دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الأول 1442هـ/27-10-2020م, 09:40 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}

قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)}
هذه الآية استشكلها جماعة من العلماء حتى قال أبو إسحاق الزجاج: (هذه الآية صعبة في التفسير).
وهي آية كريمة جمعت ببديع تركيبها أنواعاً من الدلالات والأدوات البيانية؛ فاتّسعت ألفاظها الموجزة لمعانٍ واسعة متعددة.
ومن تلك الأدوات والدلالات:
1: الجمع بين المعنى الكوني والمعنى الشرعي في قوله تعالى: {وجعلنا} وقوله: {ما كتبناها}.
2: دلالة النص على ذكر القلوب لصفات من المعلوم أن محلّها القلب بداهة.
3: دلالة معنى التعريف بالاسم الموصول في قوله: {الذين اتّبعوه}.
4: تعدد عامل النصب في قوله {رأفة ورحمة ورهبانية}.
5: دلالة تناسب صفات الرأفة والرحمة والرهبانية.
6: تعدد معنى التنوين في قوله تعالى: {ورهبانية}.
7: الجمع بين الاستثناء المتصل والاستثناء المنقطع في قوله تعالى: {إلا ابتغاء رضوان الله}.
8: تعدد مرجع الضمير في قوله تعالى: {فما رعوها حقّ رعايتها}.
9: دلالة معنى النفي في قوله تعالى: {فما رعوها}.
10: دلالة معنى الإضافة في قوله تعالى: {حقّ رعايتها}.

والحديث المفصّل عن هذه الدلالات والأدوات البيانية يطول به المقام، ولذلك سأقتصر على ما يتحرَّرُ به فهم معنى الآية، وينفتح به باب التفكّر في اتساع دلالاتها وشمولها لأصناف أتباع عيسى عليه السلام وأحكامهم.
ولذلك سأبدأ بمعنى الاستثناء في الآية لاتصاله بكثير من هذه الدلالات، وفيه وجهان يجتمعان ولا يتناقضان:
أحدهما: أن يكون الاستثناء منقطعاً؛ والمعنى: ابتدعوا رهبانية لم يفرضها الله عليهم، وإنما ابتدعوها من تلقاء أنفسهم يبتغون بها رضوان الله، وأخطأوا في ذلك، وهذا يصدق على طائفة منهم.
والوجه الآخر: أن يكون الاستثناء متصلاً؛ والمعنى: ابتدعوا طريقة في الرهبانية لم يكتبها الله عليهم، وذلك أن الله لم يكتب عليهم الرهبانية ليغلوا بها في دين الله، ويأكلوا بها أموال الناس بالباطل، ولا يصدّوا الناس بها عن دين الله، وإنما ليبتغوا بها رضوان الله؛ فخالف أكثرهم أمر الله تعالى في ذلك.
ويشهد للمعنى الثاني قول الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)}

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}.
والمستثنون هم الذين أثنى الله عليهم من أصحاب الرهبانية الصحيحة، وهذا الوجه يصدق على طوائف منهم.

وعامل النصب في قوله تعالى: {ورهبانية} يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون هو الفعل المتأخر عنها "ابتدعوا"، ويكون المنصوب بـ"جعل" إنما هو {رأفة ورحمة}، و"الواو" بعدهما للاستئناف، وهذا الوجه لا يتأتّى إلا على المعنى الأول.
والآخر: أن يكون عامل النصب هو الفعل "جعل" وهو هنا جَعْلٌ كونيٌّ؛ فاجتمع في الرهبانية المبتدعة معنيان:
- أن الله جعلها بقضائه وقدره وليس بشرعه.
- وأنهم ابتدعوها.
فدلت على خلق أفعال العباد، وعلى نفي الجبر.

وهذا الوجه يشمل المعنيين الأول والثاني للاستثناء في الآية.

وقوله تعالى: {ما كتبناها}
الكتابة هنا تحتمل معنيين:
أحدهما: الكتابة الشرعية بمعنى فرضناها في دينهم، وهو ما يناسب المعنى الأول.
والآخر: الكتابة القدرية، فيكون الضمير عائداً لمجموع الصفات الثلاث "الرأفة والرحمة والرهبانية" أي: ما جعلها الله في قلوبهم إلا ليبتغوا بها رضوان الله، لكنّ كثيراً منهم فَسَق.
وهذا يفسّر النصّ على ذكر القلوب، فإنه لو لم ينصّ عليها لدلّ على أنّهم تلبسوا بها في جميع أحوالهم في قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم.
فأفاد النصّ على ذكر القلوب على قصور لدى طوائف منهم، فتعبّدوا الله تعالى على جهل، ومنهم من هداه الله.

وقوله تعالى: {فما رعوها} مرجع الضمير على المعنى الأول إلى الرهبانية، وعلى المعنى الثاني إلى الصفات الثلاث.
ومعنى النفي في قوله تعالى: {فما رعوها حقّ رعايتها} يحتمل أمرين:
أحدهما: نفي كمال الرعاية، أي: لم يقوموا كلّهم بما ينبغي من الرعاية الفاضلة التامّة.
والآخر: نفي الرعاية الواجبة، أي: لم يقوموا بالقدر الواجب من الرعاية.
وإسناد النفي إليهم يكون على إرادة العموم إذا أريد نفي كمال الرعاية، أو على التغليب إذا أريد واجب الرعاية؛ فإنّ الأكثر إذا لم يقم بواجب رعايتها صحّ إسناد نفي الرعاية لهم على التغليب.

والإضافة في قوله تعالى: {حق رعايتها} إضافة صفة إلى موصوف، والأصل: رعايتها الحقّ؛ وذلك لتفخيم واجب الرعاية، وليتسع الوصف لأصناف المقصودين؛ فإن منهم من أدى بعض الرعاية.


فانظر كيف دلّت هذه الآية الكريمة، بألفاظ موجزة، وتركيب بديع على معانٍ واسعة، شملت طوائف أتباع عيسى عليه السلام، وأحكامهم، بإيجاز بديع، وإنصاف للمؤمن منهم، وبيان لحال أكثرهم.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir