دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 08:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الفصل الثاني: في المعاني


الفصل الثاني
في المعاني

وهي قسمان:
ما يستعيره المتكلم ممن سبقه إليه، وما يخترعه هو لعبور فكرته عليه عند حادث متجدد، وأمر طارئ، ويجب عليه الاعتناء بكلا القسمين بما تقدم: من إبداع المعاني الشريفة الألفاظَ الرائقة الأنيقة اللطيفة، ولا يتكل على غيره، ولا على فضيلة سبقه، فكم من معنى مستعار حسن أنيق، ومخترع قبيح غير لائق، وقد قدمنا أن المعاني أشرف من الألفاظ؛ لأنها هي المقصود بالذات، ونزيد هنا من وجهين:
أحدهما: أن المتكلمين يستوون في معرفة الألفاظ، ويتفاوتون في رتبة البيان، وما ذلك إلا لتفاوتهم في المعاني.
الثاني: أن مقصود علم البيان والبلاغة إنما يستخرج بالقوة الفكرية، والتدبر، والروية، وإنما تستخرج بها المعاني، لا الألفاظ، وإنما الاعتناء باللفظ من توابع العناية بالمعنى، كما أن الاعتناء بظرف الشيء ووعائه، إنما هو في الحقيقة بالمظروف؛ حراسة لجوهره عن تغيره وفساده. ثم إن شرف المعنى وسقوطه، من نتائج علو الهمة وسقوطها، فينبغي للمتكلم أن يجتهد فيما يدل على كيفية همته من ذلك إثباتًا ونفيًا، وربما اقتصر قوم على تنميق الألفاظ
[الإكسير في علم التفسير: 132]
وتزويقها، وأهملوا المعاني، وزعموا أن العرب تصنع ذلك فقالوا لنا: إنهم أسوة، واستراحوا إلى قول الشاعر:
ولما قضينا من مِنىِّ كلَّ حاجة = ومسَّح بالأركان مَن هو ماسحُ
أخَذْنا بأطرافِ الأحاديث بيننا = وسالتْ بأعناقِ المطيِ ّالأباطحُ
قالوا: وهذه ألفاظٌ مطربة، وللألباب مذهبة، لحسنها وبهجتها ورونقها، ولا طائل من المعنى تحتها؛ إذ حاصل معناها: أنا لما فرغنا من الحج، ركبنا الطريق راجعين نتحدث على ظهور دوابنا.
والجواب أنا لا نسلم أن العرب راعت اللفظ، وأهملت المعنى، وإنما هذا كلام من لم يدرك مغزى كلامهم، كيف وزهير بن أبي سلمى، كان لا ينشد قصيدة حتى يمضي لها بعد إتمام نظمها سنة، فتتضح معانيها، وتهذب ألفاظها؟ ولهذا صار كلامهم أصلاً يبنى عليه، ويفزع في محافل الحاجات إليه، ثم لو صح ما ذكروه من مساواتهم للعرب في تنميق اللفظ، وإهمال المعنى، لوجب أن لا يكون بين كلامهم وكلام العرب تفاوت في الرصانة والشرف، وإجماع أهل الصناعة اللسانية، أن كلام العرب لا يساويه غيره.
وأما ما ذكروه من البيتين اللذين زعموا أن لا طائل لمعناهما، فوهم بَيِّن، وخطأ فاحش، ومن أنعم النظر فيهما، علم أن معناهما أشرف من لفظهما، ولنشر إلى يسير من ذلك، فنقول:
هذا الشاعر عاشق مغلوب، وهو مع ذلك متستر، فلما غلبه العشق على أن قال "قضينا من منى كل حاجة" يشير إلى اجتماعه بمحبوبه، وقضائه وطره منه، تدارك أمره سريعًا، فقال: "ومسح بالأركان من هو ماسح" ليوهم السامع أن حاجتنا التي قضيناها.
[الإكسير في علم التفسير: 133]
من منى، إنما هي مناسك الحج، ثم غُلب مرة أخرى، فقال: "أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا" كناية عن أنه خلا بمعشوقه في رجوعه عن منى أيضًا، لكن لم يتمكن من بثه كل ما عنده من أفانين الشوق إليه، والوجد به والمحبة له، لضيق زمن الاجتماع به، وقرب زمن الفرقة، فأخذ يبادر من المفارقة، فبثه من كل فن من تلك الفنون طرفًا منه، ثم أحب الاستتار والتكتم، فشعب عما هو فيه بذكر الأباطح، وكثرة الناس فيها، فقال:
وسالت بأعناق المطي الأباطح
موهمًا أن أخذنا بأطراف الأحاديث، إنما هو على عادة الركبان في تحدثهم على ظهور دوابهم، لا شيء وراء ذلك. ولعمري إن من لا يفهم ولا يستحسن هذه المعاني فهو في أسر الجهالة عان، ولكن هؤلاء القوم لما لم يفهموا معاني كلام العرب، نسبوا إليهم الإهمال فيها، فجهلوا وأخطؤوا، وجدير بمن لا يفهم أن يخطئ، فإن العلم والإصابة من نتائج الفهم والدراية، والله أعلم.
[الإكسير في علم التفسير: 134]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir