دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي العلم والجهل

وَالْعِلْمُ قَالَ الْإِمَامُ: ضَرُورِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِمُوجِبٍ وَقِيلَ هُوَ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُحَدُّ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: عسرٌ، فَالرَّأْيُ الْإِمْسَاكُ عَنْ تَعْرِيفِهِ، ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَا يَتَفَاوَتُ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَالْجَهْلُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وقيل تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ، وَالسَّهْوُ الذُّهُولُ عَنْ الْمَعْلُومِ.

  #2  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(وَالْعِلْمُ) أَيْ الْقِسْمُ الْمُسَمَّى بِالْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاكْتِسَابٍ ; لِأَنَّ عِلْمَ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ أَوْ مُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ ضَرُورِيٌّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَمِنْهَا تَصَوُّرُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَمُلْتَذٌّ أَوْ مُتَأَلِّمٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَهُوَ عِلْمٌ تَصْدِيقِيٌّ خَاصٌّ فَيَكُونُ تَصَوُّرُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ بِالْحَقِيقَةِ ضَرُورِيًّا، وَهُوَ الْمُدَّعِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ تَصَوُّرُ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ بِالْحَقِيقَةِ بَلْ يَكْفِي تَصَوُّرُهُ بِوَجْهٍ، فَيَكُونُ الضَّرُورِيُّ تَصَوُّرَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّصْدِيقِيِّ بِالْوَجْهِ لَا بِالْحَقِيقَةِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. (ثُمَّ قَالَ) فِي الْمَحْصُولِ أَيْضًا (هُوَ) أَيْ الْعِلْمُ (وَحُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِمُوجِبٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فَحَدُّهُ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَكِنْ بَعْدَ حَدِّهِ فَ، ثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ لَا الْمَعْنَوِيِّ. (وَقِيلَ هُوَ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُحَدُّ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِي حَدِّ الضَّرُورِيِّ لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَصَنِيعُ الْإِمَامِ لَا يُخَالِفُ هَذَا، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ ; لِأَنَّهُ حَدَّهُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ مَعَ سَلَامَةِ حَدِّهِ عَمَّا وَرَدَ عَلَى حُدُودِهِمْ الْكَثِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ ضَرُورِيٌّ اخْتِيَارًا، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُحَصَّلِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّ تَصَوُّرَهُ بَدِيهِيٌّ أَيْ ضَرُورِيٌّ، نَعَمْ قَدْ يُحَدُّ الضَّرُورِيُّ لِإِفَادَةِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ.
(وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) هُوَ نَظَرِيٌّ (عُسْرٌ) أَيْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنَظَرٍ دَقِيقٍ لِخَفَائِهِ (فَالرَّأْيُ) بِسَبَبِ عُسْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُهُ بِحَقِيقَتِهِ (الْإِمْسَاكُ عَنْ تَعْرِيفِهِ) الْمَسْبُوقِ بِذَلِكَ التَّصَوُّرِ الْعُسْرُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ عَنْ مَشَقَّةِ الْخَوْضِ فِي الْعُسْرِ، قَالَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ تَابِعًا لَهُ وَيُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ الْمُلْتَبِسِ بِهِ مِنْ أَقْسَامِ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ مُطَابِقٌ ثَابِتٌ فَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَتَهُ عِنْدَهُمَا. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَنِيعِ الْإِمَامِ الرَّازِيُّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ (ثُمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَا يَتَفَاوَتُ) الْعِلْمُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ فَلَيْسَ بَعْضُهَا، وَإِنْ كَانَ ضَرُورِيًّا أَقْوَى فِي الْجَزْمِ مِنْ بَعْضِ الْأُمُورِ، وَإِنْ كَانَ نَظَرِيًّا (وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ) فِيهَا (بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ) فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْعِلْمِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَالْعِلْمِ بِشَيْئَيْنِ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْعِلْمِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ كَمَا هُوَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ قِيَاسًا عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْعَرِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْعِلْمِ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ فَالْعِلْمُ بِهَذَا الشَّيْءِ غَيْرُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ خَالٍ عَلَى الْجَامِعِ وَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ: يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ إذْ الْعِلْمُ مَثَلًا بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْجَزْمِ مِنْ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْجَزْمُ بَلْ مِنْ حَيْثُ غَيْرُهُ كَإِلْفِ النَّفْسِ بِأَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.
(وَالْجَهْلُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ بِأَنْ لَمْ يُدْرَكْ أَصْلًا وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ أَوْ أُدْرِكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ ; لِأَنَّهُ جَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ. وَقِيلَ) الْجَهْلُ (تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ) أَيْ إدْرَاكُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ (عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ) فِي الْوَاقِعِ فَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ عَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ جَهْلًا عَلَى هَذَا وَالْقَوْلَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ قَصِيدَةِ ابْنِ مَكِّيٍّ فِي الْعَقَائِدِ وَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ عَنْ التَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ غَيْرِهِ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْجَهْلِ ; لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا مَنْ شَأْنُهُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ مَا لَا يُقْصَدُ كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ فَلَا يُسَمَّى انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ جَهْلًا، وَاسْتِعْمَالُهُ التَّصَوُّرَ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ خِلَافُ مَا سَبَقَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَيُقْسَمُ حِينَئِذٍ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ أَيْ لَا حُكْمَ مَعَهُ وَإِلَى تَصَوُّرٍ مَعَهُ حُكْمٌ وَهُوَ التَّصْدِيقُ. (وَالسَّهْوُ الذُّهُولُ) أَيْ الْغَفْلَةُ (عَنْ الْمَعْلُومِ) الْحَاصِلِ فَيَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَهُوَ زَوَالُ الْمَعْلُومِ فَيَسْتَأْنِفُ تَحْصِيلَهُ.

  #3  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (والعلم قالَ الإمام: ضروري، ثمَّ قالَ: هو حكم الذهن الجازم المطابق لموجب، وقيل: هو ضروري فلا يحد، وقالَ إمام الحرمين: عسر فالرأي الإمساك عن تعريفه).
ش: اختلف في العلم فقال الإمام فخر الدين: هو ضروري، أي تصوره بديهي لأنَّ ما عدا العلم لا يعرف إلا به، فيستحيل أن يكون غيره كاشفاً له، ولأني أعلم بالضرورة كوني عالماً بوجودي، وتصور العلم جزء منه، وجزء البديهي بديهي، فتصور العلم بديهي، وأجاب صاحب تلخيص المحصل عن الأول بأن المطلوب من حد العلم هو العلم بالعلم، وما عدا العلم ينكشف بالعلم لا بالعلم بالعلم، وليس من المحال أن يكون هو كاشفاً عن العلم به، وأجاب غيره عن الثانِي: أمَّا على القول بأن التصديق هو الحكم وحده ـ كما هو رأي الجمهور ـ فلأن التصورات الواقعة في القضايا ليست بأجزاء للحكم، وإنما هي شروط، وأما على القول بأن التصديق هو الحكم معَ تصور طرفيه كما هو رأي الإمام، فلأنا نمنع أن أجزاء التصديق الضروري بحقائقها ضروري، بل يكفي تصورها باعتبار صادق عليها فاستدلاله بكون هذا التصور ضرورياً لا يفيد مدعاه من كون تصور حقيقة العلم ضرورياً، واعلم أن ما نقله الْمُصَنِّف عن الإمام من أنه ضروري، ذكره في المحصول، ثمَّ إنه ذكر بعد ذلك تقسيماً حصر فيه العلم وأضداده، وعرف فيه العلم بأنه: الحكم الجازم المطابق لموجب، وإليه أشار الْمُصَنِّف بقوله، ثمَّ قالَ: هو حكم الذهن، فتحصل من كلام الإمام أنه ضروري، وأنه يحد، وكأن الْمُصَنِّف أشار بذلك إلى تناقضه، ووجهه أن فائدة حد الشيء أن تصور حقيقته ضرورة، وإذا كانَ ضرورياً فلا فائدة في حده، والمراد بالموجب في كلام الإمام إما العقلي أو الحسي أو المركب منهما، فالأول ينقسم إلى بديهي ونظري، والثاني العلم بالمحسنات والثالث ينقسم إلى التواترات إن كانَ الحس سمعاً، وإلا فالمجربات والحدسيات، وقوله: (وقيل ضروري) يشير إلى ما دل عليه قول ابْن الْحَاجِبِ : والعلم قيل لا يحد لأنَّه ضروري وإنما عكس عبارته؛ لأنَّه كونه ضرورياً يترتب عليه عدم الحد لا العكس؛ لأنَّ الكلام في عدم حده، لا في كونه ضرورياً أو غير ضروري، وذهب إمام الحرمين إلى أنه يعسر تعريفه وإنما يعرف بالتقسيم، والمثال دون غيرهما وفي ذلك اعتراف بإمكان تعريفه في الجملة، ومال الْمُصَنِّف إلى هذا بقوله، فالرأي الإمساك عن تعريفه، واعترض عليه بأن هذا غير مختص بالعلم، بل الحدود والرسوم كلها عسرة، وإن كانَ العسر في العلم أزيد من ذلك وما نقله الْمُصَنِّف عن إمام الحرمين هو الصواب، ونقل ابْن الْحَاجِبِ عنه منع الحد، وهو باطل، فإنَّه صرح في البرهان وغيره بإمكان التعبير عنه، وإن أعسر الحد، بجميع أنواع التعريف، وكلام الْغَزَالِيّ في (المستصفى) يقتضي اختصاص ذلك بالحقيقي، ويحسن أن يكون توسطاً بينَ القولين.
ص: (ثم قالَ المحققون: لا يتفاوت، وإنما التفاوت بكثرة المتعلقات).
ش: اختلفوا في أن العلم هل يتفاوت، فيقال: علم أجلي من علم أم لا، وما حكاه الْمُصَنِّف، ذكره إمام الحرمين في (الشامل) وسوى بينَ العلوم الضرورية والنظرية، فقالَ: صارَ المحققون إلى أن العلوم المرتبطة بصروف النظر لا تتفاوت، فلا يتصور علم أبين من علم، إذ العلم بينَ المعلوم على ما هو به ولا يجامعه استرابة أصلاً، وكيف يجامعه وهما متضادان، ثمَّ قالَ بعد ذلك، وإن العلم الضروري بمثابة العلم النظري في حكم التبيين، والذي يوضح الحق في ذلك الاتفاق على أن العلم الواقع بالشيء نظراً، يماثل العلم الواقع به ضرورة، كما تماثل الحركة الضرورية، الحركة الكسبية، والحركتان متماثلتان، ومن حكم المتماثلين وجود استوائهما في صفات النفس، ولو كانَ الضروري مخالفاً للكسبي في وجه من البيان، لما كانَ مثله ثمَّ أشار إلى الفرق بينهما، وجعل من وجوه الفرق أن العلوم المكتسبة مقدورة بخلاف البديهية، وقالَ ابن التلمساني: المحققون على عدم تفاوت العلوم، وإنما التفاوت بحسب التعلقات واختاره إمام الحرمين والإبياري في شرح البرهان، ولكن الأكثرين على التفاوت، ونقله الإمام في البرهان عن أئمتنا، ومن فوائد الخلاف في هذه المسألة أن الإيمان هل يقبل الزيادة والنقص بناء على أن الإيمان من قبيل العلوم لا الأعمال خلافاً للمعتزلة.
ص: (والجهل انتفاء العلم بالمقصود، وقيل: تصور المعلوم على خلاف هيئته).
ش: هذا الخلاف في تعريف الجهل أخذه الْمُصَنِّف من القصيدة الصلاحية وهي من أحسن تصانيف الأشعرية في باب العقائد، وكان السلطان صلاح الدين يأمر بتلقينها للصبيان في المكاتب، قالَ ابن مكي مصنفها.
وإن أردت أن تحد الجهلا = من بعد حد العلم كانَ سهلاً.
وهو انتفاء العلم بالمقصود = فاحفظ فهذا أوجز الحدود
وقيل في تحديد ما أذكر = من بعد هذا والحدود تكثر
تصور العلم هذا جزؤه = وجزؤه الآخر يأتي وصفه
مستوعباً على خلاف هيئته = فافهم فهذا القيد من تتمته
وإطلاق القولين هكذا غريب وإنما المعروف تقسيم الجهل إلى بسيط ومركب، فالمركب ما ذكره في الحد الثانِي، هكذا ذكره الإمام والسمعاني والآمدي وغيرهم، وقالَ الرافعي في كلامه على قاعدة مد عجوة: الجهل معناه المشهور: الجزم بكون الشيء على خلاف ما هو عليه، ويطلق ويراد به عدم العلم بالشيء انتهى، وسمي مركباً لأنَّه مركب من جزأين أحدهما عدم العلم، والثاني اعتقاد غير مطابق، كاعتقاد المعتزلة أن الباري لا يرى في الآخرة، وأما البسيط فهو عدم العلم مما شأنه أن يكون عالماً سمي بسيطاً لأنَّه لا تركيب فيه وإنما هو جزء واحد كعدم علمنا بما تحت الأرض، وما يكون في البحار وغيره، والتقييد بما من شأنه، ذكره الآمدي في أبكار الأفكار، فقالَ: أمَّا البسيط فعدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالماً لا عدم العلم مطلقاً، وإلا لوصفت الجمادات بكونها جاهلة، إذ هي غير عالمة، وعلى هذا فالجهل بهذا الاعتبار إثبات عدم لا أنه صفة إثبات والفرق بينَ الأمرين ظاهر.
انتهى. وعلى هذا فلا يصح قول من قالَ:
قال حمار الحكيم: توما = لو انصفوني لكنت أركب
لأنني جاهل بسيط = وراكبي جاهل مركب
ولو قالَ الْمُصَنِّف: تصور الشيء لكان أولى من المعلوم؛ لأنَّ هذا جهل لا علم فيه والمراد بقوله على خلاف هيئته، أن يتصور ما هو معلوم في نفسه، على خلاف الواقع، واحترز به عن التصور بهيئته فإنَّ ذلك علم، قالَ الْمُصَنِّف، وهذا أحسن من قول إمام الحرمين على خلاف ما هو به، فإنَّه ظاهر التدافع لأنَّ تصور المعلوم، يعطى وقوع تصوره وقوله: (على خلاف ما هو به) يعطي أنه لم يقع تصوره، وقد يجاب عن الإمام بأن مراده بقوله: تصور الشيء على ما في زعمه، وقوله: على خلاف ما هو به في نفس الأمر.
ص: (والسهو: الذهول عن المعلوم).
ش: أي فما لا يعلم لا يقال للذاهل عنه ساه، وقالَ السكاكي: السهو ما ينبه صاحبه بأدنى تنبيه، وفرق صاحب ضوء المصباح بينَ السهو والنسيان، بأن السهو الغفلة وهو قريب من الذكر، ولذلك يقال: أغفلت الشيء إذا تركته على ذكر منك، وأما النسيان فهو خلاف الذكر، وهو أخص من السهو؛ لأنَّه إذا حصل النسيان حصلت الغفلة لأنَّها بعضه، وليس إذا حصلت الغفلة يحصل النسيان؛ لأنَّ النسيان غفلة وزيادة، وزمن السهو قصير وزمن النسيان طويل لاستحكامه.

  #4  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: والعلم قال الإمام: ضروري، ثم قال: هو حكم الذهن الجازم المطابق لموجب، وقيل: ضروري فلا يحد، وقال إمام الحرمين: عسر فالرأي الإمساك عن تعريفه.
ش: اختلف في العلم، فقال الإمام في المحصول: هو ضروري، أي: تصوره بديهي، لأن ما عدا العلم لا يعرف إلا به فيستحيل أن يكون غيره كاشفاً له، ثم إن الإمام بعد ذلك ذكر تقسيماً حصر فيه العلم وأضداده، عرفه فيه بأنه الحكم الجازم المطابق لموجب، فاقتضى كلامه أنه ضروري، وأنه يحد وهذا متناقض، فإنه إذا كان تصوره ضرورياً، فكيف يحد ليتصور؟!
فقوله: (الجازم) خرج به الظن والشك والوهم.
وقوله: (المطابق) خرج به الجهل.
وقوله: (لموجب) خرج به التقليد.
ثم حكى المصنف قولاً أنه ضروري فلا يحد، واقتضى كلامه أن هذا غير مقالة الإمام.
وقال إمام الحرمين: (حده عسر) وإنما يعرف بالتقسيم والمثال، وهذا أولى من نقل ابن الحاجب عنه منع حده، فإنه صرح في البرهان وغيره بإمكان التعبير عنه، وأن العسر الحد بجميع أنواع التعريف.
وفي المستصفى اختصاص ذلك بالحقيقي، وهو توسط بينهما، ومال المصنف إلى مقالة إمام الحرمين فقال: فالرأي الإمساك عن تعريفه.
ص: ثم قال المحققون: لا يتفاوت، وإنما التفاوت بكثرة المتعلقات.
ش: كذا حكاه إمام الحرمين في (الشامل) عن المحققين، واختاره هو والإبياري في (شرح البرهان)، ولكن الأكثرون على التفاوت، أي يكون علم أجل من علم، ونقله في (البرهان) عن أئمتنا ومن فوائد الخلاف أن الإيمان هل يزيد وينقص بناء على أنه من قبيل العلوم لا الأعمال خلافاً للمعتزلة.
ص: والجهل انتفاء العلم بالمقصود وقيل تصور المعلوم على خلاف هيئته.
ش: هذا الخلاف أخذه المصنف من قصيدة ابن مكي المعروفة بـ (الصلاحية) لترغيب السلطان صلاح الدينفيها، فصدر كلامه بأنه انتفاء العلم بالمقصود، ثم حكى قولاً: أنه تصور المعلوم على خلاف هيئته.
والمعروف تقسيم الجهل إلى بسيط ومركب، فالبسيط هو المذكور في الحد الأول، والمركب هو المذكور في الحد الثاني، هكذا ذكره الإمام والآمدي وغيرهما، وقال الرافعي في الكلام على قاعدة مد عجوة: معنى الجهل المشهور الجزم بكون الشيء على خلاف ما هو عليه، ويطلق ويراد به عدم العلم انتهى.
ويسمى الأول بسيطاً، لأنه جزء واحد، كانتفاء علمنا بما تحت الأرض، وفي قعر البحر، وسمي الثاني مركباً، لأنه مركب من جزأين: أحدهما عدم العلم، والثاني اعتقاد غير مطابق، ولو قال المصنف: (تصور الشيء) لكان أولى من المعلوم، لأن هذا جهل لا علم فيه، وقوله: (على خلاف هيئاته) أي على خلاف الواقع، وخرج به تصوره بهيئاته فإنه علم.
قال المصنف: وهذا أحسن من قول إمام الحرمين: (على خلاف ما هو به) فإن ظاهره التدافع، لأن تصور المعلوم يعطي وقوع تصوره، وقوله: (على خلاف ما هو به) يعطي أنه لم يقع تصوره.
قال الشارح: وقد يجاب عن إمام الحرمين بأن المراد بقوله: (تصور الشيء) على ما في زعمه، وقوله: (على خلاف ما هو به في نفس الأمر.
قلت: لم يظهر لي التفاوت بين تعبير إمام الحرمين، والمصنف.
ص: والسهو الذهول عن المعلوم.
ش: خرج بقوله: (عن المعلوم) الذهول عما لا يعلم، لا يقال له سهو، وقال السكاكي: السهو ما ينبه صاحبه بأدنى تنبيه، وقال بعضهم: زمن السهو قصير، بخلاف النسيان، فإن زمنه طويل لاستحكامه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العلم, والجهل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir