دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > علوم الحديث الشريف > الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 12:33 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي باب أنواع الأخذ وأصول الرواية

باب أنواع الأخذ وأصول الرواية
قالَ القاضِي عِيَاض بن مُوسى بن عِيَاض اليَحْصُبي (ت: 544هـ): (قال القاضي: -رضي الله عنه- اعلم أن طريق النقل ووجوه الأخذ وأصول الرواية على أنواع كثيرة, ويجمعها ثمانية ضروب, وكل ضرب منها له فروع وشعوب, ومنها ما يتفق عليه في الرواية والعمل, ومنها ما يختلف فيه فيهما جميعا أو في أحدها كما سنوضحه إن شاء الله تعالى,
أولها: السماع من لفظ الشيخ, وثانيها: القراءة عليه, وثالثها: المناولة, ورابعها: الكتابة, وخامسها: الإجازة, وسادسها: الإعلام للطالب بأن هذه الكتب روايته, وسابعها: وصيته بكتبه له, وثامنها: الوقوف على خط الراوي فقط.
وها نحن نتكلم على كل ضرب من هذه الضروب ونقسمها ونبين صحيحها من سقيمها:
1 - الضرب الأول السماع من لفظ الشيخ:
وهو منقسم إلى إملاء أو تحديث وسواء كان من حفظه أو القراءة من كتابه, وهو أرفع درجات أنواع الرواية عند الأكثرين, ولا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه حدثنا, وأخبرنا, وأنبأنا, وسمعت فلانا يقول, وقال لنا فلان, وذكر لنا فلان.
ولم يره جماعة من الحجازيين أرفع وسوا بينه وبين القراءة والعرض على العالم وروى هذا عن مالك وحكاه عن أئمة المدينة وروى عنه أيضا وعن غيره أن القراءة على الشيخ أعلى مراتب الحديث.
- حدثنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون, عن أبي ذر الهروي بالإجازة عن الوليد بن بكرقال: سمعت أبا بكر محمد بن محمد البخاري يقول: سمعت محمد بن يعقوب البيكندي يقول: سمعت إسحاق بن الحسن ابن ميمون الحربي يقول: سمعت عبد الله بن مسلمة القعنبي يقول: قال لي مالك بن أنس: ( قراءتك على أصح من قراءتي عليك).
- وأخبرنا أبو طاهر الحافظ -من كتابه- أخبرنا الطيوري, أخبرنا الفالي, أخبرنا ابن خربان, أخبرنا ابن خلاد, حدثنا عبد الله بن أحمد, أخبرنا يوسف بن مسلم قال: (قال لي موسى بن داود القراءة أثبت من الحديث وذلك أنك إذا قرأت على شغلت نفسي بالإنصات لك وإذا حدثتك غفلت عنك).
2 - الضرب الثاني القراءة على الشيخ :
وسواء كنت أنت القارئ أو غيرك وأنت تسمع أو قرأت في كتاب أو من حفظ أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أو يمسك أصله ولا خلاف أنها رواية صحيحة. واختلف هل هي سماع يجوز فيها النقل ب حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ما يجوز في السماع من لفظ الشيخ أم لا؟ وهل هي مثل السماع أو دونه أو فوقه في الرتبة ؟ فمذهب معظم علماء الحجاز والكوفة التسوية بينهما وهو مذهب مالك وأصحابه وأشياخه من أهل المدينة وعلمائها يحيى بن سعيد القطان وابن عيينة والزهري في جماعة, وروى مثله عن علي بن أبي طالب وابن عباس قالا: ( قراءتك على العالم كقراءته عليك ). وهو مذهب البخاري وأكثر المحدثين يسمونه عرضا؛ لأن القارئ يعرض ما يقرؤه على الشيخ كما يعرض القرآن على إمامه وحكاه البخاري عن الحسن والثوري ومالك أنها إجازة. وذكر الحجة لذلك بحديث ضمام وقوله للنبي: آلله أمرك بكذا وكذا؟ فيقول: (( نعم )). قال البخاري: (فهذه قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بها ضمام قومه فأجازوه ). قال: ( واحتج مالك بالصك يقرأ على القوم فيقولون أشهدنا فلان ويقرأ على المقرئ فيقول القارئ أقرأني فلان ). وذهب جمهور أهل المشرق وخراسان إلى أن القراءة درجة ثانية وأبوا من تسميتها سماعا وسموها عرضا وأبوا من إطلاق حدثنا فيها. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة في أحد قوليه, والشافعي, وهو مذهب مسلم بن الحجاج, ويحيى بن يحيى التميمي, وقد تقدم لمالك أيضا وغيره أنها أرفع من السماع وأصح .
- أخبرنا القاضي أبو علي, أخبرنا محمد بن يحيى بن هاشم الهاشمي قال: أخبرنا أبو القاسم الصدفي وأبو العباس بن نفيس قالا: حدثنا أبو القاسم الجوهري, أخبرنا أحمد بن الحسن, أخبرنا فهر بن سليمان, أخبرنا عبد الله بن يوسف قال: سمعت مالكا يقول: ( وسئل فقيل له العرض أحب إليك أم السماع؟ قال: ( بل العرض) قيل: (فتقول في العرض حدثنا قال نعم ).
- أخبرنا أحمد بن محمد الخولاني الشيخ الصالح, عن أبي ذر إجازة قال: أخبرنا الوليد بن بكر قال: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البخاري الخولاني يقول: سمعت الوزان يقول: سمعت سهل بن المتوكل يقول: سمعت ابن أبي أويس يقول: سمعت مالكا يقول: السماع عندنا على ثلاثة أضرب:أولها: قراءتك على العالم, الثاني: قراءته عليك, والثالث: أن يدفع إليك كتابا قد عرفه فيقول اروه عني.
قال: وكان مالك يحتج في هذا بأن الراوي ربما سها أو غلط فيما يقرؤه بنفسه فلا يرده عليه الطالب السامع ذلك الغلط لخلال ثلاث؛ إما لأن الطالب جاهل فلا يهتدي للرد عليه؛ وإما لهيبة الراوي وجلالته؛ وإما أن يكون غلطه في موضع صادف اختلافا فيجعل خلافا توهما أنه مذهبه فيحمل الخطأ صوابا. قال: وإذا أقرأ الطالب على الراوي فسها الطالب أو أخطأ رد عليه الراوي لعلمه مع فراغ ذهنه أو يرد عليه غيره ممن يحضره؛ لأنه لا هيبة للطالب, ولا يعد له أيضا مذهب في الخلاف إن صادف بغلطه موضع اختلاف فالرد عليه متوجه.
وكان مالك-رحمه الله- قال لنافع القارئ وقد شاوره ليتقدم إماما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: ( المحراب موضع محنة فإن زللت في حرف وأنت إمام حسبت قراءة حملت عنك).
فهذا حكم مرتبة القراءة على ضروبها المتقدمة من قراءتك أو سماعك بقراءة غيرك أو كان الشيخ يحفظ حديثه أو يمسك أصله وإمساك الأصل هنا أثبت لئلا يغفل ويذهب الوهم فيذكر الكتاب فإن كان الشيخ لا يمسك كتابه هو وإنما يمسكه عليه ثقة عارف سواه وإن كان الشيخ يحفظ حديثه فالحال واحدة, وإن كان لا يحفظه فاختلف ههنا فرأى بعضهم أن هذا سماع غير صحيح وإليه نحا الجويني من أئمتنا الأصوليين وتردد فيه القاضي ابن الطيب وأكثر ميله إلى المنع, وأجازه بعضهم وصححه إذا كان ممسك الكتاب موثوقا به وبهذا عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث فيه, وأما القراءة في أصل الشيخ فهي للقارئ صحيحة كإمساك الشيخ نسخته إذ لا فرق بين الاعتماد على بصر الشيخ أو سمعه,وهذا كله على مذهب من يرى التسهيل في السماع على ما يذكر في الباب بعد هذا .
وأما على مذهب أهل النظر والتحقيق في التشديد فيه لا سيما على مذهب من لا يرى التحدث بالإجازة والمناولة فيضيق عليه الباب جدا, وأما متى كان ممسك الأصل على الشيخ أو القارئ غير ثقة ولا مأمون على ذلك أو غير بصير بما يقرؤه فلا يحل السماع والرواية بهذه القراءة إذ لم يبق طريق الثقة بما سمع بهذه القراءة لا حقيقة ولا مسامحة إلا أن يكون الشيخ يحفظ حديثه, وقد ضعف أئمة الصنعة رواية من سمع الموطأ على مالك بقراءة حبيب كاتبه لضعفه عندهم وأنه كان يخطرف الأوراق حين القراءة ليتعجل وكان يقرأ للغرباء, وقد أنكر هذا الخبر على قائله لحفظ مالك لحديثه وحفظ كثير من أصحابه الحاضرين له وأن مثل هذا مما لا يجوز على مالك وأن العرض عليه لم يكن من الكثرة بحيث تخطرف عليه الأوراق ولا يفطن هو ولا من حضر؛ لكن عدم الثقة بقراءة مثله مع جواز الغفلة والسهو عن الحرف وشبهه وما لا يخل بالمعنى مؤثرة في تصحيح السماع كما قالوه ولهذه العلة لم يخرج البخاري من حديث ابن بكير عن مالك إلا القليل وأكثر عنه عن الليث قالوا: لأن سماعه كان بقراءة حبيب وقد أنكر هو ذلك . وشرط في صحة الحديث بالقراءة بعض الظاهرية وبه عمل جماعة من مشايخ أهل المشرق وأئمتهم إقرار الشيخ عند تمام السماع بأنه كما قرئ عليه فيقول: نعم وأبى الحديث من اشترطه إذا لم يكن هذا التقرير وفي صحيح مسلم عن يحيى عن مالك ومن حديث غيره هذا التقرير, وقد أنكره مالك لمن قرره أيضا وقال: ألم أفرغ لكم نفسي وسمعت عرضكم وأقمت سقطه وزلـله, والصحيح هذا وأن الشرط غير لازم؛ لأنه لا يصح من ذي دين إقرار على الخطأ في مثل هذا فلا معنى للتقرير بعد, وهذا مذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء والنظار ,ولعل المروي عن مالك وأمثاله في فعل ذلك التأكيد لا اللزوم
3 - الضرب الثالث المناولة :
وهي أيضا على أنواع :
أرفعها أن يدفع الشيخ كتابه الذي رواه أو نسخه منه وقد صححها, أو أحاديث من حديثه وقد انتخبها وكتبها بخطه ,أو كتبت عنه فعرفها فيقول للطالب هذه روايتي فاروها عني ويدفعها إليه ,أو يقول له خذها فانسخها وقابل بها ثم اصرفها إلي وقد أجزت لك أن تحدث بها عني أو اروها عني أو يأتيه الطالب بنسخه صحيحة من رواية الشيخ أو بجزء من حديثه فيقف عليه الشيخ ويعرفه ويحقق جميعه وصحته ويجيزه له .فهذا كله عند مالك وجماعة من العلماء بمنزلة السماع.
- أخبرنا أبو طاهر الأصبهاني -مكاتبة- قال: حدثني أبو الحسين الطيوري, أخبرنا أبو الحسن الفالي, أخبرنا ابن خربان, أخبرنا ابن خلاد, أخبرنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول, أخبرنا إسماعيل بن إسحاق سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: سألت مالكا عن أصح السماع فقال: ( قراءتك على العالم أو قال المحدث ثم قراءة المحدث عليك ثم أن يدفع إليك كتابه فيقول أرو عني هذا ).
وفي رواية أخرى السماع عندنا على ثلاثة أضرب الحديث المتقدم وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين
وهو مذهب يحيى بن سعيد الأنصاري, والحسن, والأوزاعي, وعبيد الله العمري, وحيوة بن شريح, والزهري, وهشام بن عروة, وابن جريح, وحكاه الحاكم, عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة في جماعة عدهم من أئمة المدينة والكوفة والبصرة ومصر وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر .
- وقد حدثنا محمد بن إسماعيل, أخبرنا ابن القاسم, أخبرنا ابن عباس, أخبرنا الجوهري, أخبرنا أحمد بن الحسن, أخبرنا أحمد بن زكريا العائذي, أخبرنا الزبير بن بكار حدثني محمد بن الضحاك, عن مالك ابن انس قال: (كلمني يحيى بن سعيد الأنصاري فكتب له من أحاديث ابن شهاب فقال له قائل فسمعها منك قال هو كان أفقه من ذلك ). ومن غير هذا الطريق بل أخذها عني وحدث بها, وهذا بين؛ لأن الثقة بكتابه مع إذنه أكثر من الثقة بالسماع واثبت لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع, والأصل عندهم في ذلك من الأثر اعتماد عمال النبي صلى الله عليه وسلم في البلاد على كتبه إليهم .
- أخبرنا القاضي أبو عبد الله التميمي, أخبرنا أبو عبد الله بن سعدون, أخبرنا المطوعي, أخبرنا الحاكم أبو عبد الله, أخبرنا أبو بكر إسحاق الفقيه, أخبرنا علي بن عبد العزيز, أخبرنا أحمد بن محمد ابن أيوب, أخبرنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ويدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ). وحجتهم أيضا في كتابه لعبد الله بن جحش كتابا وختم عليه ودفعه إليه ووجهه في طائفة من أصحابه إلى جهة نخلة وقال له : ((لا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ثم انظر فيه وانفذ لما فيه ولا تكرهن أحدا على النفوذ معك )). وروي عن الأوزاعي أنه أجاز المناولة وفعل ذلك وروى عنه أنه يعمل بها ولا يحدث بها .
قال القاضي ولعل قوله هذا فيما لم يأذن في الحديث به عنه كما يأتي بعد هذا إن شاء الله.
نوع آخر :
من المناولة أن يعرض الشيخ كتابه ويناوله الطالب ويأذن له في الحديث به عنه ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه, فهذه مناولة صحيحة أيضا تصح بها الرواية والعمل على ما تقدم لكن بعد وقوع كتاب الشيخ ذلك للطالب بعينه أو انتساخه نسخه منه أو تصحيح كتابه متى أمكنه بكتابه أو بنسخه وثق بمقابلتها منه, وعلى التحقيق فليس هذا بشيء زائد على معنى الإجازة للشيء المعين من التصانيف المشهورة والأحاديث المعروفة المعينة ولا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر إذ المقصود تعيين ما أجاز له لكن قديما وحديثا شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإجازة ولا مزية له عند مشايخنا من أهل النظر والتحقيق بخلاف الوجوه الأول لأن دفعه كتابه إليه وتمليكه إياه حتى يحدث منه أو ينتسخه بمنزلة تحديثه إياه وإملائه عليه في التحقيق حتى كتب الحديث أو حفظه, وهذا الوجه الآخر وإن كان يتوصل به إلى المراد عند ظفره بالكتاب المناول فقد قلنا إنه لا فرق بينه وبين إجازته لذلك الكتاب إذا عين له اسمه وإن لم يحضر لأنه إذا ظفر به أيضا صحت روايته له عنه
4 - الضرب الرابع الكتابة :
وهو أن يسأل الطالب الشيخ أن يكتب له شيئا من حديثه أو يبدأ الشيخ بكتاب ذلك مفيدا للطالب بحضرته أو من بلد آخر وليس في الكتاب ولا في المشافهة والسؤال إذن ولا طلب للحديث بها عنه
فهذا قد أجاز المشايخ الحديث بذلك عنه متى صح عنده أنه خطه وكتابه؛ لأن في نفس كتابه إليه به بخط يده أو إجابته إلى ما طلبه عنده من ذلك أقوى إذن وبهذا قال حذق الأصوليين واختاره المحاملي من أصحاب الشافعي قال وذهب ناس إلى أنه لا تجوز الرواية عنه وهذا غلط .
- حدثنا الشيخ الحسن بن طريف النحوي قال: أخبرنا أبو عبد الله ابن سعدون القروي, أخبرنا أبو بكر الغازي, أخبرنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم قال: سمعت أبا بكر بن محمد بن إسماعيل الفقيه قال: عن
أبي شعيب الحراني عن جده, أخبرنا موسى بن أعين عن شعبة قال: كتب إلى منصور بحديث ثم لقيته بعد ذلك ثم سألته عن ذلك الحديث وفي غير هذا الطريق فقلت أقول حدثني؟ فقال: ( أليس قد حدثتك إذا كتبت إليك فقد حدثتك ). قال شعبة: فسألت أيوب عن ذلك فقال: ( صدق إذا كتب إليك فقد حدثتك بها ). فهؤلاء ثلاثة أئمة رأوا ذلك .
وقال البخاري : وذكر المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان (إن عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس رأوا ذلك جائزا ). وقد استمر عمل السلف ممن بعدهم من المشايخ بالحديث بقولهم كتب إلى فلان قال أخبرنا فلان وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا التحديث وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك وهو موجود في الأسانيد كثير .
قال القاضي أبو محمد بن خلاد: ( إذا تيقن أنه بخطه فهو وسماعه والإقرار منه سواء؛ لأن الغرض من الخط كما باللسان التعبير عن الضمير فإذا وقعت بما وقعت فكله سواء ).
- حدثنا أحمد بن محمد الحافظ -من كتابه- قال: أخبرنا أبو الحسين الصيرفي, أخبرنا أبو الحسن الفالي, أخبرنا أبو عبد الله بن خربان, أخبرنا القاضي أبو محمد بن خلاد, أخبرنا الساجي, أخبرنا جماعة من أصحابنا أن الشافعي ناظر إسحاق بن راهوية وابن حنبل حاضر في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي: ( دباغها طهورها ) واستدل بحديث ميمونة (هلا انتفعتم بإهابها ؟)
فقال إسحاق: (حديث ابن عكيم كتب إلينا النبي صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب أشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة لأنه قبل موته بشهر ).
فقال الشافعي: (هذا كتاب وذاك سماع ). فقال إسحاق: (كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم ) فسكت الشافعي .
5 - الضرب الخامس الإجازة :
إما مشافهة أو إذنا باللفظ مع المغيب أو يكتب له ذلك بخطه بحضرته أو مغيبه, والحكم في جميعها واحد إلا أنه يحتاج مع المغيب لإثبات النقل أو الخط, ثم هي مع ذلك على وجوه ستة :
أعلاها الإجازة لكتب معينة وأحاديث مخصصة مفسرة إما في اللفظ والكتب أو محال على فهرسة حاضرة أو مشهورة , فهذه عند بعضهم التي لم يختلف في جوازها ولا خالف فيه أهل الظاهر وإنما الخلاف منهم في غير هذا الوجه . وقد سوى بعضهم بين هذه وبين ضرب المناولة وسماه أبو العباس ابن بكر المالكي في كتابه الوجازة مناولة وقال: (إنه يحل محل السماع والقراءة عند جماعة من أصحاب الحديث). قال: (وهو مذهب مالك ). وقال القاضي أبو الوليد الباجي: (لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها وادعى فيه لإجماع ولم يفصل وذكر الخلاف في العمل بها ). وقال الإمام أبو المعالي الجويني: في كتابه البرهان في الإجازة لما صح من مسموعات الشيخ أو لكتاب عينة تردد الأصوليون فيه : (فذهب ذاهبون إلى أنه لا يتلقى بالإجازة حكم ولا يسوغ التعويل عليها عملا ورواية) واختار هو التعويل على ذلك مع تحقيق الحديث وقال أبو مروان الطبني: (إنما تصح الإجازة عندي إذا عين المجيز للمجاز ما أجاز له فله أن يقول فيه حدثني وعلى هذا رأيت إجازات أهل المشرق وما رأيت مخالفا له بخلاف إذا أبهم ولم يسم ما أجاز ولا يحتاج في هذا لغير مقابلة نسخته بأصول الشيخ ).
- حدثنا الخولاني عن أبي ذر قال: أخبرنا أبو العباس المالكي, أخبرنا تميم بن محمد, أخبرنا أبو الغصن السوسي, أخبرنا عون بن يوسف, أخبرنا ابن وهب قال: كنت عند مالك بن أنس فجاءه رجل يحمل الموطأ في كسائه فقال له: يا أبا عبد الله هذا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لي قال: (قد فعلت) .قال: فكيف أقول حدثنا مالك أو أخبرنا مالك قال: ( قل أيهما شئت ).
- وأخبرنا الخولاني قال :أخبرني أبو عمرو المقرئ, حدثني علي بن محمد الربعي, أخبرنا زياد بن يونس قال: قال عيسى بن مسكين: ( الإجازة رأس مال كبير وجائز أن يقول حدثني فلان وأخبرني فلان ).
الوجه الثاني :
أن يجيز لمعين على العموم والإبهام دون تخصيص ولا تعيين لكتب ولا أحاديث, كقولك قد أجزت لك جميع روايتي أو ما صح عندك من روايتي فهذا الوجه هو الذي وقع فيه الخلاف تحقيقا ,والصحيح جوازه وصحت الرواية والعمل به بعد تصحيح شيئين تعيين روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها وصحة مطابقة كتب الراوي لها وهو قول الأكثرين والجمهور من الأئمة والسلف ومن جاء بعدهم من مشايخ المحدثين والفقهاء والنظار وهو مذهب الزهري ومنصور بن المعتمر وأيوب وشعبة وربيعة وعبد العزيز بن الماجشون والأوزاعي والثوري ومالك وابن عيينة وجملة المالكيين وعامة أصحاب الحديث وهو الذي استمر عليه عمل الشيوخ وقووه وصححه أبو المعالي واختاره هو وغيره من أئمة النظار المحققين .
- سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بن محسن الفقيه يقول: سمعت أبي يقول: (لا غنى في السماع من الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان هو القارئ ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة ). وقد وقفت على تقييد سماع لبعض نبهاء الخراسانيين من أهل المشرق بنحو ما أشار إليه ابن عتاب فقال: (سمع هذا الجزء فلان وفلان على الشيخ أبي الفضل عبد العزيز بن إسماعيل البخاري وأجاز ما أغفل وصحف ولم يصغ إليه أن يروى عنه على الصحة ). وهذا منزع نبيل في الباب جدا.
- وأخبرنا أحمد بن محمد -من كتابه وإذنه- أخبرنا عبد بن أحمد ابن غفير, أخبرنا الوليد بن بكر, أخبرنا أحمد بن محمد بن سهل العطار بالإسكندرية قال: كان أحمد بن ميسر يقول: ( الإجازة عندي على وجهها خير وأقوى في النقل من السماع الردي ). ولم يخالف في ذلك إلا بعض أهل الظاهر وقلة من المشيخة فمنعوا الرواية بها وحكي ذلك عن الشافعي وبعض أصحابه .
اختلف من أجاز الرواية بها في وجوب العمل بمقتضاها وما روى بها فالجمهور على صحة ذلك كما تقدم وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب العمل بها, وما روي عن مالك من خلاف ذلك في سماع ابن وهب فعلى الكراهية وتعظيم شأن العلم وهو قوله رأيت مالكا فعله, قال وسمعته مرة وقد سئل عن مثل هذا فقال: ( ما يعجبني وأن الناس يفعلونه .قال :وذلك أنهم طلبوا العلم لغير الله يريدون أن يأخذوا الشيء الكثير في المقام القليل ).
ومثل هذا قول عبد الملك بن الماجشون لرسول اصبغ بن الفرج في ذلك قل له: ( إن كنت تريد العلم فارحل له ). أو يكون ذلك لما أخبرنا به أو بحر سفيان بن العاصي الأسدي قال: أخبرنا أحمد بن عمر, أخبرنا أبو ذر الهروي, أخبرنا أبو العباس المالكي قال لمالك: (شرط في الإجازة أن يكون الفرع معارضا بالأصل حتى كأنه هو وأن يكون المجيز عالما بما يجيز ثقة في دينه وروايته معروفا بالعلم وأن يكون المجاز من أهل العلم متسما به حتى لا يضع العلم إلا عند أهله. قال: وكان يكرهها لمن ليس من أهله ويقول إذا امتنع من إعطاء الإجازة أحدهم يحب أن يدعى قسا ولم يخدم الكنيسة يضرب هذا المثل في هذا ).
- قال القاضي المؤلف -رضي الله عنه-: ( أما الشرطان الأولان فواجبان على كل حال في السماع والعرض والإجازة وسائر طرق النقل إلا اشتراط العلم فمختلف فيه ).
- قال أبو عمر الحافظ: ( الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة ). وفي شيء معين لا يشكل إسناده .
-أخبرنا أبو علي الجياني فيما كتب به إلى قال: أخبرنا أبو عمر بن عبد البر, أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد, أخبرنا محمد بن علي بن الحسن, سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن بزدان الرازي يقول: سمعت أبا العباس عبد الله بن عبيد الله الطيالسي ببغداد يقول:كنا عند أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي إذ جاءه قوم يسألونه إجازة كتاب قد حدث به فأملى عليهم:
(كتابي إليكم فافهموه فإنه....... رسول إليكم والكتاب رسول)
(وهذا سماعي من رجال لقيتهم.......لهم ورع في فهمهم وعقول)
(فإن شئتم فارووه عني فإنما....... تقولون ما قد قلته وأقول) .
الوجه الثالث :
قال القاضي _رضي الله عنه_ : ( الإجازة للعموم من غير تعيين المجاز له ). وهي على ضربين معلقة بوصف ومخصوصة بوقت أو مطلقة فأما المخصوصة والمعلقة بقولك أجزت لمن لقيني أو لكل من قرأ علي العلم أو لمن كان من طلبة العلم أو لأهل بلد كذا أو لبني هاشم أو قريش والمطلقة أجزت لجميع المسلمين أو لكل أحد فهذه الوجوه تفترق وفي بعضها اختلاف .
فذهب القاضي ببغداد أبو الطيب الطبري إلى أن هذا كله يصح فيمن كان موجودا من أهل ذلك البلد ومن بني هاشم وجماعة المسلمين ولا يصح لمن لم يوجد بعد ممن هو معدوم, وذهب القاضي بالبصرة أبو الحسن الماوردي إلى منعها في المجهول كله من المسلمين من وجد منهم ومن لم يوجد ,وكذلك يأتي على قوليهما في طلبة العلم عليه فيمن وجد منهم ومن لم يوجد, وذهب أبو بكر الخطيب إلى جواز ذلك كله وإليه ذهب غير واحد من مشايخ الحديث .
- حدثنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر قال: أخبرنا القاضي أبو الأصبغ عيسى بن سهل قال: سألت الفقيه أبا عبد الله بن عتاب أن أقرأ عليه كتاب مسلم وكان يحمله عن أبي محمد عبد الله بن سعيد الشنتجالي فقال لي: (قد أجاز الكتاب أبو محمد ابن سعيد لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم فأنت وأنا فيه سواء ).
قال القاضي المؤلف -رضي الله عنه-: ( وقد رأيت أنا إجازة القاضي أبي الأصبغ المذكور بخطه لكل من طلب عليه العلم ببلدنا ).
وهؤلاء ثلاثة جلة فقهاء رأوا هذا من أهل قطرنا واختلافهم فيه مبني على اختلافهم في الوقف على المجهول ومن لا يحصى كالوقف على بني تميم وقريش فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك, فقالت طائفة: ذلك يصح وهو مذهب أصحابنا المالكيين ومحمد ابن الحسن وأبي يوسف وأحد قولي أصحاب الشافعي قالوا: ومن أجاز الوقف كان أحق به كما لو قال على الفقراء والمساكين وهم لا يحصون, والقول الآخر: لا يصح؛ لأنه لا يتعين الموقوف عليه وعادت إلى جهالة؛ فأما إذا كان هذا على العموم لمن يأخذه الحصر والوجود كقوله أجزت لمن هو الآن من طلبة العلم ببلد كذا؛ أو لمن قرأ علي قبل هذا فما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو إخوة فلان.
الوجه الرابع :
قال القاضي -رضي الله عنه-: ( الإجازة للمجهول ). وهي على ضروب فأما لمعين مجهول في حق المجيز لا يعرفه فلا تضره بعد إجازته له جهالته بعينه إذا سمى له أو سماه في كتابه أو نسبه على ما نص عليه كما لا يضره عدم معرفته إذا حضر شخصه للسماع منه ,وأما مجهول مبهم على الجملة كقوله أجزت لبعض الناس أو لقوم أو لنفر لا غير ؛فهذا لا تصح الرواية بها ولا تفيد هذه الإجازة إذ لا سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه, وأما إن تعلقت الجهالة بشرط وتميزت بصفة أو تعيين أولا كقوله أجزت لأهل بلد كذا إن أرادوا أو لمن شاء أن يحدث عني أو لمن شاء فلان فهذا قد اختلف فيه وقد وقعت إجازته لبعض من تقدم وبإجازته قال أبو بكر الخطيب الشافعي وأبو الفضل بن عمروس المالكي وأبو يعلى بن الفراء الحنبلي والقاضي أبو عبد الله الدامغاني الحنفي وروى مثله عن محمد بن احمد بن يعقوب بن شيبة وغيره ممن تقدم, ومنع ذلك القاضي أبو الطيب الطبري والقاضي أبو الحسن الماوردي والشافعيان, واحتج المحتج لهذا القول لأنه تحمل يحتاج إلى تعيين المتحمل .
- حدثنا الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد الربعي, عن أبي بكر الخطيب فيما أجازنيه عنه مشافهة قال: حدثنا أبو الفضل عبيد الله ابن أحمد بن علي الصيرفي كان في كتاب أبي الحسين عبد الرحمن بن عمر الخلال إجازة كتبها محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي نسختها. يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة: ( قد أجزت لعمر بن أحمد الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه على بن الحسن جميع ما فاته من حديثي مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره وقد أجزت ذلك لمن أحب عمر فليرووه عني إن شاءوا ).
قال الخطيب: (ورأيت مثل هذه الإجازة لبعض الشيوخ المتقدمين المشهورين غيره ).
الوجه الخامس:
الإجازة للمعدوم كقوله أجزت لفلان وولده وكل ولد يولد له أو لعقبة وعقب عقبة أو لطلبة العلم ببلد كذا متى كانوا أو لكل من دخل بلد كذا من طلبة العلم فهذا مما اختلف فيه أيضا, فأجازها معظم الشيوخ المتأخرين وبها استمر عملهم بعد شرقا وغربا وإليه ذهب من الفقهاء أبو الفضل بن عمروس البغدادي المالكي وأبو يعلى بن الفراء الحنبلي , القاضي أبو عبد الله الدامغاني الحنفي, واختلف فيها قول القاضي أبي الطيب الطبري من الشافعية وأجازها غيره منهم وهو اختيار الشيخ أبي بكر بن ثابت البغدادي ومنع ذلك الماوردي, قال الشيخ الخطيب أبو بكر الحافظ فيما حدثنا به عنه أبو الحسن علي بن أحمد الربعي الشافعي بالإجازة : (لم أجد لأحد من شيوخ المحدثين في ذلك قولا ولا بلغني عن المتقدمين في ذلك رواية سوى ما حدثنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين قال: سمعت أبا بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان يقول : سمعت أبا بكر بن أبي داود وسئل عن الإجازة؟ فقال: (قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة قال: يريد من لم يولد بعد ). وحجة المجيزين لها القياس على الوقف عند القائلين بإجازة الوقف على المعدوم من المالكية والحنفية ولأنه إذا صحت الإجازة مع عدم اللقاء وبعد الديار وتفريق الأقطار فكذلك مع عدم اللقاء وبعد الزمان وتفريق الأعصار .
الوجه السادس:
قال الفقيه القاضي أبو الفضل : (الإجازة لما لم يروه المجيز بعد ) فهذا لم أر من تكلم عليه من المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه إلا أني قرأت في فهرسة الشيخ الأديب الراوية أبي مروان عبد الملك بن زبادة الله الطبني قال: كنت عند القاضي بقرطبة أبي الوليد يونس بن مغيث فجاءه إنسان فسأله الإجازة له بجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد فلم يجبه إلى ذلك ,فغضب السائل فنظر إلى يونس فقلت له: (يا هذا يعطيك ما لم يأخذه هذا محال ).فقال يونس: ( هذا جوابي ).
قال القاضي المؤلف -رضي الله عنه- وهذا هو الصحيح فإن هذا يجيز بما لا خبر عنده منه ويأذن في الحديث بما لم يتحدث به بعد ويبيح ما لم يعلم هل يصح له الإذن فيه فمنعه الصواب كما قال القاضي
أبو الوليد يونس وصاحبه أبو مروان, وعلى هذا فيجب على المجاز له في الإجازة العامة المبهمة إذا طلب تصحيح رواية الشيخ كما قدمنا أن يعلم أن هذا مما رواه قبل الإجازة إن كان الشيخ ممن يعلم سماعه وطلبه بعد تاريخ الإجازة فيحتاج ههنا إلى ثبوت فصل ثالث وهو تاريخ سماعه زائدا إلى الفصلين اللذين ذكرناهما هنالك, وقد تقصينا وجه الإجازة بما لم نسبق إليه وجمعنا فيه تفاريق المجموعات والمسموعات والمشافهات والمستنبطات بحول الله وعونه, ونرجع إلى ذكر ما بقي من ضروب النقل والرواية إن شاء الله تعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الضرب السادس:
وهو إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث من روايته وأن هذا الكتاب سماعه فقط دون أن يأذن له في الرواية عنه أو يأمره بذلك أو يقول له الطالب هو روايتك أحمله عنك فيقول له نعم أو يقره على ذلك ولا يمنعه, فهذا أيضا وجه وطريق صحيح للنقل والعمل عند الكثير؛ لأن اعترافه به وتصحيحه له أنه سماعه كتحديثه له بلفظه وقراءته عليه إياه وإن لم يجزه له وبه قال طائفة من أئمة المحدثين ونظار الفقهاء المحققين وروي عن عبيد الله العمري وأصحابه المدنيين وقالت به طائفة من أهل الظاهر وهو الذي نصر واختار القاضي أبو محمد بن خلاد والحافظ الوليد بن بكر المالكي وغيرهما وهو مذهب عبد الملك بن حبيب من كبراء أصحابنا وبها .
نعى عليه من لم يبلغ معرفته في روايته عن أسد بن موسى وكان أعطاه كتبه ونسخها فحدث بها عنه ولم يجزه إياها فقيل لأسد أنت لا تجيز الإجازة فكيف حدث ابن حبيب عنك ولم يسمع منك؟ قال: إنما طلب مني كتبي ينتسخها فلا أدري ما صنع ونحو هذا ولم يجز النقل والرواية بهذا الوجه طائفة من المحدثين وأئمة الأصوليين وجعلوه كالشاهد إذا لم يشهد على شهادته وسمع يذكرها فلا يشهد عليها إذ لعله لو استؤذن في ذلك لم يأذن لتشكك أو ارتياب يداخله عند التحقيق والأداء أو النقل عنه بخلاف ذكرها على غير هذا الوجه فكذلك النقل عنه للحديث وهو اختيار الطوسي من أئمة الأصوليين لكن محققو أصحاب الأصول لا يختلفون بوجوب العمل بذلك وإن لم تجز به الرواية عند بعضهم على ما سنذكره في الخط إن شاء الله تعالى وقال القاضي أبو محمد بن خلاد بصحتها وصحة الرواية والنقل بها.
قال :حتى لو قال له هذه روايتي لكن لا تروها عني لم يلتفت إلى نهيه وكان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال له: لا تروه عني ولا أجيزه لك لم يضره ذلك .
قال القاضي المؤلف -رضي الله عنه - وما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواه لأن منعه ألا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا ريبة في الحديث لا تؤثر لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه وما أعلم مقتدى به قال خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما حدث به من حدثه وأن ذلك يقطع سنده عنه إلا أنى قرأت في كتاب الفقيه أبي بكر بن أبي عبد الله المالكي القروي في طبقات علماء إفريقية عن شيخ من جلة شيوخنا أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لأمر يقمه عليه, وكذلك فعل مثل هذا بعض من لقيته من مشايخ الأندلس المنظور إليهم وهو الفقيه أبو بكر بن عطية فإنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لهوى ظهر له منه وأمور أنكرها عليه, ولعل هذا لمن فعله تأديب منهم وتضعيف لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيره والله أعلم .
وقياس من قاس الإذن في الحديث في هذا الوجه وعدمه على الإذن في الشهادة وعدمها غير صحيح؛ لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإشهاد والإذن في كل حال إلا إذا سمع أداؤها عند الحاكم ففيه اختلاف والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق فهذا يكسر عليهم حجتهم بالشهادة في مسألتنا هنا ولا فرق, وأيضا فإن الشهادة مفترقة من الرواية في أكثر الوجوه ويشترط في الشاهد أوصاف لا تشترط في الراوي ويضر الرجوع عنها بخلاف الخبر ولأن الشاهد لو نسي شهادته أو شك فيها بعد أن كان نقلت عنه لم يصح نقلها ولا جازت شهادة الفرع لضعف شهادة الأصل عند الجميع والخبر يجوز فيه نقل الفرع مع شك الأصل ونسيانه عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية وجماعة المحدثين والأصوليين وهو مروي عن السلف المتقدم ولم يخالف فيه إلا الكرخي وبعض متأخرة الحنفية أصحابه ولأن الشهادة لا تنقل بحضرة شاهد الأصل وإمكانه من أدائها عندنا ويصح الخبر عن راويه مع شهوده وإمكان سماعه منه ولأنه لا يصح بتزكية شاهد الفرع لشاهد الأصل ويصح بتزكية الراوي لمن روى عنه فهما مفترقان ولا فرق في التحقيق بين سماعه كتابا عليه أو عرضه والشيخ ساكت عند من لا يشترط التقرير وهم الجمهور والمحققون ولا بين أن يدفع إليه كتابا ذكر له أنه روايته أو اعترف له به وإن لم يدفعه إليه أو كتب إليه بأحاديث بخطه وإن لم يجزها له .
- أخبرنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد بن أحمد ,أخبرنا الوليد بن بكر, أخبرنا زياد بن عبد الرحمن اللؤلؤي, أخبرنا محمد بن محمد اللخمي, أخبرنا يحيى بن عمر, أخبرنا هارون بن سعيد الأبلي قال: سمعت أنس بن عياض يقول: سمعت عبيد الله بن عمر يعني العمري يقول:كنا نأتي الزهري بالكتاب من حديثه فنقول له: يا أبا بكر هذا من حديثك فيأخذه فينظر فيه ثم يرده إلينا ويقول: ( نعم هو من حديثي).
قال عبيد الله: ( فنأخذه وما قرأه علينا ولا استجزناه أكثر من إقراره بأنه من حديثه ). فهذا مذهب الزهري إمام هذا الشأن وعبيد الله العمري أحد أئمة وقته بالمدينة في آخرين من أقرانه أبهمهم من أصحاب الزهري ومن هم إلا مالك وابن عمه أبو أويس ومحمد بن إسحاق وإبراهيم بن سعد ويونس بن يزيد وطبقتهم. قال الواقدي: قال ابن أبي الزناد: شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال له : (الصحيفة التي أعطيتها فلانا هي حديثك ؟ )قال: ( نعم ).
قال الواقدي: (سمعت ابن جريج بعد ذلك يقول :أخبرنا هشام ابن عروة ).
7 - الضرب السابع الوصية بالكتب :
وهو أن يوصي الشيخ بدفعه كتبه عند موته أو سفره لرجل, وهذا باب أيضا قد روى فيه عن السلف المتقدم إجازة الرواية بذلك ؛لأن في دفعها له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة وهو قريب من الضرب الذي قبله .
-أخبرنا القاضي أبو علي وغيره واللفظ لغيره قالوا :حدثنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد, أخبرنا أحمد بن إسحاق القاضي, أخبرنا أبو محمد
الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي, أخبرنا يوسف بن يعقوب, أخبرنا عارم أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال: قلت لمحمد هو ابن سيرين إن فلانا أوصى لي بكتبه أفأحدث بها عنه؟ قال: نعم ثم قال لي بعد ذلك لا آمرك ولا أنهاك ).
قال حماد :(وكان أبو قلابة قال: ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا وإلا فاحرقوها ).
8 - الضرب الثامن الخط :
وهو الوقوف على كتاب بخط محدث مشهور يعرف خطه ويصححه, وإن لم يلقه ولا سمع منه أو لقيه ولكن لم يسمع منه كتابه هذا وكذلك كتب أبيه وجده بخط أيديهم, فهذا لا أعلم من يقتدي به أجاز النقل فيه ب حدثنا وأخبرنا ولا من يعده معد المسند والذي استمر عليه عمل الأشياخ قديما وحديثا في هذا قولهم وجدت بخط فلان وقرأت في كتاب فلان بخطه إلا من يدلس فيقول عن فلان أو قال فلان وربما قال بعضهم أخبرنا وقد انتقد هذا على جماعة عرفوا بالتدليس .
- أخبرنا محمد بن إسماعيل, أخبرنا القاضي محمد بن خلف, أخبرنا أبو بكر المطوعي, أخبرنا أبو عبيد الله الحاكم, أخبرنا محمد بن صالح القاضي, حدثنا المستعيني, أخبرنا عبد الله بن علي المديني, عن أبيه قال: قال عبد الرحمن بن مهدي: (كان عند مخرمة كتب لأبيه لم يسمعها منه ). قال: (والحكم بن مقسم عن ابن عباس إنما سمع منه أربعة أحاديث والباقي كتاب ).
وحكي أن إسحاق بن راشد قدم الري فجعل يقول أخبرنا الزهري فسئل :أين لقيته؟ فقال: ( لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له 9).
وقد ذكرنا قبل في الحكاية الغريبة عن البخاري جواز حديثه عن كتاب أبيه بخطه ولعله فيما اعترف له أبوه أنه من روايته ولم يسمعه منه ثم وثق بعد بكتابه فيكون من ضرب الإعلام بالرواية دون الإذن الذي قدمناه أو يكون هذا مذهبا للبخاري وبعضده إجازة الحديث بوصية الكتب المروية عن ابن سيرين وأيوب لأن ترك كتابه لابنه كوصيته به لغيره وإن كان في الوصية كما قدمنا إشعار زائد يفهم منه أن يحدث بها عنه فقاربت المناولة من وجه, ثم اختلفت أئمة الحديث والفقه والأصول في العمل بما وجد من الحديث بالخط المحقق لإمام أو أصل من أصول ثقة مع اتفاقهم على منع النقل والرواية به فمعظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل به وحكي عن الشافعي جواز العمل به وقالت به طائفة من نظار أصحابه وهو الذي نصره الجويني واختاره غيره من أرباب التحقيق وهذا مبني على مسألة العمل بالمرسل, وحكى القاضي أبو الوليد الباجي أنه روى للشافعي أنه يجوز أن يحدث بالخبر يحفظه وإن لم يعلم أنه سمعه قال وحجته أن حفظه لما في كتابه كحفظه لما سمعه فجاز له أن يرويه ولا نور ولا بهجة لهذه الحجة ولا ذكرها عن الشافعي أحد من أصحابه ولعله ما قدمنا عنه من العمل به لا الرواية والله أعلم إلا أن يكون إنما أراد أنه وجده بخطه ولم يحقق سماعه إلا ما وجده بخطه وهي مسألة اختلف فيها الأصوليون فيحتمل أن يكون غير النقلة بخطه بحفظه وحجته تدل عليه وسنذكر المسألة بعد إن شاء الله تعالى,هذه وفقنا الله وإياك ضروب النقل مفصلة مبينة الأصول والفروع مفسرة لمراتب الإجماع والاختلاف, وها نحن نذكر اختلاف العلماء في العبارة عن النقل بضروبها والمختار من ذلك إن شاء الله تعالى) .[الإلماع: ؟؟]


التوقيع :

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنواع, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir