دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


القاعدةُ الرابعةُ

المحاذِيرُ التي يَقَعُ فيها مَن يَتَوَهَّمُ التمثيلَ ثم يَنْفِي الصِّفَاتِ
قولُه: ( وهذا يَتَبَيَّنُ بالقاعدةِ الرابعةِ: وهي: أنَّ كثيرًا من الناسِ يَتَوَهَّمُ في بعضِ الصِّفَاتِ - أو كثيرًا منها أو أَكْثَرَها أو كُلَّها - أنها تُمَاثِلُ صِفاتِ المخلوقينَ، ثم يُريدُ أن يَنْفِيَ ذلك الذي فَهِمَه، فيَقَعُ في أربعةِ أنواعٍ من المحاذِيرِ .

أحَدُها: كونُه مَثَّلَ ما فَهِمَه من النصوصِ بصفاتِ المخلوقينَ، وظَنَّ أنَّ مدلولَ النصوصِ هي التمثيلُ .

الثاني: أنه إذا جَعَلَ ذلك هو مفهومَها وعَطَّلَه: بَقِيَت النصوصُ مُعَطَّلَةً عَمَّا دَلَّتْ عليه من إثباتِ الصِّفَاتِ اللائقةِ باللهِ، فيَبْقَي مع جِنايتِه على النصوصِ وظَنِّه السيِّئِ الذي ظَنَّه باللهِ ورسولِه، حيث ظَنَّ أنَّ الذي يُفْهَمُ من كلامِهما هو التمثيلُ الباطِلُ، قد عَطَّلَ ما أَوْدَعَ اللهُ ورسولُه في كلامِهما من إثباتِ الصِّفَاتِ للهِ، والمعاني الإِلَهِيَّةِ اللائقةِ بِجَلالِ اللهِ تعالى .

الثالثُ: أنه يَنْفِي تلك الصِّفَاتِ عن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بغيرِ عِلْمٍ، فيكونُ مُعَطِّلاَ لِمَا يَسْتَحِقُّه الربُّ .

الرابعُ: أنه يَصِفُ الربَّ بنقيضِ تلك الصِّفَاتِ من صِفاتِ الأمواتِ والْجَماداتِ, أو صِفاتِ المعدوماتِ، فيكونُ قد عَطَّلَ به صِفاتِ الكَمالِ التي يَستَحِقُّها الربُّ، ومَثَّلَه بالمنقوصاتِ والمعدوماتِ، وعَطَّلَ النصوصَ عَمَّا دَلَّتْ عليه من الصِّفَاتِ، وجَعَلَ مدلولَها هو التمثيلَ بالمخلوقاتِ، فيَجْمَعُ في اللهِ وفي كلامِ اللهِ بينَ التعطيلِ والتمثيلِ، فيكونُ مُلْحِدًا في أسماءِ اللهِ وآياتِه ) .

التوضيحُ
خُلاصَةُ هذه الفِقْرَةِ: بعدَ أن تَكَلَّمَ شيخُ الإسلامِ عن الظاهِرِ نَاسَبَ أن يَتَكَلَّمَ عَمَّا يَتَرَتَّبُ على القولِ بأنَّ الظاهِرَ التمثيلُ، فإنَّ أصْلَ شُبْهَةِ المُعَطِّلَةِ أنَّ الإثباتَ يَسْتَلْزِمُ التشبيهَ ثم يَنْفُونَ الصِّفَاتِ بِناءً على هذا الوَهْمِ، فيَقَعُونَ في أربعةِ مَحاذِيرَ:-
أَوَّلاً: الْمَحاذيرُ الْمُتعلِّقَةُ بالنُّصوصِ:
مَثَّلَ ما فَهِمَه من النصوصِ بصِفاتِ المخلوقينَ فجَعَلَ ظاهِرَ النصوصِ هو التمثيلَ.
عَطَّلَ النصوصَ عَمَّا دَلَّتْ عليه من إثباتِ الصِّفَاتِ اللائقةِ باللهِ تعالى.

ثانيًا: الْمَحاذيرُ الْمُتَعَلِّقَةُ باللهِ تعالى:
نَفَى صفاتِ اللهِ تعالى بغيرِ عِلْمٍ فيكونُ مُعَطِّلاً لِمَا يَسْتَحِقُّه اللهُ تعالى .
وَصَفَ اللهَ تعالى بنقيضِ تلك الصِّفَاتِ من صفاتِ الأمواتِ والْجَماداتِ أو المعدوماتِ .
فيكونُ قد جَمَعَ بينَ تَمْثِيليْنِ وتَعْطِيلَيْنِ:
فالتمثيلان: حيث اعْتَقَدَ تشبيهَه بالمخلوقاتِ أَوَّلاً، ثم فَرَّ منه فشَبَّهَهُ بالْجَماداتِ أو الْمَعدوماتِ .
والتعطيلان: حيث عَطَّلَ الآياتِ الدالَّةَ على الصِّفَةِ والنافِيَةَ للمُمَاثَلَةِ، ثم عَطَّلَ اللهَ عن صِفاتِه .
فجَمَعَ بينَ الإلحادِ في أسماءِ اللهِ، بتعطيلِه عن الكَمالِ وتَشْبيهِهِ بالمنقوصاتِ.
والإلحادِ في آياتِه، بِجَعْلِها دالَّةً على التمثيلِ ثم تَعْطِيلِها عَمَّا دَلَّتْ عليه من الصِّفَاتِ .

توضيحُ المحاذيرِ الأربعةِ بِمِثَالَيْنِ
(الاستواءُ والْعُلُوُّ)

قولُه: ( مِثالُ ذلك: أنَّ النصوصَ كلَّها دَلَّتْ على وَصْفِ الإلهِ بالعُلُوِّ والفوقيَّةِ على المخلوقاتِ، واستوائِه على العَرْشِ، فأمَّا عُلُوُّه ومُبَايَنَتُه للمخلوقاتِ: فيُعْلَمُ بالعَقْلِ الموافِقِ للسمْعِ، وأمَّا الاستواءُ على العَرْشِ، فطَريقُ العلْمِ به هو السمْعُ، وليس في الكتابِ والسُّنَّةِ وَصْفٌ له بأنه لا دَاخِلَ العالَمِ ولا خارِجَه، ولا مُبايِنَهُ ولا مُدَاخِلَه ) .

التوضيحُ

الفرْقُ بينَ العُلُوِّ والاستواءِ:
العُلُوُّ صِفَةٌ ذاتيَّةٌ مُلازِمَةٌ للهِ تعالى، والاستواءُ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ اختياريَّةٌ فَعَلَها بعدَ أن لم يَكُنْ فاعِلاً لها.
العُلُوُّ ثابِتٌ بالنقْلِ والعَقْلِ والفِطْرَةِ، والاستواءُ ثابتٌ بالنقْلِ فقط.
العُلُوُّ على جميعِ المخلوقاتِ, والاستواءُ لا يُضافُ إلا إلى العَرْشِ.
وهاتان الصِّفَتان هما الفَيْصَلُ بينَ أهْلِ السُّنَّةِ وأَهْلِ البِدْعَةِ، فقد نفاهما جميعُ الفِرَقِ الكلاميَّةِ من الفَلاسِفَةِ والبَاطِنِيَّةِ، والمُعْتَزِلةِ والجَهْمِيَّةِ، والأَشَاعِرَةِ والْمَاتُرِيدَيَّةِ، وآمَنَ بها أهْلُ السُّنَّةِ النبويَّةِ .
ووَصْفُ المُبْتَدِعَةِ له بأنه لا دَاخِلَ العالَمِ ولا خَارِجَهُ ولا مُبَايِنَه ولا مدَاخِلَه ليس له أَصْلٌ نَقْلِيٌّ ولا عَقْلِيٌّ .
قولُه: ( فأَمَّا عُلُوُّه ومُبَايِنُه ) هذه جُملةٌ اعتراضيَّةٌ لبيانِ الفَرْقِ بينَ العُلُوِّ والاستواءِ ومن أَجْلِها ذَكَرْتُ هذا الْمَبْحَثَ .

الْمِثالُ الأوَّلُ: ( الاستواءُ )
قولُه: ( فيَظُنُّ الْمُتَوَهِّمُ أنه إذا وُصِفَ بالاستواءِ على العَرْشِ كان استواؤُه كاستواءِ الإنسانِ على ظُهورِ الفُلْكِ والأنعامِ، كقولِه: { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } فيَتَخَيَّلُ له أنه إذا كان مُسْتَوِيًا على العَرْشِ كان مُحتاجًا إليه كحاجَةِ الْمُسْتَوِي على الفُلْكِ والأنعامِ . فلو غَرِقَت السفينةُ لسَقَطَ الْمُسْتَوِي عليها، ولو عَثُرَت الدابَّةُ لَخَرَّ الْمُسْتَوِي عليها، فقِياسُ هذا: أنه لو عُدِمَ العَرْشُ لسَقَطَ الربُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . ثم يُريدُ – بزَعْمِه - أن يَنْفِيَ هذا، فيقولَ: ليس استواؤُه بقُعُودٍ ولا استقرارٍ )



التوضيحُ

بَدَأَ شيخُ الإسلامِ بذِكْرِ شُبْهَةِ نُفَاةِ الاستواءِ، ونُبَيِّنُها في ثلاثِ نِقاطٍ كما يَلِي:
إذا وُصِفَ اللهُ بالاستواءِ كان كاستواءِ الإنسانِ على ظُهورِ الفُلْكِ والأنعامِ, كما في قولِه تعالى: { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } .
ويَلْزَمُ منه الاحتياجُ إلى العَرْشِ كاحتياجِ الْمُسْتَوِي على الفُلْكِ والأنعامِ، فلو انْحَرَفَت السفينةُ وعَثُرَت الدابَّةُ سَقَطَ الْمُسْتَوِي عليها .
فبِناءً عليه يَنْفِي ذلك فيقولُ ليس استواؤُه بقُعودٍ ولا استقرارٍ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ منه الاحتياجُ .

الجوابُ من طَرِيقينِ
الطريقُ الأوَّلُ: على فَرْضِ التسليمِ:
قولُه: ( ولا يُعْلَمُ أنَّ مُسَمَّى القُعودِ والاستقرارِ يُقالُ فيه ما يُقالُ في مُسَمَّى الاستواءِ، فإنْ كانت الحاجَةُ داخِلَةً في ذلك فلا فَرْقَ بينَ الاستواءِ والقُعودِ والاستقرارِ، وليس هو بهذا مُسْتَوِيًا ولا مُسْتَقِرًّا ولا قاعدًا، وإن لم يَدْخُلْ في مُسَمَّى ذلك إلا ما يَدْخُلُ في مُسَمَّى الاستواءِ، فإثباتُ أحدِهما ونَفْيُ الآخَرِ تَحَكُّمٌ، وقد عُلِمَ أنَّ بينَ مُسَمَّى الاستواءِ والاستقرارِ والقعودِ فُروقًا معروفةً، ولكنَّ المقصودَ هنا: أن يُعْلَمَ خطأُ مَن يَنْفِي الشيءَ مع إثباتِ نَظِيرِه ) .

التوضيحُ

هذا الطريقُ الأوَّلُ: مُرَكَّبٌ من فِقْرَتَيْنِ:-
إن كان يُفْهَمُ من الاستقرارِ والقُعودِ الحاجةُ فإنه لا فَرْقَ في هذا بينَ الاستواءِ والقُعودِ والاستقرارِ؛ لأنَّ مُسَمَّى الاستواءِ يُقالُ فيه ما يُقالُ في مُسَمَّى القُعودِ والاستقرارِ، وليس هو بهذا الْمَعنى مُسْتَوِيًا ولا مُسْتَقِرًّا ولا قاعدًا.
وإن لم يَدْخُلْ في مُسَمَّى القُعودِ والاستقرارِ إلا ما يَدْخُلُ في مُسَمَّى الاستواءِ ( وهو الحاجَةُ والافتقارُ عندَهم) فإثباتُ أحدِهما ونَفْيُ الآخَرِ تَحَكُّمٌ، فيَجِبُ نَفْيُ الجميعِ أو إثباتُ الجميعِ، ثم أَشارَ شيخُ الإسلامِ إلى أنَّ بينَ الاستواءِ والاستقرارِ والقُعودِ فُروقًا مع أنها مُتقارِبَةٌ ويُفَسِّرُ بعضُها بعضًا، ومن هذه الفُروقِ أنَّ الاستواءَ أَعَمُّ، والاستقرارَ يَتَضَمَّنُ الاستواءَ وزيادةَ معنًى, وهو التَّمَكُّنُ والثُّبوتُ، والقُعودَ يَتَضَمَّنُ الاستواءَ وزيادةَ معنًى, وهو كونُه قاعِدًا, وليس قائمًا مَثَلاً.

الطريقُ الثاني: على فَرْضِ الْمَنْعِ
قولُه: ( وكان هذا الْخَطَأُ من خَطَئِهِ في مفهومِ استوائِه على الْعَرْشِ، حيث ظَنَّ أنه مِثْلَ استواءِ الإنسانِ على ظُهورِ الأنعامِ والفُلْكِ ) .



التوضيحُ

هنا طريقٌ مَنَعَ أَصْلَ شُبْهَتِهِم, وهي ظَنُّهُم أنَّ مفهومَ استواءِ اللهِ على العَرْشِ مثلَ استواءِ الإنسانِ على ظُهورِ الأنعامِ والفُلْكِ، وهذا الظَّنُّ باطِلٌ لوجوهٍ عديدةٍ، ذَكَرَ بعضَها وقَسَّمَها إلى خمسةِ وُجوهٍ كما يَلِي:

- الوجهُ الأوَّلُ -
قولُه: ( وليس في هذا اللفظِ ما يَدُلُّ على ذلك؛ لأنه أضافَ الاستواءَ إلى نفسِه الكريمةِ كما أضافَ إليه سائرَ أفعالِه وصِفاتِه، فذَكَرَ أنه: خَلَقَ ثم اسْتَوَى، كما ذَكَرَ أنه: { قَدَّرَ فَهَدَى } وأنه بَنَى السماءَ بِأَيْدٍ، وكما ذَكَرَ أنه مع مُوسَى وهارونَ يَسْمَعُ ويَرَى، وأمثالُ ذلك، فلم يَذْكُر استواءً مُطْلَقًا يَصْلُحُ للمخلوقِ, ولا عامًّا يَتناوَلُ المخلوقَ . كما لم يَذْكُرْ مِثْلَ ذلك في سائرِ صِفاتِه، وإنما ذَكَرَ استواءً أَضَافَهُ إلى نفسِه الكريمةِ ).

التوضيحُ

ليس في لفظِ الاستواءِ ما يَدُلُّ على المُمَاثَلَةِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أَضافَ الاستواءَ إلى نفسِه كما أضافَ سائرَ أفعالِه وصِفاتِه إليه فقالَ تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } فكما أنه ذَكَرَ خَلْقًا خاصًّا به, فكذلك ذَكَرَ استواءً خاصًّا به، وهكذا ذَكَرَ أنه قَدَّرَ فَهَدَى،كما قالَ: { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} وأنه مع موسى يَسْمَعُ ويَرَى, كما قالَ تعالى: { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } وأنه بَنَى السماءَ بِأَيْدٍ, كما قالَ تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي: بقوَّةٍ، فالأَيْدُ في هذه الآيةِ ليس جَمْعًا لليَدِ بل هي مَصْدَرُ آدَ أَيْدًا ( بمعنى قُوَّةٍ ) كقولِه تعالى:{ دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} على وَزْنِ ( فَعْل)، بينَما الْأَيْدِي فَعَلى وَزْنِ ( أَفْعِل ) .

- الوجهُ الثاني -
قولُه: ( فلو قُدِّرَ – على وَجْهِ الفَرْضِ المُمْتَنِعِ – أنه هو مِثلَ خَلْقِه – تعالى اللهُ عن ذلك - لكان استواؤُه مِثلَ استواءِ خَلْقِه، أمَّا إذا كان هو ليس مُمَاثِلاً لخَلْقِه ) .

التوضيحُ

2- أنَّ اللهَ تعالى ليس مِثْلَ خَلْقِه، ولو قُدِّرَ على الفَرْضِ المُمْتَنِعِ أنه مِثْلُ خَلْقِه لكان استواؤُه مثلَ استوائِهم، ولكنه تعالى لا يُماثِلُ خَلْقَه, فكذلك استواؤُه لا يُمَاثِلُ استواءَهم، وفي هذا الوجهِ تطبيقٌ للقاعدةِ السلَفِيَّةِ السابقةِ، وهي أنَّ القولَ في الصِّفَاتِ كالقولِ في الذاتِ، وفي قولِه: ( أمَّا إذا كان هو ليس مُمَاثِلاً لِخَلْقِه) الظاهِرُ أنَّ في العِبارةِ نَقْصًا, وتقديرُه: " فلا " أي فليس استواؤُه مثلَ استوائِهم . واللهُ أَعْلَمُ .



- الوجهُ الثالثُ -
قولُه: ( بل قد عُلِمَ أنه الْغَنِيُّ عن الْخَلْقِ، وأنه الخالِقُ للعَرْشِ ولغيرِه، وأنَّ كلَّ ما سِوَاه مُفْتَقِرٌ إليه، وهو الغنيُّ عن كلِّ ما سِوَاهُ ) .

التوضيحُ

أنه قد عُلِمَ بالشرْعِ والعَقْلِ والفِطرةِ أنَّ اللهَ تعالى هو الغنيُّ عن جميعِ خَلْقِه، وجميعَ خَلْقِه مُفْتَقِرُون إليه, كما قالَ تعالى: {فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وقالَ: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} .
فكيف يُقالُ بعدَ ذلك:إنه إن اسْتَوَى على الْعَرْشِ كان مُفْتَقِرًا إليه.

- الوجهُ الرابعُ -
قولُه: ( وهو لم يَذْكُرْ إلا استواءً يَخُصُّه، لم يَذْكُر استواءً يَتَنَاوَلُ غيرَه، ولا يَصْلُحُ له، كما لم يَذْكُرْ في عِلْمِه وقُدْرَتِه ورؤيتِه وسَمْعِه وخَلْقِه إلا ما يَخْتَصُّ به، فكيف يَجُوزُ أن يُتَوَهَّمَ أنه إذا كان مُسْتَوِيًا على العَرْشِ كان مُحتاجًا إليه، وأنه لو سَقَطَ العَرْشُ لَخَرَّ مِن عليه, سبحانَه وتعالى عَمَّا يقولُ الظالمون عُلُوًّا كبيرًا، هل هذا إلا جَهْلٌ مَحْضٌ وضَلالٌ مِمَّنْ فَهِمَ ذلك وَتَوَهَّمَهُ، أو ظَنَّهُ ظاهِرَ اللفظِ ومدلولَه، أو جَوَّزَ ذلك على رَبِّ العالمينَ الغنيِّ عن الْخَلْقِ؟! بل لو قُدِّرَ أنَّ جاهلاً فَهِمَ هذا وتَوَهَّمَه لَبُيِّنَ له أنَّ هذا لا يَجُوزُ، وأنه لم يَدُلَّ اللفظُ عليه أَصْلاً، كما لم يَدُلَّ على نظائرِه في سائرِ ما وَصَفَ به الربُّ نفسَه .
فلمَّا قالَ تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} فهل يُتَوَهَّمُ أنَّ بِناءَه مِثلُ بِناءِ الآدَمِيِّ الْمُخْتَلِجِ الذي يَحْتَاجُ إلى زُبُلٍ ومَجارِفَ وضَرْبِ لَبِنٍ وأعوانٍ )

التوضيحُ

هذا الوجهُ شبيهٌ بالوجهِ الأوَّلِ, وخُلاصتُه أنَّ اللهَ تعالى لم يَذْكُر استواءً عامًّا وإنما ذَكَرَ استواءً يَخُصُّه، كما أنه في بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ ذَكَرَ صفاتٍ تَخُصُّه كالعلْمِ والقُدْرَةِ والرؤيةِ والسمْعِ والخلْقِ، فكما أنَّ هذه الصِّفَاتِ لا يُتَوَهَّمُ فيها النقْصُ, فالواجِبُ كذلك أن لا يُتَوَهَّمَ النقْصُ في استوائِه تعالى، وما هذا التوَهُّمُ, وهو احتياجُه إلى العَرْشِ, إلا جَهْلٌ عظيمٌ لا يَجُوزُ في حقِّ ربِّ العالَمِينَ، فكما أننا لم نَقُلْ إنه في بنائِه للسماواتِ لم يَحْتَجْ إلى ما يَحتاجُ إليه الآدَمِيُّ من زِنْبِيلٍ -أي: وِعاءٍ- وأدواتٍ كالْمَجارِفِ أو مَوادَّ كاللَّبِنِ والأعوادِ، فكذلك في استوائِه لم يَحْتَجْ إلى عرشِه، وهذا تطبيقٌ للأصْلِ الأوَّلِ, وهو القولُ في بعضِ الصِّفَاتِ كالقولِ في بعضٍ .

- الوجْهُ الخامِسُ -
قولُه: ( ثم قد عُلِمَ أنَّ اللهَ خَلَقَ العالَمَ بَعْضَه فوقَ بعضٍ، ولم يَجْعَلْ عالِيَه مُفْتَقِرًا إلى سافِلِه، فالهواءُ فوقَ الأرضِ، وليس مُفْتَقِرًا إلى حَمْلِ الأرضِ له، والسَّحَابُ فوقَ الأرضِ، وليس مُفْتَقِرًا إلى أن تَحْمِلَه، والسماواتُ فوقَ الأرضِ، وليست مُفْتَقِرَةً إلى حَمْلِ الأرضِ لها، فالعَلِيُّ الأَعْلَى ربُّ كلِّ شيءٍ ومَلِيكُه، إذا كان فوقَ جميعِ خَلْقِه، كيف يَجِبُ أن يكونَ مُحتاجًا إلى خَلْقِه أو عَرْشِه؟ أو كيف يَسْتَلْزِمُ عُلُوُّه على خَلْقِه هذا الافتقارَ، وهو ليس بِمُستَلْزَمٍ في المخلوقاتِ؟
وقد عُلِمَ أنَّ ما ثَبَتَ لمخلوقٍ من الغِنَى عن غيرِه, فالخالِقُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحَقُّ به وَأَوْلَى)

التوضيحُ

أنه قد عُلِمَ أنَّ اللهَ خَلَقَ بعضَ المخلوقاتِ فوقَ بعضٍ, فالسماءُ فوقَ الأرضِ، وهكذا الهواءُ والسَّحابُ فإنها فوقَ الأرْضِ, ومع ذلك فليست هذه المخلوقاتُ مُفْتَقِرَةً إلى الأرضِ أن تَحْمِلَها، فإذا كان ذلك جائزًا بينَ المخلوقاتِ فكيف يكونُ اللهُ تعالى مُحتاجًا إلى خَلْقِه أو عَرْشِه، وكيف يَسْتَلْزِمُ استواؤُه الافتقارَ مع أنه ليس بِمُستلزَمٍ في المخلوقاتِ، و كما سَبَقَ في قِياسِ الأَوْلى يُقالُ إذا ثَبَتَ غِنَى بعضِ المخلوقاتِ عن بعضٍ، فالخالِقُ أَحَقُّ بهذا الْغِنَى وَأَوْلَى به لكونِه خالقًا لها.
تطبيقُ المحاذِيرِ الأربعةِ على الْمِثالِ الأوَّلِ " الاستواءُ ":-
اعْتَقَدُوا دَلاَلَةَ نصوصِ الاستواءِ على التمثيلِ .
عَطَّلُوا النصوصَ عن دَلالتِها على صِفَةِ الاستواءِ .
عَطَّلُوا اللهَ تعالى عن هذه الصِّفَةِ .
أَثْبَتوا له النقْصَ بسَلْبِهم كَمَالَه الذي اتَّصَفَ به, وهو الاستواءُ على العَرْشِ-أي: العُلُوُّ والارتفاعُ- وهو من الكَمالِ .

الْمِثالُ الثاني: (( الْعُلُوُّ ))
قولُه: ( وكذلك قولُه: { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}. مَن تَوَهَّمَ أنَّ مُقْتَضَى هذه الآيةِ: أن يكونَ اللهُ في داخِلِ السماواتِ فهو جاهِلٌ ضالٌّ بالاتِّفاقِ ) .

التوضيحُ

شُبْهَةُ نُفَاةِ العُلُوِّ:
في قولِه تعالى: { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ } تَوَهَّمُوا أنَّ الآيةَ تَدُلُّ على أنَّ اللهَ تعالى دَاخِلَ السماواتِ، وهذا القولُ باطِلٌ، ولا يَصْدُرُ إلا من جاهِلٍ ضَالٍّ بالاتِّفاقِ، ويَتَبَيَّنُ بُطلانُه من خِلالِ الأوجُهِ الثلاثةِ التاليةِ.

- الوجهُ الأوَّلُ -
قولُه: ( وإن كنا إذا قلنا: إنَّ الشمسَ والقمرَ في السماءِ يَقْتَضي ذلك، فإنَّ حرفَ " في " متعلِّقٌ بما قَبْلَه وبما بَعْدَه، فهو بِحَسَبِ المضافِ إليه، ولهذا يُفَرَّقُ بينَ كونِ الشيءِ في المكانِ، وكونِ الجسمِ في الْحَيِّزِ، وكونِ العَرَضِ في الْجِسْمِ، وكونِ الوجهِ في الْمِرْآةِ، وكونِ الكلامِ في الورَقِ، فإنَّ لكلِّ نوعٍ من هذه الأنواعِ خاصِّيَّةً يَتَمَيَّزُ بها عن غيرِه، وإن كان حرفُ " في " مُسْتَعْمَلاً في كلِّ ذلك، فلو قالَ قائلٌ: العَرْشُ في السماءِ أمْ في الأرضِ؟ لقِيلَ له: في السماءِ، ولو قِيلَ: الجَنَّةُ في السماءِ أمْ في الأرضِ؟ لقِيلَ: الجَنَّةُ في السماءِ، ولا يَلْزَمُ من ذلك أن يكونَ العرْشُ داخِلَ السماواتِ، بل ولا الجَنَّةُ، فقد ثَبَتَ في الصحيحِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: " إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ الجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ، وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ " فهذه الجَنَّةُ سَقْفُها الذي هو العرْشُ فوقَ الأفلاكِ، مع أنَّ الجَنَّةَ في السماءِ )

التوضيحُ

هذا الوجهُ يَتَعَلَّقُ بالكلامِ حولَ الحرْفِ " في " فإنه يَدُلُّ على المعنى بِحَسَبِ ما قَبْلَه وما بعدَه, أي: سياقِ الكلامِ، فإذا قِيلَ: إنَّ الشمسَ والقمرَ في السماءِ قد يُفْهَمُ منه أنهما داخِلَ السماءِ، ولكن هذا ليس مُطَّرِدًا, بل المعنى مُتَعَلِّقٌ بما يُضافُ إليه، وذَكَرَ هنا خمسةَ تراكيبَ اخْتَلَفَتْ فيها معاني " في", توضيحُها كما يَلِي:
إذا قِيلَ: الشيءُ في المكانِ: فيَدُلُّ على أنه موجودٌ فيه، ولا يَقْتَضِي استيعابَ الشيءِ للمكانِ كلِّه.
وإذا قِيلَ: الجسمُ في الْحَيِّزِ: والْحَيِّزُ هو الفراغُ الذي يَمْلأَُه الجسمُ، فهذا يَقْتَضِي استيعابَ الجسْمِ للحَيِّزِ كُلِّه.
وإذا قِيلَ: الكلامُ في الوَرَقِ، فالمعنى وجودُه الْخَطِّيُّ والرَّسْمِيُّ, لا عينُ الكلامِ.
وإذا قِيلَ: الوجهُ في الْمِرْآةِ، فالمقصودُ صورتُه, وليست ذاتَه.
وإذا قِيلَ: العَرَضُ في الْجِسْمِ، فالمعنى أنه قائمٌ به كالألوانِ وغيرِها من الصِّفَاتِ, فإنها لا تَقُومُ بنفسِها، وهكذا إذا قِيلَ: العَرْشُ في السماءِ والجَنَّةُ في السماءِ لم يَلْزَمُ أنهما داخلان في السماءِ، إلا أنَّ الجَنَّةَ قد وَرَدَ فيها النصُّ, كما في قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهَا أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) فهي في السماءِ, وسَقْفُهَا الذي هو العَرْشُ فوقَ الأفلاكِ, أي: فوقَ السماواتِ، فالْخُلاصَةُ أنَّ لفْظَ " في " يَتَغَيَّرُ معناه بتَغَيُّرِ السياقِ.

- الوجهُ الثاني -
قولُه: ( والسماءُ يُرادُ به العُلُوُّ، سواءٌ كان فوقَ الأفلاكِ أو تَحْتَها، قالَ تعالى { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ } وقالَ تعالى { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا }.

ولَمَّا كان قد اسْتَقَرَّ في نفوسِ المخاطَبِينَ: أنَّ اللهَ هو العلِيُّ الأعلى، وأنه فوقَ كلِّ شيءٍ كان المفهومُ من قولِه " إنه في السماءِ " أنه في العُلُوِّ، وأنه فوقَ كلِّ شيءٍ، وكذلك الجارِيةُ لَمَّا قالَ لها النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ اللهُ؟ قَالَتْ: في السماءِ " . إِنَّمَا أَرَادَت العُلُوَّ، مع عَدَمِ تخصيصِه بالأجسامِ المخلوقةِ وحُلولِه فيها، وإذا قِيلَ: " الْعُلُوُّ " فإنه يَتَنَاوَلُ ما فوقَ المخلوقاتِ كلِّها، فما فوقَها كلِّها: هو في السماءِ، ولا يَقتَضِي هذا أن يكونَ هناك ظَرْفٌ وُجوديٌّ يُحيطُ به، إذ ليس فوقَ العالَمِ شيءٌ موجودٌ إلا اللهُ، كما لو قِيلَ: إنَّ العَرْشَ في السماءِ، فإنه لا يَقْتَضِي أن يكونَ العرْشُ في شيءٍ آخَرَ موجودٍ مخلوقٍ ) .

التوضيحُ

هذا الوجْهُ مُتَعَلِّقٌ بالكلامِ حولَ لَفْظِ ( السماءِ )؛ فإنَّ لَفْظَ السماءِ يُرَادُ به العُلُوُّ مُطْلَقًا, سواءٌ كان فوقَ الأفلاكِ أو تَحْتَها، وشواهدُه كثيرةٌ منها:
قولُه تعالى: { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ } أي: سَقْفِ بَيْتِه على المشهورِ من أقوالِ المفسِّرينَ .
قولُه تعالى: { وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } أي: من الْعُلُوِّ .
قولُ الجارِيَةِ لَمَّا سَأَلَها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ اللهُ؟ قالَتْ: في السماءِ؟" فإنها إنما أَرَادَت الْعُلُوَّ مع عَدَمِ تخصيصِه بالأجسامِ المخلوقةِ، فإنه قد اسْتَقَرَّ في الْفِطَرِ عُلُوُّ اللهِ تعالى, وأنه فوقَ كلِّ شيءٍ، لذا قِيلَ " في السماءِ " أي: في الْعُلُوِّ فوقَ كلِّ شيءٍ .
وهذا لا يَقْتَضِي أن يكونَ هناك ظَرْفٌ موجودٌ يُحيطُ به؛ لأنه ليس فوقَ العالَمِ شيءٌ موجودٌ إلا اللهُ تعالى، وهذا كما إذا قِيلَ: الْعَرْشُ في السماءِ لم يَقْتَضِ أن يكونَ داخلاً في مَخلوقٍ آخَرَ، وإلا لَزِمَ ألَّا يكونَ مخلوقٌ إلا داخلاً في مخلوقٍ, وهذا باطِلٌ .

- الوجهُ الثالثُ -
قولُه: ( وإن قُدِّرَ أنَّ السماءَ المرادُ بها الأفلاكُ كان الْمُرادُ: أنه عليها, كما قالَ: { وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وكما قالَ: { فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ } وكما قالَ: { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ } ويُقالُ: فلانٌ في الْجَبَلِ، وفي السَّطْحِ، وإن كان على أَعْلَى شيءٍ فيه ) .

التوضيحُ

إذا قُدِّرَ أن السماءَ يُرادُ بها الأفلاكُ المعهودةُ كان المرادُ أنه عليها؛ لأنَّ " في " تَأْتِي بمعنى " على ", وهذا الوجهُ تابِعٌ للوجْهِ الأوَّلِ، فإنَّ شيخَ الإسلامِ بعدَ أن بَيَّنَ اختلافَ المفهومِ من لَفْظِ " في " بِحَسْبِ السياقِ، أَرادَ أن يُدَلِّلَ هنا أنها تَأْتي بمعنى " على " فيكونُ المقصودُ من الآيةِ على السماءِ، وشواهِدُ مَجيءِ " في " بمعنى " على" كثيرةٌ في القرآنِ وغيرِه, منها:
قولُه تعالى: { وَلأَُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } أي: على جُذوعِ النخْلِ, وليس المقصودُ داخلَها .
وقولُه تعالى: { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ } أي: عليها .
وقولُه تعالى: { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ } .
وفي اللغةِ يُقالُ: فُلانٌ في الْجَبَلِ وفي السطْحِ، وإن كان على أعلى شيءٍ فيه .

فالْخُلاصَةُ في هذه الآيةِ { فِي السَّمَاءِ}: أنَّ لها ثلاثةَ معانٍ, وهي:
أنَّ معناها " داخلَ السماءِ" وهذا قولُ الغالِطينَ من المُبْتَدِعَةِ.
معناها" في الْعُلُوِّ" فتكونُ السماءُ بمعنى الْعُلُوِّ مُطْلَقًا.
معناها " على السماءِ " فتكونُ" في " بمعنى " على " ,كما هو مشهورٌ في اللغةِ.
والْمَعْنَيانِ الأخيرانِ قالَ بهما أهْلُ السُّنَّةِ والجماعةِ.


خُلاصَةُ القاعدةِ الرابعةِ
مَن يَنْفِ الصِّفَاتِ بِحُجَّةِ التمثيلِ يَقَعْ في أربعةِ مَحاذيرَ:-
تمثيلُ ما فَهِمَه من صِفاتِ اللهِ بصفاتِ الْمَخْلُوقينَ .
تعطيلُ النصوصِ عَمَّا دَلَّتْ عليه من الصِّفَاتِ.
تعطيلُ اللهِ تعالى عن صفاتِ الكَمالِ.
تمثيلُ اللهِ بالمنقوصاتِ من الْجَماداتِ أو الأمواتِ أو الْمَعْدوماتِ . فيَقَعُ في تَمثيلينِ وتَعْطِيلينِ .

من الأمثِلَةِ المضروبةِ على القاعدةِ الاستواءُ والْعُلُوُّ:

أَوَّلاً: الاستواءُ: مَن يَنْفِهِ بِحُجَّةِ أنَّ إثباتَه يَسْتَلْزِمُ الافتقارَ يُرَدَّ عليه بما يَلِي:
أنَّ الاستواءَ مُضافٌ إلى اللهِ تعالى مُخْتَصٌّ به, فلا يَلْزَمُ مُمَاثَلَتُه لاستواءِ خَلْقِه.
أنَّ اللهَ تعالى ليس مِثْلَ خَلْقِه, فكذلك استواؤُه ليس مِثْلَ استوائِهم.
ثَبَتَ بالضرورةِ غِنَى رَبِّ الْعَالَمِينَ عن العَالَمِينَ فلا يَلْزَمُ من استوائِه افتقارُه إلى العَرْشِ.
جميعُ الصِّفَاتِ لا يُتَوَهَّمُ فيها النقْصُ, فكذلك الاستواءُ.
ثَبَتَ أنَّ بعضَ المخلوقاتِ بعضَها فوقَ بعضٍ، ومع ذلك فليس الأعلى مُفْتَقِرًا إلى الأدنى كالسماءِ والأرضِ، والخالِقُ الأعلى أَوْلَى بِعَدَمِ الافتقارِ.

ثانيًا: العُلُوُّ: مَن تَوَهَّمَ أنَّ معنى قولِه: { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ } أي: داخلَ السماءِ، ثم نَفَى العُلُوَّ يُجابُ عنه بما يَلِي:
أنَّ ((في)) يَخْتَلِفُ معناها بِحَسَبِ السياقِ.
أنَّ السماءَ يُرادُ بها العُلُوُّ فيكونُ المعنى في الْعُلُوِّ.
أنَّ ((في)) تأتي بمعنى ((على)), فيكونُ المعنى على السماءِ.

الْمُنَاقَشَةُ
اذكُر المحاذِيرَ الأربعةَ التي يَقَعُ فيها مَن يَتَوَهَّمُ التمثيلَ, ثم يَنْفِي الصِّفَاتِ؟
كيف تُجِيبُ على مَن يَنْفِي الاستواءَ بِحُجَّةِ أنَّ إثباتَه يَسْتَلْزِمُ الافتقارَ؟
كيف تُجيبُ على مَن فَسَّرَ قولَه تعالى: { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ } أي: داخلَ السماءِ؟
ما الْفَرْقُ بينَ العُلُوِّ وَالاستواءِ؟
ما الفَرْقُ بينَ لفظِ الاستواءِ والاستقرارِ والقُعودِ؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الرابعة, القاعدة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir