بابُ التَّوكيدِ
هو لغةً: التَّقويةُ.
واصطلاحًا: ينقسمُ إلى قسمين:
ـ لفظيٍّ.
ـ ومعنويٍّ.
مثالُ ما فيه التَّوكيدُ اللفظيُّ:
قامَ زيدٌ زيدٌ ,مثلاً، فاللفظيُّ هو إعادةُ اللفظِ بعينِهِ, أو بمرادفِهِ, لدفعِ غفلةِ السَّامعِ, أو لأجلِ تقريرِهِ وإثباتِهِ في ذهنِهِ.
ـ ويكونُ في الاسمِ
كما في قولِ الشَّاعرِ:
أخَاكَ أخاكَ إنَّ من لا أخَاً له كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاحٍ
فأخاك الثَّاني توكيدٌ لأخاك الأوَّلِ.
ـ ويكونُ في الفعلِ
كما في قولِ الشَّاعرِ:
فـَأَيــْنَ إلــى أيــــن الـــنَّجـاةُ ببغلـــتي
أتاكِ أتاكِ اللاحقون احبسِ احبسِ
ـ ويكونُ في الحروفِ
كنَعَمْ نَعَمْ, وكما في قولِ الشَّاعرِ:
لالا أبوحُ بــحـبّ بــــثنةَ إنَّهَا أخذَتْ عليَّ مواثقًا وعهودَا
ومثالُ إعادةِ اللفظِ بمرادفِهِ في الاسمِ:
جاء ليثٌ أسدٌ.
وفي الفعلِ:
قعدَ جلسَ أسدٌ.
وفي الحرفِ:
نعمْ جير.
والتَّوكيدُ المعنويُّ هو الَّذي تكلَّمَ عليه المصنِّفُ، وهو مصدرٌ بمعنى اسمِ الفاعلِ.
قوله: (التَّوكيدُ) يُقرَأُ بالواوِ وبالألفِ وبالهمزةِ، ففيه ثلاثُ لغاتٍ أفصحُهَا أوَّلُها, وهو مصدرٌ بمعنى اسمِ الفاعلِ.
قوله: (تابعٌ للمؤكَّدِ) بفتحِ الكافِ على أنَّه اسمُ مفعولٍ.
قوله: (في رفعِهِ) أي رفعِ المؤكّدِ.
قوله: (ونصبِهِ) أي وتابعٍ له في نصبِهِ.
قوله: (وخفضِهِ) أي وتابعٍ له في خفضِهِ.
قوله: (وتعريفِهِ) أي وتابعٍ له في تعريفِهِ.
فإن قيل
لِمَ لَمْ يقلِ المصنِّفُ وتنكيرِهِ كما في النَّعتِ؟
فالجوابُ
أنَّ ألفاظَ التَّوكيدِ كلَّها معارفُ, فلا يردُ شيءٌ على المصنِّفِ.
-ثمَّ إنَّ التَّوكيدَ تارةً يكونُ لرفعِ احتمالِ المجازِ وإثباتِ الحقيقةِ.
-وتارةً يكونُ لرفعِ توهّمِ الخصوصِ بما ظاهرُهُ العمومُ.
وأشار إلى الأوَّلِ والثَّاني بقولِهِ: بألفاظٍ معلومةٍ.
قوله: (وهي النَّفْسُ) بسكونِ الفاءِ وهي هنا بمعنى الذَّاتِ, لأنَّ لها إطلاقين:
- فتُطلَقُ على الرّوحِ
كما في قولِهِ تعالى: (أنَّ النَّفسَ بالنَّفْسِ) أي الرّوحُ بالرّوحِ،
وقولِهِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (والَّذي نفْسِي بيدِهِ) أي روحي بيدِهِ.
- وتُطلَقُ على الدّمِ
كما في قولِ العلماءِ: وما لا نفسَ له سائلةٌ إذا وقعَ في الإناءِ وماتَ فيه لا ينجسُّهُ، أي وما لا دمَ له سائلٌ.
ثمَّ اعلمْ أنَّ التَّوكيدَ :
- تارةً يكون مقرِّرًا أمرَ المتبوعِ في النّسبةِ.
- وتارةً في الشّمولِ كما ذكره العلاَّمةُ ابنُ هشامٍ.
فمثالُ المقرِّرِ لأمرِ المتبوعِ في النّسبةِ:
جاء زيدٌ نفسُهُ، فإنَّه لولا قولُكَ نفسُهُ لجوَّزَ السَّامعُ كونَ الجائي كتابَهُ أو خبرَهُ، بدليلِ قولِهِ تعالى: (وجاءَ ربُّكَ) أي أمرُهُ **.
ومثالُ المقرِّرِ لأمرِ المتبوعِ في الشّمولِ
قولُهُ تعالى: (فسجدَ الملائكةُ كلُّهُم أجمعُونَ) إذ لولا التَّوكيدُ لجوّزَ السَّامعُ كونَ السّاجدِ أكثرَهُم.
قوله: (وكلٌّ وأجمعُ) لا يؤكَّدُ بهما إلا الشَّيءُ ذو الأجزاءِ، إمَّا باعتبارِ ذاتِهِ أو باعتبارِ عاملِهِ، فمثالُ الأوَّلِ قولُكَ: جاء القومُ كلُّهُم.
ومثالُ الثَّاني:
اشتريتُ العبدَ كلَّهُ أو جميعَهُ، ويؤكَّدُ بهما مفردين عن النَّفسِ والعينِ أو معهما.
وإذا أُكِّدَ المثنَّى بالنَّفسِ والعينِ ففيه ثلاثُ لغاتٍ:
الأولى وهي الفصحى : جمعُهُمَا على أَفْعُلٍ كما في قولِكَ: الزَّيدان أنفسُهُمَا أعينُهُما.
والثَّانيةُ : إفرادُ النَّفسِ كقولِكَ: جاء الزَّيدانِ نفسُهُمَا عينُهُما.
والثَّالثةُ: تثنيتُهُما فتقولُ: جاء الزَّيدان نفساهُمَا عيناهُمَا.
وإنَّما يؤكَّدُ بكلٍّ وأجمعَ للإحاطةِ والشّمولِ أي العمومِ،
فإذا قلتَ: جاء القومُ، يحتملُ أنَّكَ عبَّرْتَ عن البعضِ بالكلِّ مجازًا، فإذا أردْتَ التَّنصيصَ على العمومِ قلْتَ: جاءَ القومُ كلُّهُم.
قوله: (وتوابعُ أجمعَ) فلا يُؤكَّدُ بها إلا بعدَ التَّأكيدِ بأجمعَ، فلا يجوزُ تقديمُهَا عليها.
قوله: (وهي أَكْتَعُ) مأخوذٌ من تكتَّعَ الجلدُ إذا اجتمعَ.
قوله: (وأبْتَعُ) مأخوذٌ من البَتَعِ من قولِهِم: فلانٌ ذو بَتَعٍ أي عنقُهُ طويلٌ.
قوله: (وأبْصَعُ) مأخوذٌ من البَصْعِ وهو اجتماعُ العرقِ، ولا يجوزُ في ألفاظِ التَّوكيدِ أن يُعْطَفَ بعضُها على بعضٍ، ولا يجوزُ تقديمُهَا على المؤكّدِ، ولا يجوزُ قطعُهَا من الرَّفعِ إلى النَّصبِ، ومنه إلى الجرِّ بخلافِ النَّعتِ، فيجوزُ قطعُهُ عن المنعوتِ إذا كان معلومًا.
قوله: (تقولُ قامَ زيدٌ نفسُهُ) مثالٌ للتَّوكيدِ بالنَّفسِ.
قوله: (ورأيتُ إلخ) مثالٌ للتَّوكيدِ بكلٍّ.
قوله: (ومررتُ بالقومِ أجمعين) مثالٌ للتَّوكيدِ بأجمعَ.
** تنبيه:
الصواب أن المجيء صفة ثابتة لله جل وعلا على الوجه اللائق به بخلاف ما قاله المؤلف حيث أوّل مجيء الله جل وعلا بمجيء أمره.