دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 13 جمادى الأولى 1431هـ/26-04-2010م, 03:59 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

* قوله: (( ولا يطهر جلد ميتة بدباغ ، ويباح إستعماله بعد الدبغ في يابس إذا كان من حيوان طاهر في الحياة )).
( ولا يطهر جلد ميتة بدباغ ): هذا هو المشهور في المذهب ، وهو إحدى الراويتين عن الإمام أحمد ـ وهو كذلك المشهور في مذهب المالكية ـ وهو أن جلد الميتة مطلقاً لا يطهر بدباغه سواء كان مأكول اللحم كالشاة ونحوها ، أو لم يكن مأكوله. أما قبل الدباغ فاتفق أهل العلم على أن الجلد لا يحل الإنتفاع به ـ إلا ما روى عن الزهري ـ رحمه الله ـ من أباحته ذلك ، وهو محجوج بالسنة كما سيأتي. إذن: اتفق أهل العلم على أن جلد الميتة قبل الدباغ لا يحل الإنتفاع به. وإنما الخلاف فيه بعد الدباغ.
فالمشهور في مذهب أحمد ومالك أن جلد الميتة إذا دبغ فإنه لا يطهر بذلك. لكن يباح أن يستعمل مع يابس إن كان يابساً لأن الجلد نجس ، وإذا ماس شيئاً يابساً فإن النجاسة التي فيه لا تنتقل ؛ لأن النجاسة لا تنتقل من يابس إلى مثله.

قوله: (ويباح إستعماله بعد الدبغ في يابس ، إذا كان هذا الجلد من حيوان طاهر في الحياة).
واستدلوا على القضية الأولى ، أي أنه لا يطهر الجلد بدباغة بما روى الإمام أحمد ـ والحديث صحيح ـ وقد ضعفه بعض أهل العلم ، والأظهر هو تصحيحه ، عن عبد الله بن عكيم ، قال: ( قُرأ علينا كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أرض جهينة ، وأنا غلام شاب ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ).
قالوا: فهذا الحديث يدل على أن الإهاب لا يحل الإنتفاع به.
قالوا: والإهاب هو الجلد.
ـ واستدلوا بما رواه ابن وهب بإسناده ـ وقال غير واحد كالموفق إسناده حسن ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا تنتفعوا من الميتة بشيء) ، وقال الموفق إسناده حسن. لكن الصحيح أن الحديث ضعيف فيه زمعة بن صالح ، وهو ضعيف.
فإن قيل: فما هو الدليل على جواز إستعماله بعد الدبغ ؟
قالوا:
الأحاديث التي ورد ذكر الدبغ فيها ، فنحن نستدل به على جواز إستعماله ، ونجاسته عندنا ، فنحن نشترط أن يكون في يابس ، هذا هو القول الأول.

والقول الثاني،
وهو مذهب جمهور أهل العلم وهي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهي الرواية المتأخرة التي رجع إليها واختارها بعض أصحابه أن جلد الميتة إن دبغ فإنه يطهر.
وهذا القول هو مذهب الجمهور ـ في الجملة ـ أي أن هناك لكل مذهب تفاصيل. فمذهب الظاهرية إلى أن كل جلد يطهر بالدباغ أي ولو كان جلد خنزير أو كلب.
وقال الشافعية يطهر ـ بالدباغ ـ كل جلد سوى جلد الخنزير والكلب.
واستثنى الأحناف جلد الخنزير.
وأما الحنابلة في الرواية الأخرى فإنهم قالوا: يطهر جلد كل طاهر في الحياة.
وهناك قول آخر (ثالث): أنه يطهر جلد مأكول اللحم ، وسيأتي.

واستدل ـ أهل القول الثاني ـ وهو الجمهور ، بأدلة كثيرة منها:
ـ ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس: قال تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت فمر عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ( هلا أخذتم أهابها ، فدبغتموه) هكذا في مسلم ، وليست هذه اللفظه في البخاري ( فانتفعتم به ، فقالوا يا رسول الله أنها ميتة ، فقال: إنما حرم أكلها ).وهذه في المسند بلفظ:(إنما حرم لحمها). فهذا الحديث فيه أن جلد هذه الشاة قد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدبغها ، وأخبر أن الميتة إنما يحرم أكلها وأما غيره فليس بمحرم.
ـ واستدلوا: بما رواه مسلم من حديث ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا دبغ الأديم فقد طهر ).
وهو عند الأربعة بلفظ: (أيما إهاب دبغ فقد طهر). وفي صحيح ابن حبان عن عائشة قالت: (أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نستمتع بجلود الميتة إذا دبغت). وثبت ـ عنده ـ أي ابن حبان ـ بإسناد صحيح أنه قال: (دباغ جلود الميتة طهورها). فهذه أحاديث تدل على أن الميتة جلدها إذا دبغ فإنه يطهر.
ـ أما الجواب على دليل أهل القول الأول. فالجواب أن يقال: أما على القول يتضعيف الحديث فلا إشكال.
ـ أما على القول بتصحيحه ـ وهو الراجح ـ فالجواب: أن يقال إن الإهاب كما ذكر غير واحد من اللغويين كالخليل وغيره إن الإهاب إنما يطلق على الجلد قبل أن يدبغ ، أما إذا دبغ فإنه لا يسمى إهاباً. فعلى ذلك ، حديث عبد الله بن عكيم (ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) معناه: أي لا تنتفعوا من جلود الميتة قبل أن تدبغوها ـ وهذا ما اتفق عليه أهل العلم.
والجواب الآخر: أن يقال: إن هذه الأحاديث التي استدللنا بها أصح من هذا الحديث الذي لم يروه أحد من أهل الصحيحين ، وهو كذلك مختلف في صحته كما تقدم ـ وليس صريحا ـ كذلك ـ في تحريمه ـ أما أهل القول الأول: فقد أجابوا على أهل القول الثاني: بأن قالوا: إن حديث عبد الله بن عكيم ناسخ للأحاديث ، فإن في بعض رواياته: (قبل موته بشهر أو شهرين).
والجواب على هذا: أن يقال: وما المانع أن تكون الأحاديث الأخرى قد وردت قبل شهرين دون ذلك فإنها ليس فيها التصريح بأنها كانت قبل هذه المدة التي قرأ فيها كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أرض جهينة. إذن: الراجح ما ذهب إليه أهل القول الثاني من القول بأن جلود الميتة تطهر بالدباغ ـ فإذا ثبت لنا هذا ، فاعلم أن الأصحّ أن هناك مذهبان هما أصح المذاهب فيمن قال بطهارة جلود الميتة بعد دباغها:
1ـ القول الأول: أن جلد ما كان طاهر في الحياة فإنه يطهر بالدباغ سواء كان مأكول اللحم أم لم يكن مأكول اللحم. فكل جلد لحيوان طاهر في الحياة سواء أكل لحمه كالأنعام أم لم يكن مأكول اللحم كالهر فإنه يطهر إذا دبغ وهذا القول رواية عن الإمام أحمد وقد اختارها بعض أصحابه. وحكى صاحب الإنصاف أن شيخ الإسلام ابن تيمية اختار هذا القول أن جلد الميتة التي هي طاهرة مأكولة اللحم أم لم تكن مأكولة ، وقد اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم ـ وسيأتي بحث أهل العلم فيما يكون نجساً في الحياة.
2ـ القول الثاني: أن الحيوانات التي يطهر جلدها إنما هي مأكولة اللحم فحسب. فإذا كان الحيوان يؤكل لحمه فإن الدبغ يؤثر في جلده فيكون طاهراً ، وهذا مذهب الليث وإسحاق والأوزاعي ، وهو ما اختاره شيخ الإسلام كما في الفتاوي وكما في شرح العمدة ، فعلى ذلك يكون ما ذكره صاحب الإنصاف من اختيار شيخ الاسلام للقول الأول فيه نظر ، أو أن يكون المشهور عن شيخ الإسلام ابن تيمية هو هذا القول ؛ لأن شيخ الاسلام شرح العمدة على طريقة المذهب وقد شرحه قبل أن يشتهر بالترجيح والاجتهاد وأما الفتاوى فهي بهد أن اشتهر بالإجتهاد. فهذا إذن: هو قول شيخ الاسلام ابن تيمية ، واختاره من المتأخرين الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وطائفة من المعاصرين.
إذن عندنا قولان هما أصح الأقوال عند القائلين بطهارة الجلد بعد دباغها.
أما القول الأول: فهو أن الحيوان الطاهر في الحياة سواء أكل لحمه أم لم يؤكل فإنه يطهر.
واستدلوا: بعموم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) ، وأصرح منه عموماً: (أيما إهاب دبغ فقد طهر). وكذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (دباغ جلود الميتة طهورها) وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نستمتع بجلود الميتة إذا دبغت. فهذه كلها عمومات تدل على أن كل حيوان يدبغ جلده فإن الجلد يطهر. وإنما استثينا ما كان نجساً في الحياة ؛ لأنه نجس عين ، لذا هو نجس حياً ميتاً فلم يكن الدبغ مؤثراً فيه: (وهذا فيه لمن عم الحيوانات النجسة في الحياة).
ـ أما أهل القول الثاني: فالذين قالوا: لا يطهر إلا جلد مأكول اللحم: فاستدلوا: بما رواه أحمد وأبي داود والنسائي بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (دباغ الأديم ذكاته).
فقالوا: قد ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن دباغ الأديم الذكاة له ، فلم يكن ذلك مؤثراً ـ أي الدباغ ـ إلا فيما تؤثر فيه الزكاة من الحيوانات. وفي هذا الدليل نظر: فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (دباغ الأديم ذكاته) فنسب إضافة الذكاة إلى الإهاب أو الأديم ، ومعلوم أن الذكاة التي جعلوها دليلاً على هذه المسألة إنما تنسب إلى الحيوان نفسه ولا تنسب إلى أديمه.
فيكون المعنى هنا: (دباغ الأديم طهوره) أي ذكاته أي كما أن الذكاة تؤثر فيه طهارة وحلاً ، فإن دباغ الجلود كذلك يؤثر فيه طهارة وحلاً. وحديث ابن عباس في بعض ألفاظه: (دباغة طهوره) وقد تقدم حديث سلمة بن المحبق (دباغ جلود الميتة طهورها) على ذلك: الذكاة هي نفسها الطهور.
ـ ولذا: لا يقال بحله طعاما وهو مذهب جمهور الفقهاء يقول تعالى:{حرمت عليكم الميتة} ، وقوله: {إنما حرم أكلها}. خلافا لما ذهب إليه بعض الشافعية وبعض الحنابلة إستدلالاً بهذه اللفظة. فإن قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنما حرم أكلها) صريح بتحريم كل شيء وأن الجلد إنما ينتفع به في غير الأكل.
فالأرجح: هو هذا القول وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد في الرواية المتأخرة عنه: وأن الجلد الذي يطهر إنما هو جلد الحيوان الطاهر في الحياة فهذا هو الذي يؤثر فيه الدباغ وأما غيره فإنه لا يؤثر فيه وقريب منه في القوة المذهب الذي هو أضيق منه وهو القائل: بأنه لا يطهر من جلود الميتة إلا جلد ما كان مأكول اللحم. ومن أدلة أهل القول الثاني: ما ثبت في سنن أبي داود والنسائي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(نهى عن جلود السباع) وفي الترمذي: (أن تفترش).
قالوا: فهذا دليل ـ وقد استدل به شيخ الاسلام ـ على هذا القول. ولكن هذا الإستدلال فيه نظر ، فنعم الحديث إسناده صحيح لكن الاستدلال به فيه نظر فإن الحديث إنما فيه تحريم الإفتراش ونحوه الذي بجلود السباع وليس فيه أنها نجسه. كما حرم الشارع الذهب والحرير على الرجال وليس ذلك لنجاستها. وإنما حرم الشارع الجلوس والإفتراش على جلود السباع لما فيها من الخيلاء والاستطالة ونحو ذلك فليس في الحديث أن ذلك لنجاستها ـ على أنه لا يحل دباغها ؛ لأن في دباغها إستعمالاً لها ـ ولكن لا يعني ذلك أنه إذا فعل ذلك فإنها تكون نجسة بحيث أنها إذا أصابت ماءاً أو نحوه فإنها تنجسه فإن الحديث ليس فيه شيء من ذلك وإنما فيه النهي فحسب وليس فيه ذكر نجاسها. كما كان من شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ كما تقدم في مسألة النهي عن البول في الماء الراكد ـ وذكر أن ذلك ليس لنجاسته وإنما فيه مجرد النهي وهذا نظير له. فالأرجح إذن: طهارة الجلود أولاً: من حيث الجملة ، ثانياً: أن الجلد الذي يؤثر فيه الدبغ إنما هو جلد ما كان طاهراً في الحياة.
ـ واعلم أن الدبغ: يشترط أن يكون فيما يذهب خبثه ونجاسته ورجسه من القرظ ونحوه وقد ثبت في سنن أبي داود والنسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام: ( مرّ بشاة يجرونها ، فقال: لو أخذتم أهابها ، فقالوا: إنها ميتة ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يطهرها الماء والقرْظ)
والقرظ: مادة مطهرة معروفة.
ـ وإذا طهر كذلك بعدها فلا بأس ، والواجب أن تكون هذه المادة مطهرة تزيل النجس ، والخبث الموجود في هذا الجلد. وقد ثبت في مستدرك الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، ورواه البيهقي وقال: إسناده صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتى إلى سقاءٍ يتوضأ منه ، فقيل: إنه ميته ـ أي هذا الجلد من ميته ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(دباغه يذهب خبثه أو نجسه أو رجسه). فالدباغ لابد وأن يذهب الخبث أو النجس أو الرجس. وهل يشترط أن يكون مع هذا المزيل ماء أو لا يشترط ذلك ؟
قولان في مذهب الحنابلة.
1ـ أنه يشترط
2ـ أنه لا يشترط ذلك.

والأظهر: عدم إشتراط ذلك للقاعدة التي تقدم ذكرها ، وإنما ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأنه من أفضل المطهرات ، فقال: (يطهرها الماء والقرظ). لذا نحن لا نشترط القرظ بعينه بل نجيزه كذلك بغيره فكل شيء أزال خبثه ونجسه من قرظ أو غيره مع ماء أو دون ماء ، فإن ذلك يزيله ، فإذا أزال الخبث الذي فيه فإنه لا يشترط أن يكون ماءً ولا قرظاً.


الدرس العاشر:
* قال المصنف: رحمه الله: (( ولبنها وكل أجزائها نجسة غير شعر ونحوه )):
ـ تقدم البحث في جلد الميتة ، وأن الراجح من أقوال أهل العلم: أن جلد الميتة يطهر بدباغه إن كان طاهراً في الحياة.أما هنا: ففي قصة أجزاء الميتة.
ـ أما لبن الميتة فالمشهور في المذهب أنه نجس ، وكذلك أنفحتها ، والإنفحة هي سائل أبيض صفراوي يوجد في وعاء في بطن الجدي ونحوه ، فيجبن اللبن ويسمى (المخبّنة: فهي التي تجعل اللبن ـ عندما توضع فيه ـ وتجعله جبنا. فهذه ومثلها اللبن في المشهور من المذهب وهو مذهب الجمهور: هي نجسة واستدلوا: بالأثر والنظر.
أما الأثر: فاستدلوا بأثار عن الصحابة منها:
ما روى الطبراني ورجاله ثقات: كما قال الهيثمي ، وقد رواه البيهقي عن ابن مسعود قال:(لا تأكلوا الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب) ، وذلك لأنه يستخرج من ذبائحهم وذبائحهم حلال ، كما قال البيهقي وقد ذكره البيهقي عن ابن عباس وأنس ابن مالك ـ رضي الله عنه ـ وقال: وكل استدل بآثار ينقلها عن الصحابة.
قالوا: ـ أي الجمهور ـ فهذه آثار عن الصحابة ولم يتبين لنا مخالف لهم فحينئذ: تكون حجة على نجاسة الإنفحَّة ، ومثلها اللبن.
ـ أما النظر: فقالوا: هذا وعاء نجس ، وقد لاقى ـ أي اللبن أو الإنفحة ـ نجاسة فينجس بها ، فهذه الميتة نجسه وهذه الإنفحة أو هذا اللبن قد لاقاها فيكون نجساً ، وهذا على القول بأن المائعات تنجس بملاقاة النجاسة ولو لم تتغير وهذا قول ضعيف. بل الراجح أن المائعات لا تنجس إلا بالتغير كالماء.
قالوا: وهي جزء من الميتة ، فالأنفحة جزء من الميتة وكذلك اللبن قبل أن يستخرج منها فما هو إلا جزء فيها ، فعلى ذلك هو ميتة ، وقد قال تعالى {حرمت عليكم الميتة}.
وذهب الأحناف إلى أن الإنفحة ليست بنجسه ومثلها اللبن وهو إحدى الروايتين عن أحمد إختارها صاحب الفائق ، وقال الشافعية إن كانت السخلة لا تشرب إلا اللبن دون غيره فهي طاهرة وهو قول الأكثرين واختاره النووي.
واستدلوا: بأن الصحابة لما أتوا المدائن كانوا يأكلون الجبن ، مع أن أهل المدائن كانوا مجوساً وذبائحهم لا تحل ومع ذلك أكل الصحابة هذا الجبن المصنوع.
أما النظر: فقالوا: اللبن والإنفحة منفصل عن الميتة فهي ليست من الميتة فعلى ذلك هي طاهرة. والأظهر هو القول الأول وهو مذهب جمهور أهل العلم. واختار قول الأحناف شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوي وغيرها.
والراجح القول الأول لصحة الآثار الثابتة عن الصحابة في ذلك.
ـ أما ما ذكره الأحناف وذكره شيخ الإسلام فإنهم لم يسندوه إلى كتاب فينظر في صحته هذا أولاً.
وثانياً: وهو أضعف من الجواب المتقدم ـ قيل أن الجزارين الذين كانوا يذبحون ذبائحهم كانوا من اليهود والنصارى وذبيحة اليهود والنصارى حلال ، فهي دولة ذات ملك عظيم وكان الذابحون لهم من اليهود والنصارى فإذا ذبحوا فذبيحتهم حلال. لكن الوجه الأول أقوى ، وهو أن يقال: إن الآثار لم تسند إلى كتاب فينظر في صحتها، وعندنا آثار عن الصحابة لا نعلم لها مخالف.
والثاني: أنها جزء من الميتة وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:(إنما حرم أكلها) وقال تعالى: { قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة }. والجبن مطعوم وهو متضمن للأنفحة ، وكذلك اللبن مطعوم وهو يستخرج من الميتة ، كما أنه لا يؤمن أن يتسرب إليه أشياء من تعفنات الميتة ، فعلى ذلك لا تحل الأجبان المصنوعة من الأنفحة التي تؤخذ من ذبائح غير شرعية تكون نجسة ، لأنها من الميتة وقد قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة} وقبل ذلك الألبان التي يستخرج منها فإنها نجسة وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، وهو مذهب من تقدم ذكرهم من الصحابة ولا يعلم لهم مخالف. أما البيضة التي في الميتة:
فالمشهور في المذهب: أنها إذا كانت ذات قشر فإنها تكون طاهرة وذلك لأنها قد تم تخلقها وهي ـ حينئذ ـ منفصلة عن الميتة فأشبهت الولد الذي يكون في بطن الميتة فإنه إذا استخرج منها فإنه له حكم الأحياء. فإذن: إذا كان فيها قشر فهي كالولد. وإن لم يكن بها قشر فهي كالأنفحة واللبن. هذا هو المشهور في المذهب وهو مذهب بعض الأحناف وبعض الشافعية.
ـ وأما مذهب أبي حنيفة فإنه كمذهبه في اللبن والأنفحة فقد رأى أنها مطلقاً تكون طاهرة وهذا هو المشهور في مذهب المالكية.
ـ وذهب بعض الشافعية إلى نجاستها مطلقاً.
والراجح هو القول الأول للتعليل السابق: فهي إذا كانت ذات قشر فإنها كالولد في الميتة منفصل وهي ذات أجزاء منفصلة إنفصالاً تاماً لا مماسة إلا من خارجه ، ولا يكون مؤثراً فيه ولا يمكن أن يتسرب إلى البيضة شيء من ذلك فهي طاهرة. أما إن لم تكن ذات قشر فهي كاللبن والأنفحة. وهذا هو المشهور في المذهب وهو مذهب بعض الأحناف وبعض الشافعية وهو الراجح. أما عظم الميتة وظفرها أو حافرها ونحوه هل هو نجس أم لا ؟؟
1ـ فذهب جمهور أهل العلم إلى القول بنجاسته ؛ لأنه داخل في الميتة وقد قال تعالى: {حرمت عليكم الميتة }.
قالوا: وقد كان العظم أو نحوه يتألم ويتحرك وهذه هي الحياة ، فما كان قابلاً للحياة فهو قابل للموت فيدخل في قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة }.
وذهب الأحناف وهذا اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم إلى أن العظم والظفر ونحوهما ليس بنجس. وهذا القول أصح من القول الأول ، ويدل عليه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنما حرم أكلها) وفي رواية أحمد: (إنما حرم لحمها).
ـ أما كون العظم: يتحرك ويتألم ونحو ذلك فهذه ليست صفة ثابتة فيه بنفسه وإنما ثابتة له تبعاً لوجوده في هذا الكائن الحي ، فهي صفة ليست ثابتة فيه بإرادته فهو يتحرك بلا إرادة وإنما هو تبع هذا الكائن الحي ـ هذا هو الرد على تعليلهم. وأما الدليل على ذلك: فهو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد حكم على الماء الذي يقع فيه الذباب بأنه لا ينجس وقاس عليه أهل العلم ، باتفاقهم كل ما ليس له دم من الكائنات. فالكائنات التي لا دم لها فلا تنجس بالموت كالجراد ، ونحوه ، فإذا ثبت هذا فأولى منه في هذا الحكم العظم فإنه لا دم فيه.
وكذلك الحركة فيه أضعف من الحركة فيها ، فالحركة فيها بإرادتها فهي حركة تامة في حيوان تام ، أما هو فحركته تبعاً وليست بإرادية وهذا هو الأرجح وإنه ليس بنجس.
فإن قيل: قلنا بنجاسة الجلد ؟؟
قالوا: لأن الجلد يتسرب إليه النجاسات بخلاف العظم. فإن الجلد يتسرب إليه الدم الذي يكون محبوساً في هذا الحيوان وهذا القول ـ في الحقيقة ـ راجح. إلا أنه قد يضعف فيما إذا تبين رقة العظم وأنه يتسرب إليه النجاسات ويمكن إنتقالها إليه فإنه ـ حينئذ ـ يقوى القول بنجاسته ـ هذا على القول بأن سبب نجاسة الميتة هذا الدم المحبوس فيها وهذا هو مذهب جماهير العلماء ـ أي أن سبب ـ نجاسة الميتة هو الدم المحبوس فيها. إذن: عظم الميتة ، وظفرها ونحوه ليس بنجس كما هو مذهب الأحناف واختيار شيخ الإسلام.
ـ أما ريش الميتة وشعرها ووبرها وصوفها ، فقد اختلف فيه أهل العلم:
1ـ فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه طاهر ـ وذهب الشافعية إلى أنه نجس ، فدليلهم هو نفس الدليل المتقدم ، وهو قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} ، والميتة شامل لكل ذي روح قد فارقته روحه ، وما يتصل به ، والشعر متصل به فعلى ذلك هو مُحَرَّم.
ـ وأما الجمهور فقالوا إنا بالإجماع نقول: إن الحيوان إذا جُزّ شعره وهو حي فإن هذا الشعر طاهر فدل على المفارقة بين اللحم والشعر ، فإن اللحم إذا فارق الحي فإنه نجس وهو ميتة. أما الشعر فإنه طاهر بالإجماع وهو حلال ، فدل على أن هناك فرقاً بين الشعر وبين اللحم. فالشعر ينجس بجزه من الحي ، ويكون طاهراً بإجماع أهل العلم كما حكاه ابن حجر. وأما اللحم فإنه بالإجماع إذا قطع من الحية فإنه ميتة نجس محرم. فدل على أن الشارع فرق بين الأمرين. على أن الشعر لا يحل فيه الحياة مطلقاً ، فهو ليس موضعاً للحياة على الإطلاق وعلى قولنا بأن العظم ليس بنجس وهذا الراجح فأولى منه الشعر وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما حرم لحمها). فإذن: الميتة شعرها ووبرها وريشها وصوفها: كل ذلك طاهر سواء جُزّ منها ميتة أو حية ـ وسيأتي بيان هذا إن شاء الله عند الكلام على القضية الأخرى. ومما استدل به أهل العلم على أن هذه الأشياء ـ أي الصوف ـ أنها طاهرة وليست بنجسه ، قوله تعالى: { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } ، فذكر الله ـ عز وجل ـ أن مِنْ مِنَنِهِ على عباده أنه منّ عليهم بالأصواف والأوبار والشعور يتمتعون بها في هذه الحياة ، وما كان في سياق الإمتنان فإنه يدل على العموم ـ كما هو معروف عند أهل العلم ـ فتكون هذه الأصواف وغيرها طاهره في كل حال لأن الآية تدل على العموم. وهي ـ عند جمهور العلماء طاهرة ، وقالوا: يشترط أن تكون من طاهر في الحياة. إذن: إذا جُزّت من بهيمة الأنعام ونحوها مما هو طاهر في الحياة سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول فإنها طاهرة ـ أما إذا جُزّت من كلب ونحوه مما هو نجس في الحياة فمذهب جمهور أهل العلم أنها لا تكون طاهرة. وذهب شيخ الإسلام إلى أنها طاهرة ـ وهذا على مذهبه ـ في أن المستحيل من النجس ليس بنجس ، فإذا استحال شيء من النجاسات إلى شيء آخر فليس بنجس ، فالشعر الخارج من الحيوانات النجسة ليس بنجس وهذا القول هو الراجح وسيأتي تقريره في باب إزالة النجاسة. إذن شيخ الإسلام يرى أن كل صوف أو شعر طاهر سواء كان من طاهر أو نجس. أما الطاهر فلا إشكال ، وأما النجس فلأنه طهر باستحالته.

* قوله: (( وما أبين من حي فهو كميتته )):
أي ما قطع من البهيمة فإن حكم هذا المقطوع كحكم ميتته أي كما لو أنك قطعتها وهي ميته.
ـ فإذا قطعت منها رِجْلاً مثلاً وهي حية ، فكما أنه قطعتها منها وهي ميته فتكون محرمة نجسة وإن كان هذا الحيوان طاهراً لأنه حي ، وهذه القطعة التي قطعت منه بها حكم الميتة. ويدل على ذلك ما ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة بإسناد حسن ، والحديث حسنه التّرمذي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت).
وفي الترمذي: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة وهم يحبون أسنمة الإبل وبقطعون أليات الغنم فقال: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته). فالسمك ميتته حلال فما قطع منها وهي حية فهو طاهر حلال ، وكذلك الجراد ونحوها. أما بهيمة الأنعام فميتتها محرمة كذلك ما قطع منها وهي حية فهو نجس.
ـ وهل مثل ذاك المسك والطريدة ؟
المسك: هو ما يستخرج من غزلان المسك ، وذلك بأن يشد عليه حتى تجري جرياً سريعاً ، حتى يخرج عند سرته شيء يتعلق كأنه دم ، ثم تربط في أعلاها بعد أن تخرج ثم بعد فترة تقع).
ـ فهل هذا داخل في ذلك ؟؟
الجواب: ليس داخل في ذلك بل هي أشبه بالمولود وهي أشبه بالبيض وأشبه باللبن ونحو ذلك وليست من الدم في شيء بل هي مستحيلة إلى مادة أخرى وهي المسك لذا باتفاق أهل العلم هي طاهرة لا شيء فيها.
ـ وأما الطريدة: فهو بعض الصيد الذي لا يمكن أن يدرك صيداً فإنه يجري خلفه بالسيف ونحوه ثم يقطع منه فهذه القطع كذلك مباحة ؛ لأنه لا يمكن ذبحه وسمي بالطريدة وسيأتي بيان حكمها في باب الصيد. إذن: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت) كما قال ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جلد, حكم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir