دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > مكتبة علوم العقيدة > أصول الاعتقاد > كتاب الاعتقاد للبيهقي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 جمادى الآخرة 1431هـ/1-06-2010م, 05:10 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي باب القول في إثبات نبوة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم

باب القول في إثبات نبوة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، سماه الله محمدا وأحمد صلى الله عليه وسلم وسماه أسماء أخر ذكرناها في كتاب الدلائل، ودلائل النبوة كثيرة والأخبار بظهور المعجزات ناطقة، وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى؛ لأن كل شيء منها مشاكل لصاحبه في أنه أمر مزعج للخواطر ناقض للعادات. وهذا أحد وجوه التواتر الذي يثبت بها الحجة وينقطع بها العذر وقد جمعناها في كتاب مع بيان ما جرى عليه أحوال صاحب المعجزة أيام حياته صلى الله عليه وسلم في خمسين جزءا، ونحن نشيرها هنا إن شاء الله في معجزاته ودلائل نبوته إلى ما يليق بهذا الكتاب على طريق الاختصار. فمن دلائل نبوته التي استدل بها أهل الكتاب على صحة نبوته ما وجدوا في التوراة والإنجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته وخروجه بأرض العرب، وإن كان كثير منهم قد حرفوها عن مواضعها
248 - أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن سلام أنه كان يقول: إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي، سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويتجاوز ولن أقبضه حتى يقيم الملة المتعوجة بأن يشهد أن لا إله إلا الله يفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وقال عطاء بن يسار: أخبرني الليثي أنه سمع كعب الأحبار يقول مثل ما قال عبد الله بن سلام فهذان عالمان من أهل الكتاب شهدا ببعض ما وجدا في كتبهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا شواهد عنهما وعن غيرهما ذكرناها في كتاب الدلائل، وروينا عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خرج يبتغي الدين حتى أتى على شيخ بالجزيرة فأخبره بالذي خرج له فقال: ممن أنت ؟ قال: من أهل بيت الله، قال: فإنه قد خرج في بلدك نبي وهو خارج قد طلع نجمه فارجع فصدقه وآمن به. وروينا معناه في حديث سلمان الفارسي وغيره. ومن دلائل ما حدث بين يدي أيام مولده ومبعثه صلى الله عليه وسلم من الأمور الغريبة والأكوان العجيبة القادحة في سلطان أمة الكفر والموهنة لكلمتهم المؤيدة لشأن العرب المنوهة بذكرهم كأمر الفيل وما أحل الله بحزبه من العقوبة والنكال ومنها خمود نار فارس وسقوط شرفات إيوان كسرى وغيض ماء بحيرة ساوة ورؤيا الموبذان وغير ذلك، ومنها ما سمعوه من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه والرموز المتضمنة لبيان شأنه ومنها انتكاس الأصنام المعبودة وخرورها لوجهها من غير دافع لها عن أمكنتها يرى أو يظهر إلى سائر ما روي ونقل من الأخبار المشهورة من ظهور العجائب في ولادته وأيام حضانته وبعدها إلى أن بعث نبيا وبعد ما بعث وهي في كتاب (الدلائل) مذكورة يتبع بعضها بعضا قال الشيخ أبو سليمان الخطابي رحمه الله فيما قرأت من كتابه ومن دلائل نبوته أنه وجد في بدء أمره يتيما ضعيفا عائلا فقيرا ليس له مال يستميل به القلوب ولا له قوة يقهر بها الرجال ولا كان في إرث ملك فتثوب إليه الأمال طمعا في درك الحال المتقدمة وعود الملك الموروث ولا كان له أنصار وأعوان يطابقونه على الرأي الذي أظهره والدين الذي دعى إليه فخرج على هذا الحال إلى العرب قاطبة وإلى الشعوب والقبائل كافة وحيدا طريدا مهجورا محقورا وهم مجمعون على عبادة الأصنام وتعظيم الأزلام مقيمون على عبادة الجاهلية في الحمية والعصبية والتعادي والتباغي وسفك الدماء وشن الغارات واستباحة الحرام لا يجمعهم ألفة دين ولا تمنعهم دعوة إمام ولا يكفهم طاعة ملك ولا يحجزهم عن سوء أفعالهم نظر في عاقبة ولا خوف عقوبة أو لائمة فألف قلوبها وجمع كلمتها حتى اتفقت الأراء وتناصرت القلوب وترافدت الأيدي وصاروا إلبا واحدا في نصرته وعنقا واحدا إلى طاعته وهجروا بلادهم وأوطانهم وجفوا قومهم وعشائرهم في محبته ونبذوا الأصنام المعبودة وتركوا السفاح وكان مقتضى شهواتهم وشرب الخمر وكان وفق طباعهم والربا وكان معظم أموالهم وبذلوا مهجهم وأرواحهم في نصرته ونصبوا وجوههم لوقع السيوف بها في إعزاز كلمته بلا دنيا بسطها لهم ولا أمال أفاضها عليهم ولا عوض في العاجل أطمعهم في نيله من مال يحوزونه أو ملك أو شرف في الدنيا يحرزونه بل كان من شأنه أن يجعل الملك منهم سوية، الغني فقيرا، والشريف أسوة بالوضيع، فهل تلتئم مثل هذه الأمور أو يتفق مجموعها لأحد هذا سبيله من قبل الاختيار العقلي أو التدبير الفكري أو من جهة الاجتهاد أو من باب الكون والاتفاق لا والذي بعثه بالحق وسخر له هذه الأمور ما يرتاب عاقل في شيء من ذلك وإنما هو أمر إلهي وشيء غالب سماوي ناقض للعادات، يعجز عن بلوغه قوى البشر ولا يقدر عليه إلا من له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين، قال: وقد انتظم جملة ما ذكرناه في هذا الفصل قوله سبحانه (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) قال: ومن دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم أنه كان أميا لا يخط كتابا بيده ولا يقرؤه، ولد في قوم أميين ونشأ بين ظهرانيهم في بلد ليس بها عالم يعرف أخبار المتقدمين وليس فيهم منجم يتعاطى علم الكوائن ولا مهندس يعرف التقدير ولا فيلسوف يبصر الطبائع ولا متكلم يهتدي لرسوم الجدل ووجوه المحاجة والمناظرة والاستدلال بالحاضر على الغائب، ولم يخرج في سفر ضاربا إلى عالم فيعكف عليه ويأخذ منه هذه العلوم، وكل هذا معلوم عند أهل بلده مشهور عند ذوي المعرفة والخبرة بشأنه، يعرفه العالم والجاهل والخاص والعالم منهم فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية، وقد كان ذهب معالم تلك الكتب ودرست وحرفت عن مواضعها ولم يبق من المتمسكين بها وأهل المعرفة بصحيحها من سقيمها إلا القليل، ثم حاج كل فريق من أهل الملل المخالفة له بما لو احتشد له حذاق المتكلمين وجهابذة المحصلين لم يتهيأ لهم نقض شيء منه، فكان ذلك من أدل شيء على أنه أمر جاءه من عند الله عز وجل. وهذا هو معنى قوله سبحانه (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) ففيه إشارة إلى ما اقتصصنا من حاله ووصفنا من أمره في أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ولم يعرف بدرس الكتب وطلب الأخبار، وإنما هو شيء أنزله الله عليه فهو يتلوه عليهم وكفى به دلالة على صحة أمره وصدق دعواه، ومن دلائل نبوته وصدقه فيما جاء به من عند الله سبحانه من القرآن العظيم أنه تحدى الخلق بما في القرآن من الإعجاز ودعاهم إلى معارضته والإتيان بسورة مثله فنكلوا عنه وعجزوا عن الإتيان بشيء منه. واختلف أهل العلم في إعجاز القرآن منهم من قال: إعجازه من جهة البلاغة وحسن اللفظ دون النظم ومنهم من قال: إعجازه في نظمه دون لفظه فإن العرب قد تكلمت بألفاظه ومنهم من قال: إعجازه في إخباره عن الحوادث وإنذاره بالكوائن في مستقبل الزمان ووقوعها على الصفة التي أنبأ عنها ومنهم من قال: إعجازه في أن الله أعجز الناس عن الإتيان بمثله وصرف الهمم عن معارضته مع وقوع التحدي وت وفر الدواعي إليه لتكون آية للنبوة وعلامة لصدقه في دعواه. وقد ذهب بعض العلماء إلى إثبات الإعجاز للقرآن من جميع هذه الوجوه ولا معنى لقول من زعم أن الإعجاز في لفظه؛ لأن الألفاظ مستعملة في كلام العرب ومتداولة في خطابها؛ لأن البلاغة ليست في أعيان الأسماء ومفرد الألفاظ وحسب دون أن تكون هذه الأوضاع معتبرة بمحالها ومواضعها المصرفة إليها، والمستعملة فيها. قال الشيخ أبو سليمان رحمه الله: وبيان ذلك أن العرب قد تعرف لفظ الصدع في لغتها وتتكلم به في خطابها ثم إنك لا تجده مستعملا لهم في مثل قوله (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) ويستعمل اسم الضرب ثم لا تجده لهم مستعملا في مثل قوله (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا) وكذلك لفظ النبذ ثم لا تجده لهم في مثل قوله تعالى (فانبذ إليهم على سواء) إلى ما يجمع هذا الكلام من الوجازة والاختصار وحذف المقتضى وإعمال الضمير والاقتصار على الوحي المفهم، وكقوله تعالى (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) فإن حقيقته: نخرج منه النهار إلا أن موضع البلاغة هاهنا في السلخ أنه إخراج الشيء مما لابسه وعسر انتزاعه منه لالتحامه به، وذلك قياس الليل ومثاله، وكقوله عز وجل (عذاب يوم عقيم) أي: يوم لا يعقب للمعذبين غدا ولا ينتج لهم خيرا، قال: وقد استحسن الناس في الإيجاز قولهم: القتل أنفى للقتل. وبينه وبين قول الله سبحانه (ولكم في القصاص حياة) تفاوت في البلاغة والإيجاز. وبيان ذلك أن في هذا الكلام كل ما في قولهم القتل أنفى للقتل، وزيادة معان ليست فيه منها: الإبانة عن الفداء لذكر القصاص، ومنها الإبانة عن الغرض المرغوب فيه لذكر الحياة، ومنها بعده عن التكلف وسلامته من تكرار اللفظ الذي فيه على النفس مشقة وعلى السمع مئونة قال الشيخ: وقوله: (ولكم في القصاص حياة) أوجز في العبارة فإنه عشرة أحرف، وقول من قال: القتل أنفى للقتل، أربعة عشر حرفا، قال: وإذا تأملت هذه المعاني من القرآن وتتبعتها منه كثر وجودك لها، وإنما ذكرنا هذا القدر ليكون مثالا مرشدا إلى نظائر منه، وأما إعجازه من جهة النظم فالمعجز منه نظم جنس الكلام الذي باين به القرآن سائر أصناف الكلام التي تكلمت بها العرب، فإن أجناس كلام العرب التي تكلمت بها خمسة: 1 - المنثور الذي تستعمله العرب في محاورة بعضهم بعضا 2 - والشعر الموزون 3 - والخطب 4 - والرسائل 5 - والسجع وكل نوع منها نمطه غير نمط صاحبه، ونظم كلام القرآن مباين لهذه الوجوه الخمسة مباينة لا تخفى على من يسمعه من عربي فصيح أو ذي معرفة بلسان العرب من غيرهم حتى إذا سمعه لم يلبث أن يشهد بمخالفته لسائر هذه الأنواع من الكلام والحجة إنما قامت على قريش وسائر العرب بوقوفهم على ذلك من أمره، وأن هذا الفرق بينه وبين سائر الكلام هو موضع الحجة، وبذلك صار معجزا للخلق وقائما مقام الحجج التي بعث الله بها رسله واحتج بها على الناس مثل فلق البحر وإحياء الموتى ومنع النار من الإحراق ولذلك قال سبحانه (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) إلى أن قال تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) الآية. وقال بعض العلماء: إن الذي أورده المصطفى صلى الله عليه وسلم على العرب من الكلام الذي أعجزهم عن الإتيان بمثله أعجب في الآية وأوضح في الدلالة من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص؛ لأنه أتى أهل البلاغة وأرباب الفصاحة ورؤساء البيان المتقدمين في اللسان بكلام مفهوم المعنى عندهم فكان عجزهم أعجب من عجز من شاهد المسيح من إحياء الموتى؛ لأنهم لم يكونوا يطمعون فيه ولا في إبراء الأكمه والأبرص ولا يتعاطون علمه، وقريش كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة فدل على أن العجز عنه إنما كان لأن يصير علما على رسالته وصحة نبوته وهذه حجة قاطعة وبرهان واضح، فإن قيل: إن وجه ما يظهر به بينونة القرآن من سائر أنواع الكلام هو ما يقع من السجع في مقاطع الكلام ومنتهى الآيات نحو قوله (والطور وكتاب مسطور) وقوله: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى)، وقوله: (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها) وما أشبه ذلك من سور القرآن، والسجع في كلام العرب كثير غير عديم ولا غريب فكيف جعلتم ذلك علما للإعجاز. قيل: ليس شيء من هذا سجعا وإنما هي فواصل تفصل بين الكلامين بحروف متشاكلة في المقاطع تعين على حسن إفهام المعاني، والفواصل بلاغة والسجع عيب، وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها، والسجع تكلف وليس فيه أكثر من تأليف أواخر الكلم على نمط وهو مأخوذ من سجع الحمامة وهو موالاتها الصوت على نمط لا يختلف، فمن شبه الفواصل التابعة لمعاني الكلام المفيدة حسن الإفهام بالسجع الخالي عن المعنى المتتبع له المتكلف على سبيل الاستكراه فقد ذهب عن الصواب وأخطأ مذهب القياس، وأما من ذهب إلى أن إعجازه لما فيه من الأخبار الصادقة عن الأمور الكائنة فوجهه بين وشواهده كثيرة كقوله سبحانه (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) فكان الأمر كما نطق به القرآن فظهرت فارس على الروم فاغتم به المسلمون وسر به المشركون فوعد الله المسلمين بظهور الروم على فارس في بضع سنين فظهروا عليها لتسع سنين وقيل: لسبع، وفرح المؤمنون بنصر الله أهل الكتاب وقال عز وجل في قصة بدر (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) فكان الأمر كما وعد من الظفر بإحدى الطائفتين دون الأخرى، وهو أنه ظفر بالمشركين الذين خرجوا من مكة ببدر، وانفلت أبو سفيان بن حرب بالعير.
249 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا أبو نعيم، ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى - يعني يوم بدر - قيل له: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو في وثاقه أنه لا يصلح لك قال: لم، قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أنجز لك ما وعدك قال الشيخ: وحين التقى هو والمشركون ببدر قال وهو في قبته: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم» فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول (سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) فتلا ما كان قد نزل من إخبار الله تعالى إياه بهزيمة المشركين فكان كما أخبر وقال تعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) فدخلوا المسجد الحرام على الصفة التي نطقت بها الآية في عمرة القضية وكان ما وعده الله في هذه السورة من الفتح القريب وهو فتح خيبر، وقيل: الصلح بالحديبية، وقال: (فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها) قيل: فتح خيبر (وأخرى لم تقدروا عليها) قيل: هو ما أصابوا بعده، وقال تعالى (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وقد وقع الظهور والغلبة بحمد الله
250 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال: قد أظهر الله دينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل، وأظهره بأن جماع الشرك دينان أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهور الدين كله وقال الله عز وجل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) فوعدهم في حال الخوف والشدة وغلبة أهل الكفر ظهورهم واستخلافهم في الأرض وتمكينهم من القيام بأمور دينهم الذي ارتضى لهم وتبديلهم من الخوف بالأمن، ففعل به وبأصحابه وأتباعه جميع ما وعدهم به وفي ذلك دليل على صحة نبوته وصدقه في دعوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم
251 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا أبو سعيد محمد بن شاذان، ثنا أحمد بن سعيد الدارمي، ثنا علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وآواهم الأنصار رمتهم العرب، عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) قرأ إلى قوله (ومن كفر بعد ذلك) يعني: بالنعمة (فأولئك هم الفاسقون) قال الشيخ: وفي مثل هذا المعنى قوله عز وجل (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) زعم بعض أهل التفسير أنها نزلت في المعذبين بمكة حين هاجروا إلى المدينة بعدما ظلموا فوعدهم الله في الدنيا حسنة، يعني بها الرزق الواسع فأعطاهم ذلك فروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعطى الرجل عطاءه من المهاجرين يقول: خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل، وحين امتنع أبو لهب من الإسلام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أنزل الله عز وجل فيه (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب) فمات أبو لهب على شركه وصلي النار بكفره وإنما أنزلت وأبو لهب حي فلم يمكنه مع حرصه على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقض كلمته أن يظهر الإسلام ليشكك الناس في النبي عليه السلام وفيما أخبرهم من شأنه ولا يجوز أن تقع هذه الأمور على الاتفاق وتستمر على الصدق فلا يختلف شيء منها إلا أن يكون من قبل الله علام الغيوب. وأما الصرفة والتعجيز مع توهم القدرة منهم على الإتيان بمثله فإنما يعلم ذلك بعدم المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة إليه وذلك ما لا يجوز أن يشك فيه عاقل من أنهم لو كانوا قادرين عليه لبادروا إليه مع حرصهم على إبطال دعوته ونقض كلمته، ولما خرجوا في أمره إلى نصب القتال والتغرير بالأنفس وإتلاف الأموال ومفارقة الأهل والأوطان ولكان ذلك أيسر عليهم من مباشرة الخطوب ومقاساة هذه الشدائد والكروب فلما لم يفعلوه دل على عجزهم عن ذلك وسبيل هذا سبيل رجل عاقل اشتد به العطش وبحضرته ماء فجعل يتلوى من شدة الظمأ ولا يشرب الماء فلا يشك شاك أنه عاجز عن شربه أو ممنوع لسبب يعوقه عنه وأنه لم يتركه اختيارا مع توفر الدواعي له وشدة الحاجة منه إليه وهذا بين والحمد لله. ومن دلائل صدقه أنه كان من عقلاء الرجال عند أهل زمانه وقد قطع القول فيما أخبر عن ربه عز وجل بأنهم لا يأتون بمثل ما تحداهم به فقال: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) فلولا علمه بأن ذلك من عند علام الغيوب وأنه لا يقع فيما أخبر عنه خلاف وإلا لم يأذن له عقله في أن يقطع القول في شيء بأنه لا يكون وهو بعرض أن يكون. وقد روينا في كتاب الدلائل من الأخبار التي وردت في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما نزل عليه على المشركين الذين كانوا من أهل الفصاحة والبلاغة وإقرارهم بإعجازه ما يكشف عن جملة مما أشرنا إليها ونحن نقتصر هاهنا على
252 - ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن زياد، مولى بني هاشم، عن محمد بن كعب، قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيدا حليما - قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه فأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل منها بعضها ويكف عنا ؟ قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فيما قال له عتبة وفيما عرض عليه من المال والملك وغير ذلك فلما فرغ عتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرغت يا أبا الوليد ؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون)» فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة أنصت لها وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد فيها ثم قال: سمعت يا أبا الوليد ؟ «قال: سمعت، قال: فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال: ورائي أني والله لقد سمعت قولا ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ
253 - وروينا هذا في حديث جابر بن عبد الله وفيه من الزيادة فيما حكى عتبة لأصحابه قال: فأجابني بشيء والله ما هو سحر ولا شعر ولا كهانة قرأ بسم الله الرحمن الرحيم (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) حتى بلغ (فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب
254 - وروينا عن عكرمة مرسلا في قصة الوليد بن المغيرة أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي فقرأ عليه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) قال: أعد، فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر، وقال لقومه: والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيدته مني ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته
255 - وروينا في حديث أم سلمة في قصة دخول جعفر بن أبي طالب على النجاشي وقوله للنجاشي: بعث الله إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وعفافه وتلا علينا تنزيلا لا يشبهه شيء غيره. والأخبار الصحيحة المشهورة المروية من طرق شتى في معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة وهي في كتاب (دلائل النبوة) مكتوبة، والمعرفة بها لمن وقف عليها وأنعم النظر فيها حاصلة وإنما يذكر في هذا الكتاب من الدلائل أطرافها ومن الآيات والمعجزات ما يكون بلغة لمن لم يصل إلى معرفة جميعها فمنها ما
256 - أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد، أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، ثنا محمد بن عبد الله بن يزيد، ثنا يونس بن محمد، ثنا شيبان، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: إن أهل مكة سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين
257 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله يعني ابن مسعود، قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة انظروا السفار فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال: فسئل السفار وقدموا من كل وجه فقالوا: رأينا
258 - ومنها ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر أحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن الفضل قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا عثمان بن عمر، ثنا معاذ بن العلاء، عن نافع، عن ابن عمران، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر حن الجذع فأتاه فالتزمه وحدثنا السيد أبو الحسن العلوي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سعيد النسوي، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن فهد، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا أبو حفص بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء فذكره بإسناده ومعناه قال: فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسحه فسكن
259 - وأخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البخاري، أخبرنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، ثنا أيوب بن سليمان بن بلال، قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، قال: قال يحيى بن سعيد: أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: كان المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسقوفا على جذوع من نخل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع فلما صنع المنبر كان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت
260 - ورواه عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله وقال في آخره: «فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إليه، كانت تئن أنين الصبي الذي يسكت كانت تبكي على ما تسمع من الذكر عندها»
261 - وفي حديث سهل بن سعد الساعدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة ؟» فأقبل الناس عليها فرقوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم «
262 - وفي حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة»
263 - وفي حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى قول ابن عباس، وفي حديثه في هذه القصة فلما قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد بخواره
264 - وفي حديث أم سلمة فلما فقدته - تعني الخشبة - خارت كما يخور الثور حتى سمعها أهل المسجد وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة والأعلام الباهرة التي أخذها الخلف عن السلف، ورواية الأحاديث فيه كالتكلف
265 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو محمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن يعني ابن أبي حاتم الرازي، قال: قال أبي: قال عمرو بن سواد قال لي الشافعي رحمه الله: ما أعطى الله عز وجل نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم، فقلت أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فقال: أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع له صوت، فهذا أكبر من ذاك
266 - ومنها ما أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أخبرني الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن بشار العبدي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله هو ابن مسعود، قال «إنكم تعدون الآيات عذابا وكنا نعدها بركة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم الطعام ونحن نسمع تسبيح الطعام، وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:» حي على الطهور المبارك والبركة من السماء «حتى توضأنا كلنا
267 - وروينا في حديث أبي ذر تسبيح الحصيات في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان، ومنها ما
268 - أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن، أخبرنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت سالم بن أبي الجعد، قال شعبة: وأخبرني حصين بن عبد الرحمن، قال: سمعت سالم بن أبي الجعد، قال: قلت لجابر: كم كنتم يوم الشجرة ؟ قال: كنا ألفا وخمسمائة، وذكر عطشا أصابهم قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء في تور فوضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون، قال: فشربنا ووسعنا وكفانا قال: قلت: كم كنتم ؟ قال لو كنا مائة ألف كفانا، كنا ألفا وخمسمائة ورواه عبد العزيز بن مسلم وابن فضيل، عن حصين وفيه من الزيادة «فشربنا وتوضأنا» وفي رواية الأعمش عن سالم، عن جابر «فتوضأ الناس وشربوا»، قال: فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه وعلمت أنه بركة
269 - ورواه أيضا عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الروايات عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حي على الوضوء والبركة من الله» فأقبل الناس فتوضئوا وشربوا، وجعلت لا هم لي إلا ما أجعل في بطني من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «والبركة من الله»
270 - وفي رواية ابن عباس قال: فرأيت العيون تنبع من بين أصابعه قال: فأمر بلالا ينادي في الناس: الوضوء المبارك وهذا يكون في وقت آخر فإن ابن عباس لم يشهد الحديبية ورواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صنع ذلك، والأشبه أن ذلك كان بالمدينة
271 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا علي بن حمشاذ العدل، أخبرنا أبو المثنى، ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء فأتي بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه، قال أنس: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع بين أصابعه قال أنس: فحزرت من توضأ منه ما بين السبعين إلى الثمانين ورواه عبيد الله بن عمر، عن ثابت، عن أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء ورواه حميد عن أنس قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله يتوضأ وبقي قوم، فذكر الحديث وذكر عدد الثمانين وزيادة، وفي كل ذلك دلالة على أنه كان في وقت آخر سوى ما رواه جابر ومن تابعه. وروى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بالزوراء والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فدعا بقدح، فذكر الحديث غير أنه قال: قلت لأنس: يا أبا حمزة، كم كانوا ؟ قال: زهاء ثلاثمائة، فيشبه أن يكون هذا مرة أخرى
272 - وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال: فتبرز ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء ؟ فقلت: لا إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت فوضع كفه في الماء، قال الصدائي: فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور فهذا يكون خبرا عن قصة أخرى
273 - ومنها ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان نزلنا يوم الحديبية - وهي بئر - فوجدنا الناس قد نزحوها، فلم يدعوا فيها قطرة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بدلو فنزع منها ثم أخذ منه بفيه فمجه فيها ودعا الله فكثر ماؤها حتى صدرنا وركائبنا ونحن أربع عشرة مائة. ورواه أيضا سلمة بن الأكوع والمسور بن مخرمة وقد صنع مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بآبار، وقد ذكرنا صنعه بكل واحدة منها في كتاب الدلائل
274 - ومنها ما أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق، (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصغاني بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عوف عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، قال: سرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر هو وأصحابه، قال: فأصابهم عطش شديد فأقبل رجلان من أصحابه - قال: أحسبه عليا والزبير أو غيرهما - قال إنكما ستجدان بمكان كذا وكذا امرأة معها بعير عليه مزادتان على البعير فائتياني بها، قال: فأتيا المرأة فوجداها ركبت بين مزادتين على البعير فقالا لها: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ومن رسول الله ؟ أهذا الصابئ ؟ قالا: هو الذي تعنين وهو رسول الله حقا، فجاءا بها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في إناء من مزادتيها شيء ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول، وفي رواية إسحاق قال: ما شاء أن يقول ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بغطاء المزادتين ففتحت ثم أمروا الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملئوه، قال عمران بن حصين: فكان يخيل إلي أنهما لم يزدادا إلا امتلاء، قال: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بثوبها فبسط ثم أمر أصحابه فجاءوا من أزوادهم حتى ملأ لها ثوبها ثم قال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا ولكن الله سقانا، قال: فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت: جئتكم من عند أسحر الناس أو إنه لرسول الله حقا، قال: فجاء أهل ذلك الحواء حتى أسلموا كلهم وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا الحسن بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، أنا عوف بن أبي جميلة، فذكره بإسناده ومعناه يزيد وينقص، وقال في آخره: قال: فكان المسلمون يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي فيه فقالت يوما لقومها: إن هؤلاء القوم عمدا يدعونكم هل لكم في الإسلام، فأطاعوها فجاءوا جميعا فدخلوا في الإسلام. قال الشيخ: وهذا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرجو إسلامهم بما أرى المرأة منهم من معجزاته فأخبرتهم بذلك فعلموا تصديقه فأسلموا
275 - وحديث الميضأة الذي رواه عمران وأبو قتادة الأنصاري من هذا الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي قتادة: «أمعكم ماء ؟» قال: قلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء فتوضأ القوم وبقي في الميضأة جرعة، فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة فإنها سيكون لها شأن، فذكر الحديث في سيرهم، فلما اشتدت بهم الظهيرة قالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا، قال: «لا هلك عليكم» ثم قال: «يا أبا قتادة، ائتني بالميضأة» فأتيته بها فقال: حل لي غمري - يعني قدحه - فحللته فأتيته به فجعل يصب ويسقي الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا الملء فكلكم سيصدر عن ري» فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغيره فصب لي فقال: «اشرب يا أبا قتادة» قلت: اشرب أنت يا رسول الله، فقال: «إن ساقي القوم آخرهم شربا» فشربت ثم شرب بعدي وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمائة أخبرنا علي بن بشران، أخبرنا أبو جعفر الرزاز، أخبرنا محمد بن عبيد الله بن يزيد، ثنا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة فذكره وفي آخره تصديق عمران بن حصين عبد الله بن رباح في روايته، ورواه سليمان بن المغيرة، عن ثابت فقال فيه: فلما رأى الناس ما في الميضأة تكالبوا عليها، فقال: أحسنوا الملء كلكم سيروى
276 - ومنها ما أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا تمتام وهو محمد بن غالب، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عكرمة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابنا جهد شديد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا بعض مزاودكم» فأمر نبي الله بنطع فمد قال: فجاء القوم بشيء في جربهم فنبذوه، قال: فتطاولت أحزره حتى كم هو، فإذا هو كربضة الشاة ونحن أربع عشرة مائة فأكلنا حتى شبعنا أجمعين، قال: ثم تطاولت له بعدما شبع القوم أحزره كم هو، فإذا هو كربضة الشاة قال فحشونا جربنا منه ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنطفة في إداوة فصبها في قدح فرفعنا منها حتى تطهرنا بأجمعنا ثم جاء بعد ذلك ثمانية نفر قالوا: هل من وضوء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فرغ الوضوء». ورواه النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار وقال في الحديث: فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة. وروى أبو هريرة قصة الأزواد وقال: فدعا عليها حتى ملأ القوم أزودتهم وروي في مثل ذلك عن أبي عمرة الأنصاري، وعن أبي خنيس الغفاري، وعن ابن عباس، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم
277 - ومنها ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا محمد بن سابق، ثنا شيبان، عن فراس، قال: قال الشعبي: فحدثني جابر بن عبد الله، أن أباه، استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا كثيرا فلما حضر جذاذ النخل أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا فأنا أحب أن يراك الغرماء ، قال: «اذهب فبيدر كل تمرة على حدة» ففعلت ثم دعوته فلما نظروا إليه أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال: «ادع أصحابك» فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي وأنا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى إخوتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص منه ثمرة واحدة
278 - ومنها ما أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو النضر الفقيه، ثنا عثمان بن سعيد، أنا القعنبي، فيما قرأ على مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك، يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت، رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف به الجوع فهل عندك من شيء ؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه أناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرسلك أبو طلحة ؟» قال: فقلت: نعم، فقال: «طعام» فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «قوموا ننطلق» قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته قال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلمي ما عندك يا أم سليم» فجاءت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففته وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: «ائذن لعشرة» حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلا أو ثمانون ورواه سعد بن سعيد، عن أنس بن مالك، وزاد في آخره قال: ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا منها، ورواه النضر بن أنس، عن أنس وقال: وأكل منها بضع وثمانون رجلا وفضل منها فضل فدفعها إلى أم سليم فقال: «كلي وأطعمي جيرانك»
279 - وفي حديث جابر بن عبد الله أنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاع من شعير وعناق فدعا الله على القدر والتنور فأكلوا وهم ثلاثمائة قال: وأكلنا وأهدينا لجيراننا، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك قال الشيخ: وربو الطعام بتبريكه فيه حتى أكل منه عدد كثير، وزيادة الماء بدعائه قد رويناهما من أوجه أخرى. وفي حديث سمرة في القصعة التي كانت تمد من السماء وفي حديث أبي أيوب فيما صنع من الطعام وفي الشاة التي اشتراها من الأعرابي وفي اللبن الذي دعا عليه أهل الصفة وفيما خلف على عائشة من الشعير وفيما أعطى الرجل من الشعير وفيما بقي عند المرأة من السمن في العكة وغير ذلك في سائر هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها بأسانيدها مما يطول به الكتاب، وفيما أشرنا إليه كفاية وبالله التوفيق
280 - ومنها ما أخبرنا به أبو علي الحسين بن محمد بن محمد بن علي الروذباري، وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال، في آخرين قالوا: أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه فقال: «يا غلام هل من لبن ؟» قال: قلت: نعم ولكني مؤتمن، فقال: «هل من شاة لم ينزل عليها الفحل» فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر قال: ثم قال للضرع: «اقلص» فقلص قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول فمسح رأسي وقال: يرحمك الله فإنك غليم معلم ورواه حماد بن سلمة وغيره، عن عاصم فقال: هل عندك من جذعة لم ينزل عليها الفحل بعد ؟ فأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع فدعا فحفل الضرع وقد صنع مثل هذا في غير موضع، وصنع ذلك بشاة أم معبد حين مر بها في الهجرة حتى قال فيها الهاتف الأبيات المذكورة في قصتها
281 - ومنها ما أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا عبيد الله بن موسى، وعبد الله بن رجاء أبو عمرو الغداني (ح). وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا محمد بن سليمان بن الحارث، ثنا عبيد الله بن موسى، وعبد الله بن رجاء، قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: اشترى أبو بكر من عازب رحلا بثلاثة عشر درهما فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى رحلي، فقال له عازب: لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكما، قال: أدلجنا من مكة ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه فإذا صخرة فانتهيت إليها فإذا بقية ظل لها قال: فسويته، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة ثم قلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم ذهبت إليه أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا، فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أريد - يعني الظل - فسألته، فقلت له: لمن أنت يا غلام ؟ فقال لرجل من قريش، فسماه، فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن ؟ قال: نعم، قلت: هل أنت حالب لي ؟ قال: نعم، فأمرته، فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال: هكذا، فضرب إحدى كفيه على الأخرى، فحلب لي كثبة من لبن وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافقته وقد استيقظ فقلت: اشرب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله، قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت: هذا الطلب لقد لحقنا يا رسول الله، قال: «لا تحزن إن الله معنا»، فلما دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله، وبكيت، فقال: «ما يبكيك» ؟ فقلت: أما والله ما على نفسي أبكي ولكنني إنما أبكي عليك، قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اكفناه بما شئت»، قال فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها، ثم قال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه؛ فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها سهما؛ فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حاجة لنا في إبلك وغنمك»، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق راجعا إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا ورواه زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن البراء، عن أبي بكر قال فيه: واتبعنا سراقة بن مالك ونحن في جلد من الأرض، فقلت يا رسول الله، أتينا، فقال: (لا تحزن إن الله معنا) فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتطمت فرسه إلى بطنها
282 - ورواه الزهري، عن عبد الرحمن بن مالك المدلجي، عن أبيه، عن سراقة، فذكر قصة خروجه خلف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: حتى سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر التلفت، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، قال: فعرفت أنه منع مني وأنه ظاهر والأحاديث في دعائه على آحاد المشركين، ودعائه لآحاد المسلمين، واستسقائه، ودعائه بالحبس وإجابة الله تعالى إياه فيما سأل كثيرة، وهي في كتاب الدلائل بأسانيدها مذكورة
283 - ومنها ما أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من أرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: «يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا»، فملأت الإداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما»، ففعلت، فزحفت حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته، ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا فكأنما علينا الطير تظلنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم معها صبي تحمله، فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتناوله، فجعله بينه وبين مقدمة الرحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسأ عدو الله، أنا رسول الله»، فأعاد ذلك ثلاث مرات، ثم ناولها إياه، فلما رجعنا، فكنا بذلك الماء عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله، فقالت: يا رسول الله، اقبل مني هديتي؛ فوالذي بعثك بالحق نبيا إن عاد إليه بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا أحدهما منها وردوا الآخر»، ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا، فجاء جمل ناد، فلما كان بين السماطين خر ساجدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، من صاحب هذا الجمل» ؟ فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله، قال: «فما شأنه» ؟ قال: سنونا عليه منذ عشرين سنة فلما كبر سنه وكانت عليه شحيمة فأردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبيعونيه» ؟ قالوا: يا رسول الله، هو لك، قال: «فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله»، قالوا: يا رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ولو كان ذلك كان النساء لأزواجهن». وقد روى عبادة بن الوليد، عن جابر بن عبد الله قصة انقياد الشجرتين لنبينا صلى الله عليه وسلم واجتماعهما حتى استتر بهما، ثم افتراقهما وروى يعلى بن مرة، عن أبيه، وقيل: عنه دون أبيه أنه شهد هذه المعجزات الثلاث من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شهدهن جابر وروينا في حديث ابن عباس دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم العذق ونزوله من النخلة ومشيه إليه ورجوعه إلى مكانه. وفي حديث ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءه الشجرة وإقبالها إليه حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها. وفي حديث سلمان الفارسي حين كاتب قومه على كذا وكذا نخلة يغرسها لهم ويقوم عليها حتى تطعم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فغرس النخل كلها إلا نخلة واحدة غرسها غيره، فأطعم نخله من سنته إلا تلك النخلة. وفي حديث جابر وغيره في قصة خيبر إخبار الذراع إياه بأنها مسمومة، وفي حديث أبي سعيد الخدري شهادة الذئب لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وفي حديث النعمان بن بشير وسعيد بن المسيب شهادة زيد بن خارجة الأنصاري بعدما مات لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وفي حديث روي عن عمر وغيره في شهادة الضب لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وفي حديث ربعي بن حراش شهادة أخيه بعدما مات لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وفي حديث الأعمش، عن شمر بن عطية، عن أشياخه شهادة الصبي الذي شب ولم يتكلم لنبينا بالرسالة، وفي حديث معيقيب شهادة الرضيع لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وفي قصة أحد أن نبينا صلى الله عليه وسلم أعطى عبد الله بن جحش عسيبا من نخل وكان قد ذهب سيفه، فرجع في يد عبد الله سيفا، وفي مغازي محمد بن إسحاق بن يسار، ثم الواقدي في قصة بدر أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل القامة، فلم يزل عنده حتى هلك، وفي كتاب الواقدي أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده فقال: اضرب به؛ فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. وفي قصة بدر - وقيل: أحد - عن قتادة بن النعمان أنه أصيبت عينه، فسالت حدقته على وجنته، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. وعن رفاعة بن رافع أنه رمي يوم بدر بسهم ففقئت عينه، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له فما آذاه، وبصق في عين علي رضي الله عنه يوم خيبر من رمد كان بها ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، ثم لم يشك عينيه بعد، وله من دعواته واستسقائه واستشفائه وإجابة الله تعالى إياه في جميع ذلك آيات كثيرة ودلالات واضحة، ومعجزاته أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى؛ وإنما نشير هاهنا من كل جنس إلى مقدار ما يتضح به ما قصدناه في هذا الكتاب، وقد روينا أن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي ودحية غائب، ورأى جماعة من المشركين جماعة من الملائكة الذين أمد بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ورأى سعد بن أبي وقاص يوم أحد رجلين أحدهما عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم والآخر عن يساره عليهما ثياب بياض يقاتلان عنه أشد القتال ما رآهما قبل ذلك ولا بعده وإذا هما ملكان. وأما إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الكوائن أيام حياته وبعد وفاته وظهور صدقه في جميع ذلك فهي كثيرة وهي في كتاب الدلائل منقولة، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر حين كان بمكة بما أفسدت الأرضة من صحيفة قريش، فأتي بها فوجدت كما قال، وحين أخبر عن مسراه إلى بيت المقدس، ثم إلى السماوات السبع وكذب فيه؛ أخبر عن عيرهم التي رآها في طريقه: عن قدومها، وعن نبأ بيت المقدس، فكان كما قال، وأخبر أصحابه بما وقع لزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة بمؤتة، ونعاهم قبل أن يجيء خبرهم. ونعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وأخبر عن كتاب حاطب بن أبي بلتعة، وأخبر عن أشياء وجد تصديقه في جميعها، ورواية جميع ذلك هاهنا مما يطول به الكتاب ووعد أمته الفتوح التي وجدت بعده وحذرهم الفتن التي بدت في آخر خلافة عثمان وظهرت عند قتله وبعده، وأخبرهم بمدة بقاء الخلفاء بعده، وأشار إلى الملوك الذين يكونون بعدهم من بني أمية، ثم بني العباس فكانوا كما قال وسمى جماعة من أصحابه شهداء، فأدركوا الشهادة بعده، وأخبر بأن عبد الله بن سلام لا يدرك الشهادة غير أنه يموت على الإسلام فكان كما أخبر، وأخبر عن البلاء الذي أصاب عثمان بن عفان، وعن قتل عمار بن ياسر وقتل ابن ابنته الحسين بن علي، وإصلاح الحسن بن علي ابن ابنته بين فئتين عظيمتين من المسلمين، فوجد تصديقه في جميع ذلك، ونعى نفسه إلى ابنته فاطمة، وأخبر بأنها أول أهله لحوقا به، فكان كما قال، وبشر أمته بكفاية الله شر الأسود العنسي ومسيلمة الكذابين، فكان كما أخبر، وذكر أويسا القرني ووصفه بما وجد تصديقه بعده. وارتد رجل من الأنصار، ولحق بالكفار وكان قد قرأ البقرة وآل عمران، ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبله الأرض»، فدفن مرارا، فلم تقبله الأرض ولكل جنس من أجناس دلائل صدقه أشياء ذكرناها في كتاب دلائل النبوة، ومن أراد معرفتها بأسانيدها رجع إليها إن شاء الله تعالى، ولنبينا صلى الله عليه وسلم مرتبة عظيمة ومنزلة شريفة بما كان له من خاتم النبوة، وكانت له علامة ظاهرة في كتفه عرفه بها أهل الكتاب، وبسائر صفاته التي وجدوه مكتوبا بها في كتبهم، ثم بما كان من شق قلبه واستخراج حظ الشيطان منه، وغسله، وكان أمرا ظاهرا شاهده جماعة كانوا معه، وكان أنس بن مالك يقول: كنت أرى أثر المخيط في صدره. ثم بما كان له من المعراج ليلة أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى سدرة المنتهى، وكان ذلك في اليقظة، وكل ما أخبر عنه من رؤية من رآه تلك الليلة من الملائكة والنبيين والجنة والنار وغير ذلك من آيات ربه كان رؤية عين
284 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله عز وجل (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: وهي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقد ذكرنا قصة المعراج وشق الصدر وصفة خاتم النبوة في كتاب دلائل النبوة، وأما قول الله عز وجل (ولقد رآه بالأفق المبين) (ولقد رآه نزلة أخرى) فقد قالت عائشة: أنا أول هذه الأمة سأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض»، وفي حديث عبد الله بن مسعود في هذه الآية (فكان قاب قوسين أو أدنى) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح»، وعن عبد الله بن مسعود في قوله (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: رأى جبريل له ستمائة جناح، وعن أبي هريرة مثل ذلك، وذهب ابن عباس إلى أنه رأى ربه مرتين وحمل الآيتين على رؤيته ربه عز وجل والله أعلم. وقد مضى ذكر أقاويلهم وأقاويل غيرهم في ذلك بأسانيدها في كتاب الأسماء والصفات وكتاب الرؤية
فصل: والأنبياء عليهم السلام بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم جماعة منهم ليلة المعراج وأمر بالصلاة عليه والسلام عليه. وأخبر - وخبره صدق - أن صلاتنا معروضة عليه وأن سلامنا يبلغه، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان مكتوبا عند الله عز وجل قبل أن يخلق نبيا ورسولا، وهو بعدما قبضه نبي الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه والذين يبلغون عنه أوامره ونواهيه خلفاؤه، فرسالته باقية وشريعته ظاهرة حتى يأتي أمر الله عز وجل، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القول, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir