دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 09:37 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي استعمال القول بمعنى (الظن)


وكتَظُنُّ اجْعَلْ تَقولُ إنْ وَلِي =مُستَفْهَمًا بهِ ولمْ يَنفَصِلِ
بغيرِ ظَرْفٍ أوْ كظَرْفٍ أوْ عَمَلْ = وإنْ ببَعْضِ ذي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ
وأُجْرِيَ القولُ كَظَنٍّ مُطْلَقًا = عندَ سُلَيْمٍ نَحْوُ قُلْ ذا مُشْفِقًا


  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وَكَتَظُنُّ اجْعَلْ (تَقُولُ) إِنْ وَلِي = مُسْتَفْهَماً بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلِ ([1])
بغيرِ ظَرْفٍ أو كَظَرْفٍ أو عَمَلْ = وإنْ بِبَعْضِ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ ([2])

القولُ شَأْنُه إذا وَقَعَتْ بعدَه جملةٌ أنْ تُحْكَى، نحوُ: (قالَ زيدٌ: عمرٌو مُنْطَلِقٌ)، وتقولُ: (زيدٌ مُنْطَلِقٌ) لكِنَّ الجُمْلَةَ بعدَه في مَوْضِعِ نَصْبٍ على المفعوليَّةِ.
ويَجُوزُ إجراؤُه مُجْرَى الظنِّ، فيَنْصِبُ المبتدأَ والخبرَ مفعوليْنِ، كما تَنْصِبُهُما (ظَنَّ).
والمشهورُ أنَّ للعربِ في ذلك مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدُهما، وهو مَذْهَبُ عامَّةِ العربِ: أنه لا يُجْرَى القولُ مُجْرَى الظنِّ إلا بِشُرُوطٍ، ذَكَرَها المصنِّفُ أَرْبَعَةً، وهي التي ذَكَرَها عامَّةُ النحْويِّينَ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ الفِعْلُ مُضارِعاً.
الثاني: أنْ يكونَ للمُخَاطَبِ، وإليهما أشارَ بقولِه: (اجْعَلْ تَقُولُ)؛ فإنَّ (تقولُ) مُضَارِعٌ، وهو للمخاطَبِ.
الشرطُ الثالِثُ: أنْ يكونَ مسبوقاً باستفهامٍ، وإليه أشارَ بقولِه: (إنْ وَلِي مُسْتَفْهَماً به).
الشرطُ الرابِعُ: ألاَّ يُفْصَلَ بينَهما؛ أي: بينَ الاستفهامِ والفعلِ، بغيرِ ظرفٍ ولا مجرورٍ ولا معمولِ الفعلِ، فإنْ فُصِلَ بأَحَدِها لم يَضُرَّ، وهذا هو المرادُ بقولِه: (وَلَمْ يَنْفَصِلِ بِغَيْرِ ظَرْفٍ... إِلَى آخِرِه).
فمِثالُ ما اجْتَمَعَتْ فيه الشروطُ قولُكَ: (أَتَقُولُ عَمْراً مُنْطَلِقاً)؛ فعمراً مفعولٌ أوَّلُ، ومُنْطَلِقاً مفعولٌ ثانٍ، ومنه قولُه:
134- مَتَى تَقُولُ الْقُلُصَ الرَّوَاسِمَا = يَحْمِلْنَ أُمَّ قَاسِمٍ وَقَاسِمَا ([3])
فلو كانَ الفعلُ غيرَ مضارعٍ، نحوُ: (قالَ زيدٌ: عَمْرٌو منطلِقٌ) لم يَنْصِبِ القوْلُ مفعوليْنِ عندَ هؤلاء، وكذا إنْ كانَ مضارعاً بغيرِ تاءٍ، نحوُ: (يقولُ زيدٌ: عَمْرٌو منطلِقٌ)، أو لم يَكُنْ مسبوقاً باستفهامٍ، نحوُ: (أنتَ تقولُ: عمرٌو مُنْطَلِقٌ)، أو سُبِقَ باستفهامٍ ولكن فُصِلَ بغيرِ ظرفٍ ولا جارٍّ ومجرورٍ ولا معمولٍ له، نحوُ: (أَأَنْتَ تقولُ: زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ).
فإنْ فُصِلَ بأَحَدِها لم يَضُرَّ، نحوُ: (أَعِنْدَكَ تَقُولُ زَيْداً مُنْطَلِقاً)، و(أفي الدارِ تقولُ زَيْداً مُنْطَلِقاً)، و(أعمراً تقولُ مُنْطَلِقاً) ومنه قوله:
135- أَجُهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍّ = لَعَمْرُ أَبِيكَ أَمْ مُتَجَاهِلِينَا ([4])
فبني لُؤَيٍّ مفعولٌ أوَّلُ، وجُهَّالاً مفعولٌ ثانٍ.
وإذا اجْتَمَعَتِ الشروطُ المذكورةُ جازَ نصبُ المبتدأِ والخبرِ مفعوليْنِ لِتَقُولُ؛ نحوُ: (أَتَقُولُ زيداً مُنْطَلِقاً)، وجازَ رَفْعُهُما على الحِكايةِ، نحوُ: (أتقولُ: زيدٌ منطلِقٌ).

وأُجْرِيَ القَوْلُ كَظَنٍّ مُطْلَقَا = عِنْدَ سُلَيْمٍ، نَحْوُ: (قُلْ ذَا مُشْفِقَا) ([5])
أشارَ إلى المَذْهَبِ الثاني للعربِ في القولِ، وهو مَذْهَبُ سُلَيْمٍ، فيُجْرُونَ القولَ مُجْرَى الظنِّ فى نَصْبِ المفعوليْنِ مُطلقاً؛ أي: سَوَاءٌ كانَ مُضَارِعاً أم غيرَ مضارِعٍ، وُجِدَتْ فيه الشروطُ المذكورةُ أم لم تُوجَدْ، وذلكَ نحوُ: (قُلْ ذا مُشْفِقاً)، فـ(ذا) مفعولٌ أوَّلُ، و(مُشْفِقاً) مفعولٌ ثانٍ، ومِن ذلك قولُه:
136- قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلاً فَطِينَا = هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا ([6])
فـ(هذا) مفعولٌ أوَّلُ لِقَالَتْ، و(إِسْرَائِينَا) مفعولٌ ثانٍ.


([1])ََتَظُنُّ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ باجْعَلِ الآتِي،(اجْعَلْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (تقولُ) قُصِدَ لَفْظُهُ، مفعولٌ به لاجْعَلْ،(إنْ) شرطيَّةٌ،َلِي) فِعْلٌ ماضٍ، فعلُ الشرطِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى تقولُ،ُسْتَفْهَماً) مفعولٌ به لِوَلِي،(به) جَارٌّ ومَجْرُورٌ في مَوْضِعِ نائبِ فاعلٍ لمُسْتَفْهَمٍ؛ لأنَّه اسمُ مفعولٍ،(ولم يَنْفَصِلِ) الواوُ للحالِ، ولم: حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ، يَنْفَصِلِ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌبلم، وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ، وحُرِّكَ بالكسرِ لأجلِ الرَّوِيِّ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى تقولُ، وجملةُ لم يَنْفَصِل وفاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ.

([2])ِغَيْرِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَنْفَصِلَ في البيتِ السابقِ، وغيرِ مضافٌ و(ظرفٍ) مضافٌ إليه،(أو) عاطفةٌ،(كظرفٍ) الكافُ اسمٌ بمعنى مثلَ،معطوفٌ على غيرِ،والكافُ مضافٌ وظرفٍ مضافٌ إليه،(أو) عاطفةٌ،َمَلْ) معطوفٌ على غيرِ،(وإنْ) شَرْطِيَّةٌ،ِبَعْضِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بفَصَلْتَ الآتي، وبعضِ مضافٌ و(ذي) مضافٌ إليه،َصَلْتَ) فَصَل: فِعْلٌ ماضٍ، فعلُ الشرطِ، والتاءُ ضميرُ المخاطَبِ فاعلٌ،(يُحْتَمَلْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، مجزومٌ بالسكونِ؛ لأنَّه جوابُ الشرطِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الفصلِ المفهومِ مِن قَوْلِهِ:َصَلْتَ).

([3]) البيتُ لِهُدْبَةَ بنِ خَشْرَمٍ العُذْرِيِّ، مِن أُرْجُوزَةٍ رَوَاهَا غيرُ واحدٍ مِن حَمَلَةِ الشعرِ، ومنهم التِّبْرِيزِيُّ في (شرحِ الحماسةِ) (2/46)،ولكنَّ رِوَايَةَ التِّبْرِيزِيِّ للبيتِ المُسْتَشْهَدِ به على غيرِ الوجهِ الذي يَذْكُرُهُ النُّحَاةُ، ورِوَايَتُه هكذا:
لَقَدْ أَرَانِي وَالْغُلاَمَ الْحَازِمَا = نُزْجِي الْمَطِيَّ ضُمَّراً سَوَاهِمَا
مَتَى يَقُودُ الذُّبَّلَ الرَّوَاسِمَا = وَالْجِلَّةَ النَّاجِيَةَ الْعَوَاهِمَا
اللغةُ: (القُلُصَ) بزِنَةِ كُتُبٍ وسُرُرٍ: جمعُ قَلُوصٍ، وهي الشابَّةُ الفَتِيَّةُ مِن الإبلِ، وهي أوَّلُ ما يُرْكَبُ مِن إناثِ الإبلِ خاصَّةً،(الرَّوَاسِمَ) المُسْرِعَاتِ في سَيْرِهِنَّ، مأخوذٌ مِن الرَّسِيمِ، وهو ضَرْبٌ مِن سَيْرِ الإبلِ السريعِ،َحْمِلْنَ) يُرْوَى في مكانِه:ُدْنِينَومعناه: يَقْرُبْنَ،ُمَّ قَاسِمٍ) هي كُنْيَةُ امرأةٍ، وهي أختُ زِيَادَةَ بنِ زَيْدٍ العُذْرِيِّ.
المعنى: متَى تَظُنُّ النُّوقَ المُسْرِعَاتِ يُقَرِّبْنَ مِنِّي مَن أُحِبُّ أنْ يَحْمِلْنَهُ إِلَيَّ؟
الإعرابُ: (متى) اسمُ استفهامٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ، وعامِلُه تقولُ، (تقولُ) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،(القُلُصَ) مفعولٌ به أوَّلُ لِتَقُولُ،(الرَّوَاسِمَا) نَعْتٌ لِلْقُلُصَ،َحْمِلْنَ) يَحْمِل: فعلٌ مضارِعٌ، ونونُ الإناثِ فاعلٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ مفعولٌ ثانٍ لِتَقُولُ،ُمَّ) مفعولٌ به لِيَحْمِلْنَ، وأمَّ مضافٌ و(قَاسِمٍ) مضافٌ إليه،(وقَاسِمَا) معطوفٌ على أُمَّ قَاسِمٍ.
الشاهدُ فيه: قولُه:َقُولُ الْقُلُصَ... يَحْمِلْنَحيثُ أَجْرَى تقولُ مُجْرَى تَظُنُّ، فنَصَبَ به مفعوليْنِ:
الأوَّلُ: قولُه: (القُلُصَ) والثاني: جملةَُحْمِلْنَ) مِن الفعلِ وفاعلِه،كما قَرَّرْنَاهُ لكَ في الإعرابِ؛وذلك لاستيفائِه الشروطَ، ويَرْوِيهِ بعضُهم: * مَتَى تَظُنُّ.. إلخ * فلا شاهدَ فيه،ولكنَّه دليلٌ على أنَّ (تقولُ) يَجْرِي مَجْرَى تَظُنُّ؛ لأنَّه إذا وَرَدَتْ روايتانِ في بيتٍ واحدٍ، وجاءَتْ كَلِمَةٌ في إحدَى الروايتيْنِ مكانَ كَلِمةٍ في الروايةِ الأخرى، دَلَّ ذلك على أنَّ الكَلِمَتَيْنِ بمعنًى واحدٍ؛ إذ لو اخْتَلَفَ معناهما لم يَسُغْ لِرَاوٍ أو لشاعرٍ آخَرَ أنْ يَضَعَ إِحْدَاهُما مكانَ الأخرى؛ لئلا يُفْسِدَ المَعْنَى الذي قَصَدَ إليه قائلُ البيتِ؛ لأنَّ شرطَ الروايةِ بالمعنى ألاَّ تُغَيِّرَ المرادَ.

([4]) هذا البيتُ لِلْكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ الأَسدِيِّ.
اللغةُ: (أَجُهَّالاً) الجُهَّالُ: جَمْعُ جَاهِلٍ،ويُرْوَى في مكانِه:َنُوَّاماًوهو جمعُ نائمٍ،َنُو لُؤَيٍّ) أرادَ بهم جمهورَ قُرَيْشٍ وعامَّتَهُم؛ لأنَّ أَكْثَرَهُم يَنْتَهِي نَسَبُه إلى لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ، وهو أبو قُرَيْشٍ كُلِّها،ُتَجَاهِلِينَا) المُتَجَاهِلُ: الذي يَتَصَنَّعُ الجهلَ ويَتَكَلَّفُه وليسَ به جهلٌ، والذين رَوَوْا في صدرِ البيتِ:َنُوَّاماً) يَرْوُونَ هنا:ُتَنَاوِمِينَا)،والمتناوِمُ: الذي يَتَصَنَّعُ النومَ، والمرادُ: تَصَنُّعُ الغفلةِ عمَّا يَجْرِي حولَهم مِن الأحداثِ.
المعنى: أَتَظُنُّ قريشاً جاهلينَ حينَ اسْتَعْمَلُوا في وِلاياتِهِم اليَمَنِيِّينَ وآثَرُوهُم على المُضَرِيِّينَ، أم تَظُنُّهُم عالِمِينَ بحقيقةِ الأمرِ مُقَدِّرِينَ سُوءَ النتائجِ غيرَ غافلينَ عمَّا يَنْبَغِي العملُ به، ولكنَّهم يَتَصَنَّعُونَ الجهلَ ويَتَكَلَّفُونَ الغفلةَ لِمَآرِبَ لهم في أنفسِهِم؟
الإعرابُ: (أَجُهَّالاً) الهمزةُ للاستفهامِ، جُهَّالاً: مفعولٌ ثانٍ مُقَدَّمٌ على عاملِهِ وعلى المفعولِ الأوَّلِ، (تَقُولُ) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (بَنِي) مفعولٌ أوَّلُ لِتَقُولُ، وبني مُضَافٌ و(لُؤَيٍّ) مضافٌ إليه،َعَمْرُ) اللامُ لامُ الابتداءِ، عَمْرُ: مبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ وُجُوباً، وعَمْرُ مضافٌ وأبي مِن (أَبِيكَ) مضافٌ إليه، وأبي مضافٌ والكافُ ضميرُ المخاطَبِ مضافٌ إليه،َمْ) عاطفةٌ، (مُتَجَاهِلِينَا) معطوفٌ على قولِهِ: (جُهَّالاً).
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أَجُهَّالاً تقولُ بَنِي لُؤَيٍّ)؛حيثُ أَعْمَلَ (تقولُ) عَمَلَ (تَظُنُّ)،فنَصَبَ به مفعوليْنِ: أَحَدُهما: قولُه (جُهَّالاً)،والثاني: قولُه: (بَنِي لُؤَيٍّ)،معَ أنه فَصَلَ بينَ أداةِ الاستفهامِ- وهي الهمزةُ - والفعلِ بفاصلٍ،وهو قولُه: (جُهَّالاً)،وهذا الفصلُ لا يَمْنَعُ الإعمالَ؛ لأنَّ الفاصِلَ معمولٌ للفعلِ؛ إذ هو مفعولٌ ثانٍ له.

([5])ُجْرِيَ) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، (القَوْلُ) نائبُ فاعلٍ لأُجْرِيَ، (كَظَنٍّ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ مِن القولِ، (مُطْلَقَا) حالٌ ثانٍ من القولُ، (عِنْدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بأُجْرِيَ، َوعندَ مضافٌ و(سُلَيْمٍ) مضافٌ إليه،َحْوُ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، (قُلْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ،َا) مفعولٌ أوَّلُ لِقُلْ، (مُشْفِقَا) مفعولٌ ثانٍ.

([6]) البيتُ لأَعْرَابِيٍّ صَادَ ضَبًّا فأَتَى به أَهْلَه،فقَالَتْ له امرأتُه: (هذا لَعَمْرُ اللهِ إسرائيلُأي: هو ما مُسِخَ مِن بني إسرائيلَ، ورَوَاهُ الجَوَالِيقِيُّ في كتابِه (المُعَرَّبِ) هكذا:
وقالَ أهلُ السُّوقِ لَمَّا جِينَا = هذا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا
اللغةُ: (فَطِينَا) وَصْفٌ مِن الفِطْنَةِ، وتقولُ: فَطِنَ الرجلُ يَفْطَنُ ـ بوِزَانِ عَلِمَ يَعْلَمُ ـ فِطْنَةً ـ بكسرٍ فسكونٍ ـ وفَطَانَةً وفَطَانِيَةً ـ بفتحِ الفاءِ فيهما ـ وتقولُ أيضاًً: فَطَنَ يَفْطُنُ بوَزْنِ قَعَدَ يَقْعُدُ، والفِطْنَةُ: الفَهْمُ، والوصفُ المشهورُ من هذه المادَّةِ فَطِنٌ،بفتحٍ فكسرٍ،ِينَا) أصلُه جِئْنَا ـ بالهمزةِ ـ فلَيَّنَهُ بقلبِ الهمزةِ الساكنةِ حرفَ مَدٍّ مِن جِنْسِ حَرَكَةِ ما قَبْلَها،ِسْرَائِينَ) لغةٌ في إسرائيلَ، كما قالُوا: جِبْرِينَ، وإِسْمَاعِينُ، يُرِيدُونَ: جِبْرِيلُ وإِسْمَاعِيلُ.
الإعرابُ: (قالَتْ): قالَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ،والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي،َكُنْتُ) الواوُ واوُ الحالِ، كانَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، والتاءُ اسْمُه،(رَجُلاً) خبرُ كانَ،َطِينَا) صفةٌ لرَجُلٍ، والجملةُ مِن كانَ واسمِها وخبرِها في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ، (هَذَا) ها: حرفُ تنبيهٍ، واسمُ الإشارةِ مفعولٌ أوَّلُ لقَالَتْ، بمعنى ظَنَّتْ، (لَعَمْرُ) اللامُ لامُ الابتداءِ، عَمْرُ: مبتدأٌ، وخَبَرُه محذوفٌ وُجُوباً، والتقديرُ: لَعَمْرُ اللهِ يَمِينِي،وعَمْرُ مضافٌ و(اللهِ) مضافٌ إليه، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ مُعْتَرِضَةٌ بينَ المفعولِ الأوَّلِ والمفعولِ الثاني،ِسْرَائِينَا) مفعولٌ ثانٍ لقالَتْ.
الشاهِدُ فيه: قولُه:َالَتْ.. هَذَا.. إِسْرَائِينَا)؛حيثُ أَعْمَلَ (قالَ) عَمَلَ (ظَنَّ)،والدليلُ على ذلك أنه نَصَبَ به مفعوليْنِ: أَحَدُهما: اسمُ الإشارةِ، وهو (ذا) مِن (هذا)، والثاني: (إِسرائِينَا)،هكذا قالُوا، والذي حَمَلَهم على هذا أنهم وَجَدُوا (إسرائِينَا) منصوباً.
وأنتَ لو تَأَمَّلْتَ بعضَ التأمُّلِ لوَجَدْتَ أنه يُمْكِنُ أنْ يكونَ (هذا) مبتدأً، و(إِسْرَائِينَا) مضافٌ إلى محذوفٍ يَقَعُ خَبَراً، وتقديرُ الكلامِ: (هذا مَمْسُوخُ إِسْرَائِينَا)،فحَذَفَ المضافَ وأبقَى المضافَ إليه على جرِّه بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه لا يَنْصَرِفُ للعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ.
وحَذْفُ المضافِ وإبقاءُالمضافِ إليه على جَرِّهِ جائزٌ، وإنْ كانَ قليلاً في مِثْلِ ذلك، وقد قُرِئَ في قَوْلِهِ تعالى: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةِ) بجرِّ الآخرةِ على تقديرِ مضافٍ محذوفٍ، يَقَعُ منصوباً مفعولاً به لِيُرِيدُ، والأصلُ: واللهُ يُرِيدُ ثوابَ الآخِرَةِ.
وهكذا خَرَّجَهُ ابنُ عُصْفُورٍ، وتَخْرِيجُ الجماعةِ أَوْلَى؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الحذفِ، ولأن حَذْفَ المضافِ وبقاءَ المضافِ إليه على حالِهِ قليلٌ في هذه الحالةِ، ولأن نصبَ المفعوليْنِ بالقولِ مطلقاً لُغَةٌ لبعضِ العربِ؛ كما قَرَّرَهُ الناظِمُ والشارِحُ، فلا مانعَ من أنْ يكونَ قائلُ هذا البيتِ واحداً مِمَّن هذه لُغَتُهم.
بَقِيَ شيءٌ، وهو أنَّ الظاهرَ من الحالِ أنَّ المعنَى المقصودَ من هذا البيتِ ليسَ على تَضْمِينِ القولِ معنى الظنِّ، ولكنَّه على الحِكَايَةِ، وذلك يَقْتَضِي أنْ يكونَ ما بعدَ القولِ جملةً مُؤَلَّفَةً مِن مبتدأٍ وخبرٍ، فيكونُ اسمُ الإشارةِ مبتدأً، وقولُه: (إِسْرَائِينَا) مضافاً إلى الخبرِ المحذوفِ، وقد أُبْقِيَ على حالِهِ التي كانَ عليها قبل حَذْفِ المضافِ، وأصلُه: هذا مَمْسُوخُ بني إِسْرَائِينَ؛ وذلك لأنَّ الرجلَ كانَ في يَدِهِ ضَبٌّ، فلَمَّا رَأَتْهُ امْرَأَتُهُ، أَوْ لَمَّا رَآهُ أهلُ السُّوقِ نَطَقُوا بهذه العبارةِ، وليسَ المرادُ أنهم ظَنُّوا ذلك، فهذا يُؤَيِّدُ صِحَّةَ تخريجِ ابنِ عُصْفُورٍ، وإنْ كانَ الوجهُ الصناعيُّ الذي خَرَجَ عليه ضَعيفاً.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:09 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلٌ: تُحْكَى الجملةُ الفعليَّةُ بعدَ القولِ, وكذا الاسميَّةُ, وسُلَيْمٌ يُعْمِلونَه فيها عَمَلَ (ظَنَّ) مُطْلقاً، وعليهِ يُرْوَى قولُه:
193- تَقُولُ هَزِيزَ الرِّيحِ مَرَّتْ بِأَثْأَبِ([1])
بالنَّصْبِ, وقولُه:
194- إِذَا قُلْتُ أَنِّي آئِبٌ أهْلَ بَلْدَةٍ([2])
بالفتحِ([3]), وغَيْرُهم يَشْتَرِطُ شُرُوطاً, وهي كونُه مُضارِعاً، وسَوَّى بهِ السِّيرَافِيُّ (قُلْتَ) بالخطابِ، والكُوفِيُّ (قُلْ)، وإسنادُه للمُخاطَبِ, وكونُه حالاً، قالَه الناظِمُ, وَرُدَّ بقَوْلِه:
195- فَمَتَى تَقُولُ الدَّارَ تَجْمَعُنَا([4])
والحَقُّ أنَّ مَتَى ظَرْفٌ لـ (تَجْمَعُنا), لا لـ تَقُولُ, وكونُه بعدَ استفهامٍ بحرفٍ أو باسمٍ, سَمِعَ الكِسَائِيُّ: (أَتَقُولُ لِلْعِمَيانِ عَقْلاً). وقالَ:
196- * عَلامَ تَقُولُ الرُّمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي *([5])
قالَ سِيبَوَيْهِ والأخْفشُ: وكونُهما مُتَّصِلَيْنِ, فلو قُلْتَ: (أَأَنْتَ تَقُولُ) فالحِكَايَةُ. وخُولِفَا, فإنْ قَدَّرْتَ الضميرَ فاعِلاً بمَحْذوفٍ، والنَّصْبَ بذلك المَحْذوفِ جازَ اتِّفاقاً, واغْتَفَرَ الجميعُ الفصلَ بظرفٍ أو مجرورٍ أو مَعْمولِ القولِ, كقولِه:
197- أَبَعْدَ بُعْدٍ تَقُولُ الدَّارَ جَامِعَةً([6])
وقولِه:
198- أُجَهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍّ([7])
قالَ السُّهَيلِيُّ: وأنْ لا يَتَعَدَّى باللامِ؛ كـ (تَقُولُ لِزَيْدٍ عَمْرٌو مُنْطَلِقٌ).
وتَجوزُ الحكايةُ معَ استيفاءِ الشُّروطِ نَحْوَ: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ}([8]) الآيةَ. في قِرَاءَةِ الخِطَابِ, ورُوِيَ: *عَلامَ تَقُولُ الرُّمْحُ* بالرفْعِ.


([1])193-هذا عَجُزُ بَيْتٍ مِنَ الطَّويلِ، وصَدْرُه قولُه:
*إِذَا مَا جَرَى شَأْوَيْنِ وَابْتَلَّ عِطْفُهُ*

والبيتُ في وَصْفِ فَرَسٍ، وهو من قصيدةٍ لامْرِئِ القيسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، وأَوَّلُها قولُه:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدَبٍ = لِنَقْضِيَ حَاجَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ
اللغةُ: (شَأْوَيْنِ) مُثَنَّى شَأْوٍ – بفَتْحِ الشينِ وسكونِ الهمزةِ – وهو الشَّوْطُ والطَّلْقُ، تَقولُ: جَرَى الفَرَسُ شَأْواً، تُرِيدُ شَوْطاً، ومنه قالوا: فلانٌ لا يُدْرَكُ شَأْوُهُ، يُرِيدُونَ أنَّه سَبَّاقٌ فِي المَكْرُمَاتِ، لا يُجارِيهِ أَحَدٌ ولا يُبارِيهِ, (عِطْفُهُ) - بكَسْرِ العينِ وسكونِ الطاءِ المُهْملَةِ –: جَانِبُه، وأَرَادَ من قولِه: (ابْتَلَّ عِطْفُهُ) أنَّه عَرِقَ, (هَزِيزَ الرِّيحِ) دَوِيُّها عندَ هُبوبِها, (أَثْأَبِ) اسْمُ جنسٍ جَمْعِيٌّ, وَاحِدَتُه أَثْأَبَةٌ، وهي الشَّجَرَةُ، والرِّيحُ إذا مَرَّتْ بالشجرةِ سَمِعْتَ دَوِيَّهَا عَالِياً.
المعنَى: يَصِفُ الفَرَسَ بأنَّه سَرِيعُ الجَرْيِ شَديدُه، يَشُقُّ الجوَّ شَقًّا، حتَّى لَتَظُنُّهُ عندَما يَشْتَدُّ جَرْيُه رِيحاً مَرَّتْ بشَجَرةٍ.
الإعرابُ: (تَقولُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ بمعنَى تَظُنُّ مَرْفُوعٌ؛ لتَجَرُّدِه من الناصبِ والجازمِ, وعلامةُ رَفْعِه الضمَّةُ الظاهرةُ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ وُجوباً، تقديرُه: أنتَ, (هَزِيزَ) مَفْعولٌ أَوَّلُ لتَقُولُ، مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مُضافٌ, و(الرِّيحِ) مضافٌ إليهِ, (مَرَّتْ) مَرَّ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوازاً تَقْدِيرُه: هي, يَعودُ إلى الرِّيحِ, (بأثْأَبِ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بمَرَّ، والجملةُ من الفعلِ الماضي وفاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ, مفعولٌ ثانٍ لتَقُولُ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (تَقولُ) حَيْثُ استعْمَلَه بمعنَى تَظُنُّ من غَيْرِ أنْ يَتقَدَّمَهُ استفهامٌ، ونَصَبَ فيهِ مفعوليْنِ: أحَدُهما قولُه: (هَزِيزَ الرِّيحِ), وثانيهِما: جملةُ (مَرَّتْ بأثْأَبِ), والذين يُجْرُونَهُ هذا المُجرَى بغيرِ قَيْدٍ هم بَنو سُلَيْمٍ من بينِ العربِ كَافَّةً، وأمَّا غيرُهم فيَتَقَيَّدُونَ بقُيودٍ ذَكرَها المُؤَلِّفُ كغيرِه من النُّحاةِ.

([2])194-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*وَضَعْتُ بِهَا عَنْهُ الوَلِيَّةَ بِالهَجْرِ*

والبيتُ من كَلِمةٍ للحُطَيْئَةِ يَصِفُ بَعِيرَه بالسرعةِ، ومثلُه في المعنَى قَوْلُ حُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ:
إِذَا القَوْمُ قَالُوا: وِرْدُهُنَّ ضُحَى غَدٍ = تَوَاهَقْنَ حَتَّى وِرْدُهُنَّ طُرُوقُ
تَوَاهَقْنَ: تَبَارَيْنَ في السَّيْرِ، وأرادَ أسْرَعْنَ، وطُرُوقُ: هو الوُرودُ لَيْلاً.
اللغةُ: (قُلْتُ) معناها ههنا: ظَنَنْتُ, (آئِبٌ) اسْمُ الفَاعِلِ مِن (آبَ يَؤُوبُ) إذا رَجَعَ، والعادةُ أنْ يَرْجِعَ الإنسانُ من عَمَلِه آخرَ النهارِ، وفي أَوَّلِ الليلِ، وأرادَ هنا من الأَوْبِ وَقْتَهُ الذي ذَكَرْنا, (الوَلِيَّةَ) - بفتحِ الواوِ وكسرِ اللامِ، بعدَها ياءٌ مُثنَّاةٌ مُشدَّدَةٌ – وهي البِرْذَعَةُ، وقيلَ: ما يُوضَعُ تَحْتَها، والبِرْذَعَةُ تُوضَعُ تحتَ رَحْلِ البَعِيرِ, (بالهَجْرِ) - بفتحِ الهاءِ وسكونِ الجيمِ هنا –: نِصْفُ النهارِ عندَ اشتدادِ الحَرِّ، ومثلُه الهَاجِرَةُ، وأصْلُه: الهَجَرِ بتحريكِ الجيمِ، ولكنَّه سَكَّنَها حِينَ اضْطُرَّ.
المعنَى: يَقُولُ: إذا ظَنَنْتُ أَنَّنِي أَصِلُ بَلْدَةً عندَ آخرِ النهارِ، وفي أوَّلِ الليلِ, وقَدَّرْتُ للمسافةِ التي بَيْنِي وبينَها هذا الوقتَ فإِنِّي أَصِلُ البلدةَ في نِصْفِ النهارِ عندَ شِدَّةِ الحرِّ، ولا أحتاجُ للوقتِ الباقي بعدَ ذلك، وهذا بسَببِ سُرعةِ بَعيرِي ونَجابَتِه.
الإعرابُ: (إذا) ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ من الزمانِ، مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ بوَضَعْتُ الآتي, (قُلْتُ) فِعْلٌ ماضٍ بمعنى ظَنَنْتُ مَبْنِيٌّ على فَتْحٍ مُقدَّرٍ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وتاءُ المتكلِّمِ فاعلُه, (أَنِّي) أنَّ: حَرْفُ تَوْكيدٍ ونصبٍ، وياءُ المُتكلِّمِ اسْمُه, (آئِبٌ) خَبَرُ أَنَّ، وفي (آئِبٌ) ضَمِيرٌ مستترٌ هو فَاعِلُه؛ لأنَّه اسْمُ فَاعِلٍ, (أهْلَ) مَفْعولٌ بهِ لآئِبٍ؛ لإشرابِه معنى وَاصِلٍ أو مُدْرِكٍ، وأهْلَ مُضافٌ, و(بَلْدَةٍ) مُضافٌ إليه، وأَنَّ معَ ما دخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصْدَرٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفْعولَيْ قالَ الذي بمعنَى ظَنَّ، وجُملةُ قالَ وفَاعِلِه ومفعوليْهِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ إِذَا إليها, (وَضَعْتُ) فِعْلٌ وفَاعِلٌ, (بِهَا، عَنْهُ) جارَّانِ ومَجْرورانِ يَتعَلَّقانِ بوضَعَ، والضميرُ المجرورُ مَحَلاًّ بالباءِ يعودُ إلى البلدةِ، والضميرُ المجرورُ مَحَلاًّ بعَنْ يَعودُ إلى البَعِيرِ الموصوفِ, (الوَلِيَّةَ) مفعولٌ به لوَضَعَ, (بالهَجْرِ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بوضَعَ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (قُلْتُ أَنِّي آئِبٌ) حَيْثُ أَجْرَى قُلْتُ مُجْرَى ظَنَنْتُ، ولم يَحْكِ بهِ الجملةَ التي بعدَه، والدليلُ على ذلكَ أنَّ الروايةَ وَرَدَتْ في هذا البيتِ بفتحِ همزةِ (أَنِّي), ولو أنَّه قَصَدَ الحكايةَ لكَسَرَ الهمزةَ؛ كما ورَدَتْ مكسورةً في نحوِ قولِه تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ}.
فلَمَّا فَتَحَ الهمزةَ عَلِمْنَا أنَّه عَامَلَ قُلْتُ مُعامَلَةَ (ظَنَنْتُ) مِن قِبَلِ أنَّ الهمزةَ تُفْتَحُ بعدَ ظَنَنْتُ، نحوَ قولِه تعالى: {وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا}. وقولِه سبحانَه: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} وغيرِ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لا يُحْصَى من الشواهدِ، والشيءُ إذا تَضَمَّنَ معنَى الشيءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ، نعني: أنَّه لَمَّا تَضَمَّنَ قالَ معنَى ظَنَّ- ومن حُكْمِ ظَنَّ أنْ تُفْتَحَ الهمزةُ بعدَه- فُتِحَتِ الهمزةُ بعدَ قالَ، هذا معَ قَصْدِهم إلى التفرقةِ بينَ (قالَ) التي تُقْصَدُ بها الحكايةُ و(قالَ) التي يُرادُ بها معنَى ظَنَّ، فَافْهَمْ ذلك واحْرِصْ عليه، واللهُ المسؤولُ أنْ يَنْفعَكَ به.

([3]) أي بفتحِ هَمْزَةِ (أَنِّي).

([4])195-هذا عَجُزُ بَيْتٍ من الكاملِ، وصَدْرُهُ قولُه:
*أَمَّا الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْدِ غَدٍ*

وهذا البيتُ من كلامِ عُمَرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ، وهو مِن شَواهِدِ سِيبَوَيْهِ.
اللغةُ: (الرَّحِيلُ) الارتحالُ ومُفارَقَةُ دِيارِ الأَحِبَّةِ, (دُونَ بَعْدِ غَدٍ) أي: قبلَ بعدِ الغدِ، فإِمَّا اليومَ وإِمَّا غداً, (فمَتَى تَقُولُ الدَّارَ تَجْمَعُنَا) يُرِيدُ: أيَّ وَقْتٍ بحَسَبِ ظَنِّكَ، وما يَتَرَجَّحُ عندَكَ تَجْمَعُنا فيهِ دَارٌ وَاحِدَةٌ؟ وليسَ الاستفهامُ على حقيقتِه، ولكنَّه يَسْتَبْعِدُ ذلك.
الإعرابُ: (مَتَى) ظرفُ زمانٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ بتَقُولُ، وسيأتي في بيانِ الاستشهادِ بَحْثٌ طَرِيفٌ فيه, (تَقُولُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ بمعنَى تَظُنُّ، وفاعِلُه ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ وُجوباً تَقْدِيرُه: أنتَ, (الدَّارَ) مَفْعولٌ بهِ أوَّلُ لتَقُولُ، منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (تَجْمَعُنَا) تَجْمَعُ: فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعِلُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جَوازاًً تَقْدِيرُه: هِيَ, يَعودُ إلى الدارِ، ونَا: مَفْعولٌ به، والجملةُ من الفعلِ المضارعِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ نصبٍ, مَفْعولٌ ثانٍ لتَقُولُ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (تَقُولُ الدَّارَ تَجْمَعُنَا) حيثُ استعمَلَ تقولُ بمعنَى تَظُنُّ، ونَصَبَ به مفعوليْنِ: أحَدُهما: قولُه: (الدَّارَ), والثاني: جُمْلَةُ (تَجْمَعُنا), ولم يَقْصِدْ بهِ الحكايةَ؛ لأنَّه لو قَصَدَ الحكايَةَ لرفَعَ (الدَّارَ) بالابتداءِ، وكانَتْ جُمْلَةُ (تَجْمَعُنا) في مَحَلِّ رفعٍ, خَبَراً.
وكانَتْ جُمْلَةُ المبتدأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ نصبٍ، مَقْولَ القَوْلِ، لكنَّه لَمَّا نصَبَ (الدَّارَ) عَلِمْنَا أنَّه أرادَ مِن تَقُولُ معنَى تَظُنُّ, فنَصَبَ به.
و(تَقُولُ) في هذا البيتِ لَيْسَتْ للزمانِ الحاضِرِ، ولكنَّها للزَّمانِ المُستَقْبَلِ، وإنْ كانَتْ بمعنَى تَظُنُّ، فدَلَّ ذلك أنه لا يُشْتَرَطُ في استعمالِ تقولُ بمعنَى تَظُنُّ أنْ يَكُونَ زَمَانُه الحالَ.
قالَ أبو حَيَّانَ: (وفِيهِ رَدٌّ على مَن اشترطَ الحالَ؛ لأنَّه لم يَسْتَفْهِمْهُ عن ظَنِّهِ في الحالِ أَنَّ الدارَ تَجْمَعُه وأحبابَه، بل اسْتَفْهَمَهُ عن وُقوعِ ظَنِّه، لا عن ظَنِّه في الحالِ) اهـ كلامُه. وقالَ اللقانيُّ: (مَتَى ظَرْفٌ لتَقُولُ، فهي استفهامٌ عن حَاصِلٍ) اهـ.
قالَ أبو رَجَاءٍ - غَفَرَ اللهُ له ولوَالِدَيْهِ -: (جَرَى الشيخانِ أبو حَيَّانَ واللقانيُّ على أَنَّ (مَتَى) ظَرْفُ زَمَانٍ مُتَعَلِّقٌ بتَقُولُ)، وبَنَيَا الردَّ على هذا، والذي صَحَّ عندَنا من أقوالِ العلماءِ أنَّ ما ذهَبَ إليهِ ابنُ مالكٍ من اشتراطِ كونِ تقولُ بمعنَى تَظُنُّ للزمانِ الحاضِرِ هو المُسْتَقِيمُ، ولا دَلِيلَ لمَن خالفَه في هذا البيتِ من وجهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ (مَتَى) ظَرْفٌ مُتعَلِّقٌ بقولِه: تَقولُ. بل هو مُتعَلِّقٌ بقَوْلِه: تَجْمَعُنا. والمُسْتَبْعَدُ هو الجَمْعُ بينَه وبينَ أحِبَّتِه، وليسَ المُسْتَبْعَدُ ظَنَّ الجَمْعِ بينَه وبينَهم، فالمعنَى أَتَظُنُّ أنَّ الدارَ تَجْمَعُنا فيما يُسْتَقْبَلُ من الأزمنةِ، وليسَ المرادُ في أيِّ وَقْتٍ تَظُنُّ أنَّ الدارَ تَجْمَعُنا، ووُقوعُ (تَقولُ) بعدَ الاستفهامِ لا يَسْتلزِمُ أنْ يَكونَ هو المُستفهَمَ عنه.
الوَجْهُ الثاني: سَلَّمْنَا أنَّ (مَتَى) مُتَعَلِّقٌ بتَقُولُ، ولَكِنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّه إذا تَعَلَّقَ مَتَى بتَقُولُ كَانَ ذلكَ مُسْتلزِماً أَنْ يَكُونَ تَقُولُ للمُسْتقبَلِ لا للحاضرِ؛ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (مَتَى) مُتَعَلِّقاً بـ( تَقولُ ), وهو معَ ذلكَ للحَاضِرِ, وبيانُ ذلكَ أنَّ القَوْلَ بمعنَى الظَّنِّ مِمَّا يَخْفَى على غيرِ مَن قامَ هو بهِ حُصولَهُ ووَقْتَهُ، فيُمْكِنُ أنْ يَقَعَ الاستفهامُ عن حُصولِه أو عن وَقْتِه، ويُجابُ بما يُحَدِّدُ الزَّمَنَ الذي يَحْصُلُ فيهِ, أو ببيانِ أنَّه حَاصِلٌ الآنَ فِعْلاً، ألسْتَ تقولُ: متَى يَحْصُلُ عندَك ظَنٌّ أَنَّنِي مُلاقٍ أَحِبَّتِي! فتُجابُ أنَّ الظنَّ حَاصِلٌ فِعْلاً! وفي هذا القَدْرِ كِفَايَةٌ.

([5])196-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*إِذَا أَنَا لَمْ أَطْعَُنْ إِذَا الخَيْلُ كَرَّتْ*

والبيتُ من كلمةٍ لعَمْرِو بنِ مَعْدِ يكَرِبَ الزُّبَيْدِيِّ، رَوَاهَا أبو تَمَّامٍ في دِيوانِ الحَمَاسةِ.
اللغةُ: (عَلامَ) كَلِمةٌ مُؤَلَّفَةٌ من حَرْفٍ واسْمٍ، فالحَرْفُ على، والاسْمُ ما الاستفهاميَّةُ, وقدْ حُذِفَتْ أَلِفُها كما تَحْذِفُها مِن كُلِّ جَارٍّ، نَحْوَ قَوْلِه تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}, وقولِه جَلَّ ذِكْرُه: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}, وقولِه سُبْحانَه: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}. للفَرْقِ بينَ الموصولةِ والاستفهماميَّةِ. والاستفهامُ هنا عن سَبَبِ الظنِّ المُعَبَّرِ عنه بتَقُولُ، ومِن هنا تَعْلَمُ أنَّه لا فَرْقَ بينَ أَنْ يَكُونَ المُسْتَفْهَمُ عنه هو الظَّنَّ, وأنْ يَكُونَ المُسْتفهَمُ عنه شَيْئاً يَتَّصِلُ بالظنِّ؛ كسَبَبِه ووَقْتِه وحُصولِه, (تَقُولُ)؛ أي: تَظُنُّ, (يُثْقِلُ عَاتِقِي) رُوِيَ في مكانِه: (يُثْقِلُ كَاهِلِي), (أَطْعُنْ) تَقولُ: طَعَنَ فُلانٌ فُلاناً بالرُّمْحِ يَطْعَُنُه – مِثْلُ مَنَعَ يَمْنَعُ أَوْ نَصَرَ يَنْصُرُ – طَعْناً، إذا ضَرَبَهُ به، فهو طَاعِنٌ، والآخَرُ مَطْعُونٌ أو طَعِينٌ، فأمَّا طَعَنَ فلانٌ علَى فُلانٍ فمِن بَابِ فَتَحَ ومَنَعَ، لا غَيْرُ, ومعناهُ جَرَحَهُ ونالَ من عِرْضِه.
المعنَى: بأيِّ حُجَّةٍ أحْمِلُ السلاحَ إذا كُنْتُ لا أُقاتِلُ بهِ الأقرانَ عندَ اشتدادِ البَأْسِ، يُرِيدُ أنَّه إِنَّما يَتَكَلَّفُ مُؤْنَةَ حَمْلِ السلاحِ؛ ليَضْرِبَ به أعداءَه ويَنالَ مِنهم.
الإعرابُ: (عَلامَ) على: حَرْفُ جَرٍّ، ومَا: اسْمُ استفهامٍ مَبْنِيٌّ على سكونِ الألفِ المَحْذوفةِ للتَّفْرِقَةِ بينَ الخَبَرِ والاستخبارِ في مَحَلِّ جَرٍّ، والجَارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بتَقولُ, (تَقُولُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفَاعِلُه ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوباً، تقديرُه: أنت, (الرُّمْحَ) مَفْعولٌ أَوَّلُ لتَقُولُ مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهِرَةِ, (يُثْقِلُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفَاعِلُه ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ جَوازاً, تَقْدِيرُه: هو, يَعودُ إلى الرُّمْحِ، والجُمْلَةُ من الفِعْلِ المضارعِ وفاعلِه في مَحَلِّ نصبٍ, مَفْعولٌ ثَانٍ لتَقُولُ, (عَاتِقِي) عَاتِق: مَفْعُولٌ بهِ ليُثْقِلُ، مَنْصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرةٍ على ما قبلَ يَاءِ المُتكَلِّمِ، وعَاتِق مُضافٌ, وياءُ المُتكلِّمِ مُضافٌ إليه.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (تَقُولُ الرُّمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي) حَيْثُ استعمَلَ فيهِ (تَقُولُ) بمعنَى تَظُنُّ، ونَصَبَ به مفعوليْنِ: أحَدُهما: قولُه: (الرُّمْحَ), وثانيهما: جُمْلَةُ (يُثْقِلُ عَاتِقِي) على مَا تَبَيَّنَ لكَ مِن الإعرابِ.
والدليلُ على ذلكَ أنَّ الرِّوايَةَ جَاءَتْ بنَصْبِ الرُّمْحِ بالفتحةِ الظاهرةِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ (تَقُولُ) بمعنَى تَظُنُّ لَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرُّمْحُ مَرْفوعاً على أنَّه مُبْتَدَأٌ, وتَكُونَ جُمْلَةُ (يُثْقِلُ عَاتِقِي) في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرَ المُبْتدأِ، وتَكُونَ جُمْلَةُ المبتدأِ والخبَرِ في مَحَلِّ نصبٍ مَقْولَ القَوْلِ؛ لأنَّ القَوْلَ لا يَنْصِبُ اسماً مُفْرداً مَتَى كانَ المَقْصودُ بهِ الحكايةَ، وإنَّما يَنْصِبُ الجُملةَ أو ما يُؤَدِّي مَعْنَى الجملةِ، فأنتَ تَقولُ: (قُلْتُ: إِنَّ مُحَمَّداً قَائِمٌ), أو: (قُلْتُ: مُحَمَّدٌ قَائِمٌ). ولا تَقُولُ: (قُلْتُ مُحَمَّداً قَائِماً)، فتَنْصِبُ مُحَمَّداً وقَائِماً بقُلْتُ, إِلاَّ إذا كُنْتَ قَدْ أجْرَيْتَها مُجْرَى ظَنَنْتُ؛ كما هي لُغَةُ سُلَيْمٍ.

([6])197-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من البَسِيطِ، وعَجُزُه قولُه:
*شَمْلِي بِهِمْ أَمْ تَقُولُ البُعْدَ مَحْتوماً؟*

ولَمْ أَعْثُرْ لهذا البيتِ على نِسْبَةٍ إلى قائِلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ لَهُ علَى سَوابِقَ أو لَواحِقَ تَتَّصِلُ به.
اللغةُ: (جَامِعَةً) اسْمُ فَاعِلٍ، فِعْلُه جَمَعَتْ تَجْمَعُ جَمْعاً، والجَمْعُ ضِدُّ التفريقِ, (شَمْلِي) الشَّمْلُ – بفتحِ الشينِ وسُكونِ الميمِ –: يُطْلَقُ على ما تَفَرَّقَ، وعلى ما اجْتَمَعَ، تَقولُ: جَمَعَ اللهُ شَمْلَكُمْ. تُرِيدُ ضَمَّ ما تَفَرَّقَ من أمْرِكُم، وتَقولُ: فَرَّقَ اللهُ شَمْلَكُمْ. تُرِيدُ فَرَّقَ ما اجْتَمَعَ من أَمْرِكُمْ, (مَحْتُوماً) اسْمُ مَفْعولٍ، فِعْلُه حَتَمَ اللهُ الأمْرَ يَحْتِمُه – من بَابِ ضَرَبَ – أي: قَضَاهُ وأَوْجَبَهُ.
المعنَى: لَقَدْ تَفَرَّقْنَا، وتَباعَدَتْ دِيارِي عن دِيَارِ أَحِبَّتِي، فهل تَظُنُّ أَنَّنَا سَنَلْتَقِي مَرَّةً أُخْرَى، وتَجْمَعُنا دَارٌ وَاحِدَةٌ؟ أَمْ تَظُنُّ أنَّه قَدْ قُضِيَ علينا بالفِراقِ أَبَدَ الأبيدِ؟!
الإعرابُ: (أَبَعْدَ) الهمزةُ حَرْفُ استفهامٍ، بعدَ: ظَرْفُ زَمَانٍ مَنْصوبٌ بتَقولُ، أو بـ(جَامِعَةً)، وهو مُضافٌ, و(بُعْدٍ) مُضافٌ إليهِ, (تَقُولُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ بمعنَى تَظُنُّ, مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيهِ وُجوباً تَقْدِيرُه: أنتَ, (الدَّارَ) مَفْعولٌ أَوَّلُ لتَقُولُ، مَنْصُوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (جَامِعَةً) مَفْعولٌ ثانٍ مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ أيضاً، وفي (جَامِعَةً) ضَمِيرٌ مُستتِرٌ جَوازاً تَقْدِيرُه: هي, يَعودُ إلى الدارِ, وهو فَاعِلُه, (شَمْلِي) شَمْل: مَفْعولٌ بهِ لـ(جَامِعَةً)، منصوبٌ بفتحةٍ مُقدَّرَةٍ على ما قَبْلَ ياءِ المُتكلِّمِ، وهو مُضافٌ, وياءُ المُتكلِّمِ مُضافٌ إليهِ, (بِهِمْ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بـ(جامعةً), (أَمْ) حَرْفُ عَطْفٍ, (تَقُولُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ بمعنَى تَظُنُّ مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وفَاعِلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيهِ وُجوباً تَقْدِيرُه: أنتَ, (البُعْدَ) مَفْعولٌ أوَّلُ لتَقُولُ مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (مَحْتوماً) مَفْعولٌ ثَانٍ لتَقُولُ مَْنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ أيضاً.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (تَقُولُ الدَّارَ جَامِعَةً), وكذلكَ قَوْلُه: (تَقُولُ البُعْدَ مَحْتُوماً). وإِنْ لَمْ يَكُنِ المُؤلِّفُ قدْ أنْشَدَه، حيثُ استعمَلَ في كلِّ واحدةٍ من هاتيْنِ العبارتيْنِ (تَقولُ) بمعنَى تَظُنُّ، فنَصَبَ بهِ مفعوليْنِ: أحَدُهما في العبارةِ الأُولَى: قَوْلُه: (الدَّارَ), وثانيهما فيها: قولُه: (جَامِعَةً). والأوَّلُ في العبارةِ الثانيةِ: قولُه: (البُعْدَ), والثاني فيها: قولُه: (مَحْتُوماً). وقدِ اتَّضَحَ ذلكَ في إعرابِ البيتِ غَايَةَ الاتِّضاحِ.
وهذا البيتُ مِن أقْوَى ما يُسْتَدَلُّ به على إجراءِ القَوْلِ مُجْرَى الظَّنِّ، والسرُّ في هذا أنَّ المفعوليْنِ اللذَيْنِ نَصَبَهما (تَقولُ) في كلِّ وَاحِدَةٍ من العبارتيْنِ مَنْصوبانِ لَفْظاً، وقدْ عَلِمْتَ أنَّ القَوْلَ إذا قَصَدْتَ بهِ الحكايةَ لَمْ يَنْصِبْ إِلاَّ الجُمَلَ، أوما يُؤَدِّي مُؤدَّاها، وإذا لَمْ يَصِحَّ أنْ تَقْصِدَ به في هذا البيتِ الحكايةَ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَجَبَ أنْ يَكُونَ بمعنَى الظَّنِّ؛ إِذْ لا ثَالِثَ لهذيْنِ المَعْنَيَيْنِ.

([7])198-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الوَافِرِ، وعَجُزُه قولُه:
*لَعَمْرُ أَبِيكَ أَمْ مُتَجَاهِلِينَا*

وهذا البيتُ للكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ الأَسَدِيِّ.
اللغةُ: (أُجَهَّالاً) الجُهَّالُ: جَمعُ جَاهِلٍ، ويُرْوَى في مكانِه: (أَنُوَّاماً), وهو جَمْعُ نَائِمٍ, (بَني لُؤَيٍّ) أرادَ بهم جُمهورَ قُرَيْشٍ وعَامَّتَهم؛ لأنَّهم جَمِيعاً يَنْتَهِي نَسَبُهم إلى لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرِ بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ، وهو أبو قُرَيْشٍ كُلِّها, (مُتَجَاهِلِينَا) المُتجاهِلُ: الذي يَتصَنَّعُ الجَهْلَ ويَتكَلَّفُه، وليسَ به جَهْلٌ، والذين رَوَوْا في صدرِ البيتِ: (أَنُوَّاماً) يَرْوُونَ هنا (مُتناوِمِينَا) والمُتناوِمُ: الذي يَتَصَنَّعُ النَّوْمَ.
المَعْنَى: أتَظُنُّ قُرَيْشاً جَاهِلِينَ حينَ اسْتَعْمَلُوا في وَلاياتِهِم اليَمَنِيِّينَ، وآثَرُوهم على المُضَرِيِّينَ، أم تَظُنُّهم عَالِمِينَ بحقيقةِ الأمرِ، مُقَدِّرِينَ سُوءَ النَّتائِجِ، غيرَ غَافِلِينَ عَمَّا يَنْبَغِي العَمَلُ به، ولكنَّهم يَتصَنَّعونَ الجَهْلَ ويَتَكلَّفونَ الغَفْلةَ لمآربَ لهم في أنْفُسِهم؟
الإعرابُ: (أُجَهَّالاً) الهمزةُ للاستفهامِ، جُهَّالاً: مَفْعولٌ ثَانٍ مُقَدَّمٌ على عاملِه وعلى المفعولِ الأَوَّلِ, (تَقُولُ) فِعْلٌ مُضارِعٌ، وفَاعِلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيهِ وُجوباً تَقْدِيرُه: أنتَ, (بَنِي) مَفْعولٌ أوَّلُ لتَقُولُ، وهو مُضافٌ، و(لُؤَيٍّ) مُضافٌ إليهِ, (لَعَمْرُ) اللامُ لامُ الابتداءِ، عَمْرُ: مُبْتدَأٌ، والخبَرُ مَحْذوفٌ وُجوباً، وعَمْرُ مُضافٌ وأَبِي مِن (أَبِيكَ) مُضافٌ إليهِ، وأَبِي مُضافٌ, والكافُ ضَمِيرُ المُخاطَبِ مُضافٌ إليهِ, (أَمْ) عاطفةٌ, (مُتجاهِلِينَا) مَعْطوفٌ على قولِه: (جُهَّالاً).
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (أُجَهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍّ) حَيْثُ أعْمَلَ (تَقُولُ) عَمَلَ (تَظُنُّ), فنَصَبَ به مفعوليْنِ: أحَدُهما: قَوْلُه: (جُهَّالاً), والثاني: قولُه: (بَنِي لُؤَيٍّ) معَ أنَّه فَصَلَ بينَ أداةِ الاستفهامِ – وهي الهمزةُ – والفِعْلِ، بفَاصِلٍ – وهو قَوْلُه: (جُهَّالاً) – وذلكَ لأنَّ هذا الفَصْلَ لا يَمْنَعُ الإعمالَ؛ لأنَّ الفَاصِلَ مَعْمولٌ للفِعْلِ؛ إذْ هو مفعولٌ ثَانٍ للفِعْلِ، كما عَرَفْتَ.

([8]) سورة البقرةِ، الآية:140.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:10 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


217 - وَكَتَظُنُّ اجْعَلْ "تَقَوُلُ" إِنْ وَلِيَ = مُسْتَفْهَمًا بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلِ
218 - بِغَيْرِ ظَرْفٍٍ أَوْ كَظَرْفٍٍ أَوْ عَمَلْ = وَإِنْ بِبَعْضِ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ
(وكتَظُنَّ) عملاً ومعنى (اجْعَلْ) جوازًا (تقولُ) مضارعٌ "قال" المبدوءُ بتاءِ الخطابِ فانْصِبْ بهِ مفعولينَ (إن وَلِيَ مُسْتَفْهَمًا بِهِ) من حرفٍٍ أو اسمٍٍ (وَلَمْ يَنْفَصِلْ) عنهُ (بِغْيرِ ظَرْفٍٍ أَوْ كَظَرْفٍٍ) وهو الجارُّ والمجرورُ (أو عَمَلْ) أي: معمولٌ (وَإِنْ بِبَعْضِ ذِي) المذكوراتِ (فَصَلْتَ يَحْتَمِلْ) فمِنْ ذلك حيثُ لا فصلَ قولُه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
342 - عَلاَمَ تَقُولَ الرُّمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي = إِذَا أَنَا لَمْ أَطْعَنْ إِذَا الخَيْلُ كَرَّتِ
وقولُه [مِنَ الرَّجَزِ]:
343 - مَتَى تَقُولُ القُلُصَ الرَّوَاسِمَا = يُدْنِينَ أُمَّ قَاسِمٍٍ وَقَاسِمًا
ومنه معَ الفصلِ بالظرفِ قوله [مِنَ البَسِيطِ]:
344 - أَبَعْدَ بُعْدٍٍ تَقُولُ الدارَ جَامِعَةً = شَمْلِي بِهِمْ أَمْ تَقُولُ البُعَدَ مَحْتُومًا
ومنه معَ الفصلِ بالمعمولِ قولُه [مِنَ الوَافِرِ]:
345 - أَجُهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍٍّ = لَعَمْرِ أَبِيكَ أَمْ مُتَجَاهِلِينَا
فإن فقَدَ شرطٌ مِنْ هذا الأربعةِ تعيَّنَ رفْعُ الجزءينِ على الحكايةِ ، نحوُ: "قال زيدٌ عمرٌو منطلِقٌ" و"يقولُ زيدٌ عمرٌو منطلِقٌ" و"أنت تقولُ زيدٌ منطلِقٌ" و"أَأَنْتَ تقولُ زيدٌ منطلقٌ".
تنبيهٌ: زادَ السهيلِيُّ شرطًا آخرًا وهو ألا يتعدَّى باللامِ نحو: " أتقولُ لزيدٍٍ عمرٌو منطلِقٌ" وزادَ في (التسهيل) أن يكونَ حاضرًا وفي شرحِهِ أن يكونَ مقصودًا بهِ الحالُ هذا كلُّه في غيرِ لغةِ سُلَيْمٍٍ.
219 - وَأَجْرِي القَوْلَ كَظَنَّ مُطْلَقًا = عِنْدَ سُلَيْمٍٍ نَحْوَ "قُلْ ذَا مُشْفِقَا"
(وَأَجْرِي القَوْلَ كَظَنَّ مُطْلَقًا) أي: ولو معَ فَقْدِ الشروطِ المذكورةِ (عَنْدَ سُلَيْمٍٍ نحوُ قُلْ ذَا مُشْفِقَا) وقولِه [مِنَ الرَّجَزِ]:
346 - قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلاً فَطِينًا = هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ إِسْرَائِينَا
تنبيهٌ: على هذه اللُّغَةِ تُفْتَحُ "أن" بعدَ "قُلْتُ" وشِبْهِهِ ومنهُ قولُه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
347 - إِذَا قُلْتُ إِنِّي آئِبٌ أهلَ بَلْدَةٍٍ = وَضَعْتُ بِهَا عنهُ الوَلِيَّةُ بِالهَجْرِ
خاتمةٌ : قد عَرَفْتَ أنَّ القولَ إنَّمَا يَنْصِبُ المفعولينِ حيثُ تضمَّنَ معنى الظنِّ وإلا فهو وفروعُه مما يتعدَّى إلى واحدٍٍ ومفعولِه إمَّا مفردٌ وهو على نوعينِ: مفردٍٍ في معنى الجملةِ نحوَ: " قُلْتُ شِعْرًا وَخُطْبَةً وحَدِيثًا" ومفردُ يُرَادُ بهِ مجرَّدُ اللفظِ نحوُ { يُقَالُ لهُ إبراهيمُ} أي: يُطْلَقُ عليهِ هذا الاسمُ ولو كانَ مبنيًّا للفاعلِ لنصبِ "إبراهيمَ" خِلافًا لِمَنْ منَعَ هذا النوعَ ومِمَّنْ أجازَه ابنُ خَرُوفٍٍ والزَّمَخْشَرِيُّ وإما جملةً فتُحْكَى بهِ فتكونُ في موضعِ مفعولِه واللَّهُ أعلَمُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


استعمالُ القولِ بمعنَى (الظنِّ)

216- وكتَظُنُّ اجْعَلْ تَقولُ إنْ وَلِي = مُستَفْهَماً بهِ ولم يَنْفَصِلِ
217- بغيرِ ظَرْفٍ أو كظَرْفٍ أو عَمَلْ = وإنْ ببَعْضٍ ذي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ
218- وأُجْرِيَ القولُ كظنٍّ مُطْلَقَا = عندَ سُلَيْمٍ نَحْوُ قُلْ ذا مُشْفِقَا
الأصلُ فيما تَعَلَّقَ مِن الجُمَلِ الاسميَّةِ أو الفعليَّةِ بقولٍ أنْ يُورَدَ مَحْكِيًّا على هَيْئَتِه مِن غيرِ تغييرٍ.
فمِثالُ الاسميَّةِ بعدَ القولِ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ)). فالجملةُ مِن المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ نَصْبٍ سَدَّتْ مَسَدَّ المفعولِ به للقولِ، واشْتُهِرَتْ بينَ الْمُعْرِبِينَ بأنها مقولُ القولِ، وليسَتْ مفعولاً به؛ لأنَّ المفعولَ به لا يكونُ جُملةً.
ومِثالُ الفِعليَّةِ بعدَ القولِ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ)).
أمَّا المفرَدُ بمعنى الجملةِ، فإنه يُنْصَبُ بالقولِ على أنه مفعولٌ به مباشَرَةً، نحوُ: قلتُ حديثاً، ونحوُ: قُلْ كَلِمَةً تَنْفَعُ الحاضرينَ.
ويَجوزُ إجراءُ القولِ مَجْرَى (الظنِّ) بأنْ يَنْصِبَ الفعلُ (قالَ) وما تَصَرَّفَ مِنه المبتدأَ والخبرَ مَفْعُولَيْنِ كما تَنْصِبُهما (ظنَّ)، وهذا خاصٌّ بالجملةِ الاسميَّةِ فقط، أمَّا الفعليَّةُ فلا بُدَّ فيها مِن الحكايةِ، والمشهورُ أنَّ للعربِ في ذلك مَذهبينِ.
الأوَّلُ: مَذهَبُ عامَّةِ العربِ أنه لا يُجْرِي القولَ مَجْرَى الظنِّ إلاَّ بشروطٍ أربعةٍ، أخَذَها النَّحْوِيُّونَ مِن كلامِ العربِ، وهي:
1- أنْ يكونَ الفعلُ مضارِعاً.
2- أنْ يكونَ للمخاطَبِ.
3- أنْ يكونَ مَسبوقاً باستفهامٍ؛ حَرْفٍ أو اسمٍ.
4- ألاَّ يُفْصَلَ بينَ الفعْلِ والاستفهامِ بفاصِلٍ، باستثناءِ ثلاثةِ أشياءَ، وهي: الظرْفُ أو الجارُّ معَ المجرورِ أو مَعمولٌ آخَرُ للفعْلِ، وكثيرٌ مِن النُّحاةِ لا يَشترِطُ هذا الشرْطَ، ورأيُه قَوِيٌّ.
مِثالُ الْمُسْتَوْفِي للشروطِ: أتقولُ الاجتماعَ الْمُنْتَظَرَ مُفِيداً ؟ أي: أتَظُنُّ؟ ومنه قولُ الشاعِرِ:
متى تَقُولُ القُلُصَ الرَّواسِمَا = يَحْمِلْنَ أُمَّ قاسِمٍ وقاسِمَا؟
فإنْ كان الفعْلُ غيرَ مُضارِعٍ، نحوُ: قالَ خالِدٌ: عليٌّ مسافِرٌ؟ أو مضارِعاً ليسَ للمخاطَبِ، نحوُ: أيقولُ خالدٌ: عليٌّ مسافِرٌ؟ أو لم يُسْبَقْ باستفهامٍ، نحوُ: أنتَ تقولُ عليٌّ مسافرٌ؟ فإنَّ القولَ لا يَنْصِبُ مَفْعُولَيْنِ عندَ مَن يَشترِطُ الشروطَ المتقدِّمَةَ.
فإنْ فُصِلَ الفعْلُ عن الاستفهامِ لم يَنْصِبِ الفعْلُ مفعولينِ عندَ مَن يَشترِطُ عدَمَ الفصْلِ، نحوُ: أَأَنْتَ تقولُ: عليٌّ مسافِرٌ، إلاَّ إنْ كانَ الفاصِلُ ظَرْفاً، نحوُ: أبعدَ الصلاةِ تقولُ إمامَ المسجِدِ مُتَكَلِّماً؟ أو جارًّا ومجروراً، نحوُ: أفِي المسجِدِ تقولُ محمداً متَكَلِّماً، أو معمولاً للفعْلِ، نحوُ: أمُحَمَّداً تقولُ متَكَلِّماً؛ فإنَّ ذلك لا يَضُرُّ، ومِن هذا قولُ الشاعرِ:
أجُهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍّ = لَعَمْرُ أَبِيكَ أمْ مُتَجَاهِلِينَا
فـ (جُهَّالاً) مفعولٌ ثانٍ، و (بَنِي لُؤَيٍّ) مفعولٌ أوَّلُ، والفاصِلُ بينَ الهمزةِ والمضارِعِ هو معمولُ الفعْلِ، والأصلُ: أتقولُ بني لُؤَيٍّ جُهَّالاً؟
والحكايةُ جائزةٌ حتى معَ وُجودِ الشروطِ؛ لأنه الأصْلُ، فالشروطُ ليسَتْ مُوجِبَةً لإجراءِ القولِ مَجْرَى الظنِّ في نَصْبِ المَفْعُولَيْنِ، وإنما هي شُروطُ جوازٍ.
الْمَذهَبُ الثاني: مَذهَبُ بني سُلَيْمٍ، وهو إجراءُ القولِ مَجْرَى (الظنِّ) بلا شَرْطٍ، نحوُ: قالَ خالِدٌ إمامَ المسجِدِ مُتَكَلِّماً، ومنه قولُ الشاعِرِ:
قالَتْ، وكنتُ رَجُلاً فَطِينَا = هذا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرائِينَا
فـ (هذا) مفعولٌ أوَّلُ، و (إِسْرَائِينَا) مفعولٌ ثانٍ، وقد جاءَ القولُ بلفْظِ الماضِي.
وهذا معنَى قولِه: (وكَتَظُنُّ اجْعَلْ تَقُولُ..)؛ أي: اجْعَلْ (تقولُ) المضارِعَ للمخاطَبِ مثْلَ (تَظُنُّ) في المعنى والعمَلِ إنْ وَقَعَ هذا المضارِعُ بعدَ أداةٍ يُسْتَفْهَمُ بها، ولم يَنْفَصِلْ ذلك المضارِعُ عنها بفاصِلٍ غيرِ الظرْفِ أو الجارِّ والمجرورِ أو معمولِ الفعْلِ.
ثم أشارَ بالبيتِ الأخيرِ إلى مَذْهَبِ بني سُلَيْمٍ، نحوُ: (قُلْ ذا مُشْفِقَا)؛ فهذا فِعْلُ أمْرٍ أُجْرِيَ مَجْرَى الظنِّ على لغةِ بني سُلَيْمٍ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القول, استعمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir