وقال المرار بن منقذ أيضًا
وقد مضى نسبه ولم يروها أبو عكرمة ورواها أحمد ورواها ثعلب وغيرهما.
1: عجب خولة إذ تنكرني.......أم رأت خولة شيخًا قد كبر
ويروى أن رأت، يقول: (عجب) قول (خولة إذ تنكرني) مع معرفتها بي أي هي عجب في هذا الفعل، ثم قال: (أم رأت خولة شيخًا قد كبر)، هذا كقولهم: إنها لإبل ثم قال بعد أم شاء ويروى عجبت خولة.
2: وكساه الدهر سبًا ناصعًا.......وتحنى الظهر منه فأطر
قال أحمد: ويروى (فانأطر السب) الخمار، و(الناصع) ههنا الأبيض، وكل ما خلص فقد نصع.
و(أطر) حني وانأطر انحنى، و(الأطر الحني) فيمن قال حناه يحنيه ومن قال يحنوه قال الحنو، يقال أطره يأطره أطرًا، ومنه إطار المنخل وهو الدائر حوله من خشب، ومنه الحديث ((حتى تأطروهم على الحق)) أي تعطفوهم.
3: إن ترى شيبًا فإني ماجد.......ذو بلاء حسن غير غمر
يقول لا يغمك ما ترين من شيبي ولا تعيبيني فإني مع ما ترين من شيبي ناجد، أي كثير أفعال الخير واسعها، ومنه قولهم أمجد الدابة علفًا أي زده منه، قوله (ذو بلاء) والبلاء الاختبار، و(البلاء) من البلوى ومنه: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}، قال الفراء يقول فيما كان يصنع بكم فرعون من أصناف العذاب بلاء عظيم من البلية، ويقال نعم عظيمة من ربكم إذا نجاكم منهم، قال والبلاء يكون نعمًا وعذابًا ألا ترى أنك تقول إن فلانًا لحسن البلاء عندي تريد الإنعام عليك، ذو بلاء ذو نعم وآثار جميلة، (غير غمر) والغمر الذي لم يجرب الأمور أي إني مجرب ومجرب.
4: ما أنا اليوم على شيء مضى.......يابنة القوم تولى بحسر
قوله (بحسر) أي بذي حسرة ويقال وجدت حسرة على ذلك الأمر وهو شبيه بالحزن، والمعنى لست بذي حسرة على شيء فات، عندي عزاء وجلد إذا فاتني شيء لم يتعلق قلبي به ولم آس عليه.
يقال أسي يأسى أسى أي حزن وأسا الجرح يأسوه إذا عالجه وداواه، وآسه يؤوسه إذا عوضه وأعطاه، يصف قوة قلبه وجلده، وإنما يعرض بها أي إن صرمت حبلي لم آس عليك ولم أجزع على مفارقتك.
5: قد لبست الدهر من أفنانه.......كل فن حسن منه حبر
ويروى: (كل فن) ناعم منه حبر، و(حبر): ذو منظر حسن محبر، والمحبر: المحسن، يقال ذهب حبر الشباب من وجه فلان أي: ذهب ماؤه وزبرجه وهو حسنه، و(أفنان): جمع فن وهي الضروب منه.
6: وتعللت وبالي ناعم.......بغزال أحور العينين غر
7: وتبطنت مجودًا عازبًا.......واكف الكواكب ذا نور ثمر
(تعللت) تمتعت منها مرة بعد مرة، مأخوذ من العلل وهو الشرب بعد الشرب الأول، قال الأصمعي: ما أدري ما أحور العينين وإنما الحور البياض، قال أبو عمرو بن العلاء: ليس في الإنس حور وهو في الوحش لأن الحور سواد المقلة كلها، (تبطنت): دخلت في جوف غيث أي ما أنبت المطر، أطلب فيه الصيد، (مجودًا): أصابه الجود من المطر، و(العازب) الذي لا يرعاه أحد عزب عن الناس، ويقال قد جيدت الأرض، فهي مجودة من المطر الجود، وأنشد في العازب مثله:
عزبت وباكرها الشتاء بديمة.......وطفاء تنزعها إلى أصبارها
يقال: قد أخذ الشيء بأصباره أي بجماعته، ومثل الأول قول أبي النجم: وعازب نور في خلائه، وكوكب كل شيء معظمه.
8: ببعيد قدره ذي عذر.......صلتان من بنات المنكدر
(ببعيد): أي بفرس واسع الشحوة أي ما بين الخطوتين، و(صلتان) منجرد في عدوه، ويقال مر منصلتًا إذا مر مرًا سريعًا، ويقال للعقاب إذا انقضت انصلتت منقضة، ويقال رجل صلت الجبين أي لا شعر فيه أملس.
و(عذر) جمع عذرة وهو شعر الناصية.
9: سائل شمراخه ذي جبب.......سلط السنبك في رسغ عجر
إذا دقت الغرة فانصبت سميت (شمراخًا وذي جبب) يقول بياضه قد صعد من الرسغ إلى الوظيف، يقال فرس محبب إذا بلغ البياض إلى أنصاف الوظيفين من اليدين والرجلين، يقال ما أحسن جبة فرس فلان، وسلط طويل والعجر الغليظ، و(السنبك) مقدم الحافر.
10: قارح قد فر عنه جانب.......ورباع جانب لم يتغر
إذا ألقى الفرس السن التي وراء الرباعية فذلك قروحه يقال فرس قارح وكذلك الأنثى، يقول (قد فر أحد جانبيه) فوجد قد قرح وهو رباع من الناحية الأخرى، وقوله (لم يتغر) والاتغار: سقوط السن، يقال ضرب فلان فلانًا فثغره أي طرح أسنانه.
11: فهو ورد اللون في ازبئراره.......وكميت اللون مالم يزبئر
(الورد بين الكميت) الأحمر وبين الأشقر، و(الازبئرار): الانتفاش، فيقول إذا دجا شعره، وسكن استبانت كمتته، فإذا ازبأر استبان أصول الشعر، وأصوله أقل صبغًا من أطرافه، قال أحمد: المعنى أنه إذا كثر شعره فهو ورد اللون، فإذا سقطت عنه تلك الشعرة وطرت له شعرة جديدة رجع إلى لون الكميت.
12: نبعث الحطاب أن يغدى به.......نبتغي صيد نعام أو حمر
ويروى إن نغدو به، يقول (نبعث الحطاب) ثقة منا بصيده، وإنما أراد قول امرئ القيس:
إذا ما غدونا قال صاحب رحلنا.......تعالوا إلى ما يأتنا الصيد نحطب
ويروى قال ولدان أهلنا، جعل نحطب جوابًا لتعالوا، ويجوز أن تجعل تعالوا مكتفية وتجعل ما شرطًا وجوابها نحطب.
13: شندف أشدف ما ورعته.......فإذا طؤطئ طيار طمر
(الشندف): كالميل في أحد الشقين، (ما ورعته) كففته، فهو يعترض، (طؤطئ): أي دفع وأسرع به، ويقال طأطأ
الركض في ماله أي أسرع إنفاقه، و(الطمر): المشرف، وإنما قال (طؤطئ) أي إذا صببته في آثارهن، والصب المطأطأة ومثله يمشي في صبب أي مطأطأة، ومثله قول امرئ القيس:
كأني بفتخاء الجناحين لقوة.......على عجل مني أطأطئ شملالي
و(طيار) فعال من الإشراف، قال أحمد (طؤطئ) حمل على السرعة.
14: يصرع العيرين في نقعهما.......أحوذي حين يهوي مستمر
ويروى (نقعيهما)، يريد إذا طرد العير لم يخرج من غباره حتى يصرعه، أي لا يجوزه، قيقول يوالي بين عيرين قبل أن يتميزا، و(الأحوذي): الجاد في أمره الناجي، ويروى: (يصرع) العلجين في (نقعيهما)، العلجان: الحماران الغليظان، يريد أنه طرده وصرعه مكانه، ومثله قول النمر بن تولب:
يرد علينا العير من دون إلفه.......ببلقعة والنقع لا يتزيل
15: ثم إن ينزع إلى أقصاهما.......يخبط الأرض اختباط المحتفر
ويروى (ينزع) أي هو ينزع، (ينزع): يكف (إلى أقصاهما) أي عند أقصاهما، بعد أن قتلهما (يخبط الأرض) من نشاطه ومرحه، يقول فكف عند أقصى المديين بعد أن قتلهما من فرط نشاطه لم يكسره صيدهما، ويروى: يعبط الأرض اعتباط المحتفر.
16: ألز إذ خرجت سلته.......وهلا نمسحه ما يستقر
(ألز): أي مجتمع بعضه إلى بعض، و(السلة): أن يكبو الفرس فيرتد ذلك الربو فيه فينتفخ فيقال من الغد أخرج سلته فيركض ركضًا يسيرًا ويعرق ثم يؤتى به فتلقى عليه الجلال، ويعرق فتلك السلة وهلا أي كأن به فزعًا يقال وهل يوهل وهلاً فهو وهل إذا فزع قال الغنوي:
فقلت لها لما رأيت الذي بها.......من الشر لا تستوهلي وتأملي
أبو عمرو: وهل وهم، قالت عائشة وهل: ابن عمر.
17: قد بلوناه على علاته.......وعلى التيسير منه والضمر
يقول هو يتيسر للجري: وهو كأنه يهيأ له ذلك، ويقال: مر يتيسر للجري.
18: فإذا هجناه يومًا بادنًا.......فحضار كالضرام المستعر
يقول: (إذا هجناه بادنًا) وجدنا عنده من الجري ما نحتاج إليه، لا يضيره بدنه ولا يقطعه كثرة اللحم عن الجري والضرام هو الهدب الذي تسرع فيه النار، قال أحمد: وهو ما رق ودق من الحطب.
19: وإذا نحن حمصنا بدنه.......وعصرناه فعقب وحضر
قوله (حمصنا بدنه) يقال انحمص البطن وانحمص الجرح إذا ذهب ورمه (وعصرناه) ركضناه وألقينا عليه الجلال حتى انعصر عرقه، و(العقب) جري يجيء بعد جري، ثم أحضر بعد ذلك كقول الآخر: وفي العقب مرجما.
20: يؤلف الشد على الشد كما.......حفش الوابل غيث مسبكر
قوله (يؤلف الشد) أي يثني شدًا مع شد يقال آلف أي جمع بين اثنين، و(الحفش) شدة الدفعة، و(الوابل): المطر الضخم القطر الشديد الوقع، يقول فهذا الغيث حفش الوابل فدفعه دفعًا شديدًا، و(المسبكر): المسترسل المنبسط، ويقال شعر مسبكر، قال رؤبة في الحفس: بعد احتضان الحظوة الحفوش، و(الحفوش) التي تحفل بودها كله، قال أحمد: الحفوش التي تخرج كل شيء عندها.
21: صفة الثعلب أدنى جريه.......وإذا يركض يعفور أشر
قوله (صفة الثعلب) قال يقال للفرس إذا مر يقرب مر يعدو الثعلبية، يعفور: ظبي، (أشر): نشيط.
22: ونشاصي إذا تفزعه.......لم يكد يلجم إلا ما قسر
قوله (ونشاصي): يقال للغيم المرتفع نشاص، ونشصت المرأة على زوجها أي نشزت عليه وارتفعت، ورواها أبو عبيدة: وشناصي وقالوا هو الشديد الجواد، وما طال فقد نشص ونشز وهما واحد، وقال الأعشى:
تقمرها شيخ عشاء فأصبحت.......قضاعية تأتي الكواهن ناشصا
أي: ناشزا، وتقمرها قال هذا مثل يقال تقمر الرجل الصيد إذا جاءه بنار في الليل حتى إذا عشي بصره غطى النار وأخذه، يقول أخذ الشيخ بعينيها، وذهب بها، فصارت تعقل ونشزت عن زوجها، وقوله شيخ كناية وليس بشيخ، ومثله:
يا رب شيخ من لكيز وحوح.......يغدو بداو ورشاء مصلح
وحوح يوحوح من الحرص كأنه يقول وح وح، فصارت تأتي الكواهن تقول لهم انظروا ما بي إن بي نظرة، قضاعية أي سلكت هذا الشق، أي أنها كانت تأتي الكواهن من تلك الناحية، قال أحمد المعنى: أعجبها جماعه ولم يعجبها وجهه وسنه، فبقيت تتعجب كيف ذهب بقلبها شيخ وسحرها، وهذا ليس من فعل الشيوخ، قال أحمد: يوحوح من ثقلها عليه كما يوحوح الرجل من البرد إذا أصابه: ووحوح في حضن الفتاة ضجيعها.
23: وكأنا كلما نغدو به.......نبتغي الصيد بباز منكدر
يقول: (كأنا نغدو) نطلب الصيد بباز من سرعة هذا الفرس، (منكدر): منقض، قال أحمد: منكدر منصب.
24: أو بمريخ على شريانة.......حشه الرامي بظهران حشر
(المريخ) سهم يغلى به، قال امرؤ القيس: كالمريخ أرسله الغالي، وقال الآخر: وقوسك شريانة ونبلك جمر الغضا، و(الشريانة): شجرة تتخذ منها القسي، (حشه) أي أوقده وأحماه بها، أي ليكون أبعد لمذهبه، و(الظهران) الجانب القصير من الريشة، و(حشر): جمع حشر، وهو الملطف القذ والقذ قطع أجود الريش.
قال أحمد: القذ تحذيف الريش وتسويته، ومنه رجل مقذذ أي مستوي الهيئة حسنها، حشه عمله وملأه بما يحتاج إليه من جودة الريش.
25: ذو مراح فإذا وقرته.......فذلول حسن الخلق يسر
(ذو مراح): أي ذو نشاط، (يسر): سهل الأمر، (ذلول): ليس بصعب.
26: بين أفراس تناجلن به.......أعوجيات محاضير ضبر
(تناجلن به): تناسلن به، أي نجلته هذه ونجلته هذه، (أعوجيات): منسوبات إلى أعوج، وهو فحل كان لغني، و(الضبر): أن يجمع قوائمه ثم يثب، ويقال تضبر القوم إذا تجمعوا.
27: ولقد تمرح بي عيدية.......رسلة السوم سبنتاة جسر
(عيدية): منسوبة إلى العيد حي من مهرة، (رسلة): سهلة، و(السوم): المر، (سبنتاة): جريئة الصدر و(جسر): جسور، يقال: خله وسومه أي ومره ويقال سبنداة وسبنتاة وأنشد:
تعرضي مدارجا وسومي.......تعرض الجوزاء للنجوم
28: راضها الرائض ثم استعفيت.......لقرى الهم إذا ما يحتضر
(استعفيت): أي تركت، لم تركب حتى تعفو أي يكثر لحمها وشحمها، وقوله (لقري الهم) أي اجعل ناقتي هذه قري الهم، جعل الهم لما نزل به كأنه ضيف، قال أحمد: أي تركت لم تركب حتى إذا نزل الهم واحتضر ركبت، يقول (استعفيت) حتى يعفو أي يتم أمرها في سمنها ويذهب دبرها.
قال الراعي:
طرقا فتلك هماهمي أقريهما.......قلصا لواقح كالقسي وحولا
29: بازل أو أخلفت بازلها.......عاقر لم يحتلب منها فطر
يبزل البعير لتسع سنين، وقوله (أخلفت) يقال بعير مخلف البزول إذا أتى عليه عام بعد البزول، وقوله (فطر) يقول ما فطر منها أحد شيئًا أي ما احتلب أحد شيئًا منها، وقد فطرها يفطرها فطرًا قال أحمد: (الفطر) أقل الحلب، يقول لم تحتلب البتة، لم يؤخذ منها ما يفطر.
30: تتقي الأرض وصوان الحصى.......بوقاح مجمر غير معر
(الصوان): المكان الذي فيه غلظ، فأراد الصوان الذي فيه حصى، و(الوقاح): الصلب، و(المجمر): المجتمع، و(المعر): الذي ذهب ما يلي مناسمه من الشعر، فيقول ليست كذلك.
31: مثل عداء بروضات القطا.......قلصت عنه ثماد وغدر
(عداء): حمار يعدو: فعال من العدو، و(روضات القطا): موضع يقال له روض القطا، (قلصت عنه): أي ارتفعت، و(الثماد): ركايا يحقن فيها ماء السماء ثم ترده تبرض به: أي تخرجه قليلاً قليلاً، والغدر: جمع غدير، أماكن يمر بها السيل فيغادر فيها الماء أي يتركه، و(الثماد): بقايا الماء وإنما أراد ههنا الندى، أي جف وذهب.
32: فحل قب ضمر أقرابها.......ينهس الأكفال منها ويزر
(قب): ضوامر البطون، و(أقرابها): كشوحها، والكشح: الخصر، و(يزر): يعض، وإنما يصف حمارًا وآتنه.
33: خبط الأرواث حتى هاجه.......من يد الجوزاء يوم مصمقر
(مصمقر): شديد الحر، لم يزل في خصب يروث على البقل حتى جاء الصيف.
34: لهبان وقدت حزانه.......يرمض الجندب منه فيصر
(لهبان): وهج الحر، (وقدت): توقدت، (حزانه): جمع حزيز وهو الغليظ من الأرض المنقاد، ويقال رمض الرجل يرمض إذا اشتدت عليه الرمضاء وأحرقته، فيقول يحترق صدر الجندب فيضرب برجله في جناحه فتسمع له صريرًا.
35: ظل في أعلى يفاع جاذلاً.......يقسم الأمر كقسم المؤتمر
(اليفاع): المرتفع من الأرض، (جاذلاً): منتصبًا كأنه جذل، يعني الحمار، و(المؤتمر): الذي اختار أمرًا لنفسه.
36: ألسمنان فيسقيها به.......أم لقلب من لغاط يستمر
أي أقام يقسم أمره أيوردها (سمنان أم القلب)، وقيل السمنان هو موضع لم يعرف ثابت السمنان، ولم يروه، قال أبو بكر: قال أبي القلب: جمع قليب.
37: وهو يفلي شعثًا أعرافها.......شخص الأبصار للوحش نظر
وروي أعرافها بالنصب، يقول قد حبس هذا الفحل أتنه لا يدعهن يرعين حتى يجيء الليل فيرسلهن.
فهن ينظرن إلى (الوحش) بالفلاة يشتهين أن يكن معهن، والحمر إذا حبست تفالت، أي جعل ذا يكدم ذا، ويفلي يفاليها وتفاليه تشاغلاً عن طلب الورد، كما قال أوس:
وظلت تفالي بالستار كأنها.......ربيئة جيش فهو ظمآن خائف
ومثله قول الشماخ:
وظلت تفالي باليفاع كأنها.......رماح نحاها وجهة الريح راكز
يقول فهي آمنة أيضًا، فهي تفالي إلى أن تمسي فيوردها الماء، ويروى فيرد بها.
38: ودخلت الباب لا أعطي الرشى.......فحباني ملك غير زمر
ويروى وولجت الباب، (الزمر): الضيق القليل المروءة، وشاة زمرة قليلة الصوف، ومنه قول ابن أحمر يصف فرخ القطا:
مطلنفئا لون الحصى لونه.......يحجز عنه الذر بريش زمر
أي قليل حين نبت أي هو صغير، مطلنفئًا: لاطئًا لاصقًا بالأرض.
38: كم ترى من شانئ يحسدني.......قد وراه الغيظ في صدر وغر
يقال (وراه الغيظ ووراه الحسد) أي أفسد جوفه، وغر ذو وغر، و(الوغر): حر وغم يجده في صدره من شدة الغيظ، ويقال لأولاد الضأن إذا شربن اللبن جارًا قد وراهن أي أفسد أجوافهن، وأنشد:
وراهن ربي مثل ما قد ورينني.......وأحمى على أكبادهن المكاويا
أي: أفسد ربي أجوافهن كما أفسدن جوفي، و(الوري): الداء بسكون الراء وأنشد:
قالت له وريا إذا تنحنح.......يا ليته يسقى على الذرحرح
وحكاه الفراء بالسكون والفتح، ولا أعلم أحدًا حكاه غيره إلا من حكاه عنه.
40: وحشوت الغيظ في أضلاعه.......فهو يمشي حظلانًا كالنقر
(الحظلان): أن يحظل بعض مشيه أي يكف منه، يقال حظل الرجل إذا قصر في الإنفاق، وقوله( كالنقر) يقال شاة نقرة إذا التوى عرق في ساقها أو فخذها فحظلت بعض مشيها وأنشد ابن الأعرابي:
فما يخطئك لا يخطئك منه.......طبانية فيحظل أو يغار
أي: يمنع، قال أبو عمرو يحظل في المشي بالفتح، ويحظل في المشي بالضم.
41: لم يضرني ولقد بلعته.......قطع الغيظ بصاب وصبر
(الصاب): لبن شجرة إذا أصاب العين حلبها وأحرقها، وقوله (بصاب) أي يبكي عينيه، (وصبر) أي شيء مر مشربه، أي مررت عليه عيشه.
42: فهو لا يبرأ ما في نفسه.......مثل ما لا يبرأ العرق النعر
(النعر): الذي ينعر دمه أي يرتفع دمه، وقال الطهوي: ضرب دراك وطعنا ينعر، ويروى (مثل ما لا) يرقأ.
43: وعظيم الملك قد أوعدني.......وأتتني دونه منه النذر
أي: (وأتتني) قبل أن أصل إليه، و(النذر): جمع نذيرة، يقال جاءتني النذيرة من فلان، و(النذر) أي إنذاره إياي، أي نذر دمي ينذر وينذر، وأنشد:
تجانف رضوان عن ضيفه.......ألم تأت رضوان عني النذر
أي: الإنذار وأنشد أحمد للقطامي:
أتاني من الأزد النذيرة بعدما.......تناشد قولي بالعراق المجالس
قال: ويقال نذيرة ونذائر.
44: حنق قد وقدت عيناه لي.......مثل ما وقد عينيه النمر
(وقدت عيناه) من الغيظ، كأنها تلتهب علي غيظًا، و(عينا النمر) إذا اغتاظ كذلك، و(الحنق): شدة الغيظ.
45: ويرى دوني فلا يسطيعني.......خرط شوك من قتاد مسمهر
ويروى ولا يسطيعني، ومسمهر شديد والاسمهرار: الشدة.
46: أنا في خندف من صيابها.......حيث طاب القبص منه وكثر
(صيابها): خالصها ووسطها، و(القبض): العدد الكثير، ويقال هو من صيابهم أي خالصهم، وقال ذو الرمة:
ومستشحجات بالفراق كأنها = مثاكيل من صيابة النوب نوح المستشحجات: المصوتات وهن: الغربان، وصيابة النوب: خيارهم.
47: ولي النبعة من سلافها.......ولي الهامة منها والكبر
(ولي النبعة) أي: أنا في المغرس الجيد لست من رديء الشجر و(السلاف) من تقدم من القوم وهو ههنا من تقدم في الشرف، (ولي الهامة) يقول أنا في موضع الرأس والعز (والكبر) معظم الأمر، يقول لست من خشاش الشجر، ويقال سلفوا ضيفكم ولهنوه أي قدموا له شيئًا يتعلل به يأكل قبل مجيء الطعام.
48: ولي الزند الذي يورى به.......إن كبا زند لئيم أو قصر
قوله (ولي الزند الذي يورى به) هذا مثل، حكى لنا ابن الأعرابي يقال رجل يوري إذا طلب أمرًا أدركه، فيقول أنا في الموضع الذي إذا طلبت أمرًا أدركته، ويقال وريت بك زنادي وورت ووري أي قوي بك أمري حتى أدرك حاجتي وما أريد، ويقال (كبا الزند) إذا لم يخرج نارًا، وقد أكبى الرجل إذا لم تخرج نار زنده وقد (كبا) الفرس إذا عدا ثم لم يعرق، فيقول (إن كبا زند لئيم) أي لم يبلغ شيئًا (أو قصر) عن أن يدرك شيئًا أو أمرًا بلغت أنا.
49: وأنا المذكور من فتيانها.......بفعال الخير إن فعل ذكر
50: أعرف الحق فلا أنكره.......وكلابي أنس غير عقر
51: لا ترى كلبي إلا آنسًا.......إن أتى خابط الليل لم يهر
52: كثر الناس فما ينكرهم.......من أسيف يبتغي الخير وحر
ويروى: (وكلابي أنس غير عقر)، و(خابط الليل) الذي يجيء، من غير يد ولا رجم، ويروى: (كثر الناس فما ينكرونهم)، و(الأسيف): المملوك والعسيف: الأجير، قال أبو بكر قال أبي ينكرهم للكلب وينكرنهم للكلاب.
53: هل عرفت الدار أم أنكرتها.......بين تبراك فشسي عبقر
كل غليظ: (شس وتبراك وعبقر): موضعان معروفان وأنشد:
وأمست بشس مكدم تلعاته.......نفى الرق عنها فهو أشهب كالح
عن أبي عمرو: حاشية إنما البيت هكذا:
فلو أنها طافت بظنب معجم.......نفى الرق عنه جدبه فهو كالح
شس: غليظ، مكدم: أي قد كدم نبته لأن البلد مجدبة، والرق: جمع رقة، يقول نفى هذا الموضع عنها رقة الأرض، ثم جمع فقال الرق، أشهب: لا نبت فيه، وكالح: مقشعر، قال أحمد: أشهب قد يبس نبته وذهبت خضرته.
54: جر السيل بها عثنونه.......وتعفتها مداليج بكر
(عثنونه): أوله وهو مثل، أي جرر منه مثل العثنون، (وتعفتها) أي عفتها، ويقال تظلمني فلان أي ظلمني، و(مداليج) الرياح أي تدلج عليها بالليل، و(تبكر) عليها بالنهار.
55: يتقارضن بها حتى استوت.......أشهر الصيف بساف منفجر
(يتقارضن): أي تفعل هذه مثل ما تفعل هذه، وقوله (أشهر الصيف) أي في أشهر الصيف، و(السافي): ما سفت الريح من التراب، (منفجر): أي انفجر التراب عليها انفجارًا، فيقول استوت تلك المنازل وذهبت معالمها.
56: وترى منها رسومًا قد عفت.......مثل خط اللام في وحي الزبر
(الوحي): نقش الكتاب في كل شيء، و(الزبر): الكتاب، أبو عمرو: (الزبر): الكتب، زبور وزبر مثل كفور وكفر.
57: قد نرى البيض بها مثل الدمى.......لم يخنهن زمان مقشعر
(لم يخنهن) أي: لم يعشن في بؤس.
58: يتلهين بنومات الضحى.......راجحات الحلم والأنس خفر
يقول هن (راجحات الأنس)، وهو المحادثة والمؤانسة في عفة، فيقول أنسهن مع رزانة وحلم لا مع خفة وطيش، و(الخفرات): الحييات.
59: قطف المشي قريبات الخطى.......بدنًا مثل الغمام المزمخر
(الزمخر) والمشمخر والزمخر واحد وهو: المرتفع، وإذا ارتفع الغمام رق وصفا وابيض، وإذا دنا فهو أسود. ويروى الغمام الزمخر.
60: يتزاورن كتقطاء القطا.......وطعمن العيش حلوًا غير مر
قوله (كتقطاء القطا) يريد مقاربة الخطو، أي: عشن عيشًا طيبًا حلوًا لم تنزل بهن فيه شدة.
61: لم يطاوعن بصرم عاذلاً.......كاد من شدة لوم ينتحر
يقول وصلنني ولم يطاوعن العاذل الذي أمرهن بصرمي، فكاد (ينحر) نفسه غمًا لما عصينه.
62: وهوى القلب الذي أعجبه.......صورة أحسن من لاث الخمر
(لاث) عمامته: أدارها، يقال لاث الرجل عمامته يلوثها لوثًا أدارها، (وهوى القلب ما أعجبه)، أي أحسن من اختمر، يريد (أحسن) النساء.
63: راقه منها بياض ناصع.......يؤنق العين وضاف مسبكر
ويروى وفرع (مسبكر) أيضًا، راقه: أعجب عينيه، وامرأة رائقة تعجب عيني من نظر إليها، (ناصع): خالص، (يؤنق): يعجب، (مسبكر): منبسط مسترسل.
64: تهلك المدارة في أفنانه.......فإذا ما أرسلته ينعفر
(أفنانه): ذوائبه. (ينعفر): يصيبه (العفر) أي التراب من طوله.
65: جعدة فرعاء في جمجمة.......ضخمة تفرق عنها كالضقر
الضفر جمع ضفيرة الشعر، ويقال الضفر جمع ضفير وهو حبل يضفر ولا يدار فتله كهيئة النسع، شبهه بالحبل المضفور الذي لم يدر فتله يجعل على خلقة النسعة.
66: شادخ غرتها من نسوة.......كن يفضلن نساء الناس غر
قيل (شادخ) إذا انتشرت الغرة في الوجه، قيل شدخت فأراد أنها كريمة.
67: ولها عينا خذول مخرف.......تعلق الضال وأفنان السمر
(الخذول): التي تتخلف على ولدها وتدع صواحبها، (مخرف): دخلت في الخريف، (تعلق): أي تأخذ، و(الضال): السدر البري، (وأفنان): أغصان.
68: وإذا تضحك أبدى ضحكها.......أقحوانًا قيدته ذا أشر
(قيدته): ضربت فيه بأبرة ثم أسفته نؤورا، و(الأشر): جمع أشر وهو مثل التحزيز يكون في أسنان الغلام والجارية أول ما يدركان قبل أن يأكلا، وقال آخر: لها أقحوان قيدته بأثمد، أي قيدته بإبرة ثم أسفته نؤورًا.
69: لو تطعمت به شبهته.......عسلاً شيب به ثلج خصر
70: صلتة الخد طويل جيدها.......ناهد الثدي ولما ينكسر
قوله (خصر): بارد، قال أحمد ناهد أحسن من ضخمة، (صلتة الخد) أي منجردة الخد ليست برهلة، (ناهد): مرتفعة، يقال نهدنا للقوم إذا ترفعنا لهم.
71: مثل أنف الرئم ينبي درعها.......في لبان بادن غير قفر
يقول هو ثدي أخنس ليس بمحدد الطرف، (في لبان): أي في صدرها، (بادن): مكتنز من اللحم، و(قفر): قليل اللحم، يقال امرأة قفرة.
72: فهي هيفاء هضيم كشحها.......فخمة حيث يشد المؤتزر
(الهيفاء): الضامرة البطن و(هضيم الكشح): ضامرة الكشح، و(الكشح): ما بين آخر الضلوع إلى الورك، (فخمة): ضخمة العجيزة.
73: يبهظ المفضل من أردافها.......ضفر أردف أنقاء ضفر
ويروى (يبهظ المفضل)، أي تملؤه، يقال بهظني الأمر أي ملأ صدري، و(المفضل): الثوب الذي يتفضل فيه.
و(الضفر): جمع ضفرة وهي الرملة العظيمة المتعقدة و(الأنقاء): جمع نقا من الرمل وهو الصغير منه، فيقول كأن عجيزتها رملاً أردف رملاً.
74: وإذا تمشي إلى جاراتها.......لم تكد تبلغ حتى تنبهر
75: دفعت ربلتها ربلتها.......وتهادت مثل ميل المنقعر
(الربلة): اللحمة في باطن الفخذ يقول اصطك باطن فخذيها، (وتهادت): تدافعت، و(المنقعر): المنقلع من أصله. فأراد كما تميل النخلة التي تنقطع من أصلها.
76: وهي بداء إذا ما أقبلت.......ضخمة الجسم رداح هيدكر
(البداء): التي كان فيها فججًا من ضخم فخذيها، و(الرداح): الثقيلة العظيمة، و(هيدكر) يقال مرت تهدكر أي: تترجرج.
77: يضرب السبعون في خلخالها.......فإذا ما أكرهته ينكسر
ويروى (تضرب السبعون)، قال أحمد يعني سبعين مثقالاً، فيعجز عنها (فينكسر) من امتلاء ساقها.
78: ناعمتها أم صدق برة.......وأب بر بها غير حكر
(حكر): عسر، ويروى: (وأب يكرمها غبر حكر)، قال أحمد: يعني أنه لا يدخر عنها شيئًا، كما يحتكر الرجل يجمع ويمنع نفسه وولده.
79: فهي خذواء بعيش ناعم.......برد العيش عليها وقصر
(خذواء): ناعمة متثنية، (برد العيش عليها): أي طاب لها وثبت لها، ويقال وقعوا في سنة (خذواء): أي ناعمة متثنية.
80: لا تمس الأرض إلا دونها.......عن بلاط الأرض ثوب منعفر
(البلاط): المستوي من الأرض (منعفر): أصابه العفر وهو التراب.
81: تطأ الخز ولا تكرمه.......وتطيل الذيل منه وتجر
82: وترى الريط مواديع لها.......شعرًا تلبسها بعد شعر
(الريط): جمع ريطة وهي الملحفة التي ليست بملفقة، أي لا (تطأ) إلا على ثيابها، لا تصل قدماها إلى الأرض، ومثله لطرفة:
ثم راحوا عبق المسك بهم.......يلحفون الأرض هداب الأزر
ويروى (تطأ الريط ولا تكرمه)، (مواديع): جمع ميدع وهو الثوب الذي تودع به المرأة ثياب صونها، وهي المباذل أيضًا، قال أحمد: (مواديع لها) أي تبتذله شعارًا بعد شعار، تبتذله لأنها تودع فيه ثيابها.
83: ثم تنهد على أنماطها.......مثل ما مال كثيب منقعر
84: عبق العنبر والمسك بها.......فهي صفراء كعرجون العمر
قوله (تنهد) كأنها تنكسر، (عبق المسك): ما يعلق منه، و(عبق) به الطيب أي علق، (فهي صفراء) من الطيب، و(العرجون): عود الكباسة، و(العمر): نخلة السكر، وإنما شبهها بهذا لأنه تشتد صفرته، فيقول قد عبقت واصفرت من كثرة الطيب والنعيم.
85: إنما النوم عشاء طفلاً.......سنة تأخذها مثل السكر
قوله: (إنما النوم) يقول إنما نومها (عشاء طفلاً)، أي حين تطفل الشمس للغروب، فيقول هي نؤوم، و(السنة): النعاس، فيقول يغلبها النعاس في ذلك الوقت، أي ليست ممن تسهر، و(سنة): نعسة.
86: والضحى تغلبها وقدتها.......خرق الجؤذر في اليوم الخدر
قال أحمد رقدتها، وأنكر (وقدتها) وهي الرواية المعروفة أي (وقدتها)، إذا ارتفع النهار قليلا فسخن عليها ذلك حتى تنام، و(خرق الجوذر) أن يبقى متحيرًا سدرًا فلا يقدر على الحركة، و(الخدر): البارد، ويقال (الخدر) المسترخي كما تخدر الرجل والمعنى (خرق الجؤذر الخدر في اليوم)، وقوله (في اليوم) أراد أن يصف اليوم فحذف الصفة ظن أنه قد استغنى بالخدر عن صفة اليوم وخبره، كما قالوا جحر ضب خرب.
87: وهي لم يعصر من أردانها.......عبق المسك لكادت تنعص
88: أملح الخلق إذا جردتها.......غير سمطين عليها وسؤر
(الأردان): الأكمام، و(السمط): النظم من اللؤلؤ (وسؤر): جمع سوار، كأنه يقول لو (جردتها) لحسبت الشمس في جلبابها أي في قميصها منسفرًا أي منقشعًا وقوله (إذا جردتها) أي لو جردتها، فمن ثم قال لحسبت.
89: لحسبت الشمس في جلبابها.......قد تبدت من غمام منسفر
90: صورة الشمس على صورتها.......كلما تغرب شمس أو تذر
ساعة تطلع (الشمس) فقد ذرت وهو الذرور.
91: تركتني لست بالحي ولا.......ميت لاقى وفاة فقبر
أي ليس موتي هذا بموت من يموت فيستريح، فيقول أنا لست بالحي فأكون حيًا (ولا ميت) لأنه لا ميت إلا (بوفاة يقبر) صاحبها فيستريح.
92: يسأل الناس أحمى داؤه.......أم به كان سلال مستسر
93: وهي دائي وشفائي عندها.......منعته فهو ملوي عسر
قوله (مستسر): باطن، (ملوي): ممطول، يقال لويته فأنا ألويه ليًا وليانًا إذا مطلته، قال ذو الرمة:
تسيئين لياني وأنت بخيلة.......وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
94: وهي لو يقتلها بي إخوتي.......أدرك الطالب منهم وظفر
95: ما أنا الدهر بناس ذكرها.......ما غدت ورقاء تدعو ساق حر
[شرح المفضليات: 142-159]