دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > قواعد الأصول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م, 06:25 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي 2- المجمل والمبين

2- المجمل والمبين
فإن دل على أحد معنيين أو أكثر لا بعينه وتساوت, ولا قرينة فـ(مجمل) وقد حَدَّه قوم بما لا يُفهم منه معنى عند الإطلاق, فيكون في (المشترك) وهو ما توحد لفظه وتعددت معانيه بأصل الوضع ، كالعين , والقرء ، والمختار للفاعل والمفعول ، والواو للعطف والابتداء , ومنه عند القاضي وبعض المتكلمين (حُرِّمت عليكم المَيْتَةُ) و (حُرِّمت عليكم أمهاتكم) لتردده بين الأكل والبيع واللمس والنظر . وهو مُخَصَّصٌ بالعرف في الأكل والوطء فليس منه . وعند الحنفية منه قوله  ((لاصلاة إلا بطهور)) ، والمراد نفي حكمه, لامتناع نفي صورته ، وليس حكم أولى من حكم ، فتتعين الصورة الشرعية , فلايكون منه.
ويقابل المجمل (المبين) وهو المُخْرَج من حَيِّزِ الإشكال إلى الوضوح ، والمُخْرِجُ هو المبيَّن ، والإخراج هو البيان ، وقد يسمى الدليل بياناً ، ويختص بالمجمل ، وحصول العلم للمخاطب ليس بشرط .
ويكون بالكلام ,والكتابة , والإشارة , وبالفعل ,وبالتقرير,وبكل مُقيَّدٍ شرعي.
ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ، فأما إليها فجوّزه ابن حامد والقاضي وأصحابه وبعض الحنفية,وأكثر الشافعية ، ومنعه أبوبكر عبدالعزيز,والتميمي والظاهرية والمعتزلة .

  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1431هـ/4-04-2010م, 10:40 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

فإن دلّ على أحد معنيين أو أكثر لا بعينه وتساوت، ولا قرينة (فمجمل) وقد حدّه قوم بما لا يُفهم منه معنى عند الإطلاق، فيكون في (المشترك) وهو ما توحد لفظه وتعددت معانيه بأصل الوضع، كالعين، والقرء، والمختار للفاعل والمفعول، والواو للعطف والابتداء، ومنه عند القاضي وبعض المتكلمين: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}} و{{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ}} لتردده بين الأكل، والبيع، واللمس، والنظر.

3 ـ المجمل والمبيَّن
قوله: (فإن دل على أحد معنيين...) هذا شروع في القسم الثالث من أقسام اللفظ من حيث الدلالة وهو المجمل، وهو لغةً: المجموع، من أجملت الحساب: إذا جمعته، أو المبهم، من أجمل الكلام: إذا أبهمه.
واصطلاحاً: ما دل على أحد معنيين أو أكثر لا بعينه، وتساوت ولا قرينة.
وذلك مثل قوله تعالى: {{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}} [البقرة: 228] فإن القَرْءَ لفظ مشترك يبن الحيض والطهر، فيحتاج في تعيين أحدهما إلى دليل.
وقوله: (فإن دلَّ على أحد معنيين) يفيد أن المجمل لا يتصور إلا في لفظ له معنيان فأكثر، وهذا القيد يخرج النص؛ لأنه لا يحتمل إلا معنى واحداً، كما تقدم.
وقوله: (لا بعينه) أي: لا يعلم المعنى المراد، فلا مزية لأحدهما على الآخر، وهذا يخرج الظاهر، فهو محتمل لأمرين، لكن لا على السواء، بل هو في أحدهما أظهر، كما مضى.
وقوله: (وتساوت) أي: المعاني متساوية ليس معنى أظهر من معنى.
وقوله: (ولا قرينة) أي: تبين المراد، فإذا وجدت قرينة زال الإجمال وصار من قبيل المبيَّن، كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قوله: (وقد حده قوم بما لا يفهم منه معنى عند الإطلاق) هذا تعريف آخر للمجمل، ولكن فيه نظر ظاهر؛ لأن الذي لا يفهم منه معنى عند الإطلاق هو المهمل، وهو الذي ليس له معنى.
والمجمل يفيد معنى ولكنه غير معين، ويحصل تعيينه بالبيان، فلو زيد بعد قوله: (معنى) كلمة (معين) لكان أصح، كما ذكره الطوفي رحمه الله[(408)].
قوله: (فيكون في المشترك) أي: إن المجمل يكون في المشترك، وهو ما اتحد لفظه وتعدد معناه، فالاشتراك في الدلالة من أسباب الإجمال، لعدم معرفة المراد.
قوله: (كالعين) هذه أمثلة للمشترك، وهو إمَّا في اسم، أو فعل، أو حرف، فالاسم كالعين: لفظ مشترك بين الذهب، والعين الباصرة، والعين الجارية.
قوله: (والقرء) بفتح القاف وجمعه (قروء). قال تعالى: {{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}} [البقرة: 228] . وهو لفظ متردد بين معنيين: الطهر، والحيض. ولذا وقع الخلاف بين العلماء: هل تكون ثلاثة القروء هذه حيضات أو أطهاراً؟
قوله: (والمختار للفاعل والمفعول) أي: لفظ «مختار» أصله: مُخْتَيِر ـ بكسر الياء ـ اسم فاعل، أو بفتحها، فهو اسم مفعول، وقد تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، والألف لا تقبل الكسرة ولا الفتحة؛ ليتبين اسم الفاعل من اسم المفعول، فحصل الإجمال.
قال العسكري: إذا أريد اسم الفاعل قيل: مختار لكذا، واسم المفعول: مختار من كذا[(409)].
ومن ذلك قوله تعالى: {{وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}} [البقرة: 282] فالفعل {{يُضَآرَّ}} يحتمل أن يكون بكسر الراء الأولى مبنياً للمعلوم و{{كَاتِبٌ}} فاعل، وأن يكون بفتح الراء مبنياً للمجهول و{{كَاتِبٌ}} نائب فاعل، والأول الأحسن؛ بدليل قوله تعالى: {{وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}} [البقرة: 282] وهو خطاب للشهداء.
قوله: (والواو للعطف والابتداء) هذا النوع الثاني، وهو الإجمال في الحرف، ومثاله: قوله تعالى: {{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}} [آل عمران: 7] فإن الواو محتملة للعطف، فيكون الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه، ومحتملة للاستئناف، فيكون المتشابه مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، ويكون الوقف على قوله تعالى: {{إِلاَّ اللَّهَ}}. ومنه ـ أيضاً ـ قوله تعالى: {{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] ، فيحتمل أن (من) لابتداء الغاية. أي: مبدأ المسح من الصعيد الطيب ـ وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض ـ فلا يتعين ما له غبار، أو للتبعيض، فيتعين التراب الذي له غبار يعلق باليد، ولذا وقع الخلاف في هذه المسألة، والأول أظهر؛ لسياق الآية، ولعموم: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»[(410)].
أمَّا الإجمال في الفعل فكقوله تعالى: {{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ *}} [التكوير: 17] فهو لفظ متردد بين: أقبل وأدبر.
قوله: (ومنه... {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} }) أي: ومن المجمل، وهذا شروع في إيراد نصوص قيل: إنها من المجمل، وهي ليست من المجمل، ومن ذلك قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}} [المائدة: 3] فهذا مجمل عند القاضي أبي يعلى[(411)]، وبعض المتكلمين كالكرخي من الحنفية، وسبب الإجمال عندهم أن لفظ التحريم متردد بين الأكل والبيع؛ لأن إسناد التحريم إلى نفس الميتة لا يصح؛ لأن التحريم حكم يتعلق بالفعل، فلا بد من تقدير فعل يضاف إليه هذا الحكم، وهو محتمل لأمور: كالأكل والبيع وغيرهما، ولا مرجح لأحدهما فيبقى مجملاً.
وكذا قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ}} [النساء: 23] فهذا مجمل عندهم لتردده بين اللمس والنظر وغيرهما؛ لأن إسناد التحريم إلى نفس الأمهات لا يصح، بل لا بد أن يتعلق بفعل كاللمس والنظر والوطء ونحوها ولا مرجح لأحدها فيبقى مجملاً.
وهو مُخَصَّصٌ بالعرف في الأكل والوطء فليس منه. وعند الحنفية [منه] قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بطهور» ، والمراد نفي حكمه؛ لامتناع نفي صورته، وليس حكم أولى من حكم، فتتعين الصورة الشرعية، فلا يكون منه.
قوله: (وهو مخصَّص بالعرف في الأكل والوطء فليس منه) هذا رد على القاضي وبعض المتكلمين. أي: لا نسلم بأنه من المجمل، ولا نسلم بأنه لا مرجح، بل المرجح موجود وهو العرف، فإن الحكم المضاف إلى العين ينصرف لغةً وعرفاً إلى ما أُعدَّت له هذه العين، وما هو اللائق بها.

فإذا قال قائل: هذا طعام حرام، فُهِمَ أن المراد تحريم أكله، أو هذه المرأة حرام: تحريم وطئها، فتحريم الميتة ينصرف إلى أكلها، وتحريم الأمهات ينصرف إلى الوطء.
قوله: (وعند الحنفية منه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بطهور») [(412)] أي: إن هذا الحديث من المجمل عند الحنفية؛ لأنه إمَّا أن يحمل على نفي صورة الصلاة، أو يحمل على نفي الحكم. فالأول باطل قطعاً؛ لأن صورة الصلاة قد توجد بغير طهور، كصلاة المحدث، فتعين الثاني وهو حمله على نفي الحكم، وهذا معنى قول المؤلف: (والمراد: نفي حكمه؛ لامتناع نفي صورته) .
قوله: (وليس حكم أولى من حكم) أي: إذا حمل على نفي الحكم فإن الأحكام متساوية، كالصحة والكمال والإجزاء، وليس حكم أولى من حكم، فيبقى الكلام متردداً بين: لا تصح الصلاة، أو لا تكمل، أو لا تجزئ، أو لا تقبل، فجاء الإجمال.
قوله: (فتتعين الصورة الشرعية، فلا يكون منه) هذا رد المصنف على الحنفية ببيان أن الحديث ليس مجملاً. ولو صدَّره المصنف رحمه الله بقوله: (قلنا) لكان أحسن، ليعلم أنه ردٌّ.
والمعنى: أن اللفظ جاء على لسان الشرع، وحرف النفي إذا دخل على عمل في لسان الشارع مثل: «لا صلاة» حمل على الصورة الشرعية، فيكون المعنى: لا صلاة معتَّدٌ بها شرعاً إلا بطهور، فلا يحتاج إلى إضمار حكم مما ذكرتم، فالصلاة بغير طهور لا تفيد، فانتفت الصحة لانتفاء الفائدة، فيكون الحديث من باب الحقيقة الشرعية؛ لأن الفعل الشرعي هو ما كان تام الشروط والأركان، فإذا نُفِي كان المراد نفي الحقيقة، ويؤيد ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ» [(413)] فَنَفَى حقيقة الصلاة؛ لفوات ركن من أركانها، وهو الطمأنينة.
ويقابل المجمل (المبيَّن) وهو المُخْرَجُ من حَيِّزِ الإشكال إلى الوضوح، والمُخْرِجُ هو المبيِّن، والإخراج هو البيان، وقد يسمى الدليل بياناً، ويختص بالمجمل، وحصول العلم للمخاطب ليس بشرط، ويكون بالكلام والكتابة، وبالإشارة، وبالفعل، وبالتقرير، وبكل مُقَيَّدٍ شرعي.
قوله: (ويقابل المجمل المبيَّن) المبيَّن: بفتح الياء مشددة اسم مفعول، وهو لغة: الموضَّح والمظهر، وهو يقابل المجمل؛ لأنه يفهم المراد منه.
فيقال في تعريفه: ما فهم منه عند الإطلاق معنى معين، إمَّا بأصل الوضع، أو بعد البيان.
وإذا قلت: المجمل ما تردد بين معنيين... إلخ. فالمبيَّن هو: اللفظ الدال على معنى لا تردد فيه.
فمثال ما يفهم المراد منه بأصل الوضع لفظ: كتاب، سماء، أرض، ظلم، صدق،... فهذه الكلمات ونحوها مفهومة بأصل الوضع، ولا تحتاج إلى غيرها في بيان معناها.
ومثال ما يفهم المراد منه بعد التبيين قوله تعالى: {{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}} [البقرة: 43] فإن الإقامة والإيتاء كل منهما مجمل، ولكن الشارع بيّنهما، فصار لفظهما بيناً بعد التبيين[(414)]. وسيأتي مزيد أمثلة ـ إن شاء الله ـ.
قوله: (وهو المخرج من حَيِّز الإشكال إلى الوضوح) هذا تعريف المبيَّن الذي ارتضاه المصنف رحمه الله.
ويرد عليه اعتراضان:
1 ـ أنه لا يدخل فيه إلا ما كان مشكلاً، دون المبيَّن بأصل الوضع مع أن المبيَّن شامل لهما، لكن قد يجاب عن ذلك بقوله فيما بعد: (ويختص بالمجمل) .
2 ـ أنه ورد فيه لفظ (الحيّز) وهو الفراغ المتوهم الذي يشغله شيء، والتبيين أمر معنوي، والمعنى لا يوصف بالاستقرار في الحيِّز[(415)].
ومعنى: (من حيز الإشكال) أي: من صفة وحال الإشكال، والإشكال: خفاء المراد بحيث لا يدرك المقصود من اللفظ.
قوله: (والمخْرِجُ: هو المبيِّن) المخرج اسم فاعل، أي: الموضِّح للإجمال هو: (المبيِّن) والمراد: الشارع إذ عنه تظهر الأحكام.
قوله: (والإخراج: هو البيان) أي: إن البيان الذي هو اسم مصدر بيَّن تبييناً وبياناً يطلق على التبيين وهو فعل المبيِّن. والتبيين: هو التوضيح. فالبيان: إظهار المعنى للمخاطب وإيضاحه، والإخراج: هو الإظهار.
قوله: (وقد يسمى الدليل بياناً) هذا الإطلاق الثاني، أي: ويطلق البيان على ما حصل به التبيين، وهو الدليل الذي حصل به البيان.
قوله: (ويختص بالمجمل) أي: إن المبيَّن بالتعريف المذكور خاص بالمجمل الذي جاء بيانه فأصبح مبيناً بعد التبيين، وإلا فإن المبيَّن يطلق أيضاً على ما فهم المراد منه بأصل الوضع دون أن يسبقه إجمال، كما تقدم.
قوله: (وحصول العلم للمخاطب ليس بشرط) أي: ليس من شرط البيان أن يعلمه جميع المكلفين الموجودين في وقته، بل يجوز أن يكون بعضهم جاهلاً به.
ومثاله: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم بيَّن أن قوله تعالى: {{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}} [النساء: 11] لا يتناول الأنبياء بقوله: «لا نورث ما تركناه صدقة» [(416)]، ولم يقدح في هذا البيان أن فاطمة والعباس رضي الله عنهما لم يعلما به، فسألا أبا بكر رضي الله عنه عن ميراثهما من النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم مما ترك مما أفاء الله عليه.
قوله: (ويكون بالكلام) هذا بحث فيما يكون البيان، ومن المعلوم أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم بين لأمته جميع شريعته، كما في الصلاة والزكاة والصوم والحج والبيع وغير ذلك، حتى ترك الأمة على شريعة بيضاء نقية، ليلها كنهارها، قال تعالى: {{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}} [النحل: 44] ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» [(417)]، لكن قد يحصل الإجمال لبعض الناس دون بعض، وهذا يختلف بحسب العلم والاطلاع والذكاء.
وقد حصل البيان بأنواع:
قوله: (بالكلام) أي: بالقول، وهذا كثير جداً، كبيانه صلّى الله عليه وسلّم أن الظلم المذكور في قوله تعالى: {{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ...} [الأنعام: 82] أنه الشرك[(418)].
وكقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيما سقت السماء العشر» [(419)]؛ بياناً لمجمل قوله تعالى: {{وَآتُوا الزَّكَاةَ}} [البقرة: 43] ، والسنة تبين القرآن وتفسره.
وكذا وقع البيان من الله تعالى؛ قال سبحانه: {{الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ *}} [القارعة: 1 ـ 3] ، ثم بينها بقوله سبحانه: {{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ *}} [القارعة: 4] وهذا من باب تفسير القرآن بالقرآن، وهو كثير.
قوله: (والكتابة) أي: ككتابة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عماله أسنان الديات ومقاديرها، ومقادير الزكاة، كما في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه[(420)].
قوله: (وبالإشارة) أي: كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» ، وأشار بأصابعه العشر، وقبض الإبهام في الثالثة، يعني تسعة وعشرين[(421)].
قوله: (وبالفعل) أي: كقيامه صلّى الله عليه وسلّم بأفعال المناسك أمام الأمة بياناً لمجمل قوله: {{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ...} [آل عمران: 97] [(422)]، وكذلك صلاته صلّى الله عليه وسلّم الكسوف على صفتها بياناً لمجمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا» [(423)].
وأيهما أبلغ: البيان بالقول أو الفعل؟ الأكثرون على أن البيان الفعلي أقوى من البيان القولي، لأن المشاهدة أدل على المقصود وأوضح من القول، وأسرع في الفهم، وأثبت في الذهن.
ويرى الشاطبي رحمه الله أن كلاً منهما أبلغ من الآخر من جهة، فالفعل أبلغ من جهة المشاهدة للكيفية والصفة، والقول أبلغ؛ لأنه بيان للعموم والخصوص في الأحوال والأزمان والأشخاص[(424)].
قوله: (وبالتقرير) أي: ويكون بيان جواز الشيء بإقراره صلّى الله عليه وسلّم للصحابة رضي الله عنهم على فعله وهو يشاهده أو يَعْلَمُهُم يفعلونه؛ كإقراره الجارية التي سألها: «أين الله؟» قالت: في السماء[(425)].
فهذا بيان لجواز مثل هذا القول، وتقدم أمثلة لذلك عند الكلام على «السنة».
قوله: (وبكل مُقَيَّدٍ شرعي) أي: كل مقيد من جهة الشرع فهو بيان، وهذه قاعدة كلية فيما يحصل به البيان[(426)]، وذلك مثل أن يترك الرسول صلّى الله عليه وسلّم فعلاً قد أمر به، فيكون تركه بياناً لعدم وجوبه، كقوله تعالى: {{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}} [البقرة: 282] مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بايع ولم يشهد، عندما اشترى صلّى الله عليه وسلّم فرساً من أعرابي، فأنكر البيع[(427)]، فعلم أن الإشهاد غير واجب.
ومثال آخر: أنه صلّى الله عليه وسلّم صلى التراويح في رمضان، ثم تركها خشية أن تفرض على الأمة[(428)]، فدل الترك على عدم الوجوب؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم لا يترك واجباً.
ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة، فأما إليها فجوّزه ابن حامد والقاضي، وأصحابه، وبعض الحنفية، وأكثر الشافعية، ومنعه أبو بكر عبد العزيز، والتميمي، والظاهرية، والمعتزلة.
قوله: (ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة) أي: ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه؛ لأن وقت الحاجة هو الوقت الذي يكون المخاطب مطالباً فيه بالأداء والامتثال، فيلزم عليه تكليف الإنسان بما لا يعلم، وهو تكليف له بالمحال، وهو غير واقع شرعاً، كأن يقول: صلوا الظهر، ثم لا يبين لهم كيف يصلون، وهذا النوع الأول من أنواع تأخير البيان، وهو تأخيره عن وقت الحاجة.
قوله: (فأمَّا إليها فجوَّزه ابن حامد) هذا النوع الثاني ، وهو تأخير البيان إلى وقت الحاجة إليه، فذكر قولين:
الأول : الجواز، وهو محكي عن مالك، وأكثر الشافعية، وبعض الحنفية، ورواية عن أحمد، اختارها جمع من الحنابلة، منهم الحسن بن حامد، والقاضي وأصحابه. ولهم أدلة منها:
1 ـ قوله تعالى: {{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ *} {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ *}} [القيامة: 18، 19] . وجه الدلالة: أن الله تعالى رتب بيان القرآن بـ (ثم) وهي للتراخي، وهذا يقتضي جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
2 ـ أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أخّر البيان إلى وقت الحاجة، وهذا من أقوى أدلتهم، ففي قوله تعالى: {{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} ...} [الأنفال: 41] دلالة على أن جميع الغنيمة لهذه الأصناف، ثم بيّن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول الآية الكريمة أن «من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سَلَبُهُ» [(429)]. وأن المراد بذي القربى: بنو هاشم وبنو المطلب، دون بني نوفل وبني عبد شمس، وقد أَخَّرَ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم بيان ذلك إلى أن قَسَمَ الخمس وَمَنَعَ منه بني عبد شمس وبني نوفل؛ مع أن الكل أولاد عبد مناف، حتى سئل عن ذلك فقال: «بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» [(430)]، وقال: «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام» [(431)].
قوله: (ومنعه أبو بكر عبد العزيز[(432)] ...) هذا القول الثاني : وهو المنع، وهو رواية عن أحمد، اختارها أبو بكر عبد العزيز، والتميمي، وهو مذهب الظاهرية، والمعتزلة.
قالوا: لو جاز تأخير البيان، فإمَّا إلى مدة معينة، أو إلى الأبد، وكلاهما باطل، فأمَّا إلى مدة معينة فلكونه تحكماً، ولكونه لم يقل به أحد، وأمَّا إلى الأبد فلكونه يلزم عليه الخطاب بالمجمل بدون بيانه، وهو خطاب بما لا يُفهم، وهذا عبث وتجهيل للسامع.
وهذا قول مرجوح، فإنه لا تحكم بتأخير البيان إلى مدة معينة عند الله تعالى، وهو الوقت الذي يعلم أنه يكلِّفُ به فيه[(433)]، والله تعالى أعلم.
* * *

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2, المجمل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir