حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
ومِن دواعيِ الحذْفِ(1):
إخفاءُ الأمرِ عن غيرِ المخاطَبِ(2)، نحوُ: أَقبَلَ، تُريدُ عليًّا(3) مثلاً(4).
وضِيقُ المقامِ(5) إمَّا لتَوَجُّعٍ(6) نحوُ(7):
قالَ لي كيفَ أنتَ؟ قلتُ: عليلُ(8) ...... سهَرٌ(9) دائمٌ, وحزْنٌ طويلُ(10)
وإما لخوفِ فواتِ فرصةٍ(11)، نحوُ قولِ الصيَّادِ(12): غزالٌ(13)
والتعميمُ(14) باختصارٍ(15)، نحوُ(16) (وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ)(17) أي: جميعَ عِبادِه(18)؛ لأن حذفَ المعمولِ(19) يُؤْذِنُ(20) بالعمومِ(21).
وتنزيلُ(22) الْمُتعدِّي منْزِلةَ(23) اللازمِ(24) لعدَمِ تعلُّقِ الغرَضِ(25) بالمعمولِ(26)، نحوُ(27) }هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ{(28).
ويُعَدُّ من الحذفِ(29) إسنادُ الفعلِ إلى نائبِ الفاعلِ(30) فيقالُ: حذفُ الفاعلِ للخوفِ منه(31) أو(32) عليه(33) أو للعلْمِ به أو(34) الجهلِ(35)، نحوُ: سُرِقَ المتاعُ(36)، {(16) وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً}(17).
__________________
قال الشيخ محمد ياسين بن عيسى الفاداني :
(1) ( ومن دواعى الحذفِ) أي: حذفِ المسنَدِ أو المسنَدِ إليه او متعلَّقاتِهما.
(2) (إخفاءُ الأمرِ عن غيرِ المخاطَبِ) المقصودِ سماعُه من الحاضرين.
(3) (نحوَ أَقْبَلَ، تريدُ عليًّا) يعنى: أقبَلَ عَلِىٌّ.
(4) (مثلاً) لقيامِ القرينةِ عليه عندَ المخاطَبِ دونَ غيرِه فلو قِيلَ: أقْبَلَ عليٌّ لَانْتَظَرَه كلُّ مَن كان جالساً لأجلِ الطلبِ منه مثلاً.
(5) (وضيقُ المقامِ) عن إطالةِ الكلامِ بذكْرِ المسنَدِ أو المسنَدِ إليه.
(6) (إما لتوجُّعٍ) وتضجُّرٍ.
(7) (نحوَ) قوْلِ الشاعرِ
(8) (قالَ لى كيف أنتَ قلتُ عليلُ) أي: مريضٌ ذو عِلَّةٍ.
(9) (سهَرٌ) أي: حالُ سهَرٍ.
(10) (دائمٌ وحزْنٌ طويلُ) قال العبَّاسُ في شواهِدِه: لم أعلَمْ قائلَه, فلم يَقُلِ الشاعرُ: أنا عليلٌ لضيقِ المقامِ بسبب الضجَرِ الحاصلِ له من شدائدِ الزمانِ ومصائبِ الهَوَى بحيث جَعَلَتْه لا يَقدِرُ على التكلُّمِ بأزيدَ مما يُفيدُ الغرَضَ، ويُمكِنُ أن يكونَ ضِيقُ المقامِ فيه بسببِ الْمُحافظَةِ على الوزنِ, لأن ذكْرَ المسنَدِ إليه, وهو أنا, يُفسِدُ الوزنَ.
(11) (وإما لخوفِ فواتِ فرصةٍ) سانحةٍ وهي ما يُغتَنَمُ حصولُه.
(12) (نحوَ قولِ الصيَّادِ) عندَ عُرُوضِ إبصارِ الغزالِ.
(13) (غزالٌ) أي: هذا غزالٌ فاصْطادوه, فحذَفَ هذا؛ لأن رغبتَه في التسارُعِ إليه تُوهِمُه أن في ذكْرِه طُولا كثيراً يُفِيتُه بحسبِ زَعمِه.
(14) (والتعميمُ) في المفعولِ المحذوفِ.
(15) (باختصارٍ) أي: مع الاختصارِ.
(16) (نحوَ) قولِه تعالى.
(17) }واللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ{ أي: السلامةِ من الآفاتِ.
(18) (أي: جميعَ عِبادِه) يعني: المُكَلَّفِين.
(19) (لأن حذفَ المعمولِ) كالمفعولِ به هنا.
(20) (يُؤْذِنُ) أي: يُشعِرُ.
(21) (بالعمومِ) فقدَّرَ المفعولَ به هنا عامًّا؛ لأن الدعوةَ من اللهِ تعالى إلى دارِ السلامِ بسببِ التكليفِ عامَّةٌ لجميعِ العِبادِ المكلَّفين إلا أنه لم يُجِبْ منهم إلا السُّعداءُ بخلافِ الهدايةِ بمعنى الدَّلالةِ المُوصِلَةِ فإنها خاصَّةٌ, ولهذا أَطلَقَ الدعوةَ في هذه الآيةِ, وقيَّدَ الهدايةَ في قولِه بعدَ ذلك :{وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
(22) (وتنزيلُ) الفعلِ.
(23) (المتعدِّي منزلةَ) الفعلِ.
(24) (اللازمِ) أي: الذي وُضِعَ في أصلِهِ غيرَ طالبٍ للمفعولِ.
(25) (لعدَمِ تَعلُّقِ الغرَضِ) أي: قصْدِ المتكلِّمِ.
(26) (بالمعمولِ) أي: بتعلُّقِ الفعلِ بمن وَقعَ عليه بخصوصِه، ويَلزمُ منه أن لا يُعتَبرَ عمومٌ في ذلك المتعلِّقِ بأن يُقَدَّرَ ذلك المفعولُ عامًّا، ولا خصوصٌ بأن يُقَدَّرَ خاصًّا، بل الغرضُ مجرَّدُ إثباتِ الفعلِ للفاعلِ من غيرِ مراعاةِ عمومٍ أو خصوصٍ فيه.
(27) ( نحوَ) قولِه تعالى
(28) ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) الأصلُ : هل يَستوي الذين يَعْلَمون الدِّينَ والذين لا يَعلمونه، ثم حذَفَ المفعولَ تنزيلاً لفعلِه منزلةَ اللازمِ حيث إن الغرَضَ من الفعلِ الماهيَّةُ الكلِّيَّةُ, أي: لا يَستوى الذين وُجِدتْ حقيقةُ العلْمِ والدِّينِ فيهم, والذين لم تُوجَدْ فيهم.
(29) (ويُعَدُّ من الحذفِ) الذي لا يُرتَكبُ إلا لنُكتَةٍ.
(30) (إسنادُ الفعلِ إلى نائبِ الفاعلِ, فيُقالُ: حُذِفَ الفاعلُ) أي: فاعلُ, ذلك الفعلِ وأُقيمَ المفعولُ به أو غيرُه مقامَه في الإسنادِ إليه على جِهةِ قيامِه به أو وقوعِه منه (لـ) غرضٍ من الأغراضِ.
(31) (كالخوفِ منه) نحوَ قتْلِ قتيلٍ إذا خِيفَ من القاتلِ.
(32) (أو) للخوفِ.
(33) (عليه) نحوَ شتْمِ الأميرِ إذا خِيفَ على الشاتِمِ.
(34) (أو للعلْمِ به أو)
(35) لـ ( لجهلٍ) به
(36) (نحوَ: سُرِقَ المتاعُ) إذا لم يُعرَف السارقُ من هو.
(37) (و) قولِه تعالى
(38) (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) فحُذِفَ الفاعلُ للعلْمِ به, وهو اللهُ, وكالمحافظةِ على سَجْعِ نحوَ قولِهم: مَن طابَتْ سَرِيرتُه حُمِدَتْ سِيرَتُه، فإنه لو قيلَ: حَمِدَ الناسُ سيرتَه لاخْتَلَفَت السَّجْعَةُ ، وكتعظيمِ الفاعلِ إذا كان الفعلُ خسيساً نحوَ: تَكلَّمَ بما لا يَليقُ ، وكتحقيرِه بصَوْنِ اللسانِ عنه نحوَ: قد قيلَ ما قيلَ).