المجموعة الرابعة:
س1: ما هي أسباب جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن في مصحف واحد؟
عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراءة و القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر.
من هنا كانت بداية فكرة جمع القرآن..لما استحرى القتل بالقراء يوم اليمامة أذهل ذلك عمر ابن الخطاب وفزع ذعرا فخاف أن يأتي يوم ينتهي فيه ى القراء فيضيع القران
وقد زال سبب الموجب لمنع لجمع القران في مصحف واحد الذي كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وهو استمرار نزول الوحي و ترقب ما يكون من نسخ الآيات و تغيير و تبديلها
خاصة وأن عدد القراء الذين قتلوا يوم اليمامة كثير.. فذكر ابن كثير أنهم نحو خمسمائة، وقيل أكثر من ذلك.
وقد روى أهل السير أن القراء قاتلوا يوم اليمامة قتال الأبطال وثبتوا ثباتاً عظيماً بعدما انكشف الناس، وكان عدّتهم بعد انكشاف عامة الجيش نحو ثلاثة آلاف، وعدة أصحاب مسيلمة أضعاف عددهم؛ فثبتوا واستبسلوا حتى فتح الله عليهم ونصرهم.
وكان من أشهر الذين قتلوا يوم اليمامة من القرّاء:سالم مولى أبي حذيفة، وكان من كبار حملة القرآن، وممن أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم، وكان يؤمّ المسلمين في المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
وقُتِلَ معه يوم اليمامة:مولاه أبو حذيفة بن عتبة، وثابت بن قيس بن شماس، وشجاع بن أبي وهب الأسدي وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام ممن هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،....وغير دلك من القراء
لهذا
خاف عمر رضي الله عنه ضياع القران بموت الحفاظ وقتل القراء فأشار على أبي بكر الصديق بجمع القرآن
وفي رواية: لما قتل أصحاب اليمامة دخل عمر بن الخطاب علي أبي بكر رضي الله عنهما فقال: إن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تهافتوا في القتل يوم اليمامة كما يتهافت الفراش في النار، وإني أخاف أن لا يشهدوا مشهدًا، إلا فعلوا ذلك، وهم حملة القرآن، فيضيع القرآن ويذهب. - المرشد الوجيز-
س2: ما مصير مصحف أبي بكر رضي الله عنه؟
كانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر في حياته حتى توفي ، ثم عند حفصة بنت عمر زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه، حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ منها عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى ماتت
ولما توفي أرسل مروان إلى عبد الله ابن عمر أن أرسل لي المصحف وعزم عليه بذلك فلما أرسله إليه مزقه وحرقها
الآثار في ذلك
- وقال ابن شهاب الزهري: حدثني أنس رضي الله عنه قال: (لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزّقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا، فمنعتها إياه).
قال الزهري: فحدثني سالم قال: (لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر رضي الله عنهما بعزيمة ليرسلن بها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر رضي الله عنهما، فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان رضي الله عنه). رواه ابن شبة في تاريخ المدينة، وأبو عبيد في فضائل القرآن، وابن حبان في صحيحه
و رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف من طريق أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها، أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت، فقال مروان: «إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان شيء منها لم يكتب».
س3: ما موقف الصحابة رضي الله عنهم من جمع عثمان؟
قد حصل إجماع من الصحابة على استحسان ما فعله عثمان ابن الخطاب من جمع الناس على مصحف إمام.وحرق كل ما سواه من المصاحف ...وقد ذكرت الروايات أن عبد ابن مسعود قد اعترض على هذا الجمع في أول أمره لأسباب تخصه ثم رجع عن المعارضة إلى موافقة ما أجمع الصحابة ..فكان متابع للجماعة...وهو الذي استقر عليه أمر المسلمين....أجمعوا على القراءة بما تضمنته المصاحف العثمانية و ترك القراءة بكل ما سواها.
ما ورد من ذلك من آثار
قال أبو إسحاق السبيعي: سمعت مصعب بن سعد يقول: «أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرين فما رأيت أحداً منهم عاب ما صنع عثمان رضي الله عنه في المصاحف» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن وعمر بن شبة واللفظ له وابن أبي داوود
وفي وراية عند ابن شبة من طريق السدي قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: (سمعت رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: لقد أحسن).
- قال ثابت بن عمارة الحنفي: سمعت غنيم بن قيس المازني قال: (قرأت القرآن على الحرفين جميعاً، والله ما يسرّني أن عُثمان لم يكتب المصحف وأنه ولد لكل مسلم كلما أصبح غلاماً؛ فأصبح له مثل ما له.
قال: قلنا له: يا أبا العنبر لم؟
قال: (لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرؤون الشعر). رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.
وغنيم بن قيس من كبار التابعين وفقهائهم أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وقرأ على كبار الصحابة رضي الله عنهم.
***
موقف أهل الأهواء من صنيع عثمان
وقد اتخذ أهل الأهواء فعل عثمان هذا فرصة و سبيلا للنقم عليه....وكان ذلك من أول الأشياء التي عيبت عليه أيام بداية ظهور الفتن ....
فقد كانت أوّل فتنة ظهرت في هذا فرقة من أهل مصر في زمن عثمان أتوا ناقمين على عثمان حتى إذا نزلوا بالجحفة أرسل إليهم عليّ بن أبي طالب ، فقال لهم عليّ: ما الذي نقمتم؟
قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله عز وجل.. وذكروا سائر ما نقموا عليه.
فبيّن لهم الحقّ في كلّ ما نقموا عليه من ذلك، وطفئت تلك الفتنة، ثم ظهرت فتن أخرى.
وفي زمن عليّ بن أبي طالب ظهرت طائفة في عسكره غلوا في تفضيل عليّ على عثمان حتى تناولوا عثمان وذمّوه بحرق المصاحف حتى لقّبه بعضهم (حَرَّاق المصاحف) فخطب فيهم علي بن أبي طالب، وأنكر عليهم غلوَّهم، وبيّن لهم أنه لم يحرق المصاحف إلا عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم لما رأوا من اختلاف الناس في القرآن.
قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا يزيد بن زريع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: « عابوا على عثمان رضي الله عنه تشقيق المصاحف، وقد آمنوا بما كتب لهم، انظر إلى حمقهم»رواه عمر بن شبة.
ورواه أبو عبيد ولفظه: « ألا تعجب من حمقهم؛ كان مما عابوا على عثمان تمزيقه المصاحف، ثم قبلوا ما نسخ ».
موقف ابن مسعود من جمع عثمان رضي الله عنهما:
منزلة عبد الله ابن مسعود
كان ابن مسعود رضي الله عنه من كبار قرّاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أخذ من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وكان من معلّمي القرآن على زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : « خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة ».رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضّاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.
وكان الصحابة يعرفون لابن مسعود إمامته وفضله وحسن قراءته، وسابقته في الدين.
قال عبد الرحمن بن يزيد: سألنا حذيفة عن رجلٍ قريب السَّمْتِ والهَدْيِ من النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى نأخذَ عنه، فقال: « ما أعرفُ أحداً أقربَ سمتاً وهدياً ودلاً بالنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من ابن أمِّ عبْدٍ »رواه البخاري.
وبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة معلّماً ووزيراً؛ فكان يقرئ الناس في الكوفة مدة خلافة عمر وصدر خلافة عثمان؛ ونفع الله به به نفعاً مباركاً؛ وكان يقرئهم كما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو موسى الأشعري يقرئ أهل البصرة، وكان من قرّاء الصحابة رضي الله عنه.
وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يأمر المتعلّمين أن يقرأ كلٌّ منهم كما عُلّم، وأن لا ينكر على من قرأ قراءة صحيحة؛ بل ربما اشتدّ على من يسأل عن الأحرف مخافة أن يضرب السائل بعض القراءات ببعض، ويصرف نظره إلى التدبّر والتفكر والعمل.
قال أبو وائل شقيق بن سلمة: جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله، فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف؟ ألفا تجده أم ياء{من ماء غير أسن}، أو [من ماء غير ياسن]؟
قال: فقال عبد الله: وكلَّ القرآن قد أحصيتَ غير هذا؟!!
قال: إني لأقرأ المفصَّلَ في ركعة!
فقال عبد الله: «هذّا كهذّ الشِّعر! إنَّ أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع »رواه مسلم.
وكان يسير في تعليم الناس القرآن على الطريقة التي تعلّمها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من أسباب جمع عثمان الناس على قراءة واحدة هو كثرة الخلاف الحاصل بين الناس في القران..حتى كادت تكون فتنة بينهم..وتكفير بعضهم لبعض..فعزم عثمان على جمع الناس على قراءة واحدة.. وفي هذة الفترة كان عبد الله ابن مسعود نائيا في العراق..
وكان عثمان قد اختار زيد بن ثابت لعلمه بالكتابة والخطّ، وكان أكتبَ الناسِ في زمانه، وجعل معه من جعل من القراء والكتبة والمملين، ولم يجعل ابن مسعود منهم .
فشقّ ذلك على ابن مسعود لأنَّ ذلك يفضي إلى ترك بعض الأحرف التي قرأ بها وتلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، و قد روى عنه أنه قال لقد أخذت سبعين سورة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم....لأجل هذا غضب ابن مسعود لكونه لم يكن ممن جمع القران لأن ذلك سبب لترك بعض الأحرف التي قرأ بها عن رسول الله صلى الله عليه..وسلم ..وأنه لو جُعل مع النفر الذين أوكل إليهم جمع القرآن وتوحيد رسمه لكان أدعى لحفظ الحروف التي يقرأ بها مما تلقّاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم،..ولم يكن غضبه لفوات منصب أو نيل شرق كما يدعي من لا يقدر للصحابة قدرهم.
لمادا لم يعترض أبى ابن كعب رضي الله عنه على جمع عثمان...وهو أيضا كان من اعرف الناس بالقران في زمن الصحابة
لان أبي كان ممن يرجع إليه في جمع القران...وقد كانت له مشاركة في الجمع فقد ذكرت بعض الروايات انه كان ممن يملي على زيد ابن ثابت في الكتابة...لهذا اطمأن أبى بن كعب لصحة الجمع فلم يجد حرجا من تسليم مصحفه لعثمان حتى يحرقه
أما ابن مسعود فلم يحصل له ذلك..فوقع في قلبه حسرة وندامة على فوات بعض تلك الأحرف التي علمه أيها النبي صلى الله عليه وسلم
لهذا استنكر هذا الجمع أوّل الأمر لمّا بلغه، ثمّ إنه لمّا تبيّن له أن المصير إليه هو الحقّ رضي ما رضيه عثمان وسائر الصحابة واجتمعت عليه كلمة المسلمين.
روى النسائي عن أبي وائل قال: خطبنا ابن مسعود فقال: «كيف تأمروني أقرأ على قراءة زيد بن ثابت بعد ما قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا مع الغلمان له ذؤابتان».
و روى بن أبي داوود عن أبي وائل أنه قال: خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال: « {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}غُلُّوا مصاحفكم، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما أنزل من القرآن إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، ما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بخيركم، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته».
ثمّ إنّ موقفه هذا قد كرهه جماعة من كبار الصحابة وقرائهم وأنكروه.
- قال ابن شهاب الزهري: (بلغني أن كَرِهَ من مقالة ابن مسعود رجال أفاضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
- وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: «كُنَّا نَعُدّ عبدَ الله حَنَّانا فما بالُه يواثِبُ الأمراء».
ثمّ إنّ ابن مسعود رضي الله عنه قد رجع عن موقفه هذا إلى موافقة ما اجتمعت عليه كلمة الصحابة رضي الله عنهم.
وكان ابن مسعود بعد ذلك يسكّن الناسَ في أمر الاختلاف في القراءات، ويخبرهم أن اختلاف الأحرف ليس باختلاف في معاني القرآن، وأنّ كلّ حرف منها كافٍ شافٍ، وأنّ من قرأ على قراءة فليثبت عليها ولا يشكنّ فيها ولا يدعنّها رغبة عنها.
وروى عبد الرحمن بن عابس النخعي عن رجل من همدان من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه أنه اجتمع إلى ابن مسعود ناسٌ من أهل الكوفة فقرأ عليهم السلام، وأمرهم بتقوى الله، وألا يختلفوا في القرآن ولا يتنازعوا فيه فإنه لا يختلف ولا يتشانّ ولا يَتْفَه لكثرة الردّ..
وقال لهم: (ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة حدودها وفرائضها وأَمْرَ اللهِ فيها، فلو كان شيء من الحرفين يأمر بشيء وينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع ذلك كله). رواه عمر بن شبة.
*****
س4: هل كان الجمع العثماني مشتملاً على الأحرف السبعة أو على حرف منها؟
والعلاقة بين الجمع العثماني والأحرف السبعة من دقيق مسائل جمع القرآن، وفيها خلاف كثير بين أهل العلم.
1. فذهب الحارث المحاسبي وابن جرير الطبري وابن القيّم وجماعة من أهل العلم إلى أن عثمان حمل الناس على حرف واحد من تلك الأحرف السبعة.
مما اعترض على هذا القول
- أن هذا القول لا يصحّ لأنَّ المصاحف العثمانية لم تكن منقوطة ولا مشكولة وقد وقع بينها اختلاف في بعض المواضع في الرسم، وكان القراء يقرؤون من قراءاتهم بما وافق الرسم، ويدعون ما خالف الرسم، فقرؤوا من الأحرف السبعة ما وافق الرسم، وبذلك نشأت القراءات المعروفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين).
2-وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ جمع عثمان يحتمل الأحرف السبعة كلها، وهو بعيد مخالف لمقصود جمع عثمان رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره؛ بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة)ا.هـ.
وقال الحافظ ابن الجزري في النشر: (ذهب جماعات من الفقهاء والقرّاء والمتكلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، وبنوا ذلك على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الحروف السبعة التي نزل القرآن بها)ا.هـ.
وهذا كما تراه استناد على غير الأثر.
مما اعترض على هذا القول
ما قاله ابن الجزرى
قال ابن الجزري في منجد المقرئين: (إذا قلنا: إنَّ المصاحف العثمانية محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أنزلها الله تعالى كان ما خالف الرسم يقطع بأنه ليس من الأحرف السبعة، وهذا قول محظور لأن كثيرا مما خالف الرسم قد صح عن الصحابة رضي الله عنهم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم).
وقال أيضاً: (نحن نقطع بأن كثيراً من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرؤون بما خالف رسم المصحف العثماني قبل الإجماع عليه من زيادة كلمة وأكثر، وإبدال أخرى بأخرى، ونقص بعض الكلمات كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، ونحن اليوم نمنع من يقرأ بها في الصلاة وغيرها منع تحريم لا منع كراهة، ولا إشكال في ذلك، ومن نظر أقوال الأولين علم حقيقة الأمر، وذلك أن المصاحف العثمانية لم تكن محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أبيحت بها قراءة القرآن كما قال جماعة من أهل الكلام وغيرهم بناء منهم على أنَّه لا يجوز على الأمة أن تُهمل نقل شيء من الأحرف السبعة)ا.هـ.
ومما رجحه الشيخ حفظه الله أن عثمان اختار من الأحرف السبعة ما وافق لغة قريش والعرضة الأخيرة وقراءة العامّة، وبقي الرسم العثماني محتملاً لبعض ما في الأحرف الأخرى.
قال مكيّ بن أبي طالب القيسي.(فالمصحف كتب على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف إذ لم يكن منقوطاً ولا مضبوطاً).
وقال في موضع آخر: (إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف، مصحف عثمان الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه، واطرح ما سواه مما يخالف خطه).
وقال ابن الجزري: (وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبرائيل عليه السلام - متضمنة لها لم تترك حرفا منها).
قال: (وهذا القول هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدلُّ عليه وتشهد له).
س5: هل كان جمع أبي بكر في صحف غير مرتبة السور في مصحف واحد؟
الذي فهمته من كلام الشيخ أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه جمع القران في مصحف واحد
لقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (رحم الله أبا بكر، كان أعظم الناس أجرا في القرآن، هو أول من جمعه بين اللوحين).
فقوله بين اللوحين فيه دلالة ظاهرة انه كان مجموعا في مصحف واحد
و هو القول الصحيح وعليه يكون قول ابن التين في شرحه على صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق جمع القران في صحائف متفرقة..غير صحيح
فان ثبت ذلك فهو على ترتيب معين...الذي هو يقين أنه مرتب الآيات..لكن ترتيب السور..لم تبين لي القول الصحيح في ذلك..والله أعلم
.