دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > الأربعون النووية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو القعدة 1429هـ/30-10-2008م, 02:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ح16: حديث أبي هريرة: (لا تغضب) خ

16- عنْ أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أنَّ رَجُلاً قالَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِني. قالَ: ((لاَ تَغْضَبْ)) فَرَدَّدَ مِرارًا، قالَ: ((لاَ تَغْضَبْ)). رواه البخاريُّ.


  #2  
قديم 1 ذو القعدة 1429هـ/30-10-2008م, 02:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

الحديث السادس عشر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوصِنِيْ، قَال : ((لاَ تَغْضَبْ))(1). رواه البخاري

الشرح
لم يبيَّن هذا الرجل، وهذا يأتي كثيراً في الأحاديث لايبيّن فيها المبهم، وذلك لأن معرفة اسم الرجل أو وصفه لايُحتاج إليه، فلذلك تجد في الأحاديث: أن رجلاً قال كذا، وتجد بعض العلماء يتعب تعباً عظيماً في تعيين هذا الرجل، والذي أرى أنه لاحاجة للتعب مادام الحكم لايتغير بفلان مع فلان.
" قَالَ: يَارَسُولَ اللهِ أَوصِنِي" الوصية: هي العهد إلى الشخص بأمر هام، كما يوصي الرجل مثلاً على ثلثه أوعلى ولده الصغير أو ما أشبه ذلك.
" قَالَ: لاَتَغْضَبْ" الغضب: بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم(2) فيغلي القلب، ولذلك يحمرّ وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يقف شعره.
فهل مراد الرسول صلى الله عليه وسلم لاتغضب أي لايقع منك الغضب، أو المعنى: لاتنفذ الغضب ؟
لننظر: أما الأول فإن ضبطه صعب، لأن الناس يختلفون في هذا اختلافاً كبيراً، لكن لامانع أن نقول: أراد قوله: "لاَ تَغْضَبْ" أي الغضب الطبيعي، بمعنى أن توطن نفسك وتبرّد الأمر على نفسك.
وأما المعنى الثاني: وهو أن لا تنفذ مقتضى الغضب فهذا حق، فينهى عنه.
إذاً كلمة "لاَ تَغْضَبْ" هل هي نهي عن الغضب الذي هو طبيعي أو هي نهي لما يقتضيه الغضب ؟
إن نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا: "لاَ تَغْضَبْ" أي الغضب الطبيعي، لكن هذا فيه صعوبة، وله وجه يمكن أن يحمل عليه بأن يقال: اضبط نفسك عند وجود السبب حتى لاتغضب.
والمعنى الثاني لقوله: لاَ تَغْضَبْ أي لا تنفذ مقتضى الغضب، فلو غضب الإنسان وأراد أن يطلّق امرأته، فنقول له: اصبر وتأنَّ.
فَرَدَّدَ الرَّجُلُ مِرَارَاً ، - أَيْ قَالَ: أَوْصِنِي - قَالَ: "لاَ تَغْضَبْ"
من فوائد هذا الحديث:
1. حرص الصحابة رضي الله عنهم على ماينفع، لقوله: "أَوصِنِيْ" ، والصحابة رضي الله عنهم إذا علموا الحق لايقتصرون على مجرّد العلم، بل يعملون، وكثير من الناس اليوم يسألون عن الحكم فيعلمونه ولكن لايعملون به، أما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم إذا سألوا عن الدواء استعملوا الدواء، فعملوا.
2. أن المخاطب يخاطب بما تقتضيه حاله وهذه قاعدة مهمة، فإذا قررنا هذا لايرد علينا الإشكال الآتي وهو أن يقال: لماذا لم يوصه بتقوى الله عزّ وجل،كما قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) [النساء: الآية131]
فالجواب: أن كل إنسان يخاطب بما تقتضيه حاله، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هذا الرجل أنه غضوب فأوصاه بذلك.
مثال آخر: رجل أتى إليك وقال: أوصني، وأنت تعرف أن هذا الرجل يصاحب الأشرار، فيصح أن تقول: أوصيك أن لاتصاحب الأشرار، لأن المقام يقتضيه.
ورجل آخر جاء يقول: أوصني، وأنت تعرف أن هذا الرجل يسيء العشرة إلى أهله، فتقول له: أحسن العشرة مع أهلك.
فهذه القاعدة التي ذكرناها يدل عليها جواب النبي صلى الله عليه وسلم ، أي أن يوصى الإنسان بما تقتضيه حاله لا بأعلى ما يوصى به، لأن أعلى ما يوصى به غير هذا.
3. النهي عن الغضب، لقوله: "لاَ تَغْضَبْ" لأن الغضب يحصل فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ الإنسان مقتضاه، فكم من إنسان غضب فطلّق فجاء يسأل، وكم من إنسان غضب فقال: والله لا أكلم فلاناً فندم وجاء يسأل.
فإن قال قائل: إذا وجد سبب الغضب، وغضبَ الإنسان فماذا يصنع؟
نقول: هناك دواء - والحمد لله - لفظي وفعلي .
أما الدواء اللفظي: إذا أحس بالغضب فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب غضباً شديداً فقال: "إِنِّي أَعلَمُ كَلِمَةً لوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَايَجِد - يعني الغضب - لَوقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ"(3) .
وأما الدواء الفعلي: إذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطّجع،لأن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن، فإن لم يفد فليتوضّأ، لأن اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب، ولأن الوضوء يطفئ حرارة الغضب.
وهل يقتصر على هذا؟
الجواب: لايلزم الاقتصار على هذا، قد نقول إذا غضبت فغادر المكان، وكثير من الناس يفعل هذا، أي إذا غضب خرج من البيت حتى لايحدث ما يكره فيما بعد .
4. أن الدين الإسلامي ينهى عن مساوئ الأخلاق لقوله: "لاَ تَغضبْ" والنهي عن مساوئ الأخلاق يستلزم الأمر بمحاسن الأخلاق، فعوّد نفسك التحمل وعدم الغضب، فقد كان الأعرابي يجذب رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤثر في رقبته صلى الله عليه وسلم ثم يلتفت إليه ويضحك(4) مع أن هذا لو فعله أحد آخر فأقل شيء أن يغضب عليه،فعليك بالحلم ما أمكنك ذلك حتى يستريح قلبك وتبتعد عن الأمراض الطارئة من الغضب كالسكر، والضغط وما أشبهه. والله المستعان

____________________________________________________
(1) أخرجه البخاري كتبا: الأدب، باب: الحذر من الغضب، (6116)
(2) أخرجه الترمذي كتاب: الفتن، باب: ما جاء فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، (2191)، وأحمد بن حنبل – مسند المكثرين عن أبي سعيد الخدري، (3/61)، حديث (11608).
(3) أخرجه البخاري كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، (3282)، ومسلم – كتاب: البر والصلة والآداب، باب: فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب، (2610)،(109)
(4) أخرجه أبو داود كتاب: الأدب، باب: في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، (4775). والنسائي في المجتبى كتاب: القسامة، باب: القود من الجبذة، (4776)


  #3  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 09:52 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي

(1) تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الحديثِ:

تَقَدَّمَتْ في الحديثِ التاسعِ.
الشَّرْحُ:
(عن أَبي هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي) بِمَا هُوَ خَيْرٌ لي، (قَالَ) مُوصِيًا لَهُ: ((لاَ تَغْضَبْ))((فَرَدَّدَ)) الرَّجلُ السُّؤَالَ ((مِرَارًا)) فَقَالَ: ((لاَ تَغْضَبْ))فَلَمْ يَزِدْهُ عَلَيْها لِعِلْمِهِ بِعُمُومِ نَفْعِهَا.
وكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكِيمًا يُرْشِدُ إلى كُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لهُ، وَكانَ هذَا الرَّجلُ شَدِيدَ الغَضَبِ يَتَضَرَّرُ بهِ في أَمرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَالغَضَبُ جَمْرَةٌ تَتَوَقَّدُ في القَلْبِ عِنْدَ مَكْرُوهٍ فَيَفُورُ منْهَا دمُ القَلْبِ، وَتَنْتَفِخُ الأَوْدَاجُ وَيَذْهَبُ العَقْلُ، وَتَخِفُّ الحَرَكَاتُ، وَتَنْشَأُ مِنْهَا الهيئةُ القبيحَةُ، والأَقْوالُ الشَّنِيعَةُ، والفِعَالُ الذَّميمَةُ والأخلاقُ الرَّدِيَّةُ، والحَسَدُ، والحِقْدُ، والعَدَاوَةُ، وانتقَامُ المَغْضُوبِ عَليْهِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَ، وإِرادَةُ السُّوءِ له، والشَّمَاتَةُ بمَصَائِبِهِ، والغَمُّ بِمُوجِبَاتِ سُرُورِهِ، وَإِخْفَاءُ مَحَاسِنِهِ، وَإِظْهَارُ مَعَائِبِهِ، وغَيرُ ذلكَ.
والغَضبُ المَنْهِيُّ عَنْهُ مَا كَانَ لِغَيرِ اللهِ تَعَالَى، ومَا كانَ لَهُ فَهُوَ مَطْلُوبٌ، وكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْضَبُ، وإِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللهِ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ غَضَبًا وَانْتِقَامًا لَهُ.
ولا يَفُوزُ بِتَرْكِ الغَضَبِ فيمَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وبالغَضَبِ فيمَا يَنْبَغِي الغَضَبُ لَهُ إلاَّ مَنْ فَنِيَ عَنْ نَفْسِهِ، وَصَارَ بِظَاهِرِهِ وباطِنِهِ لِربِّهِ، وعَلِمَ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ الأُمُورَ وَاقِعَةٌ بِإِرَادَتِهِ، عَلى وَفْقِ حِكْمَتِهِ، ولَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنهَا شَيءٌ. وأَنَّهُ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ كَرِهَ بَعْضَ الأُمورِ، وَرَضِيَ عَنْ بَعضِهَا فَيَرْضَى بما يَرْضَى بِهِ مَوْلاَهُ، وَيَغْضَبُ لِمَا يُغْضِبُ مَوْلاَهُ، وهذَا مقامٌ صَعْبٌ، لا يُحَصِّلُهُ إلاَّ الرَّبَّانِيُّونَ المُحَمَّدِيُّونَ.
***


  #4  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 09:54 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري

الحديثُ السادسَ عشَرَ



(1) (عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ رَجُلاً قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قالَ: ((لا تَغْضَبْ)) فَرَدَّدَ مِرَاراً،
قالَ: ((لا تَغْضَبْ)). رواهُ البخاريُّ).
موضوعُ الحديثِ:
النَّهْيُ عن الغضبِ.
المفرداتُ:
(أنَّ رَجُلاً) الرجلُ: مَنْ يُقَابِلُ المرأةَ من البشرِ، وجاءَ مُنَكَّراً مِمَّا يَدُلُّ على أنَّهُ مجهولٌ، وهذا يَكْفِي في عدمِ مَعْرِفَتِهِ؛ لأنَّهُ ليسَ في مَعْرِفَتِهِ فائدةٌ.
وقيلَ: هوَ أبو الدَّرْدَاءِ.
وقيلَ: جَارِيَةُ بنُ قُدَامَةَ.
وقيلَ: سفيانُ بنُ عبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ.
وقيلَ: غيْرُهُم.
(أَوْصِنِي) أي: اعْهَدْ إِلَيَّ بنَصِيحَةٍ جامعةٍ، وأرْشِدْنِي إلى ما فيهِ خَيْرَا الدُّنيا والآخرةِ.
وفي روايَةٍ: ((أَخْبِرْنِي بعَملٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ ولا تُكْثِرْ عَلَيَّ؛ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ)) وهذا يَدُلُّ على حرصِ الصحابةِ رضوانُ اللَّهِ عليهم على العِلْمِ، وحِرْصِهِم على الخيرِ، واغْتِنَامِهِم لمجالسِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفَضْلِ مجالسِ الذكرِ، وأنَّ أعظمَ الوَصِيَّةِ ما ينفعُ في الآخرةِ.
((لا تَغْضَبْ)) (لا) نَاهِيَةٌ، فالجملةُ طَلَبِيَّةٌ، وليْسَتْ خَبَرِيَّةً، فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُ عن الغضبِ.
والغضبُ: هوَ ثَوَرَانُ النفسِ وغَلَيَانُهَا وسرعةُ جَرَيَانِ الدَّمِ فيها.
وقيلَ: هوَ جَمْرَةٌ يَضَعُهَا الشيطانُ في قلبِ العبدِ فَيَغْلِي بَدَنُهُ.
ويختلفُ الغضبُ بحسَبِ قُوَّةِ الإنسانِ وضَعْفِهِ، فإذا كانَ الإنسانُ غاضباً على مَنْ دُونَهُ احْمَرَّ لكثرةِ الدمِ في البدنِ، والبَشَرةُ تَحْكِي لونَ ما وَرَاءهَا.
وإذا خافَ مَنْ فَوْقَهُ انْقَبَضَ الدَّمُ حتَّى يَصْفَرَّ، وإذا كَانَ نظيراً لهُ تَرَدَّدَ الدَّمُ بينَ الانقباضِ والانبساطِ والحُمْرَةِ والصُّفْرَةِ.

والغضبُ ينقسمُ إلى قِسْمَيْنِ، وهُما:
القِسْمُ الأَوَّلُ: جِبِلِّيٌّ، وهذا لا يستطيعُ الإنسانُ التَّحَرُّزَ منهُ ولا السلامةَ منهُ؛ لأنَّهُ فِطْرِيٌّ في الإنسانِ.

القسمُ الثاني: مُكْتَسَبٌ، وهوَ قِسْمَانِ:
الأوَّل: مَحْمُودٌ، وهوَ الغضبُ للَّهِ عندَ انتهاكِ محارمِهِ، كَمَا كانَ يَفْعَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّهُ غَيْرَةٌ على دِينِ اللَّهِ، وقَهْرٌ لأعدائِهِ تعالى، ودِفَاعٌ عن الدِّينِ، وحُبٌّ للَّهِ تعالى، وبُغْضٌ لغيرِ اللَّهِ، وبَذْلُ النفسِ للَّهِ تعالى.
ثانياً: مَذْمُومٌ، وهوَ الذي يكونُ للنفسِ وللدُّنْيَا وللإضرارِ بالغيرِ؛ لأنَّهُ يَتَوَلَّدُ منهُ مفاسدُ؛ منها: الانتصارُ للنفسِ، عدمُ كَظْمِ الغيظِ، عدمُ العفوِ، الإضرارُ بالبدَنِ، تَسَلُّطُ الشيطانِ، كثرةُ الشرورِ، قِلَّةُ الخيرِ، الإضرارُ بالغيرِ بالسَّبِّ والشتمِ والضربِ، التَّكَبُّرُ، إفسادُ الأنفسِ والأموالِ، زوالُ العقلِ، التقاطُعُ، تَغَيُّرُ الخِلْقَةِ، الحقدُ والحسدُ وغيرُ ذلكَ.
والمرادُ من النهيِ: النهيُ عن الأسبابِ الجَالِبَةِ لهُ.
وعلاجُ الغضبِ بأُمُورٍ؛ منها:

1- التَّعَوُّذُ باللَّهِ من الشيطانِ الرجيمِ.
2- مُجَاهَدَةُ النفسِ عندَ الغضبِ بأنْ يَمْلِكَهَا.
3- كَظْمُ الغيظِ.

4- والعفوُ.
5- الجلوسُ إنْ كانَ قائماً.
6- الاضْطِجَاعُ إنْ كانَ جالساً.
7- تَجَنُّبُ أسبابِ الغضبِ.
8- تَذَكُّرُ عواقبِ الغضبِ الجَسَدِيَّةِ منْ تَغَيُّرِ الصورةِ، وَالقوْلِيَّةِ منْ سَبٍّ وغَيْرِهِ، والفِعْلِيَّةِ منْ ضَرْبٍ وقَتْلٍ ونَحْوِهِما.
9-اسْتِحْضَارُ التوحيدِ الحقيقيِّ منْ أنَّ الفاعلَ هوَ اللَّهُ تعالى.
(فَرَدَّدَ مِرَاراً قالَ: لا تَغْضَبْ) أيْ: أعادَ طلبَ الوَصِيَّةِ بقَوْلِهِ: ((أَوْصِنِي)).

فقالَ: ((لا تَغْضَبْ)) وهذا يَدُلُّ على خُطُورةِ الغضبِ، وأنَّهُ جِمَاعُ الشرِّ كُلِّهِ، وأنَّ من الحكمةِ وَصِيَّةَ كلِّ إنسانٍ بما يُنَاسِبُ حَالَهُ؛ ليكونَ الدَّوَاءُ على الدَّاءِ.
الفَوَائِدُ:

1- حِرْصُ الصحابةِ على طلبِ العِلْمِ.
2- فضلُ مجالسِ العلمِ.
3- منْ أسبابِ تحصيلِ العلمِ السؤالُ.
4- أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ.
5- الغضبُ جِمَاعُ الشرِّ كُلِّهِ.
6- وُجُوبُ الغضبِ للَّهِ تعالى.
7- النهيُ عن الغضبِ للدُّنيا.
8- فضلُ الصبرِ والتحمُّلِ.
9- جوازُ تَكْرَارِ النصيحةِ الواحدةِ.
10- الشيطانُ يَجْرِي من ابنِ آدمَ مَجْرَى الدمِ.
11- دخولُ الجِنِّيِّ إلى بَدَنِ الإنْسِيِّ.
12- التحَرُّزُ من الغضبِ جِمَاعُ الخيرِ كُلِّهِ.
13- الحثُّ على مُجاهدةِ النفسِ.
14- تَجَنُّبُ أسبابِ الغضبِ.
15- دَفْعُ الغَضَبِ بهَدْيِ الإسلامِ فيهِ.
16- وَضْعُ الدواءِ على الداءِ.
17- وُجُوبُ الحكمةِ في الدعوةِ.
***


  #5  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 09:58 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
افتراضي شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح

(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

قالَ الجردانيُّ: (إنَّ هذا الحديثَ عظيمٌ، وهوَ مِنْ جَوامعِ الكَلِمِ؛ لأنَّهُ جَمَعَ بينَ خَيْرَي الدُّنيا والآخِرةِ، وذلكَ أنَّهُ أَمَرَ بالابتعادِ عنْ أسبابِ الغَضَبِ الَّذي جُمَّاعُ الشَّرِّ فيهِ، وجُمَّاعُ الخيرِ بالتَّخلُّصِ منهُ).
تعريفُ الغضبِ: طَلَبَ هذا الصَّحابيُّ الجليلُ -ولَعَلَّهُ أبو الدَّرداءِ- مِنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُوصِيَهُ وَصِيَّةً وَجِيزةً جامِعةً لِخِصالِ الخيرِ، لِيَحْفَظَهَا عنهُ، فحَذَّرَهُ من الغضبِ ثلاثَ مرَّاتٍ.
وهذا يَدُلُّ على أنَّ الغضبَ جُمَّاعُ الشَّرِّ، والتَّحرُّزَ منهُ جُمَّاعُ الخيرِ.
والغضبُ: حالةٌ يَراها العبدُ في غيرِهِ، ويَشْعُرُ بها في ذاتِهِ، وهوَ نقيضُ الرِّضَا.
وعَرَّفَهُ قومٌ: بغَليانِ دمِ القلبِ طَلَبًا لدفعِ الْمُؤْذِي عنهُ خَشيَةَ وُقوعِهِ، أوْ طَلبًا للانتقامِ مِمَّنْ حَصَلَ لهُ الأذى بعدَ وُقوعِهِ.
ويَنْشَأُ مِنْ ذلكَ كثيرٌ مِن الأفعالِ المُحَرَّمَةِ؛ كالقتلِ والضَّربِ وأنواعِ العُدْوَانِ، وكثيرٌ من الأقوالِ المحرَّمَةِ؛ كالقذفِ والسَّبِّ والفُحْشِ، والأَيْمَانِ الَّتي لا يَجوزُ التزامُهَا شرعًا، وكالطَّلاقِ دُونَ حقٍّ.
لذلكَ أوصى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالابتعادِ عنْ أسبابِ الغضبِ، وعدمِ العملِ بِمُقْتَضَى الغَضَبِ، بلْ يَجِبُ عليهِ أنْ يُجاهِدَ نفسَهُ بكَظْمِهِ وعِلاجِهِ.
غضبُ اللهِ عزَّ وجلَّ: هل اللهُ يَغْضَبُ؟
إذا تَصَفَّحْنَا كتابَ ربِّنَا عزَّ وجلَّ نَجِدُ الإجابةَ بالإيجابِ، قالَ تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
- وقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ}.
- وقالَ تعالى: {وَكُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}.
كمَا ثَبَتَ في السُّنَّةِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَغْضَبُ على مَنْ عَصاهُ وتَعَدَّى حُدُودَهُ، في حديثِ الشَّفاعةِ الطَّويلِ عندَما يَفْزَعُ النَّاسُ إلى الأنبياءِ، يَطلبونَ منهم الشَّفاعةَ، فكلُّ نبيٍّ يَأْتُونَهُ يقولُ لهم: ((إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ)).
فيَجبُ على المسلمِ أنْ يُثْبِتَ لربِّهِ هذهِ الصِّفَةَ، وأنْ لا يُؤَوِّلَها، وأنْ يَعْتَقِدَ أنَّ صفةَ الغضبِ عندَ اللهِ لا تُشْبِهُ صفةَ خَلْقِهِ، قالَ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فصفةُ الغضبِ عندَ اللهِ كما تليقُ بجلالِهِ وعَظمتِهِ. وهذا مَنْهَجُ سَلَفِ الأمَّةِ الَّذينَ أَثْنَى اللهُ عليهم ورسولُهُ في صفاتِ اللهِ. فيجبُ على المسلمِ أنْ يَسلُكَ طريقَهُم في ذلكَ؛ فإنَّ النَّجاةَ فيهِ.

الغضبُ المذمومُ: هو الدُّنيوِيُّ الَّذي حذَّرَ منهُ نبيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ وفي غيرِهِ. عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)) فالشـَّديدُ ليسَ الَّذي يَصْرَعُ النَّاسَ بِقُوَّتِهِ البدنيَّةِ، ولكنْ مَنْ مَلَكَ زِمامَ نفسِهِ عندَ الْغَضَبِ، فلا يَخْرُجُ منهُ قَوْلٌ ولا فِعْلٌ إلاَّ بما يُوَافِقُ الْحَقَّ والصَّوَابَ.
وهوَ ما كانَ في غيرِ الحقِّ، ولكن اتِّباعًا لِهَوى النُّفوسِ، والَّذي يَتجاوزُ فيهِ العبدُ بقولِهِ، فيَشْتُمُ ويَقْذِفُ، ويَجْرَحُ إخوانَهُ بكلماتٍ مُؤْذِيَةٍ.
كما يَتجاوزُ فيهِ بفعلِهِ، فيَضْرِبُ ويُتْلِفُ أموالَ الآخرينَ.
الغضبُ المحمودُ: وهوَ ما كانَ للهِ وللحقِّ، وخاصَّةً عندما تُنتَهَكُ مَحَارِمُ اللهِ عزَّ وجلَّ. وهذا ما كانَ عليهِ أنبياءُ اللهِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَكَانُوا لا يَنْتَقِمُونَ لحظوظِ النَّفسِ.

وإليكَ بعضَ الأدلَّةِ:
1 - عنْ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خَطَبَ احْمَرَّتْ عينَاهُ، وَعَلا صوتُهُ، واشتدَّ غَضَبُهُ حتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يقولُ: ((صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ)).

ويقولُ: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، ويَقْرِنُ بينَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابةِ والوُسْطَى)).
2 - قِصَّةُ موسى عليهِ السَّلامُ معَ قومِهِ، عندَما رَجَعَ ورَآهُمْ يَعبدُونَ العِجْلَ مِنْ دُونِ اللهِ، فغَضِبَ عليهِمْ غَضَبًا شَديدًا، وأَلْقَى الألواحَ الَّتي كانتْ بيدِهِ على الأرضِ، وأخذَ بلِحْيَةِ أخيهِ هارونَ يَجُرُّهَا، قالَ تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
هكذا يَنْبَغِي أن يكونَ المسلمُ قَوِيَّ الإيمانِ، يَغْضَبُ لمَوْلاهُ عندَما يُتَعَدَّى على حُقُوقِهِ.
3 - وكذلكَ أخبرَنَا ربُّنَا تباركَ وتعالى عنْ غَضَبِيُونُسَ عليهِ السَّلامُ لربِّهِ تَبارَكَ وتعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
وكذلكَ: مَن اعتدَى عليهِ إنسانٌ في نفسِهِ، أوْ مالِهِ، أوْ ولدِهِ أوْ مَنْ يَحمِيهِ؛ فإنَّهُ يَغضبُ ويقومُ بما في وُسْعِهِ ليَدفعَ سببَ الغضبِ، وهذا أيضًا من الغضبِ المحمودِ، وقدْ يكونُ واجبًا، ويَنْبَغِي للمسلمِ أثناءَ غضبِهِ أنْ يَتصرَّفَ بحدودِ دينِهِ، وبما يُوافقُ الحقَّ والعدالةَ.
والْخُلاصةُ:الغضبُ منْ شِيَمِ نفوسِ بني آدمَ؛ فلا يُذَمُّ ولا يُمْدَحُ إلاَّ مِنْ جِهةِ آثارِهِ ومَقاصدِهِ.
علاجُ الغضبِ المذمومِ:
1 - الدُّعاءُ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هوَ المُوَفِّقُ والهادي إلى الصِّراطِ المستقيمِ، وبيدِهِ خيرُ الدُّنيَا والآخرةِ، وهوَ المُعِينُ على زَكاةِ النُّفوسِ مِمَّا يُدَنِّسُهَا مِنْ أَدْرَانِ الرَّذيلةِ، قالَ تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
2 - مُلازَمةُ ذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، مِنْ قِراءةِ قُرْآنٍ، وتسبيحٍ، وتَهليلٍ، واستغفارٍ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ بَيَّنَ بأنَّ القلوبَ تَسْكُنُ وتَطْمَئِنُّ بذِكْرِهِ، قالَ تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
3 - التَّذَاكُرُ بما وردَ مِن النُّصوصِ في التَّرغيبِ في كَظْمِ الغيظِ والبُعدِ عنهُ، والتَّرهيبِ منهُ، ووَرَدَتْ نصوصٌ أَذْكُرُ منها:
عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، يُزَوِّجُهُ مِنْهَا مَا شَاءَ)).
والذِّكْرَى كما قالَ ربُّنَا جلَّ شأنُهُ: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
4 - التَّعوُّذُ مِن الشَّيطانِ، روى الشَّيخانِ في (صحيحَيْهِمَا) عنْ سليمانَ بنِ صُرَدَ قالَ: (اسْتَبَّ رَجُلانِ عندَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغَضِبَ أحدُهُما فاشتدَّ غضبُهُ حتَّى انْتَفَخَ وَجهُهُ وتَغيَّرَ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لأََعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ)).
فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِن الشَّيْطَانِ.

فَقَالَ: أَتَرَى بِي بَأْسٌ، أَمَجْنُونٌ أَنَا، اذْهَبْ).
5 - تَغْيِيرُ الوَضْعِ الَّذي يكونُ عليهِ الغَاضِبُ، بأنْ يَجْلِسَ القائمُ، أوْ يَضْطَجِعَ، عنْ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَجِعْ)).
وهذا ما تَوَصَّلَ إليهِ عُلَمَاءُ النَّفسِ لعلاجِ الغَضبِ، وقدْ سَبقَهُمْ حبيبُ ربِّ العالمينَ منذُ أربعةَ عشرَ قَرْنًا مِن الزَّمانِ، فهلْ يَعِي المَفْتُونُونَ بالحضارةِ الغربيَّةِ ذلكَ ويَعودونَ إلى دينِهِم؛ فيجدُوا فيهِ خَيْرَي الدُّنيا والآخرةِ.
6 - إعطاءُ البدنِ حقَّهُ من النَّومِ والرَّاحةِ، وعدمُ إرهاقِهِ؛ فَمِمَّا هوَ مُلاحَظٌ أنَّ كثيرًا مِن النَّاسِ إذا بَحَثْنَا عنْ سببِ غَضَبِهِم نَجِدُهُ الإرهاقَ والتَّعبَ وقلَّةَ النَّومِ والجوعَ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)).
7 - البعدُ عنْ أسبابِ الغضبِ.

مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ والغضبُ: مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ من النَّاسِ الَّذين مَنَّ اللهُ عليهم بالتَّخلُّصِ من الغضبِ المذمومِ، فأُعْطِيَ الْحِلْمَ والتُّؤَدَةَ وسَعَةَ الصَّدرِ، فحاولَ بعضُ الأعرابِ أنْ يُغضِبَهُ وبَذَلَ ما في وُسْعِهِ، ولكنَّهُ لمْ يُفلِحْ.
وإليكَ هذا الْمَوقفَ: تَذَاكَرَ جماعةٌ فيما بينَهم آثارَ مَعْنٍ وأخبارَ كَرَمِهِ، مُعْجَبِينَ بما هوَ عليهِ من التُّؤَدَةِ وَوَفْرَةِ الحِلْمِ ولِينِ الجانبِ، وغالَوْا في ذلكَ كثيًرا.
فقامَ أعرابيٌّ وأَخَذَ على نفسِهِ أنْ يُغضبَهُ، فأَنْكرُوا عليهِ، ووَعَدُوهُ مِائَةَ بعيرٍ إنْ هوَ فعلَ ذلكَ.
فعَمَدَ الأعرابيُّ إلى بعيرٍ فسَلَخَهُ، وارْتَدَى بإهابِهِ واحْتَذَى ببَعْضِهِ جاعلاً باطِنَهُ ظاهرًا، ودَخلَ عليهِ بصُورَتِهِ تلكَ، وأَنْشَأَ يقولُ:

أَتَذْكُرُ إذْ لِحافُكَ جِلْدُ شاةٍ = وإذْ نـَعـْلاكَ مِنْ جِلْدِ البَعـيرِ
قالَ مَعْنٌ: (أَذْكُرُهُ ولا أَنْسَاهُ).
فقالَ الأعرابيُّ:
فَسُبْحَانَ الَّذي أعطاكَ مُلكًا = وعَلَّمَكَ الجلوسَ على السَّريرِ
فقالَ مَعْنٌ: (إنَّ اللهَ يُعِزُّ مَنْ يَشاءُ ويُذِلُّ مَنْ يَشاءُ).
فقالَ الأعرابيُّ:

فَلَسْتُ مُسَلِّمًا إنْ عِشْتُ دَهرًا على = مـَعـْنٍ بـتـسليمِ الأمـيرِ

فقالَ مَعْنٌ: (السَّلامُ خَيْرٌ، وليسَ في تَرْكِهِ ضَيْرٌ).
فقالَ الأعرابيُّ:
سأَرْحَلُ عنْ بلادٍ أنتَ فيها = ولـوْ جارَ الزَّمانُ على الفقيرِ
فقالَ مَعْنٌ: (إنْ جاورْتَنَا فَمَرْحَبًا بالإقامةِ، وإنْ جَاوَزْتَنَا فمَصحوبًا بالسَّلامَةِ).
فقالَ الأعرابيُّ:
فجُدْ لي يـا ابـنَ ناقصةٍ بـمالٍ = فإنِّي قدْ عَزَمْتُ على الْمَسيرِ
فقالَ مَعْنٌ: (أَعْطُوهُ ألفَ دِينارٍ تُخفِّفْ عنهُ مَشاقَّ الأسفارِ).
فأَخَذَهَا وقالَ:

قليلٌ مـا أَتـَيـْتَ بـهِ وإنِّي = لأَطْمَعُ منكَ في المالِ الكثيرِ
فـَثَنِّفقدْ أتاكَ الْمُلْكُ عَفْوًا = بِلا عـَقـْلٍ ولا رَأْيٍ مـُنيرِ
فقالَ مَعْنٌ: (أعطُوهُ أَلْفًا ثَانِيًا كيْ يكونَ عَنَّا راضيًا).
فتقدَّمَ الأعرابيُّ إليهِ وقبَّلَ الأرضَ بينَ يديهِ وقالَ:

سـَأَلـْتُ اللهَ أنْ يُبْقِيَكَ دهرًا = فمالـَكَ فــيالـبَرِيَّةِ مـنْ نظيرِ
فمنكَ الجُودُ والإفضالُ حقًّا = وفـيضُ يَدَيْكَ كالبحرِ الغَزيرِ
فقالَ مَعْنٌ: (أَعْطَيْنَاهُ على هَجْوِنَا أَلْفَيْنِ، فلْيُعْطَ أَرْبَعَةً على مَدْحِنَا).
قالَ الأعرابيُّ: (بأبي أيُّهَا الأميرُ ونفسي؛ فأَنْتَ نسيجُ وَحْدِكَ في الحِلْمِ، ونَادِرَةُ دَهْرِكَ في الْجُودِ، {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ولقدْ كُنْتُ في صِفاتِكَ بينَ مُصدِّقٍ ومُكَذِّبٍ، فلمَّا بَلَوْتُكَ صَغُرَ الخبرُ، وأَذْهبَ ضَعْفَ الشَّكِّ قُوَّةُ اليقينِ، وما بَعَثَني على ما فَعَلْتُ إلاَّ مِائَةُ بعيرٍ جُعِلَتْ لي على إِغْضَابِكَ).
فقالَ لهُ الأميرُ: (لا تثريبَ عليكَ، ووصلَهُ بِمِائَتَيْ بعيرٍ؛ نِصْفُها للرِّهَانِ والنِّصْفُ الآخَرُ لهُ).
فانْصَرَفَ الأعرابيُّ: (دَاعيًا لهُ، شاكرًا لِهِبَاتِهِ، مُعْجَبًا بأَناتِهِ).
فوائدُ الحديثِ:

1 - حِرْصُ المسلمِ على النُّصحِ والبحثِ عنْ أبوابِ الخيرِ وَالْوُلُوجِ فيها.
2 - تَكْرَارُ الكلامِ حتَّى يَعِيَهُ السَّامعُ ويُدْرِكَ أَهَمِّيَّتَهُ.
3 - الغَضْبَانُ مَسْئُولٌ عنْ تَصرُّفاتِهِ، فإذا أَتْلَفَ مالاً حالَ غضبِهِ ضَمِنَهُ، وإذا قَتَلَ تَتَرتَّبُ عليهِ آثارُ القتلِ الَّتي نصَّ عليها الدِّينُ. وقدْ يُعذَرُ في بعضِ التَّصرُّفاتِ، وخاصَّةً إذا دلَّ نَصٌّ على ذلكَ أوْ قياسٌ صحيحٌ، كمَنْ قالَ بعَدَمِ وُقوعِ طَلاقِ الغَضْبَانِ.


  #6  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 10:54 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


هذا الحديثُ خرَّجَه البُخاريُّ مِن طريقِ أبي حُصَيْنٍ الأَسَدِيِّ، عن أَبِي صالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، ولم يُخَرِّجْه مسلمٌ؛ لأنَّ الأَعْمَشَ رَوَاه عن أَبِي صالِحٍ، واخْتُلِفَ عليه في إِسنادِهِ فقيلَ: عنه، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هُريرةَ، كقولِ أبي حُصَيْنٍ.

وقيلَ: عنه، عن أبي صالِحٍ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ.
وعند َ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ أن هذا هو الصحيحُ.
وقيلَ: عنه، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هريرةَ،وأبي سعيدٍ.
وقيلَ: عنه، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هريرةَ، أو جابِرٍ.
وقيل: عنه، عن أبي صالِحٍ، عن رجلٍ مِن الصحَابَةِ غيرِ مُسَمًّى.
(1) وخرَّجَ التِّرْمِذِيُّ هذا الحديثَ مِن طريقِ أبي حُصَيْنٍ أيضًا، ولفْظُه: (جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالََ: يا رسولَ اللَّهِ، عَلِّمْني شَيْئًا وَلا تُكْثِرْ عَلَيَّ؛ لَعَلِّي أَعِيهِ.
قَالَ: ((لا تَغْضَبْ)).
فَرَدَّدَ ذَلِكَ مِرَارًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: ((لا تَغْضَبْ)).
- وفي روايةٍ أخرَى لغيرِ الترمذيِّ قالََ: قلتُ: يَا رَسولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَلا تُكْثِرْ عَلَيَّ.
قالََ: ((لا تَغْضَبْ)).
فهذا الرجلُ طلَبَ مِن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُوصِيَه وَصِيَّةً وَجِيزَةً جامِعَةً لِخِصَالِ الخيرِ؛ ليَحْفَظَهَا عنه خَشْيَةَ أن لا يَحْفَظَها لكثرَتِهَا، فوَصَّاه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يَغْضَبَ، ثم رَدَّدَ هذه المسأَلَةَ عليه مِرَارًا، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُ عليه هذا الجوابَ، فهذا يَدُلُّ على أن الغَضَبَ جِمَاعُ الشرِّ، وأن التحَرُّزَ مِنه جِمَاعُ الخيرِ.
ولعلَّ هذا الرجلَ الذي سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أبو الدَّرْدَاءِ؛ فقد خَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِن حديثِ أبي الدرداءِ قالََ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، قَالَ: ((لا تَغْضَبْ وَلَكَ الجَنَّةُ)).
- وقد رَوَى الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، عن عمِّهِ جَارِيَةَ بنِ قُدَامَةَ، أن رجلاً قالََ: يا رَسولَ اللَّهِ، قُلْ لي قَوْلاً، وَأَقْلِلْ عَلَيَّ؛ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ.
قالَََ: ((لا تَغْضَبْ)) فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقولُ: ((لا تَغْضَبْ)). خرَّجَه الإمامُ أحمدُ.
- وفي روايةٍ له أن جَارِيَةَ بنَ قُدَامَةَ قالََ: سألتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَرَه.
فهذا يَغْلِبُ على الظنِّ أن السائلَ هو جاريةُ بنُ قُدامةِ، ولكن ذكَرَ الإِمامُ أحمدُ عن يَحْيَى القَطَّانِ أنه قالََ: (هكذا قَالَ هِشَامٌ).
يعني: أن هشامًا ذكَرَ في الحديثِ أن جاريةَ سألَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ يَحْيَى: وهم يقولون: (لم يُدْرِك النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وكذا قالَ العِجْلِيُّ وغيرُه: (إنه تابِعِيٌّ وليس بصحابِيٍّ).
- وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ مِن حديثِ الزُّهْرِيِّ، عن حُمَيْدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عن رجلٍ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالََ: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي.
قالََ: ((لا تَغْضَبْ)).
قَالَ الرَّجُلُ: (فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قالََ، فإذا الغَضَبُ يَجْمَعُ الشرَّ كُلَّه).
ورَوَاه مالِكٌ في ((المُوَطَّأِ))، عن الزُّهْرِيِّ عن حُمَيْدٍ، مُرْسَلاً.
- وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ مِن حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، أنه سأَلَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ماذا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ؟ قالََ: ((لا تَغْضَبْ)).
وقولُ الصحابيِّ: (ففكَّرْتُ فيما قالََ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا الغَضَبُ يَجْمَعُ الشرَّ كلَّه) يَشْهَدُ لِمَا ذكَرْنَاه أن الغضبَ جِمَاعُ الشرِّ.
- قالََ جَعْفَرُ بنُ محمدٍ: (الغَضَبُ مِفْتَاحُ كلِّ شرٍّ).
- وقيلَ لابنِ المُبَارَكِ: (اجْمَعْ لنا حُسْنَ الخُلُقِ في كلمةٍ).
قالََ: (تَرْكُ الغَضَبِ).
وكذا فَسَّرَ الإمامُ أحمدُ، وإسحاقُ بنُ رَاهُويَهْ حُسْنَ الخُلُقِ بتركِ الغضبِ، وقد رُوي ذلك مرفوعًا، خرَّجه محمدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ في كتابِ (الصلاةِ)، مِن حديثِ أبي العَلاءِ بنِ الشِّخِّيرِ:(أن رجلاً أتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن قِبَلِ وجهِهِ، فقالَََ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟
قالََ: ((حُسْنُ الخُلُقِ)).
ثم أتَاه عن يَمِينِهِ، فَقالََ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟
قَالَ: ((حُسْنُ الخُلُقِ)).
ثُمَّ أَتَاه عن شِمَالِهِ، فقالَََ: يا رسولَ اللَّهِ، أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟

قَالَ: ((حُسْنُ الخُلُقِ)).
ثم أَتَاه مِن بعدِه، يَعْنِي: مِن خلفِه، فقالََ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ ؟
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((مَالَكَ لا تَفْقَهُ ! حُسْنُ الخُلُقِ هُوَ أَنْ لا تَغْضَبَ إِن اسْتَطَعْتَ)) وهذا مُرْسَلٌ.
فقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَن اسْتَوْصَاه:

((لا تَغْضَبْ)) يَحْتَمِلُ أمرين:
أحدُهما: أن يكونَ مُرادُه الأمرَ بالأسبابِ التي تُوجِبُ حُسْنَ الخُلُقِ مِن الكَرَمِ والسخَاءِ، والحِلْمِ والحياءِ، والتواضُعِ والاحْتِمَالِ، وكفِّ الأذَى، والصَّفْحِ والعفْوِ، وكَظْمِ الغَيْظِ، والطَّلاقَةِ والبِشْرِ، ونحوِ ذلك مِن الأخلاقِ الجميلةِ؛ فإن النفسَ إذا تَخَلَّقَت بهذه الأخلاقِ، وصَارَت لها عادَةً، أَوْجَبَ لَها ذلك دَفْعَ الغضَبِ عندَ حُصُولِ أسبابِهِ.
والثاني: أن يكونَ المرادُ: لا تَعْمَلْ بِمُقْتَضَى الغَضَبِ إذا حَصَلَ لك، بل جاهِدْ نَفْسَك على ترْكِ تنفيذِه والعَمَلِ بما يَأْمُرُ به؛ فإن الغَضَبَ إذا مَلَكَ ابنَ آدَمَ كانَ كالآمِرِ الناهِي له، ولهذا المعنَى قالََ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ}[الأعراف: 154] فإِذا لم يَمْتَثِل الإنسانُ ما يَأْمُرُه به غضبُه، وجاهَدَ نفسَه على ذلك، انْدَفَعَ عنه شرُّ الغضَبِ، وربما سَكَنَ غضَبُهُ، وذهَبَ عاجِلاً، فكأنه حينَئذٍ لم يَغْضَبْ، وإلى هذا المعنى وَقَعَت الإشارةُ في القرآنِ بقولِه عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشُّورى: 37]، وبقولِهِ عزَّ وجلَّ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. [آل عِمْرَان: 134].
وكانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ مَن غَضِبَ بتَعَاطِي أسبابٍ تَدْفَعُ عنه الغَضَبَ وتُسَكِّنُهُ، ويَمْدَحُ مَن مَلَكَ نفسَه عندَ غَضَبِهِ، ففي (الصَّحِيحَيْنِ) عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ صُرَدَ قَالََ: (اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَحْنُ عِنْدَه جُلُوسٌ، وأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالََ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لأََعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا، لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).
فَقَالُوا للرَّجُلِ: أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالََ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ).
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ في خُطْبَتِهِ: ((أَلا إِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ في قَلْبِ ابنِ آدَمَ، أَفَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ، وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أحَسَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَلْزَقْ بالأَرْضِ)).
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ مِن حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ، فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغَضَبُ وَإِلا فَلْيَضْطَجِعْ)).
وقَدْ قِيلَ: إِنَّ المَعْنَى فِي هَذَا أَنَّ القَائِمَ مُتَهِيِّئٌ للانْتِقَامِ، والجَالِسَ دُونَه فِي ذَلِكَ، والمُضْطَجِعَ أَبْعَدُ عَنْهُ، فأَمَرَهُ بالتَّبَاعُدِ عَنْ حَالَةِ الانْتِقَامِ، ويَشْهَدُ لذَلِكَ أَنَّه رُوِيَ مِن حَدِيثِ سِنَانِ بنِ سَعْدٍ، عن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومِن حَدِيثِ الحَسَنِ مُرْسَلاً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((الغَضَبُ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ تَوَقَّدُ، أَلا تَرَى إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَجْلِسْ، وَلا يَعْدُوَنَّهُ الغَضَبُ)).
والمُرَادُ: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلا يُعْدِيهِ إِلَى غَيْرِه بالأَذَى بالفِعْلِ،ولِهَذَا المَعْنَى قَالََ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتَنِ: ((إِنَّ الْمُضْطَجِعَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَاعِدِ، والقَاعِدَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقاِئمَ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، والْمَاشِيَ خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي)).
وَإِنْ كَانَ هذا عَلَى وَجْهِ ضَرْبِ المِثَالِ فِي الإِسْرَاعِ فِي الفِتَنِ، إِلا أَنَّ المَعْنَى: أَنَّ مَن كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الإِسْرَاعِ فِيهَا، فهو شَرٌّ مِمَّن كَانَ أَبْعَدَ عَن ذَلِكَ.
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْكُتْ)) قَالَهَا ثَلاثًا.
وهَذا أيضًا دَوَاءٌ عَظِيمٌ للغَضَبِ؛ لأَِنَّ الغَضْبَانَ يَصْدُرُ منه في حَالِ غَضَبِهِ مِن القَوْلِ مَا يَنْدَمُ عَلَيْهِ فِي حَالِ زَوَالِ غَضَبِهِ كَثِيرًا؛ مِن السِّبَابِ وغَيْرِه مِمَّا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ، فَإِذَا سَكَتَ زَالَ هَذَا الشَّرُّ كُلُّه عنه، ومَا أَحْسَنَ قَوْلَ مُوَرِّقٍ العِجْلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (مَا امْتَلأَْتُ غَيْظًا قَطُّ وَلا تَكَلَّمْتُ في غَضَبٍ قَطُّ بِمَا أَنْدَمُ عَلَيْهِ إِذَا رَضِيتُ).
وغَضِبَ يَوْمًا عُمَرُبنُ عَبْدِ العَزِيزِ، فَقَالََ لَهُ ابنُه عَبْدُ المَلِكِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: (أَنْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَع مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وفَضَّلَكَ بِهِ تَغْضَبُ هَذَا الغَضَبَ ؟) فَقَالََ لَهُ: (أَوَمَا تَغْضَبُ يَا عَبْدَ المَلِكِ؟)
فَقَالََ عَبْدُ المَلِكِ: (ومَا يُغْنِي عَنِّى سَعَةُ جَوْفِي إِذَا لَمْ أَرْدُدْ فِيهِ الغَضَبَ حَتَّى لا يَظْهَرَ؟)
فهؤلاء قَوْمٌ مَلَكُوا أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ الغَضَبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ مِن حَدِيثِ عُرْوَةَ بنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ، أنَّه كَلَّمَه رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالََ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ، قَالََ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أحَدُكُمْ، فَلْيَتوَضَّأْ)).
- ورَوَى أَبُو نُعَيْمٍ بإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلانِيِّ، أَنَّه كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ بشَيْءٍ وهو عَلَى المِنْبَرِ، فغَضِبَ، ثُمَّ نَزَلَ فاغْتَسَلَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى المِنْبَرِ.
وقَالََ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:((إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانَ مِنَ النَّارِ، وَالْمَاءَ يُطْفِئُ النَّارَ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ)).
وفِي (الصَّحِيحَيْنِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)).
وفِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالََ: ((مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ ؟))
قُلْنَا: الَّذِي لا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ.
قَالَ: ((لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ)).
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، وابنُ مَاجَه، مِن حَدِيثِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطيعُ أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ)).
وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
ومِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالََ: ((مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ، مَا كَظَمَ عَبْدٌ للَّهِ إِلا مَلأََ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا)).
- وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ مَعْنَاهُ مِن رِوَايَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالََ: ((مَلأََهُ اللَّهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا)).
- وقَالَ مَيْمُونُ بنُ مِهْرَانَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَلْمَانَ، فَقَالََ: (يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَوْصِنِي).
قَالَ: (لا تَغْضَبْ).
قَالََ: (أَمَرْتَنِي أَنْ لا أَغْضَبَ، وَإِنَّه ليَغْشَانِي مَا لا أَمْلِكُ).
قَالَ: (فَإِنْ غَضِبْتَ، فامْلِكْ لِسَانَكَ ويَدَكَ) خَرَّجَهُ ابنُ أَبِي الدُّنْيَا، ومِلْكُ لسَانِهِ ويَدِهِ هو الذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَمْرِهِ لِمَن غَضِبَ أَنْ يَجْلِسَ ويَضْطَجِعَ، وبأَمْرِهِ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ.
- قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ عُصِمَ مِن الهَوَى، والغَضَبِ، والطَّمَعِ).
- وقَالَ الحَسَنُ: (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه عَصَمَهُ اللَّهُ مِن الشَّيْطَانِ، وحَرَّمَهُ عَلَى النَّارِ: مَنْ مَلَكَ نَفْسَه عِنْدَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ والشَّهْوَةِ والغَضَبِ).
وهَذِهِ الأَرْبَعُ التِي ذَكَرَها الحَسَنُ هي مَبْدَأُ الشَّرِّ كُلِّه؛ فَإِنَّ:
الرَغْبَةَ فِي الشَّيْءِ هي: مَيْلُ النَّفْسِ إِلَيْهِ لاعْتِقَادِ نَفْعِهِ، فَمَن حَصَلَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي شَيْءٍ، حَمَلَتْهُ تِلْكَ الرَّغْبَةُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِن كُلِّ وَجْهٍ يَظُنُّه مُوصِلاً إِلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنهَا مُحَرَّمًا، وَقَد يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ المَرْغُوبُ فِيهِ مُحَرَّمًا.
والرَّهْبَةُ: هي الخَوْفُ مِن الشَّيْءِ، وإِذَا خَافَ الإِنْسَانُ مِن شَيْءٍ تَسَبَّبَ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ بكُلِّ طَرِيقٍ يَظُنُّه دَافِعًا لَهُ، وقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا.
والشَّهْوَةُ: هي مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى مَا يُلائِمُهَا، وتَلْتَذُّ بِهِ، وَقَدْ تَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى مَا هو مُحَرَّمٌ كالزِّنَا والسَّرِقَةِ وشُرْبِ الْخَمْرِ، بل وإِلَى الكُفْرِ والسِّحْرِ والنِّفَاقِ والبِدَعِ.
والغَضَبُ: هو غَلَيَانُ دَمِ القَلْبِ طَلَبًا لدَفْعِ المُؤْذِي عِنْدَ خَشْيَةِ وقُوعِهِ،أو طَلَبًا للانْتِقَامِ مِمَّن حَصَلَ مِنْهُ الأَذَى بَعْدَ وقُوعِهِ، ويَنْشَأُ مِن ذَلِكَ كَثِيرٌ مِن الأَفْعَالِ المُحَرَّمَةِ كالقَتْلِ والضَّرْبِ وأَنْوَاعِ الظُّلْمِ والعُدْوَانِ، وكَثِيرٌ مِن الأَقْوَالِ المُحَرَّمَةِ كالقَذْفِ والسَّبِّ والفُحْشِ، ورُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى دَرَجَةِ الكُفْرِ، كَمَا جَرَى لِجَبَلَةَ بنِ الأَيْهَمِ، وكَالأَيْمَانِ الَّتِي لا يَجُوزُ الْتِزَامُها شَرْعًا، وكطَلاقِ الزَّوْجَةِ الذِي يُعْقِبُ النَّدَمَ.
والوَاجِبُ عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ شَهْوَتُه مَقْصُورَةً عَلَى طَلَبِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، ورُبَّمَا تَنَاوَلَها بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ، فَأُثِيبَ عَلَيْهَا، وأَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ دَفْعًا للأَذَى فِي الدِّينِ لَهُ أو لغَيْرِه وانْتِقَامًا مِمَّن عَصَى اللَّهَ ورَسُولَه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُم يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤمِنِينَ. ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}[التوبة: 14، 15].
وهَذِهِ كَانَتْ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّه كَانَ لا يَنْتَقِمُ لنَفْسِهِ، ولَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ، وَلَمْ يَضْرِبْ بِيَدِهِ خَادِمًا وَلا امْرَأَةً إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وخَدَمَهُ أَنَسٌ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لَهُ: (أُفٍّ) قَطُّ، وَلا قَالَ لَهُ لِشَيْءٍ فَعَلَهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَلا لشَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ: أَلا فَعَلْتَ كَذَا.
وفِي رِوَايَةٍ: (أَنَّه كَانَ إِذَا لامَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ)).
- وفِي رِوَايهٍَ للطَّبَرَانِيِّ: (قَالَ أَنَسٌ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا دَرَيْتُ شَيْئًا قَطُّ وَافَقَهُ، وَلا شَيْئًا قَطُّ خَالَفَهُ، رَضِيَ مِنَ اللَّهِ بِمَا كَانَ).
- وسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ).
تَعْنِي: أَنَّه تَأَدَّبَ بآدَابِهِ، وتَخَلَّقَ بأَخْلاقِهِ، فَمَا مَدَحَهُ القُرْآنُ كَانَ فِيهِ رِضَاهُ، ومَا ذَمَّهُ القُرْآنُ كَانَ فِيهِ سَخَطُهُ، وجَاءَ في رِوَايَةٍ عنها، قَالَتْ: (كَانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ، يَرْضَى لِرِضَاهُ وَيَسْخَطُ لسَخَطِهِ).
وكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ لا يُواجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ، بل تُعْرَفُ الكَرَاهَةُ في وَجْهِهِ، كَمَا في (الصَّحِيحِ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَياءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ، عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ).
ولَمَّا بَلَّغَهُ ابنُ مَسْعُودٍ قَوْلَ القَائِلِ: (هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ.
شَقَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتَغيَّرَ وَجْهُهُ وغَضِبَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَ:((قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)).
وكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى، أو سَمِعَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، غَضِبَ لذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ، وَلَمْ يَسْكُتْ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَرَأَى سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، فتَلَوَّنَ وجْهُهُ وهَتَكَهُ، وَقَالَ: ((إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ)).

وَلَمَّا شُكِيَ إِلَيْهِ الإِمَامُ الذِي يُطِيلُ بالنَّاسِ صَلاتَهُ حَتَّى يَتَأَخَّرَ بَعْضُهُم عَنِ الصَّلاةِ مَعَه غَضِبَ، واشْتَدَّ غَضَبُه، ووَعَظَ النَّاسَ، وأَمَرَ بالتَّخْفِيفِ.
ولَمَّا رَأَى النُّخَامَةَ فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ، تَغَيَّظَ، وحَكَّهَا، وقَالَ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلا يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاةِ)).
وكَانَ مِن دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا)).

وهَذَا عَزِيزٌ جِدًّا، وهو أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَقُولُ سِوَى الْحَقِّ سَوَاءٌ غَضِبَ أو رَضِيَ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إِذَا غَضِبَ لا يَتَوَقَّفُ فيما يَقُولُ.
- وخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: ((ثَلاثٌ مِنْ أَخْلاقِ الإِيمَانِ: مَنْ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُدْخِلْهُ غَضَبُهُ فِي بَاطِلٍ، وَمَنْ إِذَا رَضِيَ لَمْ يُخْرِجْهُ رِضَاهُ مِنْ حَقٍّ، وَمَنْ إِذَا قَدَرَ لَمْ يَتَعَاطَ مَا لَيْسَ لَهُ)).
- وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَنَا؛ كَانَ أَحَدُهُمَا عَابِدًا، وَكَانَ الآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانَ العَابِدُ يَعِظُهُ، فَلا يَنْتَهِي، فَرَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ.
فَغَفَرَ اللَّهُ لِلمُذْنِبِ، وَأَحْبَطَ عَمَلَ العابِدِ).
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (لَقَدْ تَكَلَّمَ بكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وآخِرَتَه).
فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَذِّرُ النَّاسَ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذِهِ الكَلِمَةِ فِي غَضَبٍ.
وَقَدْ خَرَّجَه الإِمَامُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ.
فَهَذَا غَضِبَ للَّهِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ في حَالِ غَضَبِهِ للَّهِ بِمَا لا يَجُوزُ، وحَتَمَ عَلَى اللَّهِ بِمَا لا يَعْلَمُ، فأَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ، فكَيْفَ بِمَن تَكَلَّمَ فِي غَضَبِهِ لنَفْسِهِ، ومُتَابَعَةِ هَوَاهُ بِمَا لا يَجُوزُ؟!
وفِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عَنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، أنَّهُم كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وامْرَأَةٌ مِن الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ، فَلَعَنَتْهَا، فسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:((خُذُوا مَتَاعَهَا وَدَعُوهَا)).
وفِيهِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، ورَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ، فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقَالَ لَهُ: سِرْ، لَعَنَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((انْزِلْ عَنْهُ، فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ، لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ)).
فهَذَا كُلُّه يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُعَاءَ الغَضْبَانِ قَدْ يُجَابُ إِذَا صَادَفَ سَاعَةَ إِجَابَةٍ، وَأَنَّه يُنْهَى عَنِ الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وأَهْلِهِ ومَالِهِ فِي الغَضَبِ.
وأَمَّا مَا قَالَه مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] قَالَ: (هو الوَاصِلُ لأَِهْلِهِ ووَلَدِهِ ومَالِهِ، إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ قَالَ: اللَّهُمَّ لا تُبَارِكْ فِيهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، يَقُولُ: لَوْ عَجَّلَ لَهُ ذَلِكَ، لأََهْلَكَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ، فأَمَاتَه. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّه لا يُسْتَجَابُ جَمِيعُ مَا يَدْعُو بِهِ الغَضْبَانُ عَلَى نَفْسِهِ وأَهْلِهِ ومَالِهِ، والحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّه قَدْ يُسْتَجَابُ لمُصَادَفَتِهِ سَاعَةَ إِجَابَةٍ).
وأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا يُلامُونَ عَلَى غَضَبٍ: الصَّائِمُ والمَرِيضُ والمُسَافِرُ).
وعَنِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: (يُوحِي اللَّهُ إِلَى الحَافِظَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ ابنِ آدَمَ: لا تَكْتُبَا عَلَى عَبْدِي في ضَجَرِهِ شَيْئًا).

وعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ قَالَ: (إِنَّ المَرِيضَ إِذَا جَزِعَ فأَذْنَبَ، قَالَ المَلَكُ الذِي عَلَى اليَمِينِ للمَلَكِ الذِي عَلَى الشِّمَالِ: لا تَكْتُبْ) خَرَّجَهُ ابنُ أَبِي الدُّنْيَا.
فَهَذَا كُلُّه لا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ مِن الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، والأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِن قَبْلُ تَدُلُّ عَلَى خِلافِهِ.
وقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ)).
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الغَضْبَانَ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بالسُّكُوتِ، فيَكُونُ حِينَئذٍ مُؤَاخَذًا بالكَلامِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه أَمَرَ مَن غَضِبَ أَنْ يَتَلافَى غَضَبَه بِمَا يُسْكِنُه مِن أَقْوَالٍ وأَفْعَالٍ، وهَذَا هو عَيْنُ التَّكْلِيفِ لَهُ بقَطْعِ الغَضَبِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّه غَيْرُ مُكَلَّفٍ في حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ.
وقَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ: (مَا أَبْكَى العُلَمَاءَ بُكَاءَ آخِرِ العُمُرِ مِن غَضْبَةٍ يَغْضَبُها أَحَدُهُم فتَهْدِمُ عَمَلَ خَمْسِينَ سَنَةً، أو سِتِّينَ سَنَةً، أو سَبْعِينَ سَنَةً، ورُبَّ غَضْبَةٍ قَدْ أَقْحَمَتْ صَاحِبَهَا مُقْحَمًا مَا اسْتَقَالَهُ) خَرَّجَهُ ابنُ أَبِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ إِنَّ مَن قَالَ مِن السَّلَفِ: (إِنَّ الغَضْبَانَ إِذَا كَانَ سَبَبُ غَضَبِهِ مُبَاحًا كالْمَرَضِ أو السَّفَرِ، أو طَاعَةً كالصَّوْمِ، لا يُلامُ عَلَيْهِ، إِنَّمَا مُرَادُه أَنَّه لا إِثْمَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَقَعُ منه في حَالِ الغَضَبِ كَثِيرًا؛ مِن كَلامٍ يُوجِبُ تَضَجُّرًا أو سَبًّا ونَحْوَه، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى البَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ البَشَرُ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً)).
فأَمَّا مَا كَانَ مِن كُفْرٍ، أو رِدَّةٍ، أو قَتْلِ نَفْسٍ، أو أَخْذِ مَالٍ بغَيْرِ حَقٍّ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لا يَشُكُّ مُسْلِمٌ أَنَّهُم لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ الغَضْبَانَ لا يُؤاخَذُ بِهِ، وكَذَلِكَ مَا يَقَعُ مِن الغَضْبَانِ مِن طَلاقٍ وعَتَاقٍ، أو يَمِينٍ، فَإِنَّه يُؤَاخَذُ بذَلِكَ كُلِّه بغَيْرِ خِلافٍ.
- وفي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بنِ الصَّامِتِ، أنَّها رَاجَعَتْ زَوْجَها، فغَضِبَ، فظَاهَرَ مِنْهَا وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُه وضَجِرَ، وأَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجَعَلَتْ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى مِن سُوءِ خُلُقِهِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الظِّهَارِ، وأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ) وخَرَّجَهَا ابنُ أَبِي حَاتِمٍ مِن وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ: (أَنَّ خَوْلَةَ غَضِبَ زَوْجُهَا فظَاهَرَ منها، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَتْه بذَلِكَ، وقَالَتْ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدِ الطَّلاقَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مَا أَرَاكِ إِلا حَرُمْتِ عَلَيْهِ)).
وذَكَرَ القِصَّةَ بطُولِهَا، وفي آخِرِهَا، قَالَ: فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلاقَ، فجَعَلَهُ ظِهَارًا.
فَهَذَا الرَّجُلُ ظَاهَرَ فِي حَالِ غَضَبِهِ، وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى حِينَئذٍ أَنَّ الظِّهَارَ طَلاقٌ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بذَلِكَ، يَعْنِي: لَزِمَهُ الطَّلاقُ، فَلَمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ ظِهَارًا مُكَفَّرًا أَلْزَمَهُ بالكَفَّارَةِ، وَلَمْ يُلْغِهِ.
- ورَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي ثَلاثًا وَأَنَا غَضْبَانُ).
فَقَالَ: إِنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِلَّ لَكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، عَصَيْتَ رَبَّكَ وحَرَّمْتَ عَلَيْكَ امْرَأَتَكَ.
خَرَّجَهُ الجُوزْجَانِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ بإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
- وخَرَّجَ القَاضِي إِسْمَاعِيلُ بنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ (أَحْكَامِ القُرْآنِ) بإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (اللَّغْوُ فِي الأَيْمَانِ مَا كَانَ فِي المِرَاءِ والهَزْلِ والمِزَاحَةِ، والحَدِيثُ الذي لا يَعْقِدُ عَلَيْهِ القَلْبُ، وأَيْمَانُ الكَفَّارَةِ عَلَى كُلِّ يَمِينٍ حَلَفْتَ عَلَيْهَا عَلَى جِدٍّ مِن الأَمْرِ فِي غَضَبٍ أو غَيْرِه: لَتَفْعَلَنَّ أو لَتَتْرُكَنَّ، فذَلِكَ عَقْدُ الأَيْمَانِ فِيهَا الكَفَّارَةُ).
- وكَذَا رَوَاه ُ ابنُ وَهْبٍ، عن يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وهَذَا مِن أَصَحِّ الأَسَانِيدِ، وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الحَدِيثَ المَرْوِيَّ عنها مَرْفُوعًا: ((لا طَلاقَ وَلا عَتَاقَ فِي إِغْلاقٍ)) إِمَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، أَوْ أَنَّ تَفْسِيرَه بالغَضَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِن الصَّحَابَةِ أَنَّهُم أَفْتَوْا أَنَّ يَمِينَ الغَضْبَانِ مُنْعَقِدَةٌ وفيها الكَفَّارَةُ، ومَا رُوِيَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذلك فَلا يَصِحُّ إِسْنَادُه، قَالَ الحَسَنُ: (طَلاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً طَاهِرًا مِن غَيْرِ جِمَاعٍ، وهو بالْخِيَارِ مَا بَيْنَه وبَيْنَ أَنْ تَحِيضَ ثَلاثَ حِيَضٍ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا كَانَ أَمْلَكَ بذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ غَضْبَانَ، فَفِي ثَلاثِ حِيَضٍ، أو في ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتْ لا تَحِيضُ، مَا يُذْهِبُ غَضَبَهُ).
وَقَالَ الحَسَنُ: (لَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لِئَلا يَنْدَمَ أَحَدٌ فِي طَلاقٍ كَمَا أَمَرَه اللَّهُ).خَرَّجَهُ القَاضِي إِسْمَاعِيلُ.
وقَدْ جَعَلَ كَثِيرٌ مِن العُلَمَاءِ الكِنَايَاتِ مَعَ الغَضَبِ كالصَّرِيحِ فِي أَنَّه يَقَعُ بِهَا الطَّلاقُ ظَاهِرًا، وَلا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا مَعَ الغَضَبِ بِغَيْرِ الطَّلاقِ.
ومنهم مَنْ جَعَلَ الغَضَبَ مَعَ الكِنَايَاتِ كالنِّيَّةِ، فَأَوْقَعَ بذَلِكَ الطَّلاقَ في البَاطِنِ أيضًا، فكَيْفَ يُجْعَلُ الغَضَبُ مَانِعًا مِن وُقُوعِ صَرِيحِ الطَّلاقِ.


  #7  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 11:40 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)



القارئ :

(وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- (أنَّ رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني، قال:( لا تغضب) فردّد مِراراً، قال:( لا تغضب) رواه البخاري).
الشيخ :
هذا أيضاً من أحاديث الآداب العظيمة، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجُلٍ سأله (أوصني) قال: ((لا تغضب)) والسؤال بالوصية حصل مراراً من عَدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- يسْألون المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيقولون له: أوْصنا، أوصني.
واختلف جوابُهُ -عليه الصلاة والسلام- فمرة قال : ((لا تغضب))
وقال: لرجل قال له (أوصني).
قال: ((لا يزالُ لِسَانُكَ رَطْباً من ذِكرْ الله)).
وتكرَّر هذا واختلفت الإجابة.
قال العلماء: اختلافُ الإجابة يُحملُ على أحدِ تفسيرين:
الأول: أنه -عليه الصلاة والسلام- نوَّع الإجابة، بحسب ما يعلمهُ عن السَّائل، فالسائل الذي يحتاج إلى الذِّكر أرشدهُ إلى الذكر، والذي يحتاج إلى ألا يغضب أرشده إلى عدم الغضب.
والقول الثاني: أنَّهُ نوَّع الإجابة لتتنوع خصالُ الخير في الوصايا في الأمَّة، لأنَّ كل واحدٍ سينقلُ ما أوصى به النبي -عليه الصلاة والسلام- فتتنوع الإجابة، وكل من قال: أوْصني، محتاج لكلِّ جواب، لكن لم يُكثِر النبي -عليه الصلاة والسلام- الوصايا بأن قال: لا تغضب، ولا يزال لسانُك رطْباً من ذْكرِ الله، وكذا وكذا، حتى لا تكثر عليه المسائل، فإفادةُ من طلب الوصية بشيء واحد أدعى للاهتمام ولتطبيقه لتلك الوصية.
قال هنا: (أوْصني) والوصيةُ: الدلالَةُ على الخير، يعني: دُلَّني على كلام تخصني به من الخير، لي في عاجل أَمْري وآجله، فقال: لا تغضب.
وقوله هنا -عليه الصلاة والسلام-: (لا تغضب) دلّ على أن مَنْ طُلبت منهُ الوصية: أن يجتهد في الوصية الجامعة، وفي ما يحتاجه الموصَى، وألا يتخلف عن الجواب، وهذا يناسب أن يكون المعلم أو المربّي، أن يكون مستحضراً لوصايا النبي -عليه الصلاة والسلام- ولوصايا أهل العلم حتى يُعْطيها متى ما سَنحت الحاجة في طلب الوصية، وأشباه ذلك.
وقوله -عليه الصلاة والسلام -: ((لا تغضب)) هذا أيضاً له مرتبتان:
المرتبة الأولى: لا تغضب إذا أتت دواعي الغضب؛ فاكظم غضبك، واكظم غيظك، وهذا جاءت فيه آيات، ومنها قول الله -جل وعلا- {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} وكظم الغيظ من صفات عباد الله المؤمنين، المحسنين، الذين يكظمون الغضب عند فورته.
وجاء أيضاً في الحديث الصحيح أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن كظم غيظاً وهو يقدرُ على إنفاذه دُعي يوم القيامة على رؤوس الخلائق إلى الجنة)) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، والحديث في (السُّنن) وهو حديث صحيح، فكظم الغيظ ومَسْكُ الغضب هذا هو الحال الأولى التي دلّ عليها قوله: ((لا تغضب)) وكظم الغيظ، وإمساك الغضب هذا من الصفات المحمودة، ويأتي تفصيل الكلام علىكونه من الصفات المحمودة.
التفسير الثاني: لا تسع فيما يُغضِبُكَ؛ لأنَّهُ من المتقَرِّر أنّ الوسائل تؤدي إلى الغايات، فإذا كنت تعلم أنَّ هذا الشيء يُؤدي بكَ إلى غايةٍ تُغضِبُكَ فلا تسع في وسائلها، ولهذا كان كثير من السلف يمدحون التغافل.
وقال رجل للإمام: (الخيرُ تِسْعةُ أَعشارهِ في التغافل).
وقال الإمام أحمد: (قصَّر، الخيرُ كلُّه في التغافل) يعني أنّ إحقاق الأمور إلى آخرها في كل شيء هذا غير ممكن؛ لأن النفوس مطبوعة على التساهل، و مطبوعة على التوسع، وعندها ما عندها، فتغافل المرء عما يحدثُ له الغضب، ويُحدث له ما لا يرضيه، تغافله عن ذلك من أبواب الخير العظيمة، بل قال: ((الخير كله في التغافل)).
- التغافل عن الإساءة.
- التغافل عن الكلام فيما لا يحمد.
- التغافل أيضا عن بعض التصرُّفات لعدم متابعتها ولحوقها إلى آخرها.
إلى آخر ذلك، فالتغافل أمرٌ محمودٌ، وهذا مبنيٌ أيضاً على النهي عن التحسُّس والتجسُّس.
قوله: ((لا تغضب)) بمعنى: لا تأخذ في وسائل الغضب في أنواعها، فكل وسيلة من الوسائل التي تؤدي إلى الغضب؛ فمنهيٌ عن اتباعها؛ فإذا رأيت الشيء وأنت تعلمُ من نفسك أنه يؤدي بك إلى الغضب؛ فالحديث دلَّ على أن تنتهي عنه من أَوله، ولا تُتْبع نفسَكَ هذا الشيء، وتتمارى فيه، أو تتمادى فيه حتى يُغْضِبَك، ثم بعد ذلك قد لا تستطيع أن تكظم الغضب، أو الغيظ.

إذا تَقرَّر هذا وأنَّ الحديث له معنيان، وأَنَّ النهي عن الغضب، يشمل النهي عن إنفاذ الغضب بكتمانِ الغضب.
ويشمل أيضاً النهي عن غشيان وسائل الغضب، إذا تقرَّر هذا، فإنَّ الغضب مِنْ الصفات المذمومة التي هي من وسائل إبليس، فالغضب دائماً يكون معه الشر.
- فكثيرٌ من حوادث القتل والاعتداءات، كانت عن نتائج الغضب.

- كثيرٌ من الكلام السَّيئ الذي ربما لو أراد الإنسان أن يرجع فيه لرجع، لكنه أنفذه من جراء الغضب.
- كثيرٌ من العلاقات السَّيئة بين الرجل، وبين أهله، وحوادث الطلاق، وأشباه ذلك كان منشؤها الغضب.
- وكثير من قطع صلة الرَّحم، وتقطيع الأواصر التي أمر الله -جل وعلا- بوصْلها كان سَببُ القطِيعة الغضب، ومجاراة الكلام، وتبادل الكلام، والغضب إلى أن يُخرجه عما يعقل، ثم بعد ذلك لات ساعة إصلاح، وهكذا في أشياء كثيرة.
فالغضب مذموم وهو من الشيطان، ومن وسائل الشيطان لإحداث الفُرْقَة بين المؤمنين وإشاعة الفحشاء والمحرمات فيما بينهم.
علاج الغضب:
جاء في السنة أحاديث كثيرة في علاج الغضب نجملها في الآتي:
أولاً: أنّ الغضب يُعالج بالوضوء لأنه فيه فوْرة، والوضوء فيه تبريد، ولأنّ الغضب من الشيطان، والوضوء فيه استكانة لله -جل وعلا- وتعبُّد لله، فهو يُسكِّن الغضب، فمن غضب يشرع له الوضوء.
كذلك: مما جاء في السنة أنه إذا غضب وكان قائماً أن يقعد، وهذا من علاج آثار الغضب؛ لأنَّه يُسَكِّنُ نفسهُ.



ومن علاج الغضب:أنْ يسعى في كظمهِ وإبداله بالكلام الحسن لِمن قدرَ على ذلك، ومن المعلوم أنّ الإنسان يُبتلى وابتلاؤهُ يكون معه درجاتهُ وأجرهُ وثوابه، فإذا ابتُلي بما يُغْضبه فكظم ذلك وامتثل أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وما حثَّ الله -جل وعلا- عليه بقوله:{ والكاظمين الغيظ} وكظم غيظه وهو يقدرُ على إنفاذه كان حريًّا بكلِّ فضل مما جاء في الأحاديث بأن يُدعى على رؤوس الخلائق إلى الجنة وأشباه ذلك.
فهذا الحديث دلّ على هذا الأدب العظيم، فحريٌّ بطالب العلم وبكلِّ مستقيم على أمر الله أن يُوَطِّنَ نفسه على ترك الغضب، وتركُ الغضب لا بد له من صفة تَحملُ عليه والصفة التي تحمل عليه الحِلْمُ والأناة، ومن اتصف بالحلْم والأناةِ كان حكيماً، ولهذا الغَضُوب لا يَصلح أن يكون معالجاً للأمور، بل يحتاج إلى أن يهدأ حتى يكون حكيماً، وكان للغضب بعض الآثار السيئة في قصص متنوعة ولهذا نقول:
قوله عليه الصلاة والسلام ((لا تغضب)) ينبغي أن يكون بين أَعْيُننا دائماً في علاقاتنا مع إخواننا، ومع أهلينا، ومع الصغار، ومع الكبار، فكلما كان المرءُ أحْلَم وأحْكَم في لفظه، وفعلهِ، كان أقرب إلى الله -جل وعلا-، وهذا من صفات خاصَّةِ عباد الله.


  #8  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 11:50 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post الكشاف التحليلي

حديث أبي هريرة رضي الله عنه - مرفوعاً-:(لا تغضب)
ترجمة الراوي
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قول الراوي: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم...)
تسمية الرجل المبهم في الحديث
شرح قول المستوصي: (أوصني)
بيان معنى (الوصية)
أسباب تنوع وصايا النبي صلى الله عليه و سلم لمن استوصوه:
السبب الأول: مراعاة الأصلح لحال المستوصي
السبب الثاني: قصد التنويع لتتنوع خصالُ الخير في الأمَّة
فائدة: على مَنْ طُلبت منهُ الوصية أن يجتهد في الوصية الجامعة لما يحتاجه الموصَى
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب)
بيان معنى (الغضب)
الخلاف في معنى النهي عن الغضب في الحديث:
القول الأول: النهي عن مباشرة أسباب الغضب
القول الثاني: النهي عن العمل بمقتضى الغضب
الجمع بين القولين
كلا القولين حق، وهما مرتبتان لاجتناب الغضب
أقسام الغضب:
القسم الأَوَّلُ: غضب جِبِلِّيٌّ
الغضب الجبلي يصعب على الإنسان التحرز منه
القسم الثاني: غضب اختياري
الغضب من شيم النفوس فلا يذم ولا يمدح إلا من جهة أسبابه وآثاره،وهو نوعان:
النوع الأول: الغضب المحمود
الغضب المحمود: هو ما كان لأجل الحق وحسنت آثاره
النوع الثاني: الغضب المذموم
الغضب المذموم: هو ما قبحت آثاره ولم يكن لأجل الحق
طرق علاج الغضب المذموم:
1 - الدعاء
2 - ملازمة ذكر الله عز وجل
3 - ذكر النصوص الواردة في ذم الغضب، وفضل كظم الغيظ
4 - الاستعاذة من الشيطان الرجيم
5 - تغيير الوضع الذي يكون عليه الغاضب، وذكر الدليل على ذلك
سبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم للغضبان بالجلوس إن كان قائمًا، وذكر ما يشهد لذلك
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فليجلس، ولا يعدونه الغضب)، وذكر ما يشهد لهذا المعنى
6 - إعطاء البدن حقه من النوم والراحة
7 - البعد عن أسباب الغضب
8 - الوضوء
بيان وجه فائدة الوضوء في دفع الغضب
إثبات صفة الغضب لله عز وجل
أدلة ثبوت هذه الصفة من الكتاب والسنة
منهج أهل السنة في إثبات صفة الغضب
هدي النبي صلى الله عليه و سلم في الغضب
معنى قول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)
ذكر بعض الأحوال التي غضب فيها النبي صلى الله عليه و سلم
هدي السلف في الغضب
قصة معن بن زائدة مع من أغضبه
الحث على التزام كلمة الحق في الغضب والرضا
قول كلمة الحق في الغضب والرضا عزيزٌ جدًّا
فضيلة كظم الغيظ
التحذير من الغضب المذموم
الغضب جماع الشر
التحرز من الغضب جماع الخير
ذكر ما يشهد لذلك
فسر الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه حسن الخلق بترك الغضب
ذكر دليل هذا التفسير
الغضب إذا ملك ابن آدم كان كالآمر الناهي له
ذكر ما يشهد لهذا المعنى
معنى قول الحسن: (أربعٌ من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة والرهبة والشهوةِ والغضبِ)
دعاء الغضبان قد يجاب إذا صادف ساعة إجابة
مسألة: هل الغضبان مكلف؟
ذكر الدليل من السنة على أن الغضبان مكلف
روي عن بعض السلف أن الغضبان غير مؤاخذ بما يقول، ولا يعرف له أصل
معنى قول بعض السلف: (إن الغضبان إذا كان سبب غضبه مباحًا فلا لوم عليه)
يريدون بذلك أنه لا إثم عليه في غضبه ذلك، ولا يلام على آثاره الطبيعية
الاتفاق على مؤاخذة الغضبان بما يقوله من ردة وطلاق وظهار وعتاق ويمين
الاتفاق على مؤاخذة الغضبان بجناياته من قتل وقذف وغصب وغير ذلك
ذكر الأدلة على ما تقدم
1- حديث خولة في الظهار، حيث ظاهر منها أوس وهو غضبان
2- فتوى ابن عباس في طلاق الغضبان
3- أثر عائشة في يمين الغضبان، وتفسيرها للغو اليمين بغير الغضب
مسألة: حكم طلاق الغضبان
رأي الحافظ ابن رجب في طلاق الغضبان، وذكر ما استدل به
جواب الحافظ عن حديث: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)
جعل كثير من العلماء الكنايات مع الغضب كالصريح في إيقاع الطلاق بها ظاهراً
بيان طلاق السنة
من فوائد حديث أبي هريرة رضي الله عنه
حِرْصُ الصحابةِ على طلبِ العِلْمِ
منْ أسبابِ تحصيلِ العلمِ السؤالُ
أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ
الغضبُ جِمَاعُ الشرِّ كُلِّهِ
التحَرُّزُ من الغضبِ جِمَاعُ الخيرِ كُلِّهِ
فضلُ الصبرِ وكظم الغيظ
الحث على مباعدة أسباب الغضب


  #9  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 11:52 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر

العناصر
حديث أبي هريرة رضي الله عنه - مرفوعاً-:(لا تغضب)
ترجمة الراوي
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قول الراوي: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم...)
تسمية الرجل المبهم في الحديث
شرح قول المستوصي: (أوصني)
بيان معنى (الوصية)
أسباب تنوع وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمن استوصوه
فائدة: على مَنْ طُلبت منهُ الوصية أن يجتهد في الوصية الجامعة لما يحتاجه الموصَى
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب)
بيان معنى (الغضب)
الخلاف في معنى النهي عن الغضب في الحديث
أقسام الغضب
طرق علاج الغضب المذموم
سبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم للغضبان بالجلوس إن كان قائمًا، و ذكر ما يشهد لذلك
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فليجلس، ولا يعدونه الغضب)، وذكر ما يشهد لهذا المعنى
بيان وجه فائدة الوضوء في دفع الغضب
إثبات صفة الغضب لله عز وجل
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الغضب
معنى قول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)
ذكر بعض الأحوال التي غضب فيها النبي صلى الله عليه وسلم
هدي السلف في الغضب
الحث على التزام كلمة الحق في الغضب والرضا
فضيلة كظم الغيظ
التحذير من الغضب المذموم
فسر الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه حسن الخلق بترك الغضب
الغضب إذا ملك ابن آدم كان كالآمر الناهي له
دعاء الغضبان قد يجاب إذا صادف ساعة إجابة
مسألة: هل الغضبان مكلف؟
معنى قول بعض السلف: (إن الغضبان إذا كان سبب غضبه مباحًا فلا لوم عليه)
مسألة: حكم طلاق الغضبان


  #10  
قديم 7 ذو القعدة 1429هـ/5-11-2008م, 11:59 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
افتراضي الأسئلة

الأسئلة
س1: اذكر ترجمة موجزة لأبي هريرة رضي الله عنه؟
س2: من هو طالب الوصية في حديث أبي هريرة؟
س3: ما معنى الوصية؟
س4: ما أسباب تنوع وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لمن استوصوه؟
س5: ما معنى الغضب؟
س6: هل النهي في الحديث عن الغضب ذاته أو عن مباشرة أسبابه؟
س7: من الغضب ما هو محمود، بين ذلك؟
س8: اذكر بعض طرق علاج الغضب؟
س9: بين وجه فائدة الوضوء في دفع الغضب؟
س10: اذكر بعض الأحوال التي غضب فيها النبي عليه الصلاة والسلام؟
س11: اذكر باختصار بعض ثمرات كظم الغيظ؟
س12: قال الحسن رحمه الله: (أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان، وحرمه على النار...) فما هي؟
س13: اذكر بعض الأدلة على مؤاخذة الغضبان بجناياته؟


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ح16, حديث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir