دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:50 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المفعول معه

المفعولُ مَعَهُ

يُنْصَبُ تالِي الواوِ مَفعولًا مَعَهْ = في نحوِ سِيرِي والطريقَ مُسْرِعَةْ
بما مِنَ الفعلِ وشِبْهِهِهِ سَبَقْ = ذا النصْبُ لا بالواوِ في القولِ الأَحَقْ
وبعدَ ما استفهامٍ اوْ كيفَ نَصَبْ = بفعلِ كونٍ مُضْمَرٍ بعضُ العرَبْ
والعطْفُ إنْ يُمْكِنْ بلا ضَعْفٍ أَحَقْ = والنصْبُ مُختارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ
والنصْبُ إنْ لمْ يَجُزِ العطْفُ يَجِبْ = أو اعْتَقِدْ إضْمَارَ عاملٍ تُصِبْ

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


المفعولُ مَعَهُ
يُنْصَبُ تَالِي الوَاوِ مَفْعُولاً مَعَهْ = في نَحْوِ:(سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ)([1])


بِمَا مِنَ الفِعْلِ وشِبْهِهِ سَبَقْ = ذَا النَّصْبُ لاَ بِالوَاوِ في القَوْلِ الأَحَقْ([2])

المفعولُ معَه هو الاسمُ المنتصِبُ بعدَ واوٍ بمعنى معَ، والناصِبُ له ما تَقَدَّمَهُ مِن الفعلِ أو شِبْهِهِ، فمثالُ الفِعْلِ: (سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَةً)؛ أي: سِيرِي معَ الطريقِ، فالطريقُ منصوبٌ بِسِيرِي.
ومثالُ شِبْهِ الفِعْلِ: (زَيْدٌ سائرٌ والطريقَ)، و(أَعْجَبَنِي سَيْرُكَ والطريقَ)، فالطريقُ منصوبٌ بسائرٌ وسَيْرُكَ.
وزَعَمَ قومٌ أنَّ الناصِبَ للمفعولِ معَه الواوُ، وهو غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ كلَّ حرفٍ اخْتُصَّ بالاسمِ ولم يَكُنْ كالجُزْءِ مِنه لم يَعْمَلْ إلاَّ الجَرَّ؛ كحُرُوفِ الجرِّ، وإنما قِيلَ: (ولم يَكُنْ كالجُزْءِ مِنْه) احترازاً من الألِفِ واللامِ؛ فإنَّها اخْتُصَّتْ بالاسمِ ولم تَعْمَلْ فيه شيئاً؛ لِكَوْنِها كالجزءِ مِنه؛ بدليلِ تَخَطِّي العاملِ لها، نحوُ: (مَرَرْتُ بالغُلامِ).
ويُسْتَفَادُ مِن قولِ المصنِّفِ في نحوِ: (سِيرِي والطريقَ مُسْرِعَهْ) أنَّ المفعولَ معَه مَقِيسٌ فيما كانَ مثلَ ذلك، وهو كلُّ اسمٍ وَقَعَ بعدَ واوٍ بمعنى معَ، وتَقَدَّمَهُ فعلٌ أو شِبْهُه، وهذا هو الصحيحُ مِن قولِ النَّحْوِيِّينَ([3]).
وكذلك يُفْهَمُ مِن قولِه: (بما مِنَ الفِعْلِ وشِبْهِهِ سَبَقْ) أنَّ عامِلَه لا بُدَّ أنْ يَتَقَدَّمَ عليه، فلا تقولُ: (وَالنِّيلَ سِرْتُ)، وهذا باتِّفَاقٍ، أمَّا تَقَدُّمُه على مُصَاحِبِهِ، نحوُ:(سارَ وَالنِّيلَ زَيْدٌ) ففيه خِلافٌ، والصحيحُ مَنْعُه([4]).

وبَعْدَ ما اسْتِفْهَامٍ اوْ كَيْفَ نَصَبْ = بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ ([5])

حَقُّ المفعولِ معَه أنْ يَسْبِقَه فِعْلٌ أو شِبْهُهُ، كما تَقَدَّمَ تَمْثِيلُه، وسُمِعَ مِن كلامِ العربِ نَصْبُهُ بعدَ (ما) و (كيفَ) الاستفهامِيَّتَيْنِ مِن غيرِ أنْ يُلْفَظَ بفِعْلٍ، نحوُ:(ما أنتَ وزيداً؟) ([6])، و(كيفَ أنتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟)، فخَرَّجَهُ النحْوِيُّونَ على أنه منصوبٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ مُشْتَقٍّ مِن الكونِ، والتقديرُ: ما تكونُ وزَيْداً، وكيفَ تكونُ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ. فزيداً وقَصْعَةً منصوبانِ بـ( تكونُ) المُضْمَرَةِ.

والعَطْفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ = والنصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ ([7])


والنصْبُ إِنْ لم يَجُزِ العَطْفُ يَجِبْ = أوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ ([8])

الاسمُ الواقِعُ بعدَ هذه الواوِ إمَّا أنْ يُمْكِنَ عَطْفُه على ما قبلَه أو لا، فإنْ أَمْكَنَ عَطْفُه فإمَّا أنْ يكونَ بضَعْفٍ أو بلا ضَعْفٍ.
فإنْ أَمْكَنَ عَطْفُه بلا ضَعْفٍ فهو أحقُّ مِن النصبِ، نحوُ: (كُنْتُ أنا وزَيْدٌ كالأَخَوَيْنِ)، فرَفْعُ (زيدٍ) عَطْفاً على المُضْمَرِ المُتَّصِلِ أَوْلَى مِن نَصْبِهِ مفعولاً معَه؛ لأنَّ العطفَ مُمْكِنٌ للفَصْلِ، والتَّشْرِيكُ أَوْلَى من عدمِ التشريكِ، ومِثْلُه: (سارَ زيدٌ وعَمْرٌو)، فرَفْعُ (عَمْرٌو) أَوْلَى مِن نَصْبِهِ.
وإنْ أَمْكَنَ العطفُ بضَعْفٍ فالنصبُ على المَعِيَّةِ أَوْلَى مِن التشريكِ([9])؛ لِسَلامَتِهِ مِن الضَّعْفِ، نحوُ: (سِرْتُ وزَيْداً)، فنَصْبُ (زيدٍ) أَوْلَى مِن رَفْعِهِ؛ لِضَعْفِ العطفِ على المُضْمَرِ المرفوعِ المُتَّصِلِ بلا فاصِلٍ.
وإنْ لم يُمْكِنْ عَطْفُه تَعَيَّنَ النصبُ على المَعِيَّةِ أو على إِضمارِ فِعْلٍ يَلِيقُ به؛ كقولِه:

166- عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً ([10])

فماءً منصوبٌ على المَعِيَّةِ أو على إضمارِ فِعْلٍ يَلِيقُ به، والتقديرُ: (وسَقَيْتُهَا ماءً بارداً )، وكقولِه تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}، فقولُه: {وَشُرَكَاءَكُمْ} لا يَجُوزُ عَطْفُه على {أَمْرَكُمْ}؛ لأنَّ العطفَ على نِيَّةِ تَكْرَارِ العاملِ؛ إذ لا يَصِحُّ أنْ يُقالَ:(أَجْمَعْتُ شُرَكَائِي)، وإنما يقالُ:( أَجْمَعْتُ أَمْرِي وجَمَعْتُ شُرَكَائِي)، فشُركائِي منصوبٌ على المعيَّةِ، والتقديرُ واللهُ أعلمُ: فأَجْمِعُوا أَمْرَكُم معَ شُرَكَائِكُم، أو منصوبٌ بفعلٍ يَلِيقُ به، والتقديرُ: (فأَجْمِعُوا أَمْرَكُم واجْمَعُوا شُرَكَاءَكُمْ).


([1]) (يُنْصَبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، (تَالِي) نائبُ فاعلِ يُنْصَبُ، وتالي مضافٌ و(الواوِ) مُضَافٌ إليهِ، (مَفْعُولاً) حالٌ من نائبِ الفاعلِِ، (مَعَهْ) معَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (مَفْعُولاً)، ومعَ مضافٌ والضميرُ مُضَافٌ إليهِ، (في نحوِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ في نحوِ، (سِيرِي) فِعْلُ أَمْرٍ، وياءُ المخاطَبَةِ فاعلٌ، والجملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافةِ نَحْوِ إليها، (والطريقَ) مفعولٌ معَهُ، (مُسْرِعَهْ) حالٌ مِن ياءِ المخاطَبَةِ في قَوْلِهِ: (سِيرِي).

([2]) (بما) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (مِن الفِعْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (سَبَقَ) الآتي، (وشِبْهِهِ) الواوُ عاطفةٌ، وشِبْهِ مَعْطُوفٌ على الفعلِ، وشِبْهِ مضافٌ والضميرُ مُضَافٌ إليهِ، (سَبَقْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ (ما) المجرورةِ مَحَلاًّ بالباءِ، (ذَا) اسمُ إشارةٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، (النَّصْبُ) بدلٌ أو عطفُ بيانٍ أو نعتٌ لاسمِ الإشارةِ، (لا) حرفُ عَطْفٍ، (بالواوِ) جارٌّ ومجرورٌ مَعْطُوفٌ على (بِمَا)، (في القولِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (النَّصْبُ) السابقِ، (الأَحَقْ) نعتٌ للقولِ.

([3]) يريدُ الشارِحُ بالمُمَاثَلَةِ في قَوْلِهِ: (مَقِيسٌ فيما كانَ مثلَ ذلك... إلخ) المشابهةَ فيما ذَكَرَ، وفي كونِ الاسمِ الذي بعدَ الواوِ مِمَّا لا يَصِحُّ عَطْفُه على ما قبلَ الواوِ.
وقد اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في هذه المسألةِ؛ فذَهَبَ الجمهورُ إلى أنَّ كلَّ اسمٍ وَقَعَ بعدَ واوِ المَعِيَّةِ وسَبَقَتْهُ جُمْلَةٌ ذاتُ فِعْلٍ أو شِبْهِهِ، ولم يَصِحَّ عَطْفُه على ما قبلَه، فإنَّه يكونُ مفعولاً معَه، وذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى أنه لا يَجُوزُ أنْ يكونَ مفعولاً معَه إلاَّ إذا كانَ بحيثُ يَصِحُّ عَطْفُه على ما قبلَه مِن جِهَةِ المعنَى، والصحيحُ ما ذَهَبَ إليه الجمهورُ؛ لأنَّه قد وَرَدَ عنهم في ما لا يُحْصَىمن الشواهدِ نَثْراً ونَظْماً، وقولُهم: سِرْتُ والطريقَ، واسْتَوَى الماءُ والخشبةَ ـ بمعنى ارْتَفَعَ الماءُ حتى صارَ الماءُ من الخشبةِ في مستوًى واحدٍ ـ من غيرِ ـ ضرورةٍ ولا مُلجئٍ ما يَقْطَعُ بذلك.

([4]) اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في تقديمِ المفعولِ معَه على مُصَاحِبِه: أَيَجُوزُ أم لا يجوزُ؟ فذَهَبَ ابنُ جِنِّيٍّ إلى أنَّ ذلك جائزٌ، والذي يُؤْخَذُ من كلامِه في كتابِه (الخصائصِ) وغيرِه، أنه اسْتَدَلَّ على جَوَازِهِ بأمريْنِ:
أَوَّلُهُما أنَّ المفعولَ معَه يُشْبِهُ المعطوفَ بالواوِ، والمعطوفُ بالواوِ يجوزُ تقديمُه على المعطوفِ عليه، فتقولُ: جاءَ وزيدٌ عَمْرٌو، كما قالَ الشاعِرُ:
أَلاَ يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ = عَلَيْكِ ورَحْمَةُ اللهِ السلامُ

والشيءُ إذا أَشْبَهَ الشيءَ أَخَذَ حُكْمَه.
وثاني الاستدلاليْنِ: أنه وَرَدَ عن العربِ المُحْتَجِّ بكلامِهِم تقديمُ المفعولِ معَه على مُصَاحِبِه؛ كما في قولِ يَزِيدَ بنِ الحَكَمِ الثَّقَفِيِّ مِن قصيدةٍ يُعَاتِبُ فيها ابنَ عَمِّهِ:

جَمَعْتَ وفُحْشاً غِيبَةً ونَمِيمَةً = ثَلاَثُ خِصَالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِي

فزَعَمَ أنَّ الواوَ في قَوْلِهِ: (وفُحْشاً) واوُ المعيَّةِ، والاسمَ بعدَه منصوبٌ على أنه مفعولٌ معَه، ومِن ذلك أيضاًً قولُ بعضِ الفَزَارِيِّينَ، وهو مِن شُعَرَاءِ الحماسةِ:

أَكْنِيهِ حِينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ = وَلاَ أُلَقِّبُهُ وَالسَّوْءَةَ اللَّقَبَا

فزَعَمَ أنَّ الواوَ في قَوْلِهِ: (والسَّوْءَةَ) واوُ المعيَّةِ، والاسمَ بعدَها منصوبٌ على أنه مفعولٌ معَه تَقَدَّمَ على مُصَاحِبِه، وهو قولُه: (اللَّقَبَا)، وأصلُ الكلامِ عندَه: ولا أُلَقِّبُهُ اللَّقَبَ والسَّوْءَةَ.
وليسَ ما ذَهَبَ إليه ابنُ جِنِّيٍّ بِسَدِيدٍ، ولا ما اسْتَدَلَّ به صحيحٌ؛ أمَّا تَشْبِيهُ المفعولِ معَه بالمعطوفِ فلَئِنْ سَلَّمْنَا له شَبَهَهُ به لم نُسَلِّمْ أنَّ المعطوفَ يجوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ على المعطوفِ عليه، بل كَوْنُه تابعاً يُنَادِي بأنَّ ذلك مُمْتَنِعٌ، فأمَّا البيتُ الذي أَنْشَدَهُ شاهداً على تقديمِ المعطوفِ فضرورةٌ أو مُؤَوَّلٌ، وأمَّا البيتانِ اللذانِ أَنْشَدَهُما على جَوَازِ تقديمِ المفعولِ معَه على مُصَاحِبِه فبعدَ تسليمِ صِحَّةِ الروايةِ يجوزُ أنْ تكونَ الواوُ فيهما للعطفِ وقُدِّمَ المعطوفُ ضرورةً.

([5]) (وبعدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (نَصَبَ) الآتي، وبعدَ مضافٌ و(مَا) قُصِدَ لفظُه: مُضَافٌ إليهِ، وما مضافٌ و(استفهامٍ) مُضَافٌ إليهِ مِن إضافةِ الدالِّ إلى المدلولِ، (أو) عاطفةٌ،َيْفَ) مَعْطُوفٌ على (ما) السابقِ،َصَبْ) فِعْلٌ ماضٍ،ِفِعْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بنَصَبَ، وفِعْلِ مضافٌ و(كونٍ) مُضَافٌ إليهِ،ُضْمَرٍ) نعتٌ لِفِعْلٍ،(بعضُ) فاعلُ نَصَبَ، وبعضُ مضافٌ و(العربِ) مُضَافٌ إليهِ.

([6])ومن ذلك قولُ أُسَامَةَ بنِ الحارِثِ بنِ حَبِيبٍ الهُذَلِيِّ:

ما أنتَ والسيْرَ في مَتْلَفٍ = يُبَرِّحُ بِالذَّكَرِ الضَّابِطِ

الشاهدُ في قَوْلِهِ:(ما أنتَ والسيرَ)؛حيثُ نَصَبَ(السيرَ) على أنه مفعولٌ معَه مِن غيرِ أنْ يَتَقَدَّمَه في اللفظِ فِعْلٌ، ومن ذلك قولُ الآخَرِ، وهو مِن شواهدِ سِيبَوَيْهِ:

أَتُوعِدُنِي بِقَوْمِكَ يَا بْنَ حَجْلٍ = أَشَابَاتٍ يَخَالُونَ الْعِبَادَا


بِمَا جَمَّعْتَ مِنْ حَضَنٍ وعَمْرٍو = وما حَضَنٌ وعَمْرٌو والْجِيَادَا

الشاهدُ في قَوْلِهِ:(وما حَضَنٌ... والجِيادَا)؛حيثُ نَصَبَ(الجيادَ) على أنه مفعولٌ معَه مِن غيرِ أنْ يَتَقَدَّمَ عليه فعلٌ أو شِبْهُه.
ومعَ وُرُودِ ذلك في كلامِ العربِ المُحْتَجِّ به فإنَّه قليلٌ، والكثيرُ في مِثْلِ ذلك رَفْعُ ما بعدَ الواوِعلى أنه مَعْطُوفٌ على ما قبلَه، كما قالَ زِيَادٌ الأَعْجَمُ:

تُكَلِّفُنِي سَوِيقَ التَّمْرِ جَرْمٌ = وما جَرْمٌ وما ذَاكَ السَّوِيقُ

وكما قالَ أَوْسُ بنُ حَجَرٍ:

عَدَدْتُ رِجَالاً مِن قُعَيْنِ تَفَجُّساً = فما ابنُ لُبَيْنَى والتَّفَجُّسُ وَالْفَخْرُ

وكما قالَ المُخَبَّلُ يَهْجُو الزِّبْرِقَانَ بنَ بَدْرٍ:

يَا زِبْرِقَانُ أَخَا بَنِي خَلَفٍ = ما أنتَ ـ وَيْبَ أَبِيكَ ـ وَالْفَخْرُ


([7])(والعطفُ) مبتدأٌ،(إنْ) شَرْطِيَّةٌ،ُمْكِنْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ فعلُ الشرطِ، مجزومٌ بالسكونِ،وجوابُ الشرطِ محذوفٌ،ِلا ضَعْفٍ) الباءُ حرفُ جرٍّ، ولا: اسمٌ بمعنى غيرِ مجرورٌ بالباءِ، وقد ظَهَرَ إعرابُه على ما بعدَه بطريقِ العارِيَّةِ، و(لا) مضافٌ وضَعْفٍ: مُضَافٌ إليهِ مجرورٌ بكسرةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخرِه،مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحركةِ العاريَّةِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِيُمْكِنْ،َحَقْ) خبرُ المُبْتَدَأِ، وجملةُ الشرطِ وجوابِه مُعْتَرِضَةٌ بينَ المبتدأِ وخبرِه،(والنَّصْبُ مُخْتَارٌ) مبتدأٌ وخَبَرُه،َدَى) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُخْتَارٌ، ولَدَى مضافٌ و(ضَعْفِ) مُضَافٌ إليهِ، وضَعْفِ مضافٌ و(النَّسَقْ) مُضَافٌ إليهِ.

([8])(النصبُ) مبتدأٌ،(إنْ) شَرْطِيَّةٌ،َمْ) نافيةٌ جازمةٌ،َجُز) فِعْلٌ مُضَارِعٌ فعلُ الشرطِ،(العَطْفُ) فاعلُ يَجُزْ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ،َجِبْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى النصبُ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المُبْتَدَأِ،َوِ اعْتَقِدْ) أو: عاطفةٌ، اعْتَقِدْ:فِعْلُ أَمْرٍ وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، (إِضْمَارَ) مفعولٌ به لاعْتَقِدْ، وإضمارَ مضافٌ و(عامِلٍ) مُضَافٌ إليهِ،ُصِبْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مجزومٌ في جوابِ الأمرِ الذي هو اعْتَقِدْ، ويجوزُ أنْ يكونََجِبْ) جوابَ الشرطِ، وتكونُ جملةُ الشرطِ وجوابِه ـ على هذا ـ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المُبْتَدَأِ.

([9])الضَّعْفُ الذي لا يَتَأَتَّى معَه العطفُ إمَّا أنْ يكونَ لفظيًّا؛ أي: عائداً إلى اللفظِ بِحَسَبِ ما تَقْتَضِيهِصِنَاعَةُ الإعرابِ، وإمَّا أنْ يكونَ مَعْنَوِيًّا، وقد مَثَّلَ الشارِحُ للضَّعْفِ اللفظيِّ ولم يُمَثِّلْ للضعفِ المعنويِّ؛أي: الذي يَرْجِعُ إلى ما يُرِيدُ المتكلِّمُ مِن المعنى.
ومِن أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُم: (لو تَرَكْتَ الناقَةَ وفَصِيلَها لَرَضَعَها)،وبيانُه: أنك لو عَطَفْتَ الفَصِيلَ على الناقةِ لصارَ المعنى: أنَّ رَضاعَ الفَصِيلِ للناقةِ مُتَسَبِّبٌ عن مُجَرَّدِ تَرْكِكَ إيَّاهما، وليسَ كذلك، فيَلْزَمُكَ أنْ تَجْعَلَ التقديرَ على العطفِ: لو تَرَكْتَ الناقةَ وتَرَكْتَ فَصِلَها يُرْضَعُها ـ تعني: يَتَمَكَّنُ مِن رَضَاعِها ـ لَرَضَعَهَا،فأمَّا نصبُ هذا على أنه مفعولٌ معَه فيَصِيرُ به المعنى: لو تَرَكْتَ الناقةَ معَ فَصِيلِها لَرَضَعَها، وهذا صحيحٌ مُؤَدٍّ إلى المقصودِ؛ لأنَّ المَعِيَّةَ يُرَادُ بها المَعِيَّةُ حِسًّا ومَعْنًى، فالتكلُّفُ الذي اسْتَوْجَبَهُ العَطْفُ لِتَصْحِيحِ المعنى هو الذي جَعَلَه ضَعِيفاً،ومثلُه قولُ الشاعِرِ:

إِذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِن امْرِئٍ = فَدَعْهُ وَوَاكِلْ أَمْرَهُ وَاللَّيَالِيَا

إذلو عَطَفَ (اللَّيَالِيَ) على (أَمْرَهُ) لكُنْتَ مُحْتَاجاً إلى تقديرِ: وَاكِلْ أَمْرَهُ لِلَّيَالِي ووَاكِلِ الليالِيَ لأمرِهِ، فأمَّا جَعْلُالواوِ بمعنى معَ ونَصْبُ الاسمِ على أنه مفعولٌ معَه فلا يُحْوِجُ إلى شيءٍ.

([10]) هذا البيتُ مِن الشواهدِ التي لم يَذْكُرِ العلماءُ نِسْبَتَهَا إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وقد اخْتَلَفُوا في تَتِمَّتِهِ؛فيَذْكُرُ بَعْضُهُم أنَّ الشاهِدَ صَدْرُ بيتٍ، وأنَّ تَمَامَه:

* حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا *

ويَرْوِيهِ العَلاَّمَةُ الشِّيرَازِيُّ عَجُزَ بَيْتٍ، ويَرْوِي له صَدْراً هكذا:

* لَمَّا حَطَطْتُ الرَّحْلَ عَنْهَا وَارِدَا *

اللغةُ: (شَتَتْ) يُرْوَى في مكانِه:َدَتْوهما بمعنًى واحدٍ،َمَّالَةً) اسمُ مبالغةٍ مِن هَمَلَتِ العينُ، إذا انْهَمَرَتْ بالدموعِ.
الإعرابُ: (عَلَفْتُهَا) فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ أوَّلُ،ِبْناً) مفعولٌ ثانٍ،(وماءً) ظاهرُه أنه مَعْطُوفٌ على ما قبلَه، وسَتَعْرِفُ ما فيه،(بارداً) صفةٌ للمعطوفِ الذي هو ماءً.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وماءًفإنَّه لا يُمْكِنُ عَطْفُه على ما قبلَه؛ لكونِ العاملِ في المعطوفِ عليه لا يَتَسَلَّطُ على المعطوفِ؛ إذْ لا يقالُ:َلَفْتُهَا ماءًومن أجلِ ذلك كانَ نَصْبُه على أحدِ ثلاثةِ أَوْجُهٍ: إمَّا بالنصبِ على المعيَّةِ، وإما على تقديرِ فِعْلٍ يُعْطَفُ على (عَلَفْتُهَا)،والتقديرُ: عَلَفْتُها تِبْناً وسَقَيْتُها ماءً، وإمَّا على أنْ تُضَمِّنََلَفْتُهَا) معنى (أَنَلْتُهَا) أو (قَدَّمْتُ لها)، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ونحوِ ذلك لِيَسْتَقِيمَ الكلامُ، وقد ذَكَرَ الشارِحُ في البيتِ والآيةِ الكريمةِ وجهيْنِ من هذه الثلاثةِ.
وسيأتي لهذا نظائرُ نَذْكُرُها معَ شَرْحِ الشاهدَِقْمِ 299) في مباحثِ عَطْفِ النَّسَقِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


هذا بابُ المفعولِ معَه

وهو: اسمٌ فضْلَةٌ تَالٍ لواوٍ بمعنَى "معَ", تاليةٍ لجملةٍ ذَاتِ فعلٍأو اسمٍ فيه معناه وحروفُه؛ كـ:ِرْتُ والطَّرِيقَ", و:"أنَا سَائِرٌ والنِّيلَ".
فخرَجَ باللفظِ الأوَّلِ نحوُ: "لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ", ونحوُ: "سِرْتُ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ"؛ فإنَّ الواوَ داخلةٌ في الأولِ على فعلٍ, وفي الثاني على جُملةٍ, وبالثاني نحوُ: "اشْتَرَكَ زيدٌ وعمرٌو", وبالثالثِ نحوُ: "جِئْتُ معَ زَيْدٍ", وبالرابعِ نحوُ: "جاءَزَيْدٌ وعَمْرٌو قبلَه أو بعدَه", وبالخامسِ نحوُ: "كُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُه", فلا يجوزُ فيه النصْبُ؛ خلافاً للصَّيْمريِّ, وبالسادسِ نحوُ: "هذا لكَ وأباكَ" فلا يُتَكَلَّمُ بهِ؛ خلافاً لأبي عليٍّ.
فإنْ قُلْتَ: فقد قالوا: "ما أنتَ وزَيْداً", و"كيفَ أنتَ وزيداً".
قلتُ: أكثرُهم يرفَعُ بالعطفِ, والذينَ نصَبوا قَدَّروا الضميرَ فاعلاً لمحذوفٍ, لا مُبْتدأً, والأصلُ: ما تكونُ؟ وكيفَ تصنَعُ([1])؟ فلَمَّا حُذِفَ الفعلُ وحدَه بَرَزَ ضميرُه وانفصَلَ.
والناصبُ"للمفعولِ معَه" ما سبَقَه من فعلٍ أو شِبْهِه([2]لا الواوُ؛ خلافاً للجُرْجانيِّ, ولا الخلافُ؛ خلافاً للكُوفِيِّينَ, ولا محذوفٌ, والتقديرُ: سِرْتُ ولابَسْتُ النيلَ. فيكونُ حينَئذٍ مفعولاً به؛ خلافاً للزجَّاجِ.
فصلٌ: للاسمِ بعدَ الواوِ خمسُ حالاتٍ:
(1) وُجوبُ العطفِ؛ كما في: "كُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُه", ونحوِ: "اشترَكَ زَيْدٌ وعَمْرٌو", ونحوِ: "جاءَ زَيْدٌ وعَمْرٌو قبلَه أو بعدَه"؛ لِمَا بَيَّنَّا([3]).
(2) ورُجْحَانُه كـ: "جاءَ زيدٌ وعَمْرٌو"؛ لأنَّه الأصْلُ, وقد أمكَنَ بلا ضعفٍ.
(3) ووجوبُ المفعولِ معَه, وذلك في نحوِ: "ما لك َوَزَيْداً", و:"ماتَ زيدٌ وطُلُوعَ الشمسِ"؛ لامتناعِ العطفِ في الأولِ من جهةِ الصناعةِ, وفي الثاني من جهةِ المعنَى.
(4) ورُجحانُه وذلك في نحوِ قولِه:
257- فكُونُوا أَنْتُمُ وبَنِي أَبِيكُمْ([4])
ونحوِ: "قُمْتُ وزَيْداً" لضعفِ العطفِ في الأوَّلِ من جِهةِ المعنَى, وفي الثاني من جهةِ الصناعةِ.
(5) وامتناعُهما؛ كقولِه:
258- عَلَفْتُها تِبْناً ومَاءً بَارِدَا([5])
وقولِه:
259- وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيونَا([6])
أمَّا امتناعُ العطفِ؛ فلانتفاءِ المشاركةِ, وأما امتناعُ المفعولِ معَه؛ فلانتفاءِ المَعيَّةِ في الأولِ, وانتفاءِ فائدةِالإعلامِ بها في الثاني.
ويجِبُ في ذلك إضمارُ فعلٍ ناصبٍ للاسمِ على أنه مفعولٌ به, أي: وسَقَيْتُها ماءً, وكَحَّلْنَ العُيونا, هذا قولُ الفارسيِّ والفَرَّاءِ ومَن تَبِعَهما.
وذهَبَ الجَرْمِيُّ والمازنيُّ والمُبَرِّدُ وأبو عُبيدَةَ والأصْمَعيُّ واليَزيدِيُّ إلى أنَّه لا حذْفَ, وأنَّ ما بعدَ الواوِ معطوفٌ, وذلك على تأويلِ العاملِ المذكورِ بعاملٍ يَصِحُّ انصبابُه عليهما, فيُؤَوَّلُ زَجَّجْنَ بحَسَّنَّ, وعَلَفْتُها بأنَلْتُها.


([1]) ههنا ثلاثةُ أُمورٍ يَتَّضِحُ بها كلامُ ابنِ هشامٍ رَحِمَهُ اللهُ تمامَ الاتضاحِ، وأنا مُبَيِّنٌ لك هذهِ الأمورَ بَياناً لا يَبْقَى معَه عندَك خفاءٌ في شيءٍ منها.
الأمرُ الأولُ: أنَّه قد ورَدَ الاسمُ الواقعُ بعدَ الواوِ المسبوقةِ بـ"ما أنتَ"، أو بـ"كيفَ أنتَ، مرفوعاً، وورَدَ منصوباً أيضاً، والكثيرُ في كلامِ العربِ ورُودُه مرفوعاً، ومن ذلكَ قولُ الشاعرِ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ 1/151.
وكُنْتَ هُنَاكَ أَنْتَ كَرِيمَ قَيْسٍ = فَمَا القَيْسِيُّ بعدَكَ والفَخَارُ
ومن ذلك قولُ الآخرِ:
وكُنْتَ امْرَأً مِن أهْلِ نَجْدٍ، وأهْلُنَا = تَهَامٍ، فَمَا النَّجْدِيُّ والمُتَغَوِّرُ
ومن ذلك قولُ زيادٍ الأعْجَمِ:
تُكَلِّفُنِي سَوِيقَ التَّمْرِ جَرْمٌ = ومَا جَرْمٌ ومَا ذَاكَ السَّوِيقُ
ومن ذلك قولُ المُخبَّلِ:
يَا زِبْرِقانُ أخَا بَنِي خَلَفٍ = مَا أنْتَ– وَيْبَ أَبِيكَ– والفَخْرُ
وعلى الرفعِ الواردِ في هذه الأبياتِ ونحوِها تكونُ الواوُ للعَطْفِ، ويكونُ الاسمُ المرفوعُ معطوفاً على (أنتَ).
ومن شَواهدِ مَجِيءِ الاسمِ مَنْصوباً قولُ أسامةَ بنِ حَبِيبٍ الهُذَلِيِّ، وهو من شواهدِ سِيبَوَيْهِ أيضاً:
ما أنْتَ والسَّيْرَ في مَتلَفٍ = يُبَرِّحُ بالذكَرِ الضابِطِ

ومنه قولُ الآخرِ:
أُتُوعِدُنِي بقَوْمِكَ يَا ابْنَ حَجْلٍ = أُشَابَاتٍ يُخَالُونَ العِبَادَا
بمَا جَمَّعْتَ مِن حَضَنٍ وعَمْرٍو = وما حَضَنٌ وعَمْرٌو والجِيَادَا
الشاهدُ في هذا البيتِ في قولِه: (وَالْجِيَادَا). فأمَّا قولُه قبلَه: (وعَمْرٌو) فالواوُ فيهِ واوُ العطْفِ.
الأمرُ الثاني: أنَّ ابنَ هشامٍ قدَّرَ الفعلَ ههنا بقولِه: (والأصْلُ: ما تكونُ, وكيفَ تَصْنَعُ). وسِيبَوَيْهِ قدَّرَ الفعلَ من لفظِ الكونِ في الموضِعَيْنِ، وجعَلَ الفعلَ مُضارِعاً بعدَ "كيفَ"، ومَاضِياً بعدَ"ما"، فقالَ: (كأنَّه قالَ: كيفَ تكونُ أنتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ، وما كُنْتَ وزَيْداً). وهو الذي يدُلُّ عليهِ كلامُ ابنِ مالكٍ؛ فإنَّه قالَ في الألفيَّةِ:
وبعدَ مَا استفهامٍ$ أو كَيْفَ نَصَبْ = بفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ العَرَبْ
وقالَ في شرحِ كَافِيَتِه: (وقَدْ رُوِيَ عن بعضِ العربِ النَّصْبُ بعدَ"كيفَ" و"مَا" الاستفهاميَّةِ، على إضمارِ "كانَ"، نحوُ: ما أنتَ والكلامَ فيما لا يَعْنِيكَ=؟ وكيفَ أنتَ وقَصْعَةٍ مِن ثَرِيدٍ). اهـ.
الأمرُ الثالثُ: قد اختَلَفَ الذينَ تَبِعوا سِيبَوَيْهِ في تقديرِ فعلٍ من مادَّةِ الكونِ، في موضعيْنِ: أوَّلُهما: هل يَجوزُ جعلُ الفعلِ معَ"ما" مُضارعاً, ومعَ "كيفَ" ماضياً؟ أم يُلْتَزَمُ تَقْدِيرُه مَاضِياً معَ "ما", وتقديرُه معَ "كيفَ" مُضارعاً؛ كما قَدَّرَه سِيبَوَيْهِ؟ فقالَ السِّيرافيُّ: يجوزُ تقديرُ الماضي والمضارعِ جَمِيعاً معَ كلٍّ منهما؛ لأنَّ التفريقَ في عبارةِ سِيبَوَيْهِ ليسَ مُراداً له. وإطلاقُ ابنِ مالكٍ في عبارةِ النظْمِ (بفِعْلِ كَوْنٍ) يُومِئُ إلى اختيارِه هذا الرأْيَ، وقالَ ابنُ ولادٍ: ولا يَجوزُ إلاَّ تقديرُ الماضي معَ "ما", والمضارعُ معَ "كيفَ"؛ كما قَدَّرَه سِيبَوَيْهِ، وقالَ جارُ اللهِ الزَّمَخشريُّ في المُفَصَّلِ: (وأمَّا في قولِكَ: ما أنتَ وعَبْدُ اللهِ، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةٌ من ثَرِيدٍ. فالرفْعُ، إلاَّ عندَ ناسٍ من العربِ، يَنْصِبونَه على تأويلِ: ما كنتَ أنتَ وعبدَاللهِ، وكيفَ تكونُ أنتَ وقَصْعَةً من ثَرِيدٍ؟ قالَ سِيبَوَيْهِ: لأنَّ كنتَ وتكونُ يَقَعانِ هنا كثيراً. وهذا البابُ قياسٌ عندَ بعضِهم، وعندَ آخَرِينَ مَقْصورٌ على السماعِ). اهـ.
وهذا الكلامُ يُومِئُ إيماءً إلى اختيارِ تقديرِ كانَ بعدَ "ما" بلفظِ الماضي، ويكونُ بعدَ "كيفَ" بلفظِ المضارعِ، وإنْ كانَ يَحْتمِلُ أنْ يكُونَ ذلك غيرَ مرادٍ له، وأنْ يكُونَ إنَّما نقَلَ عبارةَ سِيبَوَيْهِ.
والموضعُ الثاني الذي اختْلَفَ فيهِ الذينَ قَدَّروا فعلَ الكونِ تَبَعاً لسِيبَوَيْهِ: هل تُعْتبَرُ (كانَ) و(يكونُ) فعليْنِ تامَّيْنِ أمْ يُعْتبرانِ ناقصيْنِ؟ ذهَبَ ابنُ خَروفٍ إلى أنَّهما فعلانِ نَاقصانِ، وعلى هذا يكونُ اسمُ الاستفهامِ– وهو "ما"، أو كيفَ– في مَحَلِّ نصبٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ، قالَ الأَشْمُونِيُّ: (والأصلُ: ما تكونُ وزيداً، وكيفَ تَكُونُ وقَصْعَةً، فاسمُ كانَ مُسْتَكِنٌ، وخَبَرُها ما تَقدَّمَ عليها من اسمِ استفهامٍ).اهـ.
والقولُ بأنَّ"كانَ" و"تكونُ" هنا ناقصتانِ هو المختارُ، وذهَبَ أبو عليٍّ الفارسيُّ إلى أنَّ"كانَ" و"تَكُونُ" تامَّانِ، وعلى هذا يكونُ فَاعِلُهما ضميراً مُستتِراً فيهما، وأمَّا (كيفَ) ففي مَحلِّ نصْبٍ حالٌ، وأمَّا (ما) فتكونُ نائبةً عن مَصْدرٍ يقَعُ مَفْعولاً مُطْلقاً، وتقديرُ الكلامِ: أيُّ كونٍ من الأكوانِ كُنْتَ وزيداً، وهذا رأيٌ ضعيفٌ, نرَى ألاَّ تأخُذَ به.

([2]) قولُ ابنِ هشامٍ:َا سَبَقَه مِن فعلٍ أو شِبْهِه). هو تابعٌ فيه لابنِ مالكٍ في قولِه في الألفيَّةِ:
بمَا مِنَ الفعلِ وشِبْهِه سَبَقَ ذَا = النَّصْبَ، لا بالواوِ، في القولِ الأحَقّْ
وهما يُشيرانِ بذلك إلى أنَّه لا يَجوزُ تقديمُ المفعولِ معَه على العاملِ فيه، فلا يُقالُ: والنِّيلَ سِرْتُ. ولا يُقالُ: والنِّيلَ أنا سَائِرٌ. وهذا مِمَّا لا خلافَ فيه، وكذلك لا يَجوزُ أنْ يَتوَسَّطَ المفعولُ معَه بينَ العاملِ ومصاحبِه، فلا يُقالُ: سَارَ والنِّيلَ زَيْدٌ.
وقد خالَفَ في هذه الصُّورةِ أبو الفتحِ بنِ جُنِّي، ذهَبَ في كتابِه (الخَصائصِ) إلى أنَّه يَجوزُ أنْ يَتوسَّطَ المفعولُ معَه بينَ العاملِ ومُصاحبِه، وبعبارةٍ أُخْرَى أجازَ أنْ يَتقدَّمَ المفعولُ معَه على مصاحبِه، واستَدَلَّ على ما ذهَبَ إليه بوُرودِه في شِعْرِ العربِ، من ذلك قولُ الحَماسِيِّ:
أَكْنِيهِ حِينَ أُنادِيهِ لأُكْرِمُهُ = ولا أُلَقِّبُه والسَّوأةَ اللَّقَبَا
فإنْ أصلَ الكلامِ: ولا أُلَقِّبُه اللَّقَبَ والسَّوأةَ، ونظيرُ ذلك قولُه:
جَمَعْتَ وَفَحْشاً غِيبَةً ونَمِيمةً = ثَلاثَ خِصالٍ لسْتَ عَنْهَا بمُرْعَوِي
فإنَّ أصلَ الكلامِ: جَمَعْتَ غِيبةً ونَمِيمةً وفُحْشاً.
والجوابُ عن هذا الاستدلالِ أنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ تَالِيَ الواوِ في هذيْنِ البَيتيْنِ مفعولٌ معه، بل هو مَعطوفٌ، وتَقَدُّمُه على المعطوفِ عليهِ ضرورةٌ لا يُقاسُ عليها، كما تَقدَّمَ المعطوفُ في قولِ الأحْوَصِ:
ألاَ يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ = عَلَيكِ ورَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ

([3]) في المثالِ الأوَّلِ لم تَتقدَّمْ على الواوِ جُمْلةٌ، وفي المثالِ الثاني ما بعدَ الواوِ ليسَ فَضْلةً يَسْتغنِي الكلامُ عنه؛ لأنَّ الاشتراكَ لا يقَعُ إلاَّ من اثنيْنِ، وفي المثالِ الثالثِ الظرْفُ المذكورُ بعدَ الاسمِ المُقترِنِ بالواوِ يَنْفِي المصاحبةَ بينَ ما قبلَ الواوِ وما بعدَها.

([4]) 257-لم أقِفْ لهذا الشاهدِ على نسبةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذكَرَه المُؤلِّف صَدْرُ بيتٍ من الوافرِ، والنُّحاةُ يَرْوُونَ عَجُزَه هكذا:
َكَانَ الكُلْيتيْنِ مِن الطِّحَالِ*
وقد وجَدْتُ هذا العَجُزَ في كلمةٍ للأقرعِ القُشَيريِّ, لكنْ معَ صدرٍ آخرَ، وهاكَ ثلاثةَ أبياتٍ من هذهِ الكلمةِ فيها هذا العَجُزُ؛ لتَتبيَّنَ حقيقةُ الأمرِ:
فَلا تَفْعَلْ فإِنَّ أخَاكَ جَلْدٌ = عَلَى العَزَّاءِ فِيهَا ذُو احْتِيالِ
وإِنَّا سَوْفَ نَجعَلُ مَوْلَيَيْنَا = مَكَانَ الكُلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحَالِ
ونَغْنَى فِي الحَوَادِثِ عن أَخِينَا = كَمَا تَغْنَى اليَمِينُ عَنِ الشِّمالِ
اللغةُ: (جَلْدٌ) – بفتحِ الجيمِ وسكونِ اللامِ– صفةٌ مُشبَّهَةٌ من الجلادةِ، وهي الاصطبارُ على الشدائدِ وعلى اقتحامِ المَكارِه, (العَزَّاءِ) المرادُ بها الأمورُ التي يَشُقُّ احتمالُها، وهي فَعَلاءُ, من قولِهم: (عَزَّ فُلاناً يَعِزُّه), بمعنَى غَلَبَه وقَهَرَه، ومنه قولُهم: مَن عَزَّ بَزَّ. وقالوا: مَن حَسُنَ منه العَزَاءُ، هَانَتْ عليه العَزَّاءُ، وقالَ الشاعِرُ:
كأنَّ القَلْبَ لَيلَةَ قِيلَ يُغْدَى = بلَيْلَى العَامِرِيَّةِ أو يُرَاحُ
قَطَاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَبَاتَتْ = تُجاذِبُهُ وقَدْ عَلِقَ الجَنَاحُ
َوْلَيَيْنَا) مُثَنَّى مَوْلًى، وللمَوْلَى مَعانٍ كثيرةٌ, منها الناصِرُ والمُعِينُ، وابنُ العَمِّ، ومنها المالِكُ والمملوكُ، وكانَ للعربِ ضَرْبانِ من الولاءِ: أحدُهما: وَلاية العَتاقةِ، والآخرُ: وَلاءُ المُناصرةِ أو الحِلْفِ.
الإعرابُ: (كُونُوا) فعلُ أمرٍ مُتصرِّفٌ من كانَ الناقصةِ, مَبنِيٌّ على حَذْفِ النونِ، وواوُ الجماعةِ اسمُه مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحلِّ رفعٍ, (أنْتُمُ) ضَمِيرٌ منفصلٌ مُؤكِّدٌ للضميرِ المُتَّصِلِ, الذي هو واوُ الجماعةِ, (وبَنِي) الواوُ واوُ المَعيَّةِ, حرفٌ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من لإعرابِ, و"بَنِي": مفعولٌ معَه مَنصوبٌ بالياءِ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه جمعُ مُذكَّرٍ سَالِمٌ، وهو مضافٌ، وأبي من (أَبِيكُمْ) مضافٌ إليهِ مجرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وهو مُضافٌ, وضميرُ المُخاطَبِينَ مُضافٌ إليهِ,َكانَ) ظرفُ مكانٍ منصوبٌ بالفتحةِ, (والكُلْيَتَيْنِ) مضافٌ إليهِ مَجْرورٌ بالياءِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه مُثَنًّى، والنونُ عِوَضٌ عن التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ, (من) حرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكونِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، وحُرِّكَ للتخَلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ, (الطِّحالِ) مَجْرورٌ بمِن، وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، والجارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ بقولِه: مَكَانَ. لأنَّ فيهِ رائِحَةَ الفعلِ.
الشاهدُ فيه قولُه: (وبَنِي أَبِيكُمْ). فإنَّه نَصَبَه على أنه مفعولٌ معَه, ولم يَرْفَعْه بالعطفِ على اسمُِنْ) الذي هو واوُ الجماعةِ معَ وجودِ التأكيدِ بالضميرِ المُنفصِلِ.
والنصْبُ على أنَّه مَفْعولٌ معَه في هذا البيتِ راجحٌ من جهةِ المعنَى؛ لأنَّ الرفعَ على العطفِ يدُلُّ على أنَّ بَنِي أَبِيهِم مأمورونَ بأنْ يكُونَوا معَهم في مكانٍ يُشْبِهُ مكانَ الكُلْيتيْنِ من الطِّحالِ, كما أنَّهم هم مأمورونَ بذلك أيضاً، وليسَ ذلك مراداً، وإنَّما مُرادُه أنْ يَأْمُرَ المُخاطَبِينَ وحدَهم بأنْ يكُونَوا معَ بني أبيهم كالكُلْيتيْنِ من الطِّحالِ، فافْهَمْ هذا وتَدَبَّرْهُ جَيِّداً تُدْرِكْ ما فيهِ من لُطْفٍ ودِقَّةٍ في المعنَى.

([5]) 258-يجعَلُ بعضُ العلماءِ هذا الشاهدَ صَدْراً لبيتٍ يُنشِدونَه هكذا:
عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً = حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا
وهكذا رواهُ ابنُ هشامٍ في شرحِ الشُّذورَِقْمِ 115)، وبعضُهم يجعَلُ هذا الشاهدَ عَجُزاً لبيتٍ يُنشِدونَه هكذا:
لَمَّا حَطَطْتُ الرَّحْلَ عَنْها وَارِداً = عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً
ولم أقِفْ له على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوابِقَ أو لَوَاحِقَ تُؤيِّدُ إحدَى الروايتيْنِ، والظاهرُ أنَّ التكملةَ التي تُذْكَرُ معَه مصنوعةٌ، فإنَّ التكَلُّفَ فيها يكادُ يُنادِي بذلك.
اللغةُ: (عَلَفْتُها): تقولُ: عَلَفْتُ الدابَّةَ أعْلِفُها عَلْفاً– من بابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْباً– إذا أطْعَمْتَها وقَدَّمْتَ لها ما تَأْكُلُه، وتقولُ: أعْلَفْتُها – بالهمزةِ–واسمُ ما تُقَدِّمُه لها من الطَّعَامِ عَلَفٌ – فتحِ العينِ واللامِ جَمِيعاً– وجَمْعُه عِلافٌ، مثل جَبَلٍ وجِبَالٍ وجَمَلٍ وجِمَالٍ,ِبْناً) بكسرِ التاءِ وسكونِ الباءِ– قَصَبُ الزرعِ بعدَ أنْ يُدَاسَ,َتَتْ) يُرْوَى في مكانِه: (بَدَتْ), وهما بمعنًى واحدٍ,َمَّالةً) صيغةُ مُبالَغَةٍ, من قولِهم: هَمَلَتِ العينُ بالدمْعِ، وهَمَلَ السَّحابُ بالمطَرِ يَهْمُلُ هُمُولاً– مثلُ قَعَدَ يَقْعُدُ قُعُوداً– وهُملاناً أيضاً؛ وذلك إذا انهَمَرَتْ وفاضَتْ بهِ وكَثُرَ نُزولُه منها, (الرَّحْلَ) كلُّ شيءٍ يَعُدُّه المسافرُ لسَفَرِه: مِن وعاءٍ لمَتاعِه، ومَرْكَبٍ لبَعيرِه، وجَمْعُه أَرْحُلٌ ورِحَالٌ، مثلُ فَلْسٍ وأفْلُسٍ, وسَهْمٍ وأَسْهُمٍ وسِهَامٍ,َارِداً) أي: مُوافياً لِمَا قَصَدْتُ إليه بسَفَرِي وبَالِغاً إيَّاهُ.
الإعرابُ: (عَلَفْتُها) فعلٌ ماضٍ، وتاءُ المُتكَلِّمِ فَاعِلُه، والضميرُ العائدُ على رَاحِلَتِه مفعولٌ أوَّلُ, (تَبْناً) مَفْعولٌ ثانٍ, (ومَاءً) الواوُ حرفُ عطفٍ، ماءً مفعولٌ بهِ لفعلٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وسَقَيْتُها ماءً,َارِداً) نَعْتُ الماءِ، ونعتُ المنصوبِ منصوبٌ, وعلامةُ نصبِه الفتحةُ الظاهرةُ، والواوُ– على هذا – قد عَطَفَتْ جملةً على جملةٍ.
الشاهدُ فيه قولُه: (وماءً). فإنَّ عُلماءَ العربيَّةِ مُجْمِعونَ على أنَّه لا يَجوزُ أنْ يكُونَ (مَاءً) معطوفاً على قولِه: (تِبْناً). عَطْفَ مُفْرَدٍ على مُفرَدٍ معَ بقاءِ قولِه:َلَفْتُهَا). على معناهُ الأصليِّ الذي وُضِعَ له في لسانِ العربِ، والسرُّ في ذلك أنَّ مِن شَرْطِ عطفِ المُفْرَدِ على المفردِ أنْ يكُونَ العاملُ في المفردِ المعطوفِ عليهِ مِمَّا يَصِحُّ أنْ يَتَسَلَّطَ على المفردِ المعطوفِ، وههنا لا َيجوزُ لك أنْ تقولَ: عَلَفْتُها مَاءً بارداً. لأنَّ العَلْفَ خَاصٌّ بما يُطْعَمُ.
وقد ذكَرَ العلماءُ – بعدَ ذلك – في تخريجِ مثلِ هذا التعبيرِ ثَلاثةَ تَخْريجاتٍ:
التخريجُ الأوَّلُ: أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). مفعولاً معَه، ذكَرَ هذا الوجْهَ ابنُ عَقِيلٍ في شرحِه على الألفيَّةِ، وصدَرَ به التخريجاتُ، وقدْأبطَلَه المُؤلِّفُ ههنا؛ كما أبطَلَ صِحَّةَ عطفِه على ما قبلَه، ووَجْهُ إبطالِه أنَّ الماءَ لا يُشارِكُ التِّبْنَ, لا في معنَى العَلْفِ ولا في زَمانِ العلْفِ، فلَمَّا لم يُشارِكْهُ في معنَى العَلْفِ لم يَصِحّض أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). معطوفاً على قولِه:ِبْناً). ولَمَّا لم يُشارِكُه في الزمانِ– بسَبَبِ أنَّ الناقَةَ لا تَشْرَبُ الماءَ في وَقْتِ تناوُلِها التِّبْنَ – لم يَصِحَّ أنْ يكُونَ (ومَاءً) مَفْعولاً معَه أيضاً، فإنَّ مِن شرطِ انتصابِ الاسْمِ على أنَّه مفعولٌ معَه أنْ يكُونَ مشاركاً لِمَا قبلَه في زمانِ تَسَلُّطِ العاملِ عليهِ، ويدُلُّ على هذا اشتراطُهم أنْ تكُونَ الواوُ السابقةُ عليهِ دَالَّةً على المصاحبةِ.
والتخريجُ الثاني: أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). مَعْطوفاً على قولِه: (تِبْناً). بعدَ التأويلِ في العاملِ، فعَلَى هذا التخريجِ لا يَبْقَى معنَى قولِه: (عَلَفْتُها): أطْعَمْتُها وقَدَّمْتُ لها ما تأكُلُه، كما هو معناهُ الوضْعِيِّ، بل معناهُ هنا الآنَ أعَمُّ من ذلكَ، فنحنُ نُؤَوِّلُه فنُرِيدُ به معنًى أَوْسَعَ مِن معناهُ اللُّغويِّ، كأنْ نُرِيدَ به معنَى (قَدَّمْتُ لَهَا) أو معنَى (أنَلْتُهَا) أو معنَى (أعْطَيْتُها) وما أشْبَه ذلك، وهذا تخريجُ الجَرْمِيِّ والمازنيِّ والمُبرِّدِ وأبي عُبَيدةَ والأصمعيِّ واليَزِيديِّ وغيرِهم من العُلماءِ.
والتخريجُ الثالثُ: أنْ يكُونَ قولُه: (ومَاءً). مَفْعولاً به لفعلٍ مَحْذوفٍ يَقْتَضِيهِ السياقُ؛ كما ذَكَرْناهُ في بيانِ إعرابِ هذا الشاهدِ، وتَكُونَ جملةُ: (وسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِداً) مَعْطوفةً بالواوِ على جُمْلةِ: (علَفْتُهَا تِبْناً). فالفَرْقُ بينَ هذا التخريجِ والذي قبلَه أنَّ الواوَ في هذا التخريجِ عَطَفَتْ جُمْلةً على جملةٍ، وفي التخريجِ السابقِ عَطَفَتْ مُفْرداً على مفردٍ، وهذا تخريجُ كثيرٍ من العلماءِ، وأوْجَبَهُ أبو عليٍّ الفارسيُّ والفرَّاءُ والزَّوْزنِيُّ شارِحُ المُعَلَّقاتِ.
ومثلُ هذا البيتِ في احتمالِ التخريجيْنِ؛ الثاني والثالثِ, قولُ لَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ العَامِرِيِّ من مُعَلَّقَتِه:
فَعَلاَ فُرُوعُ الأَيْهَقَانِ، وأَطْفَلَتْ = بالجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا ونَعَامَهُا
َلاَ: ارْتَفَعَ وبسَقَ وطَالَ، والأيهاقُ: ضَرْبٌ من النبْتِ، وهو الجرجيرُ البَرِّيُّ، والجَلْهَتانِ: جَانِبَا الوادي، وأطْفَلَتْ: ولَدَتْ وصارتْ ذَاتَ أطْفالٍ) يَحتمِلُ أنَّه أرادَ: أطْفَلَتْ ظِباؤُها وبَاضَتْ نَعامُها؛ لأنَّ النعامَ لا تَلِدُ وإنَّما تَبِيضُ, ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ: نُتِجَتْ ظِبَاؤُها ونَعَامُها، فوضَعَ أطْفَلَتْ في مَوْضعِ نُتِجَتْ.
ومثلُه قولُ الآخرِ:
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أنْفَهُ = وعَيْنَيهِ أَنَّ مَوْلاهُ صَارَ لَهُ وَفْرُ
يَهْجُوُ رَجُلاً بأنَّه يَشْتَدُّ غَيْظُه وكَمْدُه إذا ما رأَى أحدَ أصدقائِه قد أيْسَرَ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ يَجْدَعُ أنْفَه ويَفْقَأَ عَيْنَيهِ؛ إذ الجَدْعُ لا يَكونُ إِلاَّ للأنْفِ، ويَحْتمِلُ أنَّه أرادَ تَرَاهُ كأنَّ اللهَ يُذْهِبُ أنفَه وعَيْنَيْهِ، فوَضَعَ يَجْدَعُ في مَوضعِ يُذْهِبُ.
ومثلُه قولُ الآخرِ:
يَا لَيْتَ بَعْلِكِ قَدْ غَدَا = مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحاً
يَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ مُتَقلِّداً سَيْفاً وحَامِلاً رُمحاً؛ لأنَّ التقَلُّدَ لا يكونُ إلاَّ للسَّيْفِ، ويَحْتمِلُ أنه أرَادَ مُستعمِلاً سَيْفاً ورُمحاً.

([6]) 259-هذا الشاهدُ من كلامِ الراعِي النُّمَيريِّ، واسمُه عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ عَجَزُ بَيْتٍ من الوافرِ، وصَدْرُه قولُه:
ِذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْماً*
وبعدَ البيتِ المُسْتَشْهَدِ به هنا قولُه:
أَنَخْنَ جِمَالَهُنَّ بذَاتِ غِسْلٍ = سَرَاةَ اليَوْمِ يَمْهَدْنَ الكُدُونَا
وأنشَدَ ياقوتٌ قبلَ هذا البيتِ قولُه:
وأظْعَانٍ طَلَبْتُ بذَاتِ لَوْثٍ = يَزِيدُ رَسِيمُها سَرَعاً ولِينَا
اللغةُ: (الغَانِيَاتِ) جمعُ غَانِيَةٍ، وهي المرأةُ التي غَنِيَتْ بجَمالِها عن الحُلُيِّ والزِّينةِ, ويُقالُ: هي التي غَنِيَتْ بزَوْجِها عن التعَرُّضِ للرجالِ، وأصْلُ الغانياتِ جَمْعُ غَانِيَةٍ, اسمُ فَاعِلٍ مُؤَنَّثٌ من (غَنِيَ فُلانٌ بالمَكانِ): إذا أقامَ به ولم يَبْرَحْهُ، فكأنَّهُنَّ مُقِيماتٌ بخُدُورِهِنَّ لا يُفارِقْنَها؛ كقولِه تعالى: {حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيَامِ}. كما قَالُوا: امرأةٌ مُخَدَّرَةٌ. وهي التي حُبِسَتْ في الخِدْرِ لا تَبْرَحُهُ,َرَزْنَ) تقولُ:َرَزَ فُلانٌ يَبْرُزُ بُرُوزاً). بوَزْنِ قَعَدَ يَقْعُدُ قُعُوداً: إذا ظَهَرَ, (زَجَّجْنَ) دَقَّقْنَ، وتقولُ: رَجُلٌ أَزَجُّ، وامْرأَةٌ زَجَّاءُ): إذا كانَ قد دَقَّقَ حَاجِبَه ورَقَّقَه في طُولٍ,َاتِ غِسْلٍ) بكسرِ الغَيْنِ وسُكونِ السنِّ– موضِعٌ بينَ اليَمامةِ والنِّبَاجِ, كانَ لبَنِي كُلَيْبِ بنِ يَرْبُوعَ ثم صَارَ لبني نُمَيْرٍ.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ لِمَا يُسْتقبَلُ من الزمانِ خَافِضٌ لشَرْطِه منصوبٌ بجوابِه، مَبنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ, (ما) زائدةٌ, (الغَانياتُ) فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، وجملةُ الفعلِ المحذوفِ وفاعِلِه المذكورِ في مَحلِّ جَرٍّ بإضافةِ"إذا" إليها,َرَزْنَ) بَرَزَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونونُ النِّسوةِ فَاعِلٌ، مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحلِّ رفعٍ، وجملةُ الفعلِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ مُفَسِّرَةٌ, (يَوْماً) ظرفُ زمانٍ مَنْصوبٌ ببَرَزَ, (وزَجَّجْنَ) الواوُ حرفُ عطفٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، زَجَّجَ: فعلٌ ماضٍ مَبنِيٌّ على الفتحِ المُقدَّرِ لا مَحلَّ له من الإعرابِ، ونونُ النِّسْوةِ فاعلُه مَبنِيٌّ على الفتحِ في مَحلِّ رفعٍ, (الحَوَاجِبَ) مفعولٌ بهِ لزجَّجَ, منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (والعُيُونَا) الواوُ حرفُ عطفٍ، العُيُونَا: مفعولٌ بهِ لفعلٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: وزَجَّجْنَ الحواجبَ وكَحَّلنَ العُيونَ، والجملةُ معطوفةٌ بالواوِ على الجملةِ قبلَها، أو العُيونُ معطوفٌ على الحواجبِ, بتأويلِ زَجَّجْنَ بفعلٍ يَصِحُّ أنْ يَتناوَلَ الحَوَاجِبَ والعيونَ مَعاً، مثلَ: حَسَّنَّ أو جَمَّلْنَ وما أشْبَهَ ذلك.
الشاهدُ فيه قولُه: (زَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا). فإنَّ الفعلَ المذكورَ في هذه العبارةِ لا يَصِحُّ أنْ يَتعدَّى إلى ما قبلِ الواوِ, وما بعدَها جميعاً معَ بقائِهِ على معناهُ الأصلُ، فما بعدَ الواوِ؛ إمَّا أنْ يكُونَ معمولاً لفعلٍ محذوفٍ يَصِحُّ أنْ يَتعَدَّى إليهِ، وتَكُونَ الواوُ قد عَطَفَتْ جملةً على جملةٍ، وإِمَّا أنْ يتأوَّلَ في الفعلِ, فيَجْعَلَ معناهُ أوْسَعَ من معناه الأصليِّ, بحيثُ يَتناوَلُ ما بعدَ الواوِ وما قبلَها، وتكونُ الواوُ قد عَطَفَتْ مفرداً على مفردٍ، على نحوِ ما بَيَّنَّاهُ في الإعرابِ وقَرَّرْنا بإيضاحٍ في شرحِ الشاهدِ السابقِ.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


المَفْعُولُ مَعَهُ
311 - يُنْصَبُ تَالِيَ الواوِ مَفْعُولًا مَعَهْ = فِي نَحْوِ "سِيْرِي والطَّرِيْقَ مُسْرِعَهْ"
312 - بِمَا مِنَ الفِعْلِ وشِبْهِهِ سَبَقْ = ذَا النصبُ لَا بالواوِ فِي القولِ الأَحَقّ
(يُنْصَبُ) الاسمُ الفَضْلَةُ (تَالِيَ الواوِ) التِي بِمَعْنَى "مَعَ" التاليةِ لِجُمْلَةٍ ذَاتِ فِعْلٍ أو اسْمٍ يُشْبِهُهُ مِمَّا فِيْهِ مَعْنَى الفِعْلِ وحروفِهِ (مَفْعُولًا مَعَهُ) كَمَا (فِي نحوِ سِيْرِي والطَّرِيْقَ مُسْرِعَهْ) و"أَنَا سَائِرٌ والنِّيْلَ" و"أَعْجَبَنِي سَيْرُكَ والنِّيَلَ" فـ"الطريقَ" و"النيلَ" نُصِبَ بالمفعولِ مَعَهُ.
وخَرَجَ بالاسمِ نحوُ: "لَا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبَ اللبنَ" ونحوُ: "سِرْتُ والشمسُ طالعةٌ" ، فَإِنَّ تَالِيَ الواوِ فِي الأوَّلِ فِعْلٌ ، وفِي الثانِي جُمْلَةٌ.
وبالفضلةِ نحوُ: اشْتَرَكَ زَيْدٌ وعَمْرٌو".
وبالواوِ نحوُ: "جِئْتُ مَعَ عَمْرٍو".
وبِكَوْنِهَا بِمَعنَى "مَعَ" نحوُ: "جَاءَ زَيْدٌ وعَمْرٌو قَبْلَهُ أو بَعْدَهُ" وبِكَوْنِهَا تاَليةً لِجُمْلَةٍ، نحوُ: "كُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُهُ" فَلَا يجوزُ فِيْهِ النصبُ خِلافًا للصَّيْمَرِيِّ.
وبكونِ الجملةِ ذاتَ فِعْلٍ أو اسْمٍ يُشْبِهُهُ نحوُ: "هَذَا لَكَ وأَبَاكَ" فَلَا يُتَكَلَّمُ بِهِ خِلافًا لِأَبِي عَلِيٍّ.
وأمَّا قولُهُمْ: "مَا أَنْتَ وزَيْدًا" و"كَيْفَ أَنْتَ"وقَصْعَةً مِنْ ثَرِيْدٍ". ومَا أَشْبَهَهُ ، فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
(بِمَا مِنَ الفِعْلِ وشِبْهِهِ سَبَقْ* ذَا النَّصْبُ) ذَا النَّصْبُ: رُفِعَ بالابتداءِ ، خَبَرُهُ فِي المجرورِ الأوَّلِ وهُو "بِمَا" و"سَبَقَ" صِلَةُ "مَا"، ومِنَ الفِعْلِ: مُتَعَلِّقٌ "بِسَبَقْ" أَيْ: نَصْبُ المَفْعُولِ معَهُ إنَّمَا هُو بِمَا تَقَدَّمَ فِي الجملةِ قَبْلَهُ مِنْ فِعْلٍ وشِبْهِهِ (لَا بالواوِ فِي القَوْلِ الأَحَقّ) خِلافًا للجُرْجَانِيِّ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ النصبَ بالواوِ إِذْ لَوْ كَانَ الأمرُ كَمَا ادَّعَى لَوَجَبَ اتِّصَالُ الضميرِ بِهَا فَكَانَ يُقَالُ: جَلَسْتُ وَكَ ، كَمَا يَتَّصِلُ بِغَيْرِهَا مِنَ الحُرُوفِ العاملةِ نحوُ: "إِنَّكَ" و"لَكَ"، وذلكَ مُمْتَنِعٌ باتِّفَاقٍ ، وأَيْضًا فَهِيَ حينئذٍ حرفٌ مُخْتَصٌّ بالاسمِ غَيْرُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الجزءِ؛ فَحَقُّهُ أَلَّا يَعْمَلَ إِلَّا الجَرَّ كحروفِ الجرِّ ، ولا بالخِلافِ خِلافًا للكُوْفِيِّيْنَ، وإنَّمَا قِيْلَ: غيرُ مُنَزَّلٍ منزلةَ الجُزْءِ للاحْتِرَازِ مِنْ لامِ التعريفِ، فَإِنَّهَا اخْتُصَّتْ بالاسمِ، ولَمْ تَعْمَلْ فِيْهِ؛ لكونِهَا كالجُزْءِ مِنْهُ بدليلِ تَخَطِّي العامِلِ لِهَا ، وتَنَاوَلَ إطلاقُ الفعلِ الظاهرَ كَمَا مَثَّلَ والمُقَدَّرَ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
432 - فَمَا لَكَ والتَّلَدُّدَ حَوْلَ نَجْدٍ = [وَقَدْ غَصَّتْ تِهَامَةُ بِالرِّجَالِ]
أَيْ: مَا تَصْنَعُ والتَّلَدُّدَ، ومِنْ إِعْمَالِ شِبْهِ الفِعْلِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
433 – [إِذَا كَانَتِ الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا] = فَحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
434 - فَقَدْنِي وإِيَّاهُمْ فَإِنْ أَلْقَ بَعْضَهُم = يَكُونُوا كَتَعْجِيْلِ السَّنَامِ المُسَرْهَدِ
وقولُهُ [مِنَ البَسِيطِ]:
435 - لا تَحْبِسَنَّكَ أَثْوَابِي فَقَدْ جُمِعَتْ = هَذَا رِدَائِيَ مَطْوِيًّا وسِرْبَالَا
"فَسِرْبَالَا" نُصِبَ عَلَى المفعولِ مَعَهُ، والعامِلُ فيهِ "مَطْوِيًّا" لَا هَذَا، خِلافًا لِأَبِي عَلِيٍّ فِي تَجْوِيْزِهِ الأَمْرَيْنِ.
تنبيهٌ: أُفْهِمَ بقولِهِ: "سَبَقَ" أَنَّ المفعولَ مَعَهُ لايَتَقَدَّمُ عَلَى عامِلِهِ، وهُو اتفاقٌ، فَلَا يجوزُ: "والطَّرِيْقَ سِرْتُ" وفِي تَقَدُّمِهِ عَلَى مُصَاحِبِهِ خِلَافٌ ، والصَّحِيْحُ المَنْعُ، وأَجَازَ ذَلكَ ابْنُ جِنِّيٍّ تَمَسُّكًا بقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
436 - جَمَعْتَ وَفُحْشًا غِيْبَةً ونَمِيْمَةً = ثَلَاثَ خِصَالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرعَوِي
وقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
437 - أَكْنِيْهِ حِيْنَ أُنَادِيْهِ لِأُكْرِمَهُ = ولَا أُلَقِّبَهُ والسَّوْءَةَ اللَّقَبَا
عَلَى روايةِ مَنْ نصبَ "السَّوْءَةَ"، و"اللَّقَبَ"، يَعْنِي أنَّ المرادَ فِي الأولِ: جَمَعْتَ غَيْبَةً ونَمِيْمَةً مَعَ فُحْشٍ، وفِي الثانِي: ولَا أُلَقِّبَهُ اللقبَ مَعَ السَّوءةِ ؛ لِأَنَّ مَنِ اللقبِ مَا يكونُ لِغَيْرِ سَوْءَةٍ.
ولا حُجَّةَ لَهُ فِيْهِمَا ؛ لإِمْكَانِ جَعْلِ الواوِ فِيْهِم عَاطِفَةً ، قُدِّمَتْ هِي ومَعْطُوفَهَا ، وذلكَ فِي البيتِ الأوَّلِ ظاهِرٌ، وأَمَّا فِي الثانِي فَعَلَى أَنْ يكونَ أَصْلُهُ : وَلَا أُلَقِّبَهُ اللقبَ ؛ وَلَا أَسُوؤُهُ السوءةَ ، ثُمَّ حُذِفَ ناصبُ السوءةِ.
313 - وَبَعْدَ "مَا" استفهامٍ او "كَيْفَ" نَصَبْ = بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ العَرَبْ
(وبَعْدَ مَا استفهامٍ او كَيْفَ نَصَبْ) الاسمَ عَلَى المَعِيَّةِ (بفعلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ) وجوبًا (بعضُ العَرَبْ) فقاُلوا: مَا أَنْتَ وزَيْدًا ، ومِنْهُ قولُهُ [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
438 - مَا أَنْتَ والسَّيْرَ فِي مُتْلَفٍ = [يُبَرِّحُ بالذِّكْرِ الضَّابِطِ]
وقَالُوا: "كَيْفَ أَنْتَ وقَصْعَةً مِنْ ثَرِيْدٍ"؛ والأَصْلُ مَا تكونُ وزَيْدًا ، وكَيْفَ تكونُ وقَصْعَةً، فاسْمُ "كَانَ" مُسْتَكِنٌّ ، وخَبَرُهَا مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مِنَ اسْمِ استفهامٍ فَلَمَّا حُذِفَ الفِعْلُ مِنَ اللفظِ انْفَصَلَ الضميرُ.
تنبيهانِ: الأولُ: مِنْ ذَلكَ أَيْضًا قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
439 - أَزَمَانَ قَوْمِي والجَمَاعَةَ كالَّذِي = لَزِمَ الرَّحَالَةَ أَنْ تَمِيْلَ مَمِيْلَا
"فالجماعةَ" نُصِبَ عَلَى المَعِيَّةِ، بفعلِ كونٍ مضمرٍ ، والتقديرُ: أَزَمَانَ كَانَ قَوْمِي والجَمَاعَةَ كَذَا ، قَدَّرَهُ سِيْبَوَيْهِ.
الثانِي: فِي قَوْلِهِ: "بَعْضُ العربِ" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الأَرْجَحَ فِي مِثْلِ مَا ذكرَهُ الرفعُ بالعطفِ.
314 - والعَطْفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلَا ضَعْفٍ أَحَقّ = والنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ
315 - والنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ العَطْفُ يَجِبْ = أو اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ
(والعطفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلَا ضَعْفٍ) مِنْ جِهَةِ المَعْنَى أو مِنْ جِهَةِ اللفظِ (أَحَقّ) وأَرْجَحُ مِنَ النصبِ عَلَى المَعِيَّةِ كَمَا فِي نحوِ: "جَاءَ زَيْدٌ وعَمْرٌو" و"جِئْتُ أَنَا وزَيْدٌ" {اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ} بِرَفْعِ مَا بَعْدَ الواوِ عَلَى العَطْفِ ؛ لِأنَّهُ الأَصْلُ ، وقَدْ أَمْكَنَ بِلَا ضَعْفٍ ، ويجوزُ النصبُ عَلَى المَعِيَّةِ فِي مِثْلِهِ (والنصبُ) عَلَى المَعِيَّةِ (مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ): إِمَّا مِنْ جِهَةِ المَعْنَى ، كَمَا فِي نحوِ قولِهِمْ: "لَوْ تَرَكْتَ النَّاقَةَ وفَصِيْلَهَا لَرَضَعَهَا" فَإِنَّ العطفَ فِيْهِ مُمْكِنٌ عَلَى تقديرِ: " لَوْ تَرَكْتَ النَّاقَةَ تَرْأَمُ فَصِيْلَهَا وتَرَكَ فَصِيْلَهَا يَرْضَعُهَا لَرَضِعَهَا" لَكِنْ فيهِ تَكَلُّفٌ وتَكْثِيْرُ عِبَارَةٍ ، فهُو ضعيفٌ ، فالوَجْهُ النصبُ عَلَى مَعْنَى: لَوْ تَرَكْتَ الناقةَ مَعَ فَصِيْلِهَا ، ونحوِ قَولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
440 - إِذَا أَعْجَبَتْكَ الدَّهْرَ حَالٌ مِنَ امْرِئٍ = فَدَعْهُ وَوَاكِلْ أَمْرَهُ واللَّيَالِيَا
وقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
441 - فَكُوْنُوا أَنْتُم وبَنِي أَبِيْكُمْ = مَكَانَ الكُلْيَتَيْنِ مِنَ الطَّحَالِ
لِأَنَّ فِي العطفِ تَعَسُّفًا فِي الأوَّلِ وتَوْهِيْنًا للمعنَى فِي الثانِي، وفِي النصبِ عَلَى المَعِيَّةِ سَلَامَةٌ مِنْهُمَا؛ فكانَ أَوْلَى.
وإِمَّا مِنْ جِهَةِ اللفظِ كَمَا فِي نحوِ: "جِئْتُ وزَيْدًا" و"اذْهَبْ وعَمْرًا" لِأَنَّ العَطْفَ عَلَى ضَمِيْرِ الرَّفْعِ المُتَّصِلِ لا يَحْسُنُ ، ولا يَقْوَى إِلَّا مَعَ الفَصْلِ ، ولَا فَصْلَ ، فالْوَجْهُ النصبُ ؛ لِأَنَّ فيهِ سَلَامَةً مِنَ ارْتِكَابِ وَجْهٍ ضَعِيْفٍ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ.
(والنَّصْبُ) عَلَى المَعِيَّةِ (إِنْ لَمْ يَجُزِ العَطْفُ) لِمَانِعٍ مَعْنَوِيٍّ ، أَو لَفْظِيٍّ (يَجِبُ) فالمَانِعُ المَعْنَوِيُّ كَمَا فِي "سِرْتُ والنِّيْلَ" و"مَشَيْتُ والحَائِطَ" و"مَاتَ زَيْدٌ وطُلُوعَ الشمسِ" مِمَّا لا يَصِحُّ مُشَارَكَةُ مَا بَعْدَ الواوِ مِنْهُ لِمَا قَبْلَهَا فِي حُكْمِهِ، والمَانِعُ اللفظِيُّ كَمَا فِي نحوِ: "مَالَكَ وزَيْدًا" و"مَا شَأْنُكَ وعَمْرًا" ؛ لِأَنَّ العَطْفَ عَلَى الضميرِ المجرورِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الجارِّ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ ، فَيُتَعَيَّنُ النصبُ عَلَى المَعِيَّةِ، هَذَا حَيْثُ أَمْكَنَ النَّصْبُ عَلَى المَعِيَّةِ كَمَا رَأَيْتَ ، فَأَمَّا إِذَا امْتَنَعَ مَعَ امْتِنَاعِ العطفِ ، وهُو رَابِعُ الأَقْسَامِ ، وذلكَ كَمَا فِي نحوِ قولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
442 - عَلَفْتُهَا تِبْنًا ومَاءً بَارِدًا = [حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا]
وقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
443 - إِذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا = وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا
فَإِنَّ العَطْفَ مُمْتَنِعٌ ؛ لانْتِفَاءِ المُشَارَكَةِ ، والنصبُ عَلَى المَعِيَّةِ مُمْتَنِعٌ ؛ لانتفاءِ المُصَاحَبَةِ فِي الأوَّلِ ، وانتفاءِ فائدةِ الإِعْلَامِ بِهَا فِي الثانِي ، فَأُوِّلَ العامِلُ المَذْكُورُ بعامِلٍ يَصِحُّ انْصَبَابُهُ عَلَيْهِمَا فَأُوِّلَ "عَلَفْتُهَا" بـ "أَنَلْتُهَا" ، و"زَجَّجْنَ" بـ "زَيَّنَّ" كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الجَرْمِيُّ والمَازِنِيُّ والمُبَرِّدُ وأَبُو عُبَيْدَةَ والأَصْمَعِيُّ واليَزِيْدِيُّ (أو اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ) مُلَائِمٍ لِمَا بَعْدَ الواوِ نَاصِبٍ لَهُ (تُصِبْ) أَيْ: وَسَقَيْتُهَا مَاءً، وَكَحَّلْنَ العيونَ ، وإِلَى هَذَا ذَهَبَ الفَرَّاءُ والفَارِسِيُّ ، ومَنْ تَبِعَهُمَا.
تنبيهٌ: بَقِي مِنَ الأَقْسَامِ قِسْمٌ خَامِسٌ، وهُو تَعَيُّنُ العَطْفِ، وامتناعُ النصبِ عَلَى المَعَيَّةِ نَحْوُ: "كُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُهُ" و"اشْتَرَكَ زَيْدٌ وعَمْرٌو" و"جَاءَ زَيْدٌ وعَمْرٌو قَبْلَهُ أَو بَعْدَهُ" انْتَهَى.
خَاتِمَةٌ: ذَهَبَ أَبُو الحَسَنِ والأَخْفَشُ إِلَى أَنَّ هَذَا البَابَ سَمَاعِيٌّ ، وذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ مَقِيْسٌ فِي كُلِّ اسمٍ اسْتَكْمَلَ الشروطَ السابقةَ، وهُو مَا اقْتَضَاهُ إِيْرَادُ الناظمِ ، وهُو الصَّحِيْحُ ، واللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


المفعولُ معه
تعريفُه وناصبُه

310- يُنْصَبُ تالِي الواوِ مَفعولاً مَعَهْ = في نحوِ سِيرِي والطريقَ مُسْرِعَهْ
311- بما مِنَ الفعلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ = ذا النصْبُ لا بالواوِ في القولِ الأَحَقْ
المفعولُ معه: اسمٌ فَضْلَةٌ تالٍ لواوٍ بمعنى معَ، بعدَ جُملةٍ ذاتِ فعْلٍ أو اسمٍ فيه معناه وحُروفُه، مثالُه: سِرْتُ والحدائقَ ـ وأنا سائرٌ والحدائقَ.
فـ (الحدائقَ) مفعولٌ معه؛ لأنَّ المقصودَ سِرْتُ مع الطريقِ الذي يُقَارِنُ الحدائقَ ويُلابِسُها، و (الواوُ) بمعنى (معَ) وقد تَقدَّمَ في الْمِثالِ الأوَّلِ فِعْلٌ والثاني اسمُ فاعلٍ.
وخَرَجَ بقولِنا: (اسمٌ)، نحوُ: سِرْتُ والشمسُ طالِعةٌ؛ لأنَّ الواوَ داخلةٌ على جُملةٍ، ونحوُ: لا تَأكلْ وتَتكلَّمْ؛ لأنَّ الواوَ وإنْ كانتْ للمَعِيَّةِ لكنها داخلةٌ على فِعْلٍ.
وبقولِنا: (فَضلةٌ): اشترَكَ خالدٌ وصالحٌ؛ لأنَّ ما بعدَ الواوِ عُمدةٌ؛ لأن الفعْلَ (اشْتَرَكَ) يَقتضِي أنْ يكونَ فاعِلُه مُتَعَدِّداً.
وبقولِنا: (الواوِ): جئْتُ مع خَليلٍ.
وبقولِنا: (بمعنى معَ): جاءَ بكرٌ وعثمانُ قبلَه أو بعدَه.
وبقولِنا: (بعدَ جُملةٍ) كلُّ طالِبٍ وكتابُه، فإنَّ الواوَ بمعنى (مع) لكنْ لم يَتقدَّمْ جُملةُ فليس ما بعدَ الواوِ مَفعولاً معه بل مُبتدأً حُذِفَ خَبَرُه كما تَقَدَّمَ في الابتداءِ.
وحُكْمُ المفعولِ معه: النصْبُ والناصبُ له ـ على القولِ الصحيحِ ـ ما سَبَقَه مِن فِعْلٍ أو شِبْهِه، وشِبْهُ الفعْلِ كاسمِ الفاعلِ كما تَقَدَّمَ، أو اسمِ المفعولِ، نحوُ: الكتابُ متروكٌ والقلَمَ، أو المصدَرِ، نحوُ: يُعجِبُنِي سَيْرُكَ والسهْلَ، أو اسمِ الفعْلِ، نحوُ: رُويدَكَ والغاضِبَ بمعنى: أَمْهِلْ نفْسَكَ مع الغاضِبِ.
وليس الناصِبُ للمفعولِ معه الواوَ خِلافاً لِمَن قالَ به، إذ لو كانت الواوُ عامِلَةً لصَحَّ اتِّصالُ الضميرِ بها كما يَتَّصِلُ بغيرِها مِن الحروفِ العامِلَةِ، نحوُ: إنك، لك، وهو مُمْتَنِعٌ باتِّفاقٍ.
وهذا معنى قولِه: (يُنْصَبُ تالِي الواوِ.. إلخ) أيْ: يَنْصِبُ الاسمَ الذي يَتْلُو الواوَ مَفعولاً معه في كلِّ مثالٍ، نحوُ: سَيْرِي والطريقَ مُسرِعَةً، واستغْنَى عن ذِكْرِ بقِيَّةِ القُيودِ السابقةِ بالْمِثالِ، و (سِيرِي) فعْلُ أمْرٍ للمُؤَنَّثَةِ، (والطريقَ) مفعولٌ معه، و (مُسرعةً) حالٌ، ثم ذَكَرَ أنَّ هذا النصْبَ للمفعولِ معه يكونُ بما سَبَقَه مِن الفعْلِ وشِبْهِه، ولا يكونُ بالواوِ في القولِ الأَحَقِّ بالاتِّباعِ، ويُستفادُ مِن قولِه (سَبَقَ) أنَّ المفعولَ معه لا يَجُوزُ أنْ يَتقدَّمَ على عامِلِه.
نصْبُ المفعولِ معه بفِعْلٍ مُضْمَرٍ
312- وبعدَ ما استفهامٍ أو كيفَ نَصَبْ = بفعلِ كونٍ مُضْمَرٍ بعضُ العرَبْ
حقُّ المفعولِ معه أنْ يَسْبِقَه فعْلٌ أو شِبْهُه ـ كما تَقَدَّمَ ـ وسُمِعَ مِن كلامِ العرَبِ نَصْبُه بعدَ (ما) و (كيف) الاستفهامِيَّتَيْنِ مِن غيرِ أنْ يُلْفَظَ بفعْلٍ، نحوُ: ما أنتَ والبحرَ؟ ـ وكيف أنتَ والبَرْدَ؟ والجوابُ عن هذا مِن وَجهينِ:
الأوَّلُ: أنَّ أكثَرَ العربِ يَرفعونَ ما بعدَ الواوِ عَطْفاً على الضميرِ المنفَصِلِ فـ (ما) مُبتدأٌ، (أنتَ) خبرٌ، والواوُ عاطِفةٌ، و (البحرُ) معطوفٌ على (أنتَ) ذَكَرَ ذلك الْمُبَرِّدُ في كِتابِه (الكامِلِ).
الثاني: نَصْبُه بفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مشْتَقٍّ مِن الكَوْنِ أو غيرِه مِثلِ: ما تكونُ والبحرَ، وكيفَ تكونُ والبردَ، فالكَلِمتانِ مَفعولانِ معه مَنصوبانِ بـ (تكونُ) وهي فعْلٌ مضارِعٌ ناقِصٌ وأداةُ الاستفهامِ خَبَرُها مُتَقَدِّماً، أمَّا اسْمُها فضميرُ المخاطَبِ (أنت) وكان مُسْتَتِراً فيها، فلَمَّا حُذِفَتْ بَرَزَ وصارَ مُنْفَصِلاً، ويَصِحُّ اعتبارُها تامَّةً، وفاعِلُها الضميرُ المستَتِرُ، ويصيرُ بعدَ حَذْفِها بارِزاً، و (كيف) حالٌ مُقَدَّمٌ، و (ما) مفعولٌ مُطْلَقٌ مُقَدَّمٌ بمعنى: أيَّ وُجودٍ تُوجَدُ مع البَحْرِ، ومِثلُ هذا الفعْلِ (تَضَعُ) أو (تَعملُ) ونحوُهما.
وهذا معنى قولِه: (وبعدَ ما استفهامٍ.. إلخ) أيْ: نَصَبَ بعضُ العرَبِ المفعولَ معه بعدَ (ما) و (كيف) الاستفهامِيَّتَيْنِ، وجَعَلَ النُّحاةُ النصْبَ بفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مِن لفْظِ الكونِ ـ كما شَرَحْنَاهُ.
أحوالُ الاسمِ الواقِعِ بعدَ الواوِ
313- والعطْفُ إن يُمْكِنْ بلا ضَعْفٍ أَحَقْ = والنصْبُ مُختارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ
314- والنصْبُ إن لم يَجُزِ العطْفُ يَجِبْ = أو اعْتَقِدْ إضْمَارَ عاملٍ تُصِبْ
الاسمُ الواقعُ بعدَ (الواوِ) إمَّا أنْ يُمْكِنَ عَطْفُه على ما قَبْلَه، أو لا، فإنْ أَمْكَنَ عَطْفُه فإمَّا أنْ يكونَ بضَعْفٍ أو بلا ضَعْفٍ، فهذه ثلاثُ حالاتٍ:
الأُولَى: إمكانُ عَطْفِه على الاسمِ السابقِ، أو نَصْبِه على أنه مفعولٌ معه، والعطْفُ أحسَنُ، نحوُ: اجْتَهَدَ الأبُ والمدَرِّسُ في تَربيةِ الولَدِ.
فكَلِمَةُ (المدَرِّسُ) يَجُوزُ رَفْعُها عَطْفاً على الاسمِ السابقِ، ويَجوزُ نَصْبُها على الْمَعِيَّةِ، والعطْفُ أحسَنُ؛ لأنه على نِيَّةِ تَكرارِ العامِلِ الذي يَقَعُ به التأكيدُ اللفظيُّ الذي يُقَوِّي المعنَى، وهو المشارَكَةُ في التربيةِ.
الثانيةُ: جوازُ الوَجهينِ، والنصْبُ على الْمَعِيَّةِ أحسَنُ للفِرارِ مِن عَيْبٍ لفْظِيٍّ أو مَعنوِيٍّ، فاللفْظِيُّ: ما يَعودُ إلى اللفْظِ بحَسْبِ ما تَقتضِيهِ صِناعةُ الإعرابِ، نحوُ: سافَرْتُ وعِصَاماً، فنَصْبُ (عِصاماً) أحْسَنُ مِن رَفْعِه؛ لأنَّ العطْفَ على الضميرِ المرفوعِ الْمُتَّصِلِ بلا فاصِلٍ فيه ضَعْفٌ.
ولهذا حَسُنَ العطْفُ في قولِه تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فـ (زوجُك) مرفوعٌ معطوفٌ على مَحَلِّ الضميرِ الْمُسْتَتِرِ في (اسْكُنْ) و (أنتَ) توكيدٌ للضميرِ المستَتِرِ، ومثلُه قولُه تعالى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ}.
وأمَّا العَيبُ المعنويُّ فهو الذي يَرْجِعُ إلى ما يُريدُه المتكلِّمُ مِن المعنى كقولِ الشاعرِ:
فكونوا أنْتُمُ وبَنِي أبِيكُمْ = مَكانَ الكُليتينِ مِن الطِّحَالِ
فقد نَصَبَ الشاعرُ: (وبني أبيكم) على أنه مفعولٌ معه، ولم يَرْفَعْهُ بالعطْفِ على اسمِ (كُنْ) الذي هو الواوُ، مع وُجودِ التأكيدِ بالضميرِ المنفَصِلِ والنصْبُ أَرْجَحُ مِن جِهةِ المعنى؛ لأن الرفْعَ يَدُلُّ على أنَّ بني أبيهم مَأمورونَ بأنْ يكونوا مَعهم في مكانٍ يُشبِهُ مكانَ الكُلْيَتَيْنِ مِن الطِّحَالِ، كما أنهم هم مَأمورونَ بذلك أيضاً، وليس ذلك مُراداً، وإنما مُرادُه أمْرُ المخاطَبينَ وحْدَهم بأنْ يَكونوا مع بني أبيهم كالكُلْيَتينِ مِن الطِّحالِ، وهذا لا يَتِمُّ إلاَّ بالنصْبِ على الْمَعِيَّةِ.
الثالثةُ: امتناعُ العَطْفِ، ووُجوبُ النصْبِ إمَّا على الْمَعيَّةِ إنِ استقامَ المعنى وإمَّا على غيرِها إنْ لم يَستقِمْ، وذلك مَنْعاً لفَسادٍ لفْظِيٍّ أو مَعنوِيٍّ.
فمِثالُ وُجوبِ النصْبِ على الْمَعيَّةِ لمانِعٍ لفْظِيٍّ يَمنَعُ العَطْفَ: كَتبتُ لك وخَالداً، فيَجِبُ نصْبُ (خَالِداً) على أنه مَفعولٌ معه ولا يُعْطَفُ بالجرِّ على الكافِ؛ لأنه لا يُعْطَفُ على الضميرِ المجرورِ إلاَّ بإعادةِ الجارِّ مع المعطوفِ فتقولُ: كَتبتُ لك ولخالِدٍ.
ومِثالُ النصْبِ لمانِعٍ مَعنويٍّ يَمنعُ العطْفَ: سارَ هِشامٌ والبحرَ، فيَجِبُ نَصْبُ (البحْرِ) على الْمَعِيَّةِ، ولا يُعْطَفُ بالرفْعِ على ما قبلَه لأنَّ العطْفَ على نِيَّةِ تَكرارِ العامِلِ، ولا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: سارَ البحْرَ.
ومِثالُ النصْبِ على غيرِ الْمَعِيَّةِ بتقديرِ فِعْلٍ مناسِبٍ: حضَرَ الضيوفُ فأَكَلُوا طَعاماً شَهيًّا وماءً عَذْباً، فيَجِبُ نَصْبُ كَلمةِ (ماءً) بفِعْلٍ محذوفٍ مناسِبٍ والتقديرُ: وشَرِبُوا، ولا يَصِحُّ النصْبُ على الْمَعيَّةِ لعدَمِ المشارَكَةِ في الزمانِ؛ لأن الإنسانَ لا يَشربُ الماءَ وقتَ تناوُلِ الطعامِ، ولا يَصِحُّ العطْفُ لأنَّ الماءَ لا يُؤْكَلُ.
وإلى هذه الحالاتِ الثلاثِ، أشارَ بقولِه: (والعطْفُ إن يُمْكِنْ بلا ضَعْفٍ أَحَقْ.. إلخ) أيْ: إذا أَمْكَنَ العطْفُ على الاسمِ السابقِ بلا ضَعْفٍ، فهو أحَقُّ مِن النصْبِ على الْمَعِيَّةِ، ويُختارُ النصْبُ على الْمَعِيَّةِ إذا تَرتَّبَ على النَّسَقِ ضَعْفٌ، والنَّسَقُ هو العطْفُ بالحرْفِ كالواوِ أو الفاءِ، أمَّا إذا لم يُمْكِن العَطْفُ فإنه يَجِبُ النصْبُ على الْمَعِيَّةِ، أو على أنه مفعولٌ لفعْلٍ مَحذوفٍ، واللهُ أعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معه, المفعول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir