دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:49 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي المفعول فيه [الظرف]

المفعولُ فيهِ وهوَ الْمُسَمَّى ظَرْفًا

الظرْفُ وقتٌ أوْ مكانٌ ضُمِّنَا = في باطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا
فانْصِبْهُ بالواقِعِ فيهِ مُظْهَرَا = كانَ وإِلَّا فانْوِهِ مُقَدَّرَا
وكلُّ وقتٍ قابِلٌ ذاكَ ومَا= يَقْبَلُهُ المكانُ إلَّا مُبْهَمَا
نحوُ الْجِهاتِ والْمَقاديرِ وما = صِيغَ مِن الفعلِ كمَرْمَى مِنْ رَمَى
وشَرْطُ كَوْنِ ذا مَقِيسًا أنْ يَقَعْ = ظَرْفًا لِمَا في أَصْلِهِ مَعْهُ اجْتَمَعْ
وما يُرَى ظَرْفًا وغيرَ ظَرْفِ = فذاكَ ذُو تَصَرُّفٍ في الْعُرْفِ
وغيرُ ذي التصَرُّفِ الذي لَزِمْ = ظَرْفِيَّةً أوْشِبْهَهَا مِن الكَلِمْ
وقدْ يَنوبُ عنْ مَكانٍ مَصْدَرُ =وذاكَ في ظَرْفِ الزمانِ يَكْثُرُ

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


المفعولُ فيه، وهو المُسَمَّى ظَرْفاً
الظرفُ وَقْتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا = (في) باطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا ([1])

عَرَّفَ المصنِّفُ الظرفَ بأنه زمانٌ أو مكانٌ ضُمِّنَ معنى (في) باطِّرَادٍ، نحوُ: (امْكُثْ هُنا أَزْمُناً)، فهنا ظرفُ مكانٍ، وأَزْمُناً ظرفُ زمانٍ، وكلٌّ مِنهما تَضَمَّنَ معنى (في)؛ لأنَّ المعنَى امْكُثْ في هذا الموضِعِ وفي أَزْمُنٍ.
واحْتَرَزَ بقولِه: (ضُمِّنَ مَعْنَى في) ممَّا لم يَتَضَمَّنْ من أسماءِ الزمانِ أو المكانِ معنى (في)؛ كما إذا جُعِلَ اسمُ الزمانِ أو المكانِ مبتدأً أو خبراً، نحوُ: (يومُ الجُمُعَةِ يومٌ مُبَارَكٌ، ويَوْمُ عَرَفَةَ يومٌ مُبَارَكٌ، والدارُ لِزَيْدٍ)؛ فإنَّه لا يُسَمَّى ظرفاً والحالةُ هذه.
وكذلك ما وَقَعَ منهما مجروراً، نحوُ: (سِرْتُ في يومِ الجُمُعَةِ)، و(جَلَسْتُ في الدارِ) على أنَّ في هذا ونحوِه خِلافاً في تَسْمِيَتِه ظَرْفاً في الاصطلاحِ، وكذلك ما نُصِبَ مِنهما مفعولاً به، نحوُ: (بَنَيْتُ الدارَ، وشَهِدْتُ يومَ الجَمَلِ).
واحْتَرَزَ بقولِه: (بِاطِّرَادٍ) من نحوِ: (دَخَلْتُ البيتَ، وسَكَنْتُ الدارَ، وذَهَبْتُ الشَّأْمَ)؛ فإنَّ كلَّ واحدٍ مِن (البيتَ والدارَ والشأمَ) مُتَضَمِّنٌ معنى (في)، ولكنَّ تَضَمُّنَه معنى (في) ليسَ مُطَّرِداً؛ لأنَّ أسماءَ المكانِ المُخْتَصَّةَ لا يَجُوزُ حذفُ (في) معَها، فليسَ (البيتَ والدارَ والشأمَ) في المُثُلِ منصوبةً على الظرفيَّةِ، وإنما هي منصوبةٌ على التشبيهِ بالمفعولِ به؛ لأنَّ الظرفَ هو: ما تَضَمَّنَ معنى (في) باطِّرَادٍ، وهذه مُتَضَمِّنَةٌ معنى (في) لا باطِّرادٍ.
هذا تقريرُ كلامِ المصنِّفِ، وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّه إذا جَعَلْتَ هذه الثلاثةَ ونحوَها منصوبةً على التشبيهِ بالمفعولِ به، لم تَكُنْ مُتَضَمِّنَةً معنى (في)؛ لأنَّ المفعولَ به غيرُ مُتَضَمِّنٍ معنى (في)، فكذلك ما شُبِّهَ به، فلا يَحْتَاجُ إلى قولِه: (باطِّرَادٍ) لِيُخْرِجَها؛ فإنَّها خَرَجَتْ بقولِه: (ما ضُمِّنَ مَعْنَى في) واللهُ تعالى أعلَمُ.
فانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ مُظْهَرَا = كانَ وَإِلاَّ فَانْوِهِ مُقَدَّرَا ([2])
حُكْمُ ما تَضَمَّنَ معنَى (في) من أسماءِ الزمانِ والمكانِ النصبُ، والناصِبُ له ما وَقَعَ فيه، وهو المصدرُ، نحوُ: (عَجِبْتُ مِن ضَرْبِكَ زيداً يومَ الجُمُعَةِ عندَ الأميرِ)، أو الفعلُ، نحوُ: (ضَرَبْتُ زيداً يومَ الجُمُعَةِ أمامَ الأميرِ)، أو الوصفُ، نحوُ: (أنا ضارِبٌ زيداً اليومَ عِنْدَكَ).

وظاهرُ كلامِ المصنِّفِ أنه لا يَنْصِبُه إلاَّ الواقعُ فيه فقطْ، وهو المصدرُ، وليسَ كذلك؛ بل يَنْصِبُه هو وغيرُه؛ كالفِعْلِ والوصفِ([3]).
والناصِبُ له إمَّا مذكورٌ؛ كما مُثِّلَ، أو محذوفٌ جوازاً، نحوُ أنْ يُقالَ: (متى جِئْتَ؟) فتقولَ: (يومَ الجُمُعَةِ)، و(كمْ سِرْتَ؟) فتقولَ: (فَرْسَخَيْنِ)، والتقديرُ: (جِئْتُ يومَ الجُمُعَةِ، وسِرْتُ فَرْسَخَيْنِ).
أو وُجُوباً؛ كما إذا وَقَعَ الظرفُ صِفَةً، نحوُ: (مَرَرْتُ برَجُلٍ عندَكَ)، أو صِلَةً، نحوُ: (جاءَ الذي عندَكَ)، أو حالاً، نحوُ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ عِنْدَكَ)، أو خَبَراً في الحالِ أو في الأصلِ، نحوُ: (زَيْدٌ عِنْدَكَ وظَنَنْتُ زَيْداً عِنْدَكَ).
فالعامِلُ في هذه الظروفِ محذوفٌ وُجُوباً فى هذه المواضِعِ كلِّها، والتقديرُ في غيرِ الصلةِ: (اسْتَقَرَّ) أو (مُسْتَقِرٌّ)، وفي الصلةِ اسْتَقَرَّ؛ لأنَّ الصلةَ لا تكونُ إلا جملةً، والفعلُ معَ فاعلِه جملةٌ، واسمُ الفاعلِ معَ فاعلِه ليسَ بجملةٍ ([4]). واللهُ أعلَمُ.
وكلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ وَمَا = يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إِلاَّ مُبْهَمَا ([5])
نحوُ الجِهَاتِ والمقاديرِ ومَا = صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمًى مِنْ رَمَى ([6])
يعني: أنَّ اسمَ الزمانِ يَقْبَلُ النصبَ على الظرفيَّةِ([7]): مُبْهَماً كانَ، نحوُ: (سِرْتُ لَحْظَةً وساعةً)، أو مُخْتَصًّا؛ إمَّا بإضافةٍ، نحوُ: (سِرْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)، أو بوصفٍ، نحوُ: (سِرْتُ يَوْماً طَوِيلاً)، أو بعددٍ، نحوُ: (سِرْتُ يَوْمَيْنِ).
وأمَّا اسمُ المكانِ فلا يَقْبَلُ النصبَ مِنه إلا نوعانِ: أَحَدُهما: المُبْهَمُ، والثاني: ما صِيغَ مِن المصدرِ بشرطِه الذي سَنَذْكُرُه، والمُبْهَمُ كالجِهَاتِ الستِّ، نحوُ: (فوقَ وتحتَ ويَمِينَ وشِمالَ وأمامَ وخلفَ)، ونحوُ هذا كالمقاديرِ، نحوُ: (غَلْوَةٍ ومِيلٍ وفَرْسَخٍ وبَرِيدٍ) ([8])، تقولُ: (جَلَسْتُ فوقَ الدارِ وسِرْتُ غَلْوَةً)، فتَنْصِبُهما على الظرفيَّةِ.
وأمَّا ما صِيغَ مِن المصدرِ، نحوُ: (مَجْلِسَ زَيْدٍ، ومَقْعَدَهُ)، فشَرْطُ نَصْبِه قِياساً أنْ يكونَ عاملُه مِن لفظِه، نحوُ: (قَعَدْتُ مَقْعَدَ زيدٍ، وجَلَسْتُ مَجْلِسَ عَمْرٍو)، فلو كانَ عاملُه من غيرِ لفظِه تَعَيَّنَ جَرُّهُ بفي، نحوُ: (جَلَسْتُ في مَرْمَى زيدٍ)، فلا تقولُ: (جَلَسْتُ مَرْمَى زَيْدٍ) إلاَّ شُذُوذاً.
ومِمَّا وَرَدَ مِن ذلك قولُهم: (هو مِنِّي مَقْعَدَ القَابِلَةِ، ومَزْجَرَ الكلبِ، ومَنَاطَ الثُّرَيَّا) ([9])؛ أي: كائنٌ مَقْعَدَ القابلةِ، ومَزْجَرَ الكلبِ، ومَنَاطَ الثُّرَيَّا، والقياسُ: (هو مِنِّي في مَقْعَدِ القابلةِ، وفي مَزْجَرِ الكلبِ، وفي مَنَاطِ الثُّرَيَّا)، ولكِنْ نُصِبَ شُذُوذاً، ولا يُقاسُ عليه، خِلافاً للكِسَائِيِّ، وإلى هذا أشارَ بقولِه:
وشَرْطُ كونِ ذَا مَقِيساً أَنْ يَقَعْ = ظَرْفاً لِمَا في أَصْلِهِ مَعْهُ اجْتَمَعْ ([10])
أي: وشَرْطُ كونِ نَصْبِ ما اشْتُقَّ مِن المصدرِ مَقِيساً أنْ يَقَعَ ظَرْفاً لِمَا اجْتَمَعَ معَه في أصلِه؛ أي: أنْ يَنْتَصِبَ بِمَا يُجَامِعُه في الاشتقاقِ مِن أصلٍ واحدٍ؛ كمُجَامَعَةِ: (جَلَسْتُ) بـ(مَجْلِسٍ) في الاشتقاقِ مِن الجُلُوسِ، فأَصْلُهما واحدٌ، وهو: (الجُلُوسُ).
وظاهِرُ كلامِ المصنِّفِ أنَّ المقاديرَ، وما صِيغَ مِن المصدرِ مُبهمانِ، أمَّا المقاديرُ فمَذْهَبُ الجمهورِ أنها من الظروفِ المُبْهَمَةِ؛ لأنَّها وإنْ كانَتْ معلومةَ المقدارِ فهي مجهولةُ الصفةِ، وذَهَبَ الأستاذُ أبو عَلِيٍّ الشَّلَوْبِينُ إلى أنها لَيْسَتْ مِن الظروفِ المُبْهَمَةِ؛ لأنَّها معلومةُ المِقْدَارِ، وأمَّا ما صِيغَ مِن المصدرِ فيكونُ مُبهماً، نحوُ: (جَلَسْتُ مَجْلِساً)، ومُخْتَصًّا، نحوُ: (جَلَسْتُ مَجْلِسَ زَيْدٍ).
وظاهِرُ كلامِه أيضاً أنَّ (مَرْمًى) مُشْتَقٌّ مِن رَمَى، وليسَ هذا على مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ؛ فإنَّ مَذْهَبَهُم أنه مُشْتَقٌّ مِن المصدرِ، لا مِن الفِعْلِ.
وإذا تَقَرَّرَ أنَّ المكانَ المُخْتَصَّ، وهو ما له أَقْطَارٌ تَحْوِيهِ، لا يَنْتَصِبُ ظَرْفاً، فاعْلَمْ أنه سُمِعَ نصبُ كلِّ مكانٍ مُخْتَصٍّ معَ (دَخَلَ وسَكَنَ)، ونَصْبُ (الشأمِ) معَ (ذَهَبَ) نحوُ: (دَخَلْتُ البيتَ وسَكَنْتُ الدارَ وذَهَبْتُ الشَّأْمَ)، واخْتَلَفَ الناسُ في ذلك؛ فقيلَ: هي منصوبةٌ على الظرفيَّةِ شُذُوذاً. وقيلَ: منصوبةٌ على إسقاطِ حرفِ الجرِّ، والأصلُ: (دَخَلْتُ في الدارِ)، فحُذِفَ حرفُ الجرِّ فانْتَصَبَ (الدارَ)، نحوُ: (مَرَرْتُ زَيْداً)، وقيلَ: منصوبةٌ على التشبيهِ بالمفعولِ به([11]).
وما يُرَى ظَرْفاً وغَيْرَ ظَرْفِ = فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي العُرْفِ ([12])
وغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الذي لَزِمْ = ظَرْفِيَّةً أو شِبْهَهَا مِنَ الكَلِمْ ([13])
يَنْقَسِمُ اسمُ الزمانِ واسمُ المكانِ إلى: مُتَصَرِّفٍ وغيرِ مُتَصَرِّفٍ، فالمتصرِّفُ من ظرفِ الزمانِ أو المكانِ ما اسْتُعْمِلَ ظَرْفاً وغيرَ ظرفٍ؛ كـ(يومٍ ومكانٍ)؛ فإنَّ كلَّ واحدٍ مِنهما يُسْتَعْمَلُ ظرفاً، نحوُ: (سِرْتُ يَوْماً، وجَلَسْتُ مَكَاناً) ويُسْتَعْمَلُ مُبْتَدَأً، نحوُ: (يَوْمُ الجُمُعَةِ يومٌ مُبَارَكٌ، ومَكَانُكَ حَسَنٌ)، وفاعلاً، نحوُ: (جاءَ يومُ الجُمُعَةِ، وارْتَفَعَ مَكَانُكَ).
وغيرُ المُتَصَرِّفِ هو ما لا يُسْتَعْمَلُ إلاَّ ظَرْفاً أو شِبْهَهُ، نحوُ: (سَحَرَ) إذا أَرَدْتَهُ مِن يومٍ بِعَيْنِهِ، فإنْ لم تُرِدْهُ مِن يومٍ بعينِه فهو مُتَصَرِّفٌ؛ كقولِه تعالى: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}، و(فوقَ)، نحوُ: (جَلَسْتُ فوقَ الدارِ)، فكلُّ واحدٍ مِن (سَحَرَ وفَوْقَ) لا يكونُ إلا ظرفاً([14]).
والذي لَزِمَ الظرفيَّةَ أو شِبْهَهَا (عِنْدَ ولَدُنْ)، والمرادُ بِشِبْهِ الظرفيَّةِ أنه لا يَخْرُجُ عن الظرفيَّةِ إلاَّ باستعمالِه مجروراً بـ(مِن)، نحوُ: (خَرَجْتُ مِن عِنْدِ زَيْدٍ)، ولا تُجَرُّ (عِنْدَ) إلاَّ بـ(مِن)، فلا يقالُ: (خَرَجْتُ إلى عِنْدِه)، وقولُ العامَّةِ: (خَرَجْتُ إلى عندِه) خَطَأٌ([15]).
وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ = وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ ([16])
يَنُوبُ المصدرُ عن ظرفِ المكانِ قليلاً؛ كقولِكَ: (جَلَسْتُ قُرْبَ زَيْدٍ)؛ أي: مكانَ قُرْبِ زَيْدٍ، فحُذِفَ المضافُ، وهو (مكانَ)، وأُقِيمَ المضافُ إليه مُقَامَه، فأُعْرِبَ بإعرابِه، وهو النصبُ على الظرفيَّةِ، ولا يَنْقَاسُ ذلك؛ فلا تقولُ: (آتِيكَ جُلُوسَ زَيْدٍ) تُرِيدُ مكانَ جُلُوسِهِ.
ويَكْثُرُ إقامةُ المصدرِ مُقَامَ ظرفِ الزمانِ، نحوُ: (آتِيكَ طُلُوعَ الشمسِ، وقُدُومَ الحاجِّ، وخُرُوجَ زَيْدٍ)، والأصلُ: وَقْتَ طُلُوعِ الشمسِ، ووَقْتَ قُدُومِ الحاجِّ، ووَقْتَ خُرُوجِ زَيْدٍ، فحُذِفَ المضافُ وأُعْرِبَ المضافُ إليه بإعرابِه، وهو مَقِيسٌ في كلِّ مصدرٍ([17]).


([1]) (الظرفُ) مبتدأٌ، (وَقْتٌ) خبرُ المُبْتَدَأِ، (أو مَكَانٌ) مَعْطُوفٌ على وَقْتٌ، (ضُمِّنَا) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، وألفُ الاثنيْنِ نائبُ فاعلٍ، وهو المفعولُ الأوَّلُ، (في) قُصِدَ لَفْظُه: مفعولٌ ثانٍ لِضُمِّنَ، (باطِّرَادٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِضُمِّنَ، (كهُنَا) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، هنا: ظرفُ مكانٍ مُتَعَلِّقٌ بامْكُث، (امْكُثْ) فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، (أَزْمُنَا) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بامْكُثْ أيضاًً.

([2]) (فانْصِبْهُ) انْصِبْ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، (بالوَاقِعِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْصِبْ، (فيه) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالواقِعِ، (مُظْهَرَا) خبرٌ لكانَ الآتي مُقَدَّمٌ عليه، (كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسمُه ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى الواقِعِ، (وإلاَّ) إنْ شَرْطِيَّةٌ، ولا: نافيةٌ، وفعلُ الشرطِ محذوفٌ؛ أي: وإلاَّ يَظْهَرْ، (فَانْوِهِ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، انْوِ: فِعْلُ أَمْرٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُه أنتَ، والهاءُ مفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرطِ، (مُقَدَّرَا) حالٌ مِن الهاءِ في (انْوِهِ).

([3]) اعْلَمْ أنَّ الذي يَقَعُ في الظرفِ هو الحَدَثُ، فإذا قُلْتَ لأحدٍ: (جَلَسْتُ أمامَكَ)، فالجلوسُ ـ وهو الحَدَثُ ـ هو الذي وَقَعَ أمامَكَ، وكذلك إذا قُلْتَ: (أنا جالِسٌ أمامَكَ)، وكذلك إذا قُلْتَ: (كانَ جُلُوسِي أَمَامَكَ).
واعْلَمْ أيضاًً أنَّ المصدرَ يَدُلُّ على الحَدَثِ بدَلالةِ المطابَقَةِ؛ لأنَّ كلَّ معناهُ هو الحَدَثُ، والفعلُ والصفةُ يَدُلاَّنِ على الحدثِ بدَلالةِ التضمُّنِ؛ لأنَّ الفعلَ معناه الحَدثُ والزمانُ، والصفةُ معناها الذاتُ والحَدَثُ القائِمُ بها أو الواقعُ عليها أو الثابتُ لها، والناظِمُ لم يُصَرِّحْ بأنه أرادَ أن الذي يَنْصِبُ الظرفَ هو اللفظُ الدالُّ على الحدثِ بالمطابقةِ، بل كلامُه يَصِحُّ أنْ يُحْمَلَ على ما يَدُلُّ بالمطابقةِ أو بالتضمُّنِ، فيكونُ شَامِلاً للمصدرِ والفعلِ والوصفِ، وعلى هذا لا يَرِدُ اعتراضُ الشارِحِ أَصْلاً.

([4]) ذكَرَ الشارِحُ أربعةَ مواضِعَ يَجِبُ فيها حذفُ العاملِ في الظرفِ، وهي: أنْ يكونَ صفةً، أو صِلَةً، أو خَبَراً، أو حالاً، وبَقِيَ عليه موضعانِ آخرانِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ الظرفُ مَشْغُولاً عنه، كقولِكَ: يومُ الجُمُعَةِ سَافَرْتُ فيه، والتقديرُ: سَافَرْتُ يومَ الجُمُعَةِ سَافَرْتُ فيه، ولا يجوزُ إظهارُ هذا العاملِ؛ لأنَّ المتأخِّرَ عِوَضٌ عنه، ولا يُجْمَعُ بينَ العِوَضِ والمُعَوَّضِ في الكلامِ.
الثاني: أنْ يكونَ الكلامُ قد سُمِعَ بحذفِ العاملِ، نحوُ قولِكَ لِمَن يَذْكُرُ أمراً قد قَدُمَ عليه العهدُ: حِينَئِذٍ الآنَ، وتقديرُ الكلامِ: قد حَدَثَ ما تَذْكُرُ حينَ إذْ كانَ كذا، واسْمَعِ الآنَ، فناصِبُ (حِينَ) عاملٌ، وناصِبُ (الآنَ) عاملٌ آخَرُ، فهما من جملتيْنِ لا مِن جملةٍ واحدةٍ، والمقصودُ نَهْيُ المخاطَبِ عن الخوْضِ فيما يَذْكُرُه، وأَمْرُه بالاستماعِ إلى حَدِيثٍ جَدِيدٍ.

([5]) (وكلُّ) مبتدأٌ، وكلُّ مضافٌ و(وَقْتٍ) مُضَافٌ إليهِ، (قابِلٌ) خبرُ المُبْتَدَأِ، وهو اسمُ فاعلٍ يَعْمَلُ عَمَلَ الفعلِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، (ذَاكَ) ذا: اسمُ إشارةٍ مفعولٌ به لقابِلٌ، والكافُ حرفُ خِطابٍ، (وما) نافيةٌ، (يَقْبَلُهُ) يَقْبَلُ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ، والهاءُ مفعولٌ به لِيَقْبَلُ، (المكانُ) فاعلُ يَقْبَلُ، (إلاَّ) حرفُ استثناءٍ دالٌّ على الحَصْرِ، (مُبْهَمَا) حالٌ، والتقديرُ: لا يَقْبَلُ النصبَ على الظرفيَّةِ اسمُ المكانِ في حالٍ مِن الأحوالِ إلاَّ في حالِ كَوْنِهِ مُبْهَماً.

([6]) (نحوُ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أي: وذلك نحوُ، ونحوُ مضافٌ و(الجهاتِ) مُضَافٌ إليهِ، (والمقاديرِ) مَعْطُوفٌ على الجِهَاتِ، (وما) الواوُ عاطفةٌ، ما: اسمٌ مَوْصُولٌ مَعْطُوفٌ على الجِهَاتِ، (صِيغَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ما، والجملةُ مِن الفعلِ ونائبِ الفاعلِ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، (من الفِعْلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بصِيغَ، (كَمَرْمًى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، (مِن رَمَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن مَرْمًى، وتقديرُ الكلامِ: وذلك كائنٌ كمَرْمًى حالَ كَوْنِهِ مأخوذاً من مَصْدَرِ رَمَى.

([7]) أنتَ تَعْلَمُ أنَّ الفِعْلَ يَدُلُّ بالوضعِ على شيئيْنِ:
أَحَدُهما: الحَدَثُ. وثانيهما: الزمنُ، ويَدُلُّ على المكانِ بِدَلالةِ الالتزامِ؛ لأنَّ كلَّ حَدَثٍ يَقَعُ في الخارِجِ لا بُدَّ أنْ يكونَ وُقُوعُه في مكانٍ ما.
فلَمَّا كانَتْ دَلالةُ الفعلِ على الزمانِ؛ لأنَّه أَحَدُ جُزْأَيْ معناه الوضعيِّ قَوِيَ على نصبِ ظرفِ الزمانِ بِنَوْعَيْهِ المُبْهَمِ والمُخْتَصِّ، ولَمَّا كانَتْ دَلالَتُه على المكانِ بالالتزامِ لا بالوَضْعِ لم يَقْوَ على نصبِ جميعِ الأسماءِ الدالَّةِ على المكانِ، بل تَعَدَّى إلى المُبْهَمِ منه لكونِه دالاًّ عليه في الجملةِ، وإلى اسمِ المكانِ المأخوذِ مِن مادَّتِهِ؛ لكونِهِ بالنظرِ إلى المادَّةِ قَوِيَّ الدَّلالةِ على هذا النوعِ.

([8]) الغَلْوَةُ ـ بفتحِ الغينِ المعجمةِ وسكونِ اللامِ ـ فَسَّرَها المُتَقَدِّمُونَ بالبَاعِ مائةَ باعٍ، والبَاعُ: مِقْدَارُ ما بينَ أصابعِ يَدَيْكَ إذا مَدَدْتَهُمَا مُحَاذِيَتَيْنِ لِصَدْرِكَ، ومنهم مَن قَدَّرَ الغَلْوَةَ بِرَمْيَةِ سَهْمٍ، ومِنهم مَن قَدَّرَها بِثَلاثِمائَةِ ذِراعٍ، والمِيلُ: عَشْرُ غَلَوَاتٍ، فهو أَلْفُ باعٍ، والفَرْسَخُ: ثلاثةُ أميالٍ، والبَرِيدُ: أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ.

([9]) يقولُ العربُ: (فلانٌ مِنِّي مَقْعَدَ القَابِلَةِ) يُرِيدُونَ أنه قَرِيبٌ كقُرْبِ مكانِ قُعُودِ القابلةِ عِنْدَ وِلادةِ المرأةِ مِن المرأةِ، ويقولون: (فلانٌ مِنِّي مَزْجَرَ الكلبِ) يريدون أنه بَعِيدٌ كبُعْدِ المكانِ الذي يُزْجَرُ إليه الكلبُ، ويُرادُ بهذا الذَّمُّ، ويقولون: (فلانٌ مِنِّي مَنَاطَ الثُّرَيَّا) يريدون أنه في مكانٍ بعيدٍ كبُعْدِ الثُّرَيَّا عَمَّن يَرُومُ أنْ يَتَّصِلَ بها، وهذا كِنايةٌ عن عَدَمِ إدراكِه في الشرَفِ والرِّفْعَةِ، يعني: أنه فَرِيدٌ في شَرَفِهِ ورِفْعَةِ قَدْرِهِ.

([10]) (وشَرْطُ) مبتدأٌ، وشرطُ مضافٌ و(كونِ) مُضَافٌ إليهِ، وكونِ مضافٌ و(ذَا) مُضَافٌ إليهِ، مِن إضافةِ المصدرِ الناقِصِ إلى اسمِه، (مَقِيساً) خَبَرُ الكونِ الناقِصِ، (أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، (يقَعُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ منصوبٌ بأنْ، وسَكَّنَهُ للوَقْفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ذا الذي هو إشارةٌ للمأخوذِ مِن مصدرِ الفعلِ، و(أنْ) ومَنْصُوبُها في تأويلِ مصدرٍ خبرُ المُبْتَدَأِ، (ظَرْفاً) حالٌ مِن فاعلِ يَقَعَ المُسْتَتِرِ فيه، (لِمَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (ظَرْفاً) أو بمحذوفٍ صِفَةٌ له، (في أَصْلِهِ مَعْهُ) جارٌّ ومجرورٌ وظرفٌ، مُتَعَلِّقَانِ باجْتَمَعَ الآتي، (اجْتَمَع) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ما الموصولةِ، والجملةُ مِن اجْتَمَعَ وفاعِلِهِ لا مَحَلَّ لها، صلةُ (ما) المجرورةِ مَحَلاًّ باللامِ.

([11]) في هذه المسألةِ أربعةُ أقوالٍ للنحاةِ، ذكَرَ الشارِحُ مِنها ثلاثةً:
الأوَّلُ: أنَّ هذه الظروفَ المُخْتَصَّةَ منصوبةٌ على الظرفيَّةِ؛ كما انْتَصَبَ الظرفُ المكانِيُّ المُبْهَمُ عليها، إلاَّ أنَّ ذلك شاذٌّ لا يُقَاسُ عليه، وهو مَذْهَبُ المُحَقِّقِينَ مِن النُّحَاةِ، ونَسَبَه الشَّلَوْبِينُ للجمهورِ، وصَحَّحَهُ ابنُ الحاجِبِ.
الثاني: أنَّ هذه الأسماءَ منصوبةٌ على إسقاطِ حرفِ الجرِّ، يعني على الحَذْفِ والإيصالِ، كما انْتَصَبَ (الطريقَ) في قولِ الشاعِرِ، (وانْظُرِ الشاهِدَ رَقْمَ 159).
لَدْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ = فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ

وهذا مَذْهَبُ الفَارِسِيِّ، ومِن العلماءِ مَن يَنْسُبُه إلى سِيبَوَيْهِ، وقد اخْتَارَهُ ابنُ مَالِكٍ.
الثالثُ: أنَّ هذه الأسماءَ منصوبةٌ على التشبيهِ بالمفعولِ به؛ وذلك لأنَّهم شَبَّهُوا الفعلَ القاصِرَ بالفعلِ المُتَعَدِّي، كما نَصَبُوا الاسمَ بعدَ الصفةِ المشبَّهَةِ التي لا تُؤْخَذُ إلاَّ مِن مصدرِ الفعلِ القاصِرِ، وهذا إنما يَتِمُّ لو أنَّ الأفعالَ التي تُنْصَبُ بعدَها هذه الأسماءُ كانَتْ كُلُّها قَاصِرَةً.
الرابعُ: أنَّ هذه الأسماءَ منصوبةٌ على أنها مفعولٌ به حَقِيقَةً، وعَلَّلُوا هذا القولَ بأنَّ نَحْوَ (دَخَلَ) يَتَعَدَّى بنفسِه تَارَةً، وبحرفِ الجرِّ تارَةً أُخْرَى، وكثرةُ الأمريْنِ فيه تَدُلُّ على أنَّ كلَّ واحدٍ مِنهما أصلٌ، وهذا أيضاًً يَتَّجِهُ لو أنَّ جميعَ الأفعالِ التي تُنْصَبُ بعدَها هذه الأسماءُ كانَتْ من هذا النوعِ، إلاَّ أنْ يُخَصَّ هذا القولُ بنحوِ (دَخَلَ) مِمَّا له حالتانِ تَسَاوَتَا في كثرةِ الوُرُودِ، بخلافِ (ذَهَبَ).

([12]) (وما) اسمٌ مَوْصُولٌ مبتدأٌ أوَّلُ، (يُرَى) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى ما، وهو المفعولُ الأوَّلُ، (ظَرْفاً) مفعولٌ ثانٍ لِيُرَى، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، (وغَيْرَ) مَعْطُوفٌ على قولِهِ: (ظَرْفاً) السابقِ، وغيرَ مضافٌ و(ظَرْفِ) مُضَافٌ إليهِ، (فذاكَ) الفاءُ زائدةٌ، واسمُ الإشارةِ مبتدأٌ ثانٍ، (ذُو) خبرُ المُبْتَدَأِ الثاني، والجملةُ مِن المبتدأِ الثاني وخَبَرِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ، وزِيدَتِ الفاءُ في جملةِ الخبرِ؛ لأنَّ المبتدأَ موصولٌ يُشْبِهُ الشرطَ في عُمُومِهِ، وذو مضافٌ و(تَصَرُّفٍ) مُضَافٌ إليهِ، (في العُرْفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتَصَرُّفٍ.

([13]) (وغَيْرُ) مبتدأٌ، وغيرُ مضافٌ و(ذِي) مُضَافٌ إليهِ، وذِي مضافٌ و(التصرُّفِ) مُضَافٌ إليهِ، (الذي) اسمٌ مَوْصُولٌ: خبرُ المُبْتَدَأِ، (لَزِمْ) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى الذي، والجملةُ مِن لَزِمَ وفاعلِهِ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الذي، (ظَرْفِيَّةً) مفعولٌ به لِلَزِمَ، (أو شِبْهَهَا) مَعْطُوفٌ على مفعولٍ لفعلٍ محذوفٍ تَقْدِيرُه: أو لَزِمَ ظرفيَّةً أو شِبْهَهَا، ولا يجوزُ أنْ يكونَ معطوفاً على قولِهِ: (ظَرْفِيَّةً) المذكورِ في البيتِ؛ إذ يَصِيرُ حاصلُ المعنى أنَّ مِن الظرفِ ما يَلْزَمُ الظرفيَّةَ وَحْدَهَا، ومنه الذي لَزِمَ شِبْهَ الظرفيَّةِ وَحْدَهَا، والقِسْمُ الأوَّلُ صحيحٌ، والقِسْمُ الثاني على هذا الذي يُفِيدُه ظاهرُ البيتِ غيرُ صحيحٍ، وإنما الصحيحُ أنَّ الظرفَ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهِما: الذي يَلْزَمُ الظرفيَّةَ وَحْدَها ولا يُفَارِقُها، وهو نوعٌ من غيرِ المتصرِّفِ، وثانيهما: الذي يَلْزَمُ الأمريْنِ؛ الظرفيَّةَ وشِبْهَهَا، يعني أنه إذا فارَقَ الظرفيَّةَ لم يُفَارِقْ شِبْهَهَا، وهو النوعُ الآخَرُ مِن غيرِ المتصرِّفِ، (مِن الكَلِمْ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِلَزِمَ أو بِشِبْهَ أو بمحذوفٍ حالٌ مِن (غيرُ ذي التصرُّفِ).

([14]) مَثَّلَ الشارِحُ للظرفِ الذي لا يُفَارِقُ النصبَ على الظرفيَّةِ بمثاليْنِ:
أَحَدُهما: (سَحَرَ) إذا أَرَدْتَ به سَحَرَ يومٍ معيَّنٍ، وهذا صحيحٌ.
وثانيهما: (فَوْقَ)، والتمثيلُ به لهذا النوعِ من الظرفِ غيرُ صحيحٍ، بل الصوابُ أنه من النوعِ الثاني الذي لَزِمَ الظرفيَّةَ أو شِبْهَهَا؛ بدليلِ مجيئِه مجروراً بِمِن في قَوْلِهِ تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} وفي آياتٍ أُخَرَ.
ومن الظروفِ التي لا تُفَارِقُ النصبَ على الظرفيَّةِ (قَطُّ) و(عَوْضُ) ظرفيْنِ للزمانِ؛ أَوَّلُهما للماضي وثانيهما للمستقبَلِ، وهما خاصَّانِ بالوقوعِ بعدَ النفيِ أو شِبْهِهِ، ومنها أيضاًً (بَدَلَ) إذا اسْتَعْمَلْتَه بمعنى مكانٍ، كما تقولُ: خُذْ هذا بَدَلَ هذا، ومِنها أيضاًً الظرُفُ المُرَكَّبَةُ؛ كقولِكَ: أنا أَزُورُكَ صباحَ مساءَ، ومَنْزِلَتُكَ عِنْدَنا بينَ بينَ، ومِنها أيضاًً (بَيْنَا) و(بَيْنَمَا)، ومِنها (مُذْ، ومُنْذُ) إذا رَفَعْتَ ما بعدَهما وجَعَلْتَهُما خبريْنِ عنه، فهما مَبْنِيَّانِ على الضمِّ أو السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ؛ كقَطُّ وعَوْضُ.

([15]) قد قالَ العربُ الموثوقُ بِعَرَبِيَّتِهِم: (حَتَّى مَتَى)، فأَدْخَلُوا (حتَّى) على ظرفِ الزمانِ، وقالوا: (إلى أيْنَ) و(إلى مَتَى)، فأَدْخَلُوا (إلى) الجارَّةَ على ظرفِ الزمانِ والمكانِ، وهذا شاذٌّ من جِهَةِ القياسِ، ومعنى هذا أنه يَصِحُّ لنا إدخالُ (حَتَّى) الجارَّةِ على لَفْظِ (متى) من بينِ أسماءِ الزمانِ، وإدخالُ (إلى) الجارَّةِ على لفظِ (متى) ولفظِ (أينَ) مِن بينِ جميعِ الظروفِ، اتِّبَاعاً لهم، ولا يجوزُ القياسُ على شيءٍ مِن ذلك.

([16]) (وقد) حرفُ تَقْلِيلٍ، (يَنُوبُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، (عن مكانٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَنُوبُ، (مَصْدَرُ) فاعلُ يَنُوبُ، (وذاكَ) الواوُ للاستئنافِ، واسمُ الإشارةِ مبتدأٌ، والكافُ حَرْفُ خِطابٍ، (في ظَرْفِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيَكْثُرُ الآتي، وظرفِ مضافٌ (والزمانِ) مُضَافٌ إليهِ، (يَكْثُرُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى ذاكَ، والجملةُ مِن يَكْثُرُ وفاعلِهِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المُبْتَدَأِ.

([17]) ذَكَرَ الشارِحُ ـ تَبَعاً للناظِمِ ـ وَاحِداً مِمَّا يَنُوبُ عن الظرفِ، وهو المصدرُ، وبَيَّنَ أنَّ نِيَابَةَ المصدرِ عن ظرفِ الزمانِ مَقِيسَةٌ ـ بحيثُ يَجُوزُ لكَ أنْ تُنِيبَ ما شِئْتَ من المصادرِ عن ظرفِ الزمانِ ـ وأنَّ نِيَابَتَهُ عن ظرفِ المكانِ سَمَاعِيَّةٌ يَجِبُ ألاَّ تَسْتَعْمِلَ منه إلاَّ ما وَرَدَ عن العربِ، وقد بَقِيَ عليه أشياءُ تَنُوبُ عن الظرفِ زَمَانِيًّا أو مكانيًّا:
الأَوَّلُ: لفظُ (بَعْضٍ) ولفظُ (كُلٍّ) مضافيْنِ إلى الظرفِ، نحوُ: (بَحَثْتُ عنكَ كلَّ مَكانٍ، وسِرْتُ كلَّ اليومِ)، وذلك مِن جِهَةِ أنَّ كَلِمَتَيْ بعضٍ وكلٍّ بحَسَبِ ما تُضافانِ إليه، وقد مَضَى ـ في بابِ المفعولِ المطلَقِ ـ أنهما يَنُوبَانِ عن المصدرِ في المفعوليَّةِ المطلَقَةِ.
الثاني: صِفَةُ الظرفِ، نحوُ (سِرْتُ طَوِيلاً شَرْقِيِّ القاهرةِ)
الثالثُ: اسمُ العددِ المُمَيَّزِ بالظرفِ، نحوُ: (صُمْتُ ثلاثةَ أيامٍ، وسِرْتُ ثلاثةَ عَشَرَ فَرْسَخاً).
الرابعُ: ألفاظٌ مُعَيَّنَةٌ تَنُوبُ عن اسمِ الزمانِ، نحوُ: (أَحَقًّا) في قولِ الشاعِرِ:
أحقًّا عِبَادَ اللهِ أنْ لَسْتُ صَادِراً = وَلاَ وَارِداً إلاَّ عَلَيَّ رَقِيبُ

وفي نحوِ قولِ الآخَرِ:
أحقًّا أنَّ جِيرَتَنَا اسْتَقَلُّوا = فَنِيَّتُنَا ونِيَّتُهُمْ فَرِيقُ
وفي نحوِ قولِ الآخَرِ:
أحقًّا بَنِي أبناءِ سَلْمَى بنِ جَنْدَلٍ = تَهَدُّدُكُمْ إِيَّايَ وَسْطَ المَجَالِسِ
وفي نحوِ قولِ الآخَرِ:
* أحقًّا أنَّ أَخْطَلَكُمْ هَجَانِي *.

  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)



هذا بابُالمفعولِ فيه, وهو المُسَمَّى ظَرْفاً
الظرفُ: ما ضُمِّنَ معنَى "في" باطِّرادٍ؛ من اسمِ وَقْتٍ,أو اسْمِ مكانٍ, أو اسْمٍ عرَضَتْ دَلالتُه على أحَدِهما, أو جارٍ مَجْراهُ.
فالمكانُ والزمَانُ كـ "امْكُثْ هنا أَزْمُناً".
والذي عَرَضَتْ دَلالتُه على أحدِهما أربعةٌ: أسماءُ العَدَدِ المُميَّزِة ِبهما كـ:ِرْتُ عِشرينَ يَوماً, ثَلاِثينَ فَرْسخاً", وما أُفِيدَ به كُليَّةُ أحدِهما أو جُزئيَّتُه كـ: "سرتُ جميعَ اليومِ جميعَ الفرسخِ", أو:ُلَّ اليومِ كلَّ الفَرْسخِ", أو: "بَعْضَ اليومِ بعضَ الفَرْسخِ", أو:ِصْفَ اليومِ نِصْفَ الفَرْسَخِ".
وما كانَ صِفةً لأحدِهما كـ:َلَسْتُ طَويلاً من الدهْرِ شَرْقِيَّ الدارِ".
وما كانَ مَخْفوضاً بإضافةِ أحدِهما, ثم أُنيبَ عنه بعدَ حذفِه.
والغالبُ في هذا النائبِ أنْ يكونَ مصدراً, وفي المَنوبِ عنه أنْ يكونَ زماناً, ولا بُدَّ من كونِه مُعيَّناً لوقتٍ أو لمقدارٍ, نحوَ: "جِئْتُكَ صلاةَ العصرِ", أو:ُدُومَ الحاجِّ", و:"أنْتَظِرُكَ حَلْبَ ناقةٍ", أو:َحْرَ جَزورٍ".
وقد يكونُ النائبُ اسمَ عَينٍ نحوَ: "لا أكُلِّمُه القَارِظَيْنِ"([1]) والأصْلُ:ُدَّةَ غَيْبَةِ القارِظَيْنِ".
وقد يكونُ المَنوبُ عنه مكاناً نحوَ: "جَلَسْتُ قُرْبَ زيدٍ"؛ أي: مَكانَ قُرْبِه.
والجاري مجْرَى أحدِهما: ألفاظٌ مسموعةٌ تَوسَّعوا فيها, فنَصَبوها على تَضمِينِ معنَى "في"؛ كقولِهم: "أحَقًّا أنَّكَ ذَاهِبٌ". والأصلُ: أَفِي حَقٍّ. وقد نَطَقوا بذلك قالَ:
256- أَفِي الحَقِّ أَنِّي مُغْرَمٌ بِكِ هَائِمٌ([2])
وهي جاريةٌ مجْرَى ظرفِ الزمانِ دونَ ظَرْفِ المكانِ؛ ولهذا تقَعُ خَبراً عن المصادرِ دونَ الجُثَثِ.
ومثلُه: "غيرَ شَكٍّ", أو:َهْدَ رَأْيِي", أو:َنًّا مِنِّي أنَّك َقائِمٌ"([3]).
وخرَجَ عن الحدِّ ثلاثةُ أمورٍ:
أحدُها: نحوُ: {وتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}([4])، إذا قُدِّرَ بـ"في فإنَّ النكاحَ ليسَ بواحدٍ مِمَّا ذكَرْنا([5]).
والثاني: نحوُ: {يَخَافُونَ يَوْماً}([6]) ونحوُ: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}([7]فإنَّهما ليسَا على معنَى: "في", فانتصابُهما على المفعولِ به, ونَاصِبُ {حَيْثُ} "يَعْلَمُ" محذوفاً؛ لأنَّ اسمَالتفضيلِ لا يَنْصِبُ المَفْعولَ بهِ إجماعاً([8]).
والثالثُ: نحوُ: "دَخَلْتُ الدَّارَ", و:َكَنْتُ البيتَ", فانتصابُهما إنَّما هو على التوَسُّعِ بإسقاطِ الخافضِ, لا على الظرفيَّةِ؛ فإنَّه لا يَطَّرِدُ تَعدِّي الأفعالِ إلى الدارِ والبيتِ على معنَى "في", لا تقولُ: "صَلَّيْتُ الدَّارَ" ولا "نِمْتُ البيتَ".
فصلٌ: وحكمُه النصْبُ, وناصبُه اللفظُ الدالُّ على المعنَى الواقعِ فيه؛ ولهذا اللفظِ ثلاثُ حالاتٍ:
إحداها: أنْ يكونَ مذكوراً؛ كـ "امْكُثْ هنا أَزْمُناً", وهذا هو الأصلُ([9]).
والثانيةُ: أنْ يكونَ مَحْذوفاً جَوازاً؛ وذلك كقولِكَ: "فَرْسَخَيْنِ". أو:َوْمَ الجُمُعةِ". جواباً لمَن قالَ: "كَمْ سِرْتَ"؟ أو:َتَى صُمْتَ"؟.
والثالثةُ: أنْ يكونَ محذوفاً وُجوباً, وذلك في سِتِّ مسائلَ, وهي: أنْيقَعَ صِفَةً؛ كـ:َرَرْتُ بطَائِرٍ فوقَ غُصْنٍ", أو صِلَةً؛ كـ: "رأيْتُ الذي عندَك", أو حالاً؛ كـ: "رأيتُ الهلالَ بينَ السحابِ", أو خبراً؛ كـ: "زيدٌ عندَكَ", أو مُشتغَلاً عنه؛ كـ: "يومَ الخميسِ صُمْتُ فيهِ", أو مسموعاً بالحذفِ لا غيرُ([10])؛كقولِهم: "حِينَئذٍ الآنَ"([11]) أي: كانَ ذلك حينَئذٍ, واسْمَعِ الآنَ.
فصلٌ: أسماءُ الزمانِ كُلُّها صالحةٌ للانتصابِ على الظرفيَّةِ, سواءٌ في ذلك مُبْهَمُها؛ كحِينٍ ومُدَّةٍ, ومُخَتَصُّها كيومِ الخميسِ, ومَعْدُودُها؛ كيوميْنِ وأُسبوعيْنِ([12]).
والصالِحُ لذلك من أسماءِ المكانِ نوعانِ:
أحَدُهما: المُبْهَمُ([13]وهو ما افتقَرَ إلى غيرِه في بيانِ صُورَةِ مُسمَّاهُ؛ كأسماءِ الجهاتِ نحوَ: أمامَ ووراءَ ويَمِينَ وشِمَالَ وفَوْقَ وتَحْتَ, وشِبْهُها في الشِّياعِ كناحيةٍ وجانبٍ ومكانٍ, وكأسماءِ المقاديرِ؛ كميلٍ وفَرْسَخٍ وبَرِيدٍ.
والثاني: ما اتحدَتْ مادَّتُه ومادَّةُ عاملِه؛ كـ:َهَبْتُ مَذْهَبَ زَيْدٍ", و:َمَيْتُ مَرْمَى عَمْرٍو", وقولِه تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ للسَّمْعِ}([14]).
وأمَّا قولُهم: "هو مِنِّي مَقْعَدَ القابلةِ", و:َزْجَرَ الكلبِ", و:َناطَ الثُّرَيَّا". فشاذٌّ؛ إذ التقديرُ: هو مِنِّي مُستقِرٌّ في مَقْعَدِ القابلةِ, فعاملُه الاستقرارُ, ولو أُعْمِلَ في المَقْعَدِ قَعَدَ, وفي المَزْجَرِ زجَرَ وفي المَناطِ نَاطَ, لم يَكُنْ شَاذًّا([15]).
فصلٌ: الظرفُ نوعانِ:
مُتصَرِّفٌ وهو: ما يُفارِقُ الظرفيَّةَ إلى حالةٍ لا تُشْبِهُها؛ كأنْ يُستعمَلَ مبتدأً أو خبراً أو فاعلاً أو مفعولاً أو مضافاً إليه؛ كاليومِ, تقولُ: "اليَوْمُ يَوْمٌ مُبارَكٌ", و:"أعْجَبَنِي اليومُ", و:"أحْبَبْتُ يومَ قُدُومِكَ", و:"سرتُ نِصْفَ اليومِ".
وغيرُ مُتصَرِّفٍ, وهو نوعانِ: ما لا يُفارِقُ الظرفيَّةَ أصلاً كـ:َطُّ وعِوَضُ"([16]) تقولُ: "مَا فَعَلْتُهُ قَطُّ", و:"لا أفْعَلُه عِوَضُ", ومالا يخرُجُ عنها إلاَّ بدخولِ الجارِّ عليه نحوَ: قبلُ وبعدُ ولَدُنْ وعندَ, فيُحْكَمُ عليهنَّ بعدمِ التصَرُّفِ معَ أنَِّن" تدخُلُ عليهنَّ؛ إذ لم يَخرُجْنَ عن الظرفيَّةِ إلاَّ إلى حالةٍ شبيهةٍ بها؛ لأنَّ الظرفَ والجارَّ والمجرورَ أخوانِ.



([1]) القَارِظانِ: مُثَنَّى قَارِظٍ، وأصلُه اسمُ فاعلٍ, فعلُه قَرَظَهُ يَقْرِظُه قَرْظاً؛ بوزنِ ضرَبَه يَضرِبُه ضرْباً, وأصلُ القارظِ: الذي يَجْتَنِي القَرَظَ – بفتحِ القافِ والراءِ جميعاً– وهو ورَقُ شَجَرٍ يُدْبَغُ به الجِلْدُ، ثم أُطْلِقَ "القَارِظانِ" على رَجُليْنِ من عَنَزَةَ, خرَجَ كلُّ واحدٍ منهما يَجْتنِي القَرَظَ فلم يَعُدْ، فضرَبَ العربُ بهما المثلَ للأمرِ المَأْيُوسِ منه، انْظُرْ إلى قولِ أبي ذُؤَيبٍ الهُذَلِيِّ:
فتِلْكَ التي لا يَبْرَحُ القلبَ حُبُّهَا = وَلاَ ذِكْرُها ما أَرْزَمَتْ أُمَّ حَائِلِ
وحَتَّى يَؤُوبَ القَارِظَانِ كِلاهُما = ويُنْشَرَ فِي القَتْلَى كُلَيْبٌ لوَائِلِ
"أرْزَمَتْ: حَنَّتْ وصَوَّتَتْ، وأمَّ حائِلِ: الناقةُ ذاتُ الوَلَدِ، وهي لا تَتْرُكُ الحَنِينَ على وَلَدِها، وكُلَيْبُ بنُ ربيعةَ الذي قَتَلَه جَسَّاسُ بنُ مُرَّةَ, فقامَتْ بسببِ مَقْتلِه حربُ البَسوسِ، وهو لا يعودُ إلى الحياةِ بعدَ مَقْتلِه، ضرَبَ لدوامِ حُبِّه وذِكْرِه إيَّاها ثلاثةَ أمثالٍ: الأوَّلُ: حَنِينُ النَّاقَةِ على وَلَدِها، والثاني: دَوامُ غَيْبةِ كُلَيْبٍ، والثالثُ: دوامُ غَيْبةِ القارظَيْنِ, وقدْ ضرَبَ المثلَ بأحدهما بِشْرُ بنُ أبي خازمٍ في قولِه:
فرَجِّي الخَيْرَ وانْتَظِرِي إِيَابِي = إِذَا مَا القَارِظُ العَنَزِيُّ آبَا
قالَ ابنُ سِيدَه: (وَلا آتِيكَ القَارِظَ العَنَزِيَّ، أي: لا آتِيكَ مَا غابَ القارِظُ العَنَزِيُّ، فأقامَ القَارِظَ العَنَزِيَّ مُقامَ الدهْرِ، ونصَبَه على الظرْفِ، وهذا اتِّساعٌ، وله نَظَائِرُ). اهـ.
([2]) 256-هذا الشاهدُ من كلامِ فائدِ بنِ المُنذِرِ القُشَيْرِيِّ، والذي ذكَرَه المُؤلِّفُ صَدْرُ بيتٍ من الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
*وأَنَّكِ لا خَلٌّ هَوَاكِ وَلاَ خَمْرُ*
اللغةُ: (أَفِي الحَقِّ) هذا الاستعمالُ يدُلُّ على أنََّقًّا" وإنْ كانَ أصلُها مصدرََقَّ الشيءُ): إذا ثَبَتَ – قد استُعْمِلَ ظرْفاً؛ بدليلِ دخولِِي) التي يَكُونُ الظرْفُ على معناها، ولكَ في (أنَّ) المُؤكِّدَةِ الواقعةِ بعدَها مذهبانِ: أحدُهما أنْ تجعَلَها هي ومعموليَها في تأويلِ مصدرِ فاعلٍ بالظرفِ أو بالجارِّ والمَجرورِ؛ لاعتمادِه على الاستفهامِ، وهذا أحَدُ وجْهَيْنِ جائزيْنِ عندَ سِيبَوَيْهِ والأخْفَشِ والكُوفِيِّينَ، والثاني: أنْ تجعَلَ الظرفَ أو الجارَّ والمجرورَ مُتعَلِّقاً بمحذوفٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ، وأنَّ ومَعمولَيْها في تأويلِ مَصْدرٍ مرفوعٍ, مبتدأٌ مُؤخَّرٌ، وهذا مذهَبُ الخليلِ بنِ أحمدَ، وهو الوجْهُ الثاني عندَ سِيبَوَيْهِ، ونظيرُه أنْ تقولَ: أغَداً الرَّحِيلُ؟ أو تقولَ: أبعدَ غَدٍ لِقَاؤُنا؟ وسيأتي لهذا الكلامِ مزيدُ إيضاحٍ في بيانِ الاستشهادِ في البيتِ.
الإعرابُ: (أَفِي الحَقِّ) الهمزةُ للاستفهامِ، "في الحَقِّ"، جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ,َنِّي) أنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وياءُ المُتكلِّمِ اسمُه,ُغْرَمٌ) خبرُ أنَّ,ِكِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بـ"مُغْرَمٌ"َائِمٌ) خبرٌ ثانٍ؛ لأنَّ، وأنَّ وما دخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصْدَرٍ مرفوعٍ, مبتدأٌ مُؤخَّرٌ، على مذهبِ الخليلِ الذي بيانُه في لُغةِ البيتِ, وعلى أحدِ وجهيْنِ من وجوهِ الإعرابِ جائزيْنِ في هذا التركيبِ, (وأنَّكِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، أنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، وضميرُ المخاطَبَةِ اسمُه, (لا) نافيةٌ,َلٌّ) خبرُ أنَّ, (لدَيَّ) لَدَى: ظَرْفٌ مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ[يلاحظ أن لدي ليست في الشاهد.فليراجع], صِفةٌ لخَلٍّ، وياءُ المُتكلِّمِ مضافٌ إليهِ, (ولا) الواوُ حرفُ عطفٍ، ولا: زائدةٌ لتأكيدِ النفْيِ, (خَمْرُ) معطوفٌ على خَلٍّ، وأنَّ وما دخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصْدَرٍ مرفوعٍ مَعْطوفٍ على المصدرِ المُنْسَبِكِ من أنَّ المُؤكِّدِ السابقةِ.
الشاهدُ فيه: اعلَمْ أنَّ بيانَ الاستشهادِ بهذا البيتِ يَسْتَدْعِي أنْ نُقدِّمَ لك إيضاحَ مسألةٍ, حَاصِلُها أنَّه قد ورَدَ عن العربِ نحوُ قولِكَ: "أحَقًّا أنَّكَ فعَلَتْ كذا؟" فمِن ذلك قَوْلُ ابنِ الدُّمَيْنَةِ:
أحَقًّا – عِبادَ اللهِ– أنْ لَسْتُ صَادِراً = وَلاَ وَارِداً إِلاَّ عَلَى رَقِيبُ
وقولُ النابغةِ الجَعْدِيِّ:
ألاَ أَبْلِغْ بَنِي خَلَفٍ رَسُولاً = أحَقًّا أنَّ أخْطَلَكُمْ هَجَانِي
ومن ذلك قولُ الأسودِ بنِ يَعْفُرَ:
أحَقًَّا – بَنِي أبْنَاءِ سلمى بنِ جَنْدَلٍ– = تَهَدُّدُكُمْ إِيَّايَ وَسْطَ المَجَالِسِ
ومن ذلك قولُ المُمَزَّقِ العَبْدِيِّ، واسمُه شاسُ بنُ نَهَارٍ:
أحَقًّا – أَبَيْتَ اللَّعْنَ– أنَّ ابنَ فَرْتَنَا = -عَلَى غَيْرِ إجْرَامٍ– بريقي مشرقي
وقد اتَّفَقَ العلماءُ على أنَّ أصلََقًّا" مصدرٌ، ثم اخْتَلفوا فيما وراءَ ذلك:
فذهَبَ أبو العبَّاسِ المُبرِّدُ إلى أنَّه باقٍ على مَصْدرِيَّتِه، وذهَبَ الخليلُ وسِيبَوَيْهِ وجمهورُ الكُوفِيِّينَ, وتَبِعَهم مُحقِّقو المتأخِّرينَ؛ مثلُ ابنِ مالكٍ والرَّضِيُّ والمُصَنِّفُ- إلى أنَّه خرَجَ عن مَصْدرِيَّتِه وصارَ ظرْفاً، فانتصابُه عندَ المُبرِّدِ على أنَّه مفعولٌ مُطلَقٌ منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ، وعندَ سِيبَوَيْهِ ومَن تابعَه هو منصوبٌ على أنه ظرفٌ.
والذي ذهَبَ إليه سِيبَوَيْهِ ومَن معَه أوْلَى وأحقُّ بالاتِّباعِ، والذي يدُلُّ على ذلك أمرانِ: الأولُ: أنَّه لو كانَ مصدراً لكانَ المعنَى: أَيَثْبُتُ ثُبوتاً فِعْلُكَ؟ فيكونُ المُتكَلِّمُ مُستفهِماً عن ثُبوتِ هذا الأمرِ وحصولِه، وليسَ هذا هو المرادَ؛ لأنَّه يَعْلَمُ حصولَه، ولكنَّه يُنْكِرُ أنْ يكُونَ حصولُه من الحقِّ الذي هو ضِدُّ الباطِلِ، والثاني: تصريحُ العربِ معَه بـ"في" الدالَّةِ على الظرفيَّةِ؛ كما في هذا البيتِ الذي معَنا، وكما في قولِ أبي زُبَيدٍ الطائيِّ:
أَفِي حَقٍّ مُواسَاتِي أخَاكُمْ = بِمَا لِي ثُمَّ يَظْلِمُنِي السَّرِيسُ
وكما في قولِ الآخرِ:
أفِي الحَقِّ– إنْ دَارُ الرَّبابِ تَبَاعَدَتْ = أوِ انْبَتَّ حَبْلٌ– أنَّ قَلْبَكَ طَائِرُ
و(أنَّ) معَ اسمِها وخبرِها في تأويلِ مصدرٍ اتِّفاقاً، وقد اخْتَلَفوا في إعرابِ هذا المصدرِ في نحوِ:َحَقًّا أنَّكَ فَعَلْتَ؟) فذهَبَ المُبرِّدُ إلى أنه فاعلٌ للمصدرِ، وذهَبَ الخليلُ فيما حكاهُ عنه سِيبَوَيْهِ – إلى أنََّقًّا) ظرفٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ، و(أنَّ) ومَعْموليْها في تأويلِ مصدرٍ, مبتدأٌ مُؤخَّرٌ، وارْتَضَى سِيبَوَيْهِ أنَّه إنْ كانََقًّا) قد اعْتَمَدَ على استفهامٍ, جازَ أنْ يكُونَ المصدرُ المُؤَوَّلُ فاعلاً به، وأنْ يكُونَ كما ذكَرَ الخليلُ، وإنْ لم يَعْتَمِدْ تَعيَّنَ أنْ يكُونَ (حَقًّا) مُتعَلِّقاً بمحذوفٍ, خَبرٌ مُقدَّمٌ، ومنه تَعْلَمُ ما في كلامِ الشيخِ خالدٍ في تحقيقِ هذه المذاهبِ.

([3]) وذلك إذا قُلْتَ: "جَهْدَ رَأْيِي أنَّكَ قَائِمٌ". فجَهْدَ رَأْيِي: منصوبٌ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ على إسقاطِ"في"؛ تَوَسُّعاً، والأصْلُ: في جَهْدِ رأْيِي قِيامُكَ، والكلامُ فيه مثلُ الكلامِ في "أحَقًّا أنَّكَ ذاهبٌ", وكذلك إذا قُلْتَ: "غيرَ شَكٍّ أنَّكَ مَرْضِيٌّ الخُلُقِ". أو قلتَ: "ظَنًّا مِنِّي أنَّكَ مُؤَدَّبٌ". فكلٌّ من (غَيْرَ شَكٍّ) و(ظَنًّا مِنِّي) منصوبٌ على الظرفيَّةِ الزمانيَّةِ بتقديرِ "في"؛ تَوسُّعاً، والأصلُ: في غَيْرِ شَكٍّ، وفي ظَنٍّ مِنِّي، والكلامُ فيهما كالكلامِ فيما قبلَهما.

([4]) سورة النساءِ، الآية: 127.

([5]) يريدُ أنَّ النكاحَ الذي يَؤُولُ إليهَِنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ليسَ بزَمانٍ ولا مكانٍ، أمَّا إذا كانَ التقديرُ: عن أنْ تَنْكِحُوهُنَّ؛ فإنَّه لا يكونُ مِمَّا نحن بصَدَدِه؛ إذ ليسَ معَه (في), لا لفظاً ولا تقديراً.

([6]) سورة الإنسانِ، الآية: 7.

([7]) سورة الأنعامِ، الآية: 124.

([8]) اعْتَرَضوا على هذا الكلامِ من وجهَيْنِ: الأولُ أنَّ قولَهم: (أفْعَلُ التفضيلِ لا ينصِبُ المفعولَ بهِ إجماعاً). غيرُ مُسَلَّمٍ، وقد قالَ صاحبُ كتابِ (البَديعِ):َلِطَ مَن قالَ: إِنَّ اسمَ التفضيلِ لا يَعْمَلُ في المفعولِ به؛ لورودِ السماعِ بذلك؛ كقولِه تعالى: {هُوَ أهْدَى سَبِيلاً}. وليسَ تَمْيِيزاً؛ لأنَّه ليسَ فَاعِلاً في المعنَى, كما هو في:َيْدٌ أحْسَنُ وَجْهاً", وقالَ العَبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ:
*وأضْرَبُ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا*
والوجْهُ الثاني: أنَّ قولَهم: ("حيثُ" مفعولٌ به, لا ظَرْفٌ). فيه إخراجٌ"حَيْثُ" عن طبيعتِها؛ لأنَّها لا تَتصَرَّفُ، وجعْلُها مَفْعولاً نوعٌ من التصَرُّفِ، ولماذا لا يقالُ: إنَّ المرادَ أنَّه سبحانَه يعلَمُ الفضلَ والطهارةَ والصلاحيةَ التي في مكانِ الرسالةِ؟ فتَبْقَى "حيثُ" ظرفاً على أصلِها.

([9]) وقد يكونُ اللفظُ الدالُّ على المعنَى الواقعِ فيه, فِعْلاً، وقدْ يَكُونُ اسمَ فِعْلٍ، وقد يكونُ مَصْدراً، وقدْ يكونُ وَصْفاً.

([10]) أنكَرَ المُؤلِّفُ في المُغْنِي صِحَّةَ قولِهم: (لا غَيْرُ). وأوجَبَ أنْ يُقالَ: ليسَ غيرُ.

([11]) هذا مثلٌ، يُقالُ لمَن يَذْكُرُ أمْراً تقادَمَ عَهْدُه: (حِينَئذٍ الآنَ). و(حينَ) منصوبٌ لفظاً بفعلٍ محذوفٍ، وهو مضافٌ, و(إذْ) مضافٌ إليه، و(الآنَ) مَبنِيٌّ على الفتحِ في محلِّ نصبٍ بفعلٍ آخرَ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: كانَ ما تَذْكُرُه حينَ إذْ كانَ كذا، واسْمَعِ الآنَ ما أقولُه. فهما جُمْلتانِ، وحينَئذٍ مُقتطِعةٌ من جملةٍ، والآنَ مُقتطِعةٌ من جملةٍ أخْرَى، كما سَمِعْتَ في تقديرِ أصلِ الكلامِ.

([12]) عرَّفوا المُختَصَّ من ظرْفِ الزمانِ بأنَّه: ما يقَعُ جواباً لمتَى؛ كيومِ الخميسِ، وعرَّفوا المعدودَ منه بأنه: ما يقَعُ جواباً لـ"كَمْ", كيوميْنِ وثلاثةِ أيَّامٍ، وأسبوعٍ، والمُبْهَمُ منه ما لا يكونُ جَواباً لواحدٍ من السؤاليْنِ المذكوريْنِ، ومثالُه: حينَ ومُدَّةَ ووَقْتَ، وبَقِيَ مِمَّا يَنْتَصِبُ من اسمِ الزمانِ على الظرفيَّةِ ما اشْتُقَّ من المصدرِ؛ كمجلسِ زَيْدٍ ومَقْعَدِهِ، بمعنَى زمانِ جُلوسِه وزَمانِ قُعودِه.

([13]) قالَ أبو البَقاءِ: الإبهامُ يحصُلُ في المكانِ من وجهيْنِ: الأولُ: ألاَّ يَلْزَمَ مُسَمَّاهُ، ألا تَرَى أنَّ خَلْفَكَ قُدَّامٌ لغيرِكَ، وأنَّكَ قدْ تَتحوَّلُ عن تلك الجِهةِ فيَصِيرُ ما كانَ خَلْفَكَ جِهَةً أخْرَى لك؛ لأنَّ الجِهاتِ تَخْتَلِفُ باختلافِ الكائنِ فيها، فهي جهاتٌ له, وهو في وضْعٍ خَاصٍّ، وليسَ لكلِّ واحدةٍ منها حقيقةٌ مُنْفرِدَةٌ بنَفْسِها.
والوجْهُ الثاني: أنَّ هذهِ الجهاتِ ليسَ لها أمَدٌ مَعْلومٌ تَنْتَهِي عندَه، فخَلفَكَ: اسْمٌ لِمَا وراءَ ظَهْرِكَ إلى آخرِ الدنيا، وأمامَكَ: اسمٌ لِمَا قُدَّامَ وَجْهِكَ إلى آخرِ الدنيا، وهَلُمَّ جَرًّا.

([14]) سورة الجِنِّ، الآية: 9.

([15]) فإنْ قُلْتَ: فلماذا صَحَّ نصْبُ اسمِ الزمانِ على الظرفيَّةِ بجميعِ أنواعِه الثلاثةِ التي ذكَرَها المُؤلِّفُ، والرابعِ الذي زِدْتَه عليه؟ ولم يَصِحَّ نصْبُ اسمِ المكانِ إِلاَّ أنْ يكُونَ واحداً مِن النوعيْنِ اللذَيْنِ ذكَرَهما المُؤلِّفُ تَبَعاً لغيرِه من النحاةِ؟
فالجوابُ أنْ نقولَ لك: إنَّكَ تعلَمُ أنَّ الفعلَ مَوْضوعٌ للدَّلالةِ على الحَدَثِ بمادَّتِه؛ أي: حُروفِه التي يَتَألَّفُ منها, ويدُلُّ على الزمانِ بصِيغَتِه – أي: وَزْنِه- فالزمانُ جزءٌ من جزأيْنِ يَتألَّفُ منهما معنَى الفعلِ، وبعبارةٍ أخْرَى فالفعلُ يدُلُّ على الزمانِ بدَلالةِ التضمُّنِ، أمَّا المكانُ فلا يدُلُّ الفعلُ عليهِ, لا بالمطابقةِ, ولا بالتضَمُّنِ، لكنْ لَمَّا كانَ الفعلُ دَالاًّ على الحَدَثِ، وكانَ كُلُّ حَدَثٍ لا بُدَّ أنْ يقَعَ في مكانٍ مَا, لَزِمَ من ذلك أنْ يدُلَّ الفعلُ بدلالةِ الالتزامِ على مكانٍ مُبهَمٍ، فلَمَّا كانتْ دَلالةُ الفعلِ على الزمانِ دَلالةً تَضمُّنيَّةً قَوِيَ على أنْ يعمَلَ في جميعِ أنواعِ الزمانِ، ولَمَّا كانتْ دَلالةُ الفعلِ على المكانِ دَلالةً التزاميَّةً، وكانَ اللازِمُ هو دلالتَه على مكانٍ مُبْهَمٍ، لم يَقْوَ على العملِ إلاَّ في المكانِ المُبْهَمِ الذي يُشْعِرُ هو بهِ، ولَمَّا كانَ اتَّفاقُ اسمِ المكانِ المأخوذِ من المصدرِ معَ الفعلِ العاملِ فيه في أصْلِ المادَّةِ مُقوِيًّا للفعلِ على العملِ في هذا النوعِ- نصَبَه على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ أيضاً، فافْهَمْ ذلكَ وتَدبَّرْهُ.

([16]) قَطُّ وعِوَضُ: ظَرْفانِ يَسْتغرقانِ الزمانِ؛ أمَّا قَطُّ فإنَّه يَسْتغرِقُ الماضِيَ، وأمَّا عِوَضُ فإنَّه يَستغرِقُ المستقبلَ، ولا يُستعملانِ إلاَّ بعدَ النفْيِ، وهما مَبنِيَّانِ؛ لشَبَهِهما بالحرفِ، وكانَ بِناؤُهما على حَرَكةٍ تَخَلُّصاً من التقاءِ الساكنيْنِ، وكانَ بِناءَُطُّ" على الضمِّفي بعضِ اللُّغاتِ حَمْلاً على "قبلُ" و"بعدُ"، فأمَّا "عِوَضُ" فإنَّها تُبْنَى على الحركاتِ الثلاثِ؛ إذ لم تَكُنْ مُضافةً.


  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


المَفْعُولُ فِيْهِ
وهُو المُسَمَّى ظَرْفًا
[تَعْرِيْفُ الظَّرْفِ]:
وتَقْدِيْمُهُ عَلَى المَفْعُولِ مَعَهُ لقربِهِ مِنَ المفعولِ المُطْلَقِ بكونِهِ مُسْتَلْزِمًا لَهُ فِي الواقعِ ؛ إِذْ لَا يَخْلُو الحَدَثُ عَنْ زَمَانٍ ، ولَا مَكاَنٍ ، ولِأَنَّ العامِلَ يَصِلُ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ لا بِوَاسِطَةِ حَرْفٍ ملفوظٍ بِخِلَافِهِ.
303 - الظَّرْفُ: وقْتٌ أَو مَكَانٌ ضُمِّنَا = "فِي" بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا
(الظرفُ) لُغَةً : الوِعَاءُ، واصْطِلَاحًا (وَقْتٌ أو مَكَانٌ) أَيْ: اسْمُ وَقْتٍ أو اسْمَ مَكَانٍ (ضُمِّنَا) مَعْنَى (فِي) دُوْنَ لَفْظِهَا (بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا) فـ"هُنَا" اسْمُ مَكَانٍ و"أَزْمُنَا" اسْمُ زَمَانٍ ، وهُمَا مُضَمَّنَانِ مَعْنَى "فِي" ؛ لِأَنَّهُمَا مَذْكُورَانِ للواقعِ فِيْهِمَا ، وهُو المُكْثُ.
والاحترازُ بِقَيْدِ "ضُمِّنَا فِي" مِنْ نحوِ: {يَخَافُوْنَ يَوْمًا} ونحوِ {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} فَإِنَّهُمَا لِيْسَا عَلَى مَعْنَى "فِي" فَاْنْتِصَابُهُمَا عَلَى المفعولِ بِهِ ، ونَاصِبُ "حَيْثُ" يَعْلَمُ مَحْذُوفًا ؛ لِأَنَّ اسْمَ التفضيلِ لا يَنْصِبُ المفعولَ بِهِ إِجْمَاعًا
"وبِمَعْنََى فِي دُوْنَ لَفْظِهَا" مِنْ نحوِ: "سِرْتُ فِي يَوْمِ الجُمْعَةِ" و"جَلَسْتُ فِي مَكَانِكَ"؛ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّي ظرفًا فِي الاصطلاحِ عَلَى الأَرْجَحِ.
و"باطِّرَادٍ" مِنْ نحوِ: "دَخَلْتُ البَيْتَ" و"سَكَنْتُ الدارَ" مِمَّا انْتَصَب بالواقعِ فِيْهِ ، وهُو اسْمُ مَكَانٍ مُخْتَصٍّ، فَإِنَّهُ غَيْرُ ظرفٍ ؛ إِذْ لَا يَطَّرِدُ نَصْبُهُ مَعَ سَائِرِ الأَفْعَالِ ، فَلَا يُقَالُ: "نِمْتُ البَيْتَ" و"لَا قَرَأْتُ الدارَ" فانْتِصَابُهُ عَلَى المفعولِ بِهِ بَعْدَ التَّوَسُّعِ بِإِسْقَاطِ الخَافِضِ، هذَا مَذْهَبُ الفَارِسِيِّ والناظِمِ ، ونَسَبَهُ لِسِيْبَوَيْهِ، وقِيْلَ: مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِ بِهِ حَقِيْقَةً ، وإِنَّ نحوَ: "دَخَلَ" مُتَعَدٍّ بنفسِهِ ، وهُو مذْهَبُ الأَخْفَشِ ، وقِيْلَ: عَلَى الظرفِيَّةِ تَشْبِيْهًا لَهُ بالمُبْهَمِ، ونَسَبَهُ الشَّلُوْبِيْنُ إِلَى الجُمْهُورِ ، وعَلَى هذَيْنِ لَا يُحْتَاجُ إِلىَ قَيْدٍ "باطِّرَادٍ"، وعَلَى الأوَّلِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ خِلافًا للشَّارِحِ.
تنبيهانِ: الأَوَّلُ: تَضَمَّنُ الاسْمُ مَعْنَى الحَرْفِ عَلَى نَوْعَيْنِ: الأوَّلُ يَقْتَضِي البِنَاءَ ، وهُو أَنْ يَخْلُفَ الاسمُ الحرفَ عَلَى مَعْنَاهُ، ويُطْرَحُ غَيْرَ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي تَضَمُّنِ "مَتَى" مَعْنَى الهَمْزَةِ و"إِنْ" الشرطيةِ ، (والثَّانِي) لَا يَقْتَضِي البِنَاءَ ، وهُو أَنْ يَكُونَ الحرفُ مَنْظُورًا إِلَيهِ؛ لكونِ الأَصْلِ فِي الوَضْعِ ظُهُورَهُ، وهَذَا البابُ مِنْ هَذَا الثَّانِي.
الثانِي: الأَلِفُ فِي "ضُمِّنَا" يجوزُ أَنْ تَكونَ للإِطْلَاقِ ، وأَنْ تكونَ ضميرَ التثنيةِ ، بُنَاءً عَلَى أَنَّ "أو" عَلَى بَابِهَا، وهُو الأَظْهَرُ أو بِمَعْنَى الواوِ ، وهُو الأَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَرْفٌ ، لَا أَحَدَهُمَا اهـ.
[النَّاصِبُ للظَّرفِ]:
304 - فَانْصِبْهُ بِالواقِعِ فِيْهِ مُظْهِرَا = كَانَ وَإلِاَّ فَانْوِهِ مُقَدِّرَا
(فَانْصِبْهُ بِالوَاقِعِ فِيْهِ) مِنْ فِعْلٍ وشِبْهِهِ (مُظْهِرَا* كَانَ) الواقعُ فِيْهِ، نحوُ: "جَلَسْتُ يَوْمَ الجُمْعَةِ أَمَامَكَ"، و"أَنَا سَائِرٌ غَدًا خَلْفَ الرَّكْبِ" (وإِلَّا) أَيْ: وإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا بَلْ كَانَ مَحْذُوفًا مِنَ اللفظِ: جَوَازًا أو وُجُوبًا (فَانْوِهِ مُقَدَّرًا).
فالجوازُ نحوُ: "يَوْمَ الجُمْعَةِ" لِمَنْ قَالَ: "مَتَى قَدِمْتَ" و"فَرْسَخَيْنِ" لِمَنْ قَالَ: "كَمْ سِرْتَ؟".
الوجوبُ فِيْمَا إِذَا وَقَعَ خَبَرًا نحوُ: "زَيْدٌ عِنْدَكَ" أو صِلَةً نحوُ: "رَأَيْتُ الذِي مَعَكَ" أو حَالًا نحوُ: "رَأَيْتُ الهلالَ بَيْنَ السَّحَابِ" أو صِفَةً نحوُ: "رَأَيْتُ طَائِرًا فَوْقَ غُصْنٍ" أو مُشْتَغَلًا عَنْهُ نحوُ: "يَومَ الجُمْعَةِ سِرْتُ فِيْهِ" أو مَسْمُوعًا بالحذفِ لا غيرَ ، كقولِهِم "حينئذٍ الآنَ" أَيْ: كَانَ ذلكَ حِيْنَئذٍ واسْمَعِ الآنَ.
تنبيهانِ: الأولُ: العَامِلُ المُقَدَّرُ فِي هَذِهِ المَوَاضِعِ سِوَى الصِّلَةِ اسْتَقَرَّ أومُسْتَقِرٌّ ، وأَمَّا الصِّلَةُ فَيُتَعَيَّنُ فِيْهَا تقديرُ: اسْتَقَرَّ ؛ لِأَنَّ الصلةَ لا تكونُ إِلَّا جُمْلَةً كَمَا عَرَفْتَ.
الثانِي: الضميرُ فِي "فَانْصِبْهُ" للظرفِ ، وهُو اسْمُ الزمانِ أو المكانِ ، وفِي "فِيْهِ" لِمَدْلُولِهِ ، وهُو نَفْسُ الزمانِ أو المكانِ ، أَرَادَ بالواقعِ دَلَيْلَهُ مِنْ فِعْلٍ ٍوشِبْهِهِ ؛ لِأَنَّ الواقِعَ هُو نَفْسُ الحَدَثِ، وَليسَ هو الناصِبُ ، والأَصْلُ فَانْصِبْهُ بِدَلِيْلِ الواقعِ فِي مَدْلُولِهِ، فَتُوُسِّعَ بحذفِ المُضَافِ مِنَ الأوَّلِ والثانِي؛ لوضوحِ المَقَامِ ، انْتَهَى.
305 - وكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ وَمَا = يَقْبَلْهُ المَكَانُ إِلَّا مُبْهَمَا
306 - نَحْوُ الجِهَاتِ والمَقَادِيْرِ ومَا = صِيْغَ مِنَ الفِعْلِ كَمَرمًى مِنْ رَمَى
(وكُلُّ) اسْمٍ (وَقْتٍ قَابِلٌ ذاكَ) النَّصْبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مُبْهَمًا كانَ أو مُخْتَصًّا .
والمُرادُ بالمُبْهَمِ مَا دَلَّ عَلَى زَمَنٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ ، كَحِيْنَ ومُدَّةٍ و(وَقْتٍ) تقولُ: "سِرْتُ حِيْنًا ومُدَّةً ووَقْتًا".
وبالمُخْتَصِّ مَا دَلَّ عَلَى مُقَدَّرٍ مَعْلُومَاً كانَ، وهُو المَعْرُفُ بالعَلَمِيَّةِ كـ"صُمْتُ رَمَضَانَ" و"اعْتَكَفْتُ يَوْمَ الجُمْعَةِ" أو بـ "أَلْ" كـ"سِرْتُ اليومَ" و"أَقَمْتُ العَامَ" أو بالإِضَافَةِ كـ"جِئْتُ زَمَانَ الشتاءِ ، ويَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ" أو غَيْرَ مَعْلومٍ ، وهُو النكرةُ، نحوُ: "سِرْتُ يَوْمًا أو يَوْمَيْنِ" أو "أُسْبُوعًا أو وَقْتًا طَوِيْلًا".
(ومَا يَقْبَلُهُ المكانُ إِلَّا) فِي حَالَتَيْنِ:
الأُوْلَى: أَنْ يكونَ (مُبْهَمًا) لَا مُخْتَصًّا ، والمرادُ هُنَا بالمُخْتَصِّ مَا لَهُ صورةٌ وحدودٌ محصورةٌ ، نحوُ: الدارِ والمسجدِ والبلدِ، وبالمُبْهَمِ مَا لَيْسَ كذلكَ (نحوُ الجِهَاتِ) السِتِّ ، وهِي: أَمَامُ وورَاءُ ويَمِيْنُ وشِمَالُ وفَوْقَ وتَحْتَ ومَا أَشْبَهَهَا فِي الشِّيَاعِ كَنَاحِيَةٍ ، ومَكَانٍ وجَانِبٍ (و) نَحْوُ (المَقَادِيْرِ) كَفَرْسَخٍ وبَرِيْدٍ وغَلْوَةٍ تقولُ: "جَلَسْتُ أَمَامَكَ ونَاحِيَةَ المَسْجِدِ وسِرْتُ فَرْسَخًا".
(و) الثانِيةُ (مَا صِيْغَ مِنْ) مَادةِ (الفِعْلِ) العاملِ فِيْهِ (كَمَرْمًى مِنْ) مادةِ (رَمَى) تقولُ: "رَمَيْتُ مَرْمَى زَيْدٍ" و"ذَهَبْتُ مَذْهَبَ عَمْرٍو" و"قَعَدْتُ مَقْعَدَ بَكُرٍ" ومِنْهُ {وأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ للسَّمْعِ}
307 - وشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيْسًا أَنْ يَقَعْ = ظَرْفًا لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهُ اجْتَمَعْ
(وشَرْطُ كَوْنِ ذَا) المَصُوغِ مِنْ مَادةِ الفِعْلِ (مَقِيْسًا أَنْ يَقَعْ* ظَرْفًا لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهُ اجْتَمَعْ): أَيْ: لِمَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي أصلِ مادَّتِهِ كَمَا مَثَّلَ ، وأَمَّا قولُهُم: " هُو مِنِّي مَزْجَرَ الكَلْبِ ومَنَاطَ الثُّرَيَّا" و"عَمْرٌو مِنِّي مَقْعَدَ القَابِلَةِ ومَعْقِدَ الإِزَارِ" ونحوُهُ: فَشَاذٌّ إِذِ التقديرُ هُو مِنِّي مُسْتَقِرٌّ فِي مَزْجَرِ الكَلْبِ، فَعَامِلُهُ الاستقرارُ ، وَليْسَ مِمَّا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي أَصْلِهِ، ولَوْ أُعْمِلَ فِي المَزْجَرِ زَجَرَ، وفِي المَنَاطِ نَاطَ ، وفِي المَقْعَدِ قَعَدَ لَمْ يَكُنْ شَاذًّا.
تنبيهانِ: الأوَّلُ ظَاهِرُ كلامِهِ أَنَّ هذَا النوعَ مِنْ قَبِيْلِ المُبْهَمِ ، وظَاهِرُ كلامِهِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) أنَّهُ مِنَ المُخْتَصِّ ، وهُو مَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وأَمَّا النوعُ الذِي قَبْلَهُ فَظَاهِرُ كلامِ الفَارِسِيِّ أنَّهُ مِنَ المُبْهَمِ كمَا هُو ظاهِرُ كلامِ الناظمِ ، وصَحَّحَهُ بَعْضُهُم ، وقَالَ الشُّلُوْبِيْنُ: لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ المُبْهَمِ ، وصَحَّحَ بَعْضُهُم أَنَّهُ شَبِيْهٌ بالمُبْهَمِ لا مُبْهَمٌ.
الثانِي: إنَّمَا اسْتَأْثَرَتْ أسماءُ الزمانِ بصلاحيةِ المُبْهَمِ مِنْهَا والمُخْتَصِّ للظرفيةِ عَنْ أَسْمَاءِ المَكَانِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ العَوَامِلِ الفِعْلُ ودَلَالَتُهُ عَلَى الزَّمَانِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى المَكَانِ لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمانِ بِصِيْغَتِهِ َ، وبالالتزامِ ، ويدلُّ علَى المَكَانِ بالالتزامِ فَقَطْ، فَلَمْ يَتَعَدَّ إِلَى كُلِّ أَسْمَائِهِ بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى المُبْهَمِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ فِي الفِعْلِ دَلَالَةً عَلَيْهِ فِي الجُمْلَةِ ، وإِلَى المُخْتَصِّ الذِي صِيْغَ مِنْ مَادةِ العامِلِ؛ لِقُوَّةِ الدلالةِ عَلَيْهِ حينئذٍ اهـ.
[الظَّرْفُ المُتَصَرِّفُ وغيرُ المُتَصَرِّفِ]:
308 - ومَا يُرَى ظَرْفًا وغَيْرَ ظَرْفِ = فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي العُرْفِ
309 - وغَيْرُ ذِي التصرفِ: الذِي لَزِمْ = ظَرْفِيَّةً أو شِبْهَهَا مِنَ الكَلِمْ
(ومَا يُرَي) مِنْ أَسْمَاءِ الزمانِ أو المكانِ (ظَرْفًا) تَارَةً (وغَيْرَ ظَرْفٍ) أُخْرَى (فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي العُرْفِ) النَّحْوِيِّ كَيَوْمٍ ومَكَانٍ ، تقولُ: "سِرْتُ يَوْمَ الجُمْعَةِ" و"جَلَسْتُ مَكَانَكَ" فَهُمَا ظَرْفَانِ ، وتقولُ: "اليومُ مُبَارَكٌ" و"مَكَانُكَ طَاهِرٌ" و"أَعْجَبَنِي اليومُ ومَكَانُكَ" و"شَهِدْتُ يَوْمَ الجَمَلِ" و"أَحْبَبْتُ مَكَانَ زَيْدٍ" فَهُمَا فِي ذلكَ غيرُ ظرفينِ ؛ لوقوعِ كُلِّ مِنْهُمَا فِي الأولِ مُبْتَدَأً ، وفِي الثانِي فَاعِلًا ، وفِي الثالثِ مفعولًا بِهِ ، وكَذَا مَا أَشْبَهَهَا.
(وغيرُ ذِي التَّصَرُّفِ) مِنْهُمَا هُو (الذِي لَزِمْ* ظَرْفِيَّةً أو شِبْهَهَا مِنَ الكَلِمْ) أَيْ: غَيْرُ المُتَصَرِّفِ – وهُو المُلَازِمُ للظرفيةِ – عَلَى نَوْعَيْنِ:
مَا لَا يَخْرُجُ عَنْها أَصْلًا كَقَطُّ وعَوْضُ تقولُ: "مَا فَعَلْتُهُ قَطُّ" و"لا أَفْعَلُهُ عَوْضُ".
ومَا يَخْرُجُ عَنْهَا إِلَى شِبْهِهِا ، وهُو الجَرُّ بالحرفِ نحوُ: قَبْلُ وبَعْدُ ولَدُنْ وعِنْدَ. فَيُقْضَى عَلَيْهِنَّ بعدمِ التصرفِ مَعَ أَنَّ "مِنْ" تَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ إِذْ لَمْ يَخْرُجْنَ عَنِ الظرفيةِ إِلَّا إِلَى مَا يُشْبِهُهُا ؛ لِأَنَّ الظرفَ والجارَّ والمجرورَ سِيَّانِ فِي التعلقِ بالاستقرارِ والوقوعِ خَبَرًا وصِلَةً وحَالًا وصِفَةً.
ثُمَّ الظرفُ المتصرفُ مِنْهُ مُنْصَرِفٌ نحوُ: يَوْمٍ وشَهْرٍ وحَوْلٍ ، وِمنْهُ غيرُ مُنْصَرِفٍ ، وهُو غُدْوَة وبُكْرَة عَلَمَيْنِ لهذَيْنِ الوَقْتَيْنِ ، قُصِدَ بِهِمَا التعيينُ أو لَمْ يُقْصَدْ ، قَالَ فِي (شَرْحِ التَّسْهِيلِ): ولا ثَالِثَ لَهُمَا ، لَكِنْ زَادَ فِي (شَرْحِ الجُمَلِ) لابْنِ عُصْفُوْرٍ "ضَحْوَة" فقالَ: إِنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ للتأنيثِ والتعريفِ.
والظرفُ غيرُ المُتَصَرِّفِ مِنْهُ مُنْصَرِفٌ وغَيْرُ مُنْصَرِفٍ ، فالمُنْصَرِفُ نحوُ: سَحَرٍ ولَيْلٍ ونَهَارٍ وعِشَاءٍ وعَتَمَةٍ ومَسَاءٍ وعَشَيَّةٍ ، غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهَا كُلِّهَا التعيينُ، وغَيْرُ المُنْصَرِفِ نحوُ: سَحَر مَقْصُودًا بِهِ التعيينُ ، ومِنَ العربِ مَنْ لا يَصْرِفُ عَشِيَّة فِي التعيينِ.
[نِيَابَةُ المَصْدَرِ عَنِ الظرفِ]:
310 - وقَدْ يَنُوْبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ = وذَاكَ فِي ظَرْفِ الزمانِ يَكْثُرُ
(وقَدْ يَنُوبُ عَنْ) ظَرْفِ (مَكَانٍ مَصْدَرُ) فَيَنْتَصِبَ انْتِصَابَهُ، نحوُ: "جَلَسْتُ قُرْبَ زَيْدٍ" أَيْ : مَكَانَ قُرْبِهِ ، ولَا يُقَاسُ عَلَى ذلكَ ؛ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُقَالُ: "آتِيْكَ جُلُوسَ زَيْدٍ"، تُرِيْدُ مَكَانَ جُلُوسِهِ (وذَاكَ فِي ظَرْفِ الزمانِ يَكْثُرُ) فَيُقَاسُ عليهِ، وشَرْطُهُ إِفْهَامُ تَعْيِيْنِ وَقْتٍ أو مِقْدَار نحوُ: "كانَ ذلكَ خُفُوقَ النجمِ وطلوعَ الشمسِ، وانْتَظَرْتُهُ نَحْرَ جَزُورٍ وحَلْبَ نَاقَةٍ" والأصلُ وَقْتَ خُفُوقِ النجمِ، ووَقْتَ طُلُوعِ الشمسِ، ومِقْدَارَ نَحْرِ جَزُورٍ ، ومِقْدَارَ حَلْبِ نَاقَةٍ ، فَحُذِفَ المضافُ ، وأُقِيْمَ المُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.
تنبيهٌ: قَدْ يُحْذَفُ أَيْضًا المصدرُ الذِي كَانَ الزَّمَانُ مُضَافًا إِلَيْهِ؛ فينوبَ مَا كَانَ هذَا المصدرُ مُضَافًا إِلَيْهِ: مِنَ اسْمِ عَيْنٍ نحوُ : لَا أُكَلِّمُهُ القَارِظَيْنِ ، وَلَا آتِيْهِ الفَرْقَدَيْنِ ، والأَصْلُ مُدَّةَ غَيْبَةِ القَارِظَيْنِ ، ومُدَّةَ بَقَاءِ الفَرْقَدَيْنِ اهـ.
خاتمةٌ: مِمَّا يَنُوبُ عَنِ الظرفِ أَيْضًا: صِفَتُهُ، وعَدَدُهُ ، وكُلِّيَّتُهُ أو جُزْئِيَّتُهُ ، نحوُ: "جَلَسْتُ طَوِيْلًا مِنَ الدهرِ شَرْقِيَّ مَكانٍ" و"سِرْتُ عِشْرِيْنَ يَوْمًا ثَلَاثِيْنَ بَرِيْدًا". و"مَشَيْتُ جَمِيْعَ اليومِ جَمِيْعَ البَرِيْدِ ، أو كُلَّ اليومِ كُلَّ البريدِ، و"نِصْفَ اليومِ نِصْفَ البريدِ أو بَعْضَ اليومِ بَعْضَ البَرِيْدِ".

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 12:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


المفعولُ فيه وهو الْمُسَمَّى ظَرْفاً
تعريفُ الظرْفِ
302- الظرْفُ وقتٌ أو مكانٌ ضُمِّنَا = في باطرادٍ كهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا

المفعولُ فيه: اسمُ زمانٍ أو مكانٍ ضُمِّنَ مَعْنَى (في) باطِّرادٍ.
نحوُ: سافَرْتُ يومَ الخميسِ، صَلَّيْتُ خَلْفَ مَقامِ إبراهيمَ، فـ (يومَ) و(خَلْفَ) اسْمَا زمانٍ ومَكانٍ، وكلٌّ منهما متَضَمِّنٌ معنَى (في) ولذا صَحَّ أنْ يُقالَ: إنَّ ظَرْفَ الزمانِ يُبَيِّنُ الزمَنَ الذي حَصَلَ فيه الفعْلُ، وظرْفَ المكانِ يُبَيِّنُ المكانَ الذي حَصَلَ فيه الفعْلُ، وهذا التضمينُ باطِّرادٍ: أيْ: في مُخْتَلَفِ الأحوالِ مع جميعِ الأفعالِ فتقولُ: سافَرْتُ أو قَدِمْتُ أو صُمْتُ أو خَرَجْتُ (يومَ الخميسِ) ونحوُ ذلك.
ومِن الأمثلةِ قولُه تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} فـ(غداً) مفعولٌ فيه منصوبٌ، ومِثلُه (مَعَ) وقولُه تعالى: {لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} فـ (حَوْلَ) مفعولٌ فيه منصوبٌ.

1- وخَرَجَ بالقَيْدِ الأوَّلِ: (اسمُ زمانٍ أو مكانٍ) ما إذا تَضَمَّنَت الكلمةُ معنَى (في) وليست اسمَ زمانٍ أو مكانٍ كقولِِه تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنْكِحُوهُنَّ} فإنَّ الْمَصْدَرَ المؤوَّلَ مِن (أَن تَنْكِحُوهُنَّ) تَضَمَّنَ معنَى (في) على أحَدِ التفسيرينِ أيْ: وتَرغبونَ في نِكاحِهِنَّ لِجَمالِهِنَّ ومالِهِنَّ، لكنه ليس مَنصوباً على الظرفيَّةِ؛ لأنه ليس زَماناً ولا مَكاناً.
2- وخرَجَ بالقيدِ الثاني: (ضُمِّنَ معنى (في) اسمُ الزمانِ والمكانِ الذي لم يَتَضَمَّنْ معنى (في) وهو الواقعُ مبتدأً أو خَبَراً أو مَفعولاً أو غيرَ ذلك، نحوُ: يومُ الْجُمُعَةِ يومٌ مُبارَكٌ، فليس ظَرْفاً؛ لأنه لم يَتضمَّنْ معنى (في)، ومِن ذلك قولُه تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} فـ (يومَ) منصوبٌ على أنه مفعولٌ به لـ (أَنْذِرْ) لا على أنه مفعولٌ فيه لِمَا تَقَدَّمَ؛ لأن المقصودَ إنذارُهم يومَ القيامةِ ذاتَه.
3- وخَرَجَ بالقَيْدِ الثالثِ: (باطِّرَادِ) ما تَضَمَّنَ معنى (في) بدونِ اطِّرَادٍ، نحوُ: دَخلتُ البيتَ، سكَنْتُ الدارَ، فـ (البيتَ والدارَ) كلٌّ منهما اسمُ مكانٍ ضُمِّنَ مَعْنَى (في) لكنْ ليسَ باطِّرَادٍ لعَدَمِ صَلاحيتِه في جميعِ الأفعالِ، إذ لا يُقالُ: نِمْتُ البيتَ، جلسْتُ الدارَ، فليستْ مَنصوبةً على الظرفيَّةِ بل على المفعوليَّةِ؛ لأنَّ الفعْلَ (دَخَلَ) يَتَعَدَّى تارةً بنفْسِه وتارةً بحرْفِ الجرِّ، ومِثلُه (سَكَنَ).
وهذا معنى قولِه (الظرْفُ وَقْتٌ.. إلخ) أيْ: إنَّ الظرْفَ اسمُ وَقْتٍ أو اسمُ مكانٍ، و(أو) للتنويعِ بمعنَى الواوِ (ضُمِّنَا) الألِفُ للتثنيةِ (في) أيْ: معناها دُونَ لَفْظِها (باطِّرادٍ) تَقَدَّمَ معناه، ثم ذَكَرَ الْمِثالَ للمَكانِ (هنا) والزمانِ (أَزْمُنَا).
ناصِبُ الظرْفِ وحَذْفُه جَوازاً أو وُجوباً

303- فانْصِبْهُ بالواقِعِ فيه مُظْهَرَا = كانَ وإِلاَّ فانْوِهِ مُقَدَّرَا
حكْمُ المفعولِ فيه النصْبُ، والناصبُ له: اللفْظُ الدالُّ على المعنى الواقِعِ فيه، والمعنى الواقِعُ هو الحدَثُ الذي يَدُلُّ عليه الْمَصْدَرُ والفعْلُ والوصْفُ.
فمِثالُ الفعْلِ: صُمْتُ يومَ الخميسِ، فالمعنى الواقعُ في الظرِْف هو الصيامُ) واللفْظُ الدالُّ عليه الفعْلُ (صُمْتُ) فالفعْلُ هو الناصبُ للظرْفِ قالَ تعالى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقالَ تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} ومِثالُ الْمَصدَرِ: عَجِبْتُ مِنِ استقبالِكَ مُحَمَّداً يومَ الْجُمُعَةِ، قالَ تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فـ (يومَ القِيامةِ) ظرْفٌ منصوبٌ والعاملُ فيه المصدَرُ ظَنُّ) أيْ: ما ظَنُّهُم يومَ القِيامةِ؟ مِثالُ الوصْفِ أنتَ المستقبِلُ عَلِيًّا يومَ الخميسِ، قالَ تعالى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} فـ (يومَ) ظَرْفٌ منصوبٌ والعاملُ فيه اسمُ الفاعلِ (آتِيهِ) وهذا العاملُ له ثلاثُ حالاتٍ.
الأُولَى: أنْ يكونَ مَذكوراً، وهذا هو الأصْلُ كما في الأمثلةِ.
الثانيةُ: أنْ يكونَ مَحذوفاً جَوازاً، وذلك إذا دَلَّ عليه دليلٌ كأنْ يُقالَ: متى سافَرْتَ؟ فتقولُ: يومَ الخميسِ، وأينَ صَلَّيْتَ؟ فتقولُ: حوْلَ الكعبةِ.
الثالثةُ: أنْ يكونَ محذوفاً وُجوباً، وذلك في مَواضِعَ:-
1- إذا وَقَعَ الظرْفُ خَبراً، نحوُ: الكتابُ عندَك، ومنه قولُه تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ}.
2- إذا وَقَعَ الظرْفُ صِفةً، نحوُ: أعْجَبَنِي رجُلٌ عِندَك، ومنه قولُه تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} فـ (عندَ) صفةٌ لـ (يَوماً) أيْ: يوماًَ كائناً عندَ رَبِّكَ.
3- إذا وَقَعَ الظرْفُ حالاً، نحوُ: مَررتُ بخالِدٍ عندَك، ومنه قولُه تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} فـ (فوقَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِنَ (الطَّيْرِ).
4- إذا وَقَعَ الظرْفُ صِلةً، نحوُ: أَكْرَمْتُ الذي عندَك، ويَجِبُ تقديرُ العاملِ في الظرْفِ الواقِعِ صِلةً فِعلاً؛ لأنَّ الصِّلَةَ لا تكونُ إلاَّ جُملةً.
وهذا معنى قولِه: (فانْصِبْهُ بالواقِعِ فيه..) أي: انْصِبْ ما تَضَمَّنَ معنى (في) باطِّرادٍ (بالواقِعِ فيه) أي: اللفْظِ الدالِّ على المعنى الواقِعِ في الظرْفِ مِن فِعْلٍ أو شِبْهِه (مُظْهَراً كان) الناصِبُ (وإلاَّ) يَكُنْ مُظْهَراً.
(فانْوِهِ مُقَدَّراً) حالٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ لأنَّ قولَه (مُقَدَّراً) يُفْهَمُ مما قَبْلَه وقولُه: (فَانْوِه) أيْ: جوازاً أو وُجوباً.
حكْمُ أسماءِ الزمانِ والمكانِ مِن حيثُ النصْبُ على الظرفيَّةِ
304- وكلُّ وقتٍ قابِلٌ ذاك ومَا = يَقْبَلُهُ المكانُ إلا مُبْهَمَا
305- نحوُ الْجِهاتِ والْمَقاديرِ وما = صِيغَ مِن الفعلِ كمَرْمًى مِن رَمَى
306- وشَرْطُ كَوْنِ ذا مَقِيساً أنْ يَقَعْ = ظَرْفاً لِمَا في أَصْلِه معه اجْتَمَعْ
أسماءُ الزمانِ كُلُّها تَصْلُحُ للنصْبِ على الظرفيَّةِ سواءٌ في ذلك الْمُبْهَمُ (وهو ما يَدُلُّ على زَمَنٍ غيرِ مُحَدَّدٍ) مثلُ: وقتٍ، زمَنٍ، لحظَةٍ أو المختَصُّ (وهو ما يَدُلُّ على زَمَنٍ مُحَدَّدٍ) لتعريفِه بالعَلَمِيَّةِ كرمضانَ، أو بالإضافةِ مثلِ: يومَ الخميسِ، أو بألْ مِثلِ: اليومَ، ومنه المقَدَّرُ غيرُ المعلومِ كالنَّكِرَةِ المعدودةِ غيرِ الْمُعَيَّنَةِ، نحوُ: سِرتُ يَوماً أو يَومينِ أو الموصوفةِ، كسِرْتُ زَمناً طَويلاً.
فكُلُّ هذه تُنْصَبُ على الظرفيَّةِ، نحوُ: سافَرْتُ يومَ الخميسِ، انتظَرْتُكَ لحظةً، ومنه قولُه تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} فـ (حينَ) منصوبٌ على الظرفيَّةِ، وقالَ تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} وقالَ تعالى: {وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} وقالَ تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
أمَّا أسماءُ المكانِ فلا يَصْلُحُ منها للنصْبِ على الظرفيَّةِ إلاَّ ثلاثةُ أنواعٍ:
الأوَّلُ: المبْهَمُ ومُلحقاتُه (والمبهَمُ: ما ليس له هيئةٌ ولا حدودٌ محصورةٌ) نحوُ الْجِهاتِ الستِّ في مِثْلِ: وَقَفَ المتكلِّمُ أمامَ الْمُصَلِّينَ، جَلستُ يمينَ البابِ، وقالَ تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} فـ (فوقَ) منصوبٌ على الظرفيَّةِ، وقالَ تعالى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} وقالَ تعالى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} فإنْ كانَ المكانُ مُخْتَصًّا (وهو الذي له صورةٌ وحُدودٌ محصورةٌ كالدارِ والمسجِدِ والجبَلِ، لم يَصِحَّ نَصْبُه على الظرفيَّةِ ووَجَبَ جَرُّه بالحرْفِ (في)، نحوُ: صَلَّيْتُ في المسجِدِ، إلاَّ في حالتينِ:
الأولى: أنْ يكونَ عاملُ الظرْفِ المكانيِّ المختَصِّ هو الفعْلُ (دَخَلَ) أو (سَكَنَ) أو (نَزَلَ) فقد نَصَبَ العربُ كلَّ ظرْفٍ مُخْتَصٍّ مع هذه الثلاثةِ، نحوُ: دخلتُ البيتَ، سكنْتُ الدارَ، نزلتُ البلدَ، وقد اختُلِفَ في إعرابِ هذه الكلماتِ، والأظهَرُ أنْ يكونَ كلٌّ منها مفعولاً به ـ لا ظَرْفاً ـ ويكونَ الفعلُ الذي قَبْلَها مُتَعَدِّياً إليها بنفْسِه مُباشَرَةً.
الحالةُ الثانيةُ: أنْ يكونَ الظرْفُ المكانيُّ المختَصُّ هو كلمةَ (الشامَ) وعامِلُه هو الفعْلُ (ذَهَبَ) فقد قالت العرَبُ: (ذهبْتُ الشامَ) أو كلمةَ (مَكَّةَ) وعامِلُه الفعْلُ (تَوَجَّهَ) فقد قالت العرَبُ: (تَوجَّهْتُ مَكَّةَ) فيُنْصَبُ على الظرفيَّةِ مع هذا الفعْلِ دونَ غيرِه.
النوعُ الثاني: مما يَقبلُ النصْبَ مِن أسماءِ المكانِ: المقادِيرُ، نحوُ: غَلْوَةٍ، مِيلٍ، فَرْسَخٍ، بَريدٍ، نحو سِرتُ فَرْسَخاً مَشَيءنَا في الْمَزْرَعَةِ مِيلاً، قَطَعَ الفرَسُ بَرِيداً.
النوعُ الثالثُ: ما صِيغَ مِن الْمَصْدَرِ على وَزْنِ (مَفْعِلٍ) أو (مَفْعَلٍ) للدَّلالةِ على المكانِ، وشرْطُ نَصْبِه: أنْ يكونَ عامِلُه مِن لَفْظِه، نحوُ: وقفْتُ مَوْقِفَ الخطيبِ، قَعَدْتُ مَقْعَدَ المدرِّسِ، وتقولُ في غيرِ الْمُخْتَصِّ: جَلَستُ مَجْلِساً، ومنه قولُه تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ}.
فإنْ كانَ عامِلُه مِن غيرِ لفْظِه تَعَيَّنَ جَرُّه بفِي، نحوُ: جَلستُ في مَقْعَدِ الْمُعَلِّمِ، وما وَرَدَ مِن نَصْبِه، فهو شَاذٌّ لا يَصِحُّ القِياسُ عليه كقولِهم: هو مِنِّي مَقْعَدَ القابِلَةِ، ومَزْجَرَ الكلْبِ، ومَناطَ الثُّرَيَّا، فالظرْفُ (مَقْعَدَ، مَزْجَرَ، مَناطَ) جاءَ منصوباً وعامِلُه (كائنٌ أو مُسْتَقِرٌّ) الْمُقَدَّرُ.
وهذا معنى قولِه: (وكلُّ وقتٍ قابِلٌ ذاك... إلخ) أيْ: كلُّ اسمِ زمانٍ يَقبلُ النصْبَ على الظرفيَّةِ مُبْهَماً كان أمْ مُخْتَصًّا، أمَّا ظرْفُ المكانِ فلا يَقبلُه في حالٍ مِن الأحوالِ إلاَّ في حالِ كونِه مُبْهَماً، نحوُ أسماءِ الْجِهاتِ:، نحوُ فوقَ، تحتَ.. إلخ، وكذا أسماءُ المقاديرِ، وكذا ما صِيغَ مِن مَصْدَرِ الفعْلِ كمَرْمَى، مِن مَصدرِ الفعْلِ (رََمى)، ويُشترَطُ في القِياسِ على هذا أنْ يَقَعَ هذا الْمُشْتَقُّ ظَرْفاً لِمَا اجْتَمَعَ معه في أَصْلِه، أيْ: يكونُ الظرْفُ وعامِلُه مِن أصْلٍ واحدٍ، كمُجامَعَةِ (وَقَفَ) لـ (مَوْقِفٍ) في الاشتقاقِ مِن (الوُقوفِ).
تقسيمُ الظرْفِ إلى مُنصرِفٍ وغيرِ مُنْصَرِفٍ
307- وما يُرَى ظَرْفاً وغيرَ ظَرْفِ = فذاكَ ذو تَصَرُّفٍ في الْعُرْفِ
308- وغيرُ ذي التصَرُّفِ الذي لَزِمْ = ظَرْفِيَّةً إلى شِبْهِهَا مِن الكَلِمْ
الظرْفُ نَوعانِ:
الأوَّلُ: مُتَصَرِّفٌ، وهو ما يُفارِقُ النصْبَ على الظرفيَّةِ إلى حالةِ لا تُشْبِهُها، كأنْ يَقَعَ مُبتدأً أو خبراً، نحوُ: يومُ الجُمُعَةِ يومٌ مبارَكٌ، مكانُك مكانٌ مُريحٌ، الفَرْسَخُ ثلاثةُ أميالٍ، أو فاعلاً، نحوُ: قَرُبَ يومُ الخميسِ، أعْجَبَنِي مكانُكَ، أو مَفعولاً، نحوُ: عَلِمْتُ يومَ قُدومِك، رأيتُ مكانَك في الفِصْلِ، إلى غيرِ ذلك مِن أحوالِ الإعرابِ.
ومِن ذلك قولُه تعالى: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} فـ (يومٌ) فاعلٌ، وقولُه تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَومٌ مَّشْهُودٌ} فـ (يومٌ) خبرٌ في الْمَوْضِعَيْنِ وقولُه تعالى: {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ} فـ (مكانٍ) مضافٌ إليه مَجرورٌ.
الثاني: غيرُ مُتَصَرِّفٍ وهو نَوعانِ:
1- ما لاَ يُفارِقُ الظرفيَّةَ أصْلاً مثلُ: (سَحَرٍ) إذا أُريدَ به سَحَرُ يومٍ بعينِه، نحوُ: آتِيكَ سَحَرَ يومِ الخميسِ الْمُقْبِلِ، فإنْ أُريدَ به سَحَرٌ غيرُ مُعَيَّنٍ، فهو متَصَرِّفٌ يَخرُجُ مِن النصْبِ على الظرفيَّةِ إلى حالةٍ لا تُشْبِهُهَا كما في قولِه تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطِ نَّجْيَّنَاهُم بِسَحَرٍ} فقد جاءَ مجروراً بالباءِ؛ لأنه سَحَرٌ غيرُ مُعَيَّنٍ.
ومنه أيضاً (قَطُّ) (ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزمانِ)، نحوُ: ما خَدَعْتُ أحَداً قَطُّ، و (عِوَضَ) (ظَرْفٌ لِمَا يُستقبَلُ مِنَ الزمانِ)، نحوُ: لن أُخادعَ أحَداً عِوَضَ، أو: عِوَضَ العائضينَ (بالإضافةِ) فـ (قطُّ) مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ على الظرفيَّةِ و (عِوَضَ) بدونِ إضافةٍ مَبنيٌّ، وإلا فهو مُعْرَبٌ.
3- ما يَلْزَمُ النصْبَ على الظرفيَّةِ، وقد يَتركُها إلى حالةٍ تُشْبِهُها وهي الْجَرُّ بـ(مِن) مِثلُ: عندَ، لَدُنْ، قبلَ، بعدَ، تحتَ، شَطْرَ، حَوْلَ، نحوُ: جلسْتُ عنْدَكَ ساعةً ثم خَرجتُ مِن عنْدِكَ إلى مَنْزِلِي، ونحوُ: سأَذْهَبُ إلى المعهَدِ لَدُنِ الصبْحِ حتى الضُّحَى، عُدتُ مِنَ الْمَعْهَدِ مِن لَدُنِ الضُّحَى.
ومِن ذلك قولُه تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} وقولُه تعالى: {نَجْعَلُهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} وقولُه تعالى {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وقولُه تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقولُه تعالى: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} وقولُه تعالى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} فهذه الظُرُفُ يُحْكَمُ عليها بعدَمِ التصرُّفِ، مع أنَّ (مِن) تَدْخُلُ عليهنَّ، إذ لم يَخْرُجْنَ مِنَ الظرفيَّةِ إلا إلى حالةٍ شبيهةٍ بها؛ لأنَّ الظرْفَ والمجرورَ أَخَوَانِ.
وهذا معنى قولِه (وما يُرَى ظَرْفاً وغيرَ ظَرْفِ.. إلخ) أيْ: ما يُستعمَلُ ظَرْفاً وغيرَ ظَرْفٍ كأنْ يَقعَ مُبتدأً أو فاعِلاً، فهذا هو الْمُتَصَرِّفُ في عُرْفِ النُّحاةِ واصطلاحِهم، وغيرُ المتَصَرِّفِ هو الذي لَزِمَ الظرفيَّةَ أو لَزِمَ الظرفيَّةَ وشِبْهَها وهو الجرُّ بـ (مِن).
وقولُه: (أو شِبْهِهَا) معطوفٌ على مفعولِ فِعْلٍ محذوفٍ تقديرُه: (أو لَزِمَ ظرفيَّةً أو شِبْهِها) إذ لو عُطِفَ على قولِه (ظَرفيَّةً) للَزِمَ منه أنَّ مِن الظرْفِ ما يَلْزَمُ الظرفيَّةَ وَحْدَها، ومنه ما يَلْزَمُ شِبهَ الظرفيَّةِ وَحْدَها، وهذا غيرُ صحيحٍ و (أو) للتقسيمِ.
نِيابةُ المصْدَرِ عن ظرْفِ الزمانِ والمكانِ
309- وقد يَنوبُ عن مَكانٍ مَصْدَرُ = وذاك في ظَرْفِ الزمانِ يَكْثُرُ
يَكثرُ حَذْفُ ظرْفِ الزمانِ المضافِ إلى مَصدرٍ وإقامةُ المصدَرِ مَقامَه فيُعْرَبُ بإعرابَه وهو النصْبُ على الظرفيَّةِ، نحوُ: أَخْرُجُ مِن الْمَنْزِلِ شُروقَ الشمْسِ، أيْ: وقتَ شُروقِ الشمسِ فحُذِفَ الظرْفَ الزمانيَّ (وقتَ) وقامَ المصدَرُ مَقامَه، وأُعْرِبَ ظَرْفاً بالنيابةِ.
أمَّا ظرْفُ المكانِ فيَنوبُ عنه الْمَصدَرُ بِقِلَّةٍ، نحوُ: جَلستُ قُربَ زَيدٍ، أيْ: مكانَ قُرْبِ زَيدٍ، فحُذِفَ الظرْفُ المكانيُّ (مَكانَ) وقامَ المصدَرُ مَقامَه وأُعْرِبَ ظَرفاً بالنيابةِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المفعول, فيه

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir