(1) وهكذا بَقِيَّةُ الصِّفاتِ، فالكيفيَّةُ مِن التأويلِ الذي يَعْلَمُه اللَّهُ وَحْدَه، أما تفسيرُ الآياتِ التي فيها الصفاتُ فمعلومٌ للرَّاسخِينَ في العلمِ، معلومٌ لأهلِ الإيمانِ والعِلْمِ بلغةِ العربِ، فالسميعُ معلومٌ تأويلُه، وأنَّه الذي سَمِعَ الأصواتَ، والبَصَرُ رؤيةُ الأشياءِ، والعلمُ كالخِبْرَةِ بالأشياءِ والإحاطةِ بها، والقدرةُ ضدُّ العَجْزِ، هذه معانٍ معلومةٌ، وهكذا اليَدُ والوجهُ والقَدَمُ، كلُّ هذه صِفَاتٌ مَعْلُومَةٌ، لكن لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَها إلا هو سبحانه وتعالى.
فصفاتُ اللَّهِ وأسماؤُه معلومةُ المعاني، لكن لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَها إلا هو جلَّ وعلا، ولهذا قالَ مالكٌ ورَبِيعَةُ وأمُّ سَلَمَةَ والسَّلفُ بعدَهم: (الاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، والكَيْفُ مَجْهُولٌ، والإِيْمَانُ به واجِبٌ، والسؤالُ عنه بِدْعَةٌ)، وهكذا يُقالُ: السمعُ معلومٌ، والبصرُ معلومٌ، واليَدُ معلومةٌ، والوجهُ معلومٌ، والإيمانُ بذلك واجبٌ، والكيفُ مجهولٌ، وهكذا بقيَّةُ الصفاتِ؛ الضَّحِكُ والرِّضا والغَضَبُ، الغضبُ معروفٌ , ضِدُّ الرضا، والرضا معروفٌ أنَّهُ ضِدُّ الغَضَبِ، ولكن لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ رِضَاهُ سبحانه وتعالى، ولا كَيْفِيَّةَ غَضَبِه إلاَّ هو جلَّ وعلا، لكنْ مَعْرُوفٌ ما يَنْتُجُ عن الغضبِ مِن العقوباتِ والنِّقْمَاتِ، وما يَنْتُجُ عن الرضا مِن الرحمةِ والإحسانِ والإكرامِ، إلى غيرِ ذلكَ.
(2) وهكذا يَنْبَغِي، فلولا أنَّه يُفْهَمُ , وله معنًى يُفْهَمُ، لَمَا قالوا: فتَعَلَّمْنَا العلمَ والعملَ جميعاً.
فمعانيها التي خُوطِبْنَا بها وأُمِرْنَا بتَدَبُّرِها والعملِ بها معلومةٌ، كما نَعْرِفُ معنى: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ} {وَآتُوا الزَّكَاةَ} {وَاتَّقُوا اللَّهَ} {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وما أشْبَهَ ذلك، فأشياءُ - مثلَ ما قالَ ابنُ عبَّاسٍ - تُعْرَفُ من لغةِ العربِ، وأشياءُ يَعْرِفُها الراسخونَ في العلمِ، وأشياءُ لا يُعْذَرُ أحدٌ بجَهَالَتِها، كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحَجِّ وغيرِ ذلك، والنوعُ الرابعُ هو الذي لا يَعْلَمُه إلا اللَّهُ سبحانه وتعالى كعِلْمِ الغيبِ، وكيفيَّةِ الصفاتِ.