1.(عامّ لجميع الطلاب)
استخرج خمس فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها في قوله تعالى:
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} الجن.
1- وجوب تعظيم القرآن ظاهرا وباطنا, لمن أراد الحصول على ما فيه من هدى, فيخشع القلب عند سماعه وتخشع الجوارح, وهذا من قوله تعالى:"استمع", وهذا غير السماع, فالاستماع يقتضي استحضار القلب والجوارح والانتباه لما يقال.
2- إن الانتفاع بالعلم يكون بالتحلي بالأدب والتزامه في مجالس العلم ومع المشايخ, وحسن الاصغاء والانتباه , فتتبين للطالب الفوائد الخفية له, ويكون أجدر بفهم ما يلقى عليه كمن مواعظ وحكم وأمثال, والانتفاع بها, وهذا من قوله:"استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا", وإنما حصلت لهم هذه الفائدة لتأدبهم في مجلس العلم, وإلقاء سمعهم لما يقال فيه.
3- الحرص على تنمية عقل الرشد لدى الإنسان, فليس كل ذكي رشيد, بل يحصل عليه الإنسان بالمداومة على النظر في آيات الله الشرعية وتدبرها وعقل ما فيها, وهذا من قوله:"يهدي إلى الرشد".
4- تعلق القلب بغير الله سبحانه وتعالى, وتحول النظر لغيره, وطلب الثناء والمحمدة عند غيره, نوع من انواع الشرك, فالإخلاص يقوم على التوحيد الذي يطرد كل ما سوى الله من القلب, وهذا من قوله:"ولن نشرك بربنا أحدا", فالآية عامة في جميع أنواع الشرك, بل ما يكون من الشرك الأصغر والخفي قد يجهله الكثير من الناس, لذلك يجب مجاهدة النفس والقلب في انصرافه لغير الله.
5- الهمة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى, وتعليم كتابه للناس, وبيان معانيه لهم, ليحصل لهم الخير الكثير في حياتهم من الهدى والرشاد والتوحيد والحياة الطيبة, وهذا من قوله:"فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا", فبعد أن سمعوا وعلموا ذهبوا إلى قومهم منذرين وداعين, ليحصل لهم من الخير ما حصل لهم هم.
المجموعة الأولى:
1. فسّر قوله تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} المدّثر.
"وما جعلنا أصحاب النار": بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى, وصف جهنم, وأخبر بعدد الملائكة التي جعلهم عليها في قوله:"عليها تسعة عشر", قال أبو جهل: أما لمحمد من الأعوان إلا تسعة عشر؟ أفيعجز كل مائة رجل منكم أن يبطشوا بواحد منهم ثم يخرجون من النار؟", فأخبر تعالى إنه ما جعل خزنة جهنم إلا من الملائكة الذين هم زبانية النار, المختصون بالعذاب , وقد جاء في وصفهم أنهم:"غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفلون ما يؤمرون", وفيه دلالة على قدرة الله وعظيم خلقه, وعلى شدة الملائكة وبالتالي أليم عذابهم, فلا يقدر أحد على مغالبتهم أو مقاومتهم, ثم بين سبحانه وتعالى الحكمة من ذكر العدد:
"وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا": أي: ذكر الله سبحانه وتعالى, عددهم اختبارا للناس, ليظهر الصادق من الكاذب, ومن ظهر كذبه وكفره يكون معرفة العدد بالنسبة له زيادة في ضلاله, وبالتالي زيادة في عذابه ونكاله في الآخره.
"ليستيقن الّذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا", وهنا ذكر أهل الكتاب عند سماعهم لما نزل من عدد الملائكة, فيجب أن يترتب على سماعهم للعدد زيادة اليقين لديهم بما في القرآن لمطباقته لما هو موجود في كتبهم, أما المؤمنون فيزداد إيمانهم بما علموه من توافق هذا العدد بما هو موجود في كتب أهل الكتاب, فيظهر صدق نبيهم على الملأ, فهذا مما يزيد الإيمان ويزيد اليقين في القلب.
"ولا يرتاب الّذين أوتوا الكتاب والمؤمنون": ليزول عن قلوبهم أي ريب أو شك أو حيرة في الدين أو في أي جزء منه, وزيادة الإيمان واليقين من الأمور التي تحصل من إدمان النظر في آيات الله الكونية والشرعية, لذلك قال تعالى:"وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون", فيتميز بسماع الآيات ثابت الإيمان عمن امتلأ قلبه بالشبهات, فينبغي على المسلم العناية بهذا الجانب ليدفع عنه ما قد يلحق قلبه من ريب أو شك أو أدنى شبهة.
"وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد اللّه بهذا مثلا": أما أصحاب القلوب المريضة بالشك والريب والنفاق, فتجتمع كلمتهم مع كلمة الكافرين في التعنت والتكبر والعناد, فتعمى بصيرتهم فيقعون في الحيرة والضلال ويسألون عن الحكمة من ذكر هذا العدد وضرب هذا المثل سؤال مستكبر مستهزئ لا مستعلم.
"كذلك يضل اللّه من يشاء ويهدي من يشاء": أي: ينزل الله مثل هذه الآيات ليختبر القلوب ويظهر ما تخفيه أمام الناس, فأما من وفقه الله للهداية فيزيد إيمانهم ,وأما من كان من أهل الشقاء, فيتزعزع ويهتز ما كان يظنه في قلبه إيمانا, وإنما كان هذا بسبب زيغ قلوبهم وما هم فيه من النفاق, "ولا يظلم ربك أحدا"و ولله الحكمة البالغة في ذلك, وله سبحانه الحجة على جميع خلقه.
"وما يعلم جنود ربك إلا هو": أي: مع ذكر الله سبحانه وتعالى, لعدد زبانية جهنم, إلا إن لهم من الأعوان الكثير, مما لا يعلمه إلا الله, فلا يتوهم متوهم إن ليس هناك إلا هم, بل ذكر هذا العدد مع جهلنا به محل اختبار, وعلى المسلم التسليم والإيمان بكل ما هو موجود في القرآن, بدون تحكيم عقله على النصوص فيرد ما خالف عقله, أو يحرف معناه, أو يغيره بزيادة أو نقصان.
"وما هي إلا ذكرى للبشر":أي وما جاء من ذكر عدد الزبانية ووصف جهنم من مواعظ وتذكرة, فالمقصود منه بيان قدرة الله الكاملة, وغناه المطلق عن جميع خلقه, الاعتبار والتذكر, فيحرص المسلم على فعل ما ينفعه والابتعاد ما يضر به دينه, ولم تنزل لمجرد العبث واللغو, فمن لم يرى أو يحس بأثرها على نفسه, فليتهم إيمانه.
2. حرّر القول في:
المراد بالمساجد في قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)) الجن.
وردت في المراد بالمساجد في الآية أربعة اقوال متباينة:
القول الأول: إن المراد المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس, ودليله ما رواه ابن عباس في قوله:"وأن المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا" قال: لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلّا المسجد الحرام، ومسجد إيليا: بيت المقدس, رواه عنه أبو صالح, رواه ابن ابي حاتم, ذكره ابن كثير.
القول الثاني: إن المراد هو المساجد كلها, فأمر الله سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام, وعباده بتوحيده وعدم الإشراك به في دور العبادة, ولا يكونوا كأهل الكتاب الذين إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا مع الله بدل ان يوحدوه, ودليل هذا القول ما جاء عن سعيد بن جبير في سبب نزول الآية, حيث قال: قالت الجن لنبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون عنك؟، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك؟ فنزلت الآية, رواه ابن جرير وذكره ابن كثير في تفسيره, وهذا قول عكرمة وقتادة والأعمش, وقاله ابن كثير والسعدي, وهو قول للأشقر.
القول الثالث:إن المراد بها أعضاء السجود, وهو قول سعيد بن جبير مستدلا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ليه الصلاة والسلام قوله:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة أشار بيديه إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين", ذكر هذا القول ابن كثير في تفسيره.
القول الرابع: إن المراد بالمساجد جميع بقاع الأرض, لأن الأرض كلها مسجد كما ورد هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام, فيما خصه الله سبحانه لهذه الأمة, وهي قوله:"وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا", ذكر هذا القول الأشقر.
والراجح إن المراد جميع المساجد, كما ذكره ابن كثير, فيكون المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس داخلان في عموم المساجد, وذكر أعضاء السجود لأن بها يكون السجود وبه يكون العبد أقرب ما يكون من ربه, وتسمى الصلاة به, فحري به أن لا يستعملها إلا لتوحيد الله عز وجل كما جاء في الآية.
3. بيّن ما يلي:
أ: المقصود بالقرض الحسن.
القرض الحسن هو ما يخرجه الإنسان من صدقات واجبة أو مستحبة لأهله أو في سبيل الله, في أي وجه من وجوه الخير الي حث عليه الله ورسوله, ولا يكون حسنا إلا إذا كانت نية المنفق لوجه الله, خالصة له, يريد ما عنده, ولا ينظر لأي مدح أو ثواب أو منفعة ممن أعطاه"لا نريد منكم جزاء ولا شكورا", وهذا وجه تسميته قرضا حسنا, لأن القرض من عقود الإرفاق, فالمقرض ينظر لما عند الله فقط من الثواب والجزاء.
كما يجب أن يكون إنفاقه من مال طيب حلال, ف"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا", فإن كان كذلك فإن الله قد وعده أن يجازيه جزاء عظيما حسنا طيبا.
ب: حكم قيام الليل، مع الاستدلال.
أوجب الله سبحانه وتعالى, في بداية سورة المزمل قيام الليل على النبي عليه الصلاة والسلام, فقال:"قم الليل إلا قليلا", فقام عليه الصلاة والسلام, هو وجماعة من اصحابه لأن الأصل هو التأسي به عليه الصلاة والسلام في الأحكام, ثم خفف الله عنهم ليرفع عنهم الحرج والمشقة, ولوجود أصناف من الناس يشق عليها قيام الليل, فقال:"إن ربّك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن", أي علم سبحانه بمشقة اتباع الأمر الذي فرضه عليكم, فقوموا ما تيسر لكم من الليل, والشاهد من الاية بعدم الإلزام قوله تعالى:"فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن", أي فعفا عنكم لما كان من عجزكم عن قيام الليل, فيسر عليكم وخفف الأمر عنكم, ثم أرشدهم إلى أن يقوموا قدر استطاعتهم وبما تيسر لهم من نشاط ووقت بدون إلزام.
كما دل على ذلك حديث الأعرابي الذ سأل النبي عليه الصلاة والسلام عما يجب عليه من الصلوات, فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:"خمس صلوات في اليوم واللية", فقال:"هل علي غيرها؟", فقال:"لا إلا أن تظوع", فدل هذا على عدم وجوب قيام الليل.