تطبيقات على استخلاص مسائل التفسير
المسائل الواردة في تفسير سورة الضحى، وخلاصة كلام المفسّرين فيها.
أسماء السورة
سورة الضحى باتفاق أهل التفسير بن كثير والسعدي والأشقر
نزول السورة
مكية كذا قاله بن كثير والسعدي
أسباب نزول السورة
ذكر المفسرون أكثر من سبب بنزول سورة الضحى منها ما ذكره بن كثير فى تفسيره:
· عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندبا يقول: اشتكى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم يقم ليلةً أو ليلتين، فأتت امرأةٌ فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك. فأنزل الله عزّ وجلّ:(والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى) رواه الإمام أحمد و رواه البخاريّ، ومسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، من طرقٍ، عن الأسود بن قيسٍ، عن جندبٍ، هو ابن عبد الله البجليّ ثمّ العلقيّ به.
· في رواية سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيسٍ سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال المشركون: ودّع محمّدٌ. فأنزل الله تعالى:(والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى)
· وروى الأسود بن قيسٍ، أنه سمع جندباً يقول: رمي رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بحجرٍ في إصبعه، فقال: ((هل أنت إلاّ إصبعٌ دميت وفي سبيل الله ما لقيت)). قال: فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم، فقالت له امرأةٌ: ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك. فنزلت:(والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى) رواه بن أبى حاتم وذكر هذا السبب الأشقر فى تفسيره. وعلق بن كثير على هذا بقوله (وقوله هذا الكلام الذي اتّفق أنه موزونٌ ثابتٌ في الصحيحين، ولكنّ الغريب ههنا جعله سبباً لتركه القيام ونزول هذه السورة)
· عن عبد الله بن شدّادٍ، أن خديجة قالت للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما أرى ربّك إلاّ قد قلاك. فأنزل الله: (والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى) رواه بن جرير وروى أيضا عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أبطأ جبريل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجزع جزعاً شديداً، فقالت خديجة: إنّي أرى ربّك قد قلاك ممّا نرى من جزعك. قال: فنزلت:(والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربّك وما قلى) إلى آخرها وعلق بن كثير عن هذا الحديث بأنه حديثٌ مرسلٌ من هذين الوجهين، ولعلّ ذكر خديجة ليس محفوظاً، أو قالته على وجه التأسّف والتحزّن. والله أعلم.
· وذكر بعض السّلف، منهم ابن إسحاق، أنّ هذه السورة التي أوحاها جبريل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين تبدّى له في صورته التي هي خلقه الله عليها، ودنا إليه وتدلّى منهبطاً عليه، وهو بالأبطح (فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال: قال له هذه: (والضّحى واللّيل إذا سجى)
· قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: لمّا نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن، أبطأ عنه جبريل أيّاماً، فتغيّر بذلك، فقال المشركون: ودّعه ربّه وقلاه. فأنزل الله:(ما ودّعك ربّك وما قلى)
ما ورد في التكبير:
ü روّي بن كثير من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزّة المقرئ، قال: قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عبّادٍ، فلمّا بلغت {والضّحى} قالا لي: كبّر حتى تختم مع خاتمة كلّ سورةٍ؛ فإنّا قرأنا على ابن كثيرٍ فأمرنا بذلك، وأخبرنا أنه قرأ على مجاهدٍ فأمره بذلك، وأخبره مجاهدٌ أنه قرأ على ابن عبّاسٍ فأمره بذلك، وأخبره ابن عبّاسٍ أنه قرأ على أبيّ بن كعبٍ فأمره بذلك، وأخبره أبيٌّ أنه قرأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمره بذلك.
ü وحكى الشيخ شهاب الدّين أبو شامة في شرح الشّاطبيّة عن الشافعيّ، أنه سمع رجلاً يكبّر هذا التكبير في الصلاة، فقال له: أحسنت وأصبت السّنّة. وهذا يقتضي صحّة هذا الحديث.
ü موضع هذا التكبير وكيفيّته؛ فقال بعضهم: يكبّر من آخر (واللّيل إذا يغشى). وقال آخرون: من آخر (والضّحى)
ü وكيفيّة التكبير عند بعضهم أن يقول: الله أكبر، ويقتصر. ومنهم من يقول: الله أكبر، لا إله إلاّ الله، الله أكبر.
ü مناسبة التكبير من أوّل سورة الضّحى: أنه لمّا تأخّر الوحي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفتر تلك المدّة، وجاءه الملك، فأوحى إليه: {والضّحى واللّيل إذا سجى} السورة بتمامها، كبّر فرحاً وسروراً. ولم يرو ذلك بإسنادٍ يحكم عليه بصحّةٍ ولا ضعفٍ. فالله أعلم.
ذكر هذا كله (ما يخص التكبير) بن كثير فى تفسيره ولم يتعرض له كلا من السعدي والأشقر
تفسير قوله تعالى: (وَالضُّحَى (1) )
المقسم به: وهذا قسمٌ منه تعالى بالضّحى، وما جعل فيه من الضّياء ذكره بن كثير
أقسمَ تعالى بالنهارِ إذا انتشرَ ضياؤهُ بالضحى ذكره السعدي
والقولان متفقان
المقسم عليه : على اعتناءِ اللهِ برسوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذكره السعدي
المراد بالضحى: اسْمٌ لِوَقْتِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ ذكره الأشقر
تفسير قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) )
معنى سجى: سكن فأظلم وادلهمّ قاله مجاهدٌ وقتادة والضحّاك وابن زيدٍ وغيرهم وذكره بن كثير
ما يدل عليه هذا القسم: وذلك دليلٌ ظاهرٌ على قدرة خالق هذا وهذا، كما قال: {واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى} وقال: (فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم ذكره بن كثير
المراد بالآية: قَالَ الأَصْمَعِيُّ: سُجُوُّ اللَّيْلِ تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ ذكره الأشقر
تفسير قوله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) )
معنى ما ودعك: أي: ما تركك ذكره بن كثير
معنى وما قلى: أي: وما أبغضك ذكره بن كثير والأشقر
المراد ب ما ودعك ربك: أي: مَا ترككَ منذُ اعتنى بكَ، ولا أهملكَ منذُ رباكَ ورعاكَ، بلْ لمْ يزلْ يربيكَ أحسنَ تربيةٍ، ويعليكَ درجةً بعدَ درجةٍ ذكره السعدي
المراد ب وما قلى: أي: ما أبغضكَ منذُ أحبَّكَ ذكره السعدي
متعلق قلى: اللهُ أى ما قلاك الله ذكره السعدي
حال النبى فى الماضى والحاضر والمستقبل: إنَّ نفيَ الضدِّ دليلٌ على ثبوتِ ضدِّهِ، والنفي المحضُ لا يكونُ مدحاً، إلاَّ إذا تضمنَ ثبوتَ كمالٍ، فهذهِ حالُ الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الماضيةُ والحاضرةُ، أكملُ حالٍ وأتمها، محبةُ اللهِ لهُ واستمرارهَا، وترقيتهُ في درجِ الكمالِ، ودوامُ اعتناءِ اللهِ بهِ وأمَّا حالهُ المستقبلةُ، فقال
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى) ذكره السعدي
المراد ب ودعك: مَا قَطَعَكَ ذكره الأشقر
جواب القسم: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ) ذكره الأشقر
تفسير قوله تعالى: (وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) )
المراد بالآخرة: الدّار الآخرة ذكره بن كثير
أي: كلُّ حالةٍ متأخرةٍ منْ أحوالكَ، فإنَّ لهَا الفضلُ على الحالةِ السابقةِ ذكره السعدي
أَي: الْجَنَّةُ ذكره الأشقر
وبين قول بن كثير والأشقر تقارب حيث أن الجنة التى سيدخلها النبي ستكون فى الدار الآخرة وهذا هو الأقرب للصواب بخلاف قول السعدي
المراد من الآية: وللدّار الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار ذكره بن كثير
المستفاد من الآية: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أزهد الناس في الدنيا، وأعظمهم لها اطّراحاً، كما هو معلومٌ بالضرورة من سيرته، ولمّا خيّر عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها، ثمّ الجنّة، وبين الصّيرورة إلى الله عزّ وجلّ اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدّنيّة ذكره بن كثير
حال النبى مع الدنيا: روى الإمام أحمد عن ابن مسعودٍ - قال: اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حصيرٍ فأثّر في جنبه، فلمّا استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت: يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ما لي وللدّنيا؟! ما أنا والدّنيا؟! إنّما مثلي ومثل الدّنيا كراكبٍ ظلّ تحت شجرةٍ ثمّ راح وتركها)) ورواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث المسعوديّ به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ ذكره بن كثير
معنى الخيرية فى الآية: لمْ يزلْ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يصعدُ في درجِ المعالي، ويمكنُ لهُ اللهُ دينهُ، وينصرُهُ على أعدائِهِ، ويسددُ لهُ أحوالهُ، حتى ماتَ، وقدْ وصلَ إلى حالٍ لا يصلُ إليهَا الأولونَ والآخرونَ، منَ الفضائلِ والنعمِ، وقرةِ العينِ، وسرورِ القلبِ ذكره السعدي
تفسير قوله تعالى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ( 5) )
وقت العطاء: أي: في الدار الآخرة ذكره بن كثير
متعلق الرضى: يعطيه حتّى يرضيه في أمّته ذكره بن كثير
وروى الإمام أبو عمرٍو الأوزاعيّ عن عليّ بن عبد الله بن عبّاسٍ، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما هو مفتوحٌ على أمّته من بعده كنزاً كنزاً، فسرّ بذلك، فأنزل الله: (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) فأعطاه في الجنّة ألف ألف قصرٍ، في كلّ قصرٍ ما ينبغي له من الأزواج والخدم ذكره بن كثير وعلق عليه بقوله رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من طريقه، وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ، ومثل هذا لا يقال إلاّ عن توقيفٍ
وقال السّدّيّ عن ابن عبّاسٍ: من رضى محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم ألاّ يدخل أحدٌ من أهل بيته النار ذكره بن كثير
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّا أهل بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدّنيا)) (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) ذكره بن كثير وكل هذه الأقوال تحتمل الصواب
متعلق العطاء: ما أعدّه له من الكرامة ومن جملته نهر الكوثر، الذي حافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّف، وطينه مسكٌ أذفر ذكره بن كثير
قال الحسن: يعني بذلك الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفرٍ الباقر ذكره بن كثير
الْفَتْحَ فِي الدِّينِ، والثَّوَابَ وَالحَوْضَ وَالشَّفَاعَةَ لأُمَّتِهِ فِي الآخِرَةِ ذكره الأشقر
ورغم الاختلاف إلا أنه يمكن الجمع بين الأقوال بأن متعلق العطاء هو كل خير دنيوي أو أخروى قد يمن الله به عليك يا محمد
تعلق الآية بما قبلها: أى ثمَّ بعدَ ذلكَ، لا تسألْ عنْ حالهِ في الآخرةِ، منْ تفاصيلِ الإكرامِ، وأنواعِ الإنعامِ ذكره السعدي
تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) )
المراد ب يتيما: أن أباه توفّيّ وهو حملٌ في بطن أمّه. وقيل: بعد أن ولد عليه السلام ثمّ توفّيت أمّه آمنة بنت وهبٍ وله من العمر ستّ سنين ذكره بن كثير
أي: وجدكَ لا أمَّ لكَ ولا أبَ، بلْ قدْ ماتَ أبوهُ وأمهُ وهوَ لا يُدبِّرُ نفسهُ ذكره السعدي
وهذه الأقوال كلها متفقة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيم الأب ثم ماتت أمه وهو صغير
متعلق الإيواء: كان في كفالة جدّه عبد المطّلب إلى أن توفّي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمّه أبو طالبٍ، ثمّ لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقّره، ويكفّ عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنةً من عمره، هذا وأبو طالبٍ على دين قومه من عبادة الأوثان، وكلّ ذلك بقدر الله وحسن تدبيره، إلى أن توفّي أبو طالبٍ قبل الهجرة بقليلٍ، فأقدم عليه سفهاء قريشٍ وجهّالهم.
فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سنّته على الوجه الأتمّ الأكمل، فلمّا وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه، رضي الله عنهم أجمعين، وكلّ هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به ذكره بن كثير
فآواهُ اللهُ، وكفلهُ جدُّهُ عبدُ المطلبِ، ثمَّ لما ماتَ جدُّهُ كفّلهُ اللهُ عمَّهُ أبا طالبٍ، حتى أيدهُ اللهُ بنصرهِ وبالمؤمنينَ ذكره السعدي
وهذه الآراء تعتبر على اتفاق فيما بينها بأن الله آوى رسوله بعد وفاة أمه وأبيه وحفظه من السوء
تعلق الآية بما قبلها: ثمّ قال تعالى يعدّد نعمه على عبده ورسوله محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه ذكره بن كثير
ثمَّ امتنَّ عليهِ بمَا يعلمُهُ منْ أحوالِهِ ذكره السعدى
وبين القولين اتفاق حيث أن المراد فى قول السعدي بأحواله أى نعمه كما ذكرها بن كثير
تفسير قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) )
المراد بالضلال والهداية من القرآن: كقوله: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} الآية ذكره بن كثير
المراد بالضلال والهداية: منهم من قال: إنّ المراد بهذا أنّه عليه الصلاة والسلام ضلّ في شعاب مكّة، وهو صغيرٌ، ثمّ رجع ذكره بن كثير
وقيل: إنه ضلّ وهو مع عمّه في طريق الشام، وكان راكباً ناقةً في الليل، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخةً ذهب منها إلى الحبشة، ثمّ عدل بالراحلة إلى الطريق. حكاهما البغويّ ذكره بن كثير
أي: وجدكَ لا تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ، فعلَّمكَ ما لمْ تكنْ تعلمُ، ووفّقكَ لأحسنِ الأعمالِ والأخلاقِ ذكره السعدي
وَجَدَكَ غَافِلاً عَن الإِيمَانِ، لا تَدْرِي مَا هُوَ، غَافِلاً عَمَّا يُرَادُ بِكَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَلَمْ تَكُنْ تَدْرِي الْقُرْآنَ وَلا الشَّرَائِعَ فَهَدَاكَ لِذَلِكَ ذكره الأشقر
ونرى أنه بين قول السعدي والأشقر اتفاق وكذا ما قاله بن كثير عن المعنى القرآني للآية بخلاف باقى الآراء التى ذكرها بن كثير
تفسير قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) )
المراد ب عائلا: أي: كنت فقيراً ذا عيالٍ ذكره بن كثير
أَيْ: وَجَدَكَ فَقِيراً ذَا عِيَالٍ، لا مَالَ لَكَ ذكره الأشقر
والقولان متفقان
المراد ب أغنى: فأغناك الله عمّن سواه ذكره بن كثير
منازل النبى فى الآية: قال قتادة في قوله: {ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاًّ فهدى ووجدك عائلاً فأغنى} قال: كانت هذه منازل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعثه الله عزّ وجلّ ذكره بن كثير
الدليل على علو منزلة الفقير الصابر: في الصحيحين من طريق عبد الرزّاق، عن معمرٍ، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس ذكره بن كثير
وفي صحيح مسلمٍ، عن عبد الله بن عمرٍو، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه)) ذكره بن كثير
معنى عائلا: أي: فقيراً ذكره السعدي
متعلق الغنى: بمَا فتحَ اللهُ عليكَ منَ البلدانِ، التي جُبيتْ لكَ أموالُها وخراجُهَا ذكره السعدي
بمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ، أَغْنَاهُ بِمَا فَتَحَ مِنَ الفتوحِ، وَقِيلَ: بِتِجَارَتِهِ فِي مَالِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ذكرهما الأشقر
والقولان بينهما إتفاق فيما عدا ما ذكره الأشقر عن تجارته صلى الله عليه وسلم في مال خديجة
المراد من ذكر نقائص النبى: أن الذي أزالَ عنكَ هذهِ النقائصَ، سيزيلُ عنكَ كلَّ نقصٍ، والذي أوصلكَ إلى الغنى، وآواكَ ونصركَ وهداكَ، قابِلْ نعمتَهُ بالشكرانِ ذكره السعدي
تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) )
علاقة الآية بما قبلها: أي: كما كنت يتيماً فى قوله (ألم يجدك يتيما فآوى) ذكره بن كثير
وَاذْكُرْ يُتْمَكَ فى قوله (ألم يجدك يتيما فآوى) ذكره الأشقر
والقولان متفقان
المراد بلا تقهر: فلا تقهر اليتيم، أي: لا تذلّه وتنهره وتهنه، ولكن أحسن إليه، وتلطّف به ذكره بن كثير
قال قتادة: كن لليتيم كالأب الرّحيم ذكره بن كثير
أي: لا تسيْء معاملةَ اليتيمِ، ولا يضقْ صدرُكَ عليهِ، ولا تنهرهُ، بلْ أكرمهُ، وأعطهِ مَا تيسرَ، واصنعْ بهِ كمَا تحبُّ أنْ يُصنعَ بولدكِ منْ بعدكِ ذكره السعدي
لا تَتَسَلَّطْ عَلَيْهِ بالظُّلْمِ لِضَعْفِهِ، بَلِ ادْفَعْ إِلَيْهِ حَقَّهُ ذكره الأشقر
وكل هذه الأقوال متفقة فيما بينها على أن لا تسيء معاملة اليتيم
حال النبى مع اليتيم: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْسِنُ إِلَى اليتيمِ وَيَبَرُّهُ وَيُوصِي بِاليَتَامَى ذكره الأشقر
تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) )
تعلق الآية بما قبلها: أي: وكما كنت ضالاًّ فهداك الله فى قوله (ووجدك ضالا فهدى) ذكره بن كثير
المراد بالسائل: السائل في العلم المسترشد ذكره بن كثير
الضعفاء من عباد الله ذكره بن كثير
وقال قتادة: يعني: ردّ المسكين ذكره بن كثير
وهذا يدخلُ فيهِ السائلُ للمالِ، والسائلُ للعلمِ ذكره السعدي
وقول السعدي يجمع أقوال بن كثير ويعد ذلك اتفاقا
المراد ب لا تنهر: أي: فلا تكن جبّاراً، ولا متكبّراً، ولا فحّاشاً، ولا فظًّا ذكره بن كثير
قال قتادة برحمةٍ ولينٍ ذكره بن كثير
أي: لا يصدرْ منكَ إلى السائلِ كلامٌ يقتضي ردَّهُ عنْ مطلوبهِ، بنهرٍ وشراسةِ خلقٍ، بلْ أعطهِ ما تيسرَ عندكَ أو ردّهُ بمعروفٍ ذكره السعدي
لا تَنْهَرْهُ إِذَا سَأَلَكَ؛ فَقَدْ كُنْتَ فَقِيراً؛ فَإِمَّا أَنْ تُطْعِمَهُ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّناً ذكره الأشقر
والأقوال كلها متقاربة فيما بينها على أن لا تنهر السائل أيا كان سائلا للعلم أو سائلا للمال ما دمت مستطيعا
المستفاد من الآية: ولهذا كانَ المعلمُ مأموراً بحسنِ الخلقِ معَ المتعلمِ، ومباشرتهِ بالإكرامِ والتحننِ عليهِ، فإنَّ في ذلكَ معونةً لهُ على مقصدهِ، وإكراماً لمنْ كانَ يسعَى في نفعِ العبادِ والبلادِ ذكره السعدي
تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) )
تعلق الآية بما قبلها: أي: وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك الله، فحدّث بنعمة الله عليك فى قوله (ووجدك عائلا فأغنى) ذكره بن كثير
المراد ب فحدث: كما جاء في الدعاء المأثور النبويّ: ((واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنيين بها عليك، قابليها، وأتمّها علينا)) ذكره بن كثير
قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا سعيد بن إياسٍ الجريريّ، عن أبي نضرة، قال: كان المسلمون يرون أنّ من شكر النّعم أن يحدّث بها ذكره بن كثير
روى عبد الله ابن الإمام أحمد عن النّعمان بن بشيرٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر: ((من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله، والتّحدّث بنعمة الله شكرٌ، وتركها كفرٌ، والجماعة رحمةٌ، والفرقة عذابٌ)) ذكره بن كثير وقال إسناده ضعيفٌ
في الصحيح عن أنسٍ، أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كلّه. قال: ((لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم)) ذكره بن كثير
روى أبو داود عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((لا يشكر الله من لا يشكر النّاس)) ذكره بن كثير وقال ورواه التّرمذيّ، عن أحمد بن محمدٍ، عن ابن المبارك، عن الرّبيع بن مسلمٍ، وقال: صحيحٌ
وروى أيضا عن أبي سفيان، عن جابرٍ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((من أبلى بلاءً فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره)). ذكره بن كثير وقال تفرّد به أبو داود
وروى أيضا عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من أعطي عطاءً فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره)) ذكره بن كثير
وقال ليثٌ، عن رجلٍ، عن الحسن بن عليٍّ: {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} قال: ما عملت من خيرٍ فحدّث إخوانك ذكره بن كثير
قال محمد بن إسحاق: ما جاءك من الله من نعمةٍ وكرامةٍ من النبوّةفحدّث فيها، واذكرها، وادع إليها. قال: فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوّة سرًّا إلى من يطمئنّ إليه من أهله، وافترضت عليه الصلاة فصلّى ذكره بن كثير
أي: أَثْنِ على اللهِ بهَا، وخصِّصهَا بالذكرِ إنْ كانَ هناكَ مصلحةٌ ذكره السعدي
وإلاَّ فحدثْ بنعمِ اللهِ على الإطلاقِ، فإنَّ التحدثَ بنعمةِ اللهِ داعٍ لشكرهَا، وموجبٌ لتحبيبِ القلوبِ إلى مَنْ أنعمَ بهَا، فإنَّ القلوبَ مجبولةٌ على محبةِ المحسنِ ذكره السعدي
أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بالتَّحَدُّثِ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهَا لِلنَّاسِ وَإِشْهَارِهَا بَيْنَهُمْ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْر ذكره الأشقر
وكل هذه الأقوال متقاربة جدا فيما بينها حيث أنه يمكن الجمع بينهم على أن المراد ب فحدث أى أذكرها بالخير وتحدث عنها للناس بما يحببهم فيها وفيك وفى المنعم بها
المراد بالنعمة: قال مجاهدٌ: يعني: النّبوّة التي أعطاك ربّك وفي روايةٍ عنه: القرآن ذكره بن كثير
قال ليثٌ عن الحسن بن عليٍّ: {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} قال: ما عملت من خيرٍ ذكره بن كثير
قال محمد بن إسحاق: ما جاءك من الله من نعمةٍ وكرامةٍ من النبوّة ذكره بن كثير
النعمَ الدينيةَ والدنيويةَ ذكره السعدي
قِيلَ: النِّعْمَةُ هُنَا الْقُرْآنُ ذكره الأشقر
وهنا ثلاثة أقوال:
1 القرآن ذكره بن كثير فى رواية عن مجاهد وكذا ذكره الأشقر
2 النبوة ذكره بن كثير فى رواية أخرى عن مجاهد وكذا عن محمد بن إسحاق
3 النعم الدينية والدنيوية ذكره السعدي
4 ما عملت من خير ذكره بن كثير عن ليثٌ عن الحسن بن عليٍّ
ويظهر الخلاف هنا بين قول السعدي النعم الدنيوية ويمكن أن يحمل المعني ذلك بخلاف ما ذكره كلا من بن كثير والأشقر وبذلك نستطيع الجمع بين الأقوال بأن النعمة فى الآية هى النعم الدينية كالنبوة والقرآن والنعم الدنيوية ما عمله النبى من خير فى الدنيا وما حصل عليه من مكاسب