رسالة في تفسير قول الله تعالى: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً}
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فهذه تأملات في قول الله تعالى: {وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيراً}.
هذه الآية تضمّنت دلائل عظيمة ولطائف بديعة، تدبّرها والتفكّر فيها يزيد المؤمن إيماناً ويقيناً ومحبّة لله تعالى، وبصيرة في دينه.
فمن ذلك تصدير الآية بالأمر بالتبشير؛ لما للتبشير من أثر عظيم على النفس البشرية؛ فهو ينمّي الرجاء في القلب ويعظّمه، ويشرع أبواب الأمل، ويعين على الاجتهاد في العمل، ويدفع عن النفس كثيراً من كيد الشيطان وتوهينه وتضليله؛ فإنّ عين البصيرة إذا انفتحت على سبيل الفضل والتكريم، وأيقنت بحسن عاقبة سلوك هذا السبيل لم تلتفت إلى غيره.
وتبشير الله تعالى لعباده المؤمنين دليل من جملة دلائل على عنايته تعالى بهم، ومحبته لهم، ولهذه العناية والمحبة آثارها العظيمة المباركة، فهي محبة من لا يعجزه شيء، ولا يخفي عليه شيء، ولا يغيض من ملكه كثرةُ عطائه.
ومما يدل على تأكيد عناية الله تعالى بهم ومحبته لتبشيرهم؛ أنه كرر الأمر على نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن مرارًا أن يبشرهم، فورد قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} بهذا اللفظ في القرآن في خمسة مواضع، وورد أيضًا في موضعين: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وفي موضعين: {وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وما يقوم في قلب المؤمن عند تلقّيه البشرى من الله تعالى ومن نبيّه صلى الله عليه وسلم له اعتبار عظيم عند الله جلّ وعلا، وقد تضافرت النصوص على أن تلقّي البشرى بالقبول والشكر والفرح بفضل الله تعالى من دلائل الإيمان ومن موجبات رحمة الله تعالى ومحبّته لمن يقوم بقلبه تلك العبادات التي يحبّها الله.
كما أنّ الإعراض عن تلك البشرى، ومقابلتها بالتشكيك والتهوين، من دلائل مرض القلب ونفاقه، واستحقاقه للحرمان من فضل الله تعالى.
فإنّ نظر الله تعالى إلى القلوب والأعمال لا إلى الصور والأجسام.
فالمؤمن الذي يتلقّى البشارة التي تأتيه من الله بقلب منيب إلى الله فرح بفضله ورحمته شاكر لنعمته يرجى له أن يهديه الله إلى فقه دلائل تلك البشرى العظيمة ، ومعرفة مقاصدها، والتبصّر بشروطها وآثارها وآدابها وما أراد الله تعالى من عبده المؤمن بها؛ فإنّ فقه ذلك من العلم الجليل ، بل هو صفو العلم وخلاصته، الذي يختصّ الله به أهل البصائر وأولي الألباب من عباده؛ فإنّ الخطاب في القرآن أشرف الخطاب، ومعانيه أجلّ المعاني،وشأنه أعظم الشأن؛ فمن عقله وفقه دلائله ومقاصده فقد أوتي علماً عظيماً وخيراً كثيراً.
وهذه الآية قد اجتمع فيها على وجازة لفظها من اللطائف الدالة على عظم هذه البشرى ما يحملنا على تدبّرها والتفكر فيها وتذكير النفس بمقاصدها ودلائلها حتى نكتسب اليقين بفضل الله تعالى، وأنه فضل كبير؛ فيحملنا هذا اليقين المبني على حسن التصديق على السعي لتحقيق الشرط الذي تُنال به هذه البشارة العظيمة، وهو شرط قد تضمّنت الآية بيانه.
1: فأوّل اللطائف في هذه الآية؛ أن توجّه الأمر بالتبشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبلّغه أمّته، وتعيين الرسول الكريم واسطة لتبليغ هذا الأمر دليل على عظم شأنه؛ فالأمور العظيمة يُختار لتبليغها العظماء.
2: واللطيفة الثانية التوكيد بأنّ؛ وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيراً، والتوكيد له أثر لا يخفى على نفس المخاطب.
3: واللطيفة الثالثة: تقديم اللام المشعرة بالاختصاص "لهم" لا لغيرهم، فهو فضل خاص بالمؤمنين، وهذه اللام مع دلالتها على الاختصاص تدلّ على التمكين والتمليك بمقتضى هذا الوعد الكريم.
4: واللطيفة الرابعة: النصّ على أنّ هذا الفضل من الله تعالى، {وبشر المؤمنين بأنّ لهم من الله }.
فالنص بأن هذا الفضل من الله وبالصيغة المؤكدة يحمل دلائلَ عظيمةَ الأثر في قلوب المؤمنين:
· فمن ذلك: دلالتها على أن هذا الفضل فضل عظيم، جدّ عظيم؛ لأنه فضل من الله، وليس من غيره، والله تعالى عليم بما يُرضي عباده، وما تقر به عيونهم، وتحسن به عاقبتهم.
· ومن ذلك: دلالتها على محبة الله تعالى لهم؛ بأن نص على أن هذا الفضل منه -جل وعلّا-، وأنه اختصاص خصّهم به.
· ومن ذلك: تحصيل اليقين بقدرة الله تعالى على الوفاء بما وعدهم من الفضل الكبير؛ فإنّه وعد من قادر لا يعجزه شيء.
· ومن ذلك: أنه فضل يكفي عن وصفه وتعيين نوعه وأفراده، أنه فضل من الله؛ وكل عطية موعودة، يزنها الناس بقدر معطيها، ألا ترون أن الناس يستشرفون لأعطيات الكبراء من الملوك والتجّار، لمظنة أن أعطياتهم جزلة كثيرة؟!
5: واللطيفة الخامسة: التنكير في قوله: "فضلاً" وهو تنكير إبهام لغرض التفخيم والتعظيم.
وإبهام العطية الموعودة من قادر عليها يشوّق النفس إليها.
فلو أنّ ملكاً من الملوك أو ثريّا من الأثرياء وعد رجلاً بعطيّة فأبهمها إبهام تفخيم؛ لعلم الموعود أنه إنما أبهمها لتعظيمها، فيحصل له يقين بعظمها بسبب هذا الإبهام، وتذهب آماله كل مذهب لثقته بقدرة ذلك الملك أو ذلك الثريّ على الوفاء بالأعطيات العظيمة.
ونحن نعلم أن هؤلاء الملوك والأثرياء والكبراء لا يساوون في ملك الله عز وجل شيئًا يذكر، ولو اجتمعوا جميعًا من أول ما خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة على أن يعطوا أعطية عظيمة؛ فإنهم لن يبلغوا في ملك الله تعالى نقرة عصفور في بحر عظيم، ولا ينقصون من ملك الله إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ثم أُخرج منه، فهذا القدر من الماء الذي يعلق بالإبرة لا يساوي شيئًا يذكر بالنسبة للبحر العظيم ، فهذا مثل ما ينفقون ولو اجتمعوا عليه بالنسبة لفضل الله تعالى، فما ظنكم بفضل الله العظيم؟
6: واللطيفة السادسة: التعبير عنه بلفظ الفضل؛ فسمّاه فضلاً؛ لأنّهم يمتازون به عن غيرهم، ويفضلونهم به، والفضل في اللغة الزيادة في الخير.
يقال: رجل ذو فضل إذا كان له ما يفضل به غيره من أبواب الخير؛ أي يزيد به على غيره؛ من فضل مال أو جاه أو علم قال الله تعالى: {ويؤت كل ذي فضل فضله}.
والنفس البشرية تتعلّق بما تحبّ أن تمتاز به من الفضل؛ فوعد الله عباده المؤمنين بأنّ لهم فضلاً كبيراً.
7: واللطيفة السابعة: وصف هذا الفضل بأنّه كبير، فمع ما تقدّم من اللطائف ودلالتها على عظم هذا الفضل نصّ هنا على وصفه بأنّه فضل كبير، وهذا الوصف يورث المؤمن يقينا بعظم هذا الفضل الموعود.
والمقصود أن التبشير بهذا الفضل، وبيان اختصاصه بالمؤمنين، والنص على أنه فضل من الله، وإبهام هذا الفضل إبهام تعظيم وتفخيم؛ ووصفه بأنّه كبير، كل ذلك من دلائل تعظيمه لتشرئب الأعناق إليه، وتتطلع النفوس إليه، ويزداد شوقها إليه، وزادهم الله عز وجل بيانًا وتشويقاً بأن وصف هذا الفضل بأنه كبير: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا}.
فضائل الإيمان
وما وعد الله به المؤمنين من الفضل العظيم منه ما بيّن في نصوص الكتاب والسنة، ومنه ما أخفي تشويقا لهم، ولأن عقولهم في هذه الحياة الدنيا لا تحتمله، وأمانيهم لا تبلغه.
ومما يحسن أن نذكّر به أنفسنا ما بيّنه الله تعالى وبيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم من فضائل الإيمان في الدنيا والآخرة، وهذا التذكر ينفع المؤمن فيتبصّر وينيب إلى ربّه، ويجتهد في تحقيق الإيمان واستكماله.
وقد قال الله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً لا يستوون}.
فمما جعله الله للمؤمنين من الفضل الكبير:
1: أعلى الفضائل وأشرفها رؤيته جلّ وعلا في دار الكرامة.
2: ودخول جنّته دخول تكريم، والتمتع بما فيها من النعيم، والإقامة فيها إقامة دائمة لا تحوّل عنها، ولا نكد فيها: { يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}
3: ومن أعظم فضائل الإيمان: النجاة من سخط الله وعذابه، بل جعل الله تعالى ذلك حقاً أوجبه على نفسه كما قال الله تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
4: ومن أجلّ فضائل الإيمان وأشرفها: معيّة الله تعالى لعباده المؤمنين كما قال الله تعالى: {وأنّ الله مع المؤمنين} ، وهذه المعية الخاصة لها آثارها المباركة، وأعظم آثارها محبّة الله تعالى لهم وحفظه وتأييده.
5: ومن فضائل الإيمان: ما جعله الله لعباده المؤمنين، من الحياة الطيّبة المباركة بطمأنينة القلب، وسكينة النفس، وانشراح الصدر، وقرّة العين، وكفايتهم، والتكفّل لهم بحسن عاقبتهم.
وإذا عصى العبد ربّه وأراد الله به خيراً عجّل له عقوبته في الدنيا.
روى الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل، أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها، فقالت المرأة: مه، فإن الله عز وجل قد ذهب بالشرك وجاءنا بالإسلام؛ فتركها وولى، وجعل ينظر إليها حتى أصاب وجهه الحائط فشجَّه؛ ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: (( أنت عبد أراد الله بك خيرا، إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه، وإذا أراد بعبد شرا أمسك عليه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة كأنه عير))
6: ومن فضائل الإيمان: ما أوجبه الله لعبده المؤمن من حرمة حقّه، وتكفّله بحفظ حقه والمدافعة عنه، وانتصاره له ممن يظلمه، أو يناله بكلمة فأكثر أو يسيء به الظنّ به، أو يكيده بمكيدة، فكلّ ذلك محفوظ للمؤمن لا يضيع عند الله تعالى، يعجّل الله لبعض المؤمنين بعض حقّهم من ذلك في الحياة الدنيا، ويدّخره لبعضهم فيأتيهم موفوراً يوم تنصب الموازين، وقد قال الله تعالى: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}.
7: ومن فضائل الإيمان: ما أكرم الله به عباده المؤمنين من إجابة دعواتهم وذكره لهم إذا ذكروه، كما قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}، وسماعه لما يبثونه من الشكوى والحاجات، وإجابته لهم في صلواتهم؛ ورحمته إياهم؛ بكشف كروبهم، وإنزال السكينة عليهم، وكشف الغمّ عنهم، وهداية قلوبهم عند نزول المصائب {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم}
8: ومن فضائل الإيمان: ما جعله الله من روابط الأخوة الإيمانية بين المؤمنين، وهذه الأخوة لها حقوق وآثار مباركة، فأوجب للمؤمن على إخوانه حقوقاً ، وأدّبهم في معاملته والحديث معه.
9: ومن فضائل الإيمان: ما فتحه الله للمؤمن من أبواب الخير الكثيرة ، حتى جعله له من كلمات يسيرة يقولها أجوراً عظيمة مضاعفة، ومن تأمل ما جعله الله من ثواب الأذكار والأعمال الصالحة والأجور العظيمة المضاعفة عليها أدرك هذه الحقيقة، وأنها من دلائل محبّة الله تعالى لعباده المؤمنين، ومحبّته لأن يستكثروا من فضله، وهذا الفضل خاصّ بالمؤمنين، فغير المؤمن لو عمل من هذه الأعمال ما عمل لم يقبله الله منه.
10: ومن فضائل الإيمان: أنّ المؤمن ما بقي صحيح الإيمان فإنّه يستجاب دعاء المؤمنين له، دعاء الملائكة ودعاء الأنبياء والصالحين، من أوّل ما خلق الله الخلق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ فهذا الدعوات المتقبّلة ينالها كلّ عبد مؤمن صحيح الإيمان، ويحرم منها من حرم الإيمان.
فهذه عشرة أنواع من فضائل الإيمان ؛ كلّ نوع منها خير من الدنيا وما فيها.
شرط الفوز بالبشارة في هذه الآية:
والمقصود أنّ هذه البشرى العظيمة بالفضل الكبير من الله تعالى لها شرط قد تضمّنته هذه الآية، وهو شرط الإيمان؛ فمن كان مؤمنا كان من أهل هذه البشرى العظيمة، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان.
ومما ينبغي أن يعلم أن الإيمان يتفاضل، فأعظم المؤمنين نصيباً من هذه البشرى أحسنهم إيماناً، والإيمان قول وعمل واعتقاد؛ وشأن إيمان القلب عظيم وهو أصل صلاح الجوارح، فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد، وكم من الأعمال التي تتشابه في صورتها الظاهرة ويكون تفاوت الناس فيها عند الله تعالى تفاوتاً عظيماً في المحبّة والأجر والتكريم.
ومن تأمّل فضائل الإيمان العظيمة، وتأمّل عظيم الخسران لمن حرم هذه الفضائل، وسوء عاقبته، علم سبب شدة خوف السلف رحمهم الله من أن يُسلب أحدهم الإيمان؛ فإن الفتن والمعاصي قد تغري العبد فيسترسل فيها حتى يسلب الإيمان وينسلخ من الدين ؛ فيشقى الشقاء العظيم، والعياذ بالله تعالى.
بل قد يقول المرء كلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنّم، كما صحّ بذلك الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في صحيح البخاري وغيره.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»
وكان سفيان الثوري رحمه الله يبكي ويقول: (أخاف أن أُسلب الإيمان عند الموت).
ولذلك اشتدّ تحذير النبي صلى الله عليه وسلم وتحذير العلماء من التهاون في الذنوب والمعاصي؛ فإن العبد ما دام مصرّا على ذنب فهو على خطر من عقوبته؛ ومرض قلبه، وتعرّضه لذنوب أعظم بسبب تهاونه في ذلك الذنب وإصراره عليه؛ فالمعاصي بريد النفاق؛ ومن كثر غشيانه للمعاصي حصل له من مرض القلب أو موته بسبب تفشّي النفاق فيه ما يخشى عليه أن يزيد به حتى يموت قلبه بالكلية ويسلب الإيمان عند الموت والعياذ بالله تعالى.
قال ابن تيمية: (إذا أصر على ترك ما أمر به من السنة، وفعل ما نهي عنه، فقد يعاقب بسلب فعل الواجبات، حتى قد يصير فاسقا أو داعيا إلى بدعة، وإن أصر على الكبائر، فقد يخاف عليه أن يسلب الإيمان، فإن البدع لا تزال تخرج الإنسان من صغير إلى كبير، حتى تخرجه إلى الإلحاد والزندقة، كما وقع هذا لغير واحد ممن كان لهم أحوال من المكاشفات والتأثيرات)ا.هـ.
وقال ابن القيم رحمه الله: (اعلم أن العقوبات تختلف فتارة تعجَّل، وتارة تؤخَّر، وتارة يجمع الله على العاصي بينهما.
وأشد العقوبات: العقوبة بسلب الإيمان، ودونها العقوبة بموت القلب، ومحو لذة الذكر والقراءة والدعاء والمناجاة منه، وربما دبَّت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إلى أن يمتلئ القلب بهما؛ فتعمى البصيرة.
وأهون العقوبة ما كان واقعا بالبدن في الدنيا، وأهون منها ما وقع بالمال)ا.هـ.
اللهم أحينا مؤمنين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، يا أرحم الراحمين.