دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 محرم 1441هـ/13-09-2019م, 09:25 AM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

بِسْم الله الرحمن الرحيم
1-القول الأول :
قول مجاهد في تفسير قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس ) ( القدس الله )
رواه عنه عبد الله بن وهب المصري من طريق غالب بن عبيد الله .[الجامع في علوم القرآن: 1/ 44]
وروى هذا القول أبو حاتم عن الربيع بن أنس من طريق أبي جعفر .
ورواه أيضا ابن جرير عن أبي جعفر من طريق ابنه ، وعن ابن زيد من طريق وهب ،وعن كعب من طريق عطاء .
توجيه قول مجاهد:
معنى هذا القول :أن قُدُس وقُدُّوس بمعنى واحد ، فهو نعت الله ،ويدل على ذلك قوله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾الحشر: 23].
الأقوال الأخرى الواردة في ذلك :
-الأول :أن القدوس البركة ،قاله السدي من طريق أسباط .
-والثّانِي: هو المطهر ،رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق العوفي
-الثالث :الاسم الذي كان يحي به عيسى الموتى ،رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق الضحاك
الترجيح بين الأقوال في هذه المسألة :
الراجح من هذه الأقوال والله أعلم هو (أن القدس هو الله )كما قال مجاهد رحمه الله ،لأن الآية دلت عليه ولأن الأقوال الأخرى داخلة فيه فالبركة من الله والله مطهر عن النقائص سبحانه والاسم الذي كان عيسى عليه السلام يحي به الموتى هو من أسمائه تعالى .
القول الثاني:
2-قول الحسن في تفسير قوله تعالى (سماعون للكذب أكالون للسحت )( أكالون للرشى )
أي :الرشوة في الحكم .
رواه عنه ابن وهب المصري من طريق قرة بن خالد .[الجامع في علوم القرآن: 1/137]
وابن جرير من طريق أبي عقيل ،وعزاه إليه ابن أبي حاتم .
وقال بهذا القول أيضا علي ابن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وقتادة ومجاهد والضحاك .
الاقوال الاخرى الواردة في ذلك :
-الرشوة في الدين ، قاله ابن مسعود .
-الاستعجال في القضية ،قاله أبو هُريرة .
-كل كسب لا يحل والرشوة منه (الحرام)، قاله ابن عباس وزيد .
-توجيه قول الحسن :
قالَ الطَبَرِيُّ: أصْلُ السُحْتِ: كَلَبُ الجُوعِ؛ يُقالُ: "فُلانٌ مَسْحُوتُ المَعِدَةِ"؛ إذا كانَ لا يُلْفى أبَدًا إلّا جائِعًا؛ يَذْهَبُ ما في مَعِدَتِهِ؛ فَكانَ الَّذِي يَرْتَشِي بِهِ مِنَ الشَرَهِ ما بِالجائِعِ أبَدًا؛ لا يَشْبَعُ.
ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ: « "كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِن سُحْتٍ فالنارُ أولى بِهِ"؛ قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ وما السُحْتُ؟ قالَ: "اَلرِّشْوَةُ في الحُكْمِ".»
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «(رِشْوَةُ الحُكّامِ حَرامٌ، وهي السُّحْتُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ») .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(هَدايا الأُمَراءِ سُحْتٌ») . فهذه الاثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدت هذا القول .
-الترجيح بين الأقوال :
قال ابن عطية رحمه الله :سمي المالُ الحَرامُ سُحْتًا لِأنَّهُ يَذْهَبُ؛ وتَسْتَأْصِلُهُ النُوَبُ؛ كَما قالَ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: « "مَن أصابَ مالًا مِن مَهاوِشَ أذْهَبَهُ اللهُ في نَهابِرَ"؛
وكُلُّ ما ذُكِرَ في مَعْنى السُحْتِ فَهو أمْثِلَةٌ؛ ومِن أعْظَمِها الرِشْوَةُ في الحُكْمِ؛ والأُجْرَةُ عَلى قَتْلِ النَفْسِ؛ وهو لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ كَسْبٍ لا يَحِلُّ.
ووجه هذا القول أن الحرام يسْحَتُ الحلال و ينزِع بركتَه، فينسحت ويزول.
ويرجح هذا القول ما روي عن أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (سِتُّ خِصالٍ مِنَ السُّحْتِ: رِشْوَةُ الإمامِ، وهي أخْبَثُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وثَمَنُ الكَلْبِ، وعَسْبُ الفَحْلِ، ومَهْرُ البَغِيِّ، وكَسْبُ الحَجّامِ، وحُلْوانُ الكاهِنِ») .
فدل هذا على أن السحت هو أن السحت هو كل كسب لا يحل .
القول الثالث :
3-قول عكرمة في تفسير (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) :أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وهذه بقراءة (الأرحام ) بالنصب .
رواه عنه الثوري في تفسيره من طريق خصيف . [تفسير الثوري: 85]
و ابن جرير من نفس الطريق ، وعزاه إليه ابن أبي حاتم بدون إسناد .
وقال به أيضا :ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والربيع وابن زيد والسدي .
-وورد في قوله تعالى (والأرحام ) قراءة أخرى بالخفض ،أي : اتقوا الله الذي تتعاطفون به والأرحام ،وهو عطف الأرحام على قوله (به).
قال بهذا القول : إبراهيم والحسن ومجاهد .
توجيه قول عكرمة :
هو أن من قرأ ذلك نصبًا: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب على اسم الله تعالى ذكره.
قال ابن عاشور رحمه الله :فَعَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ يَكُونُ“ الأرْحامَ ”مَأْمُورًا بِتَقْواها عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ أيِ اتِّقائِها، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيِ اتِّقاءِ حُقُوقِها، فَهو مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالآيَةُ ابْتِداءُ تَشْرِيعٍ وهو مِمّا أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾.
الترجيح بين الأقوال :
رجح جمهور المفسرين قول عكرمة ومن وافقه وذلك لأن اللغة والآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤيده ، ومن هذه الآثار ما رواه شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّاعِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى جَاءَ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ حُفَاةً عُرَاةً، فَرَأَيْتُ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَغَيَّرُ لِمَا رَأَى مِنْ فَاقَتِهِمْ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَخَطَبَ النَّاسَ فقال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ، إِلَى: وَالْأَرْحامَ (، ثُمَّ قَالَ:) تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِينَارِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِرْهَمِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَاعِ تَمْرِهِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَمَعْنَى هَذَا عَلَى النَّصْبِ، لِأَنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِمْ.
ورد القول الثاني وضعفه الطبري وابن عطية وأكثر أئمة النحو ،لأن عندهم المَخْفُوضُ لا يَنْفَصِلُ فَهو كَحَرْفٍ مِنَ الكَلِمَةِ، ولا يُعْطَفُ عَلى حَرْفٍ، وبرر بأن عطية تضعيفه له بوجه آخر وهو أن ذِكْرَ "الأرْحامِ" فِيما يُتَساءَلُ بِهِ لا مَعْنى لَهُ في الحَضِّ عَلى تَقْوى اللهِ، ولا فائِدَةَ فِيهِ أكْثَرُ مِنَ الإخْبارِ بِأنَّ الأرْحامَ يُتَساءَلُ بِها، وهَذا تَفَرُّقٌ في مَعْنى الكَلامِ وغَضٌّ مِن فَصاحَتِهِ، وإنَّما الفَصاحَةُ في أنْ يَكُونَ لِذِكْرِ الأرْحامِ فائِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وكذلك رده كثير من أهل العلم بسبب تحريم القسم بغير الله ،فقد جاء في الحديث الصحيح "مَن كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أو لِيَصْمُتْ"،»
لكن الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ، رد هذا الكلام وَاخْتَارَ الْعَطْفَ وبرر ذلك بأن قراءة حمزة متواترة ،وثابتة عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَمَنْ رَدَّ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَاسْتَقْبَحَ مَا قَرَأَ بِهِ، وَهَذَا مَقَامٌ مَحْذُورٌ، وَلَا يُقَلَّدُ فِيهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي فَصَاحَتِهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْحَدِيثِ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأَبِي الْعُشَرَاءِ(وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهِ). ثُمَّ النَّهْيُ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا تَوَسُّلٌ إِلَى الْغَيْرِ بِحَقِّ الرَّحِمِ فَلَا نَهْيَ فِيهِ.
ووافقه ابن عاشور في رده وصوب قول ابْنُ مالِكٌ في تَجْوِيزِهِ العَطْفَ عَلى المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ،فيكون تَعْرِيضًا بِعَوائِدِ الجاهِلِيَّةِ، إذْ يَتَساءَلُونَ بَيْنَهم بِالرَّحِمِ وأواصِرِ القَرابَةِ ثُمَّ يُهْمِلُونَ حُقُوقَها ولا يَصِلُونَها، ويَعْتَدُونَ عَلى الأيْتامِ مِن إخْوَتِهِمْ وأبْناءِ أعْمامِهِمْ، فَناقَضَتْ أفْعالُهم أقْوالَهم، وأيْضًا هم آذَوُا النَّبِيءَ ﷺ وظَلَمُوهُ، وهو مِن ذَوِي رَحِمِهِمْ وأحَقُّ النّاسِ بِصِلَتِهِمْ كَما قالَ تَعالى ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: 128] وقالَ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: 164] . وقالَ ﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: 23] . وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ مَعْنى الآيَةِ تَتِمَّةً لِمَعْنى الَّتِي قَبْلَها.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 محرم 1441هـ/18-09-2019م, 09:22 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء احمد مشاهدة المشاركة
بِسْم الله الرحمن الرحيم
1-القول الأول :
قول مجاهد في تفسير قوله تعالى (وأيدناه بروح القدس ) ( القدس الله )
رواه عنه عبد الله بن وهب المصري من طريق غالب بن عبيد الله .[الجامع في علوم القرآن: 1/ 44]
وروى هذا القول أبو حاتم عن الربيع بن أنس من طريق أبي جعفر .
ورواه أيضا ابن جرير عن أبي جعفر من طريق ابنه ، وعن ابن زيد من طريق وهب ،وعن كعب من طريق عطاء .
توجيه قول مجاهد:
معنى هذا القول :أن قُدُس وقُدُّوس بمعنى واحد ، فهو نعت الله ،ويدل على ذلك قوله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾الحشر: 23].
الأقوال الأخرى الواردة في ذلك :
-الأول :أن القدوس البركة ،قاله السدي من طريق أسباط .
-والثّانِي: هو المطهر ،رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق العوفي
-الثالث :الاسم الذي كان يحي به عيسى الموتى ،رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق الضحاك
الترجيح بين الأقوال في هذه المسألة :
الراجح من هذه الأقوال والله أعلم هو (أن القدس هو الله )كما قال مجاهد رحمه الله ،لأن الآية دلت عليه ولأن الأقوال الأخرى داخلة فيه فالبركة من الله والله مطهر عن النقائص سبحانه والاسم الذي كان عيسى عليه السلام يحي به الموتى هو من أسمائه تعالى .


[ هذا القول لا يصحّ عن مجاهد؛ لأنه من طريق غالب بن عبيد الله وهو متروك الحديث؛ فلا يُحتجّ به في هذه المسائل، ثم إنّ القدس في اللغة هو الطُّهر والنزاهة فهو صفة ]

القول الثاني:
2-قول الحسن في تفسير قوله تعالى (سماعون للكذب أكالون للسحت )( أكالون للرشى )
أي :الرشوة في الحكم .
رواه عنه ابن وهب المصري من طريق قرة بن خالد .[الجامع في علوم القرآن: 1/137]
وابن جرير من طريق أبي عقيل ،وعزاه إليه ابن أبي حاتم [ ؟ ] .
وقال بهذا القول أيضا علي ابن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وقتادة ومجاهد والضحاك .
الاقوال الاخرى الواردة في ذلك :
-الرشوة في الدين ، قاله ابن مسعود .
-الاستعجال في القضية ،قاله أبو هُريرة .
-كل كسب لا يحل والرشوة منه (الحرام)، قاله ابن عباس وزيد .
-توجيه قول الحسن :
قالَ الطَبَرِيُّ: أصْلُ السُحْتِ: كَلَبُ الجُوعِ؛ يُقالُ: "فُلانٌ مَسْحُوتُ المَعِدَةِ"؛ إذا كانَ لا يُلْفى أبَدًا إلّا جائِعًا؛ يَذْهَبُ ما في مَعِدَتِهِ؛ فَكانَ الَّذِي يَرْتَشِي بِهِ مِنَ الشَرَهِ ما بِالجائِعِ أبَدًا؛ لا يَشْبَعُ. [ هذا كلام في اشتقاق لفظ السحت، وتفسير الحسن يوجّه بأنه من باب التفسير بالمثال ]
ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ: « "كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِن سُحْتٍ فالنارُ أولى بِهِ"؛ قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ وما السُحْتُ؟ قالَ: "اَلرِّشْوَةُ في الحُكْمِ".»
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «(رِشْوَةُ الحُكّامِ حَرامٌ، وهي السُّحْتُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ») .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «(هَدايا الأُمَراءِ سُحْتٌ») . فهذه الاثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدت هذا القول .
-الترجيح بين الأقوال :
قال ابن عطية رحمه الله :سمي المالُ الحَرامُ سُحْتًا لِأنَّهُ يَذْهَبُ؛ وتَسْتَأْصِلُهُ النُوَبُ؛ كَما قالَ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -: « "مَن أصابَ مالًا مِن مَهاوِشَ أذْهَبَهُ اللهُ في نَهابِرَ"؛
وكُلُّ ما ذُكِرَ في مَعْنى السُحْتِ فَهو أمْثِلَةٌ؛ ومِن أعْظَمِها الرِشْوَةُ في الحُكْمِ؛ والأُجْرَةُ عَلى قَتْلِ النَفْسِ؛ وهو لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ كَسْبٍ لا يَحِلُّ.
ووجه هذا القول أن الحرام يسْحَتُ الحلال و ينزِع بركتَه، فينسحت ويزول.
ويرجح هذا القول ما روي عن أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (سِتُّ خِصالٍ مِنَ السُّحْتِ: رِشْوَةُ الإمامِ، وهي أخْبَثُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وثَمَنُ الكَلْبِ، وعَسْبُ الفَحْلِ، ومَهْرُ البَغِيِّ، وكَسْبُ الحَجّامِ، وحُلْوانُ الكاهِنِ») .
فدل هذا على أن السحت هو أن السحت هو كل كسب لا يحل .
القول الثالث :
3-قول عكرمة في تفسير (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) :أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وهذه بقراءة (الأرحام ) بالنصب .
رواه عنه الثوري في تفسيره من طريق خصيف . [تفسير الثوري: 85]
و ابن جرير من نفس الطريق
[ يقال: رواه سفيان الثوري وابن جرير الطبري من طريق خصيف عنه ]

، وعزاه إليه ابن أبي حاتم بدون إسناد .
وقال به أيضا :ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والربيع وابن زيد والسدي .
-وورد في قوله تعالى (والأرحام ) قراءة أخرى بالخفض ،أي : اتقوا الله الذي تتعاطفون به والأرحام ،وهو عطف الأرحام على قوله (به).
قال بهذا القول : إبراهيم والحسن ومجاهد .
توجيه قول عكرمة :
هو أن من قرأ ذلك نصبًا: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب على اسم الله تعالى ذكره.
قال ابن عاشور رحمه الله :فَعَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ يَكُونُ“ الأرْحامَ ”مَأْمُورًا بِتَقْواها عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ أيِ اتِّقائِها، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيِ اتِّقاءِ حُقُوقِها، فَهو مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالآيَةُ ابْتِداءُ تَشْرِيعٍ وهو مِمّا أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾.
الترجيح بين الأقوال :
رجح جمهور المفسرين قول عكرمة ومن وافقه وذلك لأن اللغة والآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤيده ، ومن هذه الآثار ما رواه شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّاعِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى جَاءَ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ حُفَاةً عُرَاةً، فَرَأَيْتُ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَغَيَّرُ لِمَا رَأَى مِنْ فَاقَتِهِمْ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَخَطَبَ النَّاسَ فقال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ، إِلَى: وَالْأَرْحامَ (، ثُمَّ قَالَ:) تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِينَارِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِدِرْهَمِهِ تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَاعِ تَمْرِهِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَمَعْنَى هَذَا عَلَى النَّصْبِ، لِأَنَّهُ حَضَّهُمْ عَلَى صِلَةِ أَرْحَامِهِمْ.
ورد القول الثاني وضعفه الطبري وابن عطية وأكثر أئمة النحو ،لأن عندهم المَخْفُوضُ لا يَنْفَصِلُ فَهو كَحَرْفٍ مِنَ الكَلِمَةِ، ولا يُعْطَفُ عَلى حَرْفٍ، وبرر بأن عطية تضعيفه له بوجه آخر وهو أن ذِكْرَ "الأرْحامِ" فِيما يُتَساءَلُ بِهِ لا مَعْنى لَهُ في الحَضِّ عَلى تَقْوى اللهِ، ولا فائِدَةَ فِيهِ أكْثَرُ مِنَ الإخْبارِ بِأنَّ الأرْحامَ يُتَساءَلُ بِها، وهَذا تَفَرُّقٌ في مَعْنى الكَلامِ وغَضٌّ مِن فَصاحَتِهِ، وإنَّما الفَصاحَةُ في أنْ يَكُونَ لِذِكْرِ الأرْحامِ فائِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وكذلك رده كثير من أهل العلم بسبب تحريم القسم بغير الله ،فقد جاء في الحديث الصحيح "مَن كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أو لِيَصْمُتْ"،»
لكن الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْقُشَيْرِيُّ، رد هذا الكلام وَاخْتَارَ الْعَطْفَ وبرر ذلك بأن قراءة حمزة متواترة ،وثابتة عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَمَنْ رَدَّ ذَلِكَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَاسْتَقْبَحَ مَا قَرَأَ بِهِ، وَهَذَا مَقَامٌ مَحْذُورٌ، وَلَا يُقَلَّدُ فِيهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي فَصَاحَتِهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنَ الْحَدِيثِ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأَبِي الْعُشَرَاءِ(وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي خَاصِرَتِهِ). ثُمَّ النَّهْيُ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا تَوَسُّلٌ إِلَى الْغَيْرِ بِحَقِّ الرَّحِمِ فَلَا نَهْيَ فِيهِ.
ووافقه ابن عاشور في رده وصوب قول ابْنُ مالِكٌ في تَجْوِيزِهِ العَطْفَ عَلى المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ،فيكون تَعْرِيضًا بِعَوائِدِ الجاهِلِيَّةِ، إذْ يَتَساءَلُونَ بَيْنَهم بِالرَّحِمِ وأواصِرِ القَرابَةِ ثُمَّ يُهْمِلُونَ حُقُوقَها ولا يَصِلُونَها، ويَعْتَدُونَ عَلى الأيْتامِ مِن إخْوَتِهِمْ وأبْناءِ أعْمامِهِمْ، فَناقَضَتْ أفْعالُهم أقْوالَهم، وأيْضًا هم آذَوُا النَّبِيءَ ﷺ وظَلَمُوهُ، وهو مِن ذَوِي رَحِمِهِمْ وأحَقُّ النّاسِ بِصِلَتِهِمْ كَما قالَ تَعالى ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: 128] وقالَ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: 164] . وقالَ ﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: 23] . وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ مَعْنى الآيَةِ تَتِمَّةً لِمَعْنى الَّتِي قَبْلَها.



أ

أحسنت بارك الله فيك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir