دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حديث أبي هريرة: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر...)

عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنتَثِر وَمَن اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِن نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاَثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَينَ بَاتَتْ يَدُهُ)).
وفي لفظٍ لِمسلمٍ: ((فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِن المَاءِ)).
وفي لفظٍ: ((مَن تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ)).


  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 12:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ أبي هُرَيْرَةَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا)) .

هذا لفظُ مسلمٍ، ولمْ يَذْكُر البخاريُّ التَّثْلِيثَ.


  #3  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 12:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُهُ: "أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ":

قالَ صاحِبُ (الإفصاحِ): تَأْتِي "باتَ" بمعنى اقْتَرَنَ فِعْلُهُ بِاللَّيْلِ، وبمعنى عَرَسَ فتكونُ تامَّةً.
وحَكَى الجَوْهَرِيُّ فى مُضَارِعِهَا يَبِيتُ، ويَبَاتُ، هذا مشهورُ أَمْرِهَا عن أهلِ اللُّغَةِ.
وحَكَى الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ بمعنى صارَ فلا تَخْتَصُّ بوقتٍ، وكذلكَ حَكَى ابنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ.
ولذلكَ أَوْجَبَ غَسْلَ اليَدَيْنِ مِن نَوْمِ النهارِ، وهذا مِمَّا خَطِئَ فيهِ. انتهى.
ومِمَّنْ جَعَلَهَا في الحديثِ بمعنى "صارَ": ابنُ الصَّايِغِ والآمِدِيُّ، وابنُ بُرْهَانَ النَّحْوِيُّ.
وقالَ ابنُ الخَبَّازِ في (شَرْحِ الإيضاحِ): رَأَيْتُ كثيرًا يَتَوَهَّمُونَ دَلَالَتَهَا على النَّوْمِ، وَيُبْطِلُهُ قولُهُ تعالى: { والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيَامًا }.


  #4  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 12:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الرابعُ


عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ وَمَن اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلَاثًا؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَينَ بَاتَتْ يَدُهُ))؟.
وفي لفظٍ لِمسلمٍ: ((فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِن المَاءِ)).
وفي لفظٍ: ((مِنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ)).


الْمُفْرَدَاتُ:

قَوْلُهُ: (لِيَسْتَنْثِرْ) .لِيُخْرِج الماءَ منْ أَنْفِهِ بعدَ إِدْخَالِهِ.
قَوْلُهُ: (اسْتَجْمَرَ) . اسْتَعْمَلَ الحجارةَ لِقَطْعِ الخارجِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيُوتِرْ) . لِيُنْهِ اسْتِجْمَارَهُ على وِتْرٍ، كالثلاثِ والخَمْسِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيَسْتَنْشِقْ) . هوَ إدخالُ الماءِ في الأنفِ.


فِيهِ مَسَائِلُ:
الْأُولَى: وُجُوبُ الاسْتِنْشَاقِ والاسْتِنْثَارِ في الأنفِ من الوَجْهِ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ الإِيتَارِ لِمَن اسْتَنْجَى بالحجارةِ.
الثَّالِثَةُ: مَشْرُوعِيَّةُ غَسْلِ اليَدَيْنِ ثَلَاثًا من القيامِ منْ نومِ الليلِ، والنَّهْيُ عنْ إدخالِهِمَا في الإناءِ قبلَ غَسْلِهِمَا.


  #5  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 12:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

(4) غريبُ الحديثِ:

1- ( توضَّأَ أحدُكم ) يعنِي: إذا شرعَ في الوضوءِ.
2- ( لْيَسْتَنْثِرْ ) يعنِي: لِيُخْرِجِ الماءَ من أنفِهِ، بعدَ إدخالِهِ فيهِ، وإدخالُهُ هو الاستنشاقُ.
3- ( اسْتجْمَرَ ) : استعملَ الجِمارَ (وهي الحجارةُ) لقطْعِ الأذَى الخارجِ من أحدِ السبيليْنِ، وهو: الاستنجاءُ بالحجارةِ.
4- ( فَلْيُوترْ ) لِيُنْهِ استجمارَهُ علَى وتْرٍ، وهو: الفرْدُ، مثلُ ثلاثٍ أو خمسٍ، أو نحوِهما، ولا يكونُ قطعُهُ الاستجمارَ لأقلَّ من ثلاثٍ.
5- ( فإنَّ أحدَكم لا يدرِي… إلخ ) تعليلٌ لغسلِ اليدِ بعدَ الاستيقاظِ.
6- ( باتت يدُهُ ) حقيقةُ المبيتِ يكونُ من نومِ الليلِ.
7- وقد حكَى الزمَخْشَريُّ، وابنُ حزمٍ، والآمديُّ، وابنُ بَرهانَ ، أنَّهَا تكونُ بمعنَى (صارَ) فلا تختصُّ بوقتٍ، وإذا أُطلِقَت اليدُ فالمرادُ بهَا الكفُّ.
8- ( فلْيَستنْشِقْ ) الاستنشاقُ هو: إدخالُ الماءِ في الأنفِ.

المعنَى الإجماليُّ:

يشتملُ هذا الحديثُ علَى ثلاثِ فقراتٍ، لكلِّ فقرةٍ حُكْمُهَا الخاصُّ بهَا.
1- فذكرَ أنَّ المتوضِّئَ إذا شرعَ في الوضوءِ، أدخلَ الماءَ في أنفِهِ، ثم أخرجَهُ منهُ، وهو الاستنشاقُ والاستنثارُ المذكورُ في الحديثِ؛ لأنَّ الأنفَ من الوجْهِ الذي أُمِرَ المتوضِّئُ بغسلِهِ. وقد تضافرت الأحاديثُ الصحيحةُ علَى مشروعيَّتِهِ، لأنَّهُ من النظافةِ المطلوبةِ شرعاً.
2- ثم ذكرَ أيضاً أنَّ مَن أرادَ قطْعَ الأذَى الخارجِ منهُ بالحجارةِ، أنْ يكونَ قطعُهُ علَى وتْرٍ، أقلُّهَا ثلاثٌ، وأعلاهَا ما ينقطعُ بهِ الخارجُ، وتُنقِّي المحلَّ إنْ كَانَتْ وتْراً، وإلا زادَ واحدةً تُوتِرُ أعدادَ الشفْعِ.
3- وذكرَ أيضاً أنَّ المستيقظَ من نومِ الليلِ لا يُدخِلُ كفَّهُ في الإناءِ، أو يَمَسُّ بهَا شيئاً رَطْباً، حتَّى يغسلَهَا ثلاثَ مراتٍ؛ لأنَّ نومَ الليلِ غالباً يكونُ طويلاً، ويدُهُ تَطِيشُ في جسمِهِ، فلعلَّهَا تُصيبُ بعضَ المستقذراتِ، وهو لا يعلمُ. فشُرعَ لهُ غسلُهَا للنظافةِ المشروعةِ.

اختلافُ العلماءِ:

اختلفَ العلماءُ في النومِ الذي شُرِعَ بعدَهُ غسْلُ اليدِ.
فذهبَ (الشَّافعيُّ) والجمهورُ إلَى أنَّهُ بعدَ كلِّ نومٍ، من ليلٍ أو نهارٍ، لعُمومِ قولِهِ: (من نومِهِ) . وخصَّهُ الإمامانِ (أحمدُ) و(داودُ الظَّاهريُّ) بنومِ الليلِ، وأيَّدُوا رأيَهم بأنَّ حقيقةَ البَيْتُوتَةِ، لا تكونُ إلا من نومِ الليلِ، وبما وقعَ في روايةِ التِّرمذيِّ، وابنِ ماجَهْ: ( إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ).
والراجِحُ المذْهَبُ الأخيرُ؛ لأنَّ الحكمةَ التي شُرِعَ من أجلِهَا الغَسْلُ غيرُ واضحةٍ، وإنَّما يغلبُ عليهَا التعبُّديَّةُ، فلا مجالَ لقياسِ النهارِ علَى الليلِ؛ وإنْ طالَ فيهِ النومُ، لأنَّهُ علَى خلافِ الغالبِ، والأحكامُ تتعلَّقُ بالأغلبِ، وظاهرُ الأحاديثِ التخصيصُ.
ثم اختلفوا أيضاً: هلْ غسْلُهَا واجبٌ أو مُستحبٌّ؟ فذهبَ الجمهورُ إلَى الاستحبابِ، وهو روايةٌ لأحمدَ، اْخَتاَرهَا (الخِرَقِيُّ) و(المُوَفَّقُ) و(المَجْدُ). والمشهورُ من مذهبِ الإمامِ (أحمدَ) الوجوبُ، ويدلُّ عليهِ ظاهرُ الحديثِ.

ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- وجوبُ الاستنشاقِ والاستنثارِ. قالَ النوويُّ: فيهِ دلالةٌ ظاهرةٌ علَى أنَّ الاستنثارَ غيرُ الاستنشاقِ.
2- أنَّ الأنفَ من الوجْهِ في الوضوءِ، أخذاً من هذا الحديثِ مع الآيةِ { فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } [ سورةُ المائدة، آية6].
3- مشروعيَّةُ الإِيتارِ لمَن استنجَى بالحجارةِ. قالَ المَجْدُ في المنْتَقَى: وهو محمولٌ علَى أنَّ القطْعَ علَى وترٍ سُنَّةٌ فيما زادَ علَى الثلاثِ.
4- قالَ ابنُ حَجَرٍ: استنبطَ قومٌ من الحديثِ أنَّ موضعَ الاستنجاءِ مخصوصٌ بالرخصةِ مع بقاءِ أثرِ النجاسةِ عليهِ.
5- مشروعيَّةُ غسلِ اليدِ من نومِ الليلِ، وتقدَّمَ الخلافُ في تخصيصِ الليلِ، والخلافُ في وجوبِ الغسلِ، أو استحبابِهِ.
6- وجوبُ الوضوءِ من النومِ.
7- النهي عن إدخالها الإناءَ قبلَ غسلِهَا، وهو إمَّا للتحريمِ، أو للكراهيةِ، علَى الخلافِ في وجوبِ الغسلِ أو استحبابِهِ.
8- الظاهرُ من تعليلِ مشروعيَّةِ غسلِهَا النظافةُ. ولكنَّ الحُكمَ للغالبِ، فيُشرعُ غسلُهَا، ولو حفِظَهَا بكيسٍ ونحوِ ذلك.
9- قولُهُ: ( وَإِذَا اسْتَيْقَظَ ) ظاهرُهُ أنَّهُ حديثٌ واحدٌ كما في البُخاريِّ، فقد جعلَهما حديثاً واحداً لاتِّحادِ سَندِهما. ولكنَّهما في الموطَّأِ وعندَ مسلمٍ حديثانِ.


  #6  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 12:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

4 - الحَدِيثُ الرَّابِعُ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لْيَنْتَثِرْ، وَمَن اسْتَجْمَرَ فلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِن نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاَثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ )).

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ((فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِن المَاءِ)). وَفِي لَفْظٍ: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ)).


فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: فِي هَذِهِ الرِّوايةِ: ((فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ)) وَلَمْ يَقُلْ: ((مَاءً))، وَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي غَيْرِهَا، وَتَرَكَهُ لِدَلاَلَةِِ الكَلاَمِ عَلَيهِ.

الثَّانِيَةُ: تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ يَرَى وُجُوبَ الاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ , وَمَالِكٍ , عَدَمُ الوُجُوبِ، وحَمَلاَ الأمْرَ عَلَى النَّدْبِ، بِدَلالَةِ مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ مِن قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأعْرابِيِّ: ((تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللّهُ))، فَأَحَالَهُ عَلَى الآيَةِ، وَلَيسَ فِيهَا ذِكْرُ الاسْتِنْشَاقِ.

الثَّالِثَةُ: المَعْرُوفُ أنَّ ((الاستِنشَاقَ)) جَذْبُ المَاءِ إِلَى الأَنْفِ، و((الاِستِنثَارَ)) دَفْعُهُ للخُرُوجِ، وَمِن النَّاسِ مَن جَعَلَ الاستِنثَارَ لَفظًا يدُلُّ عَلَى الاسْتِنشَاقِ الَّذِي هُوَ الجَذْبُ، وَأَخَذَهُ مِن النَّثْرَةِ، وَهِيَ طَرَفُ الأَنْفِ، وَالاسْتِفْعَالُ مِنْهَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الجَذْبُ وَالدَّفْعُ مَعًا، وَالصَّحِيحُ هُوَ الأَوَّلُ؛ لأَنَّهُ قَد جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يَقتَضِى التَّغَايُرَ.

الرَّابِعَةُ: قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَن اسْتَجْمَرَ فلْيُوتِرْ))، الظَّاهِرُ أَنَّ المُرَادَ بِهِ اسْتِعْمَالُ الأَحْجَارِ فِي الاسْتطَابَةِ، وإيتَارٌ فيها بالثَّلاثِ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعيِّ، فَإِنَّ الوَاجِبَ عِنْدَهُ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي الاستِجْمَارِ أمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: إزَالةُ العَينِ. وَالثَّانِي: اسْتيفَاءُ ثَلاثِ مَسَحَاتٍ، وَظَاهِرُ الأَمْرِ الوُجُوبُ، لَكِنَّ هَذَا الحَدِيثَ لا يدُلُّ عَلَى الإِيتَارِ بالثَّلاثِ، فيُؤْخَذُ مِن حَدِيثٍ آخَرَ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ النَّاسِ الاسْتِجْمارَ عَلَى استعْمَالِ البَخُورِ للتَّطَيُّبِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: تَجَمَّرَ، واسْتَجْمَر، فيكُونُ الأمْرُ للنَّدْبِ عَلَى هَذَا، والظَّاهرُ الأوَّلُ، أَعْنِي أنَّ المُرَادَ هُوَ اسْتِعْمَالُ الأحْجَارِ.

الخَامِسَة: ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ غَسْلِ اليَدَينِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الإِنَاءِ فِي ابتِدَاءِ الوُضُوءِ عِنْدَ الاسِتِيقَاظِ مِن النَّوْمِ، لِظَاهِرِ الأَمْرِ، وَلاَ يُفَرِّقُ هَؤُلاِءِ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيلِ ونَوْمِ النَّهارِ؛ لإِطلاَقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ))، وَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ مِن نَوْمِ اللَّيلِ دُونَ نَوْمِ النَّهَارِ؛ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ))، وَالمَبِيتُ يكُونُ باللَّيلِ، وَذَهَبَ غَيرُهُم إِلَى عَدَمِ الوُجُوبِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالكٍ , والشَّافِعِيِّ، والأمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ.
واسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ: أَحدُهُمَا: ما ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الأَعْرَابيِّ. وَالثَّانِي: أنَّ الأَمْرَ - وَإِن كَانَ ظَاهِرُهُ الوُجُوبُ - إِلاَّ أَنَّهُ يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ لِقَرينَةٍ وَدليلٍٍ، وَقَدْ دَلَّ الدَّليلُ، وقامَت القَرينَةُ هَهُنَا، فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّلَ بأمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ، وَهُوَ قَولُهُ: (( فَإِنَّهُ لا يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ))، وَالقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أنَّ الشَّكَّ لا يَقْتَضِي وُجُوبًا فِي الحُكْمِ، إِذَا كَانَ الأَصْلُ المُسْتَصْحَبُ عَلَى خِلافِهِ مَوْجُودًا، وَالأصْلُ الطَّهَارةُ فِي اليَدِ، فَلْتُسْتَصْحَبْ [ وَفِيهِ احِترَازٌ عَن مَسْألةِ الصَّيدِ ].

السَّادِسَةُ: قِيلَ: إِنَّ سبَبَ هَذَا الأَمْرِ أنَّهُمْ كَانُوا يَستَنجُونَ بِالأحْجارِ، فرُبَّما وقعَت اليَدُ عَلَى المَحَلِّ وَهُوَ عَرِقٌ فتَنَجَّسَت، فَإِذَا وُضِعَتْ فِي المَاءِ نجَّسَتهُ؛ لأنَّ المَاءَ المَذْكُورَ فِي الحَدِيثِ هُوَ ما يَكُونُ فِي الأوَانِي الَّتِي يُتَوضَّأُ مِنْهَا، وَالغَالِبُ عَلَيْها الِقلَّةُ، وقيلَ: إنَّ الإِنسَانَ لا يَخْلُو مِن حَكِّ بَثْرَةٍ فِي جِسمِهِ، أو مُصَادَفَةِ حَيوَانٍ ذِى دَمٍ فَيَقْتُلَهُ، فَيَتَعَلَّقَ دَمُهُ بيَدِهِ.

السَّابِعَةُ: الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أنَّ الأمْرَ للاِستِحْبابِ، اسْتَحَبُّوا غَسْلَ اليَدِ قَبْلَ إِِدْخَالِهَا فِي الإِنَاءِ فِي ابتِدَاءِ الوُضُوءِ مُطْلَقًا، سَواءٌ قَامَ مِن النَّومِ أمْ لا، وَلَهُم فِيهِ مَأْْخَذَانِ، أَحَدُهُمَا: أنَّ ذَلِكَ وَارِدٌ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لسَبْقِ نَوْمٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ المَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ فِي الحدِيثِ - وَهُوَ جَوَلانُ اليدِ مَوجُودٌ فِي حَالِ اليَقَظَةِ، فَيَعُمُّ الحُكْمُ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ.

الثَّامِنَةُ: فَرَّقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، أَو مَن فَرَّقَ مِنْهُم، بَيْنَ حَالِ المُسْتَيقِظِ مِن النَوْمِ وَغَيْرِ المُسْتيقِظِ، فقَالُوا فِي المُسْتيقِظِ مِن النَّومِ: يُكْرَهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبلَ غَسْلِهَا ثَلاثًا، وَفِي غَيْرِ المُسْتيقِظِ مِنَ النَّومِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا قَبلَ إِدْخَالِهَا فِي الإِنَاءِ، وَلْيُعلَم الفَرْقُ بَيْنَ قَولِنَا: ((يُستَحَبُّ فِعْلُ كَذَا)) وَبَيْنَ قَولِنَا: ((يُكْرَهُ تَرْكُهُ))، فَلا تَلازُمَ بَيْنَهُمَا، فَقَد يَكُونُ الشَّيءُ مُستَحَبَّ الفِعْلِ، وَلا يَكُونُ مَكْرُوهَ التَّرْكِ، كَصَلاةِ الضُّحى مَثلاً، وكَثِيرٍ مِن النَّوَافِلِ، فَغَسْلُهَا لغَيْرِ المُستيَقِظِ مِن النَّومِ قَبلَ إِدْخَالِهَا الإِنَاءَ مِن المُستحَبَّاتِ، وَتَرْكُ غَسْلِهَا للْمُستَيقِظِ مِن النَّومِ مِن المَكْرُوهَاتِ، وَقَدْ ورَدَتْ صِيغَةُ النَّهْي عَن إدْخَالِهَا فِي الإِنَاءِ قَبلَ الغَسْلِ فِي حَقِّ المُستَيْقِظِ مِن النَّومِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الكَرَاهةَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرجَاتِ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ هِيَ الأَظْهَرُ.

التَّاسِعَةُ: اسْتُنبِطَ مِن هَذَا الحَدِيثِ الفَرْقُ بَيْنَ ورُودِ المَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ، ووُرُودِ النَّجَاسَةِ عَلَى المَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أنَّهُ قَد نُهِيَ عَن إِدْخَالِهَا فِي الإِنَاءِ قَبْلَ غسْلِهَا؛ لاِحتمَالِ النجَاسَةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أنَّ ورُودَ النَّجَاسَةِ عَلَى المَاءِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ، وأُمِرَ بغَسْلِهَا بإِفْرَاغِ المَاءِ عَلَيْهَا للتَّطْهِيرِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أنَّ مُلاَقَاتَها للمَاءِ عَلَى هَذَا الوَجْهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَهُ بِمُجَرَّدِ المُلاَقَاةِ، وَإِلاَّ لَمَا حَصَلَ المَقصُودُ مِن التَّطْهِيرِ.

العَاشِرَةُ: استُنْبِطَ مِنْهُ أنَّ المَاءَ القَلِيلَ يَنْجُسُ بِوقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ مُنِعَ مِنْ إِدْخَالِ اليَدِ فِيهِ؛ لاِحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ تَيَقُّنَهَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ، وَإلاَّ لَمَا اقتَضَى احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ المَنْعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ عِندِي؛ لأَنَّ مُقْتَضَى الحَدِيثِ أَنَّ وُرُودَ النَّجَاسَةِ عَلَى المَاءِ مُؤثِّرٌ فِيهِ، وَمُطْلَقُ التَّأثِيرِ أعَمُّ مِن التَّأثِيرِ بِالتَّنْجِيسِ، وَلا يَلْزَمُ مِن ثُبُوتِ الأَعَمِّ ثُبُوتُ الأخَصِّ المُعَيَّنِ، فَإِذَا سَلَّمَ الخَصْمُ أنَّ الماءَ القَلِيلَ بُوقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ يَكُونُ مَكْرُوهاً، فَقَد ثَبَتَ مُطْلَقُ التَّأْثِيرِ، فلاَ يَلزَمُ مِنْهُ ثُبوتُ خُصُوصِ التَّأْثِيرِ بالتَّنجِيسِ. وقَدْ يُورَدُ عليه أَنَّ الكَراهَةَ ثابتَةٌ عندَ التَّوهُّمِ، فلاَ يكونُ أثَرُ اليَقينِ هُوَ الكَراهَةَ، وَيُجَابُ عَنْهُ بأنَّهُ ثَبَتَ عندَ اليَقينِ زِيادةٌ فِي رُتْبَةِ الكَراهَةِ، واللَّهُ أعلمُ.


  #7  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 12:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

المتن:


4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر ومن استجمر فليوتر ، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلها في الإناء ثلاثا ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " الحديث. وفي لفظ لمسلم: " فليسنتشق بمنخرية من الماء " وفي لفظ " من توضأ فليستنشق "

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه" الحديث. ولمسلم " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جُنُب"
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا " الحديث. ولمسلم " أولا هن بالتراب " وله في حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنه بالتراب "


الشرح:
هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالطهارة.
في الحديث الأول الدلالة على وجوب الاستنشاق في الوضوء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر))، وفي لفظ آخر: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)). فهذا يدل على وجوب الاستنشاق والاستنثار، وأن الواجب على المتوضئ أن يستنشق الماء وأن ينثره، لما فيه من النظافة والنشاط وإظهار الأذى، والواجب مرة واحدة، وإذا كَرَّرَ ثلاثا فهو الأفضل، وهكذا بقية فروض الوضوء ما عدا الرأس، السنة ثلاثا، والواحدة مجزئة كافية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا، فالواجب في الوضوء مرة، والثنتان أفضل، والثلاث أكمل، إلا المسح فإنه يمسح رأسه مرة واحدة مع وضوئه، هذا هو الأفضل، ولا يكرر.
وفيه دلالة على وجوب غسل اليدين إذا استيقظ من ثلاث مرات، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهذا ، ونهى عن إدخالهما في الإناء إلا بعد غسلهما ثلاثاً.
واختلف العلماء هل يُلحق نوم النهار بذلك أم أن هذا خاص بنوم الليل؟ والأقرب والله أعلم أنه يعم، وأن التعبير (أين باتت يده)؟ وصف أغلبي، لأن الغالب أن النوم في الليل، وإلا فالحكم يعم الجميع.


  #8  
قديم 13 محرم 1430هـ/9-01-2009م, 03:38 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

وأما الحديث الثاني فذكر فيه ثلاثة أشياء تتعلق بالطهارة:
الأول: الاستنشاق والاستنثار , يقول: ((إذا توضأ احدكم فليجعل في أنفه من الماء ثم لينتثر)) يسمى هذا الاستنشاق , صفته: أن يجعل الماء في يده ثم يجعله في منخريه ثم يجتذبه بنفسه إلى داخل خياشيمه ثم بعد ذلك يخرجه بقوة نفسه , فاجتذابه يسمى استنشاق وإخراجه يسمى استنثار يعني كأنه ينثره . وهذا دليل على وجوب الاستنثار فإن الأمر ظاهره الوجوب ((فليجعل)) , ((ثم لينتثر)) دل على وجوب الاستنشاق ثم وجوب الإخراج بالنفس وهو ما يسمى استنثارا.
وقد ورد الامر ايضاً بالمبالغة فيه قال صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط :((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فهنا أمر به ((بالغ)) أمر بالاستنشاق وأمر بالمبالغة فيه يعني اجتذابه قوة الاجتذاب.
الحكمة في الاستنشاق تنظيف الخياشيم ، الخيشوم الذي هو داخل الأنف يتحلل منه أوساخ لابد من تنظيفها حتى يأتي الصلاة وقد نظف ما يكن تنظيفه وأزال ما يمكن إزالته من القذر والأذى . وكذلك غسل داخل الأنف داخل المنخرين الذي يمكن غسله ولا حاجة إلى أن يدخل إصبعيه بمنخريه بل يكتفي بالاجتذاب اجتذاب الماء إلى داخل الخيشوم , يكتفي بذلك ويخرجه بعد ذلك ثم يكون هذا كافياً في تنظيف المنخرين .
وأراد المؤلف بإيراد هذا الحديث إثبات أن الاستنشاق تابع للغسل في الوجه , الله تعالى أمر بغسل الوجه . والأنف له حكم الظاهر فيدخل في حكم الوجه , وكذلك الفم له حكم الظاهر فيدخل في حكم الوجه .
والمضمضة هي تحريك الماء في الفم , اشتقاقها مضمض بمعنى: حرك , معناه أن يجعل ماء في فمه ثم يدلكه بأسنانه ويحركه بلسانه ثم يمجه , هذه هي المضمضة.
ذهب الإمام أحمد وجمهور العلماء إلى أنهما من الوجه المضمضة والاستنشاق , وأنه لا يصح الوضوء إلا بهما وأن من أخل بهما فكأنه ترك بقعة في وجهه والذي يترك بقعة في وجهه ما غسل وجهه , الله أمر بالغسل فلا بد أن يكون الغسل مستوفياً للعضو , كما لو ترك بقعة في يده أو في رجله كان الذي يترك بقعة خفية في رجله في مؤخر رجله متوعداً بالنار ((ويل للأعقاب من النار)) فكذا من ترك بقعة في عينيه يعني أو مثلاً تحت وجنتيه أو ما أشبه ذلك فلا بد أن يغسل وجهه كله وأن يدخل في ذلك الفم والأنف .
قد ذهبت الشافعية وغيرهم إلى أن الاستنشاق ليس بواجب بل هو سنة , وكذا قالوا في المضمضة أنهما من سنن الوضوء لا من واجباته .
ويرد عليهم بهذا الحديث , يعني مما يتقوى به , والأمام الشافعي رحمه الله عالم كبير ومجتهد ولكنه لم يكن متوغلاً في معرفة الحديث , وعلى كل هو اجتهاد .
ومن أدلتهم أن الوجه ما تحصل به المواجهة , والله تعالى أمر بغسل الوجه , والأنف يغسل ظاهره وأما داخل المنخرين فليسا مما تحصل بهما المواجهة , وكذا داخل الفم . فيقولون نقتصر على ما تحصل به المواجهة والمقابلة هذا دليل الشافعية .
ولكن لما كانت السنة مفسرة للآية ومبينة لها عرفنا بذلك أن هذا هو معنى الغسل , أن الأنف والفم داخلان في غسل الوجه لابد منهما , والذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكروا أنه تركهما بل يذكرون أنه يتمضمض ويستنشق ثلاثاً , وسيأتينا حديث عثمان وفيه ذكرهما.
أما الجملة الثانية وهي الاستجمار أو الوتر في الاستجمار ((من استجمر فليوتر)) سيأتينا أيضا إن شاء الله باب فيما يتعلق بالتبرز الذي هو قضاء الحاجة وما يلزم منه.
ويذكرُ أن الاستجمار يشرع قطعة على وتر , الاستجمار هو مع مسح أثر الغائط بالحجارة أو ما يقوم مقامها , وكانوا يكتفون به عن الغسل . ويأتينا فيه إن شاء الله أحاديث.
هذا الحديث دليل على أنه إذا استجمر قطعه على وتر , فإن مسح مثلاً بحجرين زاد ثالثاً وإن لم يلقي إلا بأربعة أضاف إليها خامساً حتى تكون وتر , وإن لم يلقي إلا بستة أحجار جعل معها سابعاً , فإن لم يحصل الإنقاء إلا بثمانية أضاف تاسعاً , هذا معنى الوتر يعني يقطعه على وتر أي ثلاث مسحات أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً وهكذا.
وأما إذا غسله بالماء وهو ما يسمى بالاستنجاء فإنه يغسله إلى أن ينظف المكان ويعود إلى خشونته من غير تحديد بعدد , وهذا الاستجمار وتراً ليس بواجب لأنه ورد في رواية ((من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج)) فدل على أنه لا حرج فيمن استجمر وشفع , استجمر أربعاً مثلا أو ستاً أو نحو ذلك لا حرج ولكن الأفضل القطع على وتر.
أما الجملة الثالثة ففي غسل اليدين بعد النوم إذا استيقظ من نوم الليل ((من استيقظ من نوم الليل فليغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء أو في الماء فإنه لا يدري أين باتت يده))
وهذا النوم مختص بنوم الليل ؛ لأنه قال: ((أين باتت)) والبيتوتة هي نوم الليل , ولكن يستحب لمن نام نهاراً في أول النهار أو في وسطه أن يغسلهما بعد الاستيقاظ أيضاً ؛ لأن العلة موجودة.
وبلا شك أننا علينا أن نتبع النص وإن لم نعرف السبب , عليك إذا استيقظت أن تبادر وتبدأ بغسل اليدين , والمراد باليدين هنا الكفان , يعني إلى المفصل، مفصل الكف من الزراع يسمى كوعاً أي تغسلهما الى الكوع ، الكوع هو المفصل الذي بين الكف والذراع , هكذا ورد غسلهما الى الكوعين ثلاثاً يعني حتى تنظف اليد , ويلزم ذلك بكل حال حتى ولو جعلت يديك في شراب مثلاً أو في غيره تلبسهما , لو لبست على يديك قفازين فبعدما تستيقظ تغسلهما ولو أمنت عليهما وذلك لأن هذا يعتبر حدثاً , هذا النوم الذي هو نوع الليل يعتبر بنفسه حدثاً موجباً لغسل اليدين قبل أن يغسلهما أن يغسل بهما بقية جسده .
وذكر كثير من العلماء أنه إذا غمسها في ماء قبل غسلها فإن ذلك الماء لا يكون طَهوراً , ولكن الصحيح إن شاء الله أنه إذا بقي على لونه فإنه لا يُسلب الطهورية , إذا بقي على طبيعته لم يتغير طعماً ولا ريحاً ولا لونا.
....وذكر كثير من العلماء أنه إذا غمسها في ماء قبل غسلها فإن ذلك الماء لا يكون طهورا ً, ولكن الصحيح إن شاء الله أنه إذا بقي على لونه فإنه لا يُسلب الطهورية , إذا بقي على طبيعته لم يتغير طعماً ولا ريحاً ولا لوناً فإنه يرفع الحدث, ولكن مع ذلك نتبع النص لا يغمس يده حتى يغسلها , وليس خاصاً بالغمس بل حتى الاغتراف , حتى ولو صببت عليها مثلاً بعض (البزبوز) أو نحوه فإن الماء الذي يقع فيها قبل الغسل يعتبر غير طهور , فلابد أن تَصب عليهما حتى إذا اغترفت بهما أو صببت فيهما ماءً للمضمضة كان ذلك الماء الذي وقع فيهما طهوراً يرفع الحدث .
هذا حكم غسلهما أما غير المستيقظ فإنه يسن غسلهما من غير وجوب , إذا مثلاً أن الإنسان أراد أن يتوضأ لصلاة الظهر وهو ما نام أو لصلاة المغرب أو العشاء وهو لم ينم استحب أن يغسلهما من باب التنظيف ؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما والتي يباشر بهما غسل الأعضاء , يغسل يديه بهما , يغسل وجهه بهما , يغسل رجليه بهما , يغترف الماء بهما فينظفهما, فغسلهما هذا يُعتبر للنظافة , ولكن لا يكفي عن غسلهما بعد الوجه إذا غسلت وجهك فاغسل يديك من رُؤوس الأصابع إلى المرفقين , ولا تغسل مجرد الذراع وتقول الكف مغسولة من قبل لا حاجة إلى غسلها ؛ غسلها الأول يعتبر سنة وغسلها بعد الوجه من الأظافر إلى المرفق هذا هو الواجب , لأني سمعت أن بعض الناس بعدما يغسل وجهه يقتصر على غسل الذراع من المفصل إلى المفصل ويترك الكف وهذا خطأ بل عليه أن يغسل اليدين من رؤوس الأصابع مع الأصابع مع الكف مع الذراع مع المرفق , اليد اليمنى واليد اليسرى , فبهذا يتم وضوؤه وتتم طهارته إن شاء الله . بقية صفة الوضوء تأتينا في الأحاديث الباقية إن شاء الله.


  #9  
قديم 11 رجب 1430هـ/3-07-2009م, 12:23 AM
أم مجاهد أم مجاهد غير متواجد حالياً
المستوى الأول - الدورة الأولى
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 137
افتراضي الشرح الصوتي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, حديث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir