دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:29 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الزمر

سورة الزّمر
(مكّيّة)
ما خلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة
(قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه)
إلى تمام ثلاث آيات.
يقال سورة الغرف ويقال سورة الزمر.
روي عن وهب بن منبه أنه قال: من أحبّ أن يعرف قضاء اللّه في خلقه فليقرأ سورة الغرف.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم (1) إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ).
الكتاب ههنا القرآن، ورفع تنزيل الكتاب من جهتين:
إحداهما الابتداء ويكون الخبر من اللّه، أي نزل من عند اللّه.
ويجوز أن يكون رفعه على: هذا تنزيل الكتاب.
وقوله: (فاعبد اللّه مخلصا له الدّين (2)
(الدّين) منصوب بوقوع الفعل عليه، و (مخلصا) منصوب على الحال، أي فاعبد اللّه موحدا لا تشرك به شيئا.
وزعم بعض النحويين أنه يجوز مخلصا له الدّين، وقال يرفع الدّين على قولك مخلصا، له الدّين، ويكون مخلصا تمام الكلام.
ويكون له الدين ابتداء.
وهذا لا يجوز من جهتين.
إحداهما أنه لم
[معاني القرآن: 4/343]
يقرأ به، والأخرى أنه يفسده (ألا للّه الدّين الخالص) فيكون " له الدين " مكررا في الكلام، لا يحتاج إليه، وإنما الفائدة في (ألا للّه الدّين الخالص) تحسن بقوله (مخلصا له الدّين).
ومعنى إخلاص الدّين ههنا عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا جرى تثبيتا للتوحيد، ونفيا للشرك، ألا ترى قوله: (والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى إنّ اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار (3)
أي فأخلص أنت الدّين، ولا تتخذ من دونه أولياء، فهذا كله يؤكده مخلصا له الدّين.
وموضع (والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم..)
(الّذين) رفع بالابتداء، وخبرهم محذوف، في الكلام دليل عليه المعنى والذين اتخذوا من دونه أولياء يقولون ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى.
والدليل على هذا أيضا قراءة أبى: (ما نعبدكم إلا لتقرّبونا إلى اللّه).
هذا تصحيح الحكاية.
المعنى يقولون لأوليائهم: ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى اللّه زلفى، وعلى هذا المعنى، يقولون ما نعبدهم، أي يقولون لمن يقول لهم لم عبدتموهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. أي قربى.
ثم أعلم عزّ وجلّ - أنه لا يهدي هؤلاء فقال: (إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار).
ثمّ أعلم جلّ وعزّ: أنه تعالى عن هذه الصفة فقال:
(لو أراد اللّه أن يتّخذ ولدا لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهّار (4)
[معاني القرآن: 4/344]
أي تنزيها له عن ذلك..
(هو اللّه الواحد القهّار).
وفي هذا دليل أن الذين اتخذوا من دونه أولياء قد دخل فيهم من قال عيسى ابن اللّه - جلّ اللّه وعزّ عن ذلك -.
ومن قال: العزير ابن اللّه.
ثم بيّن - جلّ وعزّ - ما يدل على توحيده بما خلق ويعجز عنه المخلوقون فقال:
(خلقكم من نفس واحدة ثمّ جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم اللّه ربّكم له الملك لا إله إلّا هو فأنّى تصرفون (6)
" ثمّ " لا تكون إلا لشيء بعد شيء.
والنفس الواحدة يعني بها آدم - صلى الله عليه وسلم - وزوجها حوّاء. وإنّما قوله " ثمّ " لمعنى خلقكم من نفس واحدة، أي خلقها واحدة ثم جعل منها زوجها، أي خلقها ثم جعل منها زوجها قبلكم.
وقوله: (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج).
يعنى من الإبل ذكرا وأنثى، ومن البقر ذكرا وأنثى ومن الضأن كذلك ومن المعز ذكرا وأنثى.
يقال للذكر والأنثى زوجان كل واحد منهما يقال له زوج.
(يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث).
نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم تكسى العظام لحما، ثم تصوّر وتنفخ فيها الروح، فذلك معنى قوله: خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث في البطن، والرّحم، والمشيمة.
وقد قيل في الأصلاب والرحم والبطن.
(ذلكم اللّه ربّكم له الملك لا إله إلّا هو).
المعنى الّذي دبّر الخلق هذا التدبير ليس كمثله شيء.
(فأنّى تصرفون).
[معاني القرآن: 4/345]
المعنى فمن أين تصرفون عن طريق الحق، مثل: (فأنّى تؤفكون)
أي فكيف تعدلون عن الحق بعد هذا البيان الذي يدل على صحة التوحيد.
(إن تكفروا فإنّ اللّه غنيّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم تعملون إنّه عليم بذات الصّدور (7)
(وإن تشكروا يرضه لكم).
معناه يرضى الشكر، لأن قوله ((وإن تشكروا) يدلّ على الشكر.
وقوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
لا يؤخذ أحذ بذنب أحد.
وقوله جلّ وعزّ: (وإذا مسّ الإنسان ضرّ دعا ربّه منيبا إليه ثمّ إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله قل تمتّع بكفرك قليلا إنّك من أصحاب النّار (8)
(منيبا إليه) أي تائبا إليه.
(ثمّ إذا خوّله نعمة منه).
أي أذهب الضّرّ عنه وأنعم عليه.
(نسي ما كان يدعو إليه من قبل).
يقول: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى اللّه - جلّ وعزّ - وجائز أن يكون معناه نسي اللّه الذي كان يتضرع إليه من قبل.
ومثله: (ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5).
فكانت (ما) تدل على اللّه، و " من " عبارة عن كل مميّز.
و (ما) يكون لكل نوع، تقول: ما عندك؟ فيكون الجواب رجل أو فرس أو ما شئت من الأجناس، فيدخل المميز في (ما) من جهة دخولها على الأجناس.
(قل تمتّع بكفرك قليلا).
لفظ هذا لفظ أمر، ومعناه - التهديد والوعيد.
ومثله (فتمتّعوا فسوف تعلمون) ومثله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ومثله قوله لمن
[معاني القرآن: 4/346]
يتهدده: عد لما أكره وحسبك، فأنت لست تأمره في المعنى وإنّما تتوعده وتتهدده.
وقوله عزّ وجلّ: (أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب (9)
(أمّن هو قانت آناء اللّيل)
ساعات الليل، وأكثر القراءة بتشديد الميم على معنى بل أم من هو قانت - والقانت المقيم على الطاعة، ودعاء القنوت الدعاء في القيام، فالقانت القائم بما يجب عليه من أمر اللّه، ويقرأ (أمن هو قانت) بتخفيف الميم، وتأويله: أمن هو قانت كهذا الذي ذكرنا ممن جعل للّه أندادا، وكذلك (أمّن) معناه بل أمن هو قانت كغيره، أي أمن هو مطيع كمن هو عاص.
(يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه).
معناه يحذر عذاب الآخرة.
(قل هل يستوي الّذين يعلمون).
أي لا يستوي العالم والجاهل، وكذلك لا يستوي المطيع والعاصي و(أولوا الألباب): ذوو العقول، وواحد الألباب لب وهي العقول.
(قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة وأرض اللّه واسعة إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب (10)
ذكر سعة الأرض ههنا لمن كان يعبد الأصنام.
وأمرنا بالمهاجرة عن البلد الذي يكره فيه على عبادتها، كما قال: (ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها)
وقد جرى ذكر الأوثان في قوله: (وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله).
(إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب).
[معاني القرآن: 4/347]
أي من صبر على البلاء في طاعة اللّه أعطي أجره بغير حساب.
جاء في التفسير بغير مكيال وغير ميزان.
يغرف له غرفا، وهذا وإن كان الثواب لا يقع على بعضه كيل ولا وزن مما يتنغم به الإنسان من اللذة والسرور والرّاحة، فإنه يمثل ما يعلم بحاسّة القلب بما يدرك بالنظر، فيعرف مقدار القلّة من الكثرة.
وقوله: (قل إنّي أمرت أن أعبد اللّه مخلصا له الدّين (11)
يقول: إني أمرت بتوحيد اللّه، وأمر الخلق كلّهم بذلك، وألّا يتخذ من دونه وليّا ولا يجعل له أندادا.
وقوله: (فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين (15)
(فاعبدوا ما شئتم من دونه)
هذا على ما قلنا من الوعيد مثل قوله: (قل تمتع بكفرك قليلا).
وهذا يدل - واللّه أعلم - على أنه قبل أن يؤمر المسلمون بالحرب، وهو مثل (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
وقد بين حظ المؤمنين من جزيل الثواب، وحظ الكافرين من عظيم العقاب.
وقوله تعالى: (قل إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).
هذا يعني به الكفار، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار، وخسروا أهليهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة، ثم بين حالهم فقال: (ألا ذلك هو الخسران المبين).
(لهم من فوقهم ظلل من النّار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوّف اللّه به عباده يا عباد فاتّقون (16)
وهذا مثل قوله (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم)
[معاني القرآن: 4/348]
(ذلك يخوّف اللّه به عباده).
أي ذلك الذي وصف من العذاب وما أعدّه لأهل الضلال الّذي يخوّف اللّه به عباده.
(يا عباد فاتّقون).
القراءة بحذف الياء، وهو الاختيار عند أهل العربية، ويجوز: يا عبادي ويا عبادي، والحذف أجود وعليه القراءة.
وقوله: (والّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17)
أي الذين اجتنبوا الشياطين أن يتبعوهم.
(وأنابوا إلى اللّه لهم البشرى فبشّر عباد (17) الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولو الألباب (18)
وهذا فيه واللّه أعلم وجهان:
أحدهما أن يكون يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن.
وجائز أن يكونوا يستمعون جميع ما أمر الله به فيتبعون أحسن ذلك نحو القصاص والعفو، فإن من عفا وترك ما يجب له أعظم ثوابا ممن اقتص، ومثله: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور).
(ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41).
وقوله: (أفمن حقّ عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النّار (19)
هذا من لطيف العربية، ومعناه معنى الشرط والجزاء.
وألف الاستفهام ههنا معناها معنى التوقيف، والألف الثانية في (أفأنت تنقذ من في النّار) جاءت مؤكّدة معادة لمّا طال الكلام، لأنه لا يصلح في العربية أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم وألف أخرى في الخبر.
والمعنى أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه.
ومثله (أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابا وعظاما أنّكم
[معاني القرآن: 4/349]
مخرجون (35).
أعاد " أنكم " - ثانية، والمعنى أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون، ويكون - واللّه أعلم - على وجه آخر، على أنه حذف وفي الكلام دليل على المحذوف، على معنى أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلّص منه، أو ينجو منه، أفأنت تنقذه، أي لا يقدر أحد أن ينقذ من أضلّه اللّه، وسبق في علمه أنه من أهل النار. وقوله - جلّ وعزّ -: (ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثمّ يهيج فتراه مصفرّا ثمّ يجعله حطاما إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب (21)
جاء في التفسير أن كلّ ما في الأرض فابتداؤه من السّماء، ومعنى " ينابيع " الأمكنة التي ينبع منها الماء، وواحد الينابيع ينبوع، وتقدره يفعول من نبع ينبع.
(لكن الّذين اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف).
منازل في الجنة رفيعة، وفوقها منازل أرفع منها.
(وعد اللّه).
القراءة النصب، ويجوز (وعد اللّه) فمن نصب وهي القراءة، فبمعنى لهم غرف. لأن المراد وعدهم اللّه غرفا وعدا، فوعد اللّه منصوب على المصدر.
ومن رفع فالمعنى: ذلك وعد اللّه.
وقوله - جلّ وعزّ -: (ثمّ يخرج به زرعا مختلفا ألوانه).
ألوانه خضرة وصفرة وحمرة وبياض وغير ذلك.
(ثمّ يهيج)
قال الأصمعي يقال للنبت إذا تمّ جفافه: قد هاج يهيج هيجا.
[معاني القرآن: 4/350]
(ثمّ يجعله حطاما).
الحطام ما تفتّت وتكسّر من النبت وغيره، ومثل الحطام الرفات والدّرين.
(إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب).
أي تفكر لذوي العقول، فيذكرون ما لهم في هذا من الدلالة على توحيد اللّه جلّ وعزّ.
(أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلال مبين (22)
فهذه الفاء فاء المجازاة، والمعنى أفمن شرح اللّه صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته.
والجواب متروك لأن الكلام دالّ عليه.
ويؤكد ذلك قوله - جلّ وعزّ: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه) يقال: قسا قلبه عن ذكر اللّه ومن ذكر اللّه.
فمن قال من ذكر اللّه، فالمعنى كلما تلي عليه ذكر اللّه قسا قلبه، كما قال: (وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم).
ومن قال: عن ذكر اللّه فالمعنى أنه غلظ قلبه وجفا عن قبول ذكر اللّه.
(أولئك في ضلال مبين).
يعني القاسية قلوبهم. الآية.
وقوله: (اللّه نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء ومن يضلل اللّه فما له من هاد (23)
يعني القرآن، ومعنى متشابها، يشابه بعضه بعضا في الفضل والحكمة، لا تناقض فيه.
و (كتابا) منصوب على البدل من (أحسن الحديث).
وقوله: (مثاني) من نعت قوله (كتابا) منصوب على النعت، ولم ينصرف (مثاني) لما فسرناه من إنّه جمع ليس على مثال الواحد.
[معاني القرآن: 4/351]
(تقشعر منه جلود الذين يخشون ربّهم).
يقول: إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخاشعين للّه.
(ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه).
إذا ذكرت آيات الرحمة لأنت جلودهم وقلوبهم.
(ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء).
يقول: الذي وهبه الله لهم من خشيته وخوف عذابه ورجاء رحمته هدي اللّه.
(أفمن يتّقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظّالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون (24)
هذا مما جوابه محذوف، المعنى كمن يدخل الجنة، وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه.
وقوله: (ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثل لعلّهم يتذكّرون (27) قرآنا عربيّا غير ذي عوج لعلّهم يتّقون (28)
(عربيّا) منصوب على الحال.
المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيّته وبيانه.
وذكر (قرآنا) توكيدا، كما تقول: جاءني زيدا رجلا صالحا.
وجاءني عمرو إنسانا عاقلا.
فتذكر رجلا.. و " إنسانا " توكيدا.
وقوله جلّ وعزّ: (ضرب اللّه مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون (29)
ويقرأ (سلما) و (سلما)، فسالما على معنى اسم الفاعل.
سلم فهو سالم، وسلم وسلم مصدران وصف بهما على معنى ورجلا ذا سلم.
ومثله مما جاء
[معاني القرآن: 4/352]
من المصادر فعلا وفعلا قولهم: ربحت ربحا وربحا.
قال الشاعر:
إذا الحسناء لم ترحض يديها... ولم يقصر لها بصر بستر
قروا أضيافهم ربحا ببحّ... يعيش بفضلهنّ الحيّ سمر
أي قروا أضيافهم بذبح القداح التي يضربون بها في الميسر.
وتفسير هذا المثل أنه ضرب لمن وحّد اللّه، ولمن جعل له شريكا.
فالذي وحد الله مثله مثل السّالم لرجل لا يشركه فيه غيره.
ومثل الذي عبد غير اللّه مثل صاحب الشركاء المتشاكسين.
و " الشركاء المتشاكسون " المختلفون العسيرون الذين لا يتفقون.
وقوله: (هل يستويان مثلا).
أي هل يستوي مثل الموحّد ومثل المشرك.
وقوله عزّ وجلّ: (ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون (31)
يختصم المؤمن والكافر، ويخاصم المظلوم الظالم.
(فمن أظلم ممّن كذب على اللّه وكذّب بالصّدق إذ جاءه أليس في جهنّم مثوى للكافرين (32)
المعنى أي أحد أظلم ممن كذب على اللّه وكذّب نبيّه - صلى الله عليه وسلم -.
(والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون (33)
[معاني القرآن: 4/353]
روي عن علي رحمه اللّه أنه قال: الّذي جاء بالصّدق محمد - صلى الله عليه وسلم - والذي صدّق به أبو بكر. رحمه اللّه.
وروي أن الّذي جاء بالصّدق جبريل، والذي صدّق به محمد صلى اللّه عليهما.
وروي أن الّذي جاء بالصّدق محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدّق به المؤمنون.
وجميع هذه الوجوه صحيح.
والذي جاء في حرف ابن مسعود: والّذين جاءوا بالصّدق وصدّقوا به و (الذين) ههنا و (الذي) في معنى واحد، توحيده - لأنه غير موقت – جائز وهو بمنزلة قولك من جاء بالصّدق وصدّق به.
(أولئك هم المتقون).
و (الذي) ههنا للجنس، المعنى والقبيل الذي جاء بالصدق.
وقوله (أولئك هم المتقون) يدل على معنى الجماعة.
ومثله من الشعر:
إنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد
(أليس اللّه بكاف عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه ومن يضلل اللّه فما له من هاد (36)
(أليس اللّه بكاف عبده)
ويقرأ (عباده)، ولو قرئت " كافي عبده " و " كافي عباده " لجازت، ولكن القراءة سنة لا تخالف.
ومعنى بكاف عبده يدل على النصر، وعلى أنه كقوله: (ليظهره على الدّين كلّه)، وهو مثل: (إنّا كفيناك المستهزئين (95).
[معاني القرآن: 4/354]
(ويخوّفونك بالّذين من دونه).
أي يخوفون بآلهتهم وأوثانهم.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها، فلما جاء خالد قال له سادنها: أحذركها يا خالد إن لها شدة لا يقوم لها شيء فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها، فهذا معنى (ويخوّفونك بالّذين من دونه)، لأن تخويفهم خالدا هو تخويفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه وجهه.
ثم أعلم - مع عبادتهم العزى والأوثان - أنهم مقرون بأن اللّه خالقهم فقال: (ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه قل أفرأيتم ما تدعون من دون اللّه إن أرادني اللّه بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادني برحمة هل هنّ ممسكات رحمته قل حسبي اللّه عليه يتوكّل المتوكّلون (38)
ويقرأ كاشفات ضره - بترك التنوين والخفض في ضره ورحمته - فمن قرأ بالتنوين فلأنه غير واقع في معنى هل يكشفن ضره أو يمسكن رحمته ومن أضاف وخفض فعلى الاستخفاف وحذف التنوين.
وكلا الوجهين حسن قرئ بهما.
(قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل فسوف تعلمون (39)
و (على مكاناتكم). هذا اللفظ أمر على معنى الوعيد والتهدّد بعد أن أعلموا ما يجب أن يعملوا به، ثم قيل لهم: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وهذا كلام يستعمله الناس في التهدد والوعيد.
تقول: متى أسأت إلى فلان انتقمت منك، ومتى أحسنت إليه أحسنت إليك فاعمل ما شئت واختر
[معاني القرآن: 4/355]
لنفسك، فخوطب العباد على قدر مخاطباتهم وعلمهم، وقوله على (مكاناتكم) و (مكانتكم) معناه على ناحيتكم التي اخترتموها، وجهتكم التي تمكنتم - عند أنفسكم - في العلم بها.
(إنّي عامل).
ولم يقل على جهتي، لأن في الكلام دليلا على ذلك.
(إنّا أنزلنا عليك الكتاب للنّاس بالحقّ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها وما أنت عليهم بوكيل (41)
(وما أنت عليهم بوكيل).
أي ما أنت عليهم بحفيظ، ثم أخبر بأنه الحفيظ عليهم القدير فقال:
(اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون (42)
أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها، فالميتة المتوفاة وفاة الموت التي قد فارقتها النفس التي يكون بها الحياة.
والحركة، والنفس التي تميز بها. والتي تتوفى في النوم نفس التمييز لا نفس الحياة، لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس.
فهذا الفرق بين توفّي نفس النائم في النوم ونفس الحيّ.
(وإذا ذكر اللّه وحده اشمأزّت قلوب الّذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الّذين من دونه إذا هم يستبشرون (45)
معنى (اشمأزّت) نفرت، وكانوا - أعني المشركين - إذا ذكر اللّه فقيل: " لا إله إلا اللّه " نفروا من هذا، لأنهم كانوا يقولون: اللات والعزى، وهذه الأوثان آلهة.
[معاني القرآن: 4/356]
وقوله عزّ وجلّ: (فإذا مسّ الإنسان ضرّ دعانا ثمّ إذا خوّلناه نعمة منّا قال إنّما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (49)
(ثمّ إذا خوّلناه) أعطيناه ذلك تفضلا، وكل من أعطى على غير جزاء فقد خول.
(قال إنّما أوتيته على علم).
أي أعطيته على شرف وفضل يجب له به هذا الّذي أعطيت، فقد علمت أني سأعطى هدى، فأعلم اللّه أنه قد يعطى اختبارا وابتلاء فقال: (بل هي فتنة).
أي تلك العطيّة فتنة من الله وبلوى يبتلى بها العبد ليشكر أو يكفر.
(قد قالها الّذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (50)
يقول: فأحبطت أعمالهم.
(فأصابهم سيّئات ما كسبوا والّذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيّئات ما كسبوا وما هم بمعجزين (51)
أي إلى الله مرجعهم فيجازيهم بأعمالهم.
(قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم (53)
ومعنى (لا تقنطوا) لا تيأسوا، وجاء في التفسير أن قوما من أهل مكة قالوا إنّ محمدا يقول: إن من عبد الأوثان واتخذ مع الله إلها وقتل النفس، لا يغفر له، فأعلم اللّه أن من تاب وآمن غفر اللّه له كل ذنب، فقال: (لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا).
وقال: (وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون (54)
أي توبوا، وقيل إنها نزلت في قوم فتنوا، في دينهم، وعذبوا بمكة
[معاني القرآن: 4/357]
فرجعوا عن الإسلام، فقيل إن هؤلاء لا يغفر لهم بعد رجوعهم عن الإسلام فأعلم اللّه أنهم إن تابوا وأسلموا غفر لهم.
(واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55)
يعني القرآن ودليله: (اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشابها).
وقوله: (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون).
بغتة: فجأة.
(أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين (56)
أي يا ندما، وحرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها، إذا قال القائل: يا حسرتاه ويا ويلاه، فتأويله الحسرة والويل قد حلّ به وأنهما لازمان له غير مفارقين.
ويجوز يا حسرتي.
وزعم الفراء أنه يجوز يا حسرتاه على كذا وكذا بفتح الهاء.
ويا حسرتاه - بالكسر والضم.
والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء في الوصل وزعم أنه أنشده من بني فقعس رجل من بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل ... عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
وأنشده أيضا:
[معاني القرآن: 4/358]
يا مرحباه بحمار ناهية
والذي أعرف أن الكوفيين ينشدون:
يا مرحباه بجمار ناهية
قال أبو إسحاق: ولا أدري لم استشهد بهذا، ولم يقرأ به قط، ولا ينفع في تفسير هذه الآية شيئا، وهو خطأ.
ومعنى: (أن تقول نفس).
خوف أن تقول نفس وكراهة أن تقول نفس. المعنى اتبعوا أحسن ما أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا - القول، وهي حال الندامة ومعنى (على ما فرطت في جنب اللّه) في أمر اللّه، أي فرطت في الطريق الذي هو طريق اللّه الذي دعاني إليه وهو توحيده والإقرار بنبوة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
(وإن كنت لمن السّاخرين).
أي وما كنت إلا من المستهزئين.
(أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)
أي وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله (بلى) جواب النفي وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى (لو أنّ اللّه هداني)، و (لو أنّ لي كرّة).
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
(بلى قد
[معاني القرآن: 4/359]
جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت).
وقال اللّه تعالى: (ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون)
أي: حيث قالوا: (يا ليتنا نردّ) - الآية.
وقد رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكسر الكاف: " بلى قد جاءتك آياتي " جواب للفظ النفس - كما قال: (أنّ تقول نفس).
وإذا قال: (بلى قد جاءتك آياتي) بالفتح، فلأن النفس تقع على الذكر والأنثى، فخوطب المذكرون.
ومثل (قد جاءتك آياتي) - على خطابه المؤنث:
(يا أيّتها النّفس المطمئنّة (27) ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة (28).
وقوله - عزّ وجلّ -: (ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على اللّه وجوههم مسودّة أليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين (60)
القراءة على رفع (وجوههم مسودّة) على الابتداء والخبر.
ويجوز " وجوههم مسودّة " على البدل من الذين كفروا.
المعنى ويوم القيامة ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودّة.
والرفع أكثر وعليه القراء ومثل النصب قول عدي بن زيد:
دعيني إن أمرك لن يطاعا... وما ألفيتني حلمي مضاعا
(وينجّي اللّه الّذين اتّقوا بمفازتهم لا يمسّهم السّوء ولا هم يحزنون (61)
(بمفازتهم).
و (بمفازاتهم) يقرأ أن جميعا.
[معاني القرآن: 4/360]
(له مقاليد السّماوات والأرض والّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون (63)
أي مفاتيح السّماوات، المعنى ما كان من شيء من السّماوات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه.
(والّذين كفروا بآيات اللّه أولئك هم الخاسرون).
أي الذين يقولون إن شيئا ليس مما خلق اللّه أو رزقه من السّماوات والأرض فليس الله خالقه، أولئك هم الخاسرون.
ثم أعلم اللّه - جل وعز - أنه إنما ينبغي أن يعبد الخالق وحده لا شريك له فقال قل لهم بعد هذا البيان:
(قل أفغير اللّه تأمرونّي أعبد أيّها الجاهلون (64)
(أفغير) منصوب بـ (أعبد) لا بقوله (تأمرونّي) المعنى أفغير اللّه أعبد أيها الجاهلون فيما تأمرونني.
(بل اللّه فاعبد وكن من الشّاكرين (66)
نصب لفظ (اللّه - جلّ وعزّ - بقولك (فاعبد)، وهو إجماع في قول البصريين والكوفيين، والفاء جاءت على معنى المجازاة، كأنّه قال: قد تبينت فاعبد اللّه.
(وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون (67)
(وما قدروا اللّه حقّ قدره)
ويقرأ (قدره) - بفتح الدال.
جاء في التفسير: ما عظّموه حق عظمته.
والقدر والقدر ههنا بمعنى واحد.
(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة).
(جميعا) منصوب على الحال.
المعنى والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة (والسّماوات مطويّات بيمينه).
[معاني القرآن: 4/361]
أكثر القراءة رفع (مطويّات) على الابتداء والخبر.
وقد قرئت: (والسّماوات مطويّات) - بكسر التاء على معنى: والأرض جميعا والسّماوات قبضته يوم القيامة و (مطويّات) منصوب على الحال.
وقد أجاز بعض النحويين (قبضته) بنصب التاء، وهذا لم يقرأ به ولا يجيزه النحويون البصريون، لا يقولون: زيد قبضتك، ولا المال قبضتك على معنى في قبضتك، ولو جاز هذا لجاز زيد دارك يريدون زيد في دارك.
(ونفخ في الصّور فصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلّا من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68)
(ونفخ في الصّور) وقد فسرناه.
(فصعق) أي مات.
(من في السّماوات ومن في الأرض).
وجاء في التفسير أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل.
وقال بعض أهل اللغة: هو جمع صورة.
(إلّا من شاء اللّه).
جاء في التفسير أن هذا الاستثناء وقع على جبريل وميكائيل وملك الموت، وجاء أن الاستثناء على حملة العرش.
(وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء وقضي بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون (69)
معناها لما أراد اللّه الحساب والمجازاة أشرقت الأرض.
وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له: أنرى ربّنا يا رسول اللّه؟
فقال: أتضارّن في رؤية الشمس والقمر في غير سحاب؟
قالوا: لا، قال فإنكم لا تضارون في رؤيته.
[معاني القرآن: 4/362]
وجاء في الحديث: لا تضامون في رؤيته، والذي جاء في الحديث مخفف تضارون، وتضامون، وله وجه حسن في العربيّة.
وهذا موضع يحتاج إلى أن يستقصى تفسيره لأنه أصل في السنة والجماعة ومعناه لا ينالكم ضيز ولا ضيم في رؤييه.
أي ترونه حتى تستووا في الرؤية فلا يضيم بعضكم بعضا، ولا يضير بعضكم بعضا.
وقال أهل اللغة قولين آخرين: قالوا: لا تضارّون بتشديد الراء ولا تضامّون بتشديد الميم. مع ضم التاء في تضامون وتضارّون.
وقال بعض أهل اللغة بفتح التاء وتشديد الراء تضازون في رؤيته ولا تضامون على معنى تتضارون وتتضامون.
وتفسير هذا أنه لا يضام بعضكم بعضا ولا يخالف بعضكم بعضا في ذلك. يقال: ضاررت الرجل أضارّه مضارّة وضرارا إذا خالفته قال نابغة بني جعدة:
وخصمي ضرار ذوي تدارإ... متى بات سلمها يشغبا
ومعنى لا تضامون في رؤيته لا ينضم بعضكم إلى بعض، ويقول واحد للآخر: أرنيه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال، فهذا تفسير بيّن.
وكلّ ما قيل في هذا.
(وأشرقت الأرض) ألبست الإشراق بنور اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: (وسيق الّذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (73)
اختلف الناس في الجواب لقوله (حتّى إذا جاءوها).
فقال قوم: الواو مسقطة المعنى حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها.
قال أبو إسحاق: سمعت محمد بن يزيد يذكر أن الجواب محذوف، وإن
[معاني القرآن: 4/363]
المعنى، حتى إذا جاءوها إلى آخر الآية سعدوا.
قال فالمعنى في الجواب حتى إذا كانت هذه الأشياء صاروا إلى السعادة.
وقال قوم حتّى إذا جاءوها جاءوها وفتحت أبوابها، فالمعنى عندهم أن (جاءوها) محذوف وعلي معنى قول هؤلاء أنه اجتمع المجيء مع الدخول في حال.
المعنى حتى إذا جاءوها وقع مجيئهم مع فتح أبوابها.
قال أبو إسحاق: والذي قلته أنا - وهو القول إن شاء اللّه - أن المعنى (حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) دخلوها.
فالجواب " دخلوها "، وحذف لأن في الكلام دليلا عليه.
ومعنى (طبتم) أي كنتم طيبين في الدّنيا لم تكونوا خبيثين، أي لم تكونوا أصحاب خبائث.
وقوله: (وقالوا الحمد للّه الّذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين (74)
(وأورثنا الأرض).
يعني أرض الجنة نتخذ منها من المنازل ما شئنا، والعرب تقول لكل من اتخذ منزلا: تبوأ فلان منزلا.
(وترى الملائكة حافّين من حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين (75)
معنى (حافّين) محدقين، وكذا جاء في التفسير.
(وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين).
فابتدأ اللّه - عزّ وجلّ - خلق الأشياء بالحمد وختمه بالحمد، فقال: (الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور)
فلما أفنى الخلق وبعثهم وحكم بينهم، فاستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ختم بقوله: (الحمد للّه ربّ العالمين).
[معاني القرآن: 4/364]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir