دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 12:33 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تولي الصحابة ومحبتهم وذكر محاسنهم

وَمِنَ السُّنَّةِ: تَوَلِّي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَحبَّتُهمْ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ وَالتَّرحُّمُ عَلَيْهِمْ والاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالكَفُّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِهِم، وَمَا شَجَرَ بَيْنَهُم، وَاعْتِقَادُ فَضْلِهِمْ وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ، قالَ اللهُ تَعَالَى: {والَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِناَ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَل في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنوُاْ}[الحشر: 10].
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مُّحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: 29].
وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ)).


  #2  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:37 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
Post شرح الشيخ ابن عثيمين

(1) حُقوقُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ
للصِّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عنْهُم فَضْلٌ عَظِيمٌ على هذهِ الأُمَّةِ؛ حيثُ قَامُوا بِنُصْرَةِ اللهِ ورسولِهِ، والجِهَادِ في سبيلِ اللهِ بأموالِهِم وأنفُسِهِم، وحفظِ دينِ اللهِ بِحِفْظِ كتابِهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمًا وعملاً وتعليمًا، حتَّى بَلَّغُوهُ الأُمَّةَ نَقِيًّا طَرِيًّا.
وقدْ أَثْنَى اللهُ عليهم في كتابِهِ أعْظَمَ ثَنَاءٍ؛ حيثُ يقولُ في سُورَةِ الفَتْحِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا} [الفتحُ: 29] إلى آخِرِ السُّورَةِ.
وحَمَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَى كَرَامَتِهِمْ؛ حيثُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ))، مُتَّفَقٌ عليهِ. فحقُوقُهم على الأمَّةِ مِنْ أَعْظَمِ الحُقُوقِ، فَلَهُمْ على الأُمَّةِ:
1- مَحَبَّتُهم بالقَلْبِ، والثَّنَاءُ عليهم باللِّسانِ؛ بِمَا أَسْدَوْهُ مِن المعروفِ والإحْسَانِ.
2- التَّرَحُّمُ عليهم والاسْتِغْفَارُ لهم؛ تَحْقِيقًا لقولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإَِّخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحَشْر: 10].
3- الكَفُّ عنْ مَسَاوِئِهِم، التي إنْ صَدَرَتْ عَن أَحَدٍ مِنْهُم فهيَ قَلِيلَةٌ بالنسْبَةِ لِمَا لهُمْ مِن الْمَحَاسِنِ والفَضَائِلِ، ورُبَّمَا تكونُ صَادِرَةً عن اجْتِهَادٍ مَغْفُورٍ وعَمَلٍ مَعْذُورٍ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي))الحديثَ(1).
(2) حُكْمُ سَبِّ الصَّحَابَةِ
سبُّ الصحابَةِ على ثلاثَةِ أقْسَامٍ:

الأوَّلُ:
أنْ يَسُبَّهم بمَا يَقْتَضِي كُفْرَ أكْثَرِهِم، أوْ أنَّ عامَّتَهم فَسَقُوا، فهذا كُفْرٌ؛ لأنَّهُ تَكْذِيبٌ للهِ ورسولِهِ بالثناءِ عليهم والتَّرَضِّي عنهم، بلْ مَنْ شَكَّ في كُفْرِ مِثْلِ هذا فإنَّ كُفْرَهُ مُتَعَيِّنٌ؛ لأنَّ مَضْمُونَ هذهِ المَقَالَةِ أنَّ نَقَلَةَ الكِتَابِ أو السُّنَّةِ كُفَّارٌ أوْ فُسَّاقٌ.

الثاني:


أنْ يَسُبَّهم باللَّعْنِ والتَّقْبيحِ، فَفِي كُفْرِهِ قَوْلانِ لأهلِ العِلْمِ، على القولِ بأنَّهُ لا يَكْفُرُ يَجِبُ أنْ يُجْلَدَ ويُحْبَسَ حَتَّى يَمُوتَ أوْ يَرْجِعَ عَمَّا قالَ.

الثالثُ:


أنْ يَسُبَّهم بمَا لا يَقْدَحُ في دينِهم، كالجُبْنِ والبُخْلِ، فلا يُكَفَّرُ، ولكنْ يُعَزَّرُ بما يَرْدَعُهُ عنْ ذلكَ.
ذَكَرَ مَعْنَى ذلكَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في كتابِ (الصَّارِمِ المَسْلُولِ)، ونَقَلَ عَن أحمدَ في ص (573) قولَهُ: (لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أنْ يَذْكُرَ شيئًا مِنْ مساوئِهِم، ولا يَطْعَنَ على أحَدٍ مِنهم بِعَيْبٍ أوْ نَقْصٍ، فَمَنْ فَعَلَ ذلكَ أُدِّبَ، فإنْ تَابَ وإلاَّ جُلِدَ في الحَبْسِ حتَّى يموتَ أوْ يَرْجِعَ).


حاشية الشيخ : صالح العصيمي على شرح ابن عثيمين
(1) وما أحسن قول أبي العباس ابن تيمية في " الواسطية " : " ثم إذا كان قد صدر عن أحد منهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور ".


  #3  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:50 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
Post شرح الشيخ ابن جبرين

(2) وَاجِبُ الصَّحابةِ عَلَيْنَا:

أوَّلاً:
مَحَبَّتُهُم مَحَبَّةً قَلْبِيَّةً؛ لِسَبْقِهِم وَإِيمَانِهِم وَفَضْلِهِم على الأُمَّةِ بَعْدَهُم.

ثانيًا:


التَّرَضِّي عنهم، كما رَضِيَ اللهُ عنْهُم في قولِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وفي قولِهِ تَعَالَى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119].

فإذَا ذَكَرْتَ الصَّحابةَ تَأْتِي بَعْدَهُم بِالتَّرَضِّي فتقولُ: قالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قالَ جابرٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُمَا؛ وذلكَ دُعَاءٌ لَهُمَا بالرِّضَى، يَعْنِي: عنهُ وعنْ أبيهِ، أنْ يَتَجَدَّدَ الرِّضَى عنْهُمَا وعن الصَّحابةِ أَجْمَعِينَ في كلِّ حينٍ، ولكَ أَجْرٌ على هذا التَّرَضِّي.
ثالثاً:


ذِكْرُ مَحَاسِنِهِم، يَعْنِي: إِفْشَاءُهَا وَنَشْرُهَا، وَذِكْرُ فَضَائِلِهِم، وقد اعْتَنَى العلماءُ بذلكَ لَمَّا رَأَوْا أنَّ الرَّافِضَةَ يَكْذِبُونَ عليهم وَيَطْعَنُونَ فيهم، قَالُوا: لا بُدَّ أنْ نَهْتَمَّ بِفَضَائِلِ الصَّحابةِ. فالبخاريُّ في صَحِيحِهِ جَعَلَ كِتَابًا في الفضائلِ، وَابْتَدَأَهُ بفضائلِ أبي بكرٍ، ثمَّ بِفَضَائِلِ عُمَرَ، ثمَّ بِفَضَائِلِ عُثْمَانَ، ثمَّ بِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، واسْتَمَرَّ في ذِكْرِ فضائلِ الصَّحابةِ الَّذينَ وَرَدَتْ لهمْ فَضَائِلُ على شَرْطِهِ.

وهكذا الإمامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ في كتابِ فضائلِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، سَرَدَ الفضائلَ الَّتي عَلَى شَرْطِهِ، وَبَدَأَ بِفَضَائِلِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ مُبْتَدِئًا بأبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ ومَنْ بَعْدَهُ، وَاسْتَمَرَّ في ذكرِ فضائلِ الصَّحابةِ رِجَالاً وَنِسَاءً؛ أَفْرَادًا وَجَمَاعَاتٍ.
وهكذا الإمامُ التِّرمذيُّ في سُنَنِهِ، ذَكَرَ فيهِ فضائلَ الصَّحابةِ، وَأَطَالَ في ذِكْرِ فضائِلِهِم وَمَحَاسِنِهِم.
وَأَفْرَدَهَا أيضًا كثيرٌ من العلماءِ، منهم الإمامُ أحمدُ؛ لهُ كتابٌ مَطْبُوعٌ في مُجَلَّدَيْنِ عُنْوَانُهُ (فَضَائِلُ الصَّحابةِ) رَضِيَ اللهُ عنهم.
ثمَّ إنَّ فَضَائِلَهُم الَّتي تُذْكَرُ جاءَ كثيرٌ منها في القرآنِ الَّذي نَصَّ على فَضْلِهِم.
فمِنْ مُعْتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنْ يَنْشُرُوا فضائلَ الصَّحابةِ، وأنْ يُكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهَا، وأنْ يَتَبَادَلُوهَا في المجالسِ، وأنْ يَتَكَلَّمُوا بها في المحافلِ وفي المجتمعاتِ، حتَّى يَعْرِفَهُم الخاصُّ والعامُّ، وحتَّى تَنْتَشِرَ لهم الذِّكْرَى الحَسَنَةُ، وحتَّى يَكُونَ ذلكَ رَدًّا وَإِبْطَالاً لِمَا يَفْتَرِيهِ عليهم أَعْدَاؤُهُم.
أمَّا مَسَاوِئُهُم فَإِنَّنَا نَكُفُّ عنها ولا نَتَكَلَّمُ فيها.
وقدْ يَقُولُ بعضُ الأعداءِ كالرَّافضةِ: إنَّهم فَعَلُوا، وإنَّهُم فَعَلُوا، وَيَعُدُّونَهَا مَثَالِبَ وَمَعَايِبَ يَقْدَحُونَ بها فِيهِم، ومَنْ قَرَأَ كُتُبَ هؤلاءِ الرَّافضةِ رَآهَا مُمْتَلِئَةً بمثلِ هذهِ المَثَالِبِ.
وقدْ بَيَّنَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في (العقيدةِ الواسطيَّةِ) القولَ في هذهِ المَسَاوِئِ، وذَكَرَ أنَّ منها ما هوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى لا أَصْلَ لهُ؛ فلا يُلْتَفَتُ إليهِ، ومنها ما هوَ مُغَيَّرٌ قدْ زِيدَ فيهِ وَنُقِصَ منهُ، وَغُيِّرَ عنْ وَضْعِهِ؛ حتَّى تَوَهَّمَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ أنَّهُ مَثْلَبَةٌ وَمَنْقَصَةٌ.
هُوَ في الحقيقةِ مَدْحٌ وثناءٌ، ولكنَّ الأعداءَ يَصُوغُونَهُ بِصِيَاغَةٍ يُؤْخَذُ منها العَيْبُ، هُوَ في الحقيقةِ مَدْحٌ، والأمثلةُ على ذلكَ كثيرةٌ أَيْضًا.
رَأَيْتُ لبعضِ المُتَأَخِّرِينَ كِتَابًا في مُجَلَّدَيْنِ يَنْشُرُهُ الرَّافضةُ وَيُوَزِّعُونَهُ، عُنْوَانُهُ (ثُمَّ اهْتَدَيْتُ) أوْ (رِجَالٌ آمَنُوا).
والعَجَبُ مِنْ أَمْرِهِ أنَّهُ يَجْعَلُ كَثِيرًا من المحاسنِ مَسَاوِئَ، وَيَدَّعِي أنَّها مَثَالِبُ، وَيُبَالِغُ في الْقَدْحِ فيها.
فَمِنْهَا:اعْتِرَاضُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ عَلَى صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، فهلْ هذا يُعْتَبَرُ طَعْنًا فيهِ؟! إنَّهُ تَحَمَّسَ لَمَّا رَأَى الصُّلْحَ قدْ تَمَّ على تلكَ الشُّروطِ، وكانَ يُحِبُّ أنْ يَقْتَحِمَ الْمُسْلِمُونَ البلادَ، وأنْ يُقَاتِلُوا ولوْ قُتِلُوا، وكانَ مِمَّا سَاءَهُ ذلكَ الشَّرطُ الَّذي فيهِ: أنَّ مَنْ جاءَ مُسْلِمًا فإنَّهُ يُرَدُّ.
فَأَخَذَ الكاتِبُ المذكورُ يَكِيلُ لِعُمَرَ مِن السَّبِّ في اعْتِرَاضِهِ على هذا الحُكْمِ.
ويُقَالُ أَيْضًا: إنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عنهُ مِنْ جُمْلَةِ الَّذينَ اعْتَرَضُوا في ذلكَ، حتَّى إنَّهُ لَمَّا قِيلَ لهُ: ((امْحُ: رَسُولِ اللهِ))، امْتَنَعَ عنْ ذلكَ وقالَ: (لاَ وَاللهِ، لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا)، معَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ، ولكنْ لم يَجْعَلُوا هذا الامتناعَ عَيْبًا.
فلا شَكَّ أنَّ فِعْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ مَدْحٌ لهُ؛ لأِنَّهُ دليلٌ على حَمَاسَتِهِ، ودليلٌ على غَيْرَتِهِ، ثمَّ إنَّهُ بعدَ ذلكَ وَافَقَ رَأْيَ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ بهِ وقالَ: (فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً).
كذلكَ أيضًا منْ جُمْلَةِ ما يَطْعَنُونَ بهِ في عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، اعْتِرَاضُهُ على الكتابِ الَّذي قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِ مَوْتِهِ: ((ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُهُ لَكُمْ؛ لاَ تَضِلُّونَ بَعْدَهُ أَبَدًا))، وكانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ أَرْهَقَهُ المرضُ، فَرَفَقَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ بهِ وقالَ: (إنَّهُ قدْ بَلَغَ بهِ ما تَرَوْنَ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا).
فالرَّافضةُ حَمَلُوا على عُمَرَ حَمْلَةً شَنْعَاءَ، وقالُوا: إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُرِيدُ أنْ يَكْتُبَ الوَلايَةَ لِعَلِيٍّ، وَلَكِنَّ عُمَرَ خَافَ أنْ تُكْتَبَ لِعَلِيٍّ؛ فَنَهَى عنْ كِتَابَتِهَا، فَصَدَّهُ عنْ أنْ يَكْتُبَ هذا الكتابَ!.
هكذا حَمَلُوهُ هذا المَحْمَلَ، معَ أنَّهُ ما فَعَلَ ذلكَ إلاَّ رِفْقًا بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَلْ يَكُونُ هذا قَدْحًا في عَدَالَتِهِ؟! حَاشَا وَكَلاَّ، ولكنَّهُم يُغَيِّرُونَ.
وبذلكَ نَعْرِفُ أنَّ ما يُورِدُونَهُ من المَثَالِبِ ومِن المساوِئِ مَصُوغٌ صِيَاغَةً فيها قَدْحٌ، معَ أنَّها في الحقيقةِ مَدْحٌ.
فنحنُ نُحِبُّ الصَّحابةَ وَنَتَرَحَّمُ عَلَيْهِم، وَنَكُفُّ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُم من الاختلافِ.
والاختلافُ الَّذي حَدَثَ بَيْنَهُم؛ إمَّا اختلافٌ في المسائلِ الفقهيَّةِ، وهذا يَحْدُثُ كَثِيرًا بينَ أهلِ الاجتهادِ، ومعَ ذلكَ هُم مُتَآخُونَ مُتَحَابُّونَ ولوْ حَصَلَ بَيْنَهُم شيءٌ من الاختلافِ.
فقد اخْتَلَفُوا مَثَلاً في الحاجِّ:


هلْ يُفَضَّلُ لهُ أنْ يُحْرِمَ مُفْرِدًا، أوْ يُحْرِمَ قَارِنًا، أوْ يُحْرِمَ مُتَمَتِّعًا؟ ومعَ ذلكَ فهذا الاختلافُ ما أَدَّى بهم إلى بَغْضَاءَ؛ ولا إلى احْتِقَارِ بعضِهِم لبعضٍ، ولا إلى مُقَاطَعَةٍ، ولكنَّهُ مِنْ بابِ الاجتهادِ.

وهناكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ وَقَعَ فيها اختلافٌ منْ جنسِ هذا، ومثلُ هذا لاَ يُعَدُّ قَدْحًا فيهم؛ إنَّما هوَ اختلافٌ في مسائلَ فِقْهِيَّةٍ اخْتَلَفَ فيها أيضًا مَنْ بَعْدَهُم، وكانَ سببُ الاختلافِ كثرةَ الأدلَّةِ وَتَنَوُّعَهَا، أو النَّظرَ فيها.
يَقُولُ شيخُ الإسلامِ: (إنَّهم في هذهِ المسائلِ الَّتي اخْتَلَفُوا فيها مَعْذُورُونَ، فَهُمْ إمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وإمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ، فإنْ كَانُوا مُصِيبِينَ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وإنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ فَلَهُمْ أَجْرٌ على الاجتهادِ، وَخَطَؤُهُم مَغْفُورٌ، فإذا كانَ أَحَدُهُم قَدْ صَدَرَ منهُ ذَنْبٌ حَقِيقِيٌّ فَيَقُولُ شيخُ الإسلامِ: لَعَلَّهُ قَدْ تَابَ منهُ، والتَّوبةُ تَجُبُّ ما قَبْلَهَا، أوْ لَعَلَّهُ غُفِرَ لهُ بِفَضْلِ سَوَابِقِهِ، فَلَهُم سَوَابِقُ لا يُدْرِكُهَا مَنْ بَعْدَهُم، أوْ لَعَلَّهُ غُفِرَ لهُ بِصُحْبَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصُّحبةُ أيضًا عَمَلٌ يَخْتَصُّ بهم، أوْ لَعَلَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ بِشَفَاعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنَّهم أَحَقُّ بها مِنْ غَيْرِهِم؛ وذلكَ لِتَمَيُّزِهِم بالصُّحبةِ لهُ، وبكلِّ حالٍ؛ فهذا الَّذي يُقَالُ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُم.
أمَّا الَّذي شَجَرَ بَيْنَهُم مِن القتالِ، كالَّذي حَصَلَ بينَ عَلِيٍّ ومَنْ خَالَفَهُ في وَقْعَةِ الجملِ، فَنَكُفُّ عنْ هذا وَنَعْذِرُهُم.
فَإنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عنه قَاتَلَهُم لِجَمْعِ الكلمةِ، وهُمْ ما قَصَدُوا قتالَ عليٍّ.
فَالزُّبَيْرُ وطلحةُ وعائشةُ ومَنْ مَعَهُم قَصَدُوا قِتَالَ البُغَاةِ، أو الَّذينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، هَؤُلاَءِ يُطَالِبُونَ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ، وهوَ يُطَالِبُ بِجَمْعِ الكلمةِ.
وَكَوَقْعَةِ صِفِّينَ الَّتي كانتْ بَيْنَ أهلِ الشَّامِ وأهلِ العراقِ، والَّتي قُتِلَ فيها خَلْقٌ كَثِيرٌ، هذهِ أيضًا فِتْنَةٌ من الفِتَنِ الَّتي حَدَثَتْ بَيْنَهُم، نَكُفُّ عنها ونقولُ: إنَّ كُلاً منهم مُجْتَهِدٌ. وَمُلَخَّصُهَا أنَّ مُعَاوِيَةَ وَمَعَهُ عَمْرُو بنُ العَاصِ، وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ من الصَّحابةِ في جانبٍ يُطَالِبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَيَقُولُونَ لِعَلِيٍّ: سَلِّمْ لَنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ.
وَعَلِيٌّ في جانبٍ يَقُولُ لهم: بَايِعُونِي حتَّى تَجْتَمِعَ الكلمةُ، وحتَّى تَقْوَى الشَّوْكَةُ، ومِنْ ثَمَّ أَنَا وَأَنْتُمْ نَأْخُذُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَاحِدًا وَاحِدًا.
ولكن اخْتَلَفُوا على ذلكَ؛ فَحَصَلَتْ هذهِ الواقعةُ.
وَمَوْقِفُنَا الَّذي نَعْتَقِدُهُ أنْ نَكِلَ أَمْرَهُم إلى اللهِ فلا نَسُبُّهُم، بلْ نَعْذِرُهُم بهذا الاجتهادِ، ولا نَعِيبُ وَاحِدًا منهم. هذا هوَ القولُ الصَّحيحُ.
والآياتُ الَّتي وَرَدَتْ في فَضْلِهِم - كالآياتِ الَّتي سَاقَهَا المُؤَلِّفُ - تَدُلُّ على مُمَيِّزَاتٍ لهم:
الآيَةُ الأُولَى: قولُهُ تَعَالَى في سورةِ الحشرِ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإَِّخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]، فالغِلُّ هوَ الحِقْدُ.
فَكُلُّ مَنْ جَاءَ بعدَ الصَّحابةِ يَمْدَحُهُم ويقولُ هذهِ المقالةَ؛ فإنَّهُ منْ جُمْلَةِ الَّذينَ يُغْفَرُ لَهُمْ إنْ شاءَ اللهُ، وَيُسْتَجَابُ فيهِ دُعَاؤُهُم.
أمَّا الآيَةُ الثَّانيَةُ: فَهِيَ قولُهُ تَعَالَى:{مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، هذا الوصفُ مِيزَةٌ لهم وَفَضِيلَةٌ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
وقدْ مَدَحَهُم بَعْضُ الشُّعراءِ بقولِهِ:



فِي اللَّيْلِ رُهْبَانٌ وَعِنْدَ قِتَالِهِمْ= لـِعـَدُوِّهـِمْ مِنْ أَشْجَعِ الأَبْطَالِ


فَفِي اللَّيلِ رُهْبَانٌ يُصَلُّونَ يَتَهَجَّدُونَ، وعندَ لِقَائِهِم العدوَّ أبطالٌ وَشُجْعَانٌ. فَهُمْ فيما بَيْنَهُم مُتَآخُونَ وَمُتَحَابُّونَ كما وَصَفَهُم اللهُ تَعَالَى بقولِهِ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ} [المائدة: 54]، وهذهِ الآيَةُ اشْتَمَلَتْ على سِتَّةٍ منْ فَضَائِلِهِم الكثيرةِ.


أمَّا الحديثُ: فقدْ قَالَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَقَعَتْ خُصُومَةٌ بينَ بَعْضِ المُتَقَدِّمِينَ من الصَّحابةِ وبعضِ المُتَأَخِّرِينَ: بينَ خالدِ بنِ الوليدِ؛ هُوَ منْ مُسْلِمَةِ الفتحِ، وبينَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوْفٍ؛ هُوَ مِن المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ.
فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالدِ بنِ الوليدِ رَضِيَ اللهُ عنهُ ومَنْ مَعَهُ: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي- يَعْنِي المُتَقَدِّمِينَ- فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ- وَهُوَ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ في المدينةِ- ذَهَبًا- لَمْ يَقُلْ: طَعَامًا- مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ- سَوَاءٌ مُدًّا مِنْ ذَهَبٍ، أوْ مُدًّا منْ طعامٍ - وَلاَ نَصِيفَهُ)). يَعْنِي: نَصِيفَ المُدِّ الَّذي هوَ رُبْعُ الصَّاعِ.
والمُدُّ:


مِلْءُ الْكَفَّيْنِ المُتَوَسِّطَتَيْنِ، وَنِصْفُهُ قدْ يَكُونُ مِلْءَ الكفِّ الواحدةِ أوْ نَحْوَهَا.
فَمَتَى يُدْرِكُ أَحَدٌ فَضْلَهُم، ومَتَى يَلْحَقُهُم غيرُهُم؟! رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.


  #4  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:58 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
Post شرح الشيخ صالح آل الشيخ

القارئ:

(وَمِنَ السُّنَّةِ: تَوَلِّي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَحبَّتُهمْ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ وَ التَّرحُّمُ عَلَيْهِمْ والاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالكَفُّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِهِم، وَمَا شَجَرَ بَيْنَهُم، وَاعْتِقَادُ فَضْلِهِمْ وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ:

- قالَ اللهُ تَعَالَى: {والَّذِينَ جاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِناَ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَل في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنوُاْ} [الحشر: 10].
- وَقَالَ الله تَعَالَى:{مُّحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
- وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ)).


الشيخ: هذه المسائلُ من الحكمِ في محبةِ الصحابةِ، وتوليهم، وعدمِ سبِّهِم، والكلامِ على أمَّهاتِ المؤمنين، وعلى حقوقِ الإمامِ المسلمِ، مرّ معنا تفصيلُه، وقد سَبَقْتُ موضعَه اللائقَ به.


  #5  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 03:02 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)

المَتْنُ: وَمِن السُّنَّةِ تَوَلِّي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّتُهُمْ، وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ، وَالتَّرَحُّمُ عَلَيْهِم، وَالاستغفارُ لهم، وَالكَفُّ عَنْ ذِكْرِ مَسَاوِئِهِمْ وَما شَجَرَ بَيْنَهُم، وَاعْتِقَادُ فَضْلِهِمْ.
الشَّرْحُ: ما شَجَرَ بَيْنَهُمْ؛ يَعْنِي: مِن الاختلافِ، لأنَّ هذا الاختلافَ بَيْنَهُمْ عَن اجتهادٍ، يَتَحَرَّوْنَ فيهِ الحقَّ وَالصوابَ، فما كَانَ مِنْ صَوَابٍ فَلَهُم فيهِ أَجْرَانِ، وَما فيهِ مِنْ خَطَأٍ فَهُوَ مغفورٌ. قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ)).
المَتْنُ: وَاعْتِقَادُ فَضْلِهِمْ، وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا}.
الشَّرْحُ: اعتقادُ فَضْلِهِمْ وَمَعْرِفَةُ سَابِقَتِهِمْ، لا يَكْفِي أنَّكَ تَتَحَدَّثُ عَنْ فَضْلِهِمْ فَقَطْ، أَوْ تَكْتُبُ عَنْ فَضْلِهِمْ، بلْ لا بُدَّ أنْ تَعْتَقِدَ هذا بِقَلْبِكَ، أمَّا إِنْ كَتَبْتَ أَوْ تَكَلَّمْتَ مُجَرَّدَ كلامٍ، أَوْ مُجَرَّدَ كتابةٍ مِنْ غيرِ اعْتِقَادٍ لذلكَ بِقَلْبِكَ، فهذا لا يَكْفِي.
المَتْنُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
الشَّرْحُ: هذا مَوْقِفُ المؤمنينَ إِلى أنْ تَقُومَ الساعةُ، هذا مَوْقِفُ المُؤْمِنِينَ مِنْ صَحَابَةِ نَبِيِّهِمْ، أنَّهُم يَسْتَغْفِرُونَ لهم، وَيَعْتَرِفُونَ لهم بالسَّبْقِ في الإِسلامِ وَالإِيمانِ، وَيَسْأَلُونَ اللهَ أنْ يُزِيلَ الغِلَّ، وَهوَ البُغْضُ أَوِ الكراهِيَةُ لأحدٍ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُلُوبِهِمْ.
المَتْنُ: وَقالَ اللهُ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
الشَّرْحُ: هذهِ صِفَتُهُمْ، {وَالَّذِينَ مَعَهُ}، يعني:الصحابةَ، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} أَقْوِيَاءُ على الكفَّارِ، لا تَأْخُذُهُمْ في اللهِ لَوْمَةُ لائمٍ؛ لأنَّهُم أَعْدَاءُ اللهِ وَرسولِهِ، فهم يُبْغِضُونَهُمْ أَشَدَّ البُغْضِ، وَيَتَبَرَّؤُونَ منهم، وَيُجَاهِدُونَهُمْ في اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. أَمَّا فيما بَيْنَهُمْ فالرحمةُ، من بَعْضُهُم لبعضٍ كالجَسَدِ الواحدِ، وَكالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً، كما شَبَّهَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} هذهِ صِفَتُهُمْ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}. صفةُ الصحابةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنْهُمْ كَثْرَةُ السجودِ طَاعَةً للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَثْرَةُ الصلاةِ وَالتَّهَجُّدُ في الليلِ وَالجهادُ في النهارِ، جِهَادٌ في سبيلِ اللهِ، {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ}، يعنِي: صِفَتُهُمْ، {فِي التَّوْرَاةِ}.
وَصَفَهُم اللهُ في التوراةِ بهذهِ الأوصافِ.فهذهِ الأوصافُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَوْجُودَةٌ في التوراةِالتي نَزَلَتْ على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَإِنْ جَحَدَهَا اليهودُ وَحَرَّفُوهَا، فهيَ مَوْجُودَةٌ بخَبَرِ اللهِ سبحانَهُ وَتَعَالَى الذي أَنْزَلَ التوارةَ.
{وَمَثَلُهُمْ} يعني: صِفَتُهُمْ، {فِي الإِنْجِيلِ} وَهوَ الكتابُ المُنَزَّلُ على عيسَى، {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ}. نَشَأَ الإِسلامُ في الأوَّلِ ضَعِيفاً وَالصحابةُ قَلِيلُونَ وَمُسْتَضْعَفُونَ، مثلُ الزَّرْعِ أَوَّلَ ما يَنْبُتُ، ثمَّ إِنَّهُ قَوِيَ شَأْنُهُم مثلَ ما يَقْوَى الزَّرْعُ وَيَشْتَدُّ، ثمَّ يَظْهَرُ لهُ فِرَاخٌ، تَلْتَفُّ حَوْلَهُ وَتُسَاعِدُهُ، {أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزرَهُ} يعني:قَوَّاهُ، وَالشَّطْأُ: هيَ فِرَاخُ الزَّرْعِ، {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} على قَصَبِهِ، {اسْتَوَى} يَعْنِي:ارْتَفَعَ، ارْتَفَعَ على سُوقِهِ: جَمْعُ سَاقٍ، وَهوَ القَصَبُ، هذا مَثَلٌ للزرعِ عِنْدَمَا يَتَكَامَلُ.
{يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} هذا الزرعُ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ؛ لِمَا فيهِ مِن القوَّةِ، وَلِمَا فيهِ مِن الثمرةِ، وَلِمَا فيهِ مِن الالْتِفَافِ بَعْضُهُ معَ بعضٍ، {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} لِيَغِيظَ بالصحابةِ الكفَّارَ، فالكفَّارُ يَغْتَاظُونَ مِن الصحابةِ، وَيُبْغِضُونَ الصحابةَ. وَاسْتَدَلَّ بعضُ الأَئِمَّةِ على كُفْرِ الرافضةِ مِنْ هذهِ الآيَةِ؛ لأنَّ الرافضةَ يُبْغِضُونَ الصحابةَ، وَاللهُ جلَّ وَعَلا يَقُولُ: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}. فَدَلَّ على أنَّ الذي يَغْتَاظُ مِنْ صحابةِ رَسُولِ اللهِ وَيَبْغَضُهُمْ أَنَّهُ كافِرٌ {لِيَغِيظَ بهُمُ الْكُفَّارَ}.
المَتْنُ: وَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ))
المَتْنُ: وَمِن السُّنَّةِ التَّرَضِّي عَنْ أزواجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الشَّرْحُ: وَمِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بلْ مِنْ خَوَاصِّهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ زَوْجَاتُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ مِنْ أهلِ البيتِ؛ لأنَّ اللهَ لَمَّا ذَكَرَ أزواجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُنَّ بالقَرَارِ في البيوتِ، وَنَهَاهُنَّ عَن التَّبَرُّجِ، وَأَمَرَهُنَّ بإِقامةِ الصلاةِ وَإِيتاءِ الزكاةِ وَطاعةِ اللهِ وَرسولِهِ، قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فَدَلَّ على أنَّ أزواجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أهلِ بَيْتِهِ.


  #6  
قديم 13 ذو الحجة 1429هـ/11-12-2008م, 10:23 AM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ :عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله ( مفرغ )

ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى : (( ومن السنة تولي أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ومحبتهم, وذكر محاسنهم ,
والترحم عليهم, والاستغفار لهم
)) وهذه من حقوق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فيجب توليهم , ونصرتهم , والذبُّ والدفاع عنهم , ومحبتهم , والترضي عنهم جميعاً ,
وذكر ماحسنهم حين يذكرون لأنهم نقلة كتاب الله ونقلة سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلينا ولهذا نستغفر لهم جميعاً ونترضى عنهم جميعاً ونترحم عليهم جميعاً .
ومن أهم ما يتعلق بحقوقهم ما قاله الشيخ هنا : (( والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم)) وهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ؛ خلاصته : أن ماجرى بينهم رضي الله عنهم وأرضاهم خاصة في وقعتي الجمل وصفين فيجب أن نعتقد أن هؤلاء الصحابة كلهم كانوا مجتهدين, صحيح أن بعضهم أقرب إلى الحق من بعض وأن علياً كان هو الإمام حق وهو الأفضل كما سبق في ترتيب الخلفاء الراشدين في إلمامة والأفضلية, فهو افضل ممن جاء بعده , لكن لا يجوز لنا في مقابل ذلك أن نطعن في بقية الصحابة ؛ في عائشة أو في الزبير, أو في طلحة, أو في
معاوية أو في عمرو بن العاص, رضي الله عنه جيمعاً.
بل يجب أن نكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم, ونقول كما قال أحد العلماء :
تلك دماء طهر الله منها أيدينا فنحن نطهر منها ألسنتنا, فنترضى عنهم جميعاً, ونعتقد أنهم مجتهدون, ومن اجتهد منهم فأصاب فله أجران , ومن اجتهد منهم وأخطأ فله اجر واحد, وكلهم لهم الفضل ولهم الصحبة المنزلة العالية الرفيعة ولا يجوز سبهم ولا الطعن عليهم فضلاً عن القول بردتهم أو غير ذلك من مقالات غلاة الروافض والنواصب؛ ولهذا قال الشيخ هنا : (( واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم)) فلهم الفضل ولهم السابقة فهم أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وهم حواريُّوه وهم نقلةسنته قال الله تعالى :
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر : 10].
وهذه الأية في سورة الحشر جاءت بعد ذكر المهاجرين والأنصار حيث ذكر الذين هاجروا وذكر الذين تبوء ووالدار والإيمان ثم ذكر الذين جاؤوا من بعدهم وأنهم يقولون :
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر : 10].
ولماكانت هذه الآيات في الفيء كما في الآيات السابقة
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الحشر: من الآية7 إلى آخره
ثم قال :
{للْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الحشر} [من الآية 8] ثم قال : {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ} [الحشر: من الآية 9]
ثم قال : {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم} [الحشر: من الآية 10]
قال الإمام مالك رحمه الله وغيره : من كان في قلبه غل على أصحاب رسول الله أو سبّهم فليس لـه من الفيء شيء , وهذا اجتهاد منه رحمه الله , لأن الآية كانت في الفيئ
(1).
ثم قال الشيخ : ((وقال تعالى :
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح :29] )) وهذا أيضاً بيان لوصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وثناء عليهم في كونهم مع نبيهم موصوفين بهذه الصفات الجليلة المذكورة في هذه الآية . فكيف يليق أن يطعن فيهم طاعن وهذه مناقبهم؟ ثم قال وقال النبي عليه الصلاة والسلام ((لا تسبوا أصحابي, فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً, ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) (2) )) رواه البخاري.
وهذا الحديث ور د في المفاضلة بين صحابيين , ومع هذا قال النبي
صلى الله عليه وسلم للصحابي المتأخر : ((لا تسبوا أصحابي))
قال العلماء : فإذا كان هذا في المفاضلة بين صحابيين , فما الشان في المفاضلة بين الصحابة ومن بعدهم؟ فجاء الحديث على أن من بعدهم لا يبلغ مد أحدهم لا نصيفه أقوى وأكبر وهذا ظاهر الدلالة لمن تأمله ومن ثم أحتج بهذا الحديث عامة أئمة السنة على فضل الصحابة جميعاً وتحريم سب أحد منهم سواء كان متقدماً في إسلام أو متاخراً. ولاشك أن الطعن في الصحابة مفتاح الزندقة كما هو ظاهر في الطاعنين فيهم قديماً وحديثاً .


(1) رواه عنه ابو القاسم الجوهري في مسند الموطأ .
(2)
اخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة .


  #7  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 03:53 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي شرح لمعة الاعتقاد,الشيخ الغفيص


من عقيدة أهل السنة والجماعة: تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم، وذكر محاسنهم، والدفاع عنهم، والكف عن مساويهم وما حصل بينهم من شجار أو قتال. ومن عقيدتهم: الترضي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والاعتراف بفضلهن وسابقتهن، وأن معاوية رضي الله عنه خال المؤمنين، وكاتب وحي رسول رب العالمين، وأحد خلفاء المسلمين. ومن عقيدتهم: وجوب السمع والطاعة لأمراء المسلمين وأئمتهم، وعدم الخروج على ولاة المسلمين وإن كانوا ظالمين.




من السنة تولي أصحاب رسول الله ومحبتهم وذكر محاسنهم
قال الموفق رحمه الله: [ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومحبتهم، وذكر محاسنهم، والترحم عليهم، والإستغفار لهم، والكف عن ذكر مساويهم وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم، ومعرفة سابقتهم] . هذا كله مستقر أن من السنة التولي لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمصنف عبر بقوله: (والترحم عليهم) ولو عبر بالترضي لكان أجود، فإن الله يقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:18]، ويقول: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [التوبة:100] فالذي درج عليه أهل العلم وأهل السنة هو الترضي عن الصحابة، وأما من بعد الصحابة فإنه يترحم عليه، وهذا كله دعاء، وليس خبراً، ومع ذلك قدر يقع قدر من التوسع في ذلك، فأحياناً يُترضى عمن من بعد الصحابة فهذا لا بأس به، بل حتى ما هو فوق ذلك وهي الصلاة والسلام، فإنها خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما قصد الاطراد، وإلا إذا قيل: هل يجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم فيقال مثلاً: أبو بكر عليه الصلاة والسلام؟ ذهب: الجمهور من أهل السنة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والصحيح في مذهب أحمد أن هذا جائز، وإذا قيل: إنه جائز. ليس معناه أنه مشروع، إنما المراد أنه مأذون فيه ولا ينكر، وبشرط ألا يختص بمعين غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وألا يكون مطرداً. أي: دائماً لا يذكر أحد من الصحابة إلا ويقول: عليه الصلاة والسلام! هذا لا شك أنه بدعة، أو خصص صحابياً من الصحابة بعينه كعلي أو غيره من آل البيت بذلك فلا شك أن هذا بدعة، وأما إذا عرض أحياناً فإنه سائغ، وقد قال ابن عباس لعمر: [عليك الصلاة والسلام] ؛ فأقره. ......



وجوب الكف عن مساوئ الصحابة
قال الموفق رحمه الله: [والكف عن ذكر مساويهم] . من هدي أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم زمن الفتنة والقتال هو الكف عن ذلك، وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يجيب في بعض جواباته إذا سئل عن ذلك: بقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] وهذه قاعدة شريفة يجب على طالب العلم وعلى المسلمين عامة أن يتقلدوها، وهي من قواعد القرآن في الحكم بين الناس ومعرفة أحوالهم، فإن الله لم يكلف العباد أن يعرف بعضهم حال بعض أو شأن بعض، لا من جهة البر ولا من جهة الإثم والشر والعدوان. ولهذا فإن الصحابة في الجملة لم يكونوا على معرفة بتفاصيل أحوال المنافقين، وحتى ظاهر القرآن يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لم يعلم جميع المنافقين من حوله وفي زمنه، كما في قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] هذا صريح القرآن. إذاً: ما يقصد إليه البعض من تتبع أعيان الناس في الشرق و الغرب، وفي اليسير والقليل من الكلام، ويأخذ الكلام المجمل فيجعله مفصلاً، ويقول: إنه قصد كذا وكذا.. وهذا أصله من كذا وكذا.. ويفرع تفريعات، ويرمي الناس بالألقاب والأوصاف التي هي أوصاف ذم أو طعن! ويرى أن هذا من التحقيق والضبط للأمور.. هذا فيه تكلف ولا شك. لا شك أن من أظهر البدعة وعرف بها فإنه يطعن فيه، ويسمى مبتدعاً ببدعته، وهذا الذي درج عليه السلف؛ ولهذا من يقول: إن السلف ذموا أهل البدع. نقول: نعم، هذه سنة من سنن السلف لا ينكرها إلا جاهل أو مخالف للسلف، ولكن السلف إنما ذموا أهل البدع الذين أظهروا البدع وفارقوا السنة والجماعة، فكل من أظهر البدعة وفارق السنة والجماعة فإنه يذم، أما أن يتكلف إخراج الناس من السنة والجماعة ويحتكر اسم السنة والجماعة أو السلفية على أعداد يسيرة من الناس، فهذا ليس عدلاً ولا شرعاً ولا هدىً ولا أثراً سلفياً. فهذا حماد بن أبي سليمان أخرج العمل عن مسمى الإيمان، وعد السلف قوله بدعة وهو من أعيان أهل السنة، وابن خزيمة فسر حديث الصورة بتفسير كان الإمام أحمد يقول فيه: "هذا تفسير الجهمية"، ومع ذلك ما قال أحد: إن ابن خزيمة من الجهمية، والإمام أحمد في مسألة اللفظ بالقرآن في رواية أبي طالب ، وهي رواية صحيحة معتبرة، ومن أنكرها فقد غلط، وهي معروفة عند محققي الحنابلة وغيرهم، يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: القرآن غير مخلوق فهو مبتدع، ومع ذلك جاء محمد بن يحيى الذهلي وهو من كبار المحدثين وشيخ البخاري وأمثاله فقال: "إن اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً"، وأراد الذهلي أن القرآن ليس مخلوقاً، فكان مراد الذهلي صحيحاً، وحرفه ينكره الإمام أحمد ويقول: هذا حرف أهل البدع. وجاء البخاري وجماعة من كبار أئمة السنة والمحدثين فقالوا: "اللفظ بالقرآن مخلوق"، وكان مراد البخاري وأمثاله: أن أفعال العباد مخلوقة، فأرادوا باللفظ هنا فعل العبد، فمراد البخاري وأمثاله صحيح، وإن كان حرفه حرفاً مجملاً، فهل يقال: إن البخاري يسمى جهمياً لأن الإمام أحمد يقول: من قال: اللفظ بالقرآن مخلوق فهو جهمي؟! وأما ما تكلف فيه بعض المتأخرين أنها نسبة خاطئة إلى البخاري ولم يصح عنه؛ بلى فهذا غير صحيح، بل هذه أمور منضبطة وصحيحة عن البخاري وغيره، لكن المقصود أن الكلمات تفهم على مقاصدها، فمنهج أهل السنة الكف عما شجر بين الصحابة. وهذا لا يعني عدم العلم بما جاءت به السنة، كالقول بأن علياً أولى بالحق من معاوية ، فهذا ليس من الطعن في معاوية ، بل هذه سنن ثابتة حدث بها الرسول عليه الصلاة والسلام كما في قوله: (تقتلهم أولى الطائفتين بالحق). وكذلك القول عن الطائفة المعارضة لعلي : إنها طائفة باغية هذا لا بأس به؛

فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه في الصحيح قال: (تقتل عماراً الفئة الباغية)... إلى غير ذلك. فمثل هذه الأمور التي انضبطت سنناً وآثاراً عن النبي عليه الصلاة والسلام تقال، وأما التفاصيل والدخول في المقاصد وأمثال ذلك فهذا ليس من الهدي. قال الموفق رحمه الله: [قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10]،
وقال تعالى:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)] . لا يصل أحد إلى قدر الصحابة ومكانتهم أياً كان قدره ومقامه، فإن الصحابة لهم اختصاص الصحبة، وقد فضلهم الله تعالى بذلك، ومن هنا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم والتقديم عليهم. ......


  #8  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 03:53 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

العناصر
-حقوق الصحابة رضي الله عنهم

- ذكر بعض الآيات الواردة في فضل الصحابة رضي الله عنهم

- الكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

- حكم سب الصحابة


  #9  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 03:54 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

الأسئلة
س1:
اذكر منهج أهل السنة والجماعة في ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم.

س2:
اذكر بعض الآيات الواردة في فضل الصحابة رضي الله عنهم.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصحابة, تولي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir