دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 شوال 1431هـ/3-10-2010م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب ما ادّعي على القرآن من اللحن


باب ما ادّعي على القرآن من اللحن

وأما ما تعلقوا به من حديث عائشة رضي اللّه عنها في غلط الكاتب، وحديث عثمان رضي اللّه عنه: أرى فيه لحنا- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلوا لكل حرف منها، واستشهدوا الشعر: فقالوا: في قوله سبحانه: {إن هذان لساحران} [طه: 63] وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تزوّد منّا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التّراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
أيّ قلوص راكب تراها = طاروا علاهنّ فطر علاها
[تأويل مشكل القرآن: 50]
على أن القراء قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنّ هذين لساحران»، وقرأ المقيمون الصلاة [النساء: 162]، وقرأ {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين} [الحج: 17].
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} [البقرة: 177] ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة اللّه: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجاج وكّل عاصما وناجية بن رمح وعليّ بن أصمع بتتبّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهما.
[تأويل مشكل القرآن: 51]
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعي قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رسوم الدّار قفرا كأنّها = كتاب محاه الباهليّ بن أصمعا
وقرأ بعضهم: {إن هذان لساحران} [طه: 63] اعتبارا بقراءة أبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد اللّه: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل إن هذان تبيينا للنجوى.
وقالوا في قوله تبارك وتعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} [المائدة: 69] رفع (الصابئين) لأنه ردّ على موضع إنّ الّذين آمنوا وموضعه رفع، لأن (إنّ) مبتدأة وليست تحدث في الكلام معنى كما تحدث أخواتها. ألا ترى أنك تقول: زيد قائم، ثم تقول: إن زيدا قائم، ولا يكون بين الكلامين فرق في المعنى. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى الشك. وتقول: زيد قائم، ثم تقول: ليت زيدا قائم، فتحدث في الكلام معنى التمني، ويدلّك على ذلك قولهم: إن عبد اللّه قائم وزيد، فترفع زيدا، كأنك قلت: عبد اللّه قائم وزيد، وتقول: لعل عبد اللّه قائم وزيدا، فتنصب مع (لعلّ) وترفع مع (إن) لما أحدثته (لعلّ) من معنى الشك في الكلام، ولأنّ (إنّ) لم تحدث شيئا. وكان الكسائي يجيز: أن عبد اللّه وزيد قائمان، وإنّ عبد اللّه وزيد قائم. والبصريون يجيزونه، ويحكون: {إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ} [الأحزاب: 56] وينشدون:
[تأويل مشكل القرآن: 52]
فمن يك أمسى بالمدينة رحله = فإنّي وقيّار بها لغريب
وقالوا في نصب (المقيمين) بأقاويل: قال بعضهم: أراد بما أنزل إليك وإلى المقيمين. وقال بعضهم: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين، وكان الكسائي يرده إلى قوله: {يؤمنون بما أنزل إليك} [البقرة: 4] أي: ويؤمنون بالمقيمين، واعتبره بقوله في موضع آخر: {يؤمن للمؤمنين} أي بالمؤمنين. وقال بعضهم: هو نصب على المدح. قال أبو عبيدة: هو نصب على تطاول الكلام بالنّسق، وأنشد للخرنق بنت هفّان:
لا يبعدن قومي الذين هم = سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكلّ معترك = والطيّبون معاقد الأزر
ومما يشبه هذه الحروف- ولم يذكروه- قوله في سورة البقرة: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء} [البقرة: 177]. والقرّاء جميعا على نصب الصابرين إلا عاصما الجحدري فإنه كان يرفع الحرف إذا قرأه، وينصبه إذا كتبه، للعلّة التي تقدم ذكرها.
واعتل أصحاب النحو للحرف، فقال بعضهم: هو نصب على المدح،
[تأويل مشكل القرآن: 53]
والعرب تنصب على المدح والذم، كأنهم ينوون إفراد الممدوح بمدح مجدّد غير متبع لأوّل الكلام، كذلك قال الفرّاء.
وقال بعضهم: أراد: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضّرّاء.
وهذا وجه حسن، لأنّ البأساء: الفقر، ومنه قول اللّه عز وجل: {وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28].
والضّرّاء: البلاء في البدن، من الزّمانة والعلّة. فكأنه قال: وآتى المال على حبّه السائلين الطّوّافين، والصابرين على الفقر والضرّ الذين لا يسألون ولا يشكون، وجعل الموفين وسطا بين المعطين نسقا على من آمن باللّه.
ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88] كتبت في المصاحف بنون واحدة، وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
[تأويل مشكل القرآن: 54]
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني، وهو قوله: {ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون} [الجاثية: 14] أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
[تأويل مشكل القرآن: 55]
ولو ولدت فقيرة جرو كلب = لسبّ بذلك الجرو الكلابا
ومن ذلك: {فأصّدّق وأكن من الصّالحين} [المنافقون: 10] أكثر القرّاء يقرؤون فأصدق أكن بغير واو. واعتلّ بعض النحويين في ذلك بأنها محمولة على موضع فأصّدّق، لو لم يكن فيه الفاء، وموضعه جزم، وأنشد:
فأبلوني بليّتكم لعلّي أصالحكم وأستدرج نويّا
فجزم وأستدرج، وحمله على موضع أصالحكم لو لم يكن قبلها: لعلّي كأنه قال: فأبلوني بليتكم أصالحكم وأستدرج.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ: فأصدق وأكون بالنصب، ويذهب إلى أن الكاتب أسقط الواو، كما تسقط حروف المد واللين في (كلمون) وأشباه ذلك.
وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل
[تأويل مشكل القرآن: 56]
الإعراب فيها، أو أن تكون غلطا من الكاتب، كما ذكرت عائشة رضي اللّه عنها.
فإن كانت على مذاهب النحويين فليس هاهنا لحن بحمد اللّه.
وإن كانت خطأ في الكتاب، فليس على رسوله، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، جناية الكاتب في الخط.
ولو كان هذا عيبا يرجع على القرآن، لرجع عليه كل خطأ وقع في كتابة المصحف من طريق التّهجّي: فقد كتب في الإمام: إن هذان لساحران بحذف ألف التثنية.
وكذلك ألف التثنية تحذف في هجاء هذا المصحف في كل مكان، مثل: قال رجلن و{فآخران يقومان مقامهما} [المائدة: 107] وكتبت كتّاب المصحف: الصلاة والزكوة والحيوة، بالواو، واتّبعناهم في هذه الحروف خاصة على التّيمّن بهم، ونحن لا نكتب: (القطاة والقناة والفلاة) إلا بالألف، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه.
وكتبوا (الربو) بالواو، وكتبوا: {فما ل الّذين كفروا} [المعارج: 36] فمال بلام منفردة.
[تأويل مشكل القرآن: 57]
وكتبوا: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] بالياء {أومن وراء حجابٍ} [الشورى: 51] بالياء في الحرفين جميعا، كأنهما مضافان، ولا ياء فيهما، إنما هي مكسورة.
وكتبوا: {أم لهم شركاء} [القلم: 41] وفقال الضّعفاء [إبراهيم: 21] بواو، ولا ألف قبلها.
وكتبوا: {أو أن نفعل في أموالنا ما نشؤا} [هود: 77] بواو بعد الألف، وفي موضع آخر {ما نشاء} [الإسراء: 18، والحج: 5] بغير واو، ولا فرق بينهما.
وكتبوا: {أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطانٍ مبينٍ} [النمل: 31] بزيادة ألف.
وكذلك {ولأوضعوا خلالكم} [التوبة: 47] بزيادة ألف بعد لام ألف.
وهذا أكثر في المصحف من أن نستقصيه.
وكذلك لحن اللاحنين من القرّاء المتأخرين، لا يجعل حجّة على الكتاب.
وقد كان الناس قديما يقرؤون بلغاتهم كما أعلمتك.
ثم خلف قوم بعد قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة، ولا علم التكلّف، فهفوا في كثير من الحروف وزلّوا وقرؤوا بالشاذ وأخلّوا.
[تأويل مشكل القرآن: 58]
منهم رجل ستر اللّه عليه عند العوام بالصلاح، وقرّبه من القلوب بالدين.
لم أر فيمن تتبعت وجوه قراءته أكثر تخليطا، ولا أشد اضطرابا منه؛
[تأويل مشكل القرآن: 59]
لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره، ثم يؤصّل أصلا ويخالف إلى غيره لغير ما علّة. ويختار في كثير من الحروف ما لا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة.
هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، فإفراطه في المد والهمزة والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسره اللّه، وتضييقه ما فسحه.
ومن العجب أنه يقرئ الناس بهذه المذاهب، ويكره الصلاة بها! ففي أي موضع تستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها؟! وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه، أو ائتم بقراءته: أن يعيد، ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل.
وقد شغف بقراءته عوامّ الناس وسوقهم، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها، فإذا رأوه قد اختلف في أمّ الكتاب عشرا، وفي مائة آية شهرا، وفي السبع الطّول حولا، ورأوه عند قراءته مائل الشّدقين، دارّ الوريدين، راشح الجبينين- توهّموا أن ذلك لفضيلة في القراءة وحذق بها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القرّاء العالمين، بل كانت قراءتهم سهلة رسلة. وهكذا نختار
[تأويل مشكل القرآن: 60]
لقراء القرآن في أورادهم ومحاربهم. فإما الغلام الرّيّض والمستأنف للتعلّم، فنختار له أن يؤخذ بالتحقيق عليه، من غير إفحاش في مدّ أو همز أو إدغام، لأن في ذلك تذليلا للّسان، وإطلاقا من الحبسة، وحلّا للعقدة.
وما أقلّ من سلم من هذه الطبقة في حرفه من الغلط والوهم: فقد قرأ بعض المتقدمين: ما تلوته عليكم ولا أدرأتكم به [يونس: 16] فهمز، وإنما هو من دربت بكذا وكذا.
وقرأ: (وما تنزلت به الشياطون) [الشعراء: 210] توهم أنه جمع بالواو والنون.
وقرأ آخر: {فلا تشمت بي الأعداء} [الأعراف: 150] بفتح التاء، وكسر الميم، ونصب الأعداء. وإنما هو من: أشمت اللّه العدوّ فهو يشمته، ولا يقال: شمت اللّه العدوّ.
وقال: الأعمش قرأت عند إبراهيم وطلحة
[تأويل مشكل القرآن: 61]
ابن مصرّف: {قال لمن حوله ألا تستمعون (25)} [الشعراء: 25]، فقال: إبراهيم ما تزال تأتينا بحرف أشنع! إنما هو (لمن حوله) واستشهد طلحة فقال مثل قوله. قال الأعمش: فقلت لهما: لحنتما، لا أقاعدكما اليوم.
وقرأ يحيى بن وثّاب: {وإن تلوا أو تعرضوا} [النساء: 135] من الولاية. ولا وجه للولاية هاهنا، إنما هي تلووا- بواوين- من ليّك في الشهادة وميلك إلى أحد الخصمين عن الآخر. قال اللّه عز وجل: {يلون ألسنتهم بالكتاب} [آل عمران: 78] واتبعه على هذه القراءة الأعمش وحمزة.
وقرأ الأعمش: {وما أنتم بمصرخيّ} [إبراهيم: 22] بكسر الياء، كأنه ظن أن الباء تخفض الحرف كله، واتّبعه على ذلك (حمزة).
[تأويل مشكل القرآن: 62]
وقرأ حمزة: {ومكر السّيّئ ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله} [فاطر: 43] فجزم الحرف الأوّل، والجزم لا يدخل الأسماء، وأعرب الآخر وهو مثله.
وقرأ نافع: {فبم تبشّرون} [الحجر: 54] بكسر النون. ولو أريد بها الوجه الذي ذهب إليه، لكانت (فبم تبشّرونني) بنونين، لأنها في موضع رفع.
وقرأ حمزة. (ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم
[تأويل مشكل القرآن: 63]
لا يعجزون (59) ) [الأنفال: 59] بالياء. ولو أريد بها الوجه الذي ذهب إليه لكانت (ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنهم سبقوا، إنهم لا يعجزون).
وهذا يكثر. ولم يكن القصد في هذا الكتاب له، وستراه كله في كتابنا المؤلف في وجوه القراءات إن شاء اللّه تعالى.
[تأويل مشكل القرآن: 64]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir