دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الجهاد والعتق

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 08:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ فضل الجهاد في سبيل الله ]

عن سَهْلِ بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِن الْجَنَّةِ: خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ في سَبِيلِ اللهِ، أَو الْغَدْوَةُ: خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا)) .
عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَالَ: ((انْتَدَبَ اللهُ - ولِمسلمٍ: تَضَمَّنَ اللهُ –لِمِن خَرَجَ في سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادٌ في سَبِيلي، وَإِيمَانٌ بي، وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَو أُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الذي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِن أَجْرٍ أَو غَنِيمَةٍ )) .
وَلِمسلمٍ : ((مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ –وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَن يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ في سَبِيلِهِ، إِنْ تَوَفَّاهُ : أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَو يُرْجِعَهُ سَالِمًا، مَعَ أَجْرٍ أَو غَنِيمَةٍ)) .
وعنهُ قالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((مَا مِن مَكْلُومٍ يُكْلَمُ في سَبِيلِ اللهِ، إِلاًّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمِى، اللَّوْنُ: لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ: رِيحُ الْمِسْكِ)) .
عن أبِي أيُّوبٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَو رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)) .
أخرجهُ مسلمٌ .
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَو رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) وأخرجهُ البخاريُّ .

  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أبي هريرةَ ولمسلِمٍ (( مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ )) إلى آخِرِه .
هذه الزيادةُ التي عَزَاها لمسلِمٍ ليست فيه وإنما هي في البخاريِّ بطُولِها في بابِ أفضلُ الناسِ مؤمنٌ مجاهِدٌ بنفسِه ومالِه
حديثُ أبي أيوُّبَ ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ )) .
ثم قالَ أَخْرَجَه مسلِمٌ يعني منفرِداً به ثم قالَ : عن أنسٍ ثم قالَ : وأَخْرَجَه البخاريُّ يعني مع مسلِمٍ ويَقَعُ في بعضِ النُّسَخِ أَخْرَجَه البخاريُّ بحذْفِ الواوِ وقد رأيتُه في نُسخةٍ عليها خطُّ المُصنِّفِ وليس بصوابٍ .

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

الغَدْوَةُ: بفتْحِ الغينِ .
السيرُ في أوَّلِ النهارِ إلى الزوالِ والرَّوْحَةِ من الزوالِ إلى الليلِ .

قولُه : لا يُخرِجُه إلا جِهادٌ .
كذا ثبَتَ في نسْخِ مسلِمٍ وكذا ما بعدَه من قولِه : (( إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا ))
والرفْعُ أحسَنُ ووجْهُ النصبِ على أنه مفعولٌ له أي لا يُخرِجُه الْمُخرِجُ إلا الجهادُ .
قولُه : فهو عليَّ ضامِنٌ .
قيل : بمعنى مضمونٍ نحوُ { عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } أي: مَرْضِيَّةٍ .
وقيلَ : إنه عليَّ ضَمينٌ أي: لازِمٌ أي: أَوْجَبْتُ على نفسي أن أفْعَلَ ذلك .

قولُه : (( أَوْ أُرْجِعُهُ)) .
هو بفتْحِ الهمزةِ وكسْرِ الجيمِ ونصْبِ العينِ لأن ماضيَه ثلاثيٌّ بدليلِ { قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ } بوصْلِ الهمزةِ ، وقالَ: { فِإِنْ رَجَعَكَ اللهُ } وأما كونُه منصوبًا فلأنه معطوفٌ على قولِه : أن أُدخِلَه الجَنَّةَ .

وقولُه : ((مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ)) .
أو بمعنى الواوِ وقد رواها أبو داودَ كذلك وفي بعضِ طرُقِ مسلِمٍ أيضًا .
وقيل: إنها للتقسيمِ فالأجْرُ حاصلٌ له إن فاتَتْه الغنيمةُ فإن حصَلَتْ له الغنيمةُ فاتَه الأجْرُ وهذا ضعيفٌ ففي الصحيحين: (( مَا مِنْ غَازِيَةٍِ تَغْزُو فَتُصِيبُ وَتَغْنَمُ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ )) .

فهذا تصريحٌ ببقاءِ بعضِ الأجْرِ مع حصولِ الغنيمةِ فالأحسَنُ أن يُقالَ : إنما دخَلَتْ أو بعضُها لأنه قد يَرْجِعُ مرَّةً بالأجْرِ ومرَّةً بهما جميعًا فأُدْخِلَتْ أوله على اختلافِ الحالين لا أنه يَرْجِعُ بغنيمةٍ دونَ أجْرٍ بل يرْجِعُ بالأجْرِ أبدًا غنيمةً كانت أو لم تكن .

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ سَهْلِ بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِن الْجَنَّةِ: خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ في سَبِيلِ اللَّهِ، أَو الْغَدْوَةُ: خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((انْتَدَبَ اللَّهُ- ولِمسلمٍ: تَضَمَّنَ اللَّهُ –لِمِنْ خَرَجَ في سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادٌ في سَبِيلي، وَإِيمَانٌ بي، وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَو أُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الذي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَو غَنِيمَةٍ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: فضلُ الرِّبَاطِ في سبيلِ اللَّهِ، لِمَا فِيهِ من الأجرِ الجَسِيمِ.
الثَّانِيَةُ: حَقَارَةُ الدنيا بالنسبةِ للآخرةِ.
الثَّالِثَةُ: فَضْلُ الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ وَعِظَمُ ثَوَابِهِ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وَلِمسلمٍ: ((مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ –وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ في سَبِيلِهِ، إِنْ تَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَو يُرْجِعَهُ سَالِمًا، مَعَ أَجْرٍ أَو غَنِيمَةٍ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جُودُ اللَّهِ تَعَالَى، حيثُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ هذا الجزاءَ الكبيرَ للمجاهِدِينَ.
الثَّانِيَةُ: فَضْلُ الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ؛ فإنَّ المُجَاهِدَ إمَّا أنْ يَنَالَ الشهادةَ التي تَرْفَعُهُ معَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ، وإمَّا أنْ يَرْجِعَ إلى سَكَنِهِ بجزيلِ الحسَنَاتِ.

الْحَدِيثُ الأَرْبَعُمِائَةٍ
وعَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ في سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمِى، اللَّوْنُ: لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ: رِيحُ الْمِسْكِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: فِيهِ فضلُ الجهادِ وفضلُ الشهادةِ في سبيلِ اللَّهِ أو الجراحةِ فِيهِ.

الْحَدِيثُ الْحَادِي بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ
عنْ أبِي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَو رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)).
أَخْرَجَهُ مسلمٌ.

الْحَدِيث الثَّانِي بَعْدَ الأَرْبَعُمِائَةٍ
عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَو رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).
وأخرجهُ البخاريُّ.

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: هذا الفضلُ العظيمُ في قليلِ الجهادِ، فكيفَ بِكَثِيرِهِ؟!
الثَّانِيَةُ: عَظِيمُ فَضْلِ الجهادِ وما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ منْ إعلاءِ كلمةِ اللَّهِ.
الثَّالِثَةُ: الجهادُ وَكَمَا يكونُ بالقتالِ، فكذلكَ يكونُ باللِّسَانِ، فَمُجَادَلَةُ المُلْحِدِينَ وَإِبْطَالُ شُبَهِهِم والرَّدُّ عليهم وتَنْفِيدُ مَزَاعِمِهِم منْ أَعْظَمِ الجهادِ.

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ التاسعُ والتسعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
399- عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ في سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الْغَدْوَةُ: خَيْرٌ مِنَ الدَّنْيَا وَمَا فِيهَا)) .(227)
الحديثُ الَأْرَبَعُمِائَةٍ
400- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((انْتَدَبَ اللهُ - وَلِمُسْلِمٍ: تَضَمَّنَ اللَّهُ - لِمَنْ خَرَجَ في سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادٌ في سَبِيلِي، وَإِيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ: أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ .(228)

الحديثُ الأولُ بَعْدَ الَأَرْبَعِمِائَةٍ
401- وَلِمُسْلِمٍ:((مَثَلُ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ في سَبِيلِهِ، إِنْ تَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا، مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ)) .(229)
الحديثُ الثاني بَعْدَ الَأَرْبَعِمِائَةٍ
402- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللًّوْنُ: لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ: رِيحُ الْمِسْكِ)) .(230)
الحديثُ الثالثُ بَعْدَ الَأَرْبَعِمِائَةٍ
403- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)) .

الحديثُ الرَّابِعُ بَعْدَ الَأَرْبَعِمِائَةٍ
404- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) .(231)
________________
(227) الغريبُ :
رِبَاطُ يومٍ فِي سبيلِ اللهِ : الرباطُ : بكسرِ الراءِ، وفتحِ الباءِ الموحَّدةِ الخفيفةِ، هُوَ ملازمةُ المكانِ الذي بَينَ المسلمينَ وَالكفَّارِ؛ لحراسةِ المسلمينَ منهم .
سَوْطِ : بفتحِ السينِ وسكونِ الواوِ، أداةُ ضربٍ، فوقَ القضيبِ، ودونَ العصا .
الرَّوحةُ : بفتحِ الراءِ، السيرُ من الزوالِ إِلَى الليلِ . ويرادُ بها المَرَّةُ الواحدةُ .
الغَدْوَةُ : بفتحِ الغينِ، السيرُ فِي أولِ النهارِ إِلَى الزوالِ، ويرادُ بها المَرَّةُ الواحدةُ .
المعنى الإجماليُّ :
يُبيِّنُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلَ المرابطةِ فِي سبيلِ اللهِ، بأنَّ ثوابَ مرابطةِ يومٍ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها؛ لِمَا فِي ذلكَ من حراسةِ المسلمينَ وَالإقامةِ فِي وجوهِ الأعداءِ، الذين يَتَرَبَّصُونَ الدوائرَ وَالفُرَصَ بالمسلمينَ، فيهجمونَ عليهم؛ ولما فيها من المخاطرةِ بالنفسِ لحفظِ المسلمينَ وصيانتِهم من عدوِّهم .
ثم بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقارةَ الدُّنْيَا بالنسبةِ للآخرةِ لِيُزَهِّدَهم فيها؛ رغبةً فيما عندَهُ، فَيُرَخِّصُوا أنفسَهم فِي سبيلِهِ وفي سبيلِ إعزازِ دينِهِ .
فموضعُ السوطِ فيها خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها؛ لأنَّ هَذِه فانيةٌ، وتلكَ باقيةٌ، ولأنَّ هَذِه مُنَغِّصَةٌ، وتلكَ مُنَعِّمَةٌ، ولأنَّ ما فِي هذهِ من المتاعِ وَالنعيمِ لا يُقارنُ بنعيمِ تلكِ الدارِ، التي فيها ما لا عَينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلَى قلبِ بَشَرٍ .
وثوابُ الرَّوْحَةِ أَو الغَدْوَةِ فِي سبيلِ اللهِ مَرَّةً وَاحدةً، خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها؛ لِمَا للمجاهدِ من عظيمِ الأجرِ وجزيلِ الثوابِ؛ لأنَّ المجاهدينَ باعُوا أنفسَهم الغاليةَ للهِ تعالى بثوابِ الجَنَّةِ، وأَرْخَصُوها فِي ابتغاءِ مرضاتِهِ؛ إعلاءً لكلمتِهِ، وإظهارًا لدينِهِ؛ لِيغفرَ لهم ذنوبَهم، ويدخلَهم جناتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ، ومساكنَ طيبةً فِي جَنَّاتِ عدنٍ، ذلكَ الفوزُ العظيمُ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- فضلُ الرباطِ فِي سبيلِ اللهِ؛ لِمَا فيه من المخاطرةِ بالنفسِ، بصيانةِ الإسلامِ وَالمسلمينَ؛ لذا فإنَّ ثوابَ يومٍ وَاحدٍ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها .
2- حقارةُ الدُّنْيَا بالنسبةِ للآخرةِ؛ لأنَّ موضعَ السوطِ من الجَنَّةِ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها .
ولو لم يكنْ بينهما إلَّا أنَّ هذهِ فانيةٌ، وتلكَ باقيةٌ، فإنَّ الرغبةَ فِي الباقي - وإِنْ كَانَ خَزَفًا - خيرٌ من الفاني، وإِنْ كَانَ صَدَفًا .
كيفَ وَالفاني هُوَ الخزفُ، وَالباقي هُوَ الصَدَفُ؟!
3- فضلُ الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ، وعِظَمُ ثوابِهِ؛ لأنَّ ثوابَ الروحةِ الواحدةِ أَو الغَدوةِ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها .
4- رُتِّبَ هَذَا الثوابُ العظيمُ عَلَى الجهادِ؛ لِمَا فيه من المخاطرةِ بالنفسِ طلبًا لرضاء اللهِ تعالى؛ ولما يَتَرَتَّبُ عليه من إعلاءِ كلمةِ اللهِ ونصرِ دينِهِ، ونشرِ شريعتِهِ؛ لِهدايةِ البشرِ، فهو ذِرْوَةُ سَنامِ الإسلامِ، كما فِي حديثِ ((مُعاذِ بنِ جبلٍ)) .
(228) الغريبُ :
إلَّا جهادٌ : مرفوعٌ، هُوَ وما بعدَهُ . وَقَدْ جاءَ منصوبًا فِي ((صحيحِ مسلمٍ )) عَلَى أنَّهُ مفعولٌ لأجلِهِ، أيْ لا يُخْرِجُهُ الخروجُ إلَّا للجهادِ .
ضامِنٌ : بمعنى مضمونٍ، نحو عيشةٍ راضيةٍ، أي مرضيَّةٍ، فهو فاعلٌ بمعنى مفعولٍ .
أو أرجِعَهُ : بفتحِ الهمزةِ، وكسرِ الجيمِ، ونصبِ العينِ؛ لأنَّ ماضيَه ثلاثيٌّ، بدليلِ [ربِّ ارجعونِ] بوصلِ الهمزةِ .
وأَمَّا كونُهُ منصوبًا؛ فلأنَّهُ معطوفٌ عَلَى قولِهِ ((أنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ )) من أجرٍ أَوْ غنيمةٍ : (أو) بمعنى (الواوِ) .
وقد رواها أبو داودَ (بالواوِ) وفي بعضِ طُرُقِ ((مسلمٍ )) أيضًا .
وعليه فيكونُ الغازي الغانمُ، يرجعُ بالأجرِ أيضًا .
انتدبَ اللهُ : قَالَ ابنُ الأثيرِ : ندبْتُهُ فانتدَبَ، أي بعثْتُهُ فانبعَثَ، ودعوتُهُ فأجابَ .
المعنى الإجماليُّ :
ضمنَ اللهُ تعالى وَالتزمَ -كرمًا مِنْهُ وفضلًا- أنَّ مَن خرجَ يقاتِلُ فِي سبيلِهِ مخلِصًا نيَّتَه عن الأغراضِ الدنيويَّةِ، من غنيمةٍ، أَوْ عصبيةٍ، أَوْ شجاعةٍ، أَوْ حُبٍّ للشهرةِ، أَو الذكرِ، بل لمجرَّدِ الإيمانِ باللهِ تعالى الذي وعدَ المجاهدينَ بالمثوبةِ، وتصديقًا برسلِهِ الذين بَلَّغُوا عنهُ وعدَهُ الكريمَ، فاللهُ ضامنٌ لهُ دخولَ الجَنَّةِ، إنْ قُتِلَ أَوْ ماتَ فِي سبيلِهِ، أَوْ يُرْجِعُهُ إِلَى مسكنِهِ وأهلِهِ نائلًا الأجرَ العظيمَ، أَوْ حاصلًا له الحُسْنَيَانِ، الأجرُ وَالغنيمةُ .واللهُ لا يُخلِفُ الميعادَ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- جودُ اللهِ تعالى وكرمُهُ؛ إِذْ أَلْزمَ نفسَهُ بهَذَا الجزاءِ الكبيرِ للمجاهدينَ .
2- فضلُ الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ؛ إِذْ تحققَ ربحُهُ العظيمُ .
فإمَّا الشهادةُ العظمى التي تُنيلُ صاحبَها المقاماتِ العاليةَ مَعَ النبيِّينَ وَالصدِّيقِينَ .
وإمَّا الرجوعُ إِلَى مسكنِهِ بجزيلِ الحسناتِ، وتكفيرِ السيئاتِ .
وإِنْ كَانَ معهُ غنيمةٌ، فذلكَ فضلُ اللهِ، يؤتيهِ مَن يشاءُ، وَاللهُ ذو الفضلِ العظيمِ .
3- قال ابنُ دقيقِ العيدِ : فيه دليلٌ عَلَى أنَّهُ لا يحصُلُ هَذَا الثوابُ إِلَّا لمَن صَحَّتْ نيَّتُهُ وخلُصَتْ من شوائبِ إرادةِ الأغراضِ الدنيويَّةِ .
وقال الطبريُّ : إذا كَانَ أصلُ الباعثِ هُوَ إعلاءَ كلمةِ اللهِ فلا يضرُّهُ ما عَرَضَ لهُ بعدَ ذلكَ .
(229) المعنى الإجماليُّ :
يُبيِّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضلَ الجهادِ الخالصِ لوجهِ اللهِ تعالى، بأنَّ مَن جاهدَ فِي سبيلِهِ لقصدِ الجهادِ وإعلاءِ كلمةِ اللهِ تعالى - وَاللهُ مُطَّلِعٌ عَلَى سرائِرِهم فَيَعْلَمُ المخلِصَ من غيرِهِ - فأجرُهُ كأجرِ الذي أَحْيَا ليلَهُ بالقيامِ، ونهارَهُ بالصيامِ؛ لأنَّ المجاهدَ لا يزالُ فِي عِبادةٍ فِي قيامِهِ وقعودِهِ، وسيرِهِ وإقامتِهِ، ويقظتِهِ ونومِهِ . فهو فِي عِبادةٍ مستمِرَّةٍ لا يُدْرِكُهُ إلَّا الذي شغلَ وقتَهُ كلَّهُ بالعِبادةِ، مَعَ فرقِ ما بينَ العِبادةِ القاصرةِ، كالصلاةِ، وَالصيامِ، والعِبادةِ المتعدِّي نفعُها، كالجهادِ .
فهَذَا الذي خرجَ مجاهدًا فِي سبيلِ اللهِ بإخلاصٍ، قَدْ كَفَلَ اللهُ لهُ الجَنَّةَ، إنْ قُتِلَ أَوْ ماتَ فِي سبيلِهِ، أَو الرجوعَ بالأجرِ وَالغنيمةِ .
(230) الغريبُ :
مَكْلُومٌ : بفتحِ الميمِ وسكونِ الكافِ، اسمُ مفعولٍ من ((كَلَمَ)) و((الْكَلْمُ )) الجُرْحُ .فمعناهُ : مجروحٌ .
المعنى الإجماليُّ :
يُبَيِّنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضلَ الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ تعالى وما ينالُ صاحبُهُ، من حسنِ المثوبةِ، بأنَّ الذي يُجْرَحُ فِي سبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ أَوْ يَبرأُ، يأتي يومَ القيامةِ عَلَى رءوسِ الخلائقِ بِوِسَامِ الجهادِ وَالبلاءِ فيه؛ إِذْ يجيءُ بجرحِهِ طَرِيًّا، فيه لونُ الدمِ، وتَتَضَوَّعُ مِنْهُ رائحةُ المسكِ .
فقد أبدلَهُ اللهُ تعالى بِهَوَانِ أذى الأعداءِ شرفَ الفخرِ وَالعِزَّةِ عَلَى أنظارِ الأوَّلِينَ وَالآخِرينَ، وبإراقةِ دمِهِ أنْ أبدلَهُ مِسكًا، يتأرَّجُ شذَاهُ، وتفوحُ ريحُهُ الزكِيَّةُ . وَاللهُ ذو الفضلِ العظيمِ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- فيهِ فضلُ الجهادِ، وَقَدْ كثُرَتْ فضائلُهُ، وتعدَّدَ ثوابُهُ؛ لِمَا فيه من عزِّ الإسلامِ .
2- فضلُ الشهادةِ فِي سبيلِ اللهِ، وكيفَ يُجَازَى صاحبُها، وفيه فضلُ الجراحةِ فِي سبيلِ اللهِ، فهي أثرٌ من طاعتِهِ ومجاهدةِ أعدائِهِ .
3- هَذَا الفضلُ وَالفخرُ، الذي يتمَيَّزُ بهِ المجروحُ يومَ القيامةِ .
(231) المعنى الإجماليُّ :
تَقَدَّمَ معنى هذينِ الحديثينِ اللذينِ أَبَانَا فضلَ الجهادِ القليلِ فِي سبيلِ اللهِ، فكيفَ بالكثيِرِ، ومصابرةِ الأعدءِ ؟!
وينبغي أنْ يُعْلَمَ أنَّ طلبَ العلمِ الشَّرْعيِّ نوعٌ عظيمٌ من الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ، وأنَّ الانتصارَ للحقِّ، ودحضِ حججِ الزنادقةِ وَالملحدينَ وَالغربيِّينَ المبشرينَ الذي يحاربونَ الإسلامَ، ويريدونَ القضاءَ عليهِ، هُوَ من أعظمِ الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ .
فالقصدُ من الجهادِ، إظهارُ الإسلامِ ونصرُهُ، فكَبْتُ هَؤُلَاءِ من الجهادِ الكبيرِ العظيمِ . اللهمَّ وَفِّق المسلمينَ لنصرِ دينِهم، وإعلاءِ كلمتِكَ . إنكَ قريبٌ مجيبٌ .

  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

406 - الحديثُ الثَّانِي: عن سهلِ بنِ سعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أنَّ رسـولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سَبِيلِ اللِّهِ خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)).
" الرِّبَاطُ " مُرَاقَبَةُ العدوِّ في الثُّغورِ الْمُتَاخِمَةِ لبلادِهِ.
وفى قولـِهِ عليْهِ السَّلامُ: "خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا" وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أن يكونَ من بابِ تنزيلِ الْمُغَيَّبِ منزلةَ المحسوسِ، تحقيقاً له وتثبيتًا في النُّفوسِ. فإنَّ مُلْكَ الدُّنيَا ونعيمَهَا وَلَذَّاتِهَا محسوسةٌ، مُسْتَعْظَمَةٌ في طباعِ النُّفوسِ.
فَحُقِّقَ عندهَا أنَّ ثوابَ اليومِ الواحدِ في الرِّبَاطِ -وهوَ من الْمُغَيَّبَاتِ- خيرٌ من المحسوساتِ الَّتي عَهِدْتُمُوهَا من لَذَّاتِ الدُّنْيَا.
والثَّانِي: أنَّه قد اسْتَبْعَدَ بعضُهُمْ أن يُوازَنَ شيءٌ من نعيمِ الآخرةِ بالدُّنْيَا كلِّهَا. فَحُمِلَ الحديثُ، أو مَا هوَ معنَاهُ: على أنَّ هذا الَّذي رُتِّبَ عليْهِ الثَّوابُ خيرٌ من الدُّنْيَا كلِّهَا لو أُنْفِقَتْ في طاعةِ اللهِ تعالَى. وكأنَّه قَصَدَ بهذا أن تَحْصُلَ الْمُوَازَنَةُ بَيْنَ ثوابيْنِ أُخْرَوِيِّيْنِ، لِاسْتِحْقَارِهِ الدُّنْيَا في مقابلةِ شيءٍ من الْأُخْرَى؛ ولو على سبيلِ التَّفضيلِ.
والأوَّلُ عندِي أَوْجَهُ وأظهرُ.
" وَالْغَدْوَةُ " بفتحِ الغينِ: السَّيرُ في الوقتِ الَّذي من أوَّلِ النَّهارِ إلى الزَّوالِ و" الرَّوْحَةُ " من الزَّوالِ إلى اللَّيلِ. واللَّفظُ مُشْعِرٌ بأنَّهَا تكونُ فِعْلًا واحدًا. ولا شكَّ أنَّه قد يقعُ على اليسيرِ والكثيرِ من الْفِعْلِ الواقعِ في هذيْنِ الوقتيْنِ. ففيهِ زيادةُ ترغيبٍ وفضلٌ عظيمٌ.
407 - الحديثُ الثَّالثُ: عن أبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالَ: ((انْتَدَبَ اللَّهُ)) -وَلِمُسْلمٍ: تَضَمَّنَ اللَّهُ- ((لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادٌ فِى سَبِيلِي، وَإِيْمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي. فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ: أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أو أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ)).
408 - ولمسلمٍ: ((مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ جَاهَدَ فِى سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصِّائِمِ الْقَائِمِ. وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِهِ إِنْ تَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ)).
"الضَّمَانُ، والْكَفَالَةُ" هَهُنَا: عِبَارَةٌ عن تحقيقِ هذا الموعودِ من اللهِ سبحانَهُ وتعالَى. فإنَّ الضَمَانَ والْكَفَالَةَ: مُؤَكِّدَانِ لمَا يُضْمَنُ ويُتَكَفَّلُ بهِ، وتحقيقُ ذلكَ من لوازمِهِمَا.
وقولـُهُ: ((لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادٌ فِى سَبِيلِي، وَإِيْمَانٌ بِي)) دليلٌ على أنَّه لا يَحْصُلُ هذا الثَّوابُ إلا لمَن صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَخَلُصَتْ من شوائبِ إرادةِ الأغراضِ الدُّنْيَوِيَّةِ. فإنَّه ذُكِرَ بصيغةِ النَّفيِ والإثباتِ الْمُقْتَضِيَيْنِ للحصرِ.
وقولـُهُ ((فهوَ عليَّ ضامنٌ)) قيلَ: إنَّ فاعلًا ههنَا بمعنَى مفعولٍ، كمَا قِيلَ في (ماءٍ دافقٍ) و(عيشةٍ راضيةٍ) أيْ مدفوقٍ، ومَرْضيةٍ، على احتمالِ هاتيْنِ اللَّفظتيْنِ لغيرِ ذلكَ.
وقد يُقَالُ إنَّ " ضامنًا " بمعنَى ذا ضمانٍ، كَلَابِنٍ وتَامِرٍ، ويكونُ الضَّمانُ ليسَ منهُ، وإنَّما نُسِبَ إليهِ لِتَعَلُّقِهِ بهِ. والعربُ تُضِيفُ لأدنَى ملابَسةٍ.
وقولـُهُ " أَرْجِعَهُ " مفتوحُ الهمزةِ مكسورُ الجيمِ من رَجَعَهُ، ثلاثيًا متعديًا ولازمُهُ ومُتَعَدِّيهِ واحدٌ: قالَ اللهُ تعالَى (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ) ( 9: 83).
قيلَ: إنَّ هذا الحديثَ مُعَارِضٌ للحديثِ الآخَرِ. وهوَ قولـُهُ عليْهِ السَّلامُ ((مَا مِنْ غَازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تَغْزُو فَتْغَنَمُ وَتَسْلَمُ، إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ. وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو، فَتُخْفِقُ أَوْ تُصَابُ إِلَّا تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ)) وَالْإِخْفََاقُ: أن تغزوَ فلا تَغْنَمَ شيئًا. ذكرَ القاضِي معنَى مَا ذكرنَاهُ من المعارضةِ عن غيرِ واحدٍ.
وعندِي: أنَّه أقربُ إلى مُوَافقَتِهِ منهُ إلى مُعَارَضَتِهِ. ويَبْعُدُ جدًّا أن يُقَالَ بتعارضِهِما. نعمْ، كلاهُمَا مُشْكِلٌ. أمَّا ذلكَ الحديثُ: فلتصريحِهِ بنقصانِ الأجرِ بسببِ الغنيمةِ. وأمَّا هذا: فلأنَّ " أَوْ " تقتضِي أحدَ الشَّيئيْنِ، لا مَجْمُوعَهُا. فيقتضِي: إمَّا حصولُ الأجرِ أو الغنيمةِ. وقد قالُوا: لا يَصِحُّ أن تَنْقُصَ الغنيمةُ من أجرِ أهلِ بدرٍ، وكانُوا أفضلَ المجاهدينَ، وأفضلَهُم غنيمةً. ويؤكِّدُ هذا: تَتَابُعُ فِعْلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وأصحابِهِ من بعدِهِ على أَخْذِ الغنيمةِ وعدمِ التوقُّفِ عنهَا.
وقد اختلَفُوا -بسببِ هذا الإشكالِ- في الجوابِ. فمنهُمْ مَن جنحَ إلى الطَّعْنِ في ذلكَ الحديثِ. وقالَ: إنَّه لا يَصِحُّ. وزعمَ أنَّ بعضَ رُوَاتِهِ ليسَ بمشهورٍ. وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ مُسْلِمًا أخرجَهُ في كتابِهِ. ومنهُمْ مَن قالَ: إنَّ هذا الَّذي تَعَجَّلَ من أجرِهِ بالغنيمةِ: في غنيمةٍ أُخِذَتْ على غيرِ وجهِهَا. قال بعضهُمْ: وهذا بعيدٌ. لا يَحْتَمِلُهُ الحديثُ. وقيلَ: إنَّ هذا الحديثَ -أعنِي الَّذي نحنُ في شرحِهِ- شُرِطَ فيهِ مَا يقتضِي الإخلاصَ. والحديثُ الَّذي في نُقْصَان ِالأجرِ: يُحْمَلُ على مَن قَصَدَ مع الجهادِ: طلبَ الْمَغْنَمِ. فهذا شَرَّكَ بمَا لَا يجوزُ لـهُ التَّشْرِيكُ فيهِ، وانقسمَتْ نِيَّتُهُ بَيْنَ الوجهيْنِ. فَنَقَصَ أجرُهُ. والأوَّلُ: أَخْلَصَ، فكَمُلَ أجرُهُ.
قالَ القاضِي: وأَوْجَهُ من هذا عندِي في استعمالِ الحديثيْنِ على وَجْهَيْهِمَا أيضًا: أنَّ نَقْصَ أجرِ الغانمِ بمَا فتحَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليهِ من الدُّنْيَا، وحسابَ ذلكَ بِتَمَتُّعِهِ عليهِ في الدُّنْيَا، وذَهَابِ شَظَفِ عَيْشِهِ في غَزْوِهِ وبعدَهُ، إذا قوبِلَ بمَن أَخْفَقَ ولم يُصِبْ منهَا شيئًا، وبَقِيَ على شَظَفِ عَيْشِهِ، والصَّبرُ على غَزْوِهِ في حالِهِ، وجدَ أجرَ هذا أبدًا في ذلكَ وافيًا مُطَّرِدًا، بخلافِ الأوَّلِ. ومِثْلُهُ في الحديثِ الآخَرِ "فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأَكُلْ مِنْ أَجْرِهِِ شَيْئًا. وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدُبُهَا".
وأقولُ: أمَّا التَّعَارُضُ بَيْنَ الحديثيْنِ: فقد نَبَّهْنَا على بُعْدهِ. فَأَمَّا الإشكالُ في الحديثِ الثَّانِي: فظاهرُهُ جارٍ على القياسِ. لأنَّ الأجورَ قد تتفاوتُ بحسبِ زيادةِ الْمَشَقَّاتِ، لا سِيَّمَا مَا كانَ أجرُهُ بحسبِ مَشَقَّتِهِ، أو لِمَشَقَّتِهِ دَخْلٌ في الأجرِ. وإنَّما يَشْكُلُ عليهِ العملُ الْمُتَّصِلُ بأخذِ الغنائمِ. فلعلَّ هذا من بابِ تقديمِ بعضِ المصالحِ الْجُزْئِيَّةِ على بعضٍ. فإنَّ ذلكَ الزَّمنَ كانَ الإسلامُ فيه غريبًا -أعنِي ابتداءَ زمنِ النبوَّةِ- وكانَ أَخْذُ الغنائمِ عَوْنًا على عُلُوِّ الدِّينِ وقوَّةِ المسلمينَ، وضعفاءِ المهاجرينَ. وهذه مصلحةٌ عُظْمَى. قد يُغْتَفَرُ لهَا بعضُ النَّقصِ في الأجرِ من حَيْثُ هوَ هوَ.
وأمَّا مَا قيلَ في أهلِ بدرٍ: فقد يُفْهَمُ منهُ أنَّ النُّقْصَانَ بالنِّسبةِ إلى الغيرِ. وليسَ ينبغِي أن يكونَ كذلكَ، بل ينبغِي أن يكونَ التَّقابُلُ بَيْنَ كمالِ أجرِ الغازِي نفسِهِ إذا لم يَغْنَمْ، وأجرِهِ إذا غَنِمَ. فيقتضِي هذا أن يكونَ حالُهُمْ عِنْدَ عدمِ الغنيمةِ أفضلَ من حالِهِمْ عِنْدَ وجودِهَا، لا من حالِ غيرِهِمْ. وإن كانَ أفضلَ من حالِ غيرِهِمْ قَطْعًا، فمن وجهٍ آخرَ. لكنْ لابُدَّ -من هذا- من اعتبارِ الْمُعَارِضِ الذي ذكرْنَاهُ. فلعلَّهُ معَ اعتبارِهِ لا يكونُ ناقصًا. ويُسْتَثْنَى حالُهُمْ من العمومِ الَّذي في الحديثِ الثَّانِي. أو حالُ مَن يُقَارِبُهُمْ في المعنَى.
وأمَّا هذا الحديثُ الذي نحنُ فيهِ. فَإِشْكَالُهُ من كلمةِ "أَوْ" أقوَى من ذلكَ الحديثِ. فإنَّه قد يُشْعِرُ بأنَّ الحاصلَ: إمَّا أجرٌ، وإمَّا غنيمةٌ. فَيَقْتَضِي أنَّه إذا حَصَّلْنَا الغنيمةَ يُكْتَفَى بهَا لهُ. وليسَ كذلكَ.
وقيلَ في الجوابِ عن هذا: بأنَّ "أَوْ" بمعنَى الواوِ. وكأنَّ التَّقديرَ: بأجرٍ وغنيمةٍ. وهذا - وإن كانَ فيه ضَعْفٌ من جهةِ العربيَّةِ - ففيهِ إشكالٌ، من حَيْثُ إنَّهُ إذا كانَ المعنَى يقتضِي اجتماعَ الأمريْنِ: كانَ ذلكَ داخلًا في الضَّمانِ. فيقتضِي أنَّهُ لا بُدَّ مِن حصولِ أمريْنِ لهذا المجاهدِ إذا رجعَ معَ رجوعِهِ. وقد لا يَتَّفِقُ ذلكَ، بأن يَتْلَفَ مَا حَصَّلَ في الرُّجوعِ من الغنيمةِ. اللَّهُمَّ إلَّا أن يُتَجوَّزَ في لفظةِ " الرُّجُوعِ إلَى الْأَهْلِ" أو يُقَالُ: المعيَّةُ في مُطْلَقِ الحصولِ، لا في الحصولِ في الرجوعِ.
ومنهُمْ مَن أجابَ بأنَّ التَّقديرَ: أو أَرْجِعَهُ إلى أهلِهِ، معَ مَا نالَ من أجرٍ وحدَهُ، أو غنيمةٍ وأجرٍ. فَحَذَفَ الأجرَ من الثَّانِي. وهذا لا بأسَ بهِ؛ لأنَّ الْمُقَابَلَةَ إنَّما تَشْكُلُ إذا كانَتْ بَيْنَ مُطْلَقِ الأجرِ وبينَ الغنيمةِ معَ الأجرِ. وأمَّا معَ الأجرِ المفيدِ بانفرادِهِ عن الغنيمةِ فلا.
409 - الحديثُ الرَّابعُ: عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى: اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ)).
" الْكَلْمُ " الْجُرْحُ. وَمَجِيئُهُ يومَ القيامةِ معَ سَيَلَان ِالْجُرْحِ فيهِ أمرانِ.
أحدُهُمَا: الشَّهادةُ على ظالمِهِ بالقتلِ. الثَّانِي: إظهارُ شَرَفِهِ لأهلِ الْمَشْهَدِ وَالْمَوْقِفِ بمَا فيهِ من رائحةِ المسكِ الشَّاهدةِ بالطِّيبِ. وقد ذكرُوا في الاستنباطِ من هذا الحديثِ أشياءَ مُتَكَلَّفَةً، غيرَ صابرةٍ على التَّحقيقِ.
منهَا: أن الْمُرَاعَى في الماءِ: تَغَيُّرُ لونُهُ، دونَ تَغَيُّرِ رائحتِهِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ سَمَّى هذا الخارجَ من جُرْحِ الشَّهيدِ "دمًا" وإن كانَ ريحُهُ ريحَ الْمِسْكِ ولم يكنْ مِسكًا. فغلبَ الاسمُ للونِهِ على رائحتِهِ. فكذلكَ الماءُ، مَا لم يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ لم يُلْتَفَتْ إلى تَغَيُّرِ رائحتِهِ. وفى هذا نَظَرٌ يحتاجُ إلى تَأَمُّلٍ.
ومنهَا: مَا تَرْجَمَ البُخاريُّ فيمَا يقعُ من النَّجاساتِ في الماءِ والسَّمْنِ. قالَ القاضِي: وقد يُحْتَمَلُ أن حُجَّتَهُ فيهِ الرُّخصةُ في الرَّائحةِ، كمَا تَقَدَّمَ، أو التَّغليظُ بعكسِ الاستدلالِ الأوَّلِ. فإنَّ الدَّمَ لمَّا انتقلَ بِطِيبِ رائحتِهِ من حُكْمِ النَّجاسةِ إلى الطَّهارةِ، ومن حُكْمِ القذارةِ إلى التَّطْيِيبِ بَتَغَيُّرِ رائحتِهِ و حُكِمٍَ لهُ بِحُكْمِ الْمِسْكِ والطِّيبِ للشَّهيدِ. فكذلكَ الماءُ يَنْتَقِلُ إلى العكسِ بِخُبْثِ الرَّائحةِ وَتَغَيُّرِ أحدِ أوصافِهِ من الطَّهارةِ إلى النَّجاسةِ.
ومنهَا: مَا قالَ القاضِي: ويَحْتَجُّ بهذا الحديثِ أبو حَنِيفَةَ في جوازِ استعمالِ الماءِ الْمُضَافِ، الْمُتَغَيِّرَةِ أوصافُهُ بإطلاقِ اسمِ الماءِ عليْهِ، كمَا انطلقَ على هذا اسمُ الدَّمِ. وإن تَغَيَّرَتْ أوصافُهُ إلى الطِّيبِ، قالَ: وَحُجَّتُهُ بذلكَ ضعيفةٌ.
وأقولُ: الكلُّ ضعيفٌ.
410 - الحديثُ الخامسُ: عن أبى أَيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((غَدْوةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ: خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرُبَتْ)) أخرجَهُ مُسْلِمٌ.
411 - الحديثُ السَّادسُ: عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) أخرجَهُ البخاريُّ.
قد تَقَدَّمَ الكلامُ على هذا المعنَى في حديثٍ مضَى.

  #7  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

......................

  #8  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 03:45 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

أما قوله صلى الله عليه وسلم ((رباط يوم في سبيلِ الله خير من الدنيا وما عليها)) . فقدْ تكاثرتْ الأحاديث في فضل الرباط , وقيل: ما المراد بالرباط الذي أمر الله تعالى بِه ؟ قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} , وفي هذا الحديث:((رباط يوم في سبيل اللهِ خير من الدنيا وما عليها)). فُسِّر الرباط بأنه ملازمة الثغور المخوفة ، التي يأتي منها العدو ، وكانوا عادة يقفُ المرابطون في الثغر الذي يخاف أن الأعداء يأتون منه ، فيبيتون المسلمين على غرة وغفلة ، فهؤلاء الذين يلزمون هذا الثغر كأنهم فدائيون ؛ لأنهم متعرضونَ للقتلِ ، ومتعرضون لأنْ يفجأهم العدو ، فيحصل بينهم قتال ، وهم أعدادٌ قلة ، ققد يكونون مثلا أربعين أو مائة أونحو ذلك ، والعدو يأتيهم بغتة بقوات عديدة ، وبجيوش متكاثفة ، فيحصل أنه يتغلَّب عليهم ، ولكن هؤلاء المرابطون كأنهم إذا أحسوا بالعدوِّ بحركته قد أقبل وبجيوشه قد جاءت ، أرسلوا من ينبه المسلمين والجيوش التي في الأمكنة ، أن العدو قد جاءكم فاستعدوا له ، واذهبوا وقابلوه قبل أن يقابلكم , وقبل أن يدخل في بلادكم ويتمكن .

فهذه فائدة هؤلاء المرابطين . وقد فسر الرباط الذي في الآية: {اصبروا وصابروا ورابطوا} بأنَّه ربط النفسِ علىطاعةِ اللهِ تعالى ، ومن ذلك المرابطة على أداء الصلوات والمحافظة عليه ، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على مايرفع الله به الدرجات ، ويكفر به الخطايا)) . قالوا: بلى يا رسول الله . قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاةِ ، فذلكم الرباط , فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط)) . هكذا عدَّ هذه الخصال من الرباط ، وعدها مما يرفع الله به الدرجات ، ويكفر بها الخطايا . وإذا قلتَ: كيف كانت هذه رباطًا ؟ نقولُ: لأن هذا المسلم قد ربط نفسه على طاعةِ الله وأوثقها ، والتزم بأن يحافظ على الصلوات ، ويتكرر إلى المساجد ، ويكثر الخطوات نحوها ، ويسبغ الوضوء على شدته ، وينتظر الصلوات ، كلما صلَّى صلاة انتظر ما بعدها ، فأصبح من المرابطين ، فيحظى بهذا الأجر .((رباط يوم في سبيل الله)) , وإن كان الحديث سببه أو جاء على المرابطةِ ، التي هي ملازمة الثغور .

ولا شك أيضًا أن من انتظم في سلك الجهاد ، وغزا في سبيل الله , وتقابل مع الأعداء وثبت في الصفوفِ ، وصبرَ عند المجابهةِ والمقابلةِ ، وعرَّض نفسه لقذائف الأعداء ولسهامهم وللقتل- أنه يعد من المرابطينَ ، وأيُّ خصلة أكبر من كونه عرَّض نفسه أو عرضها أمام سهام الأعداء وأمام قذائفهم وخاطر بها , ولكنَّه يرجو ماعند الله تعالى .
الثواب الذي رتب في هذا قوله: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها)) . ورد أيضا في حديث أن ((تمام الرباط أربعون يوما)) . يعني الذي يرابط في الثغر ويلازمه إذا تم أربعين يوما فقد أدى ماعليه , فعلى أمير الجيش أن يبدله بغيره ؛ لأنه قد أدَّى جزء كبيرا من الصبر والمصابرة .
في الحديث هذا يرغب صلى الله عليه وسلم في الأعمال الخيرية ، فيقول: ((موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)) . من حصل له من الجنة موضع السوط , السوط هو العود الذي يرمون به ، أو الذي يضربون به ، العصا التي يضرب بها , السوط أو نحوه ، موضعه قدر ذراع أو ذراعين ، خير من الدنيا وما عليها ، خير من أن تحصل له الدنيا وما عليها .

ثم يقول: ((الغدوة والروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)) . الغدوة هي المسير أول النهار ، والروحة المسير آخر النهار ، يقول: إن الغازي إذا سار في سبيل الله من أول النهار إلى وسط النهار فمسيرته هذه أجره فيها أكبر من أن تحصل له الدنيا وما عليها ، وكذلك لو سار من وسط النهارِ إلى آخر النهارِ روحة ، خير له من الدنيا وما عليها ، فتبين بذلك فضيلة هذه الأعمال .

وورد أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر: ((لغدوة في سبيل الله أو روحة - يعني بمثل هذا الحديث - خير من الدنيا وما عليها)) . فيرغب في أن المسلم ينتظم في الجهاد ،وأنه يجاهد فيه . ومعلوم أن الجهاد مشروع ، مادام أن هناك عدو كافر ، وأنه ما دام أن هناك من يقاتل المسلمين ، وهناك من يفتك بالإسلام وبأهله ، فالإسلام يحث الأفراد على أن يغزوا في سبيل الله ، ويقاتلوا من كفَرَ بالله ، حتى يذلَّ الكفر وأهله ، وينتصر الإسلام والمسلمون .

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:


فضل المجاهد في سبيل الله

عن أبي هريرة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: ((انتدب الله ولمسلم: تضمن الله – لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي ، وإيمان بي ، وتصديق برسلي ، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة)) . ولمسلمٍ:((مثل المجاهد في سبيل الله ، والله أعلم بمن جاهد في سبيله, كمثل الصائم القائم . وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفَّاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة)) .
وعن أبي هريرةَرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون الدم ، والريح ريح المسك)) .

الشيخ: هذه في فضل الجهاد في سبيل الله . قد عرفنا أن الجهاد هو قتال الكفار ، وأنه يستدعي غالبا خروجا من البلاد ، وسفرا طويلا أوقصيرا ، ويستدعي تزودا بالمال ، ثم يستدعي مقابلة الكفار والتصدي لهم ، ويستدعي الاستعداد للموتِ وللقتلِ ، حيث أن المقاتِل ينصب نفسه أمام العدوِّ ، إما أن يَقتل وإما أن يُقتل ، فهو قادم على ذلك , فكأنه قد فدى بنفسه ، وكأنه قد عزمَ على أن يخوضَ هذه المعركة ليحصل ما حصل ، وأغلى شيء عنده نفسه ، وقد بذلها لله تعالى ، فلا جرم كان أجره أكبر ، قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا} فلذلك حازَ هذا الفضل .
في هذا الحديث قوله: ((انتدب الله)) . وفي رواية:((تضمَّن الله)). وفي رواية:((توكَّل الله)). يعني وعد وعدا صادقًا ، وهو لا يخلِفُ وعده ، أنَّ من خرج في سبيل الله للجهاد في سبيله ، أنه لا يعدم إحدى الحسنيين: إمَّا الجنة إذا قتل شهيدا ، وإمَّا أن يرجعه إلى أهله بما نال من أجر أو غنيمة ، من أجر يحصل عليه مقابلَما حصلَ عليه من التعب والنصب ، يحصل على أجر وعلى ثواب .
وقد ورد أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: ((لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا ومَا عليها)) ، خير من الدنيا . الغدوة: هي السير أول النهار . والروحة: آخر النهار ، أي من سار نصف نهارٍ غازيًا فإن مسيره هذا خير له من أن تحصل له الدنيا بحذافيرها ، وكذلِكَ من راح يعني سار .. أو آخر النهار ، ، فهذا دليل على أنه يحصل على أجر .
ورد في حديث آخر: ((من اغبرت قدماه في سبيل الله لم تمسه النار)) . أو كما في الحديث ، ولما سمع جمع من المجاهدين هذا الحديث نزلوا عن رواحلهم ، وساروا على أقدامهم ؛ يريدون أن تغبَّر أقدامهم ، حيث أنهم قصدوا بذلك الغزو في سبيل الله حتى لا تمسهم النار .

هذا دليل على فضل الجهاد في سبيل الله , فقوله: ((تضمن الله لمن خرج في سبيله والله أعلم بما يجاهد في سبيله ، إن توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى أهله بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ)) . لا شك أنه إذا توفي وهو خارج في هذا السبيل ، أن أجره كبير ؛ وذلك لأنه خرج للجهاد في سبيل الله , فيكون على أجر ، إن سارَ كتب له مسيره ، وإن قال كتب له مقيله ، وإن باتَ كُتب له مبيته ، وكذلك مقابلته للأعداء ونحو ذلك , تُكتب له حسنات .

كذلك أيضا قد ورد أنه يكتب له كل أوقاته التي عملها . لكن يقول في هذا الحديث:((والله أعلم بما يجاهد في سبيله)) . يعني ليس كل من خرج يصير مجاهدا ، فقد ثبت في الصحيح أن رجلا قال: يا رسول الله الرجل يقاتل حمية ، ويقاتل رياء , ويقاتل للمغنمِ ، أي ذلك في سبيل اللهِ ؟ قال:((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل اللهِ)) . فالذي يقاتل حميةً لقبيلة على قبيلة ، أو يقاتل عصبيةً لدولة على دولة ، أو لفئةٍ على فئة ، لا يقاتل هؤلاء لأنهم كفار ، وإنما يقاتلهم ليستغلب عليهم ، أو ليستولي على بلادهم ، أو يقاتلهم لأجل المغنم الذي يحصل عليه من جراء هذا القتال ، ومن آثاره ،أو يقاتلهم ليرى مكانه ، أو نحو ذلك , فما هذا من المجاهدينَ في سبيل اللهِ ، إنما الذي يجاهد في سبيل الله هو الذي قصده نصر الإسلام ، نصر دين الله تعالى ، يستحضر قوله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} , وقوله: {إلا تنصروه فقد نصره الله} , فالنصرُ نصرُ لله ولرسوله ولدينه ، فهذا هو الذي يجاهد في سبيل الله ، لذلك قال: ((والله أعلم بمن يجاهد في سبيله)) .

وبكل حال ضمن الله له أنه إذا مات أن يدخله الجنة ، بل قد أخبر الله تعالى أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون .ونكمل بعد الأذان .
يقول في هذه الحديث:((إن توفَّاه أن يدخِلَه الجنة)) . وقد وردَ في القرآنِ أن الذين قتلوا في سبيلِ الله أحياءٌ عند ربهم يرزقون , وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أرواح الشهداء في أجوافِ طيرٍ خضرٍ, تعلق في شجر الجنة ، تأوي إلى قناديل معلَّقة في الجنة ، وهكذا حتى ترد إلى أجسادِها ، فهذا صفة الحياة التي ذكر الله تعالى أنهم {أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله}.
ولا شك أن المجاهدين في سبيل الله يتعرضون للموت ، يتعرضون للجراح ، يتعرضون للإذلالِ أو مثلا الاستيلاءِ ، أو الأسر أو العذاب من المشركين ، ولكن يحملهم الثقة ، ويحملهم محبة الاستشهاد ، ، أو محبة إظهار الإسلام ونصره ، وإعلاء كلمة الله تعالى , فلأجل ذلك عظُمَ أجرهم وكثر ثوابهم على هذا القصد , كونهم يعرضون أنفسم لذلك .

روي أن عبد الله بن المبارك رحمه الله كان من جملة الذين يغزون في سبيل الله ، وكان هناك علماء بمكة يتعبدون ، ويتقربون بأنواعِ العبادة ، فأرسلَ ابن المبارك إلى الفضيل بن عياض أبياتًا يخبره فيها بعمل المجاهدين ، يقول فيها:
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا = لعلمتَ أنك في العبادة تلعبُ
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا = رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا = قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في = أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا = ليس الشهيد بميت لا يكذب

يصف فيه حالتهم ، أنكم أيها العباد تتعبَّدون في الحرمين ، وأنكم تتطيبون بأنواع الطيب وأنواع العبير ، وأما نحن فنتطيب بالغبارِ ، بالغبارِ الذي ينالنا في سبيل الله ، وأن هذا الغبار أنه سبب مما نتطلبه , إذا كان النبي عليه السلام قال: ((لا يجتمع غبار خيل الله ودخان النار في جوف امرئ)) . فهذا ما نطلبه . فهذا ونحوه من جملة ما يرغبهم في الجهاد في سبيل الله.
أما قولُه صلى الله عليه وسلم: ((ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون دم , والريح ريح المسك)) . الكلم: هو الجرح .

... أما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون دم, والريح ريح المسك)) . الكلم: هو الجرح . والكلوم: هي الجروح , يعني أن المجاهد في سبيل الله إذا أصابه جرح ، أو أصابته شجة وخرج منه دم , فإن ذلك الدم ولو التأم , وذلك الجرح ولو برئ في الدنيا ، ولو سلم من آثاره فإنه إذا جاء يوم القيامة رؤي أثره عليه مثل لون الدم ، ولكن ريحه ريح المسك , يعرف أن هذا ممن جرح في سبيل الله .

ولا يحصل له ألم , إذا كان الجرح مثلا في ذراعه ، ويرى أن هذا يثعب منه هذا اللون الذي لونه لون دم ، ولكن لا يؤلمه ، ولا يحس به ، بل يجد رائحته رائحة عبقة , رائحة طيبة , يجدها أيضا غيره ، ويحس بها , وهذه ميزة وعلامة له . وكذلك لو كانت الشجة في رأسه ، أو في وجهه، أو في موضع من مواضع جسده ، وكذلك لو كثرت هذه الشجاج ، أو هذه الجروح- فإنها كلها تأتي ولونها لون دم . تثعب: بمعنى أنها يخرج منها هذا السائل دون أن يكون له ألم ، فهذا من فضل الجهاد في سبيل الله .

إذا كان هذا في جرح واحد ، فكيف بمن جرح جروحا كثيرة , وإذا كان هذا في جرح فكيف بمن قطع أحد أطرافه, إذا قطعت يده ، أو فقئت عينه ، أو قطع أصبع من أصابع يديه أو رجليه أو نحو ذلك , فإن أجره يكون أكثر . إذا كان هذا في فقد عضو أو جرح أو نحو ذلك , فأعظم من ذلك أن يفقد نفسه ، يعني أن يستشهد , يقتل في سبيل الله , فإنه والحال هذه أعظمُ أجرا ، وأكثر ثوابا .

ويدخل في ذلك أيضا نفقته ، أي ما ينفقه في سبيل الله ، ويجهز به الغزاة في سبيل الله , فإنه ورد في الحديث أن ((من جهز غازيا فقد غزا ، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)). فأصبح هذا الغزو الذي هو جهاد في سبيل الله يكون جهادا بالنفس ، وجهادا بالمال ، وتجهيزا للغزاة , وخلفا لهم في أهليهم بخيرٍ, وكل ذلك دليل على سعة فضل الله تعالى وكثرة جوده على عباده .

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله . قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت)) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)) .
الشيخ: في هذه الأحاديث فضل الخروج في سبيل الله للجهاد ، وفيها بعض أحكام الجهاد , الأحكام التي لها صلة بالقتال في سبيل الله ، ففي الحديث الأول ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس)). وفي الحديث الثاني ((غدوة في سبيل الله خير من الدنيا ، وما عليها)) . والمعنى واحد . الغدوة: المسير أول النهار , من أول النهار يعني من طلوع الشمس إلى نصف النهار يسمى غدوا , كما في قوله: {وإذ غدوت من أهلك} , فالغدو هو المسير أول النهار .والروحة: المسير آخر النهار , أي: من زوال الشمس إلى غروب الشمس يسمى رواحا ، ويسمى المسير فيه روحة .

كانوا يسافرون لهذه الأمور , للقتال في سبيل الله ، فكانوا يقطعون ليالي وأياما يقطعونها في السير على أقدامهم ، أو على خيولهم ، أو على إبلهم لأجل الغزو ، ولأجل الإتيان إلى المشركينَ حتى يقتلوهم ، وحتى يقاتلوهم في عقر دارهم , فأخبر بأنكم إذا سرتم نصف يوم في سبيل الله كان ذلك خيرا لكم أجره من أن تحصل لكم الدنيا بحذافيرها ، من أن يحصل لكم ما تطلع عليه الشمس أو تغرب , وما ذاك إلا أن هذا ولو كان مسيرا عاديا وسفرا عاديا ، ولكنكم سافرتموه لأجل القتال في سبيل الله ، لأجل نصرة دين الله ، ولأجل قتال من كفر بالله ولو لم تبدأوا في القتال ، ما زلتم تسيرون من بلادكم متوجهين إلى بلادهم , فكل يوم أو نصف يوم تسيرونه ثوابه خير لكم من أن تحصل الدنيا ، وما فيها , أن يحصل لكم ثواب الدنيا .

ولا شك أن هذا دليل على أهمية السير في سبيل الله الذي هو الغزو . وكانوا كما ذكرنا قد يسيرون شهرا متوجهين إلى البلاد التي فيها الكفار , إذا ساروا مثلا من المدينة إلى الشام لا يقطعونها إلا في خمس وعشرين يوما ، أو ثلاثين يوما حتى يصلوا إلى بلاد المشركين , كل نهار فيه غدوة وروحة خير لهم من الدنيا وما فيها .

ومعلوم أن القصد هو وصولهم إلى البلاد الكفرية ، وصمودهم عند .. أمام المشركين ، وقتالهم لهم وتوجههم نحوهم، ومبادرتهم ، أو بدؤهم بالقتال ، وصبرهم أمام العدو , هذا هو المقصود , ليس السير إلا وسيلة من الوسائل , فإذا كان السير الذي هو وسيلة من الوسائل فيه هذا الأجر ، وهذا الثواب , فلا شك أن ما سواه وهو الصمود للقتال ، والبدء بهوالصبر عليه وتعريض النفس للقتل ,وكذلك تعريض المال للسلب وللنهب , أن ذلك أكثر أجرا وأعظم ثوابا , وما ذاك إلا أنه هو المقصد ، فالوسيلة هذا فضلها , والمقصد هذا فضله وهذا أجره , أي أجره أكثر وأعظم .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجهاد, فضل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir