دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 07:27 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أنواع العبادة التي أمر الله بها

وَأَنْوَاعُ العِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا:
مِثْلُ الإسْلاَمِ، وَالإيمَانِ، وَالإحْسَانِ؛ وَمِنْهُ: الدُّعَاءُ، وَالخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالخُشُوعُ، وَالخَشْيَةُ، وَالإنَابَةُ، والاسْتِعَانَةُ، والاسْتِعَاذَةُ، والاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ الله بِهَا:كُلُّها لِلَّهِ تَعَالى.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} .
فَمَنْ صَرَفَ مِنْها شَيْئاً لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَـرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وَفِي الْحَدِيثِ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ)) .
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذيِنَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:45 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) العبادةُ أنواعٌ : فمِنْها الإسلامُ بأركانِهِ.
فكلُّ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ أعمالِ الإسلامِ عبادةٌ، منْ صلاةٍ وصومٍ وغيرِ ذلكَ.
وهكذا الإيمانُ بأعمالِهِ الباطنَةِ، كالإيمانِ باللَّهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ والإيمانِ بالقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ، وكذلكَ الخوفُ والمحبةُ والرجاءُ إلى غيرِ ذلكَ.
فكلُّ ما يَتَعَلَّقُ بالقلوبِ داخلٌ في العبادةِ، بلْ هوَ أعلى أنواعِ العبادةِ وأعظمُها.
فالواجبُ على كلِّ مكلَّفٍ إخلاصُ العبادةِ للَّهِ وحدَهُ، فلا يدعُو معَ اللَّهِ الأنبياءَ، ولا الأولياءَ ولا الأصنامَ ولا الأشجارَ ولا الأحجارَ ولا النجومَ؛ لأنَّ العبادةَ حقٌّ للَّهِ وحدَه:
- قالَ تعالى: {وَأَنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} .
- وقالَ تعالى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
- وقالَ تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} .
- وقالَ سبحانَهُ وتعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ} .
- وقالَ عزَّ وجلَّ: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ، إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فسمَّى سبحانَهُ دعاءَهُم شركًا.
فالواجبُ على جميعِ المكلَّفينَ إخلاصُ العبادةِ للَّهِ وحدَهُ، رجاءً وخوفًا واستعانةً واستغاثةً وذبحًا ونذرًا وخشيةً للَّهِ وصلاةً وصومًا إلى غيرِ ذلكَ، كلُّهُ للَّهِ وحدَهُ.
فمَنْ تقرَّبَ لغيرِ اللَّهِ منْ وليٍّ أو نبيٍّ أو صنمٍ أو شجرٍ أو حجرٍ بالدعاءِ أو بالذبحِ أو بالنذرِ أو بالصلاةِ أو بالصومِ ونحوِ ذلكَ، فهوَ مشركٌ كافرٌ أشركَ باللَّهِ، وعَبَدَ مَعهُ سواهُ، كفعلِ المشركينَ الأوَّلِين مِنْ عُبَّادِ القبورِ، وعُبَّادِ الأشجارِ والأحجارِ والأصنامِ:
- ولهذا قالَ عزَّ وجَلَّ: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
- وقالَ تعالى: {إِنَّـهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الَجنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} .
- وقالَ سبحانَهُ وتعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلتَكُونَنَّ مِنَ الَخاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} .

(2) فكلُّ هذهِ العباداتِ يجبُ إخلاصُها للَّهِ، ومَنْ صرَفَ منها شيئًا لغيرِ اللَّهِ منْ صنمٍ أو شجرٍ أو حجرٍ أو قبرٍ فهوَ مشركٌ باللَّهِ.
(3) لقولِهِ تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ}، ولغيرِها منَ الآياتِ السابقاتِ، وهذا دليلٌ على ما تقدمَ.
(4) وفي الحديثِ: ((الدُّعاءُ مُخُّ العبادَةِ))، وفي لفظٍ آخرَ: ((الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ))، وقالَ سبحانَهُ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، فسمَّى الدعاءَ عبادةً في قولِهِ: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ} يعني: عنْ دعائِي.
فالدعاءُ هوَ أن يَضْرَعَ إلى اللَّهِ يَدْعُوهُ، ويسألُهُ النجاةَ، ويسألُهُ الرزقَ، كلُّ هذا عبادةٌ.
فإذا صرفَها للصنمِ أو للشجرِ أو للحجرِ أو لميتٍ، صارَ مشركًا باللَّهِ عزَّ وجلَّ.
فيَجِبُ الحذرُ مِنَ الشركِ كلِّه، دقيقِهِ وجليلِهِ، وأن تكونَ العبادةُ للَّهِ وحدَهُ، لكنَّ دعاءَ الحيِّ الحاضرِ القادرِ، والاستعانَةَ بِهِ في الشيءِ المقدورِ عليهِ، لا بأسَ بِهِ، ولاَ يُعْتَبَرُ داخِلاً في الشركِ، فلوْ قلتَ لأخيكَ الحاضرِ: يا عبدَ اللَّهِ، أَعِنِّي على قَطْعِ هذهِ الشجرةِ، أو على حفرِ هذهِ البئرِ، فلاَ بأسَ بذلكَ، كما قالَ سبحانَهُ في قصةِ موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ على الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}.
استغاثهُ الإسرائيليُّ على القِبْطِيِّ؛ لأَِنَّ موسى قادرٌ على إغاثتِهِ، يتكلَّمُ ويَسْمَعُ.
أما إذا اعْتَمَدَ على المَخْلوقِ فيما لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ اللَّهُ حاضرًا أو غائبًا أو ميتًا، واعتقدَ أنَّهُ ينفعُ مَنْ دَعَاهُ أو يَضُرُّ لا بالأسبابِ الحسيةِ منَ الشركِ باللَّهِ، كما قالَ تعالى عنهُم إنَّهُم قالوا: {هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}، فيَظُنُّونَ أنَّهُم يَسْتَطِيعونَ بعبادتِهِم إيَّاهم أنْ يَشْفَعُوا لَهُم عندَ اللَّهِ في حصولِ مطالِبِهِمْ أوْ أنَّهُم يُقَرِّبونَهُم إلى اللَّهِ زُلْفَى.
كما قالَ سبحانَهُ عنهُم في الآيةِ الأخرى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللَّهِ زُلْفَى}، وهذا من جهلِهِم وضلالِهِم بالشافعِ والمشفوعِ إليهِ.
واللَّهُ سبحانَهُ لَهُ الشفاعةُ جميعًا، وهوَ الذي يَتَصَرَّفُ في عِبَادِهِ كيفَ يشاءُ، فلا يَأْذنُ بالشفاعةِ إلاَّ فيمَنْ يَرْضَى اللَّهُ عملَهُ، ولا يشفعُ أحدٌ عندَهُ إلاَّ بعدَ إذنِهِ، كما قالَ تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} وقالَ تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}.
فالشفاعةُ لا تكونُ إلاَّ بإذنِهِ للشافعِ، ورضاهُ عنِ المشفوعِ فيهِ، وهوَ سبحانَهُ لاَ يَرْضَى بالشفاعةِ إِلاَّ لأهلِ التوحيدِ، كما صحَّ عنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: لَمَّا سألَهَ أبو هريرةَ قائلاً: (مَنْ أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِكِ يا رسولَ اللَّهِ؟)، قالَ: ((مَنْ قالَ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ خَالِصًا منْ قلبِهِ))، أخرجهُ البخاريُّ في صحيحِهِ، ولا تكونُ الشفاعةُ إلاَّ لمَنْ رَضِيَ قولَهُ وعملَهُ منْ أهلِ التوحيدِ والإيمانِ.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:46 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(1) لَمَّا بَيَّنَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أنَّ الواجبَ علينا أنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، بَيَّنَ فيما يَأْتِي شيئًا منْ أنواعِ العبادةِ فقالَ: وَأَنْوَاعُ العبادةِ مثلُ الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ.
وهذهِ الثلاثةُ؛ الإسلامُ والإيمانُ والإحسانُ، هيَ الدينُ، كما جاءَ ذلكَ فيما رَوَاهُ مُسْلِمٌ منْ حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: (بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عليهِ أَثَرُ السَّفَرِ، ولاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إِلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَن الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))، فَقالَ: صَدَقْتَ.
فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن الإِيمانِ.
قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بَاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))، قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن الإِحْسَان.
قالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
قالَ: فَأَخْبِرْنِي عَن السَّاعَةِ، قَالَ: ((مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)).
قالَ: فَأَخْبِرْنِي عنْ أَمَارَاتِهَا، قالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)).
ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قالَ لِي: ((يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟)) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قالَ: ((فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)).

فَجَعَلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذهِ الأشياءَ هيَ الدينُ، وذلكَ أنَّها مُتَضَمِّنَةٌ للدينِ كُلِّهِ.

(2) أيْ: كلُّ أنواعِ العبادةِ مِمَّا ذُكِرَ وغيرِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ، فلا يَحِلُّ صَرْفُهَا لغيرِ اللَّهِ تَعَالَى.

(3) ذَكَرَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً منْ أنواعِ العبادةِ، وَذَكَرَ أنَّ مَنْ صَرَفَ منها شيئًا لِغَيْرِ اللَّهِ فهوَ مُشْرِكٌ كافرٌ، واسْتَدَلَّ بقولِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، وَبِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
ووجهُ الدلالةِ من الآيَةِ الأولى: أنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أنَّ المساجدَ، وهيَ مَوَاضِعُ السجودِ أوْ أَعْضَاءُ السجودِ، لِلَّهِ، وَرَتَّبَ على ذلكَ قَوْلَهُ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} أيْ: لا تَعْبُدُوا معهُ غَيْرَهُ فَتَسْجُدُوا لهُ.
وَوَجْهُ الدلالةِ من الآيَةِ الثانيَةِ أنَّ اللَّهَ سبحانَهُ وتَعَالَى بَيَّنَ أنَّ مَنْ يَدْعُو معَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فإنَّهُ كافرٌ؛ لأنَّهُ قالَ: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
وفي قولِهِ: {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} إشارةٌ إلى أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ بُرْهَانٌ على تَعَدُّدِ الآلهةِ؛ فَهَذِهِ الصفةُ - {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} - صفةٌ كاشفةٌ مُبَيِّنَةٌ للأمرِ، وليستْ صِفَةً مُقَيِّدَةً تُخْرِجُ ما فيهِ بُرْهَانٌ؛ لأنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ بُرْهَانٌ على أنَّ معَ اللَّهِ إلهًا آخَرَ.

(4) هذا شروعٌ من المُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في أَدِلَّةِ أنواعِ العبادةِ التي ذَكَرَهَا في قولِهِ: (وأنواعُ العبادةِ التي أَمَرَ اللَّهُ بها، مثلُ الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ ومنهُ الدعاءُ...) إلخ، فَبَدَأَ رَحِمَهُ اللَّهُ بذِكْرِ الأَدِلَّةِ على الدعاءِ، وسيأتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَفْصِيلُ أَدِلَّةِ الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ.
وَاسْتَدَلَّ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بما يُرْوَى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ)).
وَاسْتَدَلَّ كذلكَ بقولِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِيْنَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
فَدَلَّت الآيَةُ الكريمةُ على أنَّ الدعاءَ من العبادةِ، ولَوْلاَ ذلكَ ما صَحَّ أنْ يُقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
فَمَنْ دَعَا غيرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بشيءٍ لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ اللَّهُ فهوَ مُشْرِكٌ كافرٌ، سواءٌ كانَ المَدْعُوُّ حَيًّا أوْ مَيِّتًا.
ومنْ دَعَا حَيًّا بِمَا يَقْدِرُ عليهِ، مثلُ أنْ يقولَ: يا فُلانُ أَطْعِمْنِي، يا فُلانُ اسْقِنِي، فلا شَيْءَ فيهِ. ومَنْ دَعَا مَيِّتًا أوْ غائبًا بمِثْلِ هذا فإنَّهُ مُشْرِكٌ؛ لأنَّ المَيِّتَ أو الغائبَ لا يُمْكِنُ أنْ يقومَ بمِثْلِ هذا، فَدُعَاؤُهُ إيَّاهُ يَدُلُّ على أنَّهُ يَعْتَقِدُ أنَّ لهُ تَصَرُّفًا في الكونِ، فيكونُ بذلكَ مُشْرِكًا.
وَاعْلَمْ أنَّ الدعاءَ نَوْعَانِ:
- دعاءُ مَسْأَلَةٍ.
- ودعاءُ عبادةٍ.
فدعاءُ المسألةِ: هوَ دعاءُ الطلبِ؛ أيْ: طلبِ الحاجاتِ، وَهُوَ عبادةٌ إذا كانَ من العبدِ لِرَبِّهِ؛ لأنَّهُ يَتَضَمَّنُ الافتقارَ إلى اللَّهِ تَعَالَى واللجوءَ إليهِ، وَاعْتِقَادَ أنَّهُ قادِرٌ كريمٌ واسعُ الفضلِ والرحمةِ، وَيَجُوزُ إذا صَدَرَ من العبدِ لمِثْلِهِ من المخلوقِينَ إذا كانَ المدعوُّ يَعْقِلُ الدعاءَ، وَيَقْدِرُ على الإجابةِ كما سَبَقَ في قولِ القائلِ: يا فلانُ أَطْعِمْنِي.
وأمَّا دُعَاءُ العبادةِ، فَأَنْ يَتَعَبَّدَ بهِ للمَدْعُوِّ؛ طَلَبًا لثوابِهِ، وَخَوْفًا منْ عقابِهِ، وهذا لا يَصِحُّ لغيرِ اللَّهِ، وَصَرْفُهُ لغيرِ اللَّهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ مُخْرِجٌ عن المِلَّةِ، وعليهِ يَقَعُ الوعيدُ في قولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:49 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن:

وَأَنْوَاعُ العِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا(1): مِثْلُ الإسْلاَمِ، وَالإيمَانِ، وَالإحْسَانِ(2)؛ وَمِنْهُ: الدُّعَاءُ، وَالخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالخُشُوعُ، وَالخَشْيَةُ، وَالإنَابَةُ، والاسْتِعَانَةُ، والاسْتِعَاذَةُ، والاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ(3) الَّتِي أَمَرَ الله بِهَا(4): كُلُّها لِلَّهِ تَعَالى(5).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} (6) .
فَمَنْ صَرَفَ مِنْها شَيْئاً لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ(7).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَـرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بهِ(8) فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(9)}
وَفِي الْحَدِيثِ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ)) (10).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(11) إِنَّ الَّذيِنَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(12)} .




الحاشية :

(1) أيْ: وأَصْنافُ العِبَادَةِ، التي شَرَعَ اللَّهُ لعِبَادِهِ القِيَامَ بِهَا، وتَعَبَّدَهم بِهَا، والنَّوْعُ كلُّ ضَرْبٍ، أو صِنْفٍ مِن كلِّ شيءٍ، وهو أَخَصُّ مِن الجِنْسِ.
(2) مِثْلُ الشَّيْءِ: شَبِيهُهُ ونَظِيرُه، وهذه الثَّلاَثَةُ: أَعْلَى مَرَاتِبَ الدِّينِ، وأهمُّ أنواعِ العِبَادَةِ، فلذلك بَدَأَ بِهَا المُصَنِّفُ رَحِمَه اللَّهُ.
(3) يعني: أنَّ أَنْواعَ العِبَادَةِ، لَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بهذه الأنْواعِ، ولاَ مَحْصُورَةً في هذه الأَنْواعِ، التي عَدَّهَا رَحِمَه اللَّهُ، بل هي أنواعٌ كثيرةٌ جدًّا.
(4) إشارةً إلى بعضِ حُدُودِها، عندَ بعضِ العُلَمَاءِ، أنَّها مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا، مِن غيرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ، ولا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ.
وللعُلَمَاءِ فيها تَعَارِيفُ كَثِيرَةٌ، وأَحْسَنُ وأَجْمَعُ مَا عُرِّفتْ به، هو مَا عَرَّفَها بِهِ شيخُ الإسلامِ بقولِهِ: (اسمٌ جَامِعٌ لكلِّ مَا يُحِبُّه اللَّهُ ويَرْضَاهُ، مِن الأقوالِ والأعْمَالِ، الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ) وعَدَّ نحوًا مِمَّا عَدَّه المُصَنِّفُ، وهو مِن أَشْمَلِ مَا عُرِّفتْ به، فكلُّ فَرْدٍ مِن أَفْرَادِ العِبَادَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ هذه العِبَارَةِ، فيَدْخُلُ فيها مَا ذُكِرَ، ويَدْخُلُ فيها مَا شَمِلَه الحَدُّ، فالعِبَادَةُ شَمِلَتْ جَمِيعَ أَنْواعِ الطَّاعَاتِ.
(5) أيْ: كُلُّ جَمِيعِ أنْواعِ العِبَادَةِ، مِمَّا ذُكِرَ وغيرِه، للَّهِ وحدَه، لاَ يَصْلُحُ منه شَيْءٌ لغيرِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، لاَ لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولاَ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، فَضْلاً عن غيرِهِمَا، ولاَ أَضَلَّ ولاَ أظْلَمَ مِمَّن يَجْعَلُ لِمَخْلُوقٍ مَرْبُوبٍ منها شَيْئًا.
(6) في المَساجِدِ تَفْسِيرَانِ:
أَحَدُهُما: أنَّها المَواضِعُ التي بُنِيَتْ لعِبَادَةِاللَّهِ. فالْمَعْنَى أنَّها إنَّما بُنِيَتْ لعِبَادَةِ اللَّهِ وحْدَه، فَلاَ تَعْبُدُوا فيها غيرَه.
والثَّانِيَةُ: أنَّها الأَعْضَاءُ، التي خَلَقَها ليُسْجَدَ لَهُ عَلَيْهَا؛ وهي الوَجْهُ واليَدَانِ والرُّكْبَتَانِ والقَدَمانِ، فَلاَ يُسْجَدُ بِهَا لِغَيْرِه.
و (أَحَدًا) كَلِمَةٌ شَامِلَةٌ عَامَّةٌ، نَكِرَةٌ في سِياقِ النَّهْيِ، شَمِلَت المَلاَئِكَةَ، والأنْبِيَاءَ والأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ وغَيْرَهم، فَلاَ يُدْعَى مَعَ اللَّهِ أَحَدٌ مِن المَلاَئِكَةِ، ولاَ الأنْبِيَاءِ، ولاَ الصَّالِحِينَ، ولاَ غيرِهم، فَقَدْ شَمِلَتْ جَمِيعَ الخَلْقِ.
(7) أيْ: مِمَّن صَرَفَ شيئًا مِن أنواعِ العِبَادَةِ، التي ذَكَرَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللَّهُ تَعَالَى، مثلَ: أنْ دَعَا غَيْرَ اللَّهِ، مِن الأَمْواتِ والغَائِبِينَ، أَوْ رَجَاهُم، أَوْ خَافَهُم، أو سَأَلَهُم قَضَاءَ الحَاجَاتِ، وتَفْرِيجَ الكُرُباتِ، وإِغَاثَةَ اللَّهَفَاتِ، أو غَيْرَ ذلك، فهو مُشْرِكٌ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ المُخْرِجَ مِن المِلَّةِ، كَافِرٌ الكُفْرَ الأَكْبَرَ المُخْرِجَ مِن المِلَّةِ.
والشِّرْكُ والكُفْرُ: قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنًى واحِدٍ وهو الكُفْرُ باللَّهِ، واسْمٌ لِمَن لاَ إِيمَانَ لَهُ، وقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُما، فيُخَصُّ الشِّرْكُ بِقَصْدِ الأَوْثَانِ، وغَيْرِها مِن المَخْلُوقَاتِ، مَعَ الاعْتِرَافِ باللَّهِ، فيَكُونُ الكُفْرُ أَعَمَّ.
(8) أي: ومَن أَشْرَكَ باللَّهِ، لاَ حُجَّةَ لَهُ ولاَ بَيِّنَةَ؛ لأَِنَّه لاَ حُجَّةَ لأَِحَدٍ في دَعْوَى الشِّرْكِ، و{لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} صِفَةٌ أُخْرَى لـ {إِلَهًا} لاَزِمَةٌ لَهُ، جِيءَ بِهَا للتَّأْكِيدِ، أو جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ والجَزَاءِ.
(9) أي: اللَّهُ يُحَاسِبُه عَلَى ذلك، فيُجَازِيه بِمَا يَسْتَحِقُّه عَلَى شِرْكِه، ثُمَّ أَخْبَرَ أنَّه لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ، فَسَمَّاهم كَافِرِينَ، لدُعَائِهِم مَعَ اللَّهِ غيرَه، ولاَ يُنَازِعُ مُسْلِمٌ في كُفْرِ مَن دَعَا مَعَ اللَّهِ غَيْرَه.
وفي الآيةِ أَوْضَحُ برهانٍ عَلَى كُفْرِ مَن دَعَا مَعَ اللَّهِ غيرَه، سَوَاءٌ كَانَ المَدْعُوُّ مَلَكًا، أو نَبِيًّا، أو شَجَرَةً، أو قَبْرًا، أو جِنِّيًّا.
(10) هذا شُرُوعٌ في ذِكْرِ أَدِلَّةِ أَنْواعِ العِبَادَةِ التي عَدَّها مُجْمَلَةً، فَأَمَّا الإِسْلاَمُ، والإيمانُ، والإِحْسَانُ، فسيَأْتِي مُفَصَّلاً في الأَصْلِ الثَّانِي.
وبَدَأَ بعدَها بالدُّعَاءِ؛ لأَِنَّه أَهَمُّها، فَقَالَ: وفي الحديثِ، يعني عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ)) ومُخُّ الشَّيْءِ: خَالِصُه، وفي لفظٍ: ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ)) وأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه بِضَمِيرِ الفَصْلِ والخَبَرِ المُعَرَّفِ بالأَلِفِ واللاَّمِ ليَدُلَّ عَلَى الحَصْرِ، وأنَّ العِبَادَةَ ليست غَيْرَ الدُّعاءِ، أو إنَّما هي الدُّعَاءُ نَفْسُه.
ثُمَّ الدُّعَاءُ نَوْعَانِ:
- دُعاءُ مَسْأَلَةٍ، وهو: طَلَبُ مَا يَنْفَعُ الدَّاعِيَ، مِن جَلْبِ نَفْعٍ أو دَفْعِ ضُرٍّ.
والنَّوْعُ الثَّانِي: دُعاءُ عِبَادَةٍ، بأيِّ نَوْعٍ مِن أَنْواعِ العِبَادَةِ، وهو: مَا لَمْ يَكُنْ فيه سُؤَالٌ، ولاَ طَلَبٌ.
وهذا الحديثُ جَاءَ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْرُونًا بالآيةِ.
(11) أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَه أنْ يَدْعُوهُ، ووَعَدَهُم أنْ يَسْتَجِيبَ لَهُم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، بل هو أَجَلُّ العِبَادَاتِ، وأَسَاسُها.
ودَلَّ عَلَى أنَّه سُبْحَانَه: يُحِبُّ مِن عِبَادِه أنْ يَدْعُوه، وأَنَّ الدُّعَاءَ مِمَّا يُحِبُّه اللَّهُ، وفي الحَدِيثِ: ((مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ))، وفي روايةٍ: ((مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)).
(12) سَمَّى الدُّعَاءَ عِبَادَةً، وجَاءَ فِي القُرْآنِ في غيرِ مَوْضِعٍ: أنَّه عِبَادَةٌ، فَصَرْفُه لغَيْرِ اللَّهِ شرْكٌ أَكْبَرُ، وأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الذي مَنَعَهم مِن عِبَادَةِ اللَّهِ، هو: الاسْتِكْبَارُ، فجُوزُوا بِهَذا الجَزَاءِ الفَظِيعِ، وهو دُخُولُهُم جَهَنَّمَ، صَاغِرِينَ ذَلِيلِينَ حَقِيرِينَ، عُقُوبَةً لَهُم عَلَى مَا تَرَكُوه مِن عِبَادَةِ اللَّهِ، التي فَرَضَها عَلَيْهِم.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:51 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(1) لَمَّا بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ وُجوبَ إفرادِ اللهِ تعالَى بالعِبادةِ، وذَكَرَ الأَدِلَّةَ علَى ذلكَ شَرَعَ في بَيانِ أنواعِ العِبادةِ التي شَرَعَ اللهُ لعِبادِهِ القيامَ بها، وسِياقِ الأَدِلَّةِ عليها، وقدْ تَقَدَّمَ معنَى العِبادةِ.

(2) وقولُهُ: (وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بها، مِثلُ: الإسلامِ، والإيمانِ، والإحسانِ) هذه الأنواعُ الثلاثةُ هيَ أَعْظَمُ مَراتِبِ الدِّينِ، وأَعْظَمُ أنواعِ العِبادةِ كما وَرَدَ في حديثِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ الآتي إن شاءَ اللهُ، وقدْ ذَكَرَها الْمُصَنِّفُ إجمالاً، ولَمَّا بَدَأَ بالتفصيلِ لم يُشِرْ إليها؛ لأنَّهُ سيَذْكُرُها فيما بعدُ.

(3) قولُهُ: (ومِنه: الدعاءُ، والخوفُ، والرجاءُ، والتوَكُّلُ، والرغبةُ والرهبةُ، والخشوعُ، والخشيَةُ، والإنابةُ، والاستعانةُ، والاستعاذةُ، والاستغاثةُ، والذبْحُ، والنذْرُ، وغيرُ ذلكَ مِن العِبادةِ التي أَمَرَ اللهُ بها) أيْ: ومِمَّا أمَرَ اللهُ بهِ الدعاءُ والخوفُ... إلخ.
وقولُهُ: (وغيرُ ذلكَ مِنْ أنواعِ العِبادةِ) إشارةٌ إلَى أنَّ أنواعَ العِبادةِ غيرُ مَحصورةٍ بهذه الأنواعِ بلْ هيَ كَثيرةٌ جِدًّا؛ لأنَّ كلَّ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرضاهُ مِن الأقوالِ والأعمالِ الظاهِرةِ والباطنةِ فهوَ عِبادةٌ، فالعِبادةُ تَشْمَلُ الدِّينَ كلَّهُ، والحياةَ كلَّها بهذا المعنَى.

(4) قولُهُ: (كُلُّهَا للهِ، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} ) أيْ: كلُّ أنواعِ العِبادةِ مِمَّا ذُكِرَ وغيرُهُ للهِ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ.
ثمَّ ذَكَرَ الدليلَ، وقدْ ذَكَرْنا فيما مَضَى تفسيرَ هذه الآيَةِ، وقُلنا: إنَّ الْمُرَادَ بالمساجِدِ أماكنُ الطاعةِ والعِبادةِ؛ أي: المساجدُ المعروفة.
ورُوِيَ عنْ بعضِ السلَفِ أنَّها أَعضاءُ السجودِ التي خَلَقَها اللهُ تعالَى ليَسْجُدَ عليها العبدُ، وعلَى أيِّ حالٍ فالآيَةُ دَليلٌ علَى وُجوبِ إفرادِ اللهِ تعالَى بالعِبادةِ لقولِهِ سُبحانَهُ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}.

(5) قولُهُ: (فمَنْ صَرَفَ مِنها شيئًا لغيرِ اللهِ فهوَ مُشْرِكٌ كافرٌ) أيْ: فمَنْ صَرَفَ شيئًا مِنْ أنواعِ العِبادةِ التي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ مِثلَ أنْ دعا غيرَ اللهِ تعالَى مِن الأمواتِ والغائبينَ، أوْ رَجاهُم أوْ خافَهم، أوْ سَأَلَهم قَضاءَ الحاجاتِ وتَفريجَ الكُرُبَاتِ، أوْ غيرَ ذلكَ، فهوَ مُشْرِكٌ الشرْكَ الأكبرَ؛ لأنَّهُ أَشْرَكَ معَ اللهِ غيرَهُ، وكافرٌ؛ لأنَّهُ جَحَدَ حقًّا للهِ تعالَى فصَرَفَهُ لغيرِهِ، فالشرْكُ والكفْرُ قدْ يَجتمعانِ فيمَنْ لا إيمانَ لهُ، فيُقالُ: إنَّهُ مُشْرِكٌ كافرٌ.
وقدْ يَنْفَرِدُ الشرْكُ بقَصْدِ الأوثانِ مِنْ قُبورٍ وغيرِها، وإن كانَ يَعْتَرِفُ باللهِ تعالَى فلا يُطْلَقُ عليهِ كافرٌ؛ لأنَّ الكفْرَ معناهُ الْجَحْدُ والإنكارُ، لكنه مُشْرِكٌ كافرٌ إذا صَرَفَ شيئًا مِنْ أنواعِ العِبادةِ لغيرِ اللهِ مُنْكِرًا أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالَى مُسْتَحِقٌّ لهذه الأنواعِ، ولهذا قالَ الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ: (فمَنْ صَرَفَ مِنها شيئًا لغيرِ اللهِ فهوَ مُشْرِكٌ كافرٌ).

(6) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ) أيْ: والدليلُ علَى أنَّ مَنْ دَعَا معَ اللهِ غيرَهُ فهوَ مُشْرِكٌ كافِرٌ هذه الآيَةُ؛ فإنَّ اللهَ تعالَى سَمَّاهُمْ كافرينَ لدُعائِهم معَ اللهِ غيرَهُ.
والبُرهانُ: هوَ الدليلُ الذي لا يَتْرُكُ في الحقِّ لَبْسًا، وهوَ أَقْوَى الأَدِلَّةِ؛ لأنَّهُ لا يَتْرُكُ التِباسًا عندَ السامعِ، ولهذا يُطْلَقُ عليهِ بُرهانٌ، فهوَ أَقْوَى مِن الْحُجَّةِ وأَقْوَى مِن الدليلِ؛ لأنَّ الدليلَ قدْ يكون ظَنِّيًّا لا قَطْعِيًّا، أمَّا البُرهانُ فهوَ أَمْرٌ قَطْعِيٌّ.
فقولُهُ سُبحانَهُ: {لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} يعني: ليسَ لهُ دليلٌ ولا حُجَّةٌ علَى هذا، ولا يُمْكِنُ لأحَدٍ أن يَدْعُوَ معَ اللهِ غيرَهُ ويكونَ لهُ بُرهانٌ بحيث يكونُ الذمُّ مُتَوَجِّهًا إلَى مَنْ دعا معَ اللهِ غيرَهُ وليسَ معه بُرهانٌ؛ لأنَّهُ يَستحيلُ وُجودُ بُرهانٍ علَى عِبادةِ إلهٍ آخَرَ معَ اللهِ تعالَى.
فهذا الوَصْفُ {لاَ بُرْهَانَ لَه} جاءَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - لِمُوافَقَةِ الوَاقِعِ، لا لإخراجِ المفهومِ عنْ حُكْمِ الْمَنْطوقِ بحيثُ يُقالُ: مَنْ عَبَدَ معَ اللهِ غيرَهُ ولهُ بُرهانٌ فلا مانِعَ، ومعنَى: (مُوافَقَةِ الواقِعِ) أنَّهُ وَصْفٌ مُطابِقٌ للواقِعِ؛ لأنَّهُم يَدْعُونَ معَ اللهِ غيرَهُ بلا بُرهانٍ.
وقولُهُ تعالَى: {فَإنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} يعني: حِسابُ هذا الذي دَعَا معَ اللهِ غيرَهُ عندَ رَبِّهِ، وهوَ حِسابٌ لا فَلاحَ معه؛ لقولِهِ تعالَى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، ونَفْيُ الفلاحِ يَدُلُّ علَى هَلاكِهِ وأنَّهُ مِنْ أهلِ النارِ.
والشاهِدُ مِن الآيَةِ هوَ أنَّ اللهَ جَلَّ وعَلاَ سَمَّى مَنْ دَعَا معَه غيرَهُ كافرًا، وهذا لا مُنَازَعَةَ فيهِ مهما كانَ هذا الْمَدْعُوُّ، سواءٌ كانَ مَلَكًا أوْ نَبِيًّا أوْ مَنْ هوَ دُونَ ذلكَ.

(7) قولُهُ: (وفي الحديثِ: ((الدُّعاءُ مُخُّ العِبادةِ)) ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بالاستدلالِ علَى كلِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ العِبادةِ التي ذَكَرَها.
والْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ سَرَدَ أنواعَ العِبادةِ كما تَقَدَّمَ، وسنَتَكَلَّمُ إن شاءَ اللهُ علَى كلِّ نوعٍ مِنها بما تَيَسَّرَ مِنْ تَعريفٍ، أوْ تَقسيمٍ، أوْ سِياقٍ، لبعضِ الأدِلَّةِ زِيادةً علَى ما ذَكَرَ الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ مِن الأَدِلَّةِ.
فبَدَأَ بـالنوعِ الأَوَّلِ وهو الدعاءُ؛ لأنَّهُ أَهَمُّ أنواعِ العِبادةِ لِمَا وَرَدَ في حديثِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))، فدَلَّ علَى أنَّ الدعاءَ أَهَمُّ أنواعِ العِباداتِ مِنْ وجهينِ:
الأوَّلُ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أتَى بضَميرِ الفَصْلِ: (هوَ) وضميرُ الفَصْلِ يُفيدُ التوكيدَ.
الثاني: أنَّهُ أتَى باللامِ في قولِهِ: ((العِبادةِ)) فكأنَّهُ قالَ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ لاَ غَيْرُهَا).
والدعاءُ في القرآنِ الكريمِ يَتناوَلُ مَعنيينِ:
الأوَّلُ: دُعاءُ العِبادةِ، وهوَ دُعاءُ اللهِ امتثالاً لأَمْرِهِ، فإنَّهُ سُبحانَهُ أَمَرَ عِبادَهُ بالدعاءِ، فمتَى دَعَوْتَ اللهَ سُبحانَهُ وتعالَى مُمْتَثِلاً أَمْرَهُ فإنَّ دُعاءَكَ عِبادةٌ، قالَ تعالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فإذا دَعَوْتَهُ امْتَثَلْتَ أَمْرَهُ، وإذا امْتَثَلْتَ أَمْرَهُ تكونُ عَبَدْتَهُ.
الثاني: دُعاءُ الْمَسألةِ وهوَ دُعاؤُهُ سُبحانَهُ وتعالَى بِجَلْبِ الْمَنفعَةِ ودَفْعِ الْمَضَرَّةِ.
فكِلاَ النوعينِ عِبادةٌ للهِ سُبحانَهُ وتعالَى، فمَنْ دَعَا اللهَ سُبحانَهُ وتعالَى طالِبًا جَلْبَ النفْعِ ودَفْعَ الضَّرِّ وهوَ في حالِ دُعائِهِ مُمْتَثِلاً أمْرَهُ سُبحانَه وتعالَى فإنَّهُ يكونُ قد اجْتَمَعَ في حَقِّهِ دُعاءُ العِبادةِ ودُعاءِ الْمَسألةِ.
أمَّا الحديثُ الذي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ)) فمُخُّ الشيءِ لُبُّهُ وخُلاصتُهُ وما يَقومُ بهِ.
ومعناهُ: أنَّ العِبادةَ لا تَقومُ إلاَّ بالدُّعاءِ كما أنَّ الإنسانَ لا يَقومُ إلاَّ بالْمُخِّ؛ لدَلالتِهِ عل الإقبالِ علَى اللهِ تعالَى والإعراضِ عمَّا سِواهُ.
وهذا الحديثُ يَدُلُّ علَى مَنْزِلَةِ الدُّعاءِ مِنْ بينِ أنواعِ العِبادةِ، وهوَ حديثٌ ضعيفٌ لكن معناهُ صحيحٌ، ويَشْهَدُ لهُ الحديثُ الذي ذَكَرْتُهُ آنِفًا وهوَ حديثُ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

(8) قولُهُ: (والدليلُ قولُهُ تعالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}) وَجهُ الدَّلالةِ مِن الآيَةِ: أنَّ اللهَ جَلَّ وعلا سَمَّى الدعاءَ عِبادةً فقالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أيْ: حَقِيرِينَ ذَليلينَ صَاغرينَ جَزاءً لهم علَى استكبارِهم.
فهذه الآيَةُ فيها أنَّ اللهَ تعالَى أَمَرَ بالدعاءِ ووَعَدَ بالإجابةِ فدَلَّ علَى أنَّ الدُّعاءَ عِبادةٌ بلْ هوَ مِنْ أَجَلِّ العِباداتِ.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:54 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)



[بيان معنى العبادة]
لما تقرر أن الرب هو المعبود، كان من المناسب أن تُذكر أنواع العبادة التي يعبد الله -جل وعلا- بها، والتي يجب إفراد الله -جل وعلا- بها.
والعبادة عرفت بعدة تعريفات، فمنها: أنها عرفت بأن العبادة: هي كل ما أُمر به، من غير اقتضاء عقلي، ولا اطراد عرفي.
وهذا هو تعريف الأصوليين في كتبهم.
ومعنى ذلك: أن الشيء الذي أُمر به من غير أن يقتضي العقل المجرد الأمر به، ومن غير أن يطرد به عُرف؛ هذا يسمى: عبادة.
يفسر ذلك تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى للعبادة في أول كتابه أو رسالته (العبودية) حيث قال: (إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة).
وهذا التعريف مناسب؛ لأنه أيسر في الفهم أولاً.
والثاني: أنه قريب المأخذ من النصوص، فقال: إن العبادة (اسم جامع) يجمع أشياء كثيرة.
جامع لأي شيء؟ (لكل ما يحبه الله ويرضاه).
كيف نصل إلى أن هذا العمل أو القول يحبه الله ويرضاه؟
لا بد أن يكون مأموراً به، أو مُخبَراً عنه بأن الله -جل وعلا- يحبه ويرضاه.
[بيان أنواع العبادة]
أنواعها، قال: (من الأقوال والأعمال) فهناك قول وعمل.
فإذاً: العبادات تنقسم إلى:
- عبادات قولية.
- وعبادات عملية.
ليس ثَم قسم ثالث، إما أن تكون العبادة قولية، وإما أن تكون عملية.
قال: (الظاهرة والباطنة) قد يكون القول ظاهراً، وقد يكون باطناً، وقد يكون العمل ظاهراً، وقد يكون باطناً.
فَتَحَصَّل أن أنواع العبادات هي: الأقوال والأعمال التي يحبها الله ويرضاها.
والقول قد يكون باللسان، وقد يكون بالجنان.
قول اللسان أنواع كثيرة مما أمر الله جل وعلا به، مثل: الذكر والتلاوة وكلمة المعروف، ونحو ذلك، هذه كلها من أنواع العبادات اللسانية.
قول القلب: هو نيته، قصده.
التبست النية على قوم؛ فكانوا يتلفظون بها، نعم؛ النية قول؛ لكنها قول القلب، إذا قصد القلب وتوجه إلى شيء كان قائلاً به، ليس متكلماً؛ لأن الكلام من صفات اللسان، الكلام ظاهر، أما القول قد يكون ظاهراً وقد يكون باطناً.
العمل: عمل القلب، وعمل الجوارح.
وهذه الأنواع التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى ممثلاً؛ بعضها من الأقوال والأعمال، بعضها ظاهر وبعضها باطن، بعضها لساني وبعضها قلبي، وبعضها عملي قلبي، وبعضها من عمل الجوارح.
فمثلاً: الإخلاص؛ هذا عمل القلب، التوكل عمل القلب، لا يصلح الإخلاص إلا لله جل وعلا، إخلاص العبادة، إخلاص الدين، إلا لله جل وعلا، كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} .
التوكل كذلك من أعمال القلب التي ليست إلا لله.
الخوف من أعمال القلب التي ليست إلا لله، يعني: خوف العبادة، خوف السر، وسيأتي إيضاحه إن شاء الله في موضعه.
الرغبة، الرهبة، الإنابة، الخضوع، الذل؛ ذُل العبادة؛ خضوع العبادة، إلى آخره.
وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.
هذه كلها من أعمال القلب؛ هي داخلة في أنواع العبادة.
الأعمال الظاهرة مثل: الاستغاثة، الاستغاثة: طلب الغوث، طلب الغوث طلب ظاهر.
مثل الاستعانة: طلب العون، هذه من الأعمال الظاهرة.
الذبح واضح أنه عمل جوارح، النذر واضح أنه قول اللسان وعمل الجوارح، ونحو ذلك.
فإذاً: هذه العبادات التي مثل بها؛ أراد أن يشمل تمثيله أقسام العبادات؛ القولية والعملية، الظاهرة والباطنة، يجمعها جميعاً أنها عبادات، والعبادة لا تصلح إلا لله جل وعلا، العبادات الظاهرة أو الباطنة، القلبية أو اللسانية، أو التي موردها الجوارح، فهي لا تصلح إلا لله، فمن صرف شيئاً منها لغير الله، فقد توجه بالعبادة لغير الله؛ منافياً لما قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}، ومنافياً لإقراره بأن معبوده هو الله جل وعلا.
إذا أقر العبد بأن قوله: من ربك ؟ يعني: من معبودك؟ وأن الله -جل وعلا- قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} يعني وحده دون ما سواه؛ فإنه إذا توجه بشيء من هذه الأنواع لغير الله -جل وعلا- كان متوجهاً بالعبادة لغير الله، وذلك هو الشرك.
الدليل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} {فَلا تَدْعُوا}، الدعاء هو العبادة، كما جاء في الحديث الذي استدل به الشيخ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء مخ العبادة)) وهو حديث أنس بن مالك وإسناده فيه ضعف، لكن معناه هو معنى الحديث الصحيح حديث النعمان بن بشير الذي رواه أبو داود والترمذي وجماعة وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة)) (هو العبادة): يعني: مخ العبادة؛ لأن الدعاء هو العبادة بمنزلة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة)) .

[تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا} فَلا تَدْعُوا...} ]
قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (لا تدعوا) يعني - كما ذكرت لكم من قبل - لا دعاء مسألة، ولا دعاء عبادة، {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} يعني: لا تعبدوا مع الله أحداً {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} هذا نهي أن يدعوَ الناس أحداً مع الله جل وعلا، يعني: أن يعبدوا أحداً مع الله جل وعلا.
وإذا كان الدعاء هنا بمعنى دعاء المسألة فيكون معنى الآية: وأن المساجد لله فلا تسألوا - سؤال عبادة - مع الله أحدا، لا تطلبوا - طلب عبادة - مع الله أحدا.
واللفظ (تدعوا) يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهذه الآية دليل على وجوب إفراد الله -جل وعلا- بالعبادة.

[بيان شمول معنى الدعاء لنوعيه:(العبادة والمسألة)]
فإن قال قائل لك - حين الاستدلال بها-: إن الدعاء هنا دعاءُ المسألة، وغيرُهُ من أنواع العبادة التي تزعمون - من الذبح والنذر ومن الاستغاثة والاستعاذة ونحو ذلك - أنها لا تدخل في النهي في هذه الآية؛ فيكون جوابك:
أن الدعاء في القرآن جاء بمعنيين:
- جاء ويراد به العبادة.
- وجاء ويراد به المسألة.
فمثلاً في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ظاهرٌ أن الدعاء المراد به العبادة؛ لأنه قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وكذلك في قوله تعالى - مخبراً عن قول إبراهيم عليه السلام -: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} قال جل وعلا بعد ذلك: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
ففي الآية الأولى أخبر عن إبراهيم أنه قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ} ثم قال جل وعلا: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} فدل على أن إبراهيم عليه السلام حين قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ} أي: وما تعبدون؛ لأن الله -جل وعلا- قال بعدها: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ} وهذا من الأدلة الظاهرة؛ أن الآية هذه تشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
وقد أُورد على أئمتنا رحمهم الله تعالى حين قرروا التوحيد في مقالهم وفي كتبهم: أن هذه الآية إنما هي دليل للمسألة، وأما غيرها مما تَدَّعون أنه عبادة، وأن هذه الآية فيها نهي عنه، كالذبح والنذر ونحو ذلك؛ أنه لا يدخل في الآية.
فكان الجواب:
أن الدعاء نوعان:
- دعاء عبادة .
- ودعاء مسألة.
وهذا يأتي في القرآن وذاك يأتي في القرآن، والآية تشمل النوعين؛ لأن الدعاء إذا كان في القرآن يأتي تارات لهذا وتارات لهذا؛ فتحديده في هذه الآية بأحد النوعين ونفي النوع الآخر؛ هذا نوع تحكم، وهو ممتنع.

[شرح قول المؤلف: فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك]
فهذه صلة لما سبق الكلام عليه، من أن العبادة حق لله جل وعلا، وأن كل معبود سوى الله -جل وعلا- فإن عبادته بغير الحق، وأنها بالباطل والظلم والطغيان والجور والتعدي من الخلق، فالله -جل وعلا- هو الذي يستحق العبادة وحده دون ما سواه من خلقه.
وبعد أن ذكر أنواع العبادات التي موردها اللسان والقلب والجوارح، قال رحمه الله: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ})
(من صرف) يعني: من توجه بشيء من أنواع تلك العبادات (لغير الله فهو مشرك كافر) يريد الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة.
والشرك حقيقته: اتخاذ الند مع الله جل وعلا، وهو المذكور في قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} والتنديد يعني: أن يُجعل لله مِثل في الاستحقاق؛ استحقاق التوجه، استحقاق العبادة.
إذا جُعل لله نِدّ - إما بالقول أو بالعمل - فذلكم هو الشرك.
فكل نوع من هذه الأنواع وغيرها من الأنواع التي تدخل في مسمى العبادة صرفها لغير الله -جل وعلا- شرك أكبر، يخرج من الملة، وصاحبه مشرك كافر، إما الكفر الظاهر، وإما الكفر الظاهر والباطن معاً.
وهذا الذي ذكره، برهن له بقوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}، وقوله هنا: {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} هذا بيان لحقيقة من دُعِي مع الله جل وعلا، قال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} هذا الإله الآخر وهذا الداعي، منعوت بأنه لا برهان له بما فعل ولا دليل، وإنما فعل ما فعل من دعوة غير الله بهواه وبتعديه.
فقوله: {لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} ليس مفهومه أن ثمَّ دعوة لغير الله تعالى لها برهان، وإنما كل دعوة لغير الله {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} أيَّ إلهٍ كان؛ فإن ذلك الداعي لا برهان له بما فعل.
والدليل على أن دعوة غير الله -جل وعلا- كفر، قوله جل وعلا في الآية نفسها: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فدل على أن دعاء غير الله - كما أنه شرك إذ دُعي إله آخر مع الله -جل وعلا- فهو كفر؛ لأنه قال: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} .

[بيان أنواع الشرك]
والشرك أقسام، والعلماء يقسِمون الشرك باعتبارات مختلفة:

- فتارة يُقسم الشرك إلى شرك ظاهر وشرك خفي.
- وتارة يُقسم الشرك إلى شرك أكبر وشرك أصغر.
- وتارة يُقسم إلى شرك أكبر وأصغر وخفي.

وهذه تقسيمات معروفة عند العلماء، وكل تقسيم باعتبار، وهي تلتقي في نتيجة كل قسم والتعريف، لكنه اختلاف في التقسيم باعتبارات مختلفة.
فمثلاً: من يقسمون الشرك إلى جلي وخفي؛ فيكون الجلي: منه ما هو أصغر؛ ومنه ما هو أكبر.
الجلي الظاهر الذي يُحَسّ، مثل الذبح لغير الله، النذر لغير الله؛ هذا جلي، هذا من نوع الشرك الأكبر، هو جليٌ أكبر.
كذلك مثل: الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كذلك هذه من نوع الشرك الجلي الأكبر.
الحلف بغير الله تعالى شرك جلي، ولكنه أصغر، هذا قسم.
قسيمه الشرك الخفي، الشرك الخفي منه ما هو أكبر كشرك المنافقين؛ فإن شركهم خفي لم يظهروه، وإنما أظهروا الإسلام، فما قام بقلوبهم من التنديد والشرك صار خفياً؛ لأنهم لم يظهروه؛ فهو شرك خفي، ولكنه أكبر.
وهناك شرك خفي أصغر، مثل: يسير الرياء، فإن كان الرياء كاملاً كان ذلك شركاً أكبر كشرك المنافقين، وإن كان يسيراً كتصنع المرء بالعبادة لمخلوق مثله لغير الله؛ فهذا إذا كان يسيراً، فإنه شرك أصغر خفي.
هذا نوع من أنواع التقاسيم.
بعض العلماء يقول:
الشرك قسمان:
- أكبر.
- وأصغر.
قسم الأكبر إلى جلي وخفي.
وقسم الأصغر إلى جلي وخفي.

والأوضح أن يقسم إلى ثلاثة: إلى أكبر وأصغر وخفي، ويكون الخفي مثل يسير الرياء، والأصغر مثل الحلف بغير الله و تعليق التمائم ونحو ذلك، والأكبر مثل الذبح والنذر والاستغاثة ودعوة غير الله جل وعلا.
هذه تقسيمات للشرك، قد تجد هذا أو ذاك في كلام طائفة من أهل العلم، لكن كلها محصلها واحد، وإنما التقسيم باعتبارات، وهي ملتقية في التعريف وفي النتيجة.
مراد الشيخ رحمه الله تعالى ههنا بقوله: (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر) يريد: الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة.
فكل شيء صح عليه قيد العبادة، فإن صرفه لغير الله - يعني التوجه به، التعبد به لغير الله - هذا كفر، مثل نداء الموتى، أو نداء الغائبين، أو خوف السر، أو الذبح لغير الله، أو النذر لغير الله، أو الاستغاثة بالأموات، أو طلب أنواع الطلب المختلفة؛ من الاستعانة ونحوها، أو بعض أعمال القلوب، مثل الاستعاذة ونحو ذلك؛ هذه كلها أنواع للعبادات، بعضها في القلب وبعضها للجوارح جميعاً من توجه بشيء منها لغير الله، فهو مشرك الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة.
البرهان: قوله: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} وقد قدمت لك أنّ الدعاء في القرآن قد يكون دعاء مسألة وقد يكون دعاء عبادة، فإذا لم يكن في الدليل - في النص - قرينة تحدد أحد المعنيين حُمِل على المعنيين جميعاً؛ لأن حمل النص على أحد المعنيين دون دليل وبرهان تحكم في النص، وذلك لا يجوز.

[شرح حديث: ((الدعاء مخ العبادة)) ]
قال رحمه الله: (وفي الحديث: ((الدعاء مخ العبادة)) )
((الدعاء مخ العبادة)) يعني لُبُّها وجوهرها، وهو كما جاء في الحديث الآخر الصحيح؛ حديث النعمان: ((الدعاء هو العبادة)) وكما قال جل وعلا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .
وسبق أن أوضحت لكم هذه المسألة بتفصيل، في ما مضى.

[أهمية تنويع الأدلة في إثبات الحجة]
بعد ذلك شرع المؤلف - رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة - في بيان أدلة كون تلك التي ذكر من العبادات.
هو ذكر الخوف، وذكر الرجاء، وذكر الرغبة، وذكر الرهبة، وذكر الخشوع، وذكر التوكل، وذكر أشياء، والذبح والنذر، إلى آخره.
فكأن قائلاً قال: ما الدليل على أن هذه من العبادات التي مَن صرفها لغير الله -جل وعلا- كفر؟
والأدلة على هذه المسألة على نوعين:
الأول: أن يُستدل بدليل يثبت كون تلك المسألة من العبادة، يثبت كون الخوف من العبادة، يثبت كون الرجاء من العبادة.
فإذا ثبت كونه من العبادة استدل بالأدلة السابقة، كقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}، وقوله: ((الدعاء هو العبادة))، ((الدعاء مخ العبادة))، {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادتِي} ونحوها من الأدلة العامة بأن من توجه بالعبادة لغير الله فهو مشرك.
الدليل الأول - إذاً - يتركب من شيئين، النوع الأول متركب من شيئين.
الأول: أن يقام الدليل على أن هذه المسألة من العبادة، على أن الخوف من العبادة، على أن الرجاء من العبادة، فإذا استقام الدليل والاستدلال على أن هذه المسألة من العبادة؛ استدللت بالأدلة العامة على أن من صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو مشرك، هذا نوع.
النوع الثاني خاص، وهو: أن كل نوع من تلك الأنواع له دليل خاص يثبت أن صرفه لغير الله جل وعلا شرك، وأنه يجب إفراد المولى جل وعلا بذلك النوع من أنواع العبادة.
وهذا مما ينبغي أن يتنبه له طالب العلم، في مقامات الاستدلال؛ لأن تنويع الاستدلال عند الاحتجاج على الخرافيين والقبوريين وأشباههم؛ مما يقوي الحجة، تُنوِّع الاستدلال؛ مرة بأدلة مجملة، مرة بأدلة مفصلة، مرة بأدلة عامة، مرة بأدلة خاصة؛ حتى لا يُتوهم أنه ليس ثمَّ إلا دليل واحد يمكن أن ينازَعَ المستدِل به الفهم.
فإذا نوعتها صارت الحجة أقوى، والبرهان أجلى.


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:56 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر


وجوب إفراد الله تعالى بالعبادات كلها
- بيان معنى العبادة
- بيان أنواع العبادة
- حكم من صرف شيئاً من أنواع العبادات لغير الله تعالى
- بيان حد العبادة
- بيان أنواع الشرك
بيان أن الدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان أن الدعاء أهم العبادات
- بيان أنواع الدعاء
- بيان شمول معنى الدعاء لنوعيه (العبادة والمسألة)
- تفسير قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)
- بيان الدليل على أن دعاء غير الله تعالى شرك
- أهمية تنويع الأدلة في إثبات الحجة
- تفسير قوله تعالى (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه...) الآية
- بيان أن دعاء الحي الحاضر القادر ليس بشرك
- وبيان الفرق بينه وبين الشرك في الدعاء
- الشفاعة لا تطلب إلا من الله تعالى وحده
- معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)
- تنبيه حول حديث: ( الدعاء مخ العبادة )
بيان أن الخوف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان معنى الخوف
- بيان أنواع الخوف وأحكامه
- تفسير قوله تعالى (إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه...) الآية
- الفرق بين الخوف والفزع والوجل
- الفرق بين الخوف والخشية
بيان أن الرجاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان معنى الرجاء
- بيان أنواع الرجاء
- الفرق بين الرجاء والغرور
- الفرق بين الرجاء والتمني
- تفسير قوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه...) الآية
- بيان حقيقة الرجاء في نفس المؤمن
- كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية حول المحبة والخوف والرجاء وعلاقتها بالعبودية
بيان أن التوكل عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى
- بيان معنى التوكل
- بيان حقيقة التوكل
- بيان معنى التوكل على الله
- من ثمرات التوكل على الله
- بيان أنواع التوكل وأحكامه
- تفسير قوله تعالى (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)
- تفسير قوله تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)
- بيان حكم قول القائل : (توكلت على الله ثم عليك)


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 12:56 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: بين معنى العبادة، واذكر بعض أنواعها.
س2: ما حكم صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله تعالى ؟ مع الدليل ووجه الاستدلال.
س3: فسر باختصار الآيتين التاليتين مع بيان دلالتها على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة :
أ. {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} .
ب. {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه} .
س4: اذكر أقسام الدعاء.
س5: اذكر أحكام دعاء غير الله تعالى.
س6: ما الذي يشترط لمعرفة أن العمل المعيّن عبادة ؟
س7: اذكر دليلاً على أن الخوف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى.
س8: بيّن معنى الخوف، واذكر أنواعه، وحكم كل نوع، مع الاستدلال.
س9: بين معنى الرجاء واذكر أنواعه وحكم كل نوع مع الاستدلال.
س10: ما الفرق بين الرجاء المحمود والغرور والتمني المذموم ؟
س11: ما معنى التوكل على الله تعالى؟ اذكر أهميته، مع الدليل.
س12: ما حكم التوكل على غير الله؟ مع ذكر الدليل، وبيان وجه الاستدلال.
س13: ما الفرق بين التوكل والتوكيل ؟
س14: اذكر أحكام التوكل.
س15: ما حكم قول القائل : (توكلت على الله ثم عليك) ؟
س16: هل التوكل على الله ينافي الأخذ بالأسباب ؟ وضح ذلك.


  #9  
قديم 28 شعبان 1430هـ/19-08-2009م, 12:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : أرجو توضيح أقسام الدعاء و ما هو الضابط في التفريق بين دعاء العباده ودعاء المسألة ؟
الجواب : تقسيم الدعاء إلى قسمين: دعاء مسألة ، ودعاء عبادة
فعله بعض أهل العلم لأجل التوضيح والتبيين، وهو تصرف حسن في مقام التعليم
فدعاء المسألة ما تضمن سؤالاً أي طلباً، إما طلب جلب منفعة، أو طلب دفع مضرة
فالأول كقول: الداعي: اللهم إني أسألك الجنة، فهذا طلب منفعة أخروية، وقوله: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة) طلب منفعة دنيوية وأخروية.
وقول الداعي: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار ومن عذاب القبر، طلب دفع مضرة أخروية،
وقوله: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، طلب دفع مضرة دنيوية
فهذا معنى دعاء المسألة
وأما دعاء العبادة فمثل الصلاة والذكر والصدقة والصوم والحج والذبح والنذر وغيرها كلها تسمى دعاء عبادة باعتبار أن العبد إذا أداها فقد عبد الله، وطلب ثوابها من الله.
ودعاء المسألة ودعاء العبادة بينهما تلازم
لأن من يسأل الله تعالى فهو يعبده بهذا السؤال
ومن عبد الله تعالى بالذكر والقراءة ونحوها مما يسمى دعاء عبادة فهو يحتسب ثوابها عند الله طالباً التقرب بها إلى الله، وهذا متضمن لمعنى السؤال.



السؤال الثاني : استشكل علي قول الشيخ الفوزان
اقتباس:
(وقدْ يَنْفَرِدُ الشرْكُ بقَصْدِ الأوثانِ مِنْ قُبورٍ وغيرِها، وإن كانَ يَعْتَرِفُ باللهِ تعالَى فلا يُطْلَقُ عليهِ كافرٌ؛ لأنَّ الكفْرَ معناهُ الْجَحْدُ والإنكارُ، لكنه مُشْرِكٌ كافرٌ إذا صَرَفَ شيئًا مِنْ أنواعِ العِبادةِ لغيرِ اللهِ مُنْكِرًا أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالَى مُسْتَحِقٌّ لهذه الأنواعِ، ولهذا قالَ الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ: (فمَنْ صَرَفَ مِنها شيئًا لغيرِ اللهِ فهوَ مُشْرِكٌ كافرٌ).

هل المشرك لا يعد كافرا بالمعنى اللغوي أم الاصطلاحي أم الحقيقة الشرعية؟ فما أعلمه أن كل مشرك كافر في الحكم الشرعي الا أن يكون الكفر بمعناه الخاص والضيق وهو الجحود والانكار . وهل المنكر لاستحقاق الله لأنواع العبادة مع صرفها لغيره يعد مشركا؟ بينما هو لم يشرك الله في العبادة حيث أنه لا يعبد الله أصلا لأنه منكر استحقاقه لذلك. أرجو ازالة هذا اللبس عندي مشكورين
الجواب: الكفر هو حكم الشرك، فالمشرك حكمه أنه كافر قال الله تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).
وقول الشيخ إن المشرك إذا كان يعترف بالله فلا يطلق عليه كافر..إلخ لا يصح، وذلك لورود هذا الإطلاق في النصوص، ولعله سبق لسان منه فما كتب مفرغ من شرح صوتي.
وبين الشرك والكفر تلازم ولذلك ورد وصف الكفار بالمشركين في القرآن الكريم ، ووصف المشركين بالكفار قال الله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة).
وقال: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم)
وقد جاء وصف كفرة أهل الكتاب بالشرك أيضاً كما في قوله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).
وقال تعالى عن عموم الكفار من بني آدم: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم . ولقد أضل منكم جبلا كثيراً أفلم تكونوا تعقلون . هذه جهنم التي كنتم توعدون . اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون}
والكفر الأكبر عبادة للشيطان وإشراك له فيما هو من خصائص حق الله عز وجل.

وغير خاف أن الكفر وإن كان حكماً فهو يتضمن وصفاً في نفسه لأن معناه الجحود والنكران ومعناه الشرعي غير منفك عن معناه اللغوي :
قال سلمة بن الخرشب الأنماري يصف فرار عامر بن الطفيل العامري:
نجوت بنصل السيف لا غمد فوقه = وسرج على ظهر الرحالة قاتر
خدارية فتخاء ألثق ريشها = سحابة يوم ذي أهاضيب ماطر
فلو أنها تجري على الأرض أدركت = ولكنها تهفو بتمثال طائر
فأثن عليها بالذي هي أهله = ولا تكفرنها لا فلاح لكافر

وبين الكفر والشرك تلازم، ولذلك يطلق على المشرك أنه كافر وعلى الكافر أنه مشرك؛ لأن من أشرك بالله فقد كفر، ومن كفر بالله فقد اتخذ له نداً يطيعه من دون الله ولو كان مجرد هواه فيكون مشركاً بذلك، كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} وكانت عبادتهم إياهم بطاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم كما أحل الله كما في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن عديّ بن حاتمٍ: (أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا مّن دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون} قلت: فقلت له: إنّا لسنا نعبدهم.
قال: ((أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟)).
فقلت: بلى.
قال: ((فتلك عبادتهم)).
وكما قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة)


السؤال الثالث : ذكر الشيخ الفوزان في حصول المأمول ما نصه:
"والدعاءُ في القرآنِ الكريمِ يَتناوَلُ مَعنيينِ: اﻷوَّلُ: دُعاءُ العِبادةِ، وهوَ دُعاءُ اللهِ امتثاﻻً ﻷَمْرِهِ، فإنَّهُ سُبحانَهُ أَمَرَ عِبادَهُ بالدعاءِ، فمتَى دَعَوْتَ اللهَ سُبحانَهُ وتعالَى مُمْتَثِﻼً أَمْرَهُ فإنَّ دُعاءَكَ عِبادةٌ، قالَ تعالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فإذا دَعَوْتَهُ امْتَثَلْتَ أَمْرَهُ، وإذا امْتَثَلْتَ أَمْرَهُ تكونُ عَبَدْتَهُ." انتهى.
هل مراد الشيخ أن العبادات العملية وغيرها لا تدخل ضمن تعريف دعاء العبادة
الجواب :
تقسيم العلماء للدعاء إلى قسمين دعاء مسألة ودعاء عبادة هو لغرض التعليم والتقريب وبيان أن لفظ الدعاء في النصوص يطلق ويراد به ما فيه سؤال من العبد لربه وهو دعاء المسألة، ويطلق ويراد به العبادات القلبية والعملية والقولية كالذكر ونحوه.
والشيخ لم يرد أن العبادات العملية لا تدخل ضمن تعريف دعاء العبادة، وعبارته لا تفيد ذلك.
بل أراد بيان وجه تسمية العبادات دعاء.


السؤال الرابع : قال الشارح({وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 4" المساجد جمع مسجد، وهو كل موضع بني للصلاة والعبادة وذكر الله تعالى، والدليل على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد: "إن هذا المسجد لا يصلح لشيء من ذلك إنما بني لذكر الله تعالى وللصلاة"5، وهذه وظيفة المساجد، وهذه الإضافة في الآية إضافة تشريف وتخصيص.) فمالمراد بإضافة التخصيص؟
الجواب :
لعل مراد الشيخ الإضافة المعنوية فإن قول الله تعالى: {وأن المساجد لله} ليس فيه إضافة على اصطلاح النحاة، لكن المؤدَّى واحد؛ وهو أن الله تعالى جعل المساجد له، وهذا فيه تشريف لها ، واللام هنا للاختصاص.
والاختصاص يقع لمعنى الملك كما تقول: هذا قلمي. أي أملكه، ويقع لغير معنى المِلك مما يشعر بالاختصاص كما تقول: زيد صديق عمرو.
وكما قال الشاعر:
علا زيدنا يوم النَّقا رأس زيدكم .. بأبيض مصقول الغرار يمان
فإن تقتلوا زيداً بزيد فإنما .. أقادكم السلطان بعد زمان

فمراده بذكر إضافة التخصيص بيان أن المساجد لله تعالى خاصة لا يصلح أن يكون فيها شيء من أمور الدنيا ولهوها ولا ما ينتهك حرمتها وينافي مقاصد إنشائها .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنواع, العبادة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir