القارئ:
(وأما الحظر والإباحة: فمن الناس من يقول: إن أصل الأشياء على الحظر إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة يتمسك بالأصل وهو الحظر، ومن الناس من يقول بضد ذلك وهو: أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حظره الشرع).
ومنهم من قال: بالتوقف.
ومعنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
الشيخ:
هذه مسألة يذكرها بعض الأصوليين في أوائل كتب الأصول، كما ذكرها الموفق ضمن مباحث المباح في أول (الروضة).
- وقول المؤلف هنا: (إن الأشياء على الحظر) هذا مطلق، الأشياء يشمل: الأشياء النافعة والضارة ولهذا بعضهم يُعبّر بالأفعال والأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع.
- وحالات الأعيان ثلاث:
- إما أن تكون ضارة ضرراً محضاً، (كالسموم) ونحوها، فهذه حرام.
- وإما أن تكون نافعة نفعاً محضاً، فهذه مُباحة.
- وإما أن يكون فيها نفع من جهة ومضرة من جهة، أو تكون مضرتها غالبة، أو مصلحتها راجحة، فيؤخذبالأحوط في ذلك والمصلحة.
- وهذه المسألة متفرعة عن مسألة التحسين، والتقبيح العقليين، وهي مسألة معروفة، وقال بها المعتزلة، وهي باطلة عند الجمهور.
- وقد اختلف العلماء في الأفعال، وفي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها، وفيها ثلاثة أقوال:-
القول الأول: أنها على الإباحة.
الثاني: أنها على الحظر.
والثالث: التوقف.
- قال الموفّق ابن قدامة رحمه الله في (الروضة): (واخُتلف في الأفعال وفي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها).
- فقال: التميمي وأبو الخطاب والحنفية:(هي على الإباحة، إذ علم انتفاعنا بها من غير ضرر علينا ولا على غيرنا، فليكن مُباحاً، ولأن الله سبحانه خلق هذه الأعيان لحكمة لا محالة، ولا يجوز أن يكون ذلك لنفع يرجع إليه، فثبت أنه بنفعنا).
- القول الثاني: أنها على الحظر: قال بهذا ابنحامد، والقاضي أبو يعلى، وبعض المعتزلة، قالوا: لأن التصرف في مُلك الغير بغير إذنه قبيح، والله سبحانه هو المالك ولم يأذن.
- ثانياً: ولأنه يحتمل أن في ذلك ضرراً فالإقدام عليه خطر.
القول الثالث: أنه لا حكم لها: إذ معنى الحكم الخطاب، ولا خطاب قبل ورود السمع، والعقل لا يُبيح شيئاً ولا يُحرّمه، وإنما هو مُعرّف بالترجيح والاستواء، وقُبح التصرف في ملك الغير إنما يعلم بتحريم الشارع ونهيه، ولو حُكّمت فيه العادة إنما قَبُح في حق من يتضرر بالتصرف في ملكه، فليقبح المنع مما لا ضرر فيه، كالظل وضوء النار، الحاصل أن الأقوال في هذه المسألة ثلاثة، وأرجحها هو القولالأول لعموم قوله سبحانه: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً}.
- قوله فيما سبق: (الغير) إدخال (أل) على (غير)، هذا مما انتقده العلاّمة الحريري في (درّة الغواص)، وبيّن أن (أل) لا تدخل على (غير) لتوغلها في الإبهام، فإذا أدخلت (أل) على غير ما تستفيد منها تعريفاً، ولهذا المشهور عندهم أن (أل) لا تدخل على (غير).
- وأن من أدخلها فقد غلط، وإن كان بعض المجامع اللغوية قد أجاز دخول (أل) على (غير) في بعض الحالات، لكن صرّح جماعة من المتقدمين أنها لا تدخل عليها بحال، وأن إدخالها غير فصيح.