دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > اللقطة والوصايا والفرائض

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 03:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الفرائض

بَابُ الفَـَرائِضِ

عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).

وفي روايَةٍ: ((اقْسِمُوا المَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كتَابِ اللهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).
عن أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قلتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَتَنْزِلُ غَدًا في دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قالَ: ((وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِن رَبَاعٍ؟)) ثُمَّ قالَ: ((لاَ يَرِثُ الْكَافِرُ المُسْلِمَ، ولا المُسْلِمُ الْكَافِرَ)).
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ.
عن عائشةََ رَضِيَ اللهُ عنهَا أنَّهَا قالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِن أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقالَ: ((أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟)) فقَالُوا: بَلَى، يا رَسُولَ اللهِ، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ، فقالَ: ((هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ))، وَقَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((إِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)).

  #2  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أسامةَ بنِ زيدٍ في الفرائضِ زَعَمَ الشيخُ مَجْدُ الدينِ بنُ تَيْمِيَّةَ في ( أحكامِه ) أن هذه القطعةَ لم يَرْوِها مسلِمٌ وهو عَجيبٌ فإنها في أوَّلِ كتابِ الفرائضِ من صحيحِه .

  #3  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 10:13 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : ((فَلِأُولِى رَجُلٍ ذَكَرٍ))
في ذَكَرٍ أقوالٌ:
أحدُها: للتأكيدِ .

ثانيها: لإدخالِ الصبيِّ .

ثالثُها: لإخراجِ الْخُنْثَى.

رابعُها: للاعتناءِ بالجنْسِ .

خامسُها: للدلالةِ على الكمالِ كامرأةٍ أُنثى.
قالَه الزمخشرىُّ في ( أساسِ البلاغةِ ).

سادسُها: لنفيِ توهُّمِ اشتراكِ الأنثى معه وأن الأمْرَ خرَجَ مَخرَجَ الغالِبِ على حَدِّ قولِه : (( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ))
سابعُها: أنه وصْفٌ لأُولِى لا لرجُلٍ .
قالَه السُّهيليُّ ،وفي تقريرِه إشكالٌ .

  #4  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 10:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الفرائِضِ

الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).
وفي روايَةٍ: ((اقْسِمُوا المَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَت الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: البدءُ بأصحابِ الفروضِ عندَ قسمةِ التَّرِكَاتِ، فإن اسْتَغْرَقَتْ فروضُ المسألةِ جميعَ الأنصباءِ سَقَطَ العَصَبَةُ، فلم يَأْخُذُوا شَيْئًا.
وإنْ بَقِيَ بعدَ أصحابِ الفروضِ شيءٌ أَخَذُوهُ، وإنْ كانَ الورثةُ كُلُّهُم عَصَبَةً أَخَذُوا المالَ كُلَّهُ، سَوَاءٌ كانَ واحدًا أوْ أكثرَ.

الثَّانِيَةُ: (أو العَصَبةُ الذين يُعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِم لا يَكُونُونَ إلا من الرجالِ).

الثَّالِثَةُ: أنَّ الإرثَ بالتَّعْصِيبِ يكونُ للأقربِ فالأقربِ مِن المَيِّتِ، وهم خمسُ جِهَاتٍ فَأَقْرَبُهُم البُنُوَّةُ، ثمَّ الأُبُوَّةُ، ثمَّ الأُخُوَّةُ وَبَنُوهُم، ثمَّ الأَعْمَامُ وَبَنُوهُمْ، ثمَّ المُعْتِقُ، يُقَدَّمُ الأقربُ جِهَةً، ثمَّ إذا اسْتَوَوْا في الجهةِ يُقَدَّمُ مِنْ تلكَ الجهةِ +المَيِّتُ، ثمَّ إذا اسْتَوَوْا جِهَةً وَقُرْبًا يُقَدَّمُ الأَقْوَى، وهوَ الأخُ الشَّقِيقُ على الأخِ لأبٍ، والعَمُّ الشَّقِيقُ على العمِّ لأبٍ، وبَنُوهُم كذلكَ.



الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَدًا في دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قالَ: ((وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟)) ثُمَّ قالَ: ((لَا يَرِثُ الْكَافِرُ المُسْلِمَ، ولا المُسْلِمُ الْكَافِرَ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (الرِّبَاعُ). بِكَسْرِ الراءِ، مَحَلَّاتُ الإقامةِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جوازُ بَيْعِ بيوتِ مَكَّةَ حَيْثُ أقَرَّ عَلَيْهِ السلامُ +العقدَ على حالِهِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ المُسْلِمَ لا يَرِثُ الكافرَ، ولا الكافرَ يَرِثُ المُسْلِمَ.


الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلاءِ وَهِبَتِهِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: النهيُ عنْ بَيْعِ الولاءِ وَهِبَتِهِ وغيرِهِمَا منْ أنواعِ التَّمْلِيكَاتِ، والنهيُ يَقْتَضِي الفسادَ.
الثَّانِيَةُ: الإرثُ بالولاءِ، فَيَرِثُ المُعْتِقُ مَنْ أعْتَقَهُ، وكذلكَ عُصْبَتُهُ؛ لِنِعْمَةِ العتقِ عَلَيْهِ.


الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا أنَّهَا قالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ. وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقالَ: ((أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟)) فقَالُوا: بَلَى، يا رَسُولَ اللَّهِ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ، فقالَ: ((هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ))، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الوَلَاءُ لِمِنْ أَعْتَقَ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (البُرْمَةَ). قِدْرٌ من الحجارةِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ الأَمَةَ إذا عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، فلها الخيارُ بينَ البقاءِ معهُ وبينَ فَسْخِ النكاحِ.
الثَّانِيَةُ: فِيهِ بيانُ اعتبارِ الكفاءةِ في النَّسَبِ بينَ الزَّوْجَيْنِ.
الثَّالِثَةُ: أنَّ الفقيرَ إذا تُصُدِّقَ عَلَيْهِ، فَأَهْدَى منْ صدقتِهِ على مَنْ لا تَحِلُّ لهُ الصدقةُ جَازَ.
الرَّابِعَةُ: أنَّ الولاءَ لا يَكُونُ إلَّا للمُعْتِقِ بحالٍ من الأحوالِ.
الْخَامِسَةُ: لِقُوَّةِ عَلاقتِهِ صَارَ سَببًا في إرثِ المُعْتِقِ من العَتِيقِ، وكذا عَصَبَتُهُ.

  #5  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 10:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بَابُ الفَرَائِضِ(107)
الحَدِيثُ الثَّالِثُ والتِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
293- عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:((أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَما بَقِيَ فَهُوَ فلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).
وفي رِوَايَةٍ:((اقْسِمُوا المَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كتَابِ اللهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).(108)


((خُلاَصَةٌ عن الإِرْثِ وَكَيْفِيَّتِهِ، مُسْتَقَاةٌ مِن الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ومِن هذا الحَدِيثِ الْجَلِيلِ )).(109)
حُكْمُ بَيْعِ بُيُوتِ مَكَّةَوامْتِنَاعِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الِمُسْلِمِ والْكَافِرِ

الحَدِيثُ الرَّابِعُ والتِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
294- عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ قَالَ: قلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَتَنْزِلُ غَداً في دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فقَالَ:((وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ، أَوْ دُورٍ؟)) ثمَّ قَالَ:((لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، ولا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ)).(110)

الحَدِيثُ الخامسُ والتِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
295- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ.(111)

بَيَانُ جَوَازِ قَبُولِ الهَدِيَّةِ لِمَنْ لاَ تَحِلُّ له الصَّدَقَةُ
الحَدِيثُ السَّادِسُ والتِّسْعُونَ بعدَ الْمائَتَيْنِ
296- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ، خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عتَقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: ((أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟)) فَقَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ, فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ. فَقَالَ:((هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ)). وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)).(112)



107- جمعُ ((فَرِيضَةٍ)) بمعنى مفروضةٍ و((المفروضُ)) الْمُقَدَّرِ؛ لأنَّ ((الْفَرْضَ)) التَّقْدِيرُ، فكأنَّ اسْمَهَا مُلاحَظٌ فيهِ قولُهُ تعالَى: {نَصِيباً مَّفْرُوضاً} أي: مُقَدَّراً مَعْلُوماً.

وتعريفُهَا شَرْعاً: العلمُ بِقِسْمَةِ المواريثِ بينَ مُسْتَحِقِّيهَا.
والأصلُ فيها الكتابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } الآيَتَيْنِ.
والسُّنَّةُ لحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ الآتِي وإجماعُ الأُمَّةِ على أَحْكَامِهَا، في الجُمْلَةِ.
ولِمَّا كَانَت الأموالُ وقِسْمَتُهَا مَحَطَّ الأطماعِ، وكانَ الميراثُ، في معظمِ الأحيانِ لضعفاءَ وقاصرينَ،
تَوَلَّى اللهُ- تَبَاَرَكَ وتَعَالَى- قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ في كتابِهِ مُبَيَّنَةً مُفَصَّلَةً، حَتَّى لا يكونَ فيها مجالٌ للآراءِ والأهواءِ، وسوَّاهَا بينَ الورثةِ على مقتضَى العدلِ والمصلحةِ والمنفعةِ التي يَعْلَمُهَا.

وأشارَ إليها بِقولِهِ تَعَالَى:{لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً}. فهذهِ ِ قسمةٌ عادلةٌ مَبْنِيَّةٌ على مقتضَى المصالحِ العامَّةِ. والإشارةُ إلى شيءٍ مِمَّا فُهِمَ مِن العدلِ.

والقياسُ يخرجُ بِنَا عن موضوعِ الكتابِ، ويُطِيلُهُ علينَا.
وتَدَبُّرُ كتابِ اللهِ مع الأوضاعِ البَشَرِيَّةِ، بِهِدَايَةٍ ونُورٍ، يُبَيِّنُ شيئاً مِن أسرارِ اللهِ الْحَكِيمَةِ.

بعدَ قِسْمَةِ {الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ} يَأْتِي دُعَاةُ [التَّجْدِيدِ ] مِن الْمُسْتَغْرِبِينَ، لِيُغَيِّرُوا حُكْمَ اللهِ تَعَالَى، ويُبَدِّلوا قِسْمَتَهُ، بعدَ أَنْ تَمَّتْ كَلِمَاتُهُ صِدْقاً وعَدْلاً، زَاعِمِينَ أنَّهَا أَعْدَلُ وأَحْسَنُ مِن أحكامِ اللهِ { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَومٍ يُوقِنُونَ }.

والحَقُّ أنَّ هؤلاءِ الْمَهْوُوسِينَ، جَهِلُوا الْقَوَانِينَ السَّمَاوِيَّةَ، والأوضاعَ الأرضيَّةَ فَنَعَقُوا بِمَا لَمْ يَسْمَعُوا.
وَهُمْ - في نَعِيقِهِمْ - بينَ امرأةٍ أَحَسَّتْ بِمُرَكَّبِ نَقْصِهَا، فَأَرَادَتْ أَنْ تخرُجَ على شَرِيعَةِ اللهِ، وبينَ مُتَطَرِّفٍ يُرِيدُ التَّزَيُّنَ بِالإِلْحَادِ والزَّنْدَقَةِ، وبينَ نَاعِقٍ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِنْ هُوَ إِلاَّ دُعَاءٌ ونِدَاءٌ، فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ.
وهذَا العلمُ علمٌ شِرِيفٌ جَلِيلٌ.


وقد حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تَعَلُّمِهِ وتَعْلِيمِهِ في أَحَادِيثَ مِنْهَا: حديثُ ابنِ مسعودٍ مرفوعاً:((تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وعَلِّمُوهَا النَّاسَ)). وقدْ يُرَادُ بالفرائضِ - هُنَا - الأحكامُ عامَّةً.
وقد أَفْرَدَهُ العلماءُ بالتَّصَانِيفِ الكثيرةِ، مِن النَّظْمِ ُوالنَّثْرِ، وأَطَالُوا الكلامَ عليهِ.
ويَكْفِي في تَعَلُّمِ أِحكامِهِ فَهْمُ الآياتِ الثَّلاَثِ مِن سورةِ النِّسَاءِ، وحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ الآتِي، فقد أحاطتْ بِأُمَّهَاتِ مَسَائِلِهِ، ولمْ يخرجْ عَنْهَا إِلاَّ النَّادِرُ.
ونُورِدُ هُنَا مُقَدِّمَاتٍ تَتَعَلَّقُ بهذا المقامِ، لِتَكْمُلَ الفائدةُ في هذا الكتابِ، فَيُغْنِي عن الْمُطَوَّلاَتِ.



بَيَانُ أَسْبَابِ الإِرْثِ
فَلِلإِرْثِ أَسْبَابٌ ثلاثةٌ:
الأوَّلُ: النَّسَبُ، وهيَ القرابةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ }.
الثَّاني: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } [النِّسَاءِ: 12].
الثَّالثُ: الولاءُ لحديثِ ابنِ عمرَ مرفوعاً: { الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ }.
وأَمَّا غيرُ هذهِ ِ الثَّلاثةِ، فَلاَ تَكُونُ سبباً للإرثِ على المشهورِ عندَ العلماءِ.
فمتَى وُجِدَ شيءٌ مِن هذهِ ِ الثَّلاثةِ، حَصَلَ التَّوَارُثَ بينَ الطَّرَفَيْنِ، حَتَّى في الولاءِ على الصَّحِيحِ.

وللإرثِ موانعُ، إذا وُجِدَتْ أو وُجِدَ شيءٌ مِنْهَا، امْتَنَعَ الإِرْثُ، وإنْ وُجِدَ سَبَبُهُ؛ لأنَّ الأشياءَ لا تَتِمُّ إِلاَّ باجتماعِ شُرُوطِهَا وانتفاءِ مَوَانِعِهَا.
موانعُ الإرثِ
موانعُ الإرثِ ثلاثةٌ:
الأوَّلُ: القتلُ، فَمَنْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، أو تَسَبَّبَ لقتلِهِ بِغيرِ حقٍّ فَلاَ يَرِثُهُ، ولوْ بغيرِ قصدٍ، مِن بابِ: { مَنْ تَعَجَّلَ شَيْئاً قبلَ أَوَانِهِ، عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ } في حقِّ العامِدِ، ومِن بابِ ((سَدِّ الذَّرَائِعِ )) في حقِّ غيرِهِ، لحديثِ عمرَ: سمعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ )). رواهُ مالكٌ في الْمُوَطَّأِ.
الثَّاني: الرِّقُّ. فَلاَ يَرِثُ العبدُ قريبَهُ؛ لأَنَّهُ لو وَرِثَ لكانَ لِسَيِّدِهِ, وكذَلِكَ المملوكُ لا يُوَرَّثُ؛ لأَنَّهُ لا يَمْلِكُ، إِذْ إِنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ.
الثَّالثُ: اختلافُ الدِّينِ، ويأتي بيانُهُ في حديثِ أسامةَ، إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.

108- المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
يأمرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائمينَ على قِسْمَةِ تَرِكَةٍ أَنْ يُوَزِّعُوهَا على مُسْتَحِقِّيهَا بِالْقِسْمَةِ العادلةِ الشَّرْعيِّةِ، كما أرادَ اللهُ تَعَالَى.
فَيُعْطَى أصحابُ الْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ فُرُوضَهُمْ في كتابِ اللهِ. وهيَ الثُّلُثَانِ،والثُّلُثُ، والسُّدُسُ، والنِّصْفُ، والرُّبُعُ، والثَُّمُنُ.
فَمَا بَقِيَ بَعْدَهَا، فَإنَّهُ يُعْطَى إلى مَن هوَ أَقْرَبُ إلى الميِّتِ مِن الرِّجَالِ؛ لأنَّهُم الأصلُ في التَّعْصِيبِ، فَيُقَدَّمُونَ على تَرْتِيبِ مَنَازِلِهِمْ وقُرْبِهِمْ مِن الْمَيِّتِ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُمْ قريباً، بعدَ بيانِ أصحابِ الفروضِ، إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.

109-نبدأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بهِ مِن توريثِ ذَوِي الفروضِ الذين نَصَّ اللهُ تَعَالَى على تَوْرِيثِهِمْ، وقدَّرَ فرضَهُمْ.
حَتَّى إذا عَلِمْنَا مَا لَهُمْ، ذَكَرْنَا الذين يَأْخُذَونَ مَا أَبْقَت الفروضُ، وَهُم العَصَبَاتِ.
فالفروضُ المقدَّرَةُ في كتابِ اللهِ تَعَالَى سِتَّةٌ:
1- النِّصْفُ، 2- والرُّبُعُ، 3- والثُّمُنُ، 4- والثُّلُثَانِ، 5- والثُّلُثُ، 6- والسُّدُسُ.
ولِكُلِّ فَرْضٍ صاحبُهُ أو أَصْحَابُهُ.
1- النِّصْفُ: ويكونُ للبنتِ، ولبنتِ الابنِ، وإنْ نَزَلَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}[النِّسَاءِ:11] وبِنْتُ الابنِ بِنْتٌ.
وهذا التَّوريثُ بالإجماعِ بشرطِ أَنْ لاَ يكونَ مَعَهُنَّ غيرُهُنَّ مِن الأولادِ.

وهوَ {أي: النِّصْفُ} فرضُ الزوجِ أيضاً، بشرطِ أَنْ لا يكونَ للزوجةِ ولدٌ مِن ذكرٍ أو أُنْثَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ }[النِّسَاءِ: 12].
وهو {أي النِّصْفُ } فرضُ الأختِ الشَّقِيقَةِ، وإنْ لَمْ تُوجَدْ، فالأختُ لأبٍ مع عدمِ الفرعِ الوارثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاءِ: 176] وهذا في ولدِ الأبَوَيْنِ أو لأبٍ بالإجماعِ.


2- الرُّبُعُ: ويكونُ للزَّوجِ مع وجودِ الفرعِ الوارثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ}[النِّسَاءِ:12].
وهوَ {أي الرُّبُعُ} فرضُ الزَّوجةِ فأكثرَ، مع عدمِ الفرعِ الوارثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ}[النِّسَاءِ:12].


3- الثُّمُنُ: للزَّوْجَةِ فأكثرَ، مع وجودِ الفرعِ الوارِثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}[النِّسَاءِ:12]

4- الثُّلُثَانِ: للبنتينِ ولِبِنْتَيِ الابنِ، إذا لَمْ يُعْصَبْنَ.
ودليلُ تَوْرِيثِهِمَا الثُلُثَينِ حديثُ امرأةِ سعدٍ بنِ الرَّبِيعِ، حينَ جاءَتْ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالتْ: هاتانِ ابنتَا سَعْدٍ قُتِلَ أَبُوهُمَا معكَ يومَ ((أُحُدٍ)) شهيداً، وإنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا شيئاً مِن مَالِهِ، ولاَ يُنْكَحَانِ إِلاَّ بِمَالٍ.
فقالَ: ((يَقْضِي اللهُ في ذَلِكَ )). ونَزَلَتْ آيةُ المواريثِ.
فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُمَا فقالَ: ((أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعَطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ )). رواهُ
أبو داودَ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

وتأخذانِ الثُّلُثَيْنِ بالقياسِ على الأختينِ الْمَنْصُـوصِ عليهما فِي قـولِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النِّسَاءِ:176].
فَالبَنَاتُ، وبِنْتَا الابْنِ، أَوْلَى بِالثُّلُثَيْنِ مِن الأختينِ.
وأَمَّا الثَّلاَثُ مِن البَنَاتِ، وبناتِ الابنِ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ فَإِنْ كُنَّ نِسَآءً فَوقَ اثنَتَينِ فَلَهُنَّ ثَلُثَا مَا تَرَكَ }.
والثُّلُثَانِ:فَرْضُ الإخْتَيْنِ الشَّقِيقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وفي حالِ فَقْدِهِمَا يكونُ لِلإخْتَيْنِ لأَبٍ فَأَكْثَرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ فَإِنْ كَانَتَا اثنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ }.
وبِإِجْمَاعِ العلماءِ، والْمُرَادُ بِالاثْنَتَيْنِ بِنْتَا الأبوينِ، وبنتَا الأَبِ وقَاسُوا مَا زادَ على الإخْتَيْنِ عليهمَا.
5- الثُّلُثُ: فَرْضُ الأمِّ معَ عدمِ الفرعِ الوارثِ للميِّتِ، وعدمِ الجمعِ مِن الإخوةِ.
فدليلُ الشَّرْطِ الأوَّلِ، قولُهُ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاءِ: 11].
ودليلُ الشَّرْطِ الثَّانِي، قولُهُ تَعَالَى:{فإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}. وهوَ فرضُ الإخوةِ لِأُمٍّ، مِن الاثنينِ فصاعداً، يَسْتَوِي ذَكَرُهُمْ وأُنْثَاهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}.
وأجمعَ العلماءُ على أنَّ المرادَ بالأخِ والأختِ ولدُ الإمِّ.
وقرأَ ابنُ مسعودٍ، وسعدٌ بنُ أبي وقاصٍ: ({وَلَهُ أَخٌ أوْ أُخْتٌ} مِن أُمٍّ ) [النِّسَاءِ: 12].
6- السُّدُسِ: فَرْضُ الإمِّ، مع وجودِ الْوَرَثَةِ مِن الأولادِ، أوْ وجودِ الجمعِ مِن الإخوةِ أو الإخَوَاتِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمْا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قَوْلِهِ:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النِّسَاءِ:11].
وَلِلْجَدَّةِ أو الْجَدَّاتِ وإنْ عَلَوْنَ، بِمَحْضِ الإمُومِةِ، وكذا مَن أَدْلَى مِنْهُنَّ بِأبٍ وَإِرْثٍ.
وقد وردَ في إِرْثِهِنَّ آثارٌ، وشَرْطُ إِرْثِهِنَّ عدمُ الإمِّ، ويَشْتَرِكْنَ إذا تَسَاوَيْنَ، ويَحْجِبُ بَعْضُهُنَّ بَعْضاً بالقُرْبِ مِن الميِّتِ.
وهوَ {أيْ السُّدُسُ} فَرْضُ وَلَدِ الأمِّ الواحدِ، ذكراً كانَ أوْ أُنْثَى بإجماعِ العلماءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} [النِّسَاءِ: 12] وتَقَدَّمَتْ قِرَاءَةُ
عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، وسعدٍ بنِ أبي وقَّاصٍ.
وهو {أي السُّدُسُ} فرضُ بنتِ الابنِ فأكثرَ معَ بنتِ الصُّلْبِ بإجماعِ العلماءِ، لحديثِ ابنِ مسعودٍ، وقد سُئِلَ عن بنتٍ وبنتِ ابنٍ فقالَ: أَقْضِي فيهمَا قضاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، للابْنَةِ النِّصْفُ، ولِابْنَةِ الابنِ السُّدُسُ، تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وما بَقِيَ فَلِلإخْتِ. رواهُ الْبُخَارِيُّ.
وكذا حُكْمُ بنتِ ابنِ ابنٍ، مع بنتِ ابنٍ، وهكذا.
ومِثْلُ بنتِ الابنِ مع البنتِ، الأختُ لأبٍ مع الشَّقِيقَةِ، قياساً عليها.

والسُّدُسُ: للأبِ أو لِلْجَدِّ عندَ عدمِ الأبِ، ومعَ وجودِ الفرعِ الوارثِ.
هذهِ ِ هيَ الفروضُ السِّتَّةُ المذكورةُ في الْقُرْآنِ الكريمِ، وهؤلاءِ هُمْ أَصْحَابُهَا وكيفيةُ أَخْذِهِمْ لَهَا.


فإنْ بَقِيَ بعدَ أَصْحَابِهَا شيءٌ أَخَذَهُ الْعَاصِبُ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} يعني: والْبَاقِي لأبيهِ تَعْصِيباً. ولِقَوْلِهِ عليهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في حديثِنَا هذا:((أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ )). فِي إِرْثِ أَخِي سعدِ بنِ الرَّبِيعِ: ((وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ)).
وللتَّعَصُّبِ جهاتٌ بعضُهَا أقربُ مِن بعضٍ، فَيَرِثُونَ الميِّتَ بحسبِ قُرْبِهِمْ مِنهُ، وجهاتُ الْعُصُوبَةِ، بُنُوَّةٌ ثُمَّ أُبُوَّةٌ، ثُمَّ أُخُوَّةٌ وبَنُوهُمْ، ثُمَّ أَعْمَامُهُمْ وبَنَوهُمْ، ثُمَّ الْوَلاَءُ، وهوَ الْمُعْتِقُ، وعَصَبَاتُهُ.
فَيُقَدَّمُ الأقربُ جِهَةً، كالابنِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ على الأبِ.

فإنْ كانوا في جهةٍ واحدةٍ قُدِّمَ الأقربُ منزلةً على المَيِّتِ، كالابنِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ على ابنِ الابنِ.

فإنْ كانُوا في جهةٍ واحدةٍ واستوتْ منزلتُهُمْ مِن الميِّتِ، قُدِّمَ الأقْوَى مِنْهُمْ، وهوَ الشَّقِيقُ على مَن لأَبٍ مِن إِخْوَةٍ وأَبَنَائِهِمْ، أو أَعَمَامٍ وأَبْنَائِهِمْ.
ويَحْجِبُ الورثةُ بعضُهْمْ بَعْضاً حِرْمَاناً ونُقْصَاناً.
فالنقصانُ يدخلُ على جميعِهِمْ، والحرمانُ لا يدخلُ على الزَّوْجَيْنِ والأبوينِ والْوَلَدَيْنِ؛ لأنَّهُمْ يُدْلُونَ بِلاَ واسطةٍ.
والأبُ يُسْقِطُ الْجَدَّ، والجدُّ يُسْقِطُ الْجَدَّ الأعلى مِنْهُ.
والأمُّ تُسْقِطُ الجدَّاتِ، وكلُّ جَدَّةٍ تسقطُ الجدةَ التي فَوْقَهَا.
والابنُ يُسْقِطُ ابنَ الابنِ، وكلُّ ابنِ ابنٍ أعلى يُسْقِطُ مَن تَحْتِهِ مِن أبناءِ الأَبْنَاءِ.
ويَسْقُطُ الأخوةُ الأشقَّاءُ بالابنِ، وبِالإبِ، وبِالْجَدِّ على الصَّحِيحِ.
والإِخْوَةُ لأبٍ يَسْقُطُونَ بِمَنْ يَسْقُطُ بِهِ الأشقَّاءُ وبالأخِ الشَّقِيقِ.
وبنو الإِخْوةِ يَسْقُطُونَ بِالإبِ، وبكلِّ جَدٍّ لأبٍ، وبِالإِخْوَةِ، والأعمامُ يَسْقُطونَ بالإخوةِ وأَبْنَائِهِمْ.
وأولادُ الأمِّ يسقطونَ بالفُرُوعِ مطلقاً، وبِالإصُولِ مِن الذُّكُورِ.
وبنتُ الابنِ تَسْقُطُ بِبِنْتَيِ الصُّلْبُ فأكثرُ.
وكلُّ بَنْتِ ابنٍ نازلٍ تسقطُ باثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِمَّن فوقَهَا، مَا لَمْ يكنْ مع بناتِ الابنِ أو مَن نَزَلَ مِنْهُمْ مَن يَعْصِبُهُنَّ، مِن ولدِ ابنٍِ.
وتَسْقُطُ الإخَوَاتُ لأبٍ بالشَّقِيقَتَيْنِ فأكثرَ، مَا لمْ يكنْ مَعَهُنَّ مَن يُعَصِبُهُنَّ مِن إِخْوَانِهِنَّ.


هذهِ ِ خلاصةٌ سُقْنَاهَا لبيانِ المواريثِ بمناسبةِ شَرْحِ هذا الحديثِ الجامعِ، وقد أطالَ العلماءُ الكلامَ على هذا البابِ مِن أبوابِ الفقهِ، وأفردُوهُ بالتَّصَانِيفِ الكثيرةِ، واللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.


110- الْغَرِيبُ:
الرِّبَاعُ: مَحَلاَّتُ الإقامةِ، والمرادُ هُنَا الدُّورُ. والرِّبَاعُ: بِكسرِ الرَّاءِ.

المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
لما جاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفتحِ مكةَ سَأَلَهُ أسامةُ بنُ زيدٍ: هلْ سينزلُ صَبِيحَةَ دخولِهِ فيها دَارَهُ؟
فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَهَلْ تَرَكَ لَنَا َعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ رِبَاعٍ نَسْكُنُهَا؟ )).
وذَلِكَ أنَّ أَبَا طالبٍ تُوُفِّيَ على الشِّرْكِ، وخَلَفَ أربعةَ أبناءٍ؛ طَالِباً، وعَقِيلاً، وجَعْفَراً، وعَلِيّاً.
فجعفرٌ وعليٌّ أَسْلَمَا قبلَ وفاتِهِ، فلمْ يَرِثَاهُ، وطالبٌ وعقيلٌ بقيَا على دينِ قومِهِمَا فَوَرِثَاهُ، فَفُقِدَ طالبٌ في غزوةِ بَدْرٍ، فَرَجَعَت الدُّورُ كُلُّها لعقيلٍ فَبَاعَهَا.

ثُمَّ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَاً عامّاً بَيَّنَ المسلمَ والكافرَ قالَ:((لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، ولاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ))؛ لأنَّ الإرثَ مبناهُ على الصِّلَةِ والقُرْبَى والنَّفْعِ، وهيَ منقطعةٌ ما دامَ الدِّينُ مختلفاً؛ لأَنَّهُ الصِّلَةُ الْمَتِينَةُ، والْعُرْوةُ الوُثْقَى.
فإذا فُقِدَتْ هذهِ ِ الصِّلَةُ، فُقِدَ مَعَهَا كُلُّ شيءٍ حَتَّى القرابةِ، وانقطعتْ علاقةُ التَّوَارثِ بينَ الطَّرَفَيْنِ؛ لأنَّ فَصْمَهَا أقوى مِن وصْلِ النَّسَبِ والقرابةِ.

جمعَ اللهُ المسلمينَ على التَّقْوَى، وقَوَّى صِلاَتِهِمْ وعَلاَقَاتِهِمْ بالإيمانِ. إنهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ.
مَا يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- جوازُ بيعِ بيوتِ مَكَّةَ، فقد أَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العَقْدَ على حالِهِ. وقد يقالُ: إنهُ لمْ يَتَعَرَّضْ لعقودِ المُشْرِكِينَ السَّابقةِ، فَلاَ يَكُونُ في الحديثِ دلالةٌ على هذهِ ِ المسألةِ.
2- أنَّ المسلمَ لا يرثُ الكافرَ، ولاَ الكافرُ يرثُ المسلمَ.
3- أنَّ الإسلامَ هوَ أقَوَى الرَّوَابِطِ، وأنَّ اختلافَ الدِّينِ هوَ السَّبَبُ في حَلِّ الْعَلاَقَاتِِ والصِّلاَتِ.
4- قالَ النَّوَوِيُّ كلاماً مُؤَدَّاهُ: أنَّ التُّوَارُثَ بينْ المسلمينَ والكفَّارِ غيرُ جائزٍ عندَ جماهيرِ العلماءِ مِن الصَّحابةِ والتَّابِعِينَ ومَن بَعْدَهُمْ، إِلاَّ معاذَ بنَ جبلٍ وسعيدَ بنَ الْمُسَيِّبِ فقد أجازُوا تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِن الكافرِ، واحْتَجَّا بحديثِ: ((الإسلامُ يَعْلُو ولاَ يُعْلَى عَلَيْهِ )). وليسَ فيهِ دليلٌ على ما أرادَا؛ لأَنَّهُ في عمومِ فَضْلِ الإسلامِ، وحديثُ أسامةَ نصٌّ واضحٌ في هذهِ ِ المسألةِ، ولَعَلَّهُ لمْ يَبْلُغْ معاذاً وسعيداً.


111- المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، مِن حيثُ أَنَّ كُلاّ مِنْهُمْا لا يُكْتَسَبُ بِبَيْعٍ ولا هِبَةٍ، ولا غيرِهِمَا، لهذا لا يجوزُ التَّصَرُّفُ فيهِ ببيعٍ ولا غيرِهِ.
وإِنَّمَا هوَ صلةٌ ورابطةٌ بينَ الْمُعْتِقِ والْعَتِيقِ يحصلُ بِهَا إِرْثُ الأوَّلِ مِن الثَّانِي، بِسببِ نِعْمَتِهِ عليهِ بالعِتْقِ الذي هوَ فَكُّ رَقَبَتِهِ مِن أسْرِ الرِّقِّ إلى ظِلاَلِ الحريَّةِ الفسيحة ِ.


مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: الولاءُ حَقٌّ ثبتَ بوصفٍ، وهوَ الإعتاقُ، فَلاَ يُقْبَلُ النَّقْلُ إلى الغيرِ بوجهٍ مِن الوجوهِ؛ لأنَّ مَا ثبتَ بوصفٍ يدومُ بِدَوَامِهِ، ولاَ يَسْتَحِقُّهُ إِلاَّ مَن قامَ بهِ ذَلِكَ الوَصْفُ.
2- النَّهْيُ عن بَيْعِ الْوَلاَءِ، وعن هِبَتِهِ، وعن غيرِهِمَا مِن أنواعِ التَّمْلِيكَاتِ.
3- أنَّ العَقْدَ باطلٌ؛ لأنَّ النَّهْيَ يقتضِي الفسادَ.
4- أنَّ هذهِ ِ العلاقةَ الباقيةَ التي لاَ تَنْفَصِمُ، كَمَا لا تَنْفَصِمُ علاقةُ النَّسَبِ تُسَبِّبُ الإرثَ، فيرثُ المُعْتِقُ عن عَتِيقِهِ، وكذَلِكَ عَصَبَتُهُ المتعَصِّبون بأنفسهمْ، لنعمةِ العِتْقِ عليهِ.


112- الْغَرِيبُ:
بُرْمَةٌ. قالَ في القاموسِ: الْبُرْمَةُ - بالضمِّ - قِدْرٌ مِن حجارةٍ، جَمْعُهُ بُرَمٌ، بالضمِّ في الباءِ، وبالفتحِ في الرَّاءِ.


المَعْنَى الإِجْمَالِيُّ:
تَذْكُرُ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عنهَا مِن بَرَكَةِ مَوْلاَتِهَا بَرِيرَةَ مُتَيَمِّنَةً بِتِلْكَ الصَّفْقَةِ، التي قَرَّبَتْهَا مِنْهَا، إذْ أَجْرَى اللهُ تَعَالَى مِن أحكامِهِ الرَّشِيدَةِ في أَمْرِهَا ثَلاَثَ سننٍ، بقيتْ تَشْرِيعاً عامّاً على مرِّ الدُّهُورِ.
فالأُولَى: أنَّهَا عَتَقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا الرَّقِيقِ ((مُغِيثٍ)), فَخُيِّرَتْ بينَ الإقَامَةِ معهُ على نِكَاحِهِمَا الأوَّلِ، وبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ، واختيارِهَا نَفْسَهَا؛ لأَنَّهُ أصبحَ لاَ يُكَافِئُهَا في الدَّرَجَةِ، إذْ هيَ حُرَّةٌ، وهوَ رقيقٌ، والكفاءةُ هُنَا معتبرةٌ، فاختارتْ نفسَهَا، وفَسَخَتْ نِكَاحَهَا، فصارتْ سُنَّةً لِغَيْرِهَا.
والثَّانيةُ: أَنَّهُ تُصُدِّقَ عليها بلحمٍ، وهيَ في بيتِ مَوْلاَتِهَا عائشةَ، فدخلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واللَّحْمُ يُطْبَخُ في الْبُرْمَةِ، فَدَعَا بطعامٍ فَأَتَوْهُ بخبزٍ وأُدْمٍ مِن أُدْمِ البيتِ الذي كانُوا يستعملُونَهُ في عادتِهِمْ الدَّائِمَةِ، ولمْ يأتوهُ بشيءٍ مِن اللَّحْمِ الذي تُصُدِّقَ بهِ على بَرِيرَةَ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فقالَ: ((أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ على النَّارِ فيها لَحْمٌ؟)) فَقَالُوا: بَلَى، ولكنَّهُ قدْ تُصُدِّقَ بهِ على بَرِيرَةَ،وكَرِهْنَا إِطْعَامَكَ مِنْهُ.
فقالَ: هوَ عليها صدقةٌ، وهوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ.
والثَّالِثَةُ: أنَّ أَهْلَهَا لَمَّا أَرَادُوا بَيْعَهَا مِن عائشةَ، اشترطُوا أَنْ يكونَ ولاؤُهَا لَهُمْ، فقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ )).

مَا يُسْتَفَادُ مِن الحديثِ:
1- أنَّ اِلإمَةَ إذَا عتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ يكونُ لَهَا الخِيَارُ بينَ البقاءِ معهُ وبينَ الفَسْخِ مِن عِصْمَةِ نِكَاحِهِ، وجوازُ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ العلماءِ. أمَّا إذا عتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَلاَ خِيَارَ لَهَا عندَ جمهورِ العلماءِ، ومِنْهُم الأَئِمَّةُ: مالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمدُ.
2- فيهِ بيانُ اعتبارِ الكَفَاءَةِ في النَّسَبِ بينَ الزَّوْجَيْنِ، وأَنَّ فِي مَوَانِعِ التَّكَافُؤِ بينَ الزَّوْجَيْنِ الْحُرِّيَّةَ والرِّقَّ.
3- أنَّ الفقيرَ إذا تُصُدِّقَ عليهِ، فَأَهْدَى مِن صَدَقَتِهِ إلى مَن لاَ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، مِن غَنِيٍّ وغيرِهِ، فَإِهْدَاؤُهُ جَائِزٌ؛ لأَنَّهُ قدْ مَلَكَ الصَّدَقَةَ، فَيَتَصَرَّفُ بِهَا كيفَ شَاءَ.
4- فيهِ دليلٌ على سؤالِ صاحبِ البيتِ أَهْلَهُ عن شُؤُونِ مَنْزِلِهِ وأَحْوَالِهِ.
5- وفيهِ انحصارُ الولاءِ بالمُعْتِقِ، فَلاَ يكونُ لِغَيْرِهِ، و لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَحَقِّيَّتِهِ بِحَالٍ.
6- أَنَّهُ مَا دَامَ بهذهِ ِ الصِّفَةِ مِن اللُّصُوقِ، إِذْ عُدَّ لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ يَحْصُلُ بِهِ إِرْثُ الْمُعْتِقِ وعَصَبَتِهِ مِن عَتِيقِهِ، وهذا هوَ المقصودُ مِن ذِكْرِ الحديثِ هُنَا.

  #6  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ الفرائضِ

299 - الحديثُ الأَوَّلُ: عن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَلْحِقُوا الْفَرائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)). وَفِي روايةٍ: ((اقْسِمُوا المَالَ بَيْنَ أَهْلِ الفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا تَرَكَتْ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).

((الفرائضُ)) جمعُ فَرِيضةٍ، وَهِيَ الأنْصِبَاءُ المُقَدَّرَةُ فِي كتابِ اللهِ تَعَالَى؛ النصفُ، ونصفُه، وَهُوَ الربعُ، ونصفُ نصفِه، وَهُوَ الثُّمُنُ، والثُّلُثَانِ، ونصفُهُمَا، وَهُوَ الثلثُ، ونصفُ نصفِهما، وَهُوَ السدسُ، وَفِي الحديثِ دليلٌ عَلَى أنَّ قسمةَ الفرائضِ تكونُ بالبَدَاءَةِ بأهلِ الفرضِ، وبعدَ ذَلِكَ مَا بَقِي للعَصَبَةِ.
وقولُه: ((فَمَا بَقِيَ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)) أَوْ ((عَصَبَةٍ ذَكَرٍ)) قَدْ يُورَدُ ههنا إشكالٌ وَهُوَ أنَّ ((الأخواتِ)) عَصَباتُ البناتِ، والحديثُ يقتضي اشْتِرَاطَ الذكورةِ فِي ((العَصَبَةِ)) المُسْتَحِقِّ للباقي
وجوابُه أَنَّهُ مِن طريقِ المَفْهُومِ، وَأَقْصَى درجاتِه أن يكونَ لَهُ عمومٌ، فَيُخَصُّ بالحديثِ الدالِّ عَلَى ذَلِكَ الحُكْمِ، أعني: أن ((الأخواتِ)) عصباتُ البناتِ


300 - الحديثُ الثَّانِي: عن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: قُلْتُ: ((يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟ ثُمَّ قَالَ: لاَ يَرِثُ الكافِرُ المُسْلِمَ، وَلاَ المُسْلِمُ الكَافِرَ)).

الحديثُ دليلٌ عَلَى انقطاعِ التوارثِ بَيْنَ المُسْلِمِ والكافرِ.
ومن المتقدِّمِينَ من قَالَ: يَرِثُ المسلمُ الكافرَ، والكافرُ لاَ يَرِثُ المسلمَ، وكأنَّ ذَلِكَ تشبيهٌ بالنكاحِ، حَيْثُ يَنْكِحُ المسلمُ الكافرةَ الكتابيَّةَ، بخلافِ العكسِ، والحديثُ المذكورُ يدلُّ عَلَى مَا قالَه الجمهورُ.

وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَهَلْ تَرَكَ لنا عَقِيلٌ مِن دَارٍ؟)) سببُه أنَّ أبا طالبٍ لما ماتَ، لم يَرِثْه عليٌّ وَلاَ جعفرٌ، ووَرِثَهُ عَقِيلٌ وطالبٌ؛ لأن عليًا وجعفرًا كانا مُسْلِمَيْنِ حينئذٍ، فلم يرثا أبا طالبٍ، وَقَدْ تُعُلِّقَ بِهَذَا الحديثِ فِي مسألةِ دُورِ مكَّةَ، وَهَلْ يجوزُ بيعُها أم لاَ؟



301 - الحديثُ الثالثُ: عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ)).
((الولاءُ)) حقٌّ ثَبَتَ بوصفٍ وَهُوَ الإِعْتَاقُ فَلاَ يَقْبَلُ النقلَ إِلَى الغيرِ بوجهٍ مِن الوُجُوهِ؛ لأن مَا ثبتَ بوصفٍ يدومُ بدوامِه وَلاَ يستحقُّه إِلاَّ مَن قامَ بِهِ ذَلِكَ الوصفُ.
وَقَدْ شُبِّهَ ((الولاءُ)) بالنسبِ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((الولاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النسبِ))، فَكَمَا لاَ يَقْبَلُ النسبُ النقلَ بالبيعِ والهَبَةِ، فَكَذَلِكَ الولاءُ.

302 - الحديثُ الرابعُ: عن عائشةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: ((كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِيْنَ عَتَقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِي بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ البُّرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ، فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهَا: إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ)).

حديثُ بَرِيرَةَ قَدْ اسْتُنْبِطَ مِنْهُ أحكامٌ كثيرةٌ، وَجُمِعَ فِي ذَلِكَ غيرُ مَا تصنيفٍ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى أشياءَ مِنْهَا فِي مواضعَ فيما مضى، وَقَدْ صرَّحَ ههنا بثبوتِ الخيارِ لَهَا، وَهِيَ أَمَةٌ عُتِقَتْ تحتَ عبدٍ، فَيَثْبُتُ ذَلِكَ لكلِّ من هُوَ فِي حالِها.

وَفِيهِ دليلٌ عَلَى أن الفقيرَ إِذَا ملكَ شَيْئًا عَلَى وجهِ الصدقةِ، لم يمتنعْ عَلَى غيرِه ممَّن لاَ تَحِلُّ لَهُ الصدقةُ أَكْلَهُ، إِذَا وُجِدَ سببٌ شرعيٌّ من جهةِ الفقيرِ يُبِيحُه لَهُ.

وَفِيْهِ دليلٌ عَلَى تَبَسُّطِ الإِنسانِ فِي السؤالِ عن أحوالِ منزلِه، وَمَا عَهِدَه فِيْهِ، لِطَلَبِهِ مِن أَهْلِهِ مَثْلَ ذَلِكَ.

وَفِيْهِ دليلٌ عَلَى حصرِ ((الولاءِ)) للمُعْتِقِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فيما مضى.

  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1429هـ/13-11-2008م, 10:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

بسم الله الرحمن الرحيم
المتن: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ن أما بعد:
قال المؤلف، رحمه الله تعالى:
باب الفرائض
عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر))، وفي رواية: ((اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر)).
عن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما قال: (قلت: يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟) فقال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور)) ثم قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)).
وعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته.
الشرح:
أما بعد، فهذه الأحاديث الثلاثة، كلها تتعلق بالمواريث وأحكامها، يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرائض يُبدأ بها قبل أهل التعصيب، وما بقي بعدها فهو لأهل التعصيب يعني: في المواريث،
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((ألحقوا الفرائض بأهلها))

والفرائض: هي الأشياء المقدرة، الأنصباء المقدرة، يقال لها فرائض، وغير المقدرة تسمى تعصيبا، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، ومعنى أولى: أقرب، أقرب رجل ذكر،
وفي اللفظ الآخر: ((اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله)) ((اقسموا المال)) يعني: المال المخلَّف من الميت, التركة, بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما أبقت الفرائض فهو لأولى رجل ذكر، وهذا الحديث إجماع بين المسلمين
أجمع العلماء على أن الميت إذا خلف أهل فروض وأهل تعصيب، فإنه يُبدأ بأهل الفروض، فما بقي فهو للعصبة
مثال ذلك: إنسان مات عن أبيه وأمه وعن ابنه، فالأب والأم لهما الفرائض، فيقسم المال بينهم على ستة سهام، الأم لها السدس واحد، والأب له السدس واحد، والباقي للابن عصبة، أربعة بقيت من الستة للابن عصبة، هذا من معنى (ألحقوا الفرائض بأهلها)، تُعطي الأم السدس؛
لأن الله قال:{ ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } وهذا أب وأم والميت له ولد، وهو الابن، فالأم تعطى السدس، واحد من ستة والأب واحد من ستة، والباقي للابن، فإذا كان وراءه ستة آلاف ريال، تعطى الأم ألف ريال، والأب ألف ريال، والباقي للابن، وإذا كان وراءه ستون ألف ريال، تعطى الأم عشرة، والأب عشرة، والباقي أربعون للابن أو ابن الابن

ومثال آخر: امرأة ماتت عن زوج وعن أم وعن أخ شقيق، فالزوج صاحب فرض، والأم صاحبة فرض، والأخ صاحب عصبة، فيعطى الزوج النصف فرضه؛ لأن الله قال: { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد }
وتعطى الأم فرضها الثلث؛ لأن الله أعطى الأم الثلث، كما قال تعالى: { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } والباقي للأخ العاصب
فإذا كان وراءها ستة آلاف ريال، يعطى الزوج ثلاثة النصف، والأم تعطى ألفين، الثلث، ويبقى ألف واحد وهو السادس للعصبة للأخ، للأخ الشقيق أو الأخ لأب، أو ابن الأخ أو ابن العم، يعطى هذا الباقي، هذا حقه؛لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألحقوا الفروض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر))
أعطينا الزوج ثلاثة، النصف، وأعطينا الأم اثنين من ستة، وبقي واحد للعاصب.

مثال آخر: مات ميت عن أخت شقيقة، وعن جدة وعن أخ لأب، الأخت الشقيقة من أهل الفرائض، والجدة من أهل الفرائض لها السدس، والأخت الشقيقة لها النصف، كما قال تعالى: { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك }
وقد حَكَمَ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الجدة لها السدس، فالميت يجعل ماله ستة سهام، نصفها للأخت ثلاثة، والرابع وهو السدس للجدة أم أمه أو أم أبيه، والباقي اثنان لأخ الميت، سواء شقيق أو لأب، أو عم أو ابن عم, يُعطى الباقي، سهمان من ستة؛ لأن الأخت أخذت النصف سواء كانت شقيقة أو لأب، وأخذت الجدة السدس، سواءً كانت أم أبيه أو أم أمه، والباقي اثنان من ستة لأخ الميت أو عم الميت أو ابن عم الميت أو معتق الميت، هذا معنى الحديث: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر))، وفي اللفظ الآخر: ((اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر)).


الحديث الثاني يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)) متفق على صحته
معناه إذا كان الأقارب مختلفي الدين، فإنهم لا يتوارثون، فإذا مات إنسان مسلم عن أخ مسلم، وعن أب كافر، فالميراث لأخيه المسلم، ولا شيء للأب؛ لأنه كافر،
إذا مات المسلم عن أخيه المسلم أو ابن عمه المسلم ووراءه أب كافر، فالوارث المسلم، ولو أنه ابن عم بعيد يعطى الإرث، وأبوه الكافر ليس له شيء
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم))
كذلك لو مات شخص كافر عن ابن له كافر وابن له مسلم، فإرثه للكافر الذي مثله على دينه، وابنه المسلم لا يرث شيئا؛ لأن الميت كافر لا يرثه إلا الكافر،
مثلاً مات نصراني عن ابن له نصراني، وله ابن ثان مسلم, قد هداه الله وأسلم، فلا يرث من أبيه النصراني، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.))

والحديث الثالث: يقول ابن عمر، رضي الله عنهما أن الرسول (نهى عن بيع الولاء وعن هبته)
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء، وعن هبته، لا يباع الولاء، ولا يهدى كالنسب لا يباع ولا يهدى (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث)
فالولاء مثل النسب يباع, لو أن إنسانا باع نسبه من أخيه لم يصح البيع، لو باع نسبه من ولده ما يصح البيع, لو باع نسبه من ابن عمه لم يصح البيع فالنسب لا يباع
هكذا الولاء، والولاء هو ولاء العتق، فلو أنك أعتقت زيدا فأنت الوارث عصبته، فلو بعت هذا الولاء، قلت: ولائي من زيد لا أريده، اشتره مني يا فلان بكذا وكذا، أنت تكون وليه بدلا مني، يصح, أو وهبته إياه قلت له: وهبتك إياه، أي: الولاء لم يصح وبيعك الولاء وهبته باطل،
مثل لو بعت قرابتك من أخيك, أو قرابتك من أبيك, ما يصح البيع، القرابة لا تباع فهي ثابتة تبقى، ولو بعتها فالبيع باطل،
وهكذا الولاء، ولاء العتاق، إذا اعتقت إنسانا أو أعتقت رجلا أو اعتقت امرأة، فأنت وليها، لو يصير ما لها ورثة إلا أنت ما لها أقارب، فأنت وليها وعصبتها، فلا تبعْ ولائك ولا تهبه، فلو بعت هذا الولاء أو وهبته لأحد فالهبة باطلة، والبيع باطل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته؛ لأنه كالنسب،

وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
قال المؤلف، رحمه الله تعالى: في باب الفرائض
وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: (كانت في بريرة، ثلاث سنن، خُيِّرت على زوجها حين عتقت، وأَهديَ لها لحم، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة على النار، فدعا بطعام فأوتي بخبز وأُدم مِن أدم البيت، فقال: ((ألم أرَ البرمة على النار، فيها لحم)) فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تُصُدِّق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه) فقال: ((هو عليها صدقة، وهو لنا منها هدية))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الولاء لمن أعتق)).
. . .
الشرح:
أما بعد فهذان الحديثان الصحيحان عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أحدهما حديث عائشة، من جهة بريرة، والثاني حديث ابن مسعود في الحث على الزواج.

أما حديث عائشة في قصة بريرة، فهو حديث عظيم له شأنه، وقد ذكرت عائشة، رضي الله عنها: أن فيه ثلاث سنن، يعني: أن من جملة فوائده ثلاث سنن، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كلها فوائد، وكلها من نعم الله العظيمة على العباد، لما فيها من التوجيه والتشريع، وقصة بريرة فيها سنن كثيرة, منها الثلاث التي ذكرت عائشة،
إحداها أنها خُيَّرت على زوجها لما عتقت، فدل ذلك على أن الجارية المملوكة إذا عتقت وهي تحت زوج مملوك، يكون لها الخيار, إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت اختارت نفسها، وبانت منه بينونة صغرى؛ لأنها ملكت نفسها، وكان زوجها عبدا أسود رقيقا: إذا عتقت جارية تحت زوج رقيق فإنها بالخيار إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت اختارت نفسها، وقد كان زوجها يحبها كثيرا، ويسمى مغيثاً وكان يبكي عليها كثيرا؛ لأنها عافته وامتنعت منه، فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في قبولها زوجها، وعدم فراقه،فقالت: (يا رسول الله أتأمرني؟) قال: ((لا ولكن أشفع)) فقالت: (لا حاجة لي فيه)

وهذا من الفوائد أيضا، أن الشفاعة ليست بلازمة لقبول، ولو كانت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها غير الأمر، فإذا شفع عليه الصلاة والسلام إلى إنسان ليسقط دينه عن فلان، أو يسقط بعضه، أو يسقط قصاصا، أو ما أشبه ذلك، فالمشفوع إليه إن شاء فعل وإن شاء ترك، يلزمه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قالت بريرة: (أتأمرني أو تشفع؟) قال: ((بل أشفع)) فقالت: (لا حاجة لي فيه) ولم يلمها، ولم ينكر عليها عدم قبول الشفاعة

ومن الفوائد أن بريرة أُهْدي لها لحم وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة، وهكذا بنو هاشم لا يأكلون الصدقة، فدعا بطعام، فأُتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ((ألم أر البرمة على النار فيها لحم))، قالوا: بلى، ولكنه تُصدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه، فقال عليه الصلاة والسلام: ((هو عليها صدقة، وهو لنا منها هدية))
فهذا يدل على أن الصدقة إذا وصلت للفقير بلغت محلها، فإذا دفعها إلى من تحرم عليه الصدقة جازله الأكل؛ لأنها ليست هي بصدقة عليه، ولكنها هدية من الفقير، يهديها إذا بلغت محلها فإذا أهدى الفقير منها إلى غني أو دعا الأغنياء وأكلوا من طعامه، وإن كان من الصدقة لا حرج عليهم لأن الصدقة بلغت محلها
فإذا أولم الفقير وليمة ودعا إليها جيرانه وأقاربه من الأغنياء وغيرهم، فلا بأس أن يأكلوا منها، وإن كانت صدقة عليه؛ لأنها بلغت محلها، فهي لهم هدية، ليست صدقةً عليهم؛ لأنه ليس هو المزكي، المزكي غيره وإنما هو فقير أخذها وبلغت محلها.

الفائدة الثالثة، أو السنة الثالثة: أنها اشترت نفسها من أهلها بأقساط، كل سنة أوقية، في تسع سنين، كل سنة أوقية، ثلاثمائة وستون درهماً، الأوقية أربعون درهماً، فجاءت إلى عائشة تطلب العون في تسديد الثمن، فقالت عائشة: (إن شاء أهلك عددت لهم الدراهم، وأعتقتك) فقالت لهم، فقالوا: (لا بأس إذا كان الولاء لنا) يعني ولائها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال اشتريها وليس لهم الولاء: ((إنما الولاء لمن أعتق))
فثبت بهذا أن الولاء في العصوبة يكون لمن أعتق، فإذا اعتق إنسان إنسانا، فالولاء للمُعتِق يرثه ويكون له الولاء والعَصْب؛ لأنه المعتق، ولو شُرِط الولاء لغير المعتق، بطل الشرط، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق )).

وفي قصتها من الفوائد جواز البيع بالتقسيط؛ لأنها اشترت نفسها بالتقسيط ثلاثمائة وستين درهماً، كل سنة تعطيهم أربعين درهماً فدل ذلك على أن التقسيط جائز
إذا باع الإنسان بيتاً أو أرضاً أو سيارةً بأقساط معلومة, إلى أجل معلوم، فلا بأس بذلك، كما صح بيع بريرة بأقساط لأجل معلوم،
إذا كان المبيع في ملك البائع حوزته، وباعه بأقساط أو بثمن معجل، فلا بأس أما إذا كان ليس في حوزته، فليس له بيعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك))، فالإنسان يبيع شيئاً عند الناس، أما إذا ملكه وحازه بالشراء، ثم باعه بعد ذلك فلا بأس به.


  #8  
قديم 13 محرم 1430هـ/9-01-2009م, 08:18 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ:بسم الله الرحمن الرحيم .
باب الفرائض

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألحقوا الفرائض بأهلها , فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) . وفي رواية: ((اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله , فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر)).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يارسول الله , أتنزل غدا في دارك بمكة , قال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع)), ثم قال: ((لا يرث الكافر المسلم , ولا المسلم الكافر)) .
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .
هذان الحديثان في المواريث ، في قسمة المواريث بين الورثة ، وهو أمر يتعلق بالأموال ، ولكن له أهميته ؛ وذلك لأن فيه إيصال الحقوق إلى أهلها , والمراد أن الميت إذا مات وخلَّف مالا فهذا المال لا شك أن أحقَّ من يأخذه أقاربُ ذلك الميت الذي جمعه والذي ملكه ، فهم أولى به , أولى بأن يكونوا هم الوارثين له . وقد أنزل الله تعالى ثلاثَآيات أو أربع آيات في المواريث .. أو خمس آيات:
الآية الأولى: مجملة , قول الله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} , فهذه الآية أجمل الله فيها نصب الرجال والنساء , ولم يتميزوا إلا أنه عرف أن لهذا نصيب من مورثه ، وللمرأة نصيب .
حتى جاءت الآية الثانية التي بين الله فيها ميراث الأولاد: ذكورا أو إناثا, وبين فيها ميراث الأبوين , ميراث كل من الأبوين , وذلك في قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} يعني الذكور والإناث {للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} فهذه الآية ذكر الله فيها ميراث الأولاد , أن الميت إذا مات وله أولاد قسم المال بين أولاده: للذكر سهمان ، وللأنثى سهم , فإذا لم يكن له إلا بنات يعني إناثمحض فإنهن لا يزدن على الثلثين ، ولو كن عشرا يشتركن في الثلثين ، أما إذا كانت واحدة فإنها تستقل بالنصف , فتأخذ النصف وحدها .
كذلك ذكر ميراث الأبوين: الأم والأب , إذا كان للميت أولاد ذكر الله أن لكل من الأبوين السدس والبقية للأولاد , يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين . كذلك أيضا إذا كان هناك أبوان فقط وليس هناك للميت ولد فإن المال يقسم بين الأبوين: الأب له الثلثان ، والأم لها الثلث , إذا وُجد معهم إخوة حجبوا الأم ومنعوها ولم يحصل لها إلا السدس , هذه قسمة أو أنصباء الأبوين وأنصباء الأولاد .
بين الله في الآية الثالثة نصيب الزوجين ونصيب الإخوة من الأم في قوله تعالى: {ولكمنصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن} ثم قال: {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإنكان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم} في هذا ذكْر نصيب الزوجة والزوجات ، أو الزوج , أحد الزوجين من الآخر , بين الله إنه إذا كان له أولاد ذكوراأوإناثا واحدا أو عددا أن زوجته لا تأخذ إلا الثمن , فإذا لم يكن له أولاد ولا أولاد بنين فإنها تأخذ الربع ، أما الزوج فيأخذ النصف إذا لم يكن للزوجة أولاد ولا أولاد بنين , فإذا كان لها ولد أو ولد ابن فإنه لا يأخذ إلا الربع .
ثم بين في نفس الآية ميراث الإخوة من الأم في قوله: {وإن كان رجل يورث كلالة} أي ليس له أولاد ولا له والد, وهذا هو الكلالة.{وله أخ أو أخت} يعني أولاد أم {فلكل واحد منهما السدس} للأخ من الأم السدس ، أو الأخت من الأم السدس , فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ، أي الإخوة من الأم لا يزيدون عن الثلث ، ولو كثر عددهم .فهذه الآية ذكر الله فيها ميراث الزوجين ، وميراث الإخوة من الأم .
أما الآية الرابعة في آخر سورة النساء فهي قوله تعالى: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان} ثم قال: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} , وفي نفس الآية ذكر ميراث الأخ وهو قوله: {وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} , فبين ميراث الأخوات ، أي إذا كانت واحدة أخذت النصف ، واثنتين لهما الثلثان ، وجماعة ذكور وإناث يقتسمون المال كما يقتسمه الأولاد: للذكر مثل حظ الأنثيين . والأخ الواحد يرث أخته , يرث مالها كله إذا كان وحده ، وكذلك إذا كانوا جماعة . فهذه الآية ذكر الله فيها ميراث الإخوة الأشقاء ، والإخوة من الأب .
أما الآية الخامسة في آخر سورة الأنفال هي قول الله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} فذكر الله أولو الأرحام , يعني الأقارب , أن بعضهم أحق ببعض ، وإذا كان بعضهم أولى ببعض فإن من أحقيتهم أن يأخذوا ما بقي من المال , أن يأخذوه . وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأخذ يسمى تعصيبا , والتعصيب: هو أن يرث المال بدون أن يحدد له جزء معين , وذلك ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله: ((ألحقوا الفرائض بأهلها , فما بقي فلأولى رجل ذكر)) ، وتأكيده وصف الرجل بقوله:((ذكر)) من باب التأكيد , وإلا معلوم أن الرجل اسم للذكر ، فكلمة: ((أولى)) يراد بها الأقرب يعني: فلأقرب العصبة وأولاهم بذلك الميت , فإنه هو الذي يأخذ ما بقي ويسمى أخذه عصبة .
وبين العلماء أن العصبة هم أقارب الميت من الأصول , ومن الفروع ، ومن الحواشي ، فالأصول هم أبوه وجده وجد أبيه , هؤلاء أصوله الذين هو راجع إليهم . أما فروعه فهم أبناؤه وأبناء أبنائه ، وأبناء أبناء أبنائه وإن بعدوا ؛ لأنهم تفرعوا منه . أما أقاربه الآخرون فهم إخوته وبنو إخوته ، وبنو بنيهم ، وكذلك إخوة أبيه الذين هم أعمامه ، وبنو أعمامه وبنو بنيهم ، ثم أعمام أبيه ، ثم بنوهم ، ثم أعمام جده , وهكذا يسمون عصبة ؛ لأنهم في الغالب يتعصبون لقريبهم ويحمونه , يجتمعون معه , فلأجل ذلك كانوا هم ذوي أرحامه ، وكانت القرابة بينهم , لأجل ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعطوا حقهم مما بقي بعد أهل الفروض فمعنى قوله: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) يعني: أعطوا أهلها حقهم من الفرائض ، وما بقي فأعطوه الأقارب من الأرحام ..من ذوي الأرحام أو من العصبة , هذا معنى الإلحاق ,ألحقوها يعني سلموها لهم وأعطوها لهم ، والباقي أعطوه من يستحقه من ذوي العصبات ونحوهم . ونكمل بعد الأذان .
(غير مسموع) ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) يعني أعطوهم فروضهم على ما في كتاب الله تعالى , فإذا كان أهل الفرائض هم إناث كما لو لم يكن له إلا بنتان أو ثلاث بنات أعطيناهم الثلثين ، والباقي أعطيناه أقرب العصبَة , أقرب العصبة من الورثة كالابن , ابن الابن مثلا ، أو الأخ أو ابن الاخ أو نحوهم , نعطيه الثلث الباقي؛ لأنه أولى رجل يعني أقرب رجل بعد البنات ، وهكذا لو كان أهل الفروض زوج , إذا كان الزوج واحدا أخذ النصف ، والبقية نعطية مثلا الأخ أو ابن الأخ، أو العم أو ابن العم , إذا كان أقرب من غيره .
وهكذا إذا كان أهل الفروض مثلا أخا لأم أعطيناه سدسه ، والبقية أعطيناه أقرب العصبة كأخ شقيق ، أو أخ لأب ، أو ابن أخ , أو عم , ننظر أقرب الأقارب وأقرب ذوي الأرحام فيأخذ بقيَّة المالِ الذي تركته الفرائض .
كذلك لو كان الميت لم يخلف إلا أما من أهل الفروض أخذت نصيبها وهو الثلث , والبقية أخذه العاصب كالعم ، أو ابن العم ، أو ابن الأخ ، أو نحوهم , ننظر من هو أقربهم .
معلوم أن الأب له قرابة, والابن له قرابة, لكن قرابة الابن أقوى ؛وذلك لأن الغالب أن الجامع الذي يجمع المال يحرص على أن يورثه لأولاده , وقد ورد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم: ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) فإذا كان للميت ابن وأب فالأب يعتبر صاحب فرض , نعطيه فرضه وهو السدس , والبقية نعطيها للابن ، فهو أولى رجل ذكر يعني أقرب الورثة , ولا يقال: إن الأب أحق منه , نقول: لأن الله جعل للأب فرضا ، ولم يجعل للابن فرضا , بل جعل الابن يأخذ المال كله ، أو يأخذ ما بقي من المال بعد أهل الفروض .
أما لو لم يكن هناك ابن فإن الأب يكون أقوى وأولى من غيره , فإذا كان هناك مثلا زوجة وأب فإن الزوجة تأخذ ربعها فرضا ، والأب يأخذ الباقي فهو أولى رجل ذكر .
كذلك إذا لم يكن عندنا ابن ولا أب فأقرب الأقارب هم إخوة الميت , فننظر أقواهم فنعلم أن الأخ من الأبوين أقوى من الأخ من الأب ، فإذا كان عندنا مثلا جدة وأخ شقيق وأخ من الأب أعطينا الجدة سدسها ، والباقي أعطيناه الشقيق ؛ لأنه أقوى بجهتين: أدلى بجهة الأبوة وبجهة الأمومة ، ونسقط الأخ من الأب ؛ لقوة الأخ الشقيق , فإذا لم يكن عندنا أخ شقيق فالأخ من الأب أقوى من العمومة ، وأقوى من بني الإخوة ونحوهم .
فإذا لم يكن عندنا إخوة ولا بنوهم فلا شك أن العم الذي هو أخ الأب ينزل منزلة الأخ ، أو ينزل منزلة العم ، أو منزلة الأقرب , فيعطى بقية المال ، أو يعطى المال كله إذا لم يكن هناك ذوو فرض، وهكذا فيقدم الابن ثم يقدم الأب، ثم يقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ من الأب ، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ من الأب ، ثم العم الشقيق ، ثم العم من الأب ، ثم بعد ذلك ابن العم الشقيق، ثم ابن العم من الأب، ثم ينتقل إلى عم الأب ، ثم عم الجد وما تفرع عنهما . هذا معنى قوله:((أولى رجل ذكر)).
وهذا العلم الذي هو علم الفرائض هو من أهم العلوم ، ويحتاج في تعلمه إلى معرفة قواعد ومعرفة تطبيقات ومعرفة أمثلة , ولأجل ذلك اهتم به العلماء المتقدمون والمتأخرون وألفوا فيه مؤلفات خاصة لا يمكن أن تذكر في مثل الحلقاتالعامة, لابد أن تبدأ من أوائلها وقواعده وشروطه ونحوها , تبدأ من أوله إلى أن يأخذ الذي يريد معرفته أن يأخذ فكرة عنه كيفية ابتدائه فيه وكيفية تطبيقه والشروط التي تشترط له...
الوجـه الثانـي
...ولكن الكتب التي تتكلم عليه في الفقه أو في الأحكام تقتصر على مهمات المسائل .
من شروط الإرث اتفاق الدين , ذكروا أن للميراث أو للتوارث ثلاثة شروط , وأن له ثلاثة أركان ، وله ثلاثه أسباب ، وله ثلاث موانع ، وكلها قد توسعوا فيها , ولا نحب أن نبحث فيها ؛ لطولها , نذكر الموانع التي ذكر في الحديث بعضها .
فالموانع التي تمنع الإرث:
الرق ، والقتل , واختلاف الدين .
فالرق: هو العبودية , الرقيق هو المملوك الذي ليس له تصرف في نفسه ، بل ملكيته لسيده الذي يملكه , فهذا لا يرث ولا يورث ؛ لأنه ليس له مال ، ولأنه لو ورث من أبيه الحر لأخذ ذلك المال سيده , وسيده ليس بينه وبين أبيه وبين عصبة أبيه قرابة .
المانع الثاني: القتل , إذا قتل إنسان قريبه حُرم من ميراثه ولو كان القتل خطأ ؛ وذلك سدا للذريعةِ حتى لا يعمد أحد إلى قتل قريبه لأجل أن يرثَه , لا يتخذ القتل وسيلة لقتل قريبه حتى يأخذ المال . مشهور أن رجلا في بنيإسرائيل كان عمهثريا كثير المال ، وكان له ابنة واحدة وليس يرثه إلا ابن أخيه وابنته, فخطب ابنته فمنعه أن يتزوجها , فاحتال وقال: سأقتل عمي وآخذ ماله وأتزوج ابنته , فعند ذلك قتله , وهو الذي نزلت فيه قصة البقرة , حيث ذبحوا البقرة فأخذ موسى عضوا من أعضائها فضرب ذلك الميت , فعاش فحيا وقال: قتلني هذا ، ثم عاد ميتا. فمن ثم حُرم القاتل من الميراث حتى ولو لم يكن متعمدا .
حوادث السيارات إذا كان الذي يقودها له نسبة من الخطأ ولو قليلة ومات معه أحد أقاربه لم يرث منه، أما إذا كانت نسبة الخطأ كلهاعلى الطرف الثاني فإنه يرث ممن مات معه , جعلوه متسببا ولو لم ينسب إليه إلا جزء من الخطأ , يقررون مثلا أن على هذا ثمانون في المائة من الخطأ وعلى هذا عشرون في المائة , فمادام أن عليه نسبة يعتبر محروم من ميراث من مات معه من أقاربه , أما إذا لم يكن له نسبة ، بل الخطأ على الطرف الثاني كله فلا يمنع من الإرث .
معلوم أن من موانع الإرث: اختلاف الدين ، وقد دل عليه هذا الحديث , ذُكر أنه صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة , لما افتتح مكة سنة ثمان قال له أسامة بن زيد: أين تنزل غدا في مكة ؟ فقال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع)) ، ثم قال:((لا يرث المسلم الكافر , ولا الكافر المسلم)) .
بيان ذلك أن عقيل بن أبي طالب ، وهو أخو علي بن أبي طالب ، لما مات أبو طالب لم يرثه إلا عقيل ، ولم يرث منه علي ، ولم يرث منه جعفر ؛ لأنهما مسلمين , وعقيل باق على كفره , فهو الذي ورث أباه أبا طالب . فلما قال: أين تنزل غدا ؟ فقال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع)), الرباع: معناها البيوت والرحبات التي حولها والفسح والأماكن التي كان يملكها أبو طالب ، فملكها بعده عقيل بن أبي طالب واستبد بها ، وأسلم وهي له ولم يملك منها أحد من إخوته .
فدل على أن الكافر لا يرث المسلم ، ولا المسلم الكافر ، فإذا مات ميت كافر فإن ميراثه لقرابته الكفار , فإذا لم يكن له قرابة من الكفار فميراثه لبيت المال يعتبر فيئا ، وكذلك لو مات رجلٌ مسلم وأقاربه كلهم كفار فماله لبيت المال , لا يعطى أقاربه الذين ليسو على دينه , لا يعطون من ماله ؛ وذلك لأن الإسلام فرق بينهم , الإسلام ميز المسلم عن الكافر وجعل كلا منهما بعيد الصلة عن الآخرِ, قال الله تعالى: {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولى ببعض} فجعل الولاية للمؤمن على المؤمنِ, وقال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} أي: لا توالوا الكفار ، بل اجعلوا ولايتهم فيما بينهم , لا تجعلوا ولاية لكم عليهم , لا ولاية ولا قرابة بين مسلم وكافر , فمن آثار قطع الولاية أنهم لا يتوارثون حتى ولو كانوا مجتمعين في بيت واحد ، أو في بلد واحد .
والكفر هنا هو كل ملَّة تكفِّر الأخرى ، أو كل عمل يخرج صاحبه من الإسلام ولو لم يكن على ملة ، فالذي يكون نصرانيا وأبواه مثلا مسلمون لا يرث منهما ؛ وذلِك لاختلاف الدين ، وكذلك لو كان مثلا بوذيا وأبواه مسلمون فإنهم لا يتوارثون , لا يرثه أبواه ، ولا يرث هو من أبويه .
وهكذا الديانات الجديدة عندنا مثلا من الديانات هذه العقائد الفاسدة ، فمثلا النصيرية الموجودة في سوريا وغيرها, لا شك أنهم كفار , فلا يتوارثون مع المسلمين ولو كانوا أقارب لهم , والقاديانية الذين يوجدون بكثرة في الهند وفي الباكستان ونحوها , لا شك أنهم كفار فلا يتوارثون مع أقاربهم المسلمين ، الدروز الذين يوجدون في الشام في لبنان وفي سوريا ونحوهم لا شك أنهم كفار ؛ فلا يتوارثون مع أقاربهم المسلمين ، وكذلك الباطنيَّة , الباطنية من الملاحدة الذين يقول فيهم العلماء: ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض , لا يتوارثون مع أقاربهم المسلمين .
وإذا حكمنا بكفر أهل ملَّة قطعنا الصلة بينهم وبين أقاربهم فإذا حكمنا مثلا بكفر تارك الصلاة المصر على تركها , المعاند فيها الذي لا يصلي أصلا , لا وحده ولا مع جماعة حكمنا بكفره , قلنا: لا يرثه أقاربه، ولا يرث من أقاربه ، بل يكون ماله لبيت المال أو لمن كان على ديانته ممنهو على هذه الديانة ، وإن كنا نحكم بأنه إذا كان كذلك يصير مرتدًّا ، والمرتد ليس له مال ، بل لا يقر على ردته ، بل يستتاب فإن رجع , وإلا قتل .
وكذلك العقائد السيئة التي يكفر بها , وقد ذكر العلماء من العقائد التي يكفر بها عقيدة الجهمية الذين يبالغون في تحريف القرآن وإنكار الصفات كلا ، ويقولون بالجبر والإرجاء ونحوها , هؤلاء كثيرمن العلماء يكفرونهم ويخرجونهم من الإسلام ، وعلى هذا فلا يتوارثون مع المسلمين , وكذلك أيضا غلاة الرافضة , لا شك أنهم كفار , الذي يطعنون في القرآن ، أو يطعنون في أجلاء الصحابة الذين نقلوا السنة , يطعنون فيهم ويكفرونهم ، أو كذلك يشركون: يدعون غير الله تعالى في الشدائد والملمات ونحوها يكفرون ، وعلى هذا فلا يتوارثون مع أقاربهم من المسلمين .
فعرفنا بذلك أن الإسلام حثَّ أهله على أن يوالوا كل مسلم ، ولو كان بعيدا في النسب , ويقاطعوا كل كافر ولو كان قريبا في النسب .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الفرائض, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir