دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو الحجة 1429هـ/26-12-2008م, 08:59 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

( وَلاَ يَسْلُبُونَ الفَاسِقَ المِلِّيَّ [ الإِسْلاَمَ ] بالكُلِّيَّةِ، ولا يُخَلِّدونَهُ في النَّارِ؛ كَما تَقُولُ المُعْتَزِلَةُ.(191)
بَلِ الفَاسِقُ يَدْخُلُ في اسْمِ الإِيمانِ المطلق؛ كَما في قَوْلِهِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمنَةٍ} وَقَدْ لاَ يَدْخُلُ في اسْمِ الإِيمانِ المُطْلَقِ؛ كَمَا في قَولِهِ تَعالى: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتَهُمْ إِيْماناً}.( 192)
وقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لاَ يَزْني الزَّاني حينَ يَزْني وهُو مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، (193) ولا يَنْتَهِبُ نَهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِليهِ فِيها أَبْصارَهُمْ حِيْنَ يَنْتَهِبُها وَهُوَ مُؤمِنٌ )).
[ ونقولُ ]: هو مؤمِنٌ ناقِصُ الإِيمانِ، أَو مؤمِنٌ بإِيمانِهِ فَاسِقٌ بِكَبيرَتِهِ، فَلاَ يُعْطَى الاسْمَ المُطْلَقَ، ولا يُسْلَبُ مُطْلَقَ الاسمِ).( 194)



(191) قولُه: (الفاسِقَ) الفِسقُ لغةً: الخروجُ عن الاستقامةِ والجَوْرُ، وبِهِ سُمِّيَ الفاسِقُ فاسِقاً، وشَرْعا: الفاسِقُ مَن فَعَلَ كبيرةً أوْ أَصرَّ على صغيرةٍ ويَنْقَسِمُ إلى قسمَيْنِ:
الأوَّلُ: فِسقُ اعتقادٍ كالرَّفضِ والاعتزالِ ونحوِهما.
الثَّاني: فِسقُ عملٍ كالزِّنا واللُّواطِ وشُربِ الخمرِ ونحوِ ذَلِكَ.
قولُه: (المِلِّيَّ) أي: الذي على مِلَّةِ الإسلامِ ولم يرتكِبْ مِن الذُّنوبِ ما يُوجِبُ كُفرَه، فأهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ متَّفِقون كُلُّهم على أنَّ مرتكِبَ الكبيرةِ لا يُكفَّرُ كُفْراً يَنْقُلُ عن المِلَّةِ بالكُلِّيَّةِ، وعلى أنَّه لا يَخرُجُ مِن الإيمانِ والإسلامِ، ويَدخُلُ في الكُفرِ، ومتَّفِقون على أنَّه لا يستحِقُّ الخلودَ مع الكافرين، وأنَّ مَن ماتَ على التَّوحيدِ فلا بدَّ له مِن دخولِ الجَنَّةِ، خِلافًا للخَوارِجِ والمعتزِلةِ، فإنَّ الخوارجَ أَخرجوهم مِن الإيمانِ وحَكموا عليهم بالخلودِ في النَّارِ، والمعتزِلةُ وافَقوا الخوارجَ في الحُكمِ عليهم في الآخرةِ دُونَ الدُّنْيَا، فلم يَستَحِلُّوا منهم ما استحَلَّتْه الخوارجُ، وأمَّا في الأسماءِ فأَحدَثوا المنـزلةَ بين المنـزلتَيْنِ، وَهَذِهِ خاصيَّةُ المعتزِلةِ التي انْفَرَدوا بها، وسائرُ أقوالِهم قد شارَكهم فيها غيرُهم، وهَذَا الخلافُ فيما ذُكِرَ أوَّلُ خلافٍ حَدَثَ في المِلَّةِ.
قال ابنُ عبدِ الهادي في مَناقِبِ الشَّيخ تَقيِّ الدِّينِ: أوَّلُ خلافٍ حَدَثَ في المِلَّةِ في الفاسِقِ المِلِّيِّ هَلْ هُوَ كافرٌ أو مؤمنٌ، فقالت الخوارجُ: إنه كافرٌ، وقالت الجماعةُ: إنَّه مؤمنٌ، وقالت طائفةُ المعتزِلةِ: هُوَ لا مؤمنٌ ولا كافرٌ، منْزِلةٌ بين المَنْزِلتَيْنِ وخلَّدُوه في النَّارِ، واعتزلوا حَلْقةَ الحسَنِ البَصْريِّ فسُمُّوا معتزلةً. اهـ.
والأدِلَّةُ على بطلانِ مذهبِ الخوارجِ والمعتزِلةِ كثيرةٌ جِداًّ، وقد تقدَّمَ ذِكرُ بعضِها كقولِه تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}، وكقولِه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} فسمَّاهُم مؤمِنيَن مع وجودِ القتلِ والاقتتالِ، وسمَّاهم إخوةً مع وجودِ ذَلِكَ، والمرادُ إخوةُ الدِّينِ كما تقدَّمَ، وقد تقدَّمَ ذِكرُ انقسامِ المؤمنينَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ سابِقِينَ ومقتَصِدِينَ وظالِمينَ لأنْفُسِهم.
وقد تواتَرَ في الأحاديثِ: ((أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ))، وحديثِ ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَعْلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))، فعُلِمَ أَنَّ الإيمانَ يَقبلُ التَّبعِيضَ والتَّجزِئةَ، وأنَّ قليلَه يَخرُجُ بِهِ صاحبُه مِن النَّارِ إنْ دَخَلَها، وأيضاً فلو كانَ العاصِي كافِراً كفراً يَنْقُلُ عن الملَّةِ بالكُلِّيَّةِ لكان مُرتداًّ ولا يُقبلُ عَفْوُ وليِّ القِصاصِ، ولا تُجرى الحُدودُ في الزِّنا وَالسَّرِقَةِ وشُربِ الخمرِ، وهَذَا القولُ معلومٌ بطلانُه وفسادُه بالضَّرورةِ مِن دينِ الإسلامِ، ونُصوصُ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ تدلُّ على أَنَّ الزَّانِيَ والسَّارِقَ وشارِبَ الخمرِ والقاذِفَ لايُقتلُ بل يُقامُ عليه الحدُّ، فدلَّ على أنَّه ليس بمرتَدٍّ.
وقال ابنُ القيِّمِ في المدارِجِ: والفُسوقُ أيضًا يَنْقسِمُ إلى قسمَيْنِ: فُسوقٌ مِن جهةِ العملِ وفِسقٌ مِن جهةِ الاعتقادِ – إلى أنْ قال – وفِسقُ الاعتقادِ كفِسقِ أهلِ البِدَعِ الذين يؤمنون باللَّهِ ورسولِه ويُحرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ ورسولُه ويُوجِبون ما أوجَبَه ولكنْ يَنْفُون كثيرًا ممَّا أَثْبَت اللَّهُ ورسولُه جَهْلاً وتأويلاً وتَقْليدًا للشُّيوخِ، ويُثبِتون ما لم يُثْبِتْه اللَّهُ ورسولُه كذَلِكَ، وهؤلاء كالخوارجِ المارقةِ وكثيرٍ مِن الرَّوافضِ والقدَريَّةِ والمعتزِلةِ، وكثيرٍ من الجهميَّةِ الذين ليسوا غُلاةً في التَّجهُّمِ.
وأمَّا غَاليةُ الجهميَّةِ وغُلاةُ الرَّافِضةِ فليس للطَّائفتَيْنِ في الإسلامِ نَصيبٌ، ولذَلِكَ أَخْرجَهُم جماعةٌ مِن السَّلَفِ مِن الثِّنْتَيْنِ والسَّبعِيَن فِرقةً، وقالوا: هم مُبايِنونَ للمِلَّةِ، فالتَّوبةُ مِن هَذَا الفُسوقِ بإثباتِ ما أَثْبَتَه اللَّهُ ورسولُه مِن غيرِ تَشبيهٍ ولا تعطيلٍ، وتَنْزيهُه عمَّا نَزَّهَ بِهِ نَفْسَه ونَزَّهَه بِهِ رسولُه مِن غير تشبيهٍ ولا تعطيلٍ، وتَلَقِّي الإثباتِ والنَّفْيِ من مِشكاةِ الوحيِ لا مِن آراءِ الرِّجالِ ونتائجِ أفكارِهم، فتوبةُ هؤلاء الفُسَّاقِ مِن جهةِ الاعتقاداتِ الفاسدةِ بمحْضِ اتِّباعِ السُّنَّةِ، ولا يُكتفى أيضًا منهم حتى يُبَيِّنُوا فسادَ ما كانوا عليه مِن البِدعةِ.

(192) قولُه: (بل الفاسِقُ يَدخُلُ) … إلخ فإنْ أَعْتقَ رقبةً مؤمنةً فيما يُشترَطُ في العِتقِ إيمانُ الرَّقبةِ، أَجْزأَت الرَّقبةُ الفاسقةُ، فقد دخَلَتْ في اسمِ الإيمانِ المطلَقِ، وإنْ لم تكن مِن أهلِ الإيمانِ الكاملِ، فالفاسِقُ يَدخُلُ في جملةِ أهلِ الإيمانِ على سَبيلِ إطلاقِ أهلِ الإيمانِ، وقد لا يَدخُلُ في اسمِ الإيمانِ المطلَقِ، كما في قولِه: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآيةَ، فالفاسِقُ لا يُسلَبُ عنه اسمُ الإيمانِ على الإطلاقِ ولا يُثبَتُ له على الإطلاقِ، بل يقالُ مؤمنٌ ناقِصُ الإيمانِ، أو مؤمنٌ بإيمانِه فاسِقٌ بكبيرتِه، وحقيقةُ الأمرِ أنَّ مَن لم يكُنْ مِن المؤمِنيَن حقاًّ يقالُ فيه إنَّه مسلمٌ ومعه إيمانٌ يَمنَعُه مِن الخلودِ في النَّارِ.
قولُه: {إِنَّمَا} أداةُ حصرٍ تُثْبِتُ المذكورَ وتَنْفى ما عَداهُ.
قولُه: {المُؤمِنُونَ} أي: الإيمانَ الكاملَ المأمورَ به.
قولُه: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي: خافَتْ.
قولُه: {زَادَتْهُمْ إِيْمانًا} فيها دليلٌ على أَنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنْقُصُ.

قولُه: {يَتوكَّلُون} أي: يُفوِّضون أمْرَهم إلى اللَّهِ، ففيها فَضْلُ التَّوكُّلِ، وأنَّه مِن أجلِّ أعمالِ القلوبِ، وفيها دليلٌ على أَنَّ الأعمالَ الظَّاهِرةَ والباطنةَ داخلةٌ في مسمَّى الإيمانِ شَرْعا، فكُلُّ ما نَقَصَ مِن الأعمالِ التي لا يُخرِجُ نَقْصُها مِن الإسلامِ فهُوَ نَقْصٌ في كمالِ الإيمانِ الواجِبِ، كما في حديثِ أبي هريرةَ المتَّفَقِ عليه: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ مُؤْمِنٌ)) الحديثَ، فالمنفيُّ في هَذَا الحديثِ كمالُ الإيمانِ الواجبِ، فلا يُطلَقُ الإيمانُ على مِثلِ أهلِ هَذِهِ الأعمالِ إلاَّ مقيَّدًا بالمعصيةِ أو الفسوقِ، فيقالُ مؤمنٌ بإيمانِه فاسِقٌ بكبيرتِه، فيكونُ معه مِن الإيمانِ بقَدْرِ ما معه مِن الأعمالِ الباطنةِ والظَّاهرةِ، فيَدخُلُ في أهلِ الإيمانِ على سبيلِ إطلاقِ أهلِ الإيمانِ، كما تقدَّمَ في قولِه: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمنَةٍ}.
وأمَّا المؤمِنُ الإيمانَ المطلَقَ الذي لا يَتقَيَّدُ بمعصيةٍ ولا فسوقٍ ونحوِ ذَلِكَ فهُوَ الذي أَتَى بما يَستطِيعُه مِن الواجِباتِ مَع تَرْكِه لجميعِ المحرَّماتِ، فهُوَ الذي يُطْلَقُ عليه اسْمُ الإيمانِ مِن غيرِ تَقْييدٍ، فهَذَا هُوَ الفَرْقُ بين مُطلَقِ الإيمانِ والإيمانِ المطلَقِ.
الثَّاني: هُوَ الذي لا يُصِرُّ صاحبُه على ذَنْبٍ، والأوَّل: هُوَ المُصِرُّ على بعضِ الذُّنوبِ، فمُطلَقُ الإيمانِ هُوَ وَصْفُ المسلمِ الذي معه أصلُ الإيمانِ الذي لا يَتِمُّ الإسلامُ إلاَّ بِهِ فلا يَصِحُّ إلاَّ به.
والمرتبةُ الثَّانيةُ: مرتبةُ أهلِ الإيمانِ المطلَقِ الذين كَمُلَ إسلامُهم وإيمانُهم بإتيانِهم بما وَجَبَ عليهم، وتَرْكِهم ما حرَّمَ اللَّهُ عليهم، وعَدَمِ إصرارِهم على الذُّنوبِ، فَهِذِهِ المرتبةُ الثَّانيةُ الذي وعدَ اللَّهُ أهلَها بدخولِ الجَنَّةِ والنَّجاةِ مِن النَّارِ. انتهى.

(193) وفي قولِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((لا يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) الحديثُ دليلٌ على دخولِ الأعمالِ في مسمَّى الإيمانِ، فلولا أنَّ تَرْكَ هَذِهِ الكبائرِ مِن مسمَّى الإيمانِ لَمَا انْتَفَى اسمُ الإيمانِ عن مرتكِبِ شيءٍ منها؛ لأَنَّ الاسمَ لا يَنْتَفِى إلا بانتفاءِ بعضِ أركانِ المسمَّى أو واجباتِه، والمرادُ بنَفْيِ الإيمانِ نَفْيُ بلوغِ حقيقتِه ونهايتِه، وفي هَذَا الحديثِ الرَّدُّ على المُرْجِئةِ والجهميَّةِ ومَن اتَّبَعَهم الذين يقولون إنَّ مرتكِبَ الكبيرةِ مؤمنٌ كاملُ الإيمانِ، ويَزْعُمون أَنَّ الإيمانَ لا يَتفاضَلُ، وهُوَ إمَّا أنْ يَزُولَ بالكُلِّيَّةِ أو يَبْقَى كامِلا، وقولُهم ظاهرُ البطلانِ، فقد دلَّ الحديثُ على أَنَّ الزَّانِيَ وشارِبَ الخمرِ ونحوَهم حين فِعلِهم المعصيةَ قد انْتَفَى الإيمانُ عنهم، وقد دلَّت النُّصوصُ الكثيرةُ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ على أنَّهمْ غيرُ مُرْتَدِّين بِذَلِكَ، فعُلِمَ أَنَّ الإيمانَ المَنْفِيَّ في هَذَا الحديثِ وغيرِه إنَّما هُوَ كمالُ الإيمانِ الواجِبِ، فإنَّ اللَّهَ ورسولَه لا يَنْفِي اسْمَ مُسمًّى شَرْعيٍّ إلاَّ بانتفاءِ بعضِ أركانِه أو واجباتِه.

(194) قولُه: ((نُهبةً)) بضمِّ النُّونِ هُوَ ما يُنْهَبُ، والمرادُ: المأخوذُ جَهْراً قَهْرا.
قولُه: ((ذاتَ شَرَفٍ)) أي: ذاتَ قدْرٍ عظيمٍ.
قولُه: ((يَرفَعُ النَّاسُ إليها أبصارَهم)) أي: يَنْظُرونها لعِظَمِ قدْرِها.
قولُه: (ونقولُ هُوَ مؤمنٌ ناقِصُ الإيمانِ) فإنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- أطْلَقَ عليه الإيمانَ، كما تقدَّمَ مِن قولِه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} الآيةَ، وقولُه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} الآيةَ، وَكَذَلِكَ الرَّسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أَطلَقَ عليه الإيمانَ، كما ثَبَتَ في الصَّحيحِ أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ أَخِيهِ مَظْلِمَةٌ فَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ …))، الحديثَ إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على إطلاقِ الإيمانِ على الفاسِقِ.
قولُه: (ونقولُ هُوَ مؤمنٌ ناقِصُ الإيمانِ) إلخ: خِلافاً للمُرجِئَةِ والجهميَّةِ ومَن اتَّبعَهم، فإنَّ الإيمانَ عندهم لا يَقْبَلُ الزِّيادةَ والنُّقصانَ، بل هُوَ شيءٌ واحدٌ يَستوي فيه جميعُ المؤمنينَ مِن الملائكةِ والمقتَصِدِينَ والمقرَّبِينَ والظالِمينَ، وقد سَبَقَ ذِكْرُ مَذهبِهم والرَّدُّ عليه.
قولُه: (فلا يُعْطَى الاسمَ المطلَقَ) أي: لا يُعْطَى الفاسِقَ اسمَ الإيمانِ المطلَقِ، أي الكامِلِ الذي صاحِبُه يَستحِقُّ عليه دخولَ الجَنَّة والنَّجاةَ مِن النَّارِ، وهُوَ فِعلُ الواجباتِ وتَرْكُ المحرَّماتِ، وهُوَ الذي يُطلَقُ على مَن كان كذَلِكَ بلا قَيْدٍ فلا يُطلَقُ على الفاسِقِ: الإيمانُ إلاَّ مُقيَّدا، فيقالُ: مؤمنٌ بإيمانِه فاسقٌ بكبيرتِه، أو يقالُ: مؤمنٌ ناقِصُ الإيمانِ، فلا يُسمَّى مؤمِنا إلا بِقَيْدٍ، وهَذَا الذي يُسمِّيهِ العلماءُ مُطلَقَ الإيمانِ.
وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والتَّحقيقُ أنْ يقالَ: إنَّه مؤمنٌ ناقِصُ الإيمانِ، مؤمنٌ بإيمانِه فاسقٌ بكبيرتِه، فلا يُعْطَى الاسمَ المطلَقَ، فإنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ نَفَيَا عنه الاسمَ المطلَقَ، واسمَ الإيمانِ يتناولُه فيما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ورسولُه؛ لأنَّ ذَلِكَ إيجابٌ عليه وتحريمٌ عليه، وهُوَ لازمٌ له كما يَلزَمُ غيرَه، وإنَّما الكلامُ في المدحِ المطلَقِ. اهـ.
قولُه: (ولا يُسْلَبُ مُطْلَقَ الاسمِ) كما تقدَّمَ إطلاقُ الإيمانِ في الآياتِ عليه، وَكَذَلِكَ رسولُه، فيُطلِقُ عليه الإيمانُ مُقيَّداً كما تقدَّمَ، فيُقالُ: مؤمنٌ بإيمانِه فاسقٌ بكبيرتِه، ويقالُ: مؤمنٌ ناقِصُ الإيمانِ، وعلى هَذَا يَدُلُّ الكِتابُ والسُّنَّةُ وإجماعُ سَلَفِ الأمَّةِ خِلافا للخَوارجِ والمعتزِلةِ. أمَّا ما جاءَ في بعضِ الأحاديثِ مِن نَفْيِ الإيمانِ عن بعضِ العُصاةِ فالمرادُ بِهِ نَفْيُ الإيمانِ المُطْلَقِ لاَ مُطلَقَ الإيمانِ كما تقدَّمَ.
قال الشَّيخ تَقِيُّ الدِّينِ في كتابِ الإيمانِ: الإيمانُ إذا أُطْلِقَ في كلامِ اللَّهِ ورسولِه يَتَناوَلُ فِعلَ الواجباتِ وتَرْكَ المحرَّماتِ، ومَنْ نَفَى اللَّهُ ورسولُه عنه الإيمانَ فلا بدَّ أنْ يكونَ تَرَكَ واجِباً أو فَعَلَ محرَّما، فلا يَدخُلُ في الاسمِ الذي يستحِقُّ أهلُه الوَعْدَ دُونَ الوعيدِ. انتهى.
قال ابنُ القيِّم -رَحِمَهُ اللَّهُ- في بدائعِ الفوائدِ: الإيمانُ المطلَقُ لا يُطلَقُ إلا على الكامِلِ الكَمالَ المأمورَ به، ومُطلَقُ الإيمانِ يُطلَقُ على الكامِلِ والنَّاقِصِ، ولهَذَا نُفِيَ الإيمانُ المطلَقُ عن الزَّانِي وشاربِ الخمرِ والسَّارِقِ، ولم يُنْفَ عنه مُطلَقُ الإيمانِ، لئلا يَدخُلَ في قولِه: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} ولا في قولِه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ولا في قولِه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية، ويَدخُلُ في قولِه: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وفي قولِه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} الآيةَ، فلهَذَا كان قولُه: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} نَفْيا للإيمانِ المطلَقِ لا لمطلَقِ الإيمانِ لوُجوهٍ ساقَها، فالإيمانُ المطلَقُ يَمنَعُ دخولَ النَّارِ، ومُطلَقُ الإيمانِ يَمنعُ الخلودَ فيها، فإذا قيل الفاسِقُ: مؤمنٌ فهُوَ على هَذَا التَّفصيلِ. انتهى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, السنة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir