دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 08:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الفصل الثاني: في آداب التأليف وبيان الطريق إليه


الفصل الثاني
في آداب التأليف وبيان الطريق إليه

ولتعلم أولاً: أن المعاني للألفاظ كالأرواح للأجساد، وكما أن قيام النقص بالروح والجسد يؤثر نقصًا في التنبيه، فكذا قيام النقص باللفظ أو المعنى يؤثر نقصًا في الكلام، وهذا الذي ذكرنا يقتضي قسمة: وهو أن اللفظ والمعنى إما جيدان، باعتبار ما سيأتي في صفتهما وشروطهما، وهو أعلى مراتب البيان، أو رديئان، وهو: أدنى مراتب الكلام.
أو اللفظ رديء فقط، أو المعنى فقط، وهما واسطتان، وخيرهما الأولى، لقوة جانب المعنى إذ قد تقدم أنه المقصود بالذات، فينبغي للمنشئ أن يتخير الإنشاء وقت نشاط نفسه، وفراغ باله، فإن قليل ذلك الوقت بكثير غيره، ولا يغالب خاطره ساعة إعراضه، وإحجامه عن الفكر أو حين شغله عنه، فإن ذلك يؤذيه، ويشين ألفاظه ومعانيه، وليعمد إلى أشرف المعاني وأجلها، وليؤد بها أحسن الألفاظ وأعذبها وأدلها، وليبين كلامه من القسمين، وليستخرج الدر من مجمع البحرين، ولا يقصر همته على تجويد أحدهما، بل ليكن شديد العناية بهما، فإن معنى لا لفظ له ناقص، ولفظ لا معنى له في ميدان البلاغة حسير ناكص، إذ قول القائل:
(فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن) ليس له رونق قوله:
أغرك مني أن حبك قاتلي = وأنك مهما تأمري القلب يفعل
[الإكسير في علم التفسير: 91]
ولا لقوله: (مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن) رونق قوله:
ورب ميت تمنى أنه حجر = في البيت حين أكبت تلثم الحجرا
ويحتاج ذلك إلى قابلية وطبع مجيب، وإلا فقد أخبر المبرد عن نفسه، مع تقدمه في صناعة الآداب، أنه طالما عجز عن إنشاء عبارة يرتضيها في مهم: من اعتذار عن فلتة، أو شكر عن نعمة، ولذلك قيل: زيادة المنطق على الأدب، خير من زيادة الأدب على المنطق.
ولقد رأيت ببغداد رجلاً نفاطًا يركب الخطب والشعر من معان بديعة لائقة، في ألفاظ عذبة رائقة، على وجه يعجز عنه الأدباء والمدرسون، وكان لحانة، مع أن جميع لحنه يقبل الإعراب الصحيح، مع بقاء الوزن.
وينبغي له أن يخاطب كل قوم بما يقرب من أفهامهم، فإن ذلك من مقاصد البيان المهمة، ككتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، فإنه في غاية الوضوح -يفهمه من له أدنى تشبث بالعربية- لكونهم أعاجم، وكانت كتبه صلى الله عليه وسلم إلى العرب في غاية الفصاحة والغرابة، لأنهم كانوا يفهمون ذلك.
وإذا فرغ من إنشاء كلامه، اشتغل بتنقيح ألفاظه، وترصيف معانيه وترصينها من تقديم مؤخر، وتأخير مقدم، وتبديل ثقيل بأخف، وأخف بأثقل، ليحصل التلاؤم والتعادل، وليجعل كأن معه معترضًا عليه في كلامه، مناقشًا له فيه، فتورد له الأسئلة على نفسه ثم يجيب عنها ويقرر ما أنشأه على ما استقر عليه جوابه، كما قال الخليل رحمه الله:
(ما وضعت شيئًا حتى عرفت آخر ما يلزمني فيه)
بيان الطريق إلى معرفة التأليف:
وأما بيان الطريق إلى معرفة التأليف، فقال ابن الأثير: أجود الطرق وأحراها
[الإكسير في علم التفسير: 92]
بالوصول: أن يأخذ المؤلف للكلام رسالة إن كان كاتبًا، أو قصيدة إن كان شاعرًا، فيكلف نفسه بعد معرفة معانيها، وتدبر أوائلها وأواخرها، ويقرر ذلك في قلبه عمل مثلها، بأن يقيم عوض كل لفظ منها لفظًا من عنده، يؤدي معناه، ويسد مسده، حتى إذا أتى على آخرها، اشتغل بتنقيحها، وتحقيق ارتباط بعضها ببعض، هذا تلخيص كلامه.
وأنا أقول: إن من يحتاج في صناعة الإنشاء إلى هذا الطريق، ما له نية تنشئ ولا تشعر، وإنما الطريق إلى ذلك عندي، أن يدرب نفسه في النظر في أنواع علم العربية:
نحوًا، ولغة وتصريفًا وفي أشعار العرب، وخطبهم واصطلاحتهم ومواقع كلامهم، وفيما أنشأه المتأخرون من نظم ونثر في علم المعاني والبيان، ونحو ذلك من مواد التأليف، حتى تصير لنفسه بذلك ملكة، وقوة، فإذا ساعده مع ذلك ذهن وقاد، وقريحة مجيبة، وطبع قابل، حصل من الإنشاء فوق غرضه، وهذه هي طريقة الفحول، كمن أراد بناء حائط، فأعد له من اللبن والآجر والطين، ووضعه بحسن صناعته وضعًا محكمًا.
أما طريقة ابن الأثير، فطريقة صبيان المكاتب الذين يقعون في الألواح على أمثلة المعلمين، ونظيرها من أراد بناء حائط، فجاء إلى حائط غيره يخلع منه لبنة لبنة، ويجعل عوضها من عنده، ولعل بعض تلك الأوضاع فاسد، فيكون مقلدًا لواضعه في فساده، تاركًا في مهماته لاجتهاده، ومن أنصف، علم أن طريقتنا هي المثلى، وأنها أحق بالإتباع وأولى.
[الإكسير في علم التفسير: 93]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir