دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 صفر 1430هـ/6-02-2009م, 12:33 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي شرح العقيدة الوسطية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

قال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، (فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه، ثم رسله صادقون مصدوقون بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين} فسبح نفسه عن ما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصفه وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عن ما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).

قال الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير حمدا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله - صلى الله عليه - وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه الجمل التي سيأتي بيان ما فيها من العلم النافع من كلام شيخ الإسلام والمسلمين أبي العباس أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى -، هذه الجمل هي كالتفصيل بل هي تفصيل لما سبق من ذكر مجمل أركان الإيمان فإنه ذكر أركان الإيمان مجملة دون تفصيل ولهذا قال بعد أن ذكر أركان الإيمان قال: (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم).
قال: (ومن الإيمان بالله) يعني أن الإيمان بالصفات الإيمان بما وصف الله جل وعلا به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت في السنة أن هذا بعض الإيمان بالله وذلك لأن الإيمان بالله جل وعلا متركبٌ من ثلاثة أشياء: الإيمان بأن الله جل وعلا واحد في ربوبيته، واحد في إلاهيته، واحد في أسمائه وصفاته، فالإيمان بتوحيد الأسماء والصفات هو بعض الإيمان بالله، ولهذا قال (ومن الإيمان بالله)، وهذه الجملة تفيد أن أهل السنة والجماعة الذين يقررون هذا الاعتقاد أنهم ساعون في تكميل الإيمان بالله بإيمانهم بالأسماء والصفات التي أخبر الله جل وعلا بها عن نفسه، وأخبر بها عنه أعلم الخلق بربه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكر ههنا القاعدة العظيمة في هذا الباب، وذلك بقوله: (من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم)، وهذا تقرير لقاعدة هذا الباب، وهذا الباب -أعني باب الأسماء والصفات- سيكون في هذه الرسالة في أكثرها فإنه أطال عليه المؤلف - رحمه الله تعالى - إطالة لشدة الحاجة إليه ولكثرة المخالفين فيه ولكثرة الاشتباه في هذا الباب، ذكر قاعدة هذا الباب بقوله (الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم) وهذه الجملة نأخذ منها أن هذا الباب إنما عُمدته على كتاب الله جل وعلا وعلى السنة التي ثبتت عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -،

فإذاً مصدر توحيد الأسماء والصفات إنما هو الكتاب والسنة، وهذا كما قال أئمتنا - رحمهم الله تعالى - ومنهم الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله - إذ قال في الصفات: "لا نتجاوز القرآن والحديث" يعني: في الأمور في الأسماء والصفات، وفي الأمور الغيبية لا نتجاوز القرآن والحديث، فصارت قاعدة أن ما جاء في كتاب الله وما ثبت في السنة أنه يثبت لله جل وعلا ومن الأسماء والصفات والأفعال، وكذلك في الاعتقادات في الأمور الغيبية، وإذا تقرر هذا وأن القاعدة: (أن كل ما جاء في الكتاب من صفة الله جل وعلا من أسمائه ومن أفعاله أنه يثبت لله جل وعلا وما ثبت في السنة يثبت لله جل وعلا)، إذا تقرر هذا فثمّ بيان وهو أن ما يوصف الله جل وعلا به مما يكون في كلام أهل العلم مما لم يأت في الكتاب والسنة هذا على أقسام، فإن القاعدة كما ذكرنا أنه لا يتجاوز القرآن والحديث ولكن ربما استعمل بعض أهل العلم من أئمة السنة ألفاظا هي داخلة في باب الصفات أو داخلة في باب الأفعال ولم تثبت صفة لله جل وعلا في الكتاب والسنة، وهذا الباب قال أهل العلم: إنه من باب الإخبار، والقاعدة عندهم: (أن باب الإخبار أوسع من باب الصفات)، كما أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وهذا القسم سيأتي إن شاء الله إيضاح هذه القاعدة بعد ذكر بقية الأقسام، وتارة يكون ثَمّ ذكر لصفة من الصفات أو لفعل من الأفعال ولا يصح أن ينسب إلى الله جل وعلا، فقد يطلق بعض التابعين أو بعض العلماء كلمة لا تصح أن تكون صفة لله جل وعلا، أطلقوها إما من جهة الاجتهاد أو من جهة الحاجة إليها في زمن معين ونحو ذلك، وإذا كانت الصفة لا يصح أن يوصف الله جل وعلا بها فإنها ترد لأن قاعدة هذا الباب ألا يُتجاوز القرآن والحديث.
ومن الأقسام في هذا أيضا وهو القسم الثالث أن يكون ثمّ اطلاق لبعض الكلمات التي فيها وصف لله جل وعلا لكن ليس هناك ظهور في معناها من أنها تحمل معنىً صحيحا، يصح أن يقال: إنه من باب الإخبار عن الله جل وعلا بما ثبت جنسه أو معناه في الكتاب والسنة، وقد يكون أنها تحتمل المعنى الصحيح أو تحتمل معنىً غير صحيح، وذلك في مثل تسمية الله جل وعلا بـ (الدليل) مثلاً فإن بعض أهل العلم سمّوا الله جل وعلا بذلك من باب الإخبار، خاصة في الدعاء من مثل ما أرشد به الإمام أحمد، حيث أرشد من يدعو إلى أن يدعو بقوله: " يا دليل الحيارى دُلّني على صراطك المستقيم" أو نحو ذلك فأثبت طائفة هذا الاسم ولكن هذا يحتمل المعنى الصحيح ويحتمل معنى آخر ولهذا فإن هذا الباب يطلق فيه مما لم يأتِ في الكتاب والسنة مما جاء على هذا مما هو محتمل يطلق فيه على الوجه الذي يكون فيه كمال لله جل وعلا، وهذا في مثل هذا الاسم وهو (الدليل) فإن الله جل وعلا دليل دلّ العباد عليه فإن العباد ما استدلوا على الله جل وعلا إلاّ بدلالته فالله جل وعلا دليل وهو جل وعلا مدلول عليه, أيضا ولهذا المعنى الصحيح ساغ الإخبار بمثل هذا وسيأتي إن شاء الله مزيد تفصيل.
المقصود أن القاعدة المقررة عندهم هي ألا يُتجاوز القرآن والحديث، فما لم يأت بالكتاب والسنة من الصفات مما ليس جنسه موجودا في الكتاب والسنة ليس معناه فإنه لا يصح أن ينسب إلى الله جل وعلا ولو في باب الأخبار، ولكن إذا كان في باب الأخبار قد جاء مثله فإنه ينسب وقد يسمى الله جل وعلا بذلك في باب الأخبار، مثل ما يقال: إنه جل وعلا ( قديم ) أو إنه (صانع ) أو إنه ( مريد ) ونحو ذلك فهذه الألفاظ لم تأت لا في القرآن ولا في السنة أن الله جل وعلا ( قديم ) أو أنه ( مريد ) يعني بالاسم أو التسمية الخاصة باسم الصانع وذلك لأن هذه الأشياء تنقسم إلى ما فيه كمال وما فيه نقص فلاحتمالها لم تطلق في باب الصفات وإنما يجوز أن تطلق في باب الخبر عن الله جل وعلا، يعني: يخبر عن الله جل وعلا بأنه موجود بأنه مريد يخبر عن الله جل وعلا بأنه قديم وهذا ليس من باب الاسم ولا من باب الصفة.
يتبع هذا أن نذكر قواعد مهمة في مقدمة شرحنا لهذا الكتاب العظيم وهو ( العقيدة الواسطية ) قواعد مهمة في باب الأسماء والصفات، هي كالتفصيل لهذه القاعدة التي نبه عليها شيخ الإسلام بقوله (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم):
فمن القواعد المقررة في ذلك: (أن باب الأسماء لله جل وعلا أضيق من باب الصفات وأن باب الصفات أضيق من باب الأفعال وأن باب الأفعال أضيق من باب الإخبار)، ومعنى هذا بعبارة مختلفة أن باب الأخبار أو باب الإخبار عن الله جل وعلا أوسع من باب الأفعال وباب الأفعال أوسع من باب الصفات وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، فإذا ثبت في الكتاب والسنة صفة لله جل وعلا لا يعني أنه يسوغ أن يشتق منها اسم لله جل وعلا، بل قد يكون ثمةَّ صفة وصف الله جل وعلا بها ولا يلزم أن يشتق له منها جل وعلا اسم؛ لأن هذا الباب مبناه على التوقيف، ليس مبناه على الاشتقاق، مبناه على التوقيف فإذا أطلق الاسم تقيدنا بذلك بإثبات الاسم, إذا أطلقت الصفة تقيدنا بذلك بإطلاق الصفة لكن إذا ثبت الاسم لله فإننا - كما سيأتي في القاعدة التي تلي إن شاء الله - فإنه لأن باب الأسماء أضيق فإن الاسم يشتمل على دلالة على الذات وعلى دلالة على الصفة، فيشتق من الاسم صفة، فمثلا الله جل وعلا ( الرحمن ) فنقول: إنه جل وعلا موصوف بصفة الرحمة، الله جل وعلا ( السميع ) نقول: إنه جل وعلا موصوف بصفة السمع، الله جل وعلا ( حييٌّ ) نقول: إنه جل وعلا موصوف بصفة الحياء ونحو ذلك وهذا كثير في هذا الباب.
كذلك (باب الأفعال أوسع من باب الصفات)، يعني: قد يكون في الكتاب والسنة وصف الله جل وعلا بالفعل ولكن لم تأت الصفة من الفعل فهنا يتقيد بالكتاب والسنة، فنثبت لله جل وعلا ما أثبته لنفسه بالفعل وأما الصفة أو الاسم من باب أولى فإنه لا يذكر _ يعني لا يوصف الله جل وعلا به – مثلا: إنه جل وعلا وصف نفسه بأنه يستهزئ وأنه يخادع وأنه جل وعلا يمكر وهذه أفعال هي لله جل وعلا على وصف الكمال ونعت الكمال الذي لا يشوبه نقص وقد أُطلقت في الكتاب والسنة بالمقابلة، قال جل وعلا في سورة البقرة: { [1] يستهزءون* الله يستهزئ بهم }، وقال جل وعلا: {يخادعون الله وهو خادعهم}، وقال جل وعلا: {ويمكرون ويمكر الله}، فإذاً هذه وصف الله جل وعلا بها من باب ذكر فعله جل وعلا فلا يشتق له من ذلك اسم كما غلط من غلط في ذلك من أمثال القرطبي في شرحه للأسماء الحسنى في قوله: إنه يشتق من: يَمكر، ماكر، أو أن من صفاته: المكر، هكذا بإطلاق أو أنه يشتق له من قوله: يستهزئ أنه مستهزئٌ، أو أن له صفة الاستهزاء بإطلاق ونحو ذلك، وإنما المقرر أن لا يتجاوز القرآن والحديث، فيقال: يوصف الله جل وعلا بأنه يستهزئ بمن استهزأ به فنأتي بصيغة الفعل؛ لأن هذا هو محض الاتباع أما إطلاق اشتقاقات فإن هذا فيه شيء نعم قد يطلق الاشتقاق مقيدا وهذا ينفي النقص فنقول أو فيقول القائل مثلا: الله جل وعلا يوصف بمخادعة من خادعه, يوصف بالاستهزاء بمن استهزأ به أو بأوليائه, يوصف بالمكر بمن مكر به أو بنبيه, أو بأوليائه، وهذا إذا كان على وجه التقييد, إذا كان على وجه التقييد فإنه أجازه العلماء؛ لأنه ليس فيه نقص وليس فيه تعدّي للمعنى؛ لأن المعنى المراد هو إثبات الصفة مقيدة ولكن الأولى أن يلزم ما جاء في الكتاب والسنة مثل صفة ( الملل ) الله جل وعلا لا يقال إنه يوصف بالملل هذا باطل لأن الملل نقص ولكن الله جل وعلا وصف نفسه بأنه يملُ ممن ملَ منه، وهذا على جهة الكمال، فإن هذه الصفات التي تحتمل كمالا ونقصا فإن لله جل وعلا منها الكمال، والكمال فيها يكون على أنحاء منها أن يكون على وجه المقابلة، قال جل وعلا: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم}، وقال جل وعلا: {ويمكرون ويمكر الله}، فهو جل وعلا يخادع من خادعه يستهزأ بمن استهزأ به، وهذا كمال لأنه من آثار أنه جل وعلا عزيز جبار ذو الجلال وذو الكمال وذو القدرة العظيمة، فهو جل وعلا لا يعجزه شيء.
ومن القواعد والتفصيل أيضا: (باب الإخبار أوسع من باب الأفعال)، يعني أن باب الأفعال مقيد بالنصوص ولكن قد يكون باب الإخبار نخبر عن الله جل وعلا بفعل أو بصفة أو باسم لكنه ليس من باب وصف الله جل وعلا به وإنما من جهة الإخبار لا جهة الوصف, وهذا سائغ كما ذكرت لك آنفا؛ لأن باب الأخبار أوسع هذه الأبواب، فإذا كان الإخبار بمعنى صحيح لم ينف في الكتاب والسنة وثبت جنسه في الكتاب والسنة، فإنه لا بأس أن يخبر عن ذلك مثل أن يخبر عن الله جل وعلا بأنه الصانع فإنه جاء في القرآن قوله جل وعلا: {صنع الله الذي أتقن كل شيء}، وقد جاء أيضا في الحديث: ((إن الله صانع ما شاء))، وكذلك ((إن الله صانع كل صانع وصنعته)).
ردا على مداخلة غير مسموعة: لا، ((إن الله صانع)) هذه رواية الحاكم في المستدرك ((إن الله صانع كل صانع وصنعته)) بلفظ "صانع"، (واللي) في مسلم ((إن الله خالق ما شاء وإن الله صانع ما شاء)) هذا أيضا من هذا الباب فإذن لفظ (الصانع) مثل (المريد)، قال بعض أهل العلم ومنه (الشيء)، فإنه يخبر عن الله جل وعلا بالشيء وهذا فيه نظر لأنه جاء في الصحيح - صحيح البخاري - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا شيء أغير من الله جل وعلا)) والمقصود من هذا أن هذه القاعدة مهمة لك جدا فيما سنأتي من بيان الأسماء والصفات وتقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك، من القواعد في هذا الباب أن..
ردا على مداخلة غير مسموعة: أنا ذكرت لك هذا تُقيد بما قُيدت به في النصوص، فالله جل وعلا لم يصف نفسه بأنه يستهزأ دون مقابلة وإنما وصف نفسه بأنه يستهزأ بمن استهزأ به فقال: { [2]يستهزءون * الله يستهزئ بهم}، لم يصف نفسه مطلقا بأنه يخادع بل وصف نفسه بأنه يخادع من خادعه, وهذا كله تقييد؛ وذلك لأن هذه الصفات تحتمل كلاما ونقصا فإنها عند الناس أن ذو الاستهزاء وذو المخادعة وذو المكر ونحو ذلك أنها ليست بجهات كمال, والله جل وعلا كل كمال للمخلوق هو جل وعلا أحق به, كل كمال للمخلوق الله جل وعلا أحق به وهذه الأشياء مثل مثلا الاستهزاء فإن الذي لا يرد على الاستهزاء في العرف العام هذا قد يكون مأخذه العجز, وقد يكون مأخذه الضعف، مثل من يستهزؤ به كبير قوم أو يستهزؤ به أمير أو ملك أو رئيس أو نحو ذلك فمن جهة الضعف لا يرد ذلك والله جل وعلا موصوف بصفات الكمال ولهذا مع أن العرب تعلم أن الجهل مذموم وتذم الجاهلين وتذم الجهل لكن قال عمرو بن كلثوم مثبتا لنفسه كمال هذا الوصف بقوله:


ألا لا يجهلن أحد علينا ....... فنجهل فوق جهل الجاهلينَ

وذلك لأن الجهل منه على من جهل عليه هذا من آثار قوته وعزته ومن آثار جبروته ومن آثار ملكه وسلطانه فلهذا صار كمالا بهذا الاعتبار.
على كل حال هذه لها أيضا تفاصيل يأتي إن شاء الله مزيد بيان لها عند الآيات التي فيها تقرير ذلك. من القواعد المقررة في ذلك، نعم
قائل يسأل بصوت غير مسموع؟ الشيخ: نعم. هو جل وعلا يعني قصدك أنه يسمى بأنه ماكر أو من جهة أنه لم تأت بالمقابلة.
الإجابة: لا.. هو جعل في السياق ما يدل على ذلك بقوله: {ويمكرون ويمكر الله} فالله جل وعلا يمكر وهم يمكرون، والله جل وعلا خير من يمكر، إذا كانوا يمكرون فالله جل وعلا يمكر بهم, وقد يكون في بعض هذه بعض النصوص إطلاقا غير هذه, أستحضر أنا بعض النصوص فيها إطلاق لكنها المعروف أنها تقيد بما قيدت به في النصوص الأخرى.
نقول أيضا من القواعد المقررة في هذا الباب: (أن أسماء الله جل وعلا لا تحصر بعدد معين)، كما جاء في الحديث الصحيح أو الحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أن لله جل وعلا أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده، قال عليه الصلاة والسلام في تعليمه الدعاء: (( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي … )) إلى آخر الحديث، فدلّ هذا الحديث على أن أسماء الله جل وعلا لا تحدّ بحدٍّ، أما ما جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة )) فهذا تخصيص لتسعة وتسعين اسما بهذا الفضل بأن من أحصاها دخل الجنة وليس معناه حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد، وأسماء الله جل وعلا حسنى كما قال سبحانه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه}, ومعنى كون أسماء الله جل وعلا حسنى أنها بالغة في الحُسن نهاية الحُسن وبالغة في الجمال والجلال والكمال نهاية الجلال ونهاية الجمال ونهاية الكمال، وأسماء الله جل وعلا هذه التسعة والتسعين التي قال فيها - عليه الصلاة والسلام - من أحصاها دخل الجنة، فُسِّر الإحصاء بأشياء، وجماع ذلك ثلاثة أمور، الإتيان بها مجتمعة هو معنى الإحصاء:
- الأول: حفظها،
- الثاني: معرفة معانيها،
- الثالث: التعبد لله جل وعلا بها, حفظها معرفة معانيها, التعبد لله جل وعلا بها, بسؤاله بها, وبدعائه بها ونحو ذلك.
القاعدة التالية: (أن أسماء الله جل وعلا وصفات الله جل وعلا تنقسم باعتبارات)، فمن انقسامها أنها تنقسم إلى صفات ذاتية وصفات فعلية: -
ونعني بالصفات الذاتية: الصفة التي لا تنفك عن الله جل وعلا، يعني أن الله جل وعلا موصوف بها دائما ليس في حال دون حال بل هو جل وعلا, موصوف بتلك الصفات الذاتية مثل الرحمة، فإن الله جل وعلا من صفاته الذاتية أنه رحيم أنه ذو رحمة، كذلك الغنى فالله جلَّ وعلا غنيٌّ، هذا من صفات الذات، كذلك القدرة فالله جل وعلا قدير، ذلك من صفات ذاته، وكذلك العلو فالله جل وعلا موصوف بأنه ذو العلو ونعني بالعلو جميع أقسامه: علو الذات وعلو القهر وعلو القَدر, وهذا كله صفة ذاتية لله جل وعلا، لا تنفك عن الموصوف، فالله جل وعلا سميع هذه صفة ذاتية له جل وعلا، الله جل وعلا بصير، صفة ذاتية.
القسم الثاني: الصفات الفعلية: و نعني بالصفات الفعلية التي يتصف الله جل وعلا بها. بمشيئته " وقدرته " يعني أنه ربما اتصف بها في حال وربما لم يتصف بها، مثل صفة الغضب مثلا، فالله جل وعلا ليس من صفاته الذاتية الغضب فإنه يغضب ويرضى، يغضب حينا ويرضى حينا، وهذا كما جاء في آية سورة طه، قال جل وعلا: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} وهنا الغضب يحلُّ وهذا أيضا جاء مبينا في حديث الشفاعة أنه - عليه الصلاة والسلام – قال: ((إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله)), وهذا باب واسع مثل الاستواء، فإن الاستواء صفة فعلية باعتبار أن الله جل وعلا لم يكن مستويا على العرش، ثم استوى على العرش وهذا باب واسع، وهذا يسمّى عند كثير من العلماء يسمّى بالصفات الاختيارية، وهي التي نفاها ابن كلاّب ومن شابهه وأخذ نهجه من الأشاعرة و الماتريدية ونحوهم، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله في مواضعه.
أيضا من التقسيمات، أن أسماء الله جل وعلا وصفاته من حيث معناها، منها ما هو وصف جلال أو أسماء جلال، ومنها ما هي أوصاف أو أسماء جمال ومنها ما هي أوصاف أو أسماء لمعاني الربوبية, ومنها أوصاف أو أسماء لمعاني الألوهية ونحو ذلك، فهذه انقسامات للمعاني، أسماء الله جل وعلا منها أسماء جلال ومنها أسماء جمال، وضابط ذلك أن أسماء الجمال ما كان فيها فتح باب المحبة من العبد لربه جل وعلا من جنس أسماء وصفات الرحمة وصفة الرحمة والأسماء المأخوذة منها كالرحمن والرحيم ونحو ذلك من جهة أو من مثل اسم الله جل وعلا الجميل أو صفة الجميل، صفة الجمال لله اسم الله جل وعلا النور أو صفة النور لله جل وعلا، أن الله جل وعلا رزّاق اسم الله الرزّاق وأنه ذو الرزق ونحو ذلك مما فيه إحسان بالعباد، هذا يقال له: صفات جمال ولهذا يقول شيخ الإسلام في ختمه للقرآن، الختم المشهور النسبة إليه، يقول في أوله: (صدق الله العظيم المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيما وتكبيرا، الذي نزّل الفرقان على عبده …) الخ.
هنا قال: (متوحد بالجلال بكمال الجمال)، وذلك أن أسماء الله جل وعلا منها جلال ومنها جمال, أما أسماء الجلال وصفات الجلال فضابطها أنها الأسماء والصفات التي فيها معاني جبروت الله جل وعلا وعزته وقهره من مثل اسم الله العزيز القهار والجبار والقوي والمنتقم ونحو ذلك من الأسماء والصفات, فمعاني العزة, معاني الجبروت، معاني القهر ونحو ذلك هذه كلها جلال؛ لأنها تورث الإجلال تورث التعظيم تورث الخوف والهيبة لله جل وعلا ومن الله جل وعلا.
صفات أو أسماء من جهة الربوبية، وذلك اسم الله جل وعلا الرب المالك، الملك والسيد عند من أطلقه اسم لله جل وعلا ومدبر الأمر الذي يجير ولا يجار عليه، الرزّاق ونحو ذلك، معاني الربوبية الأسماء التي هي من معاني الربوبية هذه كلها يقال لها: أسماء فيها معاني الربوبية وقد تكون ببعض الاعتبارات أسماء جلال وقد تكون أسماء جمال، وهذا باب واسع يطلب من مظانه.
من القواعد المقررة في الأسماء والصفات أن العقل... نعم
ردا على مداخلة غير مسموعة: معاني الألوهية يعني الأسماء التي فيها معاني الألوهية هذا مثل الله و..
-.....
-نعم.
-....
-والمعبود يعني مع أن المعبود ما أطلق باسم يعني ما فيه معاني تدل على إفراد الله جل وعلا بأفعال العبيد.
-......
-هه؟ نعم؟
-......
تقسيم هذا من جهة المعنى, هذا التقسيم يقول دليله هذا دليله اللغة هذا المعنى يعني صفات الجلال هكذا هي في اللغة هذه صفات جلال، إن الله جميل يحب الجمال هوجميل جل وعلا في ذاته وفي أسمائه وصفاته وأفعاله وهوجل وعلا ذو الجلال والإكرام فوصف نفسه بأنه ذو الجلال ووصف نفسه بأنه جميل والله جلَّ وعلا له جمال الذات وله جلال الذات وله جلال الصفات والأسماء وله جمال الصفات والأسماء، هذا مأخذه مع النصوص أيضا مأخذه اللغة لأن الجلال غير الجمال,ومأخذ الجلال من الأسماء غير مأخذ الجمال من الأسماء وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع وذكره ابن القيم في مواضع وهو مقرر عند العلماء في شرح حديث ((إن الله جميل يحب الجمال))، وكذلك عند قوله: {ذو الجلال والإكرام}.
من القواعد المقررة في هذا أن العقل تابع للنقل وأن النصوص نصوص الكتاب والسنة لا يُحكّم فيها القوانين العقلية التي اصطلح عليها طوائف من الخلق، بل نأخذ القواعد العقلية من النصوص، النصوص مصدر للقواعد العقلية كما أنها مصدر للشرع وللأحكام، وهذا فيه إبطال لمن قدم العقل على النقل أو جعل أن العقل أصل والسمع فرع، وهذه القاعدة هي التي كتب فيها شيخ الإسلام كتابه العظيم العجاب (درء تعارض العقل والنقل) والذي قال فيه ابن القيم - رحمه الله تعالى - مثنيا عليه معظما له قال:

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ....... ما في الوجود له مثيل ثاني

وصدق؛ فإنه في دحض أصول المتكلمين وأصول المبتدعة من الأشاعرة ونحوهم والمعتزلة فإنه أصل ليس ثمّ مصنف يعدله في هذا من مصنفات علماء المسلمين "درء التعارض" إيه مطبوع طبعة بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ي نحو أحد عشر مجلداً، وهذه القاعدة سنستفيد منها في الرد على أولئك في مواضعه وتفصيلها يأتي إن شاء الله تعالى.
[3] [من القواعد المقررة في هذا الباب التي سنحتاجها إن شاء الله تعالى فيما سنأتي من بيان معاني الآيات والأحاديث التي فيها الصفات (أن] الواجب على العباد أن يؤمنوا بما أنزل الله جل وعلا في كتابه، والإيمان بما أنزل الله جل وعلا في كتابه أو أخبر به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء والصفات) يكون بأشياء: -
الأول: إثبات الصفة لأن الله جل وعلا أثبتها، فتثبت كما أثبتها الله جل وعلا بها وهذا أول درجات الإيمان.
الثاني أن يثبت المعنى الذي يدل عليه ظاهر اللفظ، فإن القرآن نزل بلسان عربيّ مبين تعقل معانيه وتفهم ألفاظه بلسان العرب وبلغة العرب، وآيات الصفات وآيات الأسماء هي من القرآن، فتفهم باللسان العربي، فكل اسم من أسماء الله له معنى يدل عليه، وكل صفة من صفات الله لها معنى تدل عليه بظاهر اللفظ فيجب إثبات الصفة من حيث هي ويجب إثبات المعنى الذي في اللفظ أو نقول ما سبب ذلك إثبات المعنى لم؟ لأن الله جل وعلا قال: {أفلا يتدبرون القرآن}, وقال: {بلسان عربيّ مبين} يعني: بيّن واضح وهذا يعني أن آيات الكتاب ومنها آيات الأسماء والصفات أنه يتعلق بها التدبر والفهم، والتدبر فرع العلم بالمعنى، ليست الأسماء والصفات غير معلومة المعنى، فإن معانيها معلومة. والتدبر للمعاني، أما لو لم تكن لمعانٍ صارت بمنزلة الأحرف الهجائية، ألف باء تاء ثاء … الخ، ليس لها معاني خاصة تدل عليها، وهذا يعني أنها لا تعقل ولا تتدبر ولكن الله جل وعلا أمرنا أن نعقل وأن نتدبر كتابه، وأعظم ما في القرآن الدلالة والعلم بالله جل وعلا ووصف الله جل وعلا ونعوت كماله جل وعلا وهذه كلها متعلق بها التدبر، كيف يكون التدبر لغير هذا المطلب الأعظم.
أيضا من الإيمان بها أن يؤمن بمتعلقاتها في الخلق وبآثارها في الخلق، فإن الأسماء والصفات لها آثار متعلقة بخلق الله، متعلقة بملكوت الله فكل اسم وكل صفة له أثر، فنؤمن بالصفة من حيث هي ونؤمن بما اشتملت عليه من المعنى، ونؤمن بالأثر الذي للصفة، وهذا قد يسمّى متعلق الصفة، فمثلا الله جل وعلا موصوف بأنه ذو سمع وأنه السميع وهذا نثبت فيه أن الله جل وعلا له السمع ونثبت معنى السمع, ثم نثبت أثر هذه الصفة في الخلق وأن الله جل وعلا لا يعزب عنه مسموع، سبحان من وسع سمعه الأصوات.
_ سؤال: ما معنى السمع؟
جواب: السمع هذا, سؤال جيد: ما معنى السمع؟.. السمع من حيث هو معناه إدراك ما يُسمع. هذا معنى السمع. السمع إدراك ما يسمع.
وهنا تنبيه، وهو أن المعاني يصعب تفسيرها بخلاف الذوات والأعيان، فإنه يسهل التعريف بها، ولهذا تجد أن معاني القلوب مثلا أو ما يقوم بالقلوب بالقلب, قلب البشر من الصفات، فإنه إذا عرفه فإنه يعرف ما قام بقلبه بتعلقه بذاته بتعلقه بالبشر، مثلا: لو طلب تعريف الرحمة فإنها معنى قلبي, كل واحد يدرك منا معنى الرحمة؛ لأنها معنى قلبي يشعر به والدلالة بما يشعر به، هذه دلالة أعظم من دلالات الألفاظ فإذا أراد أن يعبّر عنه ربما عَسُرَ عليه أن يعبّر بتعبير مطلق، يعني بتعبير عام يشمل ما في قلبه ويشمل غيره، ربما عَسُرَ على كثير من الناس بل ربما عَسُرَ على كثير من أهل العلم، ولكن الخاصة يؤتيهم الله جل وعلا من ذلك ما يشاء....
فإذا عرف معرف الرحمة فإنه ربما يعرفها بالنظر إلى حاله، مثل ما عرَّفها الأشاعرة: كل أعمال القلوب التي في الإنسان, ووصف الله جل وعلا بها، عرّفوها بناء على أنها أعمال قلوب للإنسان، ولهذا نفوها عن الله جل وعلا، وهذا في المعاني كثير، لهذا نقول: إن المعاني تعقل معانيها، صفات هذه التي هي من هذا الجنس تعقل معانيها وأما تفسيرها فلا بد أن تقف عليه بعبارة من عبارات أهل العلم المحققين؛ لأن تفسير تلك المعاني قد يكون من المفسّر بالنظر إلى بعض متعلقاتها، يفسِّر الرحمة من جهة تعلقها بالمخلوق، يفسر الحياء من جهة اتصاف المخلوق به، يفسر الغضب من جهة اتصاف المخلوق به، يفسر الرضا من جهة اتصاف المخلوق به … وهكذا، فإن هذه وجودها مطلقا وجودها مطلق من دون إضافة كما هو معلوم، إنما يوجد في الأذهان أما في الخارج يعني في الواقع، فإنما توجد مضافة رحمة الله، رحمة الإنسان، فإذا عرّف معرِّف هذه المعاني فإنه قد ينظر في ذلك ينظر إلى ما يعقله من نفسه، ولهذا ضلّ من ضلّ في هذا الباب من هذه الجهة، فتنبهوا لهذه القاعدة وهي أن المعاني تفسيرها من دون إضافة قد يَعسُر على كثيرين فخذ تفسيرها من أهل العلم المحققين حتى بعض اللغويين يفسرها باعتبار من قامت به ربما فسّر الحياء وهو ينظر إلى حياء المخلوق لكن الحياء الذي هو مطلق عن الإضافة، الذي هو وجود كلّي في الذهن معنىً كلّي في الذهن قد لا يصل إلى تعريفه لأنه إنما وجد في ذهنه بالتخصيص، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في التدمرية في قاعدته المعروفة في الفرق بين التعميم: أن المعاني هذه لا توجد كلية إلاّ في الأذهان، أما في الخارج فإنما توجد بالإضافات والنِّسب.
القواعد في هذا كثيرة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى منها، ربما يضيق الوقت عليها على تعداد ما سنستخدمه، أنا ذكرت أشياء سنستخدمها إن شاء الله في فهم النصوص والرد على المخالفين من المؤولة والمعطلة والمشبهة والمجسمة ونحو ذلك من أصناف أهل الضلال في هذه الأبواب.
بقيت القاعدة الأخيرة التي نختم بها، وهي أن ظاهر النصوص مراد، وأن الإيمان إنما يكون بظاهر النص؛ لأن الظاهر هو ما يتبادر إلى الذهن من النص، وهذا هو الذي كلفنا الله جل وعلا بالإيمان به، إذ لم نكلف في الغيبيات بأن نؤمن بأشياء وراء الظاهر؛ لأنها لا تدرك وهذه الغيبيات لابد من إدراكها نقـول: إن الظاهر هو الذي يجب الإيمان به فما هو ظاهر النصوص ؟، ظاهر النصوص هو إثبات المعنى دون إثبات الكيفية ولهذا وجب الإيمان به؛ لأن فيه إثبات معنى دون إثبات الكيفية، الله جل وعلا وصف نفسه بأنه استوى على العرش، وهذا إثبات لمعنى دون إثبات لكيفية، وصف الله جل وعلا نفسه بأنه يغضب { وغضب الله عليهم } وهذا إثبات للمعنى دون إثبات للكيفية، وصف الله جل وعلا نفسه بأنه يرضى، وهذا إثبات للمعنى دون إثبات الكيفية، فظاهر النص هو المعنى الذي دلّ عليه أما كيفية الاتصاف فإن هذه لا يدُلُّ عليها ظاهر النصوص، ولهذا ضل من ضل حيث زعم وظنّ أن ظاهر النصوص فيه التشبيه أو فيه التمثيل ففهم من الغضب، غضب المخلوق، يعني كيفية غضب المخلوق، فهم من الرضا رضا المخلوق، يعني كيفية رضا المخلوق فيفسرون الغضب مثلا بأنه ثوران دم القلب أو غليان دم القلب وهذا أثر الغضب في المخلوق وليس هو معنى الغضب، بل الغضب له معنىً كلّي لا يتقيد بالمخلوق، وهذا الباب مهم جدا، فإن الإيمان بظاهر النص هو إيمان بالمعنى الذي دلَّ عليه هذا الظاهر، وهذا الظاهر أحيانا يكون إفرادياً نفهمه من كلمة واحدة، وأحياناً يكون هذا الظاهر تركيبياً نفهمه من تركيب الكلام، يعني أن الظاهر ينقسم إلى قسمين، ظاهر إفرادي وظاهر تركيبي: -
الظاهر الإفرادي هو الذي دلَّ عليه أفـراد الكلام يعني كلمة واحدة كقـوله: { وغضب الله عليهم }، وكقوله: { ومن يحلل عليه غضبي } وكقوله: { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها } ونحو ذلك من الصفات.
وأما الظاهر التركيبي فهو الذي يفهم لا من جهة لفظٍ ولكن من جهة الكلام كله، وهذا حجة وهو أصل في اللغة وهو مقرر عند أئمة أهل اللغة من السُّنيين، وكذلك أئمة أهل السنة في كتب العقائد وغيرها، مثاله قوله تعالى: { فأتى الله بنيانهم من القواعد } أتى الله بنيانهم من القواعد، هنا لا يفهم منه صفة الإتيان لله جل وعلا، لكن هنا يفهم الكلام بظاهره التركيبي وهو أن الله جل وعلا أتى بنيانهم من القواعد، ومعلوم أن تركيب الكلام لا يدلّ على أن الإتيان كان بالذات وإنما الإتيان كان بالصفات، ولهذا فسَّره المفسّرون بأنه إتيان بعذابه أو بقدرته أو بنحو ذلك، كذلك قوله جل وعلا: { ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا …} إلى آخر الآيات، قال: { ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل } هنا ليست رؤية إلى الله جل وعلا، يعني إلى الذات، ولكن تركيب الكلام وظاهر الكلام الذي أُمرنا بالإيمـان به هنا ظاهر تركيبي ليس لفظيا، وذلك لأن دلّ على معنى قـوله: { ألم تر إلى ربك } دل على معناها قـوله: { كيف مدّ الظل }، وهذه قاعدة مهمة جدا، وكذلك الحقيقة الحقيقة تنقسم إلى.. وهذا الذي ذكرت لك بيّنه شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع ومنها في أول المجلد الثالث من ردِّه على الرازي أول المجلد الثالث في رده على الرازي في بيان تلبيس الجهمية أو الرد على كتاب التأسيس والتقديس أو يسمّى نقض التأسيس والتقديس، وهذا القسم لم يطبع وهو من الأقسام المهمة جدا في الكتاب كذلك الحقيقة تنقسم إلى قسمين: حقيقة تفهم من مفرد الكلام وحقيقة تفهم من تركيب الكلام، وهي مرتبطة بتقسيم ظاهر الكلام إلى ظاهر إفرادي وظاهر تركيبي، فمثلا ادُّعيَ المجاز في قوله تعالى ادعي المجاز في قوله تعالى: { واسأل القرية } وادُّعي المجاز في قوله تعالى: { واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة } وادُّعي المجاز في قوله تعالى: { الرحمن الرحيم } وادُّعي المجاز في أشياء كثيرة، وهم يزعمون أن أن مثل قوله: { واسأل القرية } فيها إثبات للمجاز لأن الحقيقة حقيقة اللفظ لم تُعنى بيقين، وفهموا من حقيقة اللفظ هنا أن السؤال متوجه إلى القرية، والسؤال متوجه إلى العير، ففهموا من قوله: { واسأل القرية } أن السؤال يتوجه إلى القرية، ونقول: هذا ليس بظاهر الكلام وليس بحقيقته أيضاً، لأن الحقيقة هنا تركيبية، ولأن الظاهر هنا ليس هو ما دل عليه مفرد اللفظ كما زعموا بل الحقيقة التركيبية هي المفهومة من قوله: { واسأل القرية } ومعلوم أن السؤال لم نؤمر بتوجيهه إلى جدران القرية وبيوتها وأرضها، وإنما لمن يفهم السؤال ويجيب عليه وهم أهل القرية فهذا يسمى حقيقة تركيبية أو ظاهر دلّ عليه تركيب الكلام وفيه نفي للمجاز.
نقف عند هذا وأسأل الله عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يوفقنا للهدى والرشاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

مجلس آخر
قال القارئ: (ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل).
قال الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم _ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملاً صالحاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مسموعاً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما والحمد لله على كل حال.
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا هذه الجملة وما يتبعها من القواعد المهمة, وهذا الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ادعاه كثيرون, ادعاه طوائف من المنتسبين إلى القبلة، ولكن دعوى الإيمان بما وصف الله جل وعلا به نفسه ووصفه به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما كانت دعوى عند كثيرين التزم أهل السنة والجماعة أن يذكروا قيد هذا الإيمان فإن الإيمان بهذه النصوص التي هي نصوص الصفات ليس إيماناً على وفق ما تشتهي النفس أو يؤدي إليه العقل بل على قاعدة وتلكم القاعدة هي: أن يكون الإيمان بتلك النصوص بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهناك محرفون يقولون: نؤمن بالصفات على ما جاء في الكتاب والسنة لكنهم يحرفونها عن مواضعها, فأهل السنة خالفوهم وآمنوا بالنصوص من غير تحريف، وهناك معطلة عطلوا نصوص الصفات عن معانيها اللائقة بها أو عطلوا الله جل وعلا عن الوصف الذي وصف به نفسه على كماله وأولوه وحرفوه وتوجهوا به إلى معنى أخر فخالفهم أهل السنة فآمنوا بظاهر النصوص من غير تعطيل لها ولا تأويل يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله جل جلاله، كذلك آمنوا بالنصوص من غير تكييف لأن هناك من آمن فكيَّف فجعل نصوص الصفات مكيَّفة بكيفيات اخترعوها وابتدعوها في أذهانهم, وهؤلاء يزعمون أنهم آمنوا بالنصوص لكن أهل السنة بيَّنوا أن الإيمان لا بد أن يكون من غير تكييف, وهناك ممثلة مجسمة آمنوا بالنصوص على زعمهم وجعلوا ظاهر النص يراد به أمثلة معروفة فقالوا: يدُ الله كأيدينا وعين الله كأعيننا وسمع الله كسمعنا ونحو ذلك، زعموا أنهم آمنوا لكن آمنوا إيماناً فيه تمثيل وإذاً يكون إيمان هؤلاء الأصناف الأربعة يكون إيماناً مُدْعى ليس إيماناً شرعياً فمتى يكون الإيمان بالنصوص- نصوص الصفات – صحيحاً ؟ إذا جمع هذه الأربعة: أن يؤمن بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، فهذه القواعد الأربعة:
أن نؤمن بالنصوص ولا نحرفها,
نؤمن بالنصوص ولا نعطل الله جل وعلا أو وصفه الذي وصف به نفسه أو وصفه به رسوله،
نؤمن بالنصوص نصوص الصفات من دون تكييف لهذه الصفات بكيفيات معهودة أو غير معهودة،
نؤمن بالنصوص ولا نمثل الله جل وعلا بخلقه بل ننـزهه،
وهذا يحتاج في بيانه إلى بيان المراد بهذه الألفاظ الأربعة، ما معنى تحريف ؟ ما معنى التعطيل ؟ ما معنى التكييف؟ وما معنى التمثيل ؟.
أما التحريف؛ فأصله في اللغة: من الانحراف بالشيء عن وجهه وهو صرفه عن وجهه ومعناه إلى غيره, وهذا تحريف بمعنى التغيير والتبديل, فإذاً يكون معنى التحريف: التغيير والتبديل، حرَّف: أي غير وبدل, قال جل وعلا عن اليهود: { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه }, قال المفسرون إن معنى قوله: { يحرفون الكلم عن مواضعه } يعني: يحرفون ما أنزل عليهم عن معانيه اللائقة به بل يخترعون له معاني من عندهم, وسمى الله جل وعلا هذا منهم تحريفا. قال: { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه }, والتحريف في نصوص الصفات معناه أن تغير وتبدل ألفاظها أومعانيها عن ظواهرها, فإذا صُرف ظاهر النص عن معناه اللائق به فإن هذا سواء أكان في اللفظ أو في المعنى فإن هذا تحريف؛ لأنه تغيير وتبديل، قال العلماء: التحريف من حيث هو في تعلقه بنصوص الصفات أو بغيره يكون في اللفظ وفي المعنى, والتحريف في اللفظ: إما بزيادة أو نقصان، أو بتغير حركة إعرابية أو بغير تغيير حركة إعرابية, والتحريف في المعنى: يكون بتغيير معنى الكلمة عن معناها المعروف في لغة العرب تحريف بزيادة، تحريف في اللفظ بزيادة كما فعل اليهود فإن الله جل وعلا أخبر عنهم بقوله: { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم }, قيل لهم: قولوا حطة, فقالوا حبة في شعرة, غيروا اللفظ بزيادة بل غيروه من أصله, أو بزيادة كما روي أنهم قالوا: حنطة بزيادة النون, كذلك فعل المعتزلة والجهمية و الأشاعرة ونحوهم حينما فسروا معنى استوى على العرش بقولهم: استولى { الرحمن على العرش استوى } قالوا: استولى، فهذا تحريف في اللفظ بزيادة حرف, فإن كلمة استوى ليس فيها حرف اللام, زادوا اللام فغيروا المعنى، استوى جعلوا معناها استولى, ومعنى استوى المعروف في اللغة: علا وارتفع.
كذلك قد يكون بنقص في اللفظ ويَنقص يُنقص اللفظ يكون نقصاً في اللفظ, وقد يكون بتغيير حركة إعرابية في النص من مثل ما قال جهمي لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء والنحاة والعلماء المتحققين بالسنة قال له جهمي: يا أبا عمرو ألا تقرأ { وكلم اللهَ موسى تكليما }. { وكلم اللهَ }هذا تغير، حركة إعرابية، لأن القراءة: {وكلَّم اللهُ موسى تكليما ً}, فالله جل جلاله هو فاعل الكلام وموسى في الإعراب مفعول به،كلم اللهُ موسى، أراد أن يغير يحرف بتغيير حركة إعرابية فقال: ألا تقرأ: { وكلم اللهَ موسى تكليماً }. يعني: أن له وجهاً في العربية عند هذا القائل؛ لأن موسى الحركة لا تظهر في آخره فإذا قرئ: { وكلم اللهَ موسى }يكون المكلِّم هو موسى والمكلَّم هو الله جل جلاله، وقال له أبو عمرو بن العلاء هبني قلت ذلك وقرأته على هذا النحو فماذا تقول في قوله تعالى: { وكلمه ربه }؛ فبُهت.
هذا من نوع تغيير حركة إعرابية، تغيرت الحركة وهذا ربما لجأ إليه كثير من الذين يزعمون أن عندهم علما بالنحو منهم لكن مع ظهور العلم وقوته بطل ذلك منهم، قد يكون تحريف بغير حركة إعرابية، يعني لا فيه زيادة في اللفظ ولا نقصان لا فيه تغيير حركة إعرابية، يكون تحريف للفظ بغير هذه الأنحاء بغير حركة إعرابية كمثل هذا الذي قلت،في قوله: { وكلم الله موسى } أراد أن يجعل موسى المكلِّم فهو حرَّف فغير موسى من كونه مفعولاً به إلى كونه فاعلا هذا ما دلت عليه حركة إعرابية، من غير حركة إعرابية كذلك يدخل في هذا الذين يحرفون الكلام فيجعلونه بمعنى آخر لفظ له معنى يجعلون له معنى آخر. مثلاً: يجعلون قوله تعالى:{ لما خلقت بيدي }, { وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي },يجعلون معناه: بقدرتي، أو بقدرتي, هذا تحريف للفظ هل هو من جهة المعنى، قد جعلوا لفظ مكان لفظ، يقولون: اليد هنا هي القدرة، ليست اليد هي المعروفة أو القسم الثاني أنه تحريف من جهة المعنى، وهذا كثير كادعاء المجاز في آيات الصفات وكتأويل النصوص على غير ما دلت عليه لغة العرب، مثلاً: يأتون لقول الله جل وعلا: { الرحمن الرحيم }, فيقولون: الرحمة هي إرادة الإحسان, هذا تحريف للرحمة عن معناها, تغيير لها عن معناها, بأي شيء؟ بالأخذ بالمجاز, والأخذ بالمجاز في نصوص الصفات باطل, ومن أصول أهل الضلال في الصفات أما في غير الصفات يعني في اللغة من غير دخوله في الصفات فهو خلاف أدبي مع أن الصحيح عند المحققين أنه لا مجاز أصلاً.
هنا يدخل في المحرفة الذين حرفوا الكلم عن مواضعه، يدخل فيهم الجهمية أول ما يدخل؛ لأن أصل التحريف إنما جاء من جهة الجهم من جهة جهم بل من جهة الجعد بن درهم قبله بل من جهة اليهود؛ لأن هذه المقالة أخذها الجعد عن اليهود لأنهم هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وكان أول ما بدأ التحريف حين نفي اتصاف الله جل وعلا بالكلام فقال إن قوله: { وكلم اللهُ موسى تكليماً } أي: جرحه بأظافير الحكمة تجريحاً فليس من جهة الكلام وإنما من جهة التجريح ({كلم } أي: جرح من الكلْمِ وهو الجرح, هذا أول ما بدأت فنفوا صفة الكلام تسلسل ذلك فإذن يدخل فيه أولاً: الجهمية, والجهمية يحرفون من جهات:
أولاً: الأسماء الحسنى والصفات العلا, هم يقولون بها في القرآن لكن يجعلون تفسيرها بمخلوقات منفصلة, فصفة الله عند الجهمية هي الوجود المطلق فقط غيره من الأسماء الحسنى:السميع البصير الحي القيوم العليم الحكيم يفسرها الجهمية بمخلوقات منفصلة يعني: السميع هو من يُسمع، البصير هو من يبصر، المتكلم هو من يتكلم يعني مخلوقات الله جل وعلا المنفصلة، العزيز هو من أعز أو من عز، القيوم هو من أقيم أو من قام وهكذا.
فيجعلون هذه الأسماء تعلقت بالخلق من آثار صفة الله عندهم الوجود، فعندهم الوجود عام، يدخل فيه المعتزلة؛ فإن المعتزلة حرّفوا, حرّفوا الغيبيات جميعاً في الصفات والأسماء في الأمور الغيبية، عذاب القبر في الميزان, الحوض, الصراط ونحو ذلك, جميع الأمور الغيبية صرفوها حرفوها عن معانيها وهكذا، يدخل فيه أيضاً الأشاعرة فإنهم يحرفون.
هل كل تحريف يعد كفراً؟
الجواب: ليس كل تحريف يعد كفراً فإن أهل السنة لم يكفروا الذين فسروا استوى باستولى، فإن كان التحريف في جميع الصفات كفعل الجهمية فإن هذا يعد كفراً والجهمية عندهم كفار؛ لأنهم حرّفوا ونفوا صفات الله جل وعلا, إن كان التحريف في بعض الصفات رؤي ما هذه الصفة؟ فإن كانت الدلالة عليها ظاهرة ولا يحتملها وجه، يعني ليس للتأويل فيها مدخل، هنا يُكفر به،كتكفير من نفى رؤية الله جل وعلا، وتكفير من جعل كلام الله جل وعلا مخلوقاً أما غيره مما قد يكون لقائله عذر في تأويله فإنه لا يقال بكفره, ولهذا أهل السنة والجماعة لم يكفروا الأشاعرة والماتريدية والكلابية والسالمية والكرامية وأشباه هؤلاء.
( ولا تعطيل ) , هذه اللفظة الثانية, والتعطيل أصله في اللغة من عطل يعطل تعطيلاً، وهو عُطْل إذا كان خالياً، يقال: هذا مكان معطل إذا كان خالياً ليس فيه شيء، ويقال أيضاً في المرأة: جيدها معطل إذا كان خالياً من الحلي,
ومنه قول الشاعر في وصف امرأة أو في وصف جيد امرأة. يقول:

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش ....... إذا هي نصته ولا بمعطل
بمعطل يعني: خال من الحلي فهذا أصله،
فإذا ًالإخلاء هذا هو التعطيل، ومعنى قول الله جل وعلا: { وبئر معطلة } أي: خالية من الماء؛ لأنه لم يستفد منها أو لم تحفر ويُعتنى بها لإخراج الماء، تعطيل النصوص، تعطيل الصفات، تعطيل الله جل وعلا عن صفاته، هذه بمعنى إخلاء الله جل وعلا عن الوصف عن أوصافه يعني نفي الصفات وجعل الله جل وعلا ليس متصفا بالصفات، والتعطيل عند العلماء أقسام أشهرها ثلاثة، وهي:
أولاً: تعطيل المخلوق عن خالقه، يعني إخلاء المخلوق عن أن يكون مخلوقاً بنفي أن يكون ثَمَّ خالق له كقول الملاحدة.
الثاني: تعطيل الخالق عن أوصافه التي وصف بها نفسه أو وصفها بها رسله.
الثالث: تعطيل الخالق عن استحقاقه العبادة وحده لا شريك له.
والأول بحثه في توحيد الربوبية، والثاني بحثه في توحيد الأسماء والصفات، والثالث بحثه في توحيد الألوهية فإذاً التعطيل دخل فيه أنواع التوحيد.
فإذا كان تعطيلاً للمخلوق عن الخالق صار ذلك نفياً لتوحيد الربوبية، إذا كان تعطيلاً للخالق لله عن أوصافه صار تعطيلاً ونفياً للأسماء والصفات، إذا كان تعطيلا للخالق عما يستحقه من عبادته وحده دونما سواه صار تعطيلاً في الألوهية،
هنا المقصود الثاني إذاً المقصود بالتعطيل أن يُعطل اللهُ جل وعلا عن أوصافه، يعني أن يصف نفسه بصفة، أن يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بصفة فيخلى اللهُ جل وعلا من هذه الصفة يعني كأن لم يصف نفسه بذلك الوصف وكأن لم يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك الوصف، فإنَّ وصف الله جل وعلا نفسه جلبٌ لهذه الصفة له جل وعلا لنعلمها لأننا لم نعلم أنه جل وعلا متصف بهذه الصفة فأخبرنا الله بأنه متصف بهذه الصفة، فصار إثباته جل وعلا لنفسه هذه الصفة، هذا زيادة علم عما كان عندنا من قبل فإذا نفيت صار ذلك إخلاء لله جل وعلا عن الوصف، فصار تعطيلاً، فإذن يدخل في المعطلة الذين ينفون وصف الله جل وعلا بكل الصفات كفعل الجهمية، ويدخل فيهم الذين ينفون أوصاف الله جل وعلا غير الثلاث صفات المشهورة، وهي عند المعتزلة، كذلك يدخل فيه الذين يعطلون الله جل وعلا عن الاتصاف بغير سبع الصفات المشهورة عند الكلابية ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية، وهذا باب واسع يأتي إن شاء الله تفصيله.
فإذن كل من لم يصف الله جل وعلا بما وصف به نفسه بأن حرَّف أو أوَّل، أخلى الله جل وعلا عن الوصف اللائق به كما أخبر، منع الأخذ بظواهر النصوص فإن هذا يُعدُ تعطيلاً، أهل السنة يخالفون المبتدعة الذين يعطلون.
فإذن إيمان المعطل بالنص، هل هو حقيقة أم دعوى؟
هو دعوى؛ فالأشعري والماتريدي والمعتزلي والإباضي والرافضي وأشباههم، يقولون: نؤمن بالنصوص لكنهم يعطلون النصوص عن معانيها ويجعلون هذه المعاني للنصوص في الصفات راجعة إلى الأوصاف التي يثبتونها, فالجهمي: يُرجع كل صفة إلى صفة الوجود, بجعل الأوصاف والأسماء أثرا لصفة الوجود, المعتزلي: يجعل الصفات والأسماء من آثار الصفات الثلاث التي يثبتها, الأشعري والماتريدي والكلابي: يجعل كل صفة راجعة إلى الصفات السبع التي يثبتها، فمثلاً: صفة النـزول لله جل وعلا ينفيها أولئك فالأشعري يفسرها, يقول: نؤمن بأنه ينـزل لكن نزوله ليس نزولاً حقيقياً وإنما هو نزول الرحمة, نزول الإجابة، إجابته جل وعلا للداعين في هذا الوقت المتأخر من الليل، فهم يجعلون الصفة راجعة إلى الصفات التي يثبتونها، فالرحمة مثلاً عندهم: إرادة الإحسان، لما؟ لأنهم يجعلون من الصفات السبع صفة الإرادة. الغضب عندهم: إرادة الانتقام،لم؟ لأن الإرادة عندهم من الصفات السبع وهكذا فكل صفة يعطلونها عن معناها الذي دلت عليه اللغة،يقولون نؤمن بالنص
لكن نجعل هذه الصفة معناها أحد الأوصاف السبعة التي أثبتناها. وهذه الأوصاف السبعة لإثباتهم لها، وسبب ذلك مزيد تفصيل يأتي في مكانه إن شاء الله تعالى من هذه الرسالة المباركة.
قال: ( ومن غير تكييف ) هنا لاحظ أنه كرر ( من غير )، (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل)، والسبب في ذلك أن التحريف والتعطيل متقاربان، وكذلك التكييف والتمثيل متقاربان، لكن التكييف والتمثيل غير التحريف والتعطيل فالتكييف والتمثيل يدخل فيه المجسمة, والتحريف والتعطيل يدخل فيه المعطلة, ولهذا قال العلماء: المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً, لما؟ لأنه جسم, تخيل إلهه على نحو ما فعبد هذا المتخيل، فصار المتخيل صورة فصار صنماً, أما المعطل فيعبد عدماً؛ لأنه يعبد إلهاً ليس له صفة أو ليس له أسماء أو نعوت فهو يعبد عدماً، فإذا كان لا يصف الله بشيء فهذا يعبد العدم المحض كفعل الجهمية وهكذا.
قال: (من غير تكييف)، التكييف من كيّف الشيء يكيفه تكييفاً إذا جعل له كيفية. والتكييف معناه أن يجعل لصفة الله جل وعلا كيفية, قد تكون هذه الكيفية معلومة المثال وقد لا تكون معلومة المثال، مثلاً: يجعل اتصاف الله جل وعلا باليد على مثال يعلمه يجعل الكيفية على نحو ما، يقول مثلاً: الله جل وعلا استوى على العرش،كيفية الاستواء كذا وكذا، قد يكون يكيفها بما عهد فيكون تمثيلاً وقد يكيفها بشيء خيال في ذهنه فيعد تكييفاً من غير مثال، ما المقصود هنا بهذا الموضع بالتكييف, لما عطف عليه التمثيل بالواو والواو تقتضي المغايرة؟ دل على أنهم يريدون بالتكييف، التكييف على غير مثال معلوم يعني يخترع له كيفية لا مثال لها وإن كان التمثيل يدخل في التكييف لكنه لما عطف بالواو علمنا أنه يريد بالتكييف غير التمثيل، وأن التمثيل له وصف والتكييف له وصفه، فكيف يكون التكييف؟، مثلاً:يتخيل صورة ليد الله جل وعلا،يتخيل صورة لاستواء الله جل وعلا،يتخيل صورة وحالاً لنـزول الله جل وعلا، يتخيل صورة لغضب وحالاً لغضب الله جل وعلا، هذا كله تكييف، يعني جعل للصفات كيفية، وهذا هو التكييف الذي سلكه طائفة من المجسمة، لأن المجسمة على قسمين: مجسمة مكيفة, ومجسمة ممثلة،
منهم مجسمة مكيفة جعلوا لله جل وعلا كيفية اخترعوها في أذهانهم ليس لها مثال ومنهم من جعله جل وعلا جسماً على مثال يعلمونه مثل مخلوق أو نحو ذلك، هذا معنى التكييف، ونفيه لا شك أنه من أعظم المعلومات التي يعلمها المؤمن أنه إذا وصف الله جل وعلا يصفه بصفة يؤمن بمعناها ولا يعلم كيفيتها،ولهذا قرر الإمام مالك هذه القاعدة، آخذاً لها من قوله جل وعلا: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }, فقال لمن سأله عن الاستواء: ( الاستواء معلوم والكيف غير معقول ) , وهذه أثبت من الرواية الأخرى التي فيها: ( الكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ) الاستواء معلوم يعني في اللغة: معلوم المعنى وأن معنى الاستواء العلو والارتفاع، والكيف غير معقول لا تعقل لا تُعقل كيفية استواء الله جل وعلا فإيمان المؤمن باستواء الله جل وعلا إيمان معنى لا إيمان كيفية؛ لأنه إيمان بما دل عليه ظاهر اللفظ أما الكيفية فإن قلب المؤمن قد انقطعت علائقه، انقطع طمعه، وانقطع طلبه للدرك والإدراك لكيفية الاتصاف فإن هذا لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وهذه قاعدة تقولها في كل صفة، إذا قيل لك كيف النـزول؟ قلت: النـزول معلوم، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، كيف غضب الله جل وعلا؟، تقول: الغضب معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. كيف الاستواء؟، كيف الرضا؟، كيف الأسف؟،كيف الرحمة؟،كيف المجئ؟، كيف الإتيان؟، ونحو ذلك كل هذا، هذه معلومة المعنى لكن كيفياتها غير معقولة.
قال هنا: ( ولا تمثيل ) التمثيل: من مثل يمثل تمثيلاً، إذا جعل للشيء مثالاً، وقد ذكرت لك أن التمثيل في الأصل نوع من التكييف، لكن هنا أفرده فصار قسيماً للتكييف، صار التكييف شيئاً والتمثيل شيئاً آخر، فما المراد بالتمثيل؟ أن يجعل لصفة الله جل وعلا مثالاً يعلمه، يجعل اتصاف الله جل وعلا باليد على نحو اتصاف المخلوق بها، يجعل اتصاف الله جل وعلا بالغضب على نحو اتصاف المخلوق به، يجعل اتصاف الله جل وعلا بالنزول على نحو اتصاف المخلوق به, ولهذا تجد أن كل معطل ممثل؛ لأنه لم يعطل إلا وقد استحضر التمثيل قبل أن يعطل فإذا سألت المعطل الذي نفى لما عطلت؟ لم قلت في النزول تنزل رحمة الله؟ لِمَ لم تقل ينزل الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الذي هو أعلم الخلق بربه؟ قال: هذا غير معقول، هذا يستحيل كيف ينـزل؟! هذا يقتضي التشبيه فهو استحضر أو ظن أن ظاهر النص هو التمثيل فمثّل أولا ثم نفى ثانياً, ولهذا يقول العلماء: كل محرف أو معطل لنصوص الصفات فقد مثل وعطل فالممثل والمكيف خير من المعطل؛ لأنه إنما وقع في شر واحد وبدعة واحدة وهي التمثيل والتكييف أما المعطل المحرف النافي للصفات فقد مثل باطناً ثم عطل ظاهراً، قام بقلبه بالتمثيل أن الله جل وعلا في هذه الصفة مثل المخلوق كيف يد الله جارحة!! يتكلم بحرف وصوت، معنى ذلك يلزم اللسان واللهاة... إلى آخره فاستحضر التمثيل يعني ظن، فهم من النص أنه يدل على التمثيل فمثل ثم بعد ذلك نفي هذا وعطل. نسأل الله جل وعلا العافية.
قال هنا: (ولا تمثيل)، ولهذا التمثيل من فعل المجسمة، كذلك التكييف من فعل المجسمة، والمجسمة والمعطلة أعداء لأهل السنة والجماعة؛ لأن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالنصوص، لا يمثلون ولا يجسمون ولا يعطلون ولا يحرفون، بل يثبتون النصوص على ما دلت عليه كما سيأتي بيان ذلك في عقيدتهم في نصوص الصفات التي سيسوقها شيخ الإسلام رحمه الله جل وعلا الواسعة عليه.



[1] هذه الكلمة لم ترد هكذا في كتاب الله وإنما وردت {مستهزءون} الآية (14) سورة البقرة.
[2] لم ترد (يستهزءون) في هذا الموضع وإنما {مستهزءون}, راجع الحاشية 2.
[3] ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط؛ يرجى التأكد منه سماعا.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, منهج

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir