قوله: (والأداء) شرع في بيان أحوال الواجب المقيَّد بوقت، كالصلاة، فيوصف بالأداء، والقضاء، والإعادة، وهذا من لواحق خطاب الوضع؛ لأن الوقت سبب للأداء، وخروجه سبب للقضاء، والسبب حكم وضعي.
قوله: (فعل الشي في وقته) أي: إن الأداء فعل الشيء أولاً في وقته المقدر له شرعاً، والتقييد بقولنا: (أولاً) للتفريق بين الأداء والإعادة، ومثاله: أن يصلي المغرب بين غروب الشمس وغروب الشفق، والفجر بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
وقولنا: (في وقته المقدر له) احتراز مما رُبِطَ الأمرُ بفعله عند وجود سبببه، كتحية المسجد إذا دخل المسجد في أي وقت ـ على الراجح ـ، وسجود التلاوة إذا قرأ آية فيها سجدة، وإنكاره المنكر إذا ظهر، وإنقاذ غريق إذا وجد، وكالجهاد إذا تحرك العدو أو حُصر البلد، فإن هذا كله فِعْلُ مأمورٍ به. ولا يوصف بالأداء في الاصطلاح؛ لعدم تقدير وقته، وإن كان قد يقال في فاعله: إنه امتثل ما أمر الله به، كما أن هذا القيد يخرج القضاء فإنه يُفْعَلُ بعد الوقت.
ولا يشترط في كون فعل الواجب أداءً أن يقع جميعه في الوقت بل يكفي إيقاع بعضه، فإذا أدرك ركعة من العصر ـ مثلاً ـ قبل غروب الشمس صارت أداءً؛ لقول النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»[(138)].
قوله: (والإعادة: فعله ثانياً لخلل أو غيره) أي: فعل المأمور به في وقته المقدر له شرعاً لخلل في الفعل الأول، كمن صلّى بدون طهارة، فإنه يعيد، أو لغير خلل كمن صلّى منفرداً ثم جاء الجماعة فإنه يصلي معهم لتحصيل فضيلة الجماعة، أو صلّى في جماعة ثم دخل مسجداً آخر فإنه يصلي معهم ـ أيضاً ـ لما ثبت في السنّة[(139)].
قوله: (والقضاء: فعله بعد خروج وقته) أي: مطلقاً لعذر، كالحائض يفوتها الصوم في رمضان، فتصوم بعده فيكون قضاءً، أو لغير عذر كما لو أخّر صلاة عن وقتها عمداً حتى خرج وقتها ثم صلاها، فيسمى ذلك قضاء على القول بقضائها[(140)].
قوله: (وقيل: إلا صوم الحائض بعد رمضان) هذا إشارة إلى قول آخر في تعريف القضاء، وهو أنه إن كان فوات المأمور به لعذر لم يكن قضاء، كصوم الحائض، بل هو فرض مبتدأ؛ لأن القضاء الحقيقي مبني على وجوب الأداء، وهو ساقط مع وجود المانع بالاتفاق.
قوله: (وليس بشيء) أي: هذا القول ضعيف، والصواب أنه قضاء، وهو قول جمهور العلماء؛ لوجوب نية القضاء عليها إجماعاً، ولحديث عائشة: (كنا نحيض فنؤمر بقضاء الصوم)[(141)]؛ ولأن ثبوت العبادة في الذمة غير ممتنع، كدين الآدمي، فكلاهما يُقضى، فالمعتبر في القضاء هو سَبْقُ الوجوب في الجملة، لا سَبْقُ وجوب الأداء على ذلك الشخص نفسه.