دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الفتوى الحموية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 محرم 1432هـ/9-12-2010م, 02:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله بعلمها، وهو الكيف المجهول في كلام السلف

فَتَأْوِيلُ الصِّفَاتِ هُوَ الحَقِيقَةُ الَّتِي انْفَرَدَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا، وَهُوَ الكَيْفُ المَجْهُولُ الَّذِي قَالَ فِيهِ السَّلَفُ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ: (الاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ) فَالاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ يُعْلَمُ مَعْنَاهُ ويفسر ويترجم بلغة اخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ الاسْتِوَاءِ فَهُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ تَعَالَى(1).
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِهِمْ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (تَفْسِيرُ القُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: تَفْسِيرٌ تَعْرِفُهُ العَرَبُ مِنْ كَلاَمِهَا، وَتَفْسِيرٌ لاَ يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ يَعْلَمُهُ العُلَمَاءُ، وَتَفْسِيرٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ عزَّ وجلَّ مَن ادَّعَى عِلْمَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ ).
وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، وَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ( يَقُولُ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ).
وَكَذَلِكَ عِلْمُ وقتِ السَّاعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِنْ كُنَّا نَفْهَمُ مَعَانِيَ مَا خُوطِبْنَا بِهِ، وَنَفْهَمُ مِنَ الكَلامِ مَا قُصِدَ إِفْهَامُنَا إِيَّاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [مُحَمَّدٌ: 24 ] وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا القَوْلَ } [الْمُؤْمِنُونَ: 68 ] فَأَمَرَ بِتَدَبُّرِ القُرْآنِ كُلِّهِ لاَ بِتَدَبُّرِ بَعْضِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: (حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا القُرْآنَ: عُثْمَانُ بْنُ عفَّانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يَتَجَاوَزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ العِلْمِ وَالْعَمَلِ. قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا القُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا)(2).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (عَرَضْتُ المُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ أَسْأَلُهُ عَنْهَا ). وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: (مَا ابْتَدَعَ أَحَدٌ بِدْعَةً إِلاَّ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بَيَانُهَا ). وَقَالَ مَسْرُوقٌ: (مَا سُئلَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَعِلْمُهُ فِي القُرْآنِ، وَلَكِنَّ عِلْمَنَا قَصُرَ عَنْهُ).
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.


  #2  
قديم 3 محرم 1432هـ/9-12-2010م, 02:54 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تعليق سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله

(1) وهكذا بَقِيَّةُ الصِّفاتِ، فالكيفيَّةُ مِن التأويلِ الذي يَعْلَمُه اللَّهُ وَحْدَه، أما تفسيرُ الآياتِ التي فيها الصفاتُ فمعلومٌ للرَّاسخِينَ في العلمِ، معلومٌ لأهلِ الإيمانِ والعِلْمِ بلغةِ العربِ، فالسميعُ معلومٌ تأويلُه، وأنَّه الذي سَمِعَ الأصواتَ، والبَصَرُ رؤيةُ الأشياءِ، والعلمُ كالخِبْرَةِ بالأشياءِ والإحاطةِ بها، والقدرةُ ضدُّ العَجْزِ، هذه معانٍ معلومةٌ، وهكذا اليَدُ والوجهُ والقَدَمُ، كلُّ هذه صِفَاتٌ مَعْلُومَةٌ، لكن لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَها إلا هو سبحانه وتعالى.
فصفاتُ اللَّهِ وأسماؤُه معلومةُ المعاني، لكن لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَها إلا هو جلَّ وعلا، ولهذا قالَ مالكٌ ورَبِيعَةُ وأمُّ سَلَمَةَ والسَّلفُ بعدَهم: (الاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، والكَيْفُ مَجْهُولٌ، والإِيْمَانُ به واجِبٌ، والسؤالُ عنه بِدْعَةٌ)، وهكذا يُقالُ: السمعُ معلومٌ، والبصرُ معلومٌ، واليَدُ معلومةٌ، والوجهُ معلومٌ، والإيمانُ بذلك واجبٌ، والكيفُ مجهولٌ، وهكذا بقيَّةُ الصفاتِ؛ الضَّحِكُ والرِّضا والغَضَبُ، الغضبُ معروفٌ , ضِدُّ الرضا، والرضا معروفٌ أنَّهُ ضِدُّ الغَضَبِ، ولكن لا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ رِضَاهُ سبحانه وتعالى، ولا كَيْفِيَّةَ غَضَبِه إلاَّ هو جلَّ وعلا، لكنْ مَعْرُوفٌ ما يَنْتُجُ عن الغضبِ مِن العقوباتِ والنِّقْمَاتِ، وما يَنْتُجُ عن الرضا مِن الرحمةِ والإحسانِ والإكرامِ، إلى غيرِ ذلكَ.
(2) وهكذا يَنْبَغِي، فلولا أنَّه يُفْهَمُ , وله معنًى يُفْهَمُ، لَمَا قالوا: فتَعَلَّمْنَا العلمَ والعملَ جميعاً.
فمعانيها التي خُوطِبْنَا بها وأُمِرْنَا بتَدَبُّرِها والعملِ بها معلومةٌ، كما نَعْرِفُ معنى: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ} {وَآتُوا الزَّكَاةَ} {وَاتَّقُوا اللَّهَ} {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وما أشْبَهَ ذلك، فأشياءُ - مثلَ ما قالَ ابنُ عبَّاسٍ - تُعْرَفُ من لغةِ العربِ، وأشياءُ يَعْرِفُها الراسخونَ في العلمِ، وأشياءُ لا يُعْذَرُ أحدٌ بجَهَالَتِها، كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحَجِّ وغيرِ ذلك، والنوعُ الرابعُ هو الذي لا يَعْلَمُه إلا اللَّهُ سبحانه وتعالى كعِلْمِ الغيبِ، وكيفيَّةِ الصفاتِ.


  #3  
قديم 24 شوال 1434هـ/30-08-2013م, 08:46 PM
سليم سيدهوم سليم سيدهوم غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: ليون، فرنسا
المشاركات: 1,087
افتراضي شرح الشيخ يوسف الغفيص

[فتأويل ما أخبر الله به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك هو الحقائق الموجودة أنفسها لا ما يتصور من معانيها في الأذهان، ويعبر عنه باللسان، وهذا هو التأويل في لغة القرآن كما قال تعالى عن يوسف أنه قال: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف:100] وقال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:53] وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله.
وتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله تعالى بعلمها، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف -كـ مالك وغيره-: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.
فالاستواء معلوم يعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقد روي عن ابن عباس ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل، فمن ادعى علمه فهو كاذب.
وهذا كما قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى].

إذاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) مع أن المعاني في هذا الثواب معلومة، وهذا متفق عليه بين أهل السنة والمتكلمين، فالماء المذكور في الجنة والخمرة المذكورة في الجنة والنعيم المذكور في الجنة هو من حيث المعنى معروف، وإن كان من حيث الماهية والحقيقة لم يتصور؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذا.
أما أن يكون بعض النعيم لم يحدث به الناس؛ حيث إن من نعيم الجنة ما لم يذكر أصلاً؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عن ربه: (ولا أذن سمعت) ومن النعيم ما حدث به، أي جاء ذكره في الكتاب أو في السنة لكنه لا يتحقق تصوره في القلب أو في العقل؛ لأن ماهيته تناسب ذاك المقام.
وهذا النعيم الأخروي الذي يقر به عند أهل السنة والمتكلمين دليل على أن صفات الباري سبحانه وتعالى صفات تليق به وإن وقع الاشتراك بينها وبين صفات المخلوقين في بعض الموارد من حيث الاسم المطلق، فتقول: رحمة الله ورحمة زيد.
فلفظ الرحمة لفظ مشترك مطلق، وإذا أضيف وخصص فلكل موصوف ما يناسبه، كما يقال: ماء ثم يقال: ماء الدنيا وماء الآخرة.
فلكل ما يليق به، وكذلك خمر الدنيا وخمر الآخرة.
فلكل ما يليق به.
وترى أن خمر الآخرة يمتنع ببداهة العقول وضرورة العقول أن تكون كخمر الدنيا، مع أن هناك نسبة -في الجملة- مشتركة يفهم بها الخطاب؛ ولهذا يمتنع أن يكون نعيم الآخرة مع نعيم الدنيا أو مع المواد التي في الدنيا مقروناً بالاشتراك اللفظي.
[وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به، ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه كما قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون:68] فأمر بتدبر القرآن كله لا بتدبر بعضه].

هذا وجه في الاستدلال لمذهب أهل السنة: أن الله أمر في غير آية بتدبر القرآن، بل ذم سبحانه من لم يتدبر القرآن، ولو كان الحق في آيات الصفات في سائر مواردها هو التفويض أو أنه لا يفقه معناها إلا باستعمال الدلائل الكلامية لكان هذا الأمر -الذي من الله بتدبر سائر القرآن- ليس في محله، ولا شك أن هذا ممتنع بضرورة العقل والشرع، فهذا الأمر الإلهي بتدبر القرآن كله دليل على أن سائر آياته تقبل التدبر، ودليل على أن سائر آياته من حيث المعنى تقبل التدبر، أي: تقبل الفهم والعقل، وإلا لو كانت لا تفهم ولا تعقل فكيف يؤمر بتدبر القرآن لا سيما أن آيات الصفات ليست يسيرةً في القرآن، بل هي كثيرة ولا تكاد تخلو سورة من سور القرآن من ذكر أو إشارة إلى هذا الباب؟! فإن قال قائل: إن هذا قد يعترض عليه؛ لأنه قد أمر بتدبر سائر القرآن مع أن في مطلع كثير من السور حم الم ص، فكيف يقال: إن الأمر بتدبر القرآن على عمومه مع وجود هذه الحروف المقطعة؟ قيل: هذا درس في التدبر، فإنك إذا قرأت هذه الآيات ولو وقف الفهم والعقل -كما هو طريقة طائفة من أهل العلم أن الله أعلم بمراده منها، وهذا وجه حسن جيد- فإن هذا لا ينافي التدبر؛ لامتناع العلم بمعنى مناسب لهذه؛ لأنه ليس لها معنى في اللغة، حيث إنك إذا بحثت في سائر كلام العرب لا تجد أن العرب تطلق حم على شيء منها؛ فهو اختصاص قرآني، والوقوف عنده بهذا التدبر والتسليم هو من تدبره المناسب له، لكن في آيات الصفات المعاني معلومة في لسان العرب، فمن جعل آيات الصفات بمنزلة قوله تعالى: (حم) وأمثالها فقد سوى بين المختلفين تماماً، فمثل هذه الآيات لا يشكل ذكرها على هذه القاعدة، لهذا يقال: إن القرآن جميعه يتدبر، حتى مطلع هذه السور كقوله: حم وأمثالها؛ فإنها تتدبر على ما يناسبها من التدبر.
[وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم العمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما من فاتحته إلى خاتمته أقف عن كل آية وأسأله عنها].

مثل هذه الآثار كثير، وقد ذكر المصنف طرفاً يسيراً منها، وهي كثيرة في كلام السلف في المصنفات وكتب التفسير المسندة، يتحصل منها أنه كان شائعاً عند السلف أن كل القرآن يتدبر، وأن معناه في سائر موارده -سواء موارد الصفات أو غيرها- معلوم؛ مما يدل على أن طريقة التفويض طريقة باطلة، فضلاً عن بطلان كونها مضافة إلى السلف رحمهم الله.
[وقال الشعبي: ما ابتدع أحد بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها.
وقال مسروق: ما سأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصُر عنه.
وهذا باب واسع قد بسط في موضعه.
والمقصود هنا: التنبيه على أصول المقالات الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أنزل إليه، ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات ولم يجعل القرآن هدى ولا بياناً للناس].

وهذا لازم لطريقة التفويض الذي نسبه كثير من المتأخرين للسلف، فإنه إذا كان الله أعلم بالمعنى فما فائدة الخطاب بها، ولا سيما أن الذين يقرون بطريقة التفويض يلتزمون قولاً واحداً، وهو أن الظاهر ليس مراداً، بل هو على طريقتهم تشبيه لا يليق بالله، وتشبيه الباري كفر، فإذا كان كذلك فما الحكمة من مجيء هذا الظاهر الذي هو كفر ليخاطب به العقلاء ليدخلوا في دين الإسلام؟! فإن من أخص الموجبات لدخول المشركين في الإسلام آيات الصفات؛ ولهذا تأخر نزول كثير من الشرائع، لكن لم يتأخر نزول آيات الصفات والتوحيد؛ لأن الاقتضاء العقلي والفطري يناسبها ابتداءً، بخلاف كثير من الشرائع فهي وإن كانت على مقتضى العقل والفطرة إلا أن ما يتعلق بالنفس من الشهوات ونحوها قد يكون مانعاً من قبولها.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصفات, تأويل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir