دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:37 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الشّورى

سورة الشّورى
حم عسق، (مكّيّة)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله عزّ وجلّ: (حم (1) عسق (2)
قد بيّنّا حروف الهجاء، وجاء في التفسير أن هذه الحروف اسم من أسماء اللّه، ورويت حم سق - بغير عين - والمصاحف فيها العين بائنة.
وقوله عزّ وجلّ: (كذلك يوحي إليك وإلى الّذين من قبلك اللّه العزيز الحكيم (3)
وقرئت يوحى، وقرئت نوحي إليك وإلى الذين من قبلك بالنون.
وجاء في التفسير أن " حم عسق " قد أوحيت إلى كل نبي قبل محمد - صلى الله عليه - وعليهم أجمعين.
وموضع الكاف من " كذلك " نصب.
المعنى مثل ذلك يوحى إليك.
فمن قرأ يوحي بالياء، فاسم اللّه عزّ جل رفع بفعله وهو يوحي.
ومن قرأ يوحى إليك فاسم اللّه مبين عما لم يسم فاعله، ومثل هذا من الشعر.
ليبك يزيد ضارع لخصومة... ومختبط مما تطيح الطّوائح
فبين من ينبغي أن يبكيه.
ومن قرأ نوحي إليك بالتون جعل نوحي إخبارا عن اللّه - عزّ وجلّ -.
ورفع (اللّه) بالابتداء وجعل (العزيز الحكيم) خبرا عن (اللّه)، وإن شاء كان
[معاني القرآن: 4/393]
(العزيز الحكيم) صفة للّه - عزّ وجلّ - يرتفع كما يرتفع اسم اللّه، ويكون الخبر (له ما في السّماوات وما في الأرض).
قوله: (تكاد السّماوات يتفطّرن من فوقهنّ والملائكة يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إنّ اللّه هو الغفور الرّحيم (5)
(تكاد السّماوات ينفطرن من فوقهنّ)
وقرئت ممّن فوقهن، وقرئت (يتفطّرن)، ومعنى ينفطرن ويتفطرن ينشققن، ويتشققن، فالمعنى - واللّه أعلم - أي تكاد السّماوات ينفطرن من فوقهن لعظمة اللّه. لأنه لما قال: (وهو العليّ العظيم).
قال: تكاد السّماوات ينفطرن لعظمته، وكذلك - ينفطرن ممن فوقهن، أي من عظمة من فوقهن.
وقوله عزّ وجلّ: (والملائكة يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض).
معنى (يسبّحون) يعظمون اللّه وينزهونه عن السوء (ويستغفرون لمن في الأرض) من المؤمنين.
ولا يجوز أن يكون يستغفرون لكل من في الأرض، لأن الله تعالى قال في الكفار: (أولئك عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين)
ففي هذا دليل على أن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين، ويدل على ذلك قوله في سورة المؤمن: (ويستغفرون للّذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلما).
وقوله عزّ وجلّ: (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيّا لتنذر أمّ القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنّة وفريق في السّعير (7)
(أمّ القرى) مكة، وموضع (ومن حولها) نصب.
المعنى لتنذر أهل أم القرى ومن حولها، لأن البلد لا يعقل.
ومثل هذا (واسأل القرية الّتي كنّا فيها).
وقوله: (وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه).
أي يوم يبعث الناس جميعا، ثم أعلم ما حالهم في ذلك اليوم فقال:
(فريق في الجنّة وفريق في السّعير).
[معاني القرآن: 4/394]
وقوله جلّ وعزّ: (ولو شاء اللّه لجعلهم أمّة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم من وليّ ولا نصير (8)
ارتفع (الظّالمون) بالابتداء.
وقوله: (يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذابا أليما (31).
الفصل بين هذا والأول أن أعد لهم فعل فنصب (الظالمين) بفعل مضمر يفسره ما ظهر، المعنى وأوعد الظالمين أعد لهم عذابا أليما.
وقوله: (فاطر السّماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير (11)
(جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا).
أي خلق الذكر والأنثى من الحيوان كلّه.
وقوله: (يذرؤكم فيه).
أي يكثركم بجعله منكم ومن الأنعام أزواجا.
وقوله: (ليس كمثله شيء).
هذه الكاف مؤكدة، والمعنى ليس مثله شيء، ولا يجوز أن يقال: المعنى مثل مثله شيء، لأن من قال هذا فقد أثبت المثل للّه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
قوله: (شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه اللّه يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (13)
روي في التفسير أن أول من أتى بتحريم البنات والأخوات والأمهات نوح.
(والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى).
أي وشرع لكم ما وصى به إبراهيم وموسى وعيسى.
وقوله عزّ وجل: (أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه).
[معاني القرآن: 4/395]
تفسير قوله: (ما وصى به إبراهيم) - وموضع " أن " يجوز أن يكون نصبا ورفعا وجرّا.
فالنصب على معنى شرع لكم أن أقيموا الدّين.
والرفع على معنى هو أن أقيموا الدّين، والجر على البدل من الباء، والجر أبعد هذه الوجوه، وجائز أن يكون أن أقيموا الدّين تفسيرا لما وصى به نوحا ولقوله (والذي أوحينا إليك) ولقوله: (وما وصينا به إبراهيم).
فيكون المعنى: شرع لكم ولمن قبلكم إقامة الدّين وترك الفرقة، وشرع الاجتماع على اتباع الرسل
وقوله عزّ وجلّ: (وما تفرّقوا إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم وإنّ الّذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شكّ منه مريب (14)
أي وما تفرق أهل الكتاب إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك بغيا أي للبغي.
وقوله: (ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم).
أي لجوزوا بأعمالهم، والكلمة هي تأجيله الساعة، يدل على ذلك قوله: (بل السّاعة موعدهم).
وقوله: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب وأمرت لأعدل بينكم اللّه ربّنا وربّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجّة بيننا وبينكم اللّه يجمع بيننا وإليه المصير (15)
(فلذلك فادع واستقم كما أمرت).
معناه فإلى ذلك فادع واستقم أي إلى إقامة الدّين (فادع واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتاب).
أي آمنت بكتب اللّه كلّها، لأن الذين تفرقوا آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض.
وقوله: (اللّه الّذي أنزل الكتاب بالحقّ والميزان وما يدريك لعلّ السّاعة قريب (17)
(الميزان) العدل
(وما يدريك لعلّ السّاعة قريب).
إنما جاز (قريب) لأن تأنيث الساعة غير تأنيث حقيقي، وهو بمعنى لعل
[معاني القرآن: 4/396]
البعث قريب، ويجوز أن يكون على معنى لعل مجيء السّاعة قريب.
(يستعجل بها الّذين لا يؤمنون بها والّذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنّها الحقّ ألا إنّ الّذين يمارون في السّاعة لفي ضلال بعيد (18)
أي يستعجل بها من يظن أنه غير مبعوث.
وقوله: (والّذين آمنوا مشفقون منها).
لأنهم يعلمون أنهم مبعوثون محاسبون.
(ألا إنّ الّذين يمارون في السّاعة لفي ضلال بعيد).
أي الذين تدخلهم المرية والشك في الساعة، فيمارون فيها ويجحدون كونها (لفي ضلال بعيد)، لأنهم لو فكروا لعلموا أن الذي أنشاهم وخلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة إلى أن بلغوا مبالغهم، قادر على إنشائهم وبعثهم.
وقوله جلّ وعزّ: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب (20)
جاء في التفسير أن معناه من كان يريد عمل الآخرة.
فالمعنى - واللّه أعلم - أنه من كان يريد جزاء عمل الآخرة نزد له في حرثه، أي نوفقه، ونضاعف له الحسنات.
ومن كان يريد حرث الدنيا، أي من كان إنما يقصد إلى الحظّ من الدنيا وهو غير مؤمن بالآخرة نؤته من الدنيا أي نرزقه من الدنيا لا أنه يعطى كل ما يريده وإذا لم يؤمن بالآخرة فلا نصيب له في الخير الذي يصل إليه من عمل الآخرة.
وقوله: (ترى الظّالمين مشفقين ممّا كسبوا وهو واقع بهم والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير (22)
أي تراهم مشفقين من ثواب ما كسبوا، وثواب ما كسبوا النار.
(وهو واقع بهم) أي وثواب كسبهم واقع بهم.
[معاني القرآن: 4/397]
(والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم).
أي: والظالمون لهم النار، والمؤمنون لهم الجنة.
وقوله: (ذلك الّذي يبشّر اللّه عباده الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إنّ اللّه غفور شكور (23)
يقرأ: يبشّر ويبشر، ويبشر
وقوله: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى).
أي إلا أن تودوني في قرابتي.
وجاء في التفسير عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: ليس حي من قريش إلا وللنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه قرابة، وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش: أنتم قرابتي وأول من أجابني وأطاعني، وروي أن الأنصار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: قد هدانا اللّه بك وأنت ابن أختنا، وأتوه بنفقة يستعين بها على ما ينوبه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلّا المودّة في القربى).
قال أبو إسحاق: ونصب (المودّة) أن يكون بمعنى استثناء ليس من الأول.
لا على معنى أسالكم عليه أجرا المودة في القربى، لأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا يسألون أجرا على تبليغ الرسالة، والمعنى - واللّه أعلم – ولكنني أذكركم المودّة في القربى.
قوله: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا).
أي من يعمل حسنة نضاعفها له.
(إنّ اللّه غفور شكور).
غفور للذنوب قبول للتوبة مثيب عليها.
وقوله - عزّ وجلّ -: (أم يقولون افترى على اللّه كذبا فإن يشإ اللّه يختم على قلبك ويمح اللّه الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته إنّه عليم بذات الصّدور (24)
[معاني القرآن: 4/398]
معناه فإن يشأ اللّه ينسك ما أتاك، كذلك قال قتادة.
ويجوز (فإن يشإ اللّه يختم على قلبك) يربط على قلبك بالصبر على أذاهم وعلى قولهم (افترى على اللّه كذبا).
(ويمحو اللّه الباطل)، الوقوف عليها (ويمحوا) بواو وألف لأن المعنى واللّه يمحو الباطل على كل حال، وكتبت في المصحف بغير واو لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء السّاكنين، فكتبت على الوصل.
ولفظ الواو ثابت، والدليل عليه (ويحق الحق بكلماته)، أي ويمحو اللّه الشرك ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيّه عليه السلام.
وقوله: (ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد (26)
المعنى ويجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
قوله عزّ وجلّ: (وهو الّذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الوليّ الحميد (28)
ويقرأ (قنطوا) بكسر النون، يقال قنط يقنط، وقنط يقنط إذا - يئس.
ويروى أن عمر قيل له قد أجدبت الأرض وقنط الناس فقال: مطروا إذن، لهذه الآية.
وقوله: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (30)
(ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا...).
وهي في مصحف أهل المدينة (بما كسبت أيديكم) - بغير فاء -، وكذلك يقرأونها خلا أبا جعفر فإنه يثبت الفاء وهي في مصاحف أهل العراق بالفاء.
وكذلك قراءتهم، وهو في العربية أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط.
المعنى ما تصبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم.
وقرئت (ويعلم الّذين يجادلون) والنصب على إضمار أن، لأن قبلها جزاء، تقول: ما تصنع أصنع مثله وأكرمك، وإن شئت قلت وأكرمك على وأنا أكرمك، وإن شئت: وأكرمك جزما.
[معاني القرآن: 4/399]
وروي عن علي رضي اللّه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن اللّه أكرم من أن يثني على عبده العقوبة، أي إذا أصابته في الدنيا مصيبة بما كسبت يداه لم يثن عليه العقوبة في الآخرة.
وأما من قرأ: (وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)
أي لا يجازى على كثير مما كسبت أيديكم قي الدنيا، وجائز أن يكون (يعفو عن كثير) فلا يجازى عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
ومعنى: (ما لهم من محيص).
ما لهم من معدل، ولا من منجى، يقال حاص عنه إذا تنحى، ويقال حاض عنه في معنى حاص، ولا يجوز أن يقرأ ما لهم من محيض، وأن كان المعنى واحدا.
فأمّا موضع (الذين) في قوله: (ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات) فيجوز أن يكون نصبا، ويجوز أن يكون رفعا.
فمن نصب فعلي معنى ويجيب اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ومن رفع فعلى معنى يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات للّه - عزّ وجلّ - أي لما يدعوهم اللّه إليه.
وقوله: (والّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون (37)
موضع (الّذين) خفض صفة لقوله (للّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون).
و (كبائر الإثم)، قال بعضهم كل ما وعد اللّه عليه النار فهو كبيرة.
وقيل الكبائر من أول سورة النساء من قوله: (ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب)
إلى قوله: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم).
وقد قيل: الكبائر الشرك باللّه، وقتل النفس التي حرم اللّه، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، واستحلال الحرام.
وقوله عزّ وجلّ: (والّذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصّلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون (38)
[معاني القرآن: 4/400]
(الذين) في موضع خفض أيضا، على معنى وما عند اللّه خير وأبقى للذين آمنوا وللذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة.
وقوله: (وأمرهم شورى بينهم).
أي لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه، وقيل إنه ما تشاور قوم قط – إلا هدوا لأحسن ما يحضرهم.
(والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (39)
جاء في التفسير أنهم كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم. فيجترئ عليهم الفساق.
وروي أنها نزلت في أبي بكر الصديق.
فإن قال قائل: أهم محمودون على انتصارهم أم لا؟
قيل هم محمودون؛ لأن من انتصر فأخذ بحقه ولم يجاوز في ذلك ما أمر اللّه به فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم ولا في قصاص فهو مطيع للّه عزّ وجلّ، وكل مطيع محمود، وكذلك من اجتنب المعاصي فهو محمود، ودليل ذلك قوله: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (31).
وقوله: (وجزاء سيّئة سيّئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين (40)
فالأولى (سيئة) في اللفظ والمعنى، والثانية (سيئة) في اللفظ، عاملها ليس بمسيء، ولكنها سميت سيئة لأنها مجازاة لسوء فإنما يجازي السوء بمثله.
والمجازاة به غير سيّئة توجب ذنبا، وإنّما قيل لها سيئة ليعلم أن الجارح والجاني يقتص منه بمقدار جنايته.
وهذا مثل قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) تأويله كافئوه بمثله، وعلى هذا كلام العرب.
وقوله: (ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور (43)
[معاني القرآن: 4/401]
أي الصابر يؤتى بصبره ثوابا فكل من زادت رغبته في الثواب فهو أتمّ عزم، وقد قال بعض أهل اللغة إن معنى قوله تعالى: (واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم) أن منه القصاص والعفو.
فالعفو أحسنه.
وقوله تعالى: (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرف خفيّ وقال الّذين آمنوا إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إنّ الظّالمين في عذاب مقيم (45)
(ينظرون من طرف خفيّ).
يعني ينظرون إلى النار من طرف خفي، قال بعضهم إنهم يحشرون عميا فيرون النار بقلوبهم إذا عرضوا عليها، وقيل ينظرون إليها مسارقة.
وقوله عزّ وجلّ: (استجيبوا لربّكم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من اللّه ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير (47)
(ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير).
أي ليس لكم مخلص من العذاب، ولا تقدرون أن تنكروا ما تقفون عليه من ذنوبكم ولا ما ينزل بكم من العذاب.
وقوله: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذّكور (49) أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنّه عليم قدير (50)
أي ويجعل ما يهبه من الولد ذكرانا وإناثا.
فمعنى (يزوّجهم ذكرانا وإناثا) أي يقرنهم، وكل اثنين يقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، كل واحد منهما يقال له زوج.
تقول: عندي زوجان من الخفاف، يعني أن عندك من العدد اثنين أي خفين، وكذلك المرأة وزوجها زوجان.
وقوله: (ويجعل من يشاء عقيما).
أي يجعل المرأة عقيما، وهي - التي لا تلد، وكذلك رجل عقيم أيضا لا يولد له، وكذلك الريح العقيم التي لا يكون عنها مطر ولا خير.
وقوله: (وما كان لبشر أن يكلّمه اللّه إلّا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنّه عليّ حكيم (51)
[معاني القرآن: 4/402]
يقرأ (أو يرسل) برفع. (يرسل)
و (فيوحي) بإسكان الياء.
والتفسير أن كلام الله للبشر إما أن يكون برسالة ملك إليهم كما أرسل إلى أنبيائه، أو من وراء حجاب كما كلم موسى عليه السلام، أو بإلهام يلهمهم.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى (أو يرسل رسولا) بالنصب.
فقال: (يرسل) محمول على " أن يوحي " هذه التي في قوله أن يكلمه اللّه.
قال لأن ذلك غير وجه الكلام لأنه يصرف المعنى: ما كان لبشر أن يرسل اللّه رسولا، وذلك غير جائز، لأن ما نرسل محمول على وحي.
المعنى ماكان لبشر أن يكلمه اللّه إلا بأن يوحي أو أن يرسل.
ويجوز الرفع في (يرسل) على معنى الحال، ويكون المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلا موحيا أو مرسلا رسولا كذلك كلامه إيّاهم.
قال الشاعر:
وخيل قد دلفت لها بخيل... تحية بينهم ضرب وجيع
ومثل قوله: (أو يرسل) بالنصب قوله الشاعر:
ولولا رجال من رزام أعزّة وآل سبيع أو أسوءك علقما
والمعنى أو أن أسوءك.
وقال: ويجوز أن يرفع " أو يرسل " على معنى أو هو يرسل، وهذا قول الخليل وسيبويه وجميع من يوثق بعلمه.
وقوله جلّ وعزّ: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم (52)
[معاني القرآن: 4/403]
أي فعلنا في الوحي اليك كما فعلنا بالرسل من قبلك.
وموضع (كذلك) نصب بقوله (أوحينا).
ومعنى (روحا من أمرنا) ما نحيي به الخلق من أمرنا.
أي ما يهتدى به فيكون حيّا.
وقوله: (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا)
ولم يقل جعلناهما لأن المعنى ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان.
وقوله: (وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم).
ويقرأ: (وإنّك لتهدي)، فمن قرأ (لتهدي)، فالمعنى تهدي بما أوحينا إليك إلى صراط مستقيم، ويجوز أن يكون (لتهدى) مخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمّته، فيكون المعنى وإنك وأمتك لتهدون إلى صراط مستقيم، كما قال: (يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء)
فهو بمنزلة يا أيها الناس المؤمنون إذا طلقتم النساء.
وقوله: (صراط اللّه الّذي له ما في السّماوات وما في الأرض ألا إلى اللّه تصير الأمور (53)
(صراط اللّه)
خفض بدل من (صراط مستقيم).
المعنى وإنّك لتهدي إلى صراط اللّه.
ويجوز (صراط اللّه) بالرفع، و (صراط اللّه) بالنصب.
ولا أعلم أحدا قرأ بهما ولا بواحدة منهما، فلا تقرأنّ بواحدة منهما لأن القراءة سنّة. لا تخالف، وإن كان ما يقرأ به جائزا في النحو.
[معاني القرآن: 4/404]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir