دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 شوال 1431هـ/1-10-2010م, 04:25 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الحديد

سورة الحديد
(مدنية)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (سبّح للّه ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (1)
قال قوم: التسبيح آثار الصنعة في السّماوات وفي الأرض ومن فيهما وكذلك فسروا قوله: (وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده)، وهذا خطأ، التسبيح تمجيد اللّه وتنزيهه من السوء ودليل ذلك قوله: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فلو كان التسبيح آثار الصّنعة لكانت معقوله، وكانوا يفقهونها.
ودليل هذا القول أيضا قوله: (وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير)، فلو كان تسبيحها آثار الصنعة لم يكن في قوله (وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير) فائدة.
وقوله: (له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير (2)
أي يحي الموتى يوم القيامة، ويميت الأحياء في الدنيا.
ويكون يحيي ويميت: يحيي النطف التي إنّما هي موات، ويميت الأحياء.
ويكون موضع (يحيي ويميت) رفعا على معنى هو يحيي ويميت.
ويجوز أن يكون نصبا على معنى له ملك السّماوات والأرض محييا ومميتا قادرا.
[معاني القرآن: 5/121]
وقوله تعالى: (هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم (3)
تأويله هو الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، والظاهر العالم بما ظهر والباطن العالم بما بطن، كما تقول: فلان يبطن أمر فلان، أي يعلم دخلة أمره.
(وهو بكلّ شيء عليم) لا يخفى عليه شيء
وقوله تعالى: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم واللّه بما تعملون بصير (4)
تأويله يعلم ما يدخل في الأرض من مطر وغيره.
(وما يخرج منها) من نبات وغيره.
(وما ينزل من السّماء) من رزق ومطر وملك.
(وما يعرج فيها).
أي ما يصعد إليها من أعمال العباد، وما يعرج من الملائكة.
(يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل وهو عليم بذات الصّدور (6)
معناه يدخل الليل في النهار بأن ينقص من الليل ويزيد في النّهار.
وكذلك (ويولج النّهار في اللّيل) ينقص من النهار ويزيد في الليل وهو مثل قوله: (يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل).
وقوله: (آمنوا باللّه ورسوله وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه فالّذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير (7)
معناه صدقوا بأن اللّه واحد وأن محمدا رسوله.
(وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه).
أي أنفقوا مما ملككم، فأنفقوا في سبيل اللّه وما يقرب منه.
وقوله: (وما لكم ألّا تنفقوا في سبيل اللّه وللّه ميراث السّماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلّا وعد اللّه الحسنى واللّه بما تعملون خبير (10)
[معاني القرآن: 5/122]
تأويله وأي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من اللّه وأنتم ميّتون تاركون أموالكم.
وقوله: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الّذين أنفقوا من بعد وقاتلوا).
لأن من تقدم في الإيمان باللّه وبرسوله عليه السلام وصدّق به فهو أفضل ممن أتى بعده بالإيمان والتصديق، لأن المتقدّمين نالهم من المشقة أكثر مما نال من بعدهم، فكانت بصائرهم أيضا أنفذ.
وقال: (وكلّا وعد اللّه الحسنى).
إلا أنه أعلم فضل السابق إلى الإيمان على المتأخر.
وقوله عزّ وجلّ: (من ذا الّذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم (11)
(فيضاعفه له)
ويقرأ (فيضاعفه له) - بالنصب، فمن نصب فعلى جواب الاستفهام بالفاء، ومن رفع فعلى العطف على يقرض، ويكون على الاستئناف على معنى فهو يضاعفه له.
ومعنى (يقرض) ههنا يفعل فعلا حسنا في اتّباع أمر اللّه وطاعته.
والعرب تقول لكل من فعل إليها خيرا: قد أحسنت قرضي، وقد أقرضتني قرضا حسنا، إذا فعل به خيرا.
قال الشاعر:
وإذا جوزيت قرضا فاجزه... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
المعنى إذا أسدي إليك معروف فكافئ عليه.
وقوله: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12)
(يوم) منصوب بقوله: (فيضاعفه له وله أجر كريم) في ذلك اليوم.
[معاني القرآن: 5/123]
ومعنى: (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم).
أي بمعنى نورهم بين أيديهم، وهو علامة أيديهم الصالحة.
(يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا)، أي بلغنا به إلى جنتك.
وقوله تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب (13)
وقرئت (أنظرونا) - بقطع الألف ووصلها -
فمن قال: (انظرونا) فهو من نظر ينظر، معناه انتظرونا.
ومن قال: (أنظرونا) - بالكسر - فمعناه - أخّرونا.
وقد قيل إن معنى " أنظرونا " انتظرونا أيضا.
وأنشد القائل بيت عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا... وأنظرنا نخبّرك اليقينا
وقوله: (قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا).
تأويله لا نور لكم عندنا.
وقوله: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب).
أي ما يلي المؤمنين ففيه الرحمة، وما يلي الكافرين ظاهره يأتيهم من قبله العذاب.
قوله عزّ وجلّ: (ولكنّكم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيّ حتّى جاء أمر اللّه وغرّكم باللّه الغرور (14)
معنى (فتنتم أنفسكم) استعملتموها في الفتنة، وتربصتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين الدوائر.
(وغرّتكم الأمانيّ).
أي ما كنتم تمنّون من نزول الدوائر بالمؤمنين.
(حتّى جاء أمر اللّه).
[معاني القرآن: 5/124]
أي حتى أنزل الله نصره على نبيّه والمؤمنين.
(وغرّكم باللّه الغرور).
أي غرّكم الشيطان، وهو الغرور على وزن الفعول، وفعول من أسماء المبالغة، تقول: فلان أكول إذا كان كثير الأكل وضروب إذا كان كثير الضرب، ولذلك قيل للشيطان: الغرور لأنه يغرّ ابن آدم كثيرا، فإذا غرّ مرة واحدة فهو غارّ، ويصلح غارّ للكثير، فأمّا غرور فلا يصلح للقليل، وقرئت (الغرور) وهو كل ما غرّ من متاع الدنيا.
ومعنى (ارتبتم) غلّبتم الشكّ على اليقين.
وقوله عزّ وجلّ: (مأواكم النّار هي مولاكم وبئس المصير (15)
هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، ومثل ذلك قول الشاعر:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه... مولى المخافة خلفها وأمامها
مثل ذلك. أي مولى المخافة خلفها وأمامها.
وقوله عزّ وجلّ: (ألم يأن للّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه وما نزل من الحقّ ولا يكونوا كالّذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (16)
(وما نزّل من الحقّ)
ويقرأ (وما نزل من الحقّ) - بالتخفيف.
وقوله (يأن) من أنى يأني، ويقال آن يئين.
وفي هذا المعنى ومعناه " حان يحين ".
وهذه الآية - واللّه أعلم - نزلت في طائفة من المؤمنين حثوا على الرّقّة والرحمة والخشوع.
فأما من كان ممن وصفه - عزّ وجلّ - بالخضوع والرقة والرحمة فطائفة من المؤمنين فوق هؤلاء.
وقوله عزّ وجلّ: (ولا يكونوا كالّذين أوتوا الكتاب من قبل)
[معاني القرآن: 5/125]
وقرئت بالتاء، - تكونوا - (فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم).
أي لا تكونوا كالذين لما طالت عليهم المدة قست قلوبهم.
وقوله عزّ وجلّ: (اعلموا أنّ اللّه يحي الأرض بعد موتها قد بيّنّا لكم الآيات لعلّكم تعقلون (17)
معناه أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على توحيد اللّه، ومن آياته الدالة على ذلك.
وقوله عزّ وجلّ: (إنّ المصّدّقين والمصّدّقات وأقرضوا اللّه قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم (18)
بتشديد الصّاد، معناه أن المتصدّقين والمتصدّقات.
ويقرأ (إنّ المصدّقين والمصدّقات) بالتخفيف، ومعناه إن المؤمنين والمؤمنات ممن صدّق اللّه ورسوله فآمن بما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (وأقرضوا اللّه قرضا حسنا).
أي تصدّقوا من مال طيّب.
(يضاعف لهم ولهم أجر كريم).
أي يضاعف لهم ما عملوا، ويكون ذلك التضعيف أجرا كريما.
وقوله: (والّذين آمنوا باللّه ورسله أولئك هم الصّدّيقون والشّهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (19)
(الصّدّيقون)
على وزن " الفعيلين " وأحدهم صدّيق وهو اسم للمبالغة في الفعل تقول: رجل " صدّيق " كثير التصديق وكذلك رجل سكّيت كثير السّكوت.
فالمعنى إنّ المؤمن المصدّق باللّه ورسله هو المبالغ في الصّدق.
وقوله عزّ وجلّ: (والشّهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم).
يصلح أن يكون كلاما مستأنفا مرفوعا بالابتداء، فيكون المعنى " والشهداء عند ربّهم لهم أجرهم ونورهم.
والشهداء هم الأنبياء، ويجوز أن يكون " والشهداء " نسقا على ما قبله، فيكون المعنى أولئك هم الصّدّيقون
[معاني القرآن: 5/126]
وأولئك هم الشهداء عند ربّهم، ويكون (لهم أجرهم ونورهم) للجماعة من الصديقين والشهداء.
وقوله عزّ وجلّ: (اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفّار نباته ثمّ يهيج فتراه مصفرّا ثمّ يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من اللّه ورضوان وما الحياة الدّنيا إلّا متاع الغرور (20)
(كمثل)
الكاف في موضع رفع من وجهين:
أحدهما أن تكون صفة فيكون المعنى: " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم مثل غيث، وهو المطر ويكون رفعها على خبر بعد خبر، على معنى أن الحياة الدنيا وزينتها مثل غيث أعجب الكفار نباته.
والكفار ههنا له تفسيران:
أحدهما أنه الزرع، وإذا أعجب الزرّاع نباته مع علمهم به، فهو في غاية ما يستحسن، ويكون الكفّار ههنا الكفّار باللّه، وهم أشد إعجابا بزينة الدّنيا من المؤمنين.
وقوله عزّ وجلّ: (ثمّ يهيج فتراه مصفرّا).
معنى (يهيج) يأخذ في الجفاف فيبتدئ به الصّفرة.
(ثمّ يكون حطاما).
أي متحطما متكسّرا ذاهبا.
وضرب الله هذا مثلا لزوال الدنيا.
وقوله عزّ وجلّ: (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من اللّه ورضوان).
ويقرأ (ورضوان)، وقد روينا جميعا عن عاصم - بالضم والكسر – فمعناه فمغفرة لأولياء الله وعذاب لأعدائه.
وقوله (سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها كعرض السّماء والأرض أعدّت للّذين آمنوا باللّه ورسله ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (21)
المعنى سابقوا بالأعمال الصالحة.
[معاني القرآن: 5/127]
وقيل إن الجنات سبع، وقيل أربع لقوله (ولمن خاف مقام ربّه جنّتان (46)
وقوله بعد ذلك (ومن دونهما جنّتان (62).
وقيل عرضها ولم يذكر طولها - واللّه أعلم - وإنما ذكر عرضها ههنا تمثيل للعباد بما يفعلونه ويقع في نفوسهم، وأكبر ما يقع في نفوسهم مقدار السّماوات والأرض.
وقوله عزّ وجلّ: (ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء).
وهذا دليل أنه لا يدخل أحد الجنّة إلا بفضل اللّه.
ثم أعلمهم أن ذلك المؤدّي إلى الجنّة أو النّار لا يكون إلا بقضاء وقدر فقال عزّ وجلّ:
(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على اللّه يسير (22)
أي من قبل أن نخلقها، فما وقع في الأرض من جدب أو نقص وكذلك ما وقع في النفوس من مرض وموت أو خسران في تجارة أو كسب خير أو شرّ فمكتوب عند اللّه معلوم.
وقوله عزّ وجلّ: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم واللّه لا يحبّ كلّ مختال فخور (23)
فمن قرأ " أتاكم " فمعناه جاءكم، ومن قرأ (آتاكم) فمعناه أعطاكم ومعنى " تفرحوا " ههنا لا تفرحوا فرحا شديدا تأشروا فيه وتبطروا ودليل ذلك: (واللّه لا يحبّ كلّ مختال فخور).
فدل بهذا أنه ذم الفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر له، فأمّا الفرح بنعمة اللّه والشكر عليها فغير مذموم.
وكذلك (لكيلا تأسوا على ما فاتكم).
أي لا تحزنوا حزنا يطغيكم حتى يخرجكم إلى أن تلزموا أنفسكم الهلكة ولا تعتدوا بثواب - اللّه ما تسلبونه وما فاتكم.
[معاني القرآن: 5/128]
وقوله: (الّذين يبخلون ويأمرون النّاس بالبخل ومن يتولّ فإنّ اللّه هو الغنيّ الحميد (24)
ويقرأ (بالبخل) مثل الرّشد والرّشد، وهذا على ضربين: أحدهما في التفسير أنهم الذين يبخلون بتعريف صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي قد عرفوها في التوراة والإنجيل.
والوجه الثاني أنه لما حثّ على الصفة، أعلم أنّ الذين يبخلون بها ويأمرون بالبخل بها، فإن الله عزّ وجل غني عنهم.
وقوله عزّ وجلّ: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب إنّ اللّه قويّ عزيز (25)
جاء في التفسير أن آدم عليه السلام هبط إلى الأرض بالعلاة والمطرقة والكلبتين. والعلاة هي التي يسميها الحدادون السّندان.
وقوله عزّ وجلّ (فيه بأس شديد).
أي: [يمتنع به]، ويحارب به.
(ومنافع للنّاس).
يستعملونه في أدواتهم وما ينتفعون به من آنيتهم، وجميع ما يتصرف وقوله: (وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب).
أي ليعلم الله من يقاتل مع رسله في سبله.
وقد مر تفسيره ومعناه.
وقوله عزّ وجلّ: (ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا وقفّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه رأفة ورحمة ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان اللّه فما رعوها حقّ رعايتها فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون (27)
(ثمّ قفّينا على آثارهم برسلنا)
أي أتبعنا نوحا وإبراهيم رسلا بعدهم.
(وقفّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل).
جاء في التفسير أن الإنجيل آتاه اللّه عيسى جملة واحدة.
وقوله (وجعلنا في قلوب الّذين اتّبعوه رأفة ورحمة).
ويجوز رآفة على وزن السماحة، حكى أبو زيد أنه يقال: رؤفت بالرجل رأفة، وهي القراءة.
وقد قرئت ورآفة.
[معاني القرآن: 5/129]
وقوله: (ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان اللّه).
هذه الآية صعبة في التفسير.
ومعناها - واللّه أعلم - يحتمل ضربين:
أحدهما أن يكون المعنى في قوله: (ورهبانيّة ابتدعوها) ابتدعوا رهبانية كما تقول: رأيت زيدا، وعمرا أكرمته، وتكون (ما كتبناها عليهم) معناه لم نكتبها عليهم ألبتّة، ويكون (إلا ابتغاء رضوان الله) بدلا - من الهاء والألف، فيكون المعنى ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان اللّه، وابتغاء رضوان اللّه اتباع ما أمر به.
فهذا - واللّه أعلم - وجه.
وفيها وجه آخر في (ابتدعوها).
جاء في التفسير أنّهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه فاتخذوا أسرابا وصوامع.
فابتدعوا ذلك، فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ودخلوا فيه لزمهم [إتمامه]، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه لزمه أن يتمّه.
وقوله عزّ وجلّ: (فما رعوها حقّ رعايتها).
على ضربين - واللّه أعلم -:
أحدهما أن يكونوا قصّروا فيما ألزموه أنفسهم.
والآخر وهو أجود أن يكونوا حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤمنوا به كانوا تاركين لطاعة اللّه، فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها. ودليل ذلك قوله عزّ وجلّ: (فآتينا الّذين آمنوا منهم أجرهم).
أي الذين آمنوا منهم بالنبي عليه السلام.
[معاني القرآن: 5/130]
(وكثير منهم فاسقون)
أي كافرون.
وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم واللّه غفور رحيم (28)
يعني (آمنوا برسوله)، صدّقوا برسوله.
وقوله عزّ وجلّ: (يؤتكم كفلين من رحمته).
معناه يؤتكم نصيبين من رحمته، وإنّما اشتقاقه في اللغة من الكفل، وهو كساء يجعله الراكب تحته إذا ارتدف لئلا يسقط، فتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي.
(ويجعل لكم نورا تمشون به).
كما قال عزّ وجلّ: (نورهم يسعى بين أيديهم)
وهذه علامة المؤمنين في القيامة، ودليل ذلك قوله: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للّذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم).
ويجوز أن يكون واللّه أعلم: (ويجعل لكم نورا تمشون به)
يجعل لهم سبيلا واضحا من الهدى تهتدون به.
وقوله: (لئلّا يعلم أهل الكتاب ألّا يقدرون على شيء من فضل اللّه وأنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (29)
المعنى فعل الله بكم ذلك كما فعل بمن آمن من أهل الكتاب لأن يعلموا و (لا) مؤكدة. و (ألّا يقدرون) (لا) ههنا يدل على الإضمار في " أن " مع تخفيف " أن " المعنى أنهم لا يقدرون، أي ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل اللّه.
[معاني القرآن: 5/131]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir