَدْ أو نَفْيٍ اوْ = تَنفيسٍ اوْ لَوْ وقليلٌ ذِكْرُ لَوْ
إذا خَفَّفْتَ (أنَّ) المفتوحةَ تَرَتَّبَ على ذلك أربعةُ أحكامٍ:
الأوَّلُ: بقاءُ عَمَلِها.
الثاني: يكونُ اسْمُها ضميرَ الشأنِ مَحذوفًا.
الثالثُ: يكونُ خَبَرُها جُملةً اسْمِيَّةً أو فِعْلِيَّةً.
الرابعُ: وُجودُ فاصِلٍ في الأغلَبِ بينَها وبينَ خَبَرِها إذا كانَ جُملةً فِعْلِيَّةً فعْلُها متَصَرِّفٌ لا يُقْصَدُ به الدعاءُ؛ كما سيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ.
مِثالُها: عَلِمْتُ أنْ حاتِمٌ أشهَرُ كُرماءِ العرَبِ، فـ (أنْ) مخفَّفَةٌ. واسمُها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ؛ أي: أنه، وحاتمٌ: مبتدأٌ، وأشهَرُ: خبرٌ والجملةُ خبرُ (أنِ) المخَفَّفَةِ، ومنه قولُه تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فـ (أنْ) مخفَّفَةٌ مِن الثقيلةِ، واسمُها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، تقديرُه: أنَّهُ؛ أي: الحالَ والشأنَ، وجملةُ (الحمدُ للهِ) خَبَرُها.
وقد يَبْرُزُ اسْمُها؛ كقولِ المرأةِ تَرْثِي أخاها:
بأَنْكَ ربيعٌ وغَيْثٌ مَرِيعٌ = وأَنْكَ هناكَ تكونُ الثِّمالاَ
فقد وَقَعَتِ (الكافُ) اسْمًا لـ (أنِ) المخَفَّفَةِ، وخَبَرُها في الشَّطْرِ الأوَّلِ مُفْرَدٌ، وفي الشَّطْرِ الثاني جُملةٌ، وهذا شاذٌّ أو ضَرورةٌ شِعريَّةٌ، فلا يُقاسُ عليه، بل يُقتَصَرُ على الكثيرِ الشائعِ.
فإنْ كانَ خَبَرُها جُملةً فِعليَّةً فِعْلُها مُتَصَرِّفٌ، لا يُقْصَدُ به الدعاءُ - فإنه يُؤْتَى في الغالِبِ بفاصِلٍ بينَها وبينَ خَبَرِها؛ كما تَقَدَّمَ، وهذا الفاصلُ للتفرِقَةِ بينَ (أنِ) المخفَّفَةِ و (أنِ) الْمَصدريَّةِ.
وهذا الفاصِلُ واحدٌ مِن أربعةٍ:
1- (قدْ)، نحوُ: أيْقَنْتُ أنْ قدْ خُطَّ ما هو كائنٌ. قالَ تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا}، فـ (أنْ) مُخَفَّفةٌ واسْمُها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، وجُملةُ (صَدَقْتَنَا) في مَحَلِّ رفْعِ خبرِ (أنْ)، والمصدَرُ المؤوَّلُ مِن (أنْ) وما بعدَها في مَحَلِّ نصْبٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ (نَعْلَمَ).
2- أحَدُ حَرْفَيِ التنفيسِ - أي: الاستقبالِ - وهما: السينُ، نحوُ: إنْ لم تَسْمَعْ نُصحِي فاعتَرِفْ أنْ سَتَنْدَمُ, قالَ تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}، أو سوفَ؛ كقولِ الشاعرِ:
واعْلَمْ فعِلْمُ الْمَرءِ يَنفَعُهُ = أنْ سَوْفَ يَأتِي كلُّ ما قُدِرَا
3- أحَدُ حروفِ النفيِ الثلاثةِ التي استَعْمَلَتْهَا العرَبُ في هذا الْمَوْضِعِ، وهي (لا، لنْ، لَمْ)، نحوُ: أَيْقَنْتُ أنْ لا يَضِيعُ عندَ اللهِ إحسانٌ، قالَ تعالى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}، ونحوُ: جَزَمْتُ أنْ لنْ يَضِيعُ العرفُ بينَ اللهِ والناسِ. قالَ تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}، ونحوُ: اعتقادِي أنْ لم تَنْفَعْكَ نَصيحَتِي. قالَ تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}.
4- (لو)، والنصُّ عليها في كُتُبِ النُّحاةِ قليلٌ، معَ أنها كثيرةٌ في المسموعِ، نحوُ: أُوقِنُ أنْ لو استفادَ المسلِمُ ممَّا يَسمعُ لصَلَحَ المجتَمَعُ. قالَ تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}.
وقد وَرَدَ تَرْكُ الفاصِلِ في قولِ الشاعرِ:
عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون فَجَادُوا = قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بأعْظَمِ سُؤْلِ‏

ويُفْهَمُ ممَّا سَبَقَ أنَّ الفصْلَ غيرُ واجبٍ في ثلاثةِ مَوَاضِعَ:
الأوَّلُ: إذا كانَ الخبرُ جُملةً اسميَّةً، نحوُ: اعتقادِي أنْ عَواقِبُ الصبْرِ مَحمودةٌ، قالَ تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، إلاَّ إذا قُصِدَ النفيُ فيُفْصَلُ بينَ (أنْ) وخَبَرِها بحرْفِ النفيِ، نحوُ: رَأَيْتُ أنْ لا صَدِيقَ وَفِيٌّ، ومنه: (أَشهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ)، قالَ تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
الثاني: إذا كانَ الخبرُ جُملةً فِعليَّةً فعلُها جامدٌ، نحوُ: عَلِمْتُ أنْ ليسَ للظُّلْمِ بقاءٌ. قالَ تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}.
الثالثُ: إذا كانَ الخبرُ جُملةً فِعليَّةً، فعْلُها متَصَرِّفٌ، ولكنْ قُصِدَ به الدعاءُ، نحوُ: أدامَ اللهُ تَوفيقَكَ، وأنْ أَسْبَغَ عليكَ نِعَمَه ورَزَقَكَ شُكْرَها، ومنه قراءةُ نافعٍ الْمَدَنِيِّ: (وَالْخَامِسَةَ أَنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا) بصِيغةِ الفعْلِ الماضي (غَضِبَ) وتسكينِ النونِ، وبَقِيَّةُ السبعةِ قَرَأَ بشديدِ (أنَّ) ونَصْبِ ما بعدَها.
وإنما تُرِكَ الفصْلُ في هذه المواضِعِ الثلاثةِ؛ لأنَّ الناصبةَ للمضارِعِ لا تَقَعُ في مِثْلِ ذلك، فلا لَبْسَ بينَها وبينَ المُخَفَّفَةِ.
وهذا معنَى قولِه: (وإنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فاسْمُها.. إلخ)، فذَكَرَ ثلاثةً مِن أحكامِها بعدَ التخفيفِ، فإنَّ قولَه: (فاسْمُها) معناه: بقاءُ عَمَلِها.
وإلاَّ لم يَكُنِ اسْمًا لها، وهذا الحكْمُ الأوَّلُ، ولم يَذْكُرْ أنه ضَميرٌ؛ لضِيقِ النظْمِ، وقولُه: (اسْتَكَنْ)؛ أي: اسْتَتَرَ واخْتَفَى، وخَفَّفَ نونَ الفعْلِ للضرورةِ، والأصْلُ (اسْتَكَنَّ) وهذا الحكْمُ الثاني.
وأشارَ إلى الثالثِ بقولِه: (والخبرَ اجعَلْ جُملةً مِن بَعْدِ أنْ).
ثُمَّ قالَ: (وإنْ يَكُنْ فِعْلاً..) أيْ: وإنْ يَكُنِ الخبرُ جُملةً فِعْلُها لا يَدُلُّ على الدعاءِ ولا يَمتنِعُ تصريفُه فالأحسَنُ الفصْلُ بينَ (أنَّ) وخَبَرِها بما ذُكِرَ، وقولُه: (وقليلٌ ذِكْرُ لوْ)؛ أيْ: قَلَّ مِن النَّحْوِيِّينَ مَن ذَكَرَ (لو)، وهذا لا يُنَافِي وُرُودَها كثيرًا في الكلامِ الفصيحِ.
تخفيفُ (كأنَّ)
195- وخُفِّفَتْ كأنَّ أيضًا فنُوِي = مَنصوبُها وثابتاً أيضاً رُوِي
إذا خُفِّفَتْ (كأنَّ) ثَبَتَتْ لها الأحكامُ الأربعةُ السابقةُ في (أنِ) المُخَفَّفةِ مِن بقاءِ عَمَلِها وحَذْفِ اسْمِها، ومجيءِ خَبَرِها جُملةً اسْمِيَّةً أو فِعْلِيَّةً مُصَدَّرَةً بلم معَ المضارِعِ و (قد) معَ الماضي.
فمِثالُ الْجُملةِ الاسميَّةِ: كأنْ عُصفورٌ سَهْمٌ في السرعةِ، ومِثالُ الفعليَّةِ: نَضَرَ الزهْرُ وكأنْ لم يَكُنْ ذابِلاً، قالَ تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}.
وقدِ اجْتَمَعَتْ (كأنَّ) المشدَّدَةُ والمُخَفَّفةُ في قولِه تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}.
وقد رُوِيَ مَجيءُ اسْمِها ظاهِرًا؛ كقولِ رُؤْبَةَ:
غَضَنْفَرٌ تَلْقَاهُ عندَ الغَضَبِ = كأَنْ وَرِيدَاهُ رِشَاءً خُلَّبِ
ولا يُقاسُ على هذا؛ لأنه نادرٌ.
وهذا معنَى قولِه: (وخُفِّفَتْ كَأنَّ.. إلخ)، ومعنى (فَنُوِي)؛ أيْ: قُدِّرَ ولم يُذْكَرْ في الكلامِ. وقولُه: (مَنْصُوبُهَا) معناه: أنه بَقِيَ عَمَلُها ثم ذَكَرَ أنَّ اسْمَها قد يُذْكَرُ ظاهرًا في الكلامِ وهو قليلٌ.
تَخفيفُ (لَكِنَّ):
إذا خُفِّفَتْ (لكِنَّ) وَجَبَ إهمالُها، وزالَ اختصاصُها بالجملةِ الاسميَّةِ، فتَدْخُلُ على الاسميَّةِ والفعليَّةِ وعلى غيرِهما، ويَبْقَى لها معناها بعدَ التخفيفِ وهو الاستدراكُ، نحوُ: الكتابُ صغيرٌ لكنْ نَفْعُه عظيمٌ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تخفيف, هو

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir