دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات المحدثين > مقدمة كتاب المجروحين لابن حبان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 رمضان 1435هـ/5-07-2014م, 09:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي ذكر أنواع جرح الضعفاء

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ الْبُسْتِيُّ (ت: 354هـ): (ذكر أنواع جرح الضعفاء
قال أبو حاتم رحمه الله: فأما الجرح في الضعفاء فهو على عشرين نوعا، يجب على كل منتحل للسنن طالب لها باحث عنها أن يعرفها، لئلا يطلق على كل إنسان إلا ما فيه، ولا يقول عليه فوق ما يعلم منه.
[النوع الأول]
فأما النوع الأول من أنواع الجرح في الضعفاء فيهم الزنادقة الذين كانوا يعتقدون الزندقة والكفر، ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر، كانوا يدخلون المدن، ويشبهون بأهل العلم، ويضعون الحديث على العلماء، ويروون عنهم ليوقعوا الشك والريب في قلوبهم، فعسى يضلون ويضلون، فيسمع الثقات منهم ما يروون، ويؤدونها إلى من بعدهم، فوقعت في أيدي الناس حتى تداولوها بينهم.
أخبرنا عبد الملك بن محمد، عن عمار بن رجاء، عن سليمان بن حرب، قال: قال ابن لهيعة: دخلت على شيخ وهو يبكى، فقلت له: م يبكيك؟ قال: وضعت أربع مائة حديث أدخلتها في برنامج الناس، فلا أدري كيف أصنع؟
حدثنا مكحول، قال: حدثنا أحمد بن سليمان الرهاوي، قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ابن عون، قال: قال إبراهيم
[المجروحين: 1/ 58]
النخعي: إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم، فإنهما كذابان.
سمعت مكحول، يقول: سمعت جعفر بن أبان الحافظ، يقول: سمعت ابن نمير، يقول: مغيرة بن سعيد هذا كان ساحرا مشعبذا، وأما بيان فكان زنديقا، قتلهما خالد بن عبد الله القسري، وأحرقهما بالنار.
أخبرنا ابن المسيب، قال: حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: حدثنا يحيي بن عبد الله بن بكير، قال: سمعت الليث بن سعد، يقول: قدم علينا شيخ من الإسكندرية يروى عن نافع، ونافع يومئذ حي، قال: فأتيناه فكتبنا عنه فنداقين عن نافع، فلما خرج الشيخ أرسلنا بالفنداقين إلى نافع، فما عرف منها حديثنا واحد، فقال أصحابنا: ينبغي أن يكون هذا من الشياطين الذين حبسوا.

قال أبو حاتم: ومنهم من استفزه الشيطان حتى كان يضع الحديث.
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين.
[المجروحين: 2/ 59]
بسم الله الرحمن الرحيم
النوع الثاني
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من استفزه الشيطان حتى كان يضع الحديث على الشيوخ الثقات في الحث على الخير وذكر الفضائل، والزجر عن المعاصي والعقوبات عليها، متوهمون [متوهمين] إن ذلك الفعل مما يؤجرون عليه، ويتأولون قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدا» ما حدثني أحمد بن محمد الجواربي بواسط، قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، قال: سمعت أبا صالح، يقول: سمعت بقية يقول: سمعت إبراهيم بن أدهم، يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدا» أن قال: ساحر أو شاعر أو كاهن.
سمعت عبد الله بن جابر بطرسوس، يقول: سمعت جعفر بن محمد الأزدي، يقول: سمعت محمد بن عيسى بن الطباع، يقول: سمعت ابن مهدي، يقول لميسرة بن عبد ربه: من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا؟ قال: وضعتها أرغب الناس فيها.
النوع الثالث
قال أبو حاتم رحمه: ومنهم من كان يضع الحديث على الثقات وضعا استحلالا وجرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن أحدهم كان عامة ليله يسهر في وضع الحديث.
كان أبو البختري وهب بن وهب القاضي، وسليمان بن عمرو
[المجروحين: 1/ 65]
النخعي، والحسن بن علوان، وإسحاق بن نجيح الملطي وذويهم.
أخبرنا محمد بن زياد الزيادي، قال: أخبرنا ابن أبي شيبة، قال: سمعت يحيي بن معين، يقول: كان ببغداد قوم يضعون الحديث كذابين، منهم إسحاق بن نجيح الملطي، وأبو داود النخعي، ومحمد بن زياد كان يضع الحديث، وكان لأبي داود أب ثقة.
أخبرني محمد بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن إدريس، قال: كان أبو نعيم يوما جالس [جالسا] ورجل في ناحية المجلس يقول: حدثنا أبو نعيم، قال ابن جريج، فنظر إليه أبو نعيم، وقال: كذب الدجال، ما سمعت من ابن جريج شيئا.
النوع الرابع
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من كان يضع الحديث عند الحوادث تحدث للملوك وغيرهم في الوقت دون الوقت من غير أن يجعلوا ذلك لهم صناعة ليشوقوا بها، مثل النوع الثالث الذين ذكرناه، فأما هذا النوع فهو كغياث بن إبراهيم، حيث أدخل على المهدي، وكان المهدي يشترى الحمام ويشتهيها، ويلعب بها، فلما دخل غياث على المهدي إذا قدامه حمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين، فقال: حدثنا فلان، عن فلان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا سبق إلا في نصل أو حافر أو جناح » فأمر له المهدي ببدرة، فلما قام، قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه منه.
أخبرنا عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: حدثنا عمار بن رجاء، قال: حدثنا عبيد بن إسحاق العطار، قال: حدثنا سيف بن عمر، قال: كنا عند سعد بن طريق الإسكاف، فجاءه ابنه يبكى، فقال: ما لك؟ فقال:
[المجروحين: 1/ 66]
ضربني المعلم، فقال: أما والله لأخزينهم، حدثني عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين».
أخبرنا الضحاك بن هارون بجنديسابور، قال: حدثنا الأصفري، قال: حدثنا المعيطي قال: سئل إبراهيم بن أبي يحيي عن رجل أعطى الغزل إلى الحائك، فنسج له وفضل منه خيوط، فقال صاحب الثوب: هو لي، وقال النساج: هو لي، فالخيوط لمن؟ فقال إبراهيم: حدثني ابن جريج، عن عطاء: إن كان صاحب الثوب أعطاه للإردهالج فالخيوط له، وإلا فهو للحائك.
النوع الخامس
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من قد كتب وغلب عليه الصلاح والعبادة، وغفل عن الحفظ والتمييز، فإذا حدث رفع المرسل وأسند الموقوف وأقلب الأسانيد، وجعل كلام الحسن عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم وما يشبه هذا، حتى خرج عن حد الاحتجاج به كأبان بن أبي عياش ويزيد الرقاشي وذويهما.
حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: سمعت يحيي بن سعيد القطان يقول: لم نجد الصالحين أكذب منهم في الحديث.
حدثنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، قال: حدثنا ابن قهزاد، قال: سمعت أبا إسحاق الطالقاني، يقول: سمعت ابن المبارك، يقول: لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين ألقى عبد الله بن محرز أن ألقاه، ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه.
حدثني محمد بن المنذر، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: سمعت
[المجروحين: 1/ 67]
عمرو الناقد، يقول: سمعت وكيعا يقول وسأله رجل، فقال: يا أبا سفيان تعرف حديث سعيد بن عبيد الطائي عن الشعبي في رجل حج ثم حج؟ قال: من يرويه؟ قلت: وهب بن إسماعيل، قال: ذاك رجل صالح، وللحديث رجال.
النوع السادس
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم جماعة ثقات اختلطوا في أواخر أعمارهم حتى لم يكونوا يعقلوا [يعقلون] ما يحدثوا [يحدثون] فأجابوا فيما سئلوا، وحدثوا كيف شاؤوا، فاختلط حديثهم الصحيح بحديثهم السقيم فمل يتميز، فاستحقوا الترك.
أخبرنا مكحول، قال: حدثنا أبو الحسين الرهاوي، قال: حدثنا مؤمل بن الفضل، قال: سألت عيسى بن يونس، عن ليث بن أبي سليم، فقال: قد رأيته، وكان قد اختلط، وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار وهو على المنارة يؤذن.
أخبرني محمد بن صالح الحنبلي، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد، قال: سمعت الحوضي، يقول: دخلت على فلان أريد أن أسمع فيه وقد اختلط، فسمعته يقول: الأزد عريضة، ذبحوا شاة مريضة، أطعموني فأبيت، ضربوني فبكيت، فتركته ولم أسمع منه شيئا.
النوع السابع
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من كان يجيب عن كل شيء يسأل، سواء كان ذلك من حديثه أو من غير حديثه، لا يبالي أن يتلقن ما لقن، فإذا قيل له: هذا من حديثك حدث به من غير أن يحفظ، فهذا وأضرابه لا يحتج، لأنهم يكذبون من حيث لا يعلمون.
[المجروحين: 2/ 68]
أخبرنا محمد بن سعيد القزاز، قال: حدثنا أحمد بن منصور، قال:حدثنا نعيم بن حماد،قال: سمعت يحيى بن حسان، يقول: جاء قوم ومعهم جزء، فقالوا: سمعناه من بن لهيعة، فقلت: أي شيء ذاك الكتاب الذي حدثت به؟ ليس ههنا فى هذا الكتاب حديث من حديثك، ولا سمعتها أنت قط، قال: ما أصنع بهم ؟ يجيئون بكتاب فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم به .
أخبرنا عمر بن محمد الهمدانى، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: كنا عند شيخ من أهل مكة أنا وحفص بن غياث وإذا أبو شيخ جارية بن هرم يكتب عنه، فجعل حفص يضع له الحديث، ويقول: حدثتك عائشة بن طلحة عن عائشة بكذا، فيقول: حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة بكذا، ثم يقول له: وحدثك القاسم بن محمد، عن عائشة بكذا، فيقول: حدثنا القاسم عن عائشة بكذا، ويقول: حدثك سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله، فيقول: حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس، فلما فرغ ضرب حفص بيده إلى ألواح جارية فمحاها، فقال: تحسدوني، فقال له حفص: لا، ولكن هذا كذب، فقلت ليحيي: من الرجل؟ فلم يسمه، فقلت له يوما: يا أبا سعيد لعل عندي عند هذا الشيخ ولا أعرفه، قال: هو موسى بن دينار.
النوع الثامن
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من كان يكذب ولا يعلم أن يكذب، إذ العلم لم يكن من صناعته، ولا أغبر فيها قدمه كما قال بعض أهل البصرة: كان بالعوقة شيخ عنده صحيفة عن حميد عن أنس، وكان مؤذنهم، فلما مات قيل لي: إن في ذلك المسجد شيخ يحدث بتلك الصحيفة عن حميد نفسه، قال: فأتيته، فإذا شيخ عليه سجادة وأثر الخير فيه بين، فقلت له: صحيفة حميد، فأخرجها إلي، وإذا هي تلك الصحيفة بعينها، فقلت: أقرأ، فأخذ يقول: حدثنا حميد حتى أتى على آخرها، فقلت له: أي موضع حميد [أ] ؟ قال: لم أره، قلت: فكيف تحدث عمن لم تره؟ قال: هذا لا
[المجروحين: 2/ 69]
لا يجوز؟ قلت: لا، قال: كان في هذا المسجد شيخ يؤذن ويحدث بهذه الصحيفة، فلما مات ولوني الأذان مكانه وأعطوني الصحيفة، وقالوا: أذن كما يؤذن، وحدث كما كان يحدث، فأنا أؤذن كما كان يؤذن، وأحدث كما كان يحدث.
أخبرني محمد بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن إدريس، قال: حدثنا مؤمل بن إهاب، عن يزيد بن هارون، قال: كان بواسط رجل يروى عن أنس بن مالك أحر فـ [أ] ثم قيل: إنه خرج كتاب عن أنس، فأتيناه فقلنا له: هل عندك شيء من تلك الأحرف؟ فقال: نعم, عندي كتاب عن أنس، فقلنا: أخرجه إلينا، فنظرنا فيه، فإذا هي أحاديث شريك بن عبد الله النخعي، فجعل يقول: حدثنا أنس بن مالك، فقلنا له: هذه أحاديث شريك، فقال: صدقتم، حدثنا أنس عن شريك، قال: فأفسد علينا تلك الأحرف التي سمعناها منه، وقمنا عنه.
أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهزاني، قال: حدثنا يحي بن صالح، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث، فقالوا: هذا رجل يحدث عن خالد بن معدان، قال: فأتيته فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ قال: سنة ثلاث عشرة، فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بعد موته بسبع.
قال: إسماعيل: مات خالد سنة ست ومائة.
النوع التاسع
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من كان يحدث عن شيوخ لم يرهم بكتب صحاح، فالكتب في نفسها صحيحة إلا أن سماعه من أولئك الشيوخ لم يكن، ولا سمع منهم ولا رآهم، كأبي صالح صاحب الكلبي والكلبي وذويهما.
أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا عباس بن محمد، قال:
[المجروحين: 2/ 70]
سمعت يحيي بن معين، يقول: كان شيخ عند درب أبي الطيب، يروي عن الأوزاعي، يقول: حدثنا أبو عمرو رحمه الله، فذهبنا إليه فقعدنا يوما في الشمس، فذهبنا ننظر، فإذا في أعلى الصحيفة: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة، قال: فطرحنا صحيفته وتركناه، وكان كنيته أبو قتادة، وليس هو أبو قتادة الحراني.
أخبرني محمد بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم أبو أمية، قال: سمعت عفان، يقول: كان بالبصرة بالعوقة شيخ يحدث عن قتادة، فكتبنا عنه، ثم سألناه: كيف كان إقبال عليك؟ فقال: ما سمعت من قتادة شيئا، فقلنا: هذا الذي حدثتنا؟ قال: هذا شيء أرجو أن ينفعكم الله تعالى به، قال: فجعل يحثنا على البقية أن نكتب عنه، وجعلنا نتعجب منه.
أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا بعض أصحابنا، عن عفان، قال: كان عندنا شيخ بالبصرة، وعنده عن سعيد الحريري: حدثنا سعيد الحريري، فقلنا: إنما هو سعيد الجرير، فقال: نعم رأيت جراره التي كان يبيعها.
قال أبو حاتم: كذب إنما هو قبيلة من جرير بن عباد.
حدثنا محمد سعيد القزاز، قال: حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن أحمد بن إسحاق الحضرمي، قال: كان ههنا بالبصرة شيخ يروى عن أنس بن مالك، فلما أتى عليه أيام تخطا إلى أبي برزة الأسلمي، فقال أخي يعقوب بن إسحاق: مر بنا إلى هذا الشيخ حتى أجربه أصادق هو أم كاذب فيما يقول؟ فجاءه يعقوب، فقال له: يا شيخ رأيت أنس بن مالك؟ قال: نعم، قال: رأيت أبا برزة الأسلمي؟ قال: نعم، قال: رأيت علقمة بن قيس؟ قال الشيخ صاحب ابن مسعود؟ فقال له: نعم، فقال الشيخ: نعم، وأبوه قيس أيضا رأيته، قال: فقال يعقوب: قم عن هذا الشيخ، فإنه كذاب.
أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا يوسف بن مسلم، قال: سمعت حجاج بن محمد، يقول: أتينا مرة شيخا، فأخرج إلينا كتبه، فأخذنا
[المجروحين: 2/ 71]
منها وتركنا، فقال: لأي شيء تركتم هذا؟ اشتريته بأكثر مما اشتريت هذا.
النوع العاشر
قال أبو حاتم رحمه الله: ومنهم من كان يقلب الأخبار ويسوى الأسانيد، كخبر مشهور عن سالم، يجعله عن نافع، وآخر لمالك، يجعله عن عبيد الله بن عمر ونحو هذا كإسماعيل بن عبيد الله التيمي وموسى بن محمد البلقاوي وعمر بن راشد الساحلي وذويهم، وقد رأينا في عصرنا جماعة مثلهم يسوون الأحاديث سنذكرهم في هذا الكتاب بالفصول عنهم إن قضى الله عز وجل ذلك وشاءه.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا محمد بن يحيي، قال: سمعت نعيم بن حماد، يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: قلت لشعبة، من الذي نترك الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية ما لا يعرف.
سمعت ابن خزيمة، يقول: سمعت أحمد بن الحسن الترمذي، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: توهمت أن بقية لا يحدث بالمناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهي، فعلمت من أين أتى.
النوع الحادي عشر
قال أبو حاتم: ومنهم جماعة رأوا شيوخا وسمعوا منهم، ثم ذكروا عنهم بعد موتهم بأحاديث لم يسمعوها منهم، فحفظوها، فلما احتيج إليهم ظفروا عليها وحدثوا بها عن الشيوخ الذين رأوهم من غير تدليس عنهم، وقد رأينا ضرب هذا جماعة من الشيوخ والكهول يفعلون نحو هذا، سنذكرهم فيما بعد إن شاء الله.
سمعت عب الله بن جابر بطرسوس، يقول: سمعت جعفر بن محمد الأذني، يقول: سمعت محمد بن عيسى بن الطباع، يقول: قال لي أخي إسحاق بن عيس: ذاكرت محمد بن جابر ذات يوم بحديث لشريك عن أبي
[المجروحين: 2/ 72]
إسحاق، فرأيته في كتابه قد ألحقه بين السطرين كتابا طريا.
أخبرنا محمد بن داود الرازي، قال: حدثنا ابن حميد، عن جرير، قال: قال لي محمد بن جابر: سألني أبو حنيفة كتب حماد بن أبي سليمان، فلم أعطه، فدس إلي ابنه حتى أخذها مني، فهو يرويها عن حماد.
أخبرنا محمد بن المنذر، قال: سمعت عباس، يقول: قال يحيي بن معين: قال لي هشام بن يوسف: جاءني مطرف بن مازن، فقال: أعطني حديث ابن جريح ومعمر حتى أسمعه منك، فأعطيته فكتبها عنه، ثم جعل يحدث بها عن معمر نفسه وعن ابن جريج، فقال لي هشام: انظر في حديثه فهو مثل حديثي سواء، فأمرت رجلا فجاءني بأحاديث مطرف بن مازن، فعارضته بها فإذا هي مثلها سواء، فعلمت أنه كذاب.
النوع الثاني عشر
قال أبو حاتم: ومنهم من كتب الحديث ورحل فيه إلا أن كتبه قد ذهبت، فلما احتيج إليه كان يحدث من كتب الناس من غير أن يحفظها كلها أو يكون له سماع فيها كابن لهيعة وذويه.
حدثني محمد بن المنذر، قال: سمعت أحمد بن واضح المصري، يقول: كان محمد بن خلاد الإسكندراني رجلا [صالحا] ثقة، ولم يكن فيه اختلاف حتى ذهبت كتبه، فقد علينا رجل يقال له: أبو موسى في حياة ابن بكير، فدفع إليه نسخة ضمام بن إسماعيل ونسخة يعقوب، فقال: أليس قد سمعت النسختين؟ قال: نعم، قال: فحدثني بهما، قال: ذهبت كتبي ولا أحدث به، قال: فما زال به هذا الرجل حتى خدعه، وقال له: النسخة واحدة، فحدث بها، وكل من سمع منه قديما قبل ذهاب كتبه فحديثه صحيح، ومن سمع منه بعد ذلك فحديثه ليس بذاك.
سمعت محمد بن محمود النسائي، يقول: سمعت علي بن سعيد، يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: من سمع من ابن لهيعة فسماعه أصح، قدم علينا ابن المبارك سنة تسع وسبعين ومائة، قال: من
[المجروحين: 2/ 73]
سمع ابن لهيعة منذ عشرين سنة فهو صحيح، قلت له: سمعت من ابن المبارك؟ قال: لا.
قال أبو حاتم: هذا إذا ميز بين حديثه المعروف عنه الذي حدث من كتابه وبين ما حدث بعد احتراق كتبه، وقد سبرت حديثه من رواية العبادلة عنه عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله بن يزيد المقري وبين حديثه الذي حدث بعد احتراق كتبه، فلما حدث بما لليس من حديثه بعد احتراق كتبه، فرأيت في القديم أشياء مدلسة وأوهاما كثيرة تدل على قلة مبالاة كانت فيه قبل احتراق كتبه، فلما حدث بما ليس من حديثه بعد احتراق كتبه استحق الترك.
سمعت محمد بن إبراهيم العبدي، يقول: سمعت قتيبة بن سعيد، يقولك سمعت أحمد بن محمد بن سعيد القيسي، يقول: ما أحرق كتب ابن لهيعة بعث إليه الليث بن سعد كالغد [من الغد] ألف دينار.
النوع الثالث عشر
قال أبو حاتم: ومنهم من كثر خطؤه وفحش، وكاد أن يغلب صوابه فاستحق الترك من أجله، وإن كان ثقة في نفسه، صدوقا في روايته، لأن العدل إذا ظهر عليه أكثر أمارات الجرح استحق الترك، كما أن من ظهر عليه أكثر التعديل استحق العدالة.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا محمد بن يحيي، قال: سمعت نعيم بن حماد، يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: قلت لشعبة: من الذي تترك الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية مالا يعرف أو أكثر الغلط.
أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد العنسي بدمشق، قال: حدثنا مضر بن محمد الأسدي، قال: سألت يحيي بن معين عن إسماعيل بن عياش؟ قال: إذا حدث عن الشامين فحديثه صحيح، وإذا حدث عن العراقيين أو المدنيين خلط ما شئت.
[المجروحين: 2/ 74]
النوع الرابع عشر
قال أبو حاتم: ومنهم من امتحن بابن سوء أو وراق سوء كانوا يضعون له الحديث، وقد أمن الشيخ ناحيتهم، فكانوا يقرؤون عليه، ويقولون له: هذا من حديثك، فيحدث به، فالشيح في نفسه ثقة، إلا أنه لا يجوز الاحتجاج بأخباره ولا الرواية عنه ملا خالط أخباره الصحيحة الأحاديث الموضوعة.
وجماعة من أهل المدينة امتحنوا بحبيب بن أبي حبيب الوراق، كان يدخل عليهم الحديث، ممن سمع بقراءته عليهم فسماعه لا شيء.
وكذلك كان عبد الله بن ربيعة القدامي بالمصيصة كان له ابن سوء يدخل عليه الحديث عن مالك وإبراهيم بن سعد وذويهما.
وكان منهم سفيان بن وكيع بن الجراح، كان له وراق يقال له: قرطمة [قرطبة] يدخل عليه الحديث في جماعة مثل هؤلاء يكثر عددهم.
أخبرني محمد بن عبد الله ببيروت، قال: حدثنا جعفر بن أبان الحافظ، قال: سألت ابن نمير، عن قيس بن الربيع؟ فقال: كان له ابن هو آفته، نظر أصحاب الحديث في كتبه، فأنكروا حديثه، وظنوا أن ابنه قد غيرها.
النوع الخامس عشر
قال أبو حاتم: ومنهم من ادخل عليهم شيء من الحديث وهو لا يدري.
فلما تبين له لم يرجع عنه، وجعل يحدث به آنفا من الرجوع عما خرج منه، وهذا لا يكون إلا من قلة الديانة والمبالاة بما هو مجروح في فعله، فإن سلم في أول وهلة وهو لا يعلم ما يحدث به ثم علم وحدث بعد العلم بما ليس من حديثه وإن كان شيئا يسيرا، فقد دخل في جملة المتروكين لتعديه ما ليس له.
سمعت محمد بن إسحاق الثقفي، يقول: سمعت أبا سيار- وكان
[المجروحين: 2/ 75]
كحبر الرجال- يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: لعن غياث داود الأودي، عن الشعبي، عن علي، قال: لا يكون مهرا أقل من عشرة دراهم فصار يحدث.
سمعت محمد بن المنذر، يقول: سمعت أحمد بن واضح، يقول: كان هانئ بن المتوكل لم يكن أول أمره يحدث بشيء من هذا المناكير، إنما أدخلوا عليه بعد ما كبر الشيخ.
النوع السادس عشر
قال أبو حاتم: ومنهم من سبق لسان حتى حدث بالشيء الذي أخطأ فيه وهو لا يعلم، ثم تبين له وعلم فلم يرجع عنه وتمادى في روايته ذلك الخطأ بعد علمه أنه أخطأ فيه أول مرة، من كان هكذا كان كذابا، ومن صح عليه الكذب استحق الترك.
أخبرنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران مولى ثقيف، قال: حدثنا محمد بن يحيي، قال: سمعت نعيم بن حماد، يقول: سمعت ابن مهدي، يقول: قلت لشعبة: من الذي تترك الرواية عنه؟ قال: إذا تمادى في غلط مجتمع عليه، ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه، أو رجل يتهم بالكذب.
أخبرنا الحسين بن إسحاق الأصبهاني، قال: أخبرنا داود السجستاني، قال: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا عفان، قال: سمعت شعبة، يقول: لو قيل لعاصم بن عبيد لله: من بنى مسجد البصرة؟ لقال: فلان بن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع السابع عشر
قال أبو حاتم: ومنهم المعلن بالفسق والسفه وإن كان صدوقا في روايته، لأن الفاسق لا يكون بعدل [عدلا]، والعدل لا يكون مجروحا، ومن خرج عن حد العدالة لا يعتمد على صدقه وإن صدق في شيء بعينه
[المجروحين: 2/ 76]
في حالة من الأحوال أن يظهر منه ضد الجرح، حتى يكون أكثر أحواله طاعة الله عز وجل فحينئذ يحتج بخيره، فأما قبل ظهور ذلك عنه فلا.
أخبرنا محمد بن سعيد القزاز، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا معن، قال: سمعت مالكا يقول: أربعة لا يكتب عنهم، رجل سفيه معروف بالسفه، وصاحب هوى داعية إلى هواه، ورجل صالح لا يدري ما يحدث، ورجل يكذب في حديثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائرهم يكتب عنهم.
سمعت محمد بن المنذر، يقول: سمعت عباس، يقول: سمعت يحيي بن معين، يقول وذكرت له شيخا كان يلزم ابن عيينة يقال له: ابن مبادر، فقال: أعرفه كان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى تلسع الناس، وكان يصب المداد بالليل في المواضع التي يتوضأ منها، حتى تسود وجوه الناس، ليس يروى عنه رجل فيه خير.
النوع الثامن عشر
قال أبو حاتم: ومنهم المدلس عمن لم يره، كالحجاج بن أرطأة وذويه، كانوا يحدثون عمن لم يروه، ويدلسون حتى لا يعلم ذلك منهم.
سمعت محمد بن عمرو بن سليمان، يقول: سمعت محمد بن يحيي الذهلي، يقول: الحجاج بن أرطاة لم يسمع من الزهري ولم يره.
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: سمعت هشيما، يقول: قال لي الحجاج بن أرطاة: صف لي الزهري.
أخبرني محمد بن المنذر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا زيد بن يحيي الأنماطي، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي أوفي، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل على آل فلان» فحدثه الحجاج بن أرطاة، فقال: هذا أصل، ثم سمعته يحدث عمرو بن مرة، فقلت: سمعت منه؟ فقال: إذا حدثتني به فلا أبالي أن لا أسمعه.
[المجروحين: 2/ 77]
سمعت مكحولا، يقول: سمعت جعفر بن أبان، يقول: سمعت ابن نمير، يقول: سمعت أبا خالد الأحمر، يقول: قال لي الكلبي: قال لي عطية: كنيتك بأبي سعيد، فأنا أقول: حدثني أبو سعيد.
أخبرنا محمد بن المسيب، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، إنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.
أخبر ابن قتيبة، قال: حدثنا راشد بن سعيد، قال: حدثنا سلم بن قتيبة، عن شعبة، قال: قلت ليونس بن عبيد، سمع الحسن من أبي هريرة. قال: لا ولا كلمة، قلت: الضحاك سمع من ابن عباس؟ قال: ما رآه قط.
النوع التاسع عشر
قال أبو حاتم: ومنهم المبتدع إذا كان داعية يدعو الناس إلى بدعته، حتى صار إماما يقتدى به في بدعته، ويرجع إليه في ضلالته، كغيلان وعمرو بن عبيد وجابر الجعفي وذويهم.
أخبرنا أبو يعلي، قال: حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن ابن سيرين، قال: كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة، فسألوا عن الرجل، فإن كان من أهل السنة أخذوا حديثه، وإن كان من أهل البدعة فلا يؤخذ حديثه.
أخبرنا مكحول، قال: حدثنا جعفر بن أبان الحافظ، قال: قلت: لأحمد بن حنبل رحمه الله: فنكتب عن المرجئ والقدري وغيرهما من أهل الأهواء؟ قال: نعم إذا لم يكن يدعو إليه ويكتب [يكثر] الكلام فيه، فأما إذا كان داعيا فلا.
سمعت عبد الله بن علي الجبلي بجبل، سمعت يقول: سمعت محمد بن أحمد الجنيد الدقاق، يقول: سمعت عبد الله بن يزيد المقرئ، يقول عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته جعل يقول: انظروا هذا الحديث ممن تأخذون، فإنا إذا كنا رأينا رأيا جعلنا له حديثا.
[المجروحين: 2/ 78]
سمعت ابن المسيب، يقول: سمعت ابن الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: سمعت ابن عيينة، يقول: كنا يوما عند جابر الجعفي في بيت فتكلم بكلام نظرنا إلى السقف، فقلنا: الساعة يسقط علينا.
أخبرنا محمد إسحاق الثقفي، قال: حدثنا الجوهري، قال: حدثنا القواريري، قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الحارثي، عن ابن عون، عن ثابت، قال، رأيت عمر بن عبيد في المنام في حجره مصحف وهو يحك منه شيئا، فقلت له: ما تصنع؟ قال: أثبت مكانها خيرا منها.
سمعت القاسم بن محمد بن حمويه بالصافية، يقول: سمعت أحمد بن الخيل، يقول: سمعت أبا بكر بن عياش، يقول: حدثنا عاصم، قال: قال لي رجل: هل لك في رجل من الفقهاء؟ قلت: نعم، فانطلقت معه، فأدخلت على شيخ كبير قد بهر يكسر الكلام وحوله جماعة كأن على رؤوسهم الطير، فجلست معهم، فقال الشيخ: أشهد أن ابن أبي ثالب الهسن والهسين والمختار مبؤوثون من قبل يوم القيامة، فيملون الأرض عدلا كما مليت جورا، قال: قلت: كم يمكثون في ذلك العدل؟ قال: وأيش أنك سنة مائة سنة وأيش ألف سنة؟ ثمل قال لهم: أتشهدون؟ قالوا نشهد إنك صادق، فقال لي، أشهد، فقلت: أشهد أنك كاذب.
أخبرنا بن المسيب، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، قال: حدثنا يحي بن حمدي الطويل، عن عمرو بن النضر، قال: مررت بعمرو بن عبيد، فجلست إليه، فذكر شيئا، فقلت: ما هكذا يقول أصحابنا، قال: ومن أصحابك لا أبا لك؟ قلت: أيوب ويونس وابن عون والتيمي، قال: أولئك أرجاس أموات غير أحياء.
أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الله البزاز بالبصرة، قال: حدثنا أبو كامل الجحدري، قال: حدثنا عمرو بن النضر بن عمرو، قال: أي شيء مر لكم [بكم] البارحة في مجلس الحسن؟ قال: وأخبرته بمسألة مرت فأجاب فيها، قال: فقلت: كذا قال أصحابنا، قال: ومن أصحابكم؟ قال: قلت له:
[المجروحين: 2/ 79]
أيوب ويونس وهشام، قال: أولئك أنحاس أرجاس أطفاس أموات غير أحياء وما يشعرون.
قال أبو حاتم: هذا يقول لهؤلاء وهم أئمة العلم ومصابيح الدين وسرج الإسلام ومنار الهدى، ولم يكن على أديم الأرض في زمانهم أربعة يشبههم في الدين والفقه والحفظ والصلابة في السنة والبغض لأهل البدع مع التقشف الشديد والجهد في العبادة والورع الخفي.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا علي بن مسلم، قال: حدثنا أبو داود، قال: سمعت شعبة يقول: ما رأيت مثل أيوب ولا يونس ولا ابن عون قط.
حدثنا محمد أحمد الزيادي بنس، قال: سمعت علي بن حجر، يقول: حدثنا جرير، عن رقبة، قال: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام، قال: وعزتي لأكرمن مثوى سليمان التيمي.
أخبرنا محمد بن يعقوب بالأهواز، قال: حدثنا معمر بن سهل، قال: حدثنا المنهال بن بحر، قال: سمعت شعبة: يقول: انظروا عمن تكتبون، اكتبوا عن قرة بن خالد وسليمان بن المغيرة والأسود بن شيبان وابن عون، ووالله لوددت إني قدرت [أن] آخذ لابن عون كل يوم بالركاب.
النوع العشرين [العشرون]
قال أبو حاتم: ومنهم القصاص والسؤال الذين كانوا يضعون الحديث في قصصهم، ويروونها عن الثقات، فكان يحمل المستمع منهم الشيء بعد الشيء على حسب التعجب، فوقع في أيدي الناس، وتداولوها فيما بينهم كما:
أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد المعصوب ببلد الموصل، قال: سمعت جعفر بن أبي عثمان، يقول: صلى أحمد بن حنبل ويحيي بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيي بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة،
[المجروحين: 2/ 80]
أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طير منقاره من ذهب، وريشة من مرجان .....» وأخذ نحو عشرين ورقة، فجعل أحمد ينظر إلى يحيي، ويحيي إلى أحمد، فقال: أنت حدثت بهذا؟ فقال: والله ما سمعت به قط إلا الساعة، قال: فسكتوا جميعا حتى فرغ من قصصه وأخذ قطاعه، ثم قعد ينظر بقيتها، فقال له يحيي بن معين بيده أن تعال، فجاء متوهما لنوال خيره، فقال له يحيي: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيي بن معين، قال: أنا يحيي وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لا بد والكذب فعلى غيرنا، فقال له: أنت يحيي بن معين؟ قال: نعم، قال: لم أزل أسمع أن يحيي بن معين أحمق، كأن ليس في الدنيا يحيي وأحمد غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا، قال: فوضع أحمد بن حنبل كمه على وجهه وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهم.
قال أبو حاتم: وقد دخلت باجروان مدينة بين الرقة وحران فحضرت مسجد الجامع، فلما فرغنا من الصلاة قام بين أيدينا شاب فقال: حدثنا خليفة، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى لمسلم حاجة فعل الله به كذا ...» وذكر كلاما طويلا، فلما فرغ من كلامه دعوته، فقلت: من أين أنت؟ فقال من أهل بردعة، قلت: دخلت البصرة؟ قال: لا، قلت: رأيت أبا خليفة؟ قال: لا، قلت: فكيف تروي عنه وأنت لم تره؟ فقال: إن المناقشة معنا من قلة المروءة، أنا أحفظ هذا الإسناد الواحد، فكلما سمعت حديثا ضممته إلى هذا الإسناد فرويت، فقمت وتركته.
أخبرني محمد بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن إدريس، قال: حدثني مؤمل بن إهاب، قال: قام رجل يحدث ويزيد بن هارون قاعد، فجعل يسأل الناس فم يعط، فقال: حدثنا يزيد بن هارون، عن شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا سأل السائل ثلاثا فلم يعط يكبر عليهم
[المجروحين: 2/ 81]
ثلاثا، وجعل يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، فذكرنا ليزيد بن هارون، فقال: كذب الخبيث ما سمعت بهذا، قط، قال: وقام سائل فعجل يقول: حدثنا يزيد بن هارون عن ذئب بن أبي ذئب، فضحك يزيد بن هارون، فلما قمنا تبعناه، فقلنا: ويحك ليس اسمه ذئب إنما هو محمد بن عبد الرحمن، فقال: إذا كان أبوه اسمه أبو ذئب، فأي شيء كان ابنه إلا ذئب.
أخبرنا مكحول ببيروت، قال: حدثنا أبو الحسين الرهاوي، قال: سمعت يزيد بن هارون، يقول: ما رأيت أحد قط أكذب من أبي سعيد المدائني، وكان حسن القصص حسن النغمة، وكنت يوما عنده إذ قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن مسروق بن الأجدع وأنا أبكي عند قصصه، فالتفت إلى إنسان إلى جانبي: يحك هذا يكذب، فقال: أي لحية فقعودك عنده تبكي وأنت تعلم أن يكذب أيش؟
أخبرنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا أبو يحيي المستملي، قال: حدثنا أبو جعفر لجوزجاني، قال: حدثني أبو عبد الله البصري، قال: أتيت إسحاق بن راهويه، فسألته شيئا، فقال: صنع الله لك، فقلت: لم أسألك صنع الله، إنما سألتك صدقة، قال: لطف الله لك، فقلت: لم أسالك لطف الله، إنما سألتك صدقة، قال: فغضب، وقال: أيه الرجل الصدقة لا تحل لك، قلت: ولم يرحمك الله؟ قال: لأن جريرا حدثنا، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» وأنت صحيح قوي ذو مرة سوي، قال: فقال: ترفق رحمك الله، فإن معي حديث في كراهية العمل، فقال إسحاق: وما هو؟ فقلت: حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق، عن أفشين، عن أنباح، عن بان مان، عن سيماء الصغير، عن سيماء الكبير، عن عجيف بن عبسة، عن رغلمح بن أمير المؤمنين أنه قال: العمل شؤم وتركه، بقعد تمنى خير من أن تعمل قعنا [فقلنا] لا إله إلا الله، قال: فضحك إسحاق وذهب غضبه، وقال: زنا من هذا الحديث، فقلت: حدثني أبو عبد الله الصادق الناطق بإسناده عن عجيف فسأل [قال] قعد رغلمح في جلساته، فقال: أخبروني بأعقل الناس عندك، فأخبر كل واحد
[المجروحين: 2/ 82]
منهم بما عنده، فقال لهم: لم تصيبوا، قالوا له: فأخبرنا بأعقل الناس عندك، قال: أعقل لناس الذي لا يعمل، لأن من العمل يجئ التعب، ومن التعب يجئ المرض، ومن المرض يجئ الموت، ومن عمل فقد أعان على نفسه، وقال الله تبارك وتعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} .
قال إسحاق: زدنا من حديثك، قال: وحدثني أبو عبد الله الصادق الناطق بإسناده عن رغلمح قال: من أطعم أخاه شواء غفر الله له عدد النوى، ومن أطعم أخاه هريسة غفر الله له مثل الكنيسة، ومن أطعم أخاه جنب [جبنا] غفر الله كل ذنب، قال: فضحك إسحاق، وأمر له بلباسين ورغيفين وعودين.
قال أبو حاتم: فإذا كان مثل هؤلاء يجترئون على أحمد ويحيي وإسحاق حتى يضعوا الحديث بين أيديهم من غير مبالاة بهم كانوا إذا خلوا بمساجد الجماعات ومحافل القبائل مع العوام والرعاع أكثر جسارة في الوضع، فالقوم إنما كانت لغتهم العربية، فكان يعلق بقلوبهم ما سمعوا، فربما سمع المستمع من أحدهم حديثا قد وضعه في قصصه بإسناد صحيح على قوم ثقات فيرويها عنه على جهة التعجب فيحملونه عند ذلك، حتى وقع في أيدي الناس، من ههنا وجب التفتيش والتنقير عن أصل كل رواية، والبحث عن كل روا في النقل، حتى لا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
وأرجو أن تكون هذه الطائفة الذابة الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول زمرة يدخلون الجنان مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ الجنة حرام على الأنبياء أن يدخلوها قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى الأمم من قبل هذا الأمة، فالأولى أن يكون أقرب هذه الأمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يذب الكذب عنه في دار الدنيا، نسأل الله عز وجل الحلول في تلك المرتبة، إنه الفعال لما يريد.
ذكر إثبات النصرة لهذه الطائفة إلى قيام الساعة
حدثنا علي بن الحسن بن سلم الأصبهاني بالري، قال: حدثنا
[المجروحين: 2/ 83]
محمد بن عصام، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت شعبة، بن معاوية بن قرة، قال: سمعت أبي، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال ناس من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة».
أخبرني الحسن بن عثمان بن زياد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: مر أحمد بن حنبل على نفر من أصحاب الحديث وهم يعرضون كتاباتهم، فقال: ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة».
قال أبو حاتم: ومن أحق بهذا التأويل من قوم فارقوا الأهل والأوطان وقنعوا بالكسر والأطمار في كتب السنن والآثار وطلب الحديث والأخبار، يجولون في البراري والقفار، ولا يبالون بالبؤس والإقتار، متبعون لآثار السلف من الماضين، والسالكون ثبج محجة الصالحين، ورد الكذب عن رسول رب العالمين وذب الزور عنه حتى وضح للمسلمين المنار، وتبين لهم الصحيح من بين الموضع والزور من الآثار؟ وأرجو أن لا يكون من هذه الأمة في الجنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقرب من هذه الطائفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» وليس في هذه الأمة طائفة أكثر صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الطائفة، فهم على وجهوهم في الدنيا يهيمون، وبتعلم السنن [فيها ينعمون] وعلى حسن الاستقامة يدورون، وأهل الزيغ والأهواء يجتمعون [يقمعون] وعلى السداد في السنة يموتون، وعلى الخيرات في العقبى يقدمون، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هو المفلحون). [المجروحين: 1/ 84]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنواع, ذكر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir