وأحب أن أقف وقفة قصيرة تتعلق بتقسيم الصفات؛ لأن بعضهم يقول : صفة الوجه واليدين صفات خبرية , وصفة العلم والحياة والإرادة والقدرة والسمع والبصر, صفات عقلية فيقولون هذه خبرية, وهذه عقلية .
وأحياناً يقولون : صفة الوجه واليدين والحياة والعلم والسمع والبصرصفات ذاتية, وصفة الرضا والغضب والاستواء والمجيء والنزول والإتيان صفات فعلية, أي انه متعلقة بإرادته ومشيئته سبحانه وتعالى .
وهذه التقسيمات لم تكن معروفة بهذا الشكل لدى السلف الصالح رحمهم الله تعالى , ولهذا تجدهم يثبتون جميع ما ورد من الصفات, دون أن يفرقوا بين صفة وأخرى, كما فعل ابن قدامة هنا حيث ذكر صفات عديدة لله سبحانه وتعالى, دون أن يميز ويقول هذه خبرية وهذه عقلية وهذه ذاتية وهذه فعلية
ولهذا فإنني أنصح بقراءة كتاب التوحيد وهو آخر كتاب من صحيح البخاري رحمه الله تعالى . وهذا الكتاب عظيم جداً, ومن تأمل تبويب البخاري واستشهاده بالآيات , ثم ذكره الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , يرى في هذا الكتاب عجباً .
ومن تأمل تبويبات البخاري رحمه الله تعالى, يجد أنه لم يفرق بين اسم من أسماء الله ولا بين صفة من صفاته , فارجعوا إليه, إما إلى متنه أوارجعوا مع المتن إلى شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان في مجلدين كبيرين, وشرحه من الشروح الوافية والمهمة .
وهناك شروح أخرى قبله عليها ملاحظات مثل شرح ابن حجر في ((فتح الباري)), أو العيني في (( عمدة القاري)), أو السيوطي الذي لخص الشرحين في (( إرشاد الساري)) أو غيرها من شروح البخاري فهذه يستعين بها الإنسان . لكن شرح الغنيمان لكتاب التوحيد جاء مبسوطاً على وفق منهج أهل السنة والجماعة, مع المناقشة لمن أخطأ أو انحرف في هذا الباب.
المهم هو أن هذه التقسيمات إنما جاءت بعد ذلك, وإذا كان بعضها لـه حظ من المعنى, فإن بعض الصفات فعلاً خبرية , مثل صفة الوجه أو اليدين, لا يمكن أن نطلع عليها إلا بخبر الصادق, وبعضها خبري عقلي , مثل صفة العلم لله سبحانه وتعالى, والإرادة فإن هذه الصفت دلت عليها الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأيضاً دل عليها دليل العقل , لكن العمدة في الإثبات أولاً إنما هو للنقل, لأن هذه متعلقة بأسماء الله وصفاته, ولا مانع بعد إثباتها بالنقل أن ندلل عليها بدليل عقلي, إذا كان الاستدلال منهجياً وصحيحاً .
كذلك أيضاً التقسيم الآخر بأن هناك صفات ذاتية , مثل صفة الحياة لله سبحانه وتعالى , وصفات فعلية كالنزول والغضب, هذا أيضاً قد يكون لـه حظ من المعنى , وقد دلت عليه النصوص , فإن بعض صفات الله سبحانه وتعالى تتعلق بمشيئته وإرادته, فاستواء الله على العرش مثلاً لها دلالتان ؛ دلالة العلو وهذه أزلية , لكن الدلالة الأخرى وهي الاستواء على العرش, هي من صفات أفعاله , ولهذا قال الله تبارك وتعالى : )هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ((الحديد: من الآية4) فاستواؤه تبارك وتعالى على العرش بعد خلقه لـه , ومثله نزوله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا, ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء , كل هذا مما يتعلق بإرادته ومشيئته , وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر لذلك .