سورة الناس
قوله عز وجل: {قل أعوذ برب الناس} (114: 1) فيه أسئلة:
الأول: لم أقيم الظاهر مقام المضمر في قوله: {ملك الناس} (آية 2) وما بعده وكان الأصل أن يقال: ملكهم وإلههم.
الثاني: أن أسماء الله إنما يذكر منها في كل موضع ما يناسب سياق ذلك المعنى فما وجه مناسبة الرب، والملك، والإله للاستعاذة؟
الثالث: أن قوله: «والناس» (آية 6) معطوف على ماذا؟
والجواب عن الأول: أن الظاهر أقيم مقام المضمر لوجوه: الأول: أن رب الناس: المراد به المصلح. ولا شك أن كل الناس لم يحصل لهم الصلاح، وهو عام مخصوص، وملك الناس عام. فلو قال ملكهم، لم يعم الملك تدبير سائر الناس، لأنه حينئذ يكون عائدًا على الجماعة المرادين من النص الأول فقط. فأتي بالظاهر ليعم سائر الناس. ولو قال: إلههم – والمراد بالإله المعبود – لكان يلزم أن كل الناس عبدوا الله عز وجل، لأن ضمير العام عام، وهذا خبر، لكن الأمر
[فوائد في مشكل القرآن: 261]
ليس كذلك. فأتي بالظاهر لنفي هذا المحذور.
أو نقول: الاستعاذة في معنى الدعاء، وهو مطلوب فيه التعظيم والتفخيم. ومن عادتهم إذا عظموا أمرًا أقاموا الظاهر فيه مقام المضمر، كقوله عز وجل: {وما أدراك ما القارعة} وكان الأصل: وما أدراك ما هي؟ وكقول الشاعر: «ما لي أرى الموت لا يسبق الموت شيء». وكان الأصل: لا يسبقه شيء.
أو نقول: أقيم الظاهر مقام المضمر لمراعاة الجناس بين {الوسواس الخناس} (114: 4) وما قبله.
وعن الثاني: أن هذه الأسماء مناسبة من جهة أن المصلح والملك والمعبود يناسب أن يلطف بمن أصلحه أو ملكه أو عبده، فيكفيه شر الأشرار.
وعن الثالث: أنهم قد جوزوا في إعرابه ثلاثة أوجه: أن يكون معطوفًا على «الوسواس» كأنه قيل: «ومن شر الناس»، أو يكون معطوفًا على «الجنة» بيانًا للوسواس، أو الموسوس، إن عبر بالمصدر عن الاسم. وعلى المذهب
[فوائد في مشكل القرآن: 262].
الأول يكون العائد على «الذي» محذوفًا، تقديره: الذي يوسوس. وعلى المذهب الثاني ليس محذوفًا.
سؤال: كيف بين الذي يوسوس في الصدر «بالناس»، مع أن الناس لا يصلون إلى الصدر؟
جوابه: قالوا استعاذ من شر نفسه. فإنها توسوس في صدره كالشيطان.
والوجه الثالث من الإعراب: أن يكون بيانًا للناس، كأنه قال: الذي يوسوس في صدر القبيلين. واسم الناس عند هذا موضوع لهما في أصل الوضع وإنما غلب استعماله في أحدهما.
واختلف في اشتقاق «الناس». فقيل من الأنس. وقيل من النوس. الذي هو الحركة.
واختلف هل الناس بإزاء الجن. لكنه غلب استعماله في أحد مسمياته، ولأجل الغلبة أفرد بالذكر في السورة. أو هو مخصوص بمن غلب فيه اللفظ.
والوسواس: هو الصوت الخفي، سواء كان في الصدر أو غيره.
[فوائد في مشكل القرآن: 263]