دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ذو القعدة 1429هـ/7-11-2008م, 07:59 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الغسل وحكم الجنب (1/9) [ما يُجنب الرجُل]

بابُ الغُسْلُ وحُكْمِ الْجُنُبِ
108 - عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ)). رواهُ مسلِمٌ، وأَصْلُهُ في البخاريِّ.

109 - وعن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زادَ مسلِمٌ: ((وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)).

  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

بابُ الغُسلِ وحُكْمُ الجُنُبِ

الغُسْلُ بِضَمِّ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ: اسْمٌ لِلاغْتِسَالِ؛ وَقِيلَ: إذَا أُرِيدَ بِهِ المَاءُ فَهُوَ مَضْمُومٌ، وَأَمَّا المَصْدَرُ فَيَجُوزُ فِيهِ الضَّمُّ وَالفَتْحُ؛ وَقِيلَ: المَصْدَرُ بِالفَتْحِ، وَالِاغْتِسَالُ بِالضَّمِّ.
وَقِيلَ: إنَّهُ بِالفَتْحِ فِعْلُ المُغْتَسِلِ، وَبِالضَّمِّ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ، وَبِالكَسْرِ مَا يُجْعَلُ معَ المَاءِ كَالأُشْنَانِ، وَحُكْمِ الجُنُبِ: أَي: الأَحْكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِمَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ.

1/99 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((المَاءُ مِن المَاءِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ.
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المَاءُ مِن المَاءِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ) أَي: الِاغْتِسَالُ مِن الإِنْزَالِ، فَالمَاءُ الأَوَّلُ المَعْرُوفُ، وَالثَّانِي المَنِيُّ، وَفِيهِ مِن البَدِيعِ الجِنَاسُ التَّامُّ.
وَحَقِيقَةُ الِاغْتِسَالِ إفَاضَةُ المَاءِ عَلَى الأَعْضَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الدَّلْكِ، فَقِيلَ: يَجِبُ، وَقِيلَ: لاَ يَجِبُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ المَسْأَلَةَ لُغَوِيَّةٌ فَإِنَّ الوَارِدَ فِي القُرْآنِ الغَسْلُ فِي أَعْضَاءِ الوُضُوءِ، فَيَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ الدَّلْكِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُسَمَّاهُ.
وَأَمَّا الغُسْلُ فَوَرَدَ بِلَفْظِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}. وَهَذَا اللَّفْظُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُسَمَّى الغُسْلِ، وَأَقَلُّهَا الدَّلْكُ، وَمَا عَدَلَ عَزَّ وَجَلَّ فِي العِبَارَةِ إلاَّ لِإِفَادَةِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ.
فَأَمَّا الغُسْلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّاهُ الدَّلْكُ؛ إذْ يُقَالُ: غَسَلَهُ العِرْقُ، وَغَسَلَهُ المَطَرُ، فَلاَ بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ عَلَى شَرطيةِ الدَّلْكِ فِي غَسْلِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ، بِخِلاَفِ غُسْلِ الجَنَابَةِ وَالحَيْضِ، فَقَدْ وَرَدَ فِيهِ بِلَفْظِ التَّطْهِيرِ كَمَا سَمِعْتَ، وَفِي الحَيْضِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} إلاَّ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَفَى فِي إزَالَةِ الجَنَابَةِ بِمُجَرَّدِ الغُسْلِ، وَإِفَاضَةِ المَاءِ مِنْ دُونِ دَلْكٍ.
فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالنُّكْتَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا عَبَّرَ فِي التَّنْزِيلِ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءِ الوُضُوءِ بِالغَسْلِ، وَعَنْ إزَالَةِ الجَنَابَةِ بِالتَّطْهِيرِ، مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الكَيْفِيَّةِ.
وَأَمَّا المَسْحُ فَإِنَّهُ الإِمْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ بِاليَدِ، يُصِيبُ مَا أَصَابَ، وَيُخْطِئُ مَا أَخْطَأَ، فَلاَ يُقَالُ: لاَ يَبْقَى فَرْقٌ بَيْنَ الغَسْلِ وَالمَسْحِ إذَا لَمْ يُشْتَرَط الدَّلْكُ. وَحَدِيثُ الكِتَابِ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ كَمَا نَسَبَهُ المُصَنِّفُ إلَيْهِ فِي قِصَّةِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ الكِتَابِ، وَرَوَى البُخَارِيُّ القِصَّةَ، وَلَمْ يَذْكُر الحَدِيثَ.
وَلِذَا قَالَ المُصَنِّفُ: وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: ((إذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أُفْحِطْتَ فَعَلَيْكَ الوُضُوءُ)).
وَالحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ؛ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَعَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَنَسٍ.
وَالحَدِيثُ دَالٌّ بِمَفْهُومِ الحَصْرِ المُسْتَفَادِ مِنْ تَعْرِيفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ؛ وَقَدْ وَرَدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: ((إنَّمَا المَاءُ مِن المَاءِ)) عَلَى أَنَّهُ لاَ غُسْلَ إلاَّ مِن الإِنْزَالِ، وَلاَ غُسْلَ مِن التِقَاءِ الخِتَانَيْنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدَ، وَقَلِيلٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ؛ وَفِي البُخَارِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عُثْمَانُ عَمَّنْ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ فَقَالَ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِمِثْلِهِ قَالَ عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَرَفَعَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ البُخَارِيُّ: الغُسْلُ أَحْوَطُ. وَقَالَ الجُمْهُورُ: هَذَا المَفْهُومُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الآتِي .

2/100 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَزَادَ مُسْلِمٌ: ((وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)).
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا جَلَسَ) أَي: الرَّجُلُ المَعْلُومُ مِن السِّيَاقِ.
(بَيْنَ شُعَبِهَا) أَي: المَرْأَةِ، بِضَمِّ الشِّينِ المُعْجَمَةِ وَفَتْحِ العَيْنِ المُهْمَلَةِ فَمُوَحَّدَةٍ: جَمْعُ شُعْبَةٍ، وهو كنايةٌ عن الجِماعِ.
(الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا) بِفَتْحِ الجِيمِ وَالهَاءِ، مَعْنَاهُ: كَدَّهَا بِحَرَكَتِهِ: أَيْ: بَلَغَ جَهْدَهُ فِي العَمَلِ بِهَا (فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ).
وَفِي مُسْلِمٍ: ((ثُمَّ اجْتَهَدَ)).
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: ((وَأَلْزَقَ الخِتَانَ بِالخِتَانِ ثُمَّ جَهَدَهَا)).
قَالَ المُصَنِّفُ فِي الفَتْحِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الجَهْدَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ مُعَالَجَةِ الإِيلاَجِ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ مُسْلِمٌ: وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ).
وَالشُّعَبُ الأَرْبَعُ، قِيلَ: يَدَاهَا وَرِجْلاَهَا، وَقِيلَ: رِجْلاَهَا وَفَخِذَاهَا.
وَقِيلَ: سَاقَاهَا وَفَخِذَاهَا. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَالكُلُّ كِنَايَةٌ عَن الجِمَاعِ.
فَهَذَا الحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الجُمْهُورُ عَلَى نَسْخِ مَفْهُومِ حَدِيثِ: ((المَاءُ مِن المَاءِ)).
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ هَذَا آخِرُ الأَمْرَيْنِ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ المَاءَ مِن المَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ. صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ.
وَقَالَ الإِسْمَاعِيلِيُّ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الغُسْلِ: "وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ" أَرْجَحُ، لَوْ لَمْ يَثْبُت النَّسْخُ مَنْطُوقٌ فِي إيجَابِ الغُسْلِ، وَذَلِكَ مَفْهُومٌ، وَالمَنْطُوقُ مُقَدَّمٌ عَلَى العَمَلِ بِالمَفْهُومِ، وَإِنْ كَانَ المَفْهُومُ مُوَافِقاً لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَالآيَةُ تُعَضِّدُ المَنْطُوقَ فِي إيجَابِ الغُسْلِ؛ فَإِنَّهُ قالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ كَلاَمَ العَرَبِ يَقْتَضِي أَنَّ الجَنَابَةَ تُطْلَقُ بِالحَقِيقَةِ عَلَى الجِمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْزَالٌ، قَالَ: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلاَناً أَجْنَبَ عَنْ فُلاَنَةَ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، قَالَ: وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الزِّنَا الَّذِي يَجِبُ بِهِ الجَلْدُ هُوَ الجِمَاعُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إنْزَالٌ. ا هـ.
فَتَعَاضَدَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى إيجَابِ الغُسْلِ مِن الإِيلاَجِ.

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الغُسْلِ وحُكْمِ الجُنُبِ

مقدِّمةٌ
الغُسْلُ: بضمِّ الغينِ اسمُ مصدرٍ للاغتسالِ، يعني: الفعلُ.
وشرعاً: استعمالُ الماءِ في جميعِ البدنِ على وجهٍ مخصوصٍ، وهو ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ والإجماعِ:
قالَ تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ، ومنها: ((إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (291)، ومسلمٌ (348).
وأَجْمَعَ العلماءُ على أنَّ الجنابَةَ تَحِلُّ جميعَ البَدَنِ، وأنه يَجِبُ الغُسلُ منها، وسُمِّيَ جُنُباً لأنه يَجْتَنِبُ بعضَ العباداتِ وأَمْكِنَتَها؛ قالَ تعالى: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وأَجْمَعَ الأئمَّةُ على أنه يَحْرُمُ على الجُنُبِ المُكْثُ في المسجدِ، ورَخَّصَ أحمدُ للمتوضِّئِ في المُكْثِ في المسجدِ والنومِ؛ لفِعْلِ الصحابةِ.
حِكْمَةُ الاغتسالِ مِن الجَنَابَةِ: ما جاءَ في قَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
ورَوَى الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ عن أبي رافعٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طافَ ذاتَ يومٍ على نسائِه يَغْتَسِلُ عندَ هذه وعندَ هذه، قالَ: فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، ألاَ تَجْعَلُه غُسْلاً واحِداً؟ قالَ: ((هَذا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ)).
وقد ظَهَرَتِ الآنَ هذه الحكمةُ النبويَّةُ وهذا الإعجازُ العلميُّ؛ قالَ الجِرْجَاوِيُّ: إنَّ الشارِعَ الحكيمَ فَرَضَ الاغتسالَ بعدَ خُرُوجِ المَنِيِّ، ولم يَفْرِضْه بعدَ خروجِ البوْلِ، معَ أنهما مِن مكانٍ واحدٍ وعضوٍ واحدٍ؛ ذلك أنَّ البوْلَ عِبارةٌ عن فَضْلَةِ المأكولِ والمشروبِ، وأمَّا المَنِيُّ فهو عِبارةٌ عن مادَّةٍ مكوَّنةٍ مِن جميعِ أجزاءِ البَدَنِ؛ ولذا نرَى الجِسْمَ يَتَأَثَّرُ بخروجِه ولا يَتَأَثَّرُ بخروجِ البوْلِ؛ ولذا نَرَى الإنسانَ بعدَ الجِماعِ تَضْعُفُ قُوَّةُ بَدَنِه، فالغُسْلُ بالماءِ يُعِيدُ إلى البدنِ هذه القوةَ المفقودةَ بخروجِ المَنِيِّ، كما أنَّ خروجَ هذه القوَّةِ من الجسمِ يُسَبِّبُ الكسلَ، والاغتسالُ يُعِيدُ إلى الجِسْمِ نشاطَه.
وقدْ صَرَّحَ الأطبَّاءُ أنَّ الاغتسالَ بعدَ الجِمَاعِ يُعِيدُ إلى البَدَنِ قُوَّتَه، وأنه أَنْفَعُ شيءٍ له في تَنْشِيطِ دورةِ الدمِ في الجسمِ؛ لِيَعُودَ إليه نشاطُه وقُوَّتُه، وأنَّ تَرْكَ الاغتسالِ يُسَبِّبُ له أضراراً كبيرةً.
فالطهارةُ عمليَّةٌ نافعةٌ جِدًّا للرجلِ والمرأةِ على السَّوَاءِ، إذا فُقِدَ بالعمليَّةِ الجِنْسِيَّةِ النشاطُ والحَيَوِيَّةُ، فإنَّ الاغتسالَ يُعِيدُ إلى الجِسْمِ ذلكَ النشاطَ وتلكَ الحيويَّةَ، وللهِ في شَرْعِهِ حِكَمٌ وأسرارٌ.

93 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْلُهُ فِي البُخَارِيِّ.
مفرداتُ الحديثِ:
- الماءُ مِن الماءِ: مبتدأٌ وخبرٌ، فالماءُ الأوَّلُ: ماءُ الاغتسالِ، والثاني: المَنِيُّ النازِلُ دَفْقاً بِلَذَّةٍ، وقدْ سَمَّاهُ اللَّهُ ماءً فقالَ تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6]، وبينَ اللفظيْن جِناسٌ تامٌّ؛ لاتِّفاقِ حُرُوفِهِما في الهيئةِ والنوعِ والعددِ والترتيبِ.
- مِن: للتعليلِ، وفي بعضِ الطُّرُقِ: ((إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ)).
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الحديثُ يَدُلُّ على أنَّ وجوبَ الاغتسالِ مِن الجَنابةِ لا يكونُ إلاَّ مِن إنزالِ الماءِ الذي هو المَنِيُّ، وأنه إنْ لم يُنْزِلْ فلا غُسْلَ عليه مِن الجَنابةِ.
2- الحديثُ يَدُلُّ على أنَّ هذا الحُكْمَ بمفهومِ الحَصْرِ المستفادِ من تعريفِ المُسْنَدِ إليه، وهو الماءُ الأوَّلُ، كما وَرَدَ في الصحيحِ محصوراً بأداةِ (إنما) بقولِه: ((إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ)). فهذا الحَصْرُ يُفِيدُ أنه لا غُسْلَ إلاَّ مِن الإنزالِ.
3- الاغْتِسالُ هو إفاضةُ الماءِ على عمومِ الجسمِ، وأَجْمَعُوا على مَشْرُوعِيَّةِ الدَّلْكِ، إلاَّ أنهم اخْتَلَفُوا هل يَجِبُ أو لا يَجِبُ؟ والصحيحُ الذي عليه الجمهورُ: أنه لا يَجِبُ؛ لأنَّ الدَّلْكَ ليسَ مِن مُسَمَّى الاغتسالِ.
4- مفهومُ الحديثِ مُعارَضٌ بمنطوقِ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ الذي بعدَه، وليسَ له مَحْمَلٌ يُوَجَّهُ إليه؛ ولذا قالَ جمهورُ العلماءِ: إنه منسوخٌ به.
5- الحِكْمَةُ في الغُسْلِ مِن الجَنابَةِ – واللَّهُ أعلَمُ – أنَّ البدَنَ بعدَ الجِماعِ يُصابُ بالخُمُولِ والكَسَلِ والضَّعْفِ، والاغتسالُ يُعِيدُ إليه نشاطَه وحَيَوِيَّتَه وقُوَّتَه، واللَّهُ لطيفٌ بعبادِه.
وقدْ قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوءِ بعدَ الجِماعِ: ((فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ)). رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ (1/110)، وابنُ حِبَّانَ (4/12)، والحاكِمُ (2/333)، فتعميمُ الغَسْلِ بالماءِ أشدُّ نشاطاً وقُوَّةً.

94- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ: ((وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)).
مفرداتُ الحديثِ:
- إذَا جَلَسَ: (إذا) شرطيَّةٌ، فِعْلُها: جَلَسَ.
- شُعَبِهَا الأربعِ: بضمِّ الشينِ المعجمةِ، قالَ ابنُ الأثيرِ: والشُّعَبُ: النواحي. واخْتَلَفُوا في المرادِ بالشُّعَبِ الأربعِ، والراجِحُ: أن المرادَ بها يدَا المرأةِ ورِجْلاها، وهو كنايةٌ عن الجِماعِ.
- جَهَدَهَا: يُقالُ: جَهَدَ في الأمرِ يَجْهَدُ جَهْداً، مِن بابِ نَفَعَ، والجَهْدُ: الطاقَةُ والمشقَّةُ، وفيه لُغَتَانِ: ضَمُّ الجِيمِ وفَتْحُها؛ فالضمُّ لغةُ أهلِ الحجازِ، والفتحُ لغيرِهم، وقِيلَ: المضمومُ الطاقَةُ، والمفتوحُ المَشَقَّةُ، والمرادُ هنا: بُلُوغُ الرجلِ طاقتَه بحَرَكَتِه.
- فَقَدْ: (الفاءُ) رابطةٌ للجوابِ، و(جَلَسَ ثُمَّ جَهَدَ): جملتانِ هما الشرطُ، (قد) حرفُ توكيدٍ، وإذا دَخَلَتْ على الماضي أفادَتْ تحقيقَ معناه، كما في هذا الحديثِ.
- الغُسْلُ: (أل) هنا للعهدِ الذِّهْنِيِّ، وهو ما يكونُ مصحوباً معهوداً ذِهناً، فيَنْصَرِفُ إليه الفِكْرُ بمجرَّدِ النطقِ به، مثلُ(حَضَرَ الأمينُ).
والغُسْلُ: بضمِّ الغَيْنِ، المرادُ به الفِعْلُ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الشُّعَبُ الأربعُ هنا: يَدَا المرأةِ ورِجْلاها، وجُلُوسُ الرجلِ بينَها أثناءَ الجِماعِ هي أَلْيَقُ صِفَةٍ مِن صفاتِ الجِماعِ معَ جوازِ غيرِها ما دامَ الإيلاجُ في مكانِ الحَرْثِ، وهو القُبُلُ.
2- أنَّ نَفْسَ الإيلاجِ بتَغْيِيبِ الحَشَفَةِ مُوجِبٌ للغُسْلِ، وإنْ لم يَحْصُلْ إِنْزَالٌ.
3- المرادُ بالجَهْدِ هنا الكَدُّ بحَرَكَتِه الذي يكونُ معَ الإيلاجِ، ويُفَسِّرُه روايةُ أبي داودَ (216): ((وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ ثُمَّ جَهَدَهَا)).
4- أنَّ منطوقَ الحديثِ ناسخٌ لمفهومِ حديثِ أبي سعيدٍ السابقِ، ودليلُ النسْخِ ما رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ (5/116) عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قالَ: كانوا يقولونَ: إنَّ الماءَ مِن الماءِ رُخْصَةٌ، كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ بها في أَوَّلِ الإسلامِ، ثمَّ أَمَرَ بالاغتسالِ بعدَه. صَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ، وقالَ الإسماعيليُّ: إنه صحيحٌ على شرطِ البُخَارِيِّ، وهو صريحٌ بالنسْخِ، ويُؤَيِّدُ هذا الحديثَ الآيةُ الكريمةُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، قالَ الشافِعِيُّ: الجَنَابَةُ تُطْلَقُ بالحقيقةِ على الجِماعِ، ولو لم يَحْصُلْ إنزالٌ، أمَّا منطوقُ حديثِ أبي سعيدٍ فليسَ منسوخاً بحديثِ أبي هُرَيْرَةَ؛ فإنَّ الإنزالَ يُوجِبُ الغُسْلَ.
5- قولُه: ((فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)). فيه دَلالةٌ على أنه ليسَ على الفَوْرِ، وهو إجماعُ العلماءِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الغسل, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir