أقسامُ الإطنابِ(2)
الإطنابُ يكونُ(3) بـ(4) أمورٍ كثيرةٍ(5):
(منها) ذكْرُ الخاصِّ(6) بعدَ العامِّ(7)، نحوُ: اجتهِدوا في دروسِكم واللغةِ العربيَّةِ(8), وفائدتُه(9) التنبيهُ على فضْلِ الخاصِّ(10) كأنه(11) لرِفعتِه(12) جنسٌ آخرُ مغايِرٌ لما قبلَه(13)
(ومنها) ذكْرُ العامِّ بعدَ الخاصِّ(1)، كقولِه(2):{رَبِّ اغْفِرْ لِي(3) وَلِوَالِدَيَّ(4) وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً(5) وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}(6).
(ومنها) الإيضاحُ بعدَ الإبهامِ، نحوُ{أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}
(ومنها) التكريرُ(1) لغرَضٍ(2)، كطولِ الفصلِ(3) فى قولِه(4):
وإنَّ امْرَأً دامتْ مواثيقُ عهدِه ..... على مثلِ هذا إنه لكريمُ(5)
وكزيادةِ الترغيبِ في العفوِ(6) في قولِه تعالى:{ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ(7) فَاحْذَرُوهُمْ(8) وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(9). وكتأكيدِ الإنذارِ(10) في قولِه تعالى: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (11)
(ومنها) الاعتراضُ وهو توسُّطُ لفظٍ(1) بينَ أجزاءِ جملةٍ(2) أو بينَ جملتين مرتبطتين معنًى(3) لغرضٍ(4)، نحوُ(5):
إن الثمانين(6) –وبُلِّغْتَهَا-(7) ..... قد أحْوَجَتْ سَمْعِى(8) إلى تَرْجَمَانِ(9)
ونحوُ قولِه تعالى: {وَيَجْعَلُونَ(10) لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ(11) وَلَهُمْ(12) مَا يَشْتَهُونَ} (13).
(ومنها) التذييلُ وهو(1) تعقيبُ الجملةِ بأخرى(2) تَشتملُ(3) على معناها(4) تأكيداً لها(5)، وهو(6) إما أن يكونَ جارياً مَجْرَى المثَلِ لاستقلالِ معناه(7) واستغنائِه عمَّا قبلَه، كقولِه تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ(8) وَزَهَقَ الْبَاطِلُ(9) إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(10) وإما أن يكونَ غيرَ جارٍ مَجْرَى المثَلِ لعَدَمِ(11) استغنائِه عما قبلَه(12)، كقولِه تعالى:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ(13) بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي(14) إِلاَّ الْكَفُورَ)(15).
(ومنها) الاحتراسُ, وهو أن يُؤْتَى فِى كَلامٍ يُوهِمُ خلافَ المقصودِ بما يَدفعُه(1)، نحوُ(2):
فسَقَى ديارَكِ(3) غيرَ مُفسِدِها(4)
____________________________
(2) (أقسامُ الإطنابِ)
أي: من حيثُ أسبابُه أعني ما يَتحقَّقُ بهِ(3) (الإطنابُ يكونُ) أي: يحصُلُ.
(4) (بـ) سببِ
(5) (أمورٍ كثيرةٍ) ذكرْتُ منها هنا سبعةً.
(6) (منها ذكْرُ الخاصِّ) الذي هو فرْدٌ.
(7) (بعدَ العامِّ) الذي هو متعدِّدٌ على سبيلِ العطْفِ, لا على سبيلِ الوصفِ أو الإبدالِ؛ لأنَّ ذِكرَه بعدُ على سبيلِ أحدِ الأمرين من قبيلِ الإيضاحِ بعد الإبهامِ كما هو ظاهرٌ. قالَ ابنُ يعقوبَ: إن قضيَّةَ فائدةِ هذا النوعِ إنما تكونُ مع العطْفِ؛ لأنه مع الوصْفِ والإبدالِ ليس في ذكرِه بعدَ العامِّ تنبيهٌ على فضلِه لجعْلِه مغايِراً لجنْسِ العامِّ؛ لأنه متَّصِلٌ به على نيَّةِ طرْحِ الأوَّلِ أوَّلاً ا هـ.
(8) (نحوُ اجتهِدوا في دروسِكم واللغةِ العربيَّةِ) فذِكْرُ اللغةِ العربيَّةِ بعدَ الدروسِ مع أنها فرْدٌ من أفرادِها إطنابٌ.
(9) (وفائدتُه) أي: عطْفِ الخاصِّ على العامِّ.
(10) (التنبيهُ على فضْلِ الخاصِّ) المذكورِ بعد العامِّ؛ لأنَّ ذكْرَه منفرِداً بعدَ دخولِه فيما قبلَه إنما يكونُ لِمَزِيَّةٍ له.
(11) (كأنه) أي: الخاصَّ
(12) (لرفعتِه) علَّةٌ مقدَّمةٌ.
(13) (جنسٌ آخرُ مغايرٌ لما قبلَه ) أي: لجنْسِ العامِّ الذي قبلَه، أي: جعَلَ هذا الخاصَّ الذي هو من أفرادِ العامِّ كالجنسِ المغايِرِ لجنسٍ آخَرَ قبلَه بحيثُ لا يَشْمَلُه ذلك العامُّ, ولا يُعلَمُ حكْمُه, وذلك لامتيازِه عن سائرِ أفرادِ العامِّ بما له من وصْفِ الرِّفعَةِ أو الخِسَّةِ تنزيلاً للتغايُرِ في الأوصافِ منزِلَةَ التغايُرِ في الذاتِ، وقُيِّدَ بالرفعةِ نظراً للغالبِ, وإلا فقد يكونُ امتيازُ الخاصِّ بوصْفِ الْخِسَّةِ نحوُ: لَعنَ اللهُ الكافرين وأبا جهْلٍ.
(1) (ومنها ذكْرُ العامِّ بعدَ الخاصِّ) على سبيلِ العطْفِ بالواوِ خاصَّةً.
(2) كقولِه تعالى حكايةً عن دعاءِ سيِّدِنا نوحٍ عليه السلامُ.
(3) ( رَبِّ اغْفِرْ لي) أي: ما صدَرَ مني من ترْكِ الأفضلِ ودعائي على الكفَّارِ كالانتقامِ منهم.
(4) (وَلِوَالِدَيَّ) وكانا مسلِمَيْن, واسمُ أبيه لامَكُ بنُ متوشلخَ, واسمُ أمِّه شمخاءُ بنتُ أنوشَ
(5) (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) أي: مَنزِلي, وقيلَ: مسجدي. وقيلَ: سفينتي.
(6) (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) إلى يومِ القيامةِ فبَدأَ بنفسِه؛ لأنها أَوْلى بالتخصيصِ والتقديمِ, ثم ثَنَّى بالمتَّصِلِين به؛ لأنهم أحقُّ بدعائِه من غيرِهم, ثم عَمَّمَ جميعَ المؤمنين والمؤمناتِ؛ ليَكونَ ذلك أَبلغَ في الدعاءِ وللإشارةِ إلى التعميمِ بعدَ التخصيصِ المطلوبَيْن في الدعاءِ؛ لِمَا في حديثِ: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ) وحديثِ: (إِذَا دَعَوْتُمْ فَعَمِّمُوا فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) (ومنها الإيضاحُ بعدَ الإبهامِ) أي: بيانُ شيءٍ من الأشياءِ بعدَ إبهامِه. وفائدتُه: إما إدراكُ السامعِ ذلك الشيءَ في صورتين مختلِفتين بالإبهامِ والإيضاحِ, وهذا مُسْتَحْسَنٌ؛ إذ كأنه عَلَمَانِ، وعَلَمَانِ خيرٌ من علَمٍ واحدٍ، وكعَرْضِ الحسناءِ في لِبَاسَيْن, وإما تَمَكُّنُ ذلك الشيءِ الموضَّحِ بعد إبهامِه؛ لأنَّ إلقاءَه علي سبيلِ الإبهامِ يَقتضِي تشوُّفَ نفسِ السامعِ إلي معرفتِه علي سبيلِ الإيضاحِ فإذا أُلْقِيَ إليه كذلك تَمكَّنَ فيها فضْلَ تَمَكُّنٍ وكان شعورُها به أتَمَّ، وإما كمالُ لذَّةِ العلْمِ به؛ لأنه لما أُلْقِيَ أوَّلاً على وجهِ الإبهامِ حَصَلَ للسامعِ شعورٌ به من وجهٍ, وحُرِمَ من العلْمِ به على وجهِ الإيضاحِ وهذا الحِرْمَانُ أَلَمٌ, فتَتشَوَّفُ نفسُه إلي العلْمِ به من باقي وجوهِه فإذا أُلْقِيَ إليه كذلك حَصَلَ لها لذَّةٌ كاملةٌ؛ لأنَّ اللذَّةَ عقِبَ الألَمِ أتَمُّ من اللذَّةِ التي لم يَتقدَّمْها ألَمٌ؛ إذ كأنها لذَّتان؛ لذَّةُ الوجدان ولذَّةُ الْخَلاصِ من الألَمِ، بخلافِ ما إذا حَصَلَ كمالُ العلْمِ دَفعةً فلم يَتقدَّمْ حصولَ اللذَّةِ به ألَمٌ نحوُ قولِه تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} تَقدَّمَ التمثيلُ به لكمالِ الاتِّصالِ بينَ الجملتين وما تَعلمون في الجملةِ الأُولى مبهَمَةٌ وبأنعامٍ وبنينَ.... إلخ، في الثانيةِ تفسيرٌ وتوضيحٌ لتلك المبهَمةِ.
(1) (ومنها التكريرُ) وهو ذكْرُ الشيء مرَّتين أو أكثرَ.
(2) (لغرَضٍ) أي: لفائدةٍ ونُكتةٍ قَيَّدَ التكريرَ بالغرَضِ ليكونَ إطناباً؛ لأنه إذا كان لغيرِ غَرَضٍ فهو تطويلٌ كما تَقدَّمَ, ودلَّكَ الغرَضُ.
(3) (كطولِ الفصلِ) بينَ اسمِ إنَّ الأُولى وخبرِها مثلاً
(4) (فى قولِه) أي: الشاعرِ
(5) (وإن امْرَأً دامَتْ مواثيقُ عهدِه. على مِثلِ هذا إنه لَكريمُ) فالشاهدُ في تكريرِ إنَّ في أوَّلِ البيت وآخرِه؛ لئلاَّ يَجىءَ الكلامُ مبتورًا, ليسَ له طَلاوةٌ.
(6) (وكزيادةِ الترغيبِ في العفوِ) مثلاً.
(7) (فى قولِه تعالى:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ}) بحملِهم إياكم على ترْكِ طاعةِ اللهِ.
(8) (فَاحْذَرُوهُمْ) أي: فكونوا منهم على حذَرٍ, ولا تَأمنوا غَوائلَهم وشرَّهم.
(9){وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. يَغفرُ لكم ذنوبَكم ويُكفِّرُ عنكم سيئاتِكم فالعفوُ والصفحُ والمغفرةُ ألفاظٌ بمعنًى واحدٍ, وهو ترْكُ الذنبِ وعدمُ المعاقَبة عليه, أَطنَبَ بها لزيادةِ الترغيبِ في العفوِ.
(10) (وكتأكيدِ الإنذارِ) أي: التخويفِ والردْعِ.
(11) (فى قولِه تعالى: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فإن المخاطَبِين لَمَّا تَكاثروا في الأموالِ وألهاهُم ذلك عن عِبادةِ ربِّهم حتى زاروا المقابرَ أي: ماتوا، زجَرَهم المولى عن الانهماكِ في تحصيلِ الأموالِ ونبَّهَهُم على أنَّ اشتغالَهم بتحصيلِها وإعراضَهم عن الآخِرةِ خطأٌ بقولِه: كلاَّ فإنها مفيدةٌ للردْعِ والزجْرِ, وخوَّفَهم تعالى على ارتكابِ ذلك الخطأِ بقولِه: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: ما أنتم عليه من الخطأِ إذا عايَنْتَم ما أمامَكم من لقاءِ اللهِ تعالى وأهوالِ المَحْشَرِ، وكرَّرَ هذا القولَ تأكيداً للردْعِ والإنذارِ وعطَفَ بثُم لتَدُلَّ للمخاطَبين والسامعين على أنَّ الإنذارَ الثانيَ أبلغُ وآكَدُ وأقوى من الأوَّلِ باعتبارِ زيادةِ اهتمامِ المنذَرِ به, لا باعتبارِ أنه زادَ شيئًا في المفهومِ.
(1) (ومنها الاعتراضُ وهو توسُّطُ لفظٍ) أي: جملةٍ معترِضةٍ واحدةٍ أو أكثرَ منها بشرْطِ أن يكونَ هذا المتوسِّطُ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ جزْماً.
(2) (بينَ أجزاءِ جملةٍ) المرادُ بالجملةِ مجموعُ المسنَدَيْن مع المتعلِّقاتِ والفَضَلاتِ والتوابعِ المفرَدَةِ, ولو بالعطفِ, لا ما يَتركَّبُ من المسنَدَيْن فقط.
(3) (أو بينَ جملتين مرتبطتَيْن معنًى) بأن كانت الجملةُ الثانيةُ مبيِّنةً للأُولى, أو مؤكِّدةً لها, أو معطوفةً عليها, أو بدَلاً منها.
(4) (لغرضٍ) أي: لُنكْتةٍ سوى دفْعِ الإيهامِ, فخَرجَ بقيدِ التوسُّطِ الإيغالُ, وهو ختْمُ الكلامِ بما يُفيدُ نُكْتةً, لا يَتِمُّ المعنى بدونِها، وخرَجَ باشتراطِ أن لا مَحَلَّ من الإعرابِ لهذا المتوسِّطِ التتميمُ؛ فإنه الإتيانُ بفَضْلَةٍ في كلامٍ لا يُوهِمُ خلافَ المقصودِ من مفعولٍ أو حالٍ أو نحوِ ذلك, فيُوجَدُ للمأتيِّ فيه مَحَلٌّ من الإعرابِ، وخرَجَ بكونِ الغرَضِ سوى دفْعِ الإيهامِ ما يكونُ بجملةٍ أو أكثرَ في الأثناءِ لدفْعِ الإيهامِ فإنه من صوَرِ التكميلِ, وأما البعضُ الآخرُ من صوَرِ التكميلِ, وهو ما يكونُ آخِراً فهو خارجٌ بقيدِ التوسُّطِ.
(5) (نحوُ) قولِ عَوْفِ بنِ محلمٍ الشَّيْبانيِّ يَشْكُو ضعْفَه.
(6) (إن الثمانين ) أي: سنةً التي مَضتْ من عمري.
(7) (وبُلِّغْتَها) بفتحِ التاءِ المثنَّاةِ أي: بَلَّغَكَ اللهُ إيَّاها.
(8) (قد أَحوَجتْ سَمْعِي) لما ثَقُلَ بمُضِيِّها.
(9) (إلى تَرْجَمانِ) بفتحِ التاءِ الفوقيَّةِ والجيمِ, كزَعْفَرانٍ, ويجوزُ ضَمُّ التاءِ مع الجيمِ, أي: مفسِّرٍ بصوتٍ أجهرَ من الصوتِ الأوَّلِ, فقولُه: وبُلِّغْتَهَا الواوُ اعتراضيَّةٌ والجملةُ اعتراضٌ في أثناءِ الكلامِ لفائدةٍ, وهي هنا الدعاءُ للمخاطَبُ بما يَسُرُّه ويَسْتَجْلِبُ إقبالَه ويَتَمَنَّاه كلُّ أحدٍ من طولِ العمْرِ, وازدادتْ مناسبتُه بذكْرِ الثمانين التي هي من طولِ العمرِ.
(10) (ونحوُ قولِه تعالى: {وَيَجْعَلُونَ} ) أي: يَجعلُ المشركون.
(11) ({لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَ} ) يَجعلون.
(12) ({لَهُمْ}) أي: لأنفسِهم.
(13) ({مَا يَشْتَهُونَ}) أي: من الذكورِ. فقولُه سبحانه جملةٌ لأنه مصدَرٌ منصوبٌ بفعْلٍ مقدَّرٍ من معناه, أي: أُنزِّهُه تعالى تنزيهاً وهو اعتراضٌ بينَ المتعاطِفَيْن لفائدةٍ وهي التنزيهُ وزيادةُ تأكيدٍ في عظَمَتِه تعالى وبُعدِه عما أَثبَتوه فتَزدادُ الشَّناعةُ في قولِهم.
(1) (ومنها التذييلُ وهو) لغةً: جعْلُ الشيءِ ذيْلاً للشيءِ. واصطلاحاً
(2) (تَعقيبُ الجملةِ بأخرى) أي: الإتيانُ عقِبَ جملةٍ بجملةٍ أخرى, لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ.
(3) و (تَشتمِلُ) أي: هذه الجملةُ المعقَّبُ بها.
(4) (على معناها) أي: على معنى الأُولى المعقَّبَةِ بأن تُفيدَ بفَحْواها لِمَا هو المقصودُ من الأُولى, سواءٌ مع الزيادةِ أو بدونِها, فيكونُ اختلافٌ بينَ نِسبتَيْهما, وليس المرادُ باشتمالِها على الأُولى إفادتَها لنفْسِ معنى الأُولى بالمطابَقةِ, وإلاَّ كان ذلك تَكراراً.
(5) (تأكيداً لها) أي: لقصْدِ التأكيدِ والتقوِيَةِ بالثانيةِ للأُولى.
(6) (وهو) أي: الكلامُ الذي يَحصُلُ به التذييلُ, وهو الجملةُ الثانيةُ.
(7) (إما أن يكونَ جارياً مَجرَى المَثَلِ لاستقلالِ معناه) أي: لاستقلالِه في إفادةِ معناه.
(8) (واستغنائِه عما قبلَه) أي: عن التقييدِ بما قبلَه من عطْفِ اللازمِ على الملزومِ.
(9) (كقولِه تعالى: جَاءَ الْحَقُّ) أي: الإسلامُ.
(10) (وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) أي: زالَ الكفْرُ.
(11) (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) أي: مُضْمَحِلاّ وذاهِباً فهذه الجملةُ الثانيةُ تَستقِلُّ بمعناها, ولا تَوقُّفَ له على معنى الجملةِ الأولى, وهو زُهوقُ الباطلِ، ومفهومُ النسبتين مختلِفٌ؛ لأن هذه الثانيةَ اسْمِيَّةٌ مع زيادةِ تأكيدٍ فيها، وتأكيدُ زُهوقِ الباطلِ مناسِبٌ هنا لما فيه من مزيدِ الزجْرِ عنه والإياسِ من أحكامِه الموجِبةِ للاغترارِ.
(12) (وإما أن يكونَ غيرَ جارٍ مَجْرَى الْمَثَلِ لعَدمِ) استقلالِه بإفادةِ المعنى المرادِ منه, وعدمِ.
(13) (استغنائِه عمَّا قبلَه) أي: فيَتوقَّفُ في إفادةِ معناه على ما قبلَه, وإنما لم يَجْرِ هذا النوعُ من التذييلِ مَجرى الْمَثَلِ؛ لأن الْمَثَلَ وصفُه الاستقلالُ؛ لأنه كلامٌ تامٌّ نُقِلَ عن أصلِ استعمالِه لكلِّ ما يُشْبِهُ حالَ الاستعمالِ الأوَّلِ, وهذا النوعُ لم يكنْ مستقِلاّ كقولِه تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ} أي: جزاءَ عقابٍ.
(14) (بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي) أي: ذلك الجزاءَ المخصوصَ, وهو إرسالُ سَيْلِ العَرِمِ عليهم, وتبديلُ جنَّتَيْهِم.
(15) (إِلاَّ الْكَفُورَ) مثلَ آلِ سبأٍ, فهذه الجملةُ الثانيةُ حيث أُريدَ بالجزاءِ فيها الجزاءُ المخصـوصُ المعيَّنُ بما في الأُولى غيرُ جاريةٍ مَجْرَى الْمَثَلِ في الاستقلالِ، ومفهومُ النسبتين مختلِفٌ؛ فإن مفهومَ الأُولى أن آلَ سبأٍ جَزاهم اللهُ بسببِ كُفرِهم؛ لأن ذلك الجزاءَ المخصوصَ لا يَقعُ إلا للكفورِ مع التأكيدِ بها؛ لكونِها في معنى العلَّةِ الأولى, وكأنه قيلَ: جَزَيْناهم بسببِ كفرِهم؛ لأن ذلك الجزاءَ لا يَستحِقُّه إلا من اتَّصَفَ بهذا السببِ، وهذا التأكيدُ مناسِبٌ هنا لما فيه من الزجْرِ عن الكُفْرِ المناسبِ للتقبيحِ بشأنِه.
(1) (ومنها الاحتراسُ, وهو أن يُؤْتَى في كلامٍ يُوهِمُ خلافَ المقصودِ بما يَدفَعُه) أي: بقولٍ يَدفعُ ذلك الإيهامَ, سواءٌ كان هذا القولُ مفرَداً أو جملةً, وسواءٌ كان للجملةِ مَحَلٌّ من الإعرابِ أو لا, وسواءٌ كان في أوَّلِ الكلامِ أو وسَطِه أو آخِرِه.
(2) (نحوُ) قولِ طَرَفَةَ بنِ العَبْدِ.
(3) (فَسَقَى ديارَكَ) بفتحِ الكافِ, والمخاطَبُ به هو الممدوحُ قتادةُ بنُ مَسْلَمةَ الحنفيُّ.
(4) (غيرَ مُفْسِدِها) منصوبٌ على الحالِ.
(5) (صوْبُ الربيعِ ) بالرفعِ فاعلُ سَقَى, أي: المطرُ النازلُ زمنَ الربيعِ.
(6) (ودِيمةٌ) بكسرِ الدالِ المهمَلةِ: المطرُ المُسْتَرْسِلُ, وأقلُّه ما بَلغَ ثُلُثَ النهارِ أو الليلِ.
(7) (تَهْمِي) بفتحِ المثنَّاةِ الفوقيَّةِ, أي: تَسيلُ؛ فإن قولَه فسَقَى دِيارَكَ صوْبُ الربيعِ يُفْهَمُ منه أن المقصودُ سقاها ما لا يُفسِدُ ولكنَّ الإطلاقَ يُوهِمُ ما هو أعمُّ أو أنه دعاءٌ عليه بخرابِ الديارِ وفسادِها فأتَى بقولِه غيرَ مفسِدِها دفْعاً لإيهامِ خلافِ المقصودِ، وسُمِّيَ هذا النوعُ احتراساً؛ لأنَّ فيه الاحتراسَ والتَّوَقِّيَ من تَوَهُّمِ خلافِ المقصودِ، ويُسَمَّى تكميلاً أيضًا لتكميلِ المعنى بدفْعِ الإيهامِ عنه.