دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:26 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة (ص)

سورة (ص)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
(ص والقرآن ذي الذّكر (1)
قرئت بالفتح وبالكسر، وبتسكين الدال، وهي أكثر القراءة.
فمن أسكن " صاد " من حروف الهجاء، وتقدير الدال الوقف عليها.
وقد فسرنا هذا في قوله (الم) أعني باب حروف الهجاء.
ومعناه الصادق اللّه، وقيل إنها قسم.
وقوله: (والقرآن ذي الذّكر).
عطف عليها، المعنى أقسم بصاد وبالقران ذي الذكر، ومن فتحها فعلى ضربين، يكون فتحا لالتقاء السّاكنين، ويكون على معنى اتل صاد، ويكون صاد اسما للسورة لا ينصرف.
ومن كسر فعلى ضربين - لالتقاء السّاكنين.
- وبكسرها على معنى صاد القرآن بعملك، من قولك صادى يصادي إذا قابل وعادل، يقال صاديته إذا قابلته.
وجواب قوله: صاد والقرآن (إنّ ذلك لحقّ تخاصم أهل النّار (64).
وقال قوم: الجواب: (كم أهلكنا قبلهم من قرن) ومعناه لكم أهلكنا قبلهم من قرن فلما طال الكلام بينهما حذفت اللام.
ومعنى (والقرآن ذي الذّكر).
أي ذي الذكر والشرف، وقيل ذي الذكر: قد ذكرت فيه أقاصيص الأولين والآخرين وما يحتاج إليه في الحلال والحرام.
(كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص (3)
[معاني القرآن: 4/319]
جاء في التفسير ولات حين نداء، وقال أهل اللغة ولات حين منجى ولا فوت، يقال ناصه ينوصه إذا فاته.
وفي التفسير لات حين نداء معناه لات حين نداء ينجي.
ويجوز لات حين مناص.
والرفع جيّد، والوقف عليها " لات " بالتاء، والكسائي يقف بالهاء (لاه) لأنه يجعلها هاء التأنيث.
وحقيقة الوقف عليها بالتاء، وهذه التاء نظيرة التاء في الفعل في قولك ذهبت وجلست، وفي قولك: رأيت زيدا ثمت عمرا، فتاء الحروف بمنزلة تاء الأفعال، لأن التاء في الموضعين دخلت على ما لا يعرب، ولا هو في طريق الأسماء فإن قال قائل: نجعلها بمنزلة قولهم: كان من الأمر ذيه وذيه، فهذه هاء في الوقف وهذه هاء دخلت على اسم لا يعرب، وقد أجازوا الخفض فقالوا: لات أوان.
وأنشدوا لأبي زبيد:
طلبوا صلحنا ولات أوان... فأجبنا أن ليس حين بقاء
والذي أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد ورواه:
طلبوا صلحنا ولات أوان
وذكر أنه قد روي الكسر.
فأمّا النصب فعلى أنها عملت عمل ليس، المعنى وليس الوقت حين مناص ومن رفع بها جعل حين اسم ليس وأضمر الخبر على معنى ليس حين منجى لنا ومن خفض جعلها مبينة مكسورة لالتقاء السّاكنين، كما قالوا: قدلك فبنوه على الكسر.
[معاني القرآن: 4/320]
والمعنى ليس حين مناصنا وحين منجانا، فلما قال: ولات أوان جعله على معنى ليس حين أواننا، فلما حذف المضاف بني على الوقف ثم كسر لالتقاء السّاكنين، والكسر شاذ شبيه بالخطأ عند البصريين، ولم يرو سيبويه والخليل الكسر، والذي عليه العمل النصب والرفع.
وقال الأخفش: إن (لات حين مناص) نصبها بـ (لا) كما تقول لا رجل في الدار، ودخلت التاء للتأنيث.
وقوله جل وعز: (وقال الكافرون هذا ساحر كذّاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشيء عجاب (5)
(عجاب) في معنى عجيب، ويجوز (عجاب) في معنى عجيب يقال: رجل كريم وكرّام وكرام.
وهذه حكاية عن ملأ من قريش لما مرض أبو طالب المرضة التي مات فيها أتاه أبو جهل بن هشام وجماعة من قريش يعودونه فشكوا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا يشتم آلهتنا ويفعل، فعاتبه أبو طالب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إني أدعوكم إلى كلمة يدين لكم العرب بها، وتؤدي بها إليكم العجم الجزية، فقال أبو جهل: نعم وعشرا على طريق الاستهزاء أي نقولها وعشرا معها، فقال: لا إله إلا اللّه، فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا.
ثم نهضوا وانطلقوا من مجلسهم يقول بعضهم لبعض امشوا واصبروا على آلهتكم.
وقوله: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد (6)
معناه أي امشوا، وتأويله يقولون امشوا.
ويجوز: وانطلق الملأ منهم بأن امشوا أي بهذا القول.
وقوله: (ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلّا اختلاق (7)
[معاني القرآن: 4/321]
حكاية عنهم أيضا، أي ما سمعنا بهذا في النصرانية ولا اليهودية ولا فيما أدركنا عليه آباءنا.
(إن هذا إلّا اختلاق).
أي إلا تقوّل.
(أأنزل عليه الذّكر من بيننا بل هم في شكّ من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب (8)
أي كيف أنزل الذكر عليه من بيننا، أي كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا.
(بل هم في شكّ من ذكري).
أي ليس يقولون ما يعتقدونه إلا شاكّين.
وقوله: (أم عندهم خزائن رحمة ربّك العزيز الوهّاب (9)
إن قال قائل: ما وجه اتصال (أم عندهم خزائن) بقوله: (بل هم في شكّ من ذكري)، أو بقوله (أأنزل عليه الذّكر من بيننا).
فهذا دليل على حسدهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بما آتاه اللّه من فضل النبوة.
فأعلم اللّه أن الملك له والرسالة إليه.
يصطفي من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء وينزل الغيث والرحمة على من يشاء فقال: (أم عندهم خزائن رحمة ربّك).
أي ليس عندهم ذلك.
(أم لهم ملك السّماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب (10)
أي ليس من ذلك شيء.
(فليرتقوا في الأسباب).
أي إن ادّعوا شيئا من ذلك فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء، وجائز أن يكون فليرتقوا في هذه الأسباب التي ذكرت وهي التي لا
[معاني القرآن: 4/322]
يملكها إلا الله.
ثم وعد اللّه نبيّه عليه السلام النصر عليهم فقال:
(جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب (11)
(ما) لغو، المعنى جند هنالك مهزوم من الأحزاب.
(كذّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد (12)
جاء في التفسير أن فرعون كانت له حبال وأوتاد يلعب له عليها.
(وما ينظر هؤلاء إلّا صيحة واحدة ما لها من فواق (15)
(من فواق)
وفواق بضم الفاء وفتحها، أي ما لها من رجوع، والفواق ما بين حلبتي الناقة، وهو مشتق من الرجوع أيضا لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين، وأفاق من مرضه من هذا، أي رجع إلى الصحة.
فالفواق هو من هذا أيضا.
(وقالوا ربّنا عجّل لنا قطّنا قبل يوم الحساب (16)
(القط) النصيب، وأصله الصحيفة يكتب للإنسان فيها شيء يصل إليه
قال الأعشى:
ولا الملك النّعمان يوم لقيته... بغبطته يعطي القطوط ويأفق
يأفق يفضل.
وهذا تفسير قولهم: (عجّل لنا قطّنا) وهو كقولهم (اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا) – الآية وقيل إنهم لما سمعوا أن المؤمن يؤتى كتابه بيمينه والكافر يؤتى كتابه بشماله، فيسعد المؤمن ويهلك الكافر، قالوا ربّنا عجّل لنا قطّنا.
واشتقاق القط من قططت أي قطعت.
وكذلك النصيب إنّما هو القطعة من الشيء.
(اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أوّاب (17)
(واذكر عبدنا داوود ذا الأيد)
ذا القوة، وكانت قوته على العبادة أتم قوة، كان يصوم يوما ويفطر يوما.
وذلك أشدّ الصوم، وكان يصلّي نصف الليل.
[معاني القرآن: 4/323]
(إنّه أوّاب).
رجاع إلى اللّه كثيرا، الآيب الراجع، والأوّاب الكثير الرّجوع.
(إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ والإشراق (18)
الإشراق: طلوع الشمس وإضاءتها، يقال شرقت الشمس إذا طلعت.
وأشرقت إذا أضاءت، وقد قيل شرقت وأشرقت إذا طلعت في معنى واحد.
والأول أكثر.
(والطّير محشورة كلّ له أوّاب (19)
كانت الجبال ترجع التسبيح، وكانت الطير كذلك، فيجوز أن تكون الهاء للّه - جلّ وعزّ - أي كل للّه مسبح، الطير والجبال وداود يسبحون للّه عز وجل، ويرجعون التسبيح.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون (كلّ له أوّاب) كل يرجعن التسبيح مع داود، يجبنه، كلما سبح سبحت الجبال والطير معه.
(وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20)
ويجوز وشدّدنا، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
معناه قوينا ملكه فكان من تقوية ملكه أنه كان يحرس محرابه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا من الرجال.
وقيل أيضا إنّ رجلا استعدى إليه على رجل، فادعى عليه أنه أخذ منه بقرا، فأنكر المدعى عليه فسأل داود المدعي البينة فلم يقمها، فرأى داود في منامه أن اللّه يأمره أن يقتل المدعى عليه، فتثبت داود، وقال هو منام، فأتاه الوحي بعد ذلك أن يقتله فأحضره ثم أعلمه أن الله أمره بقتله، فقال المدّعى عليه: إن اللّه - جلّ وعزّ - ما أخذني بهذا الذنب، وإني قتلت أبا هذا غيلة فقتله داود، فذلك مما كان عظم الله، وشدّد ملكه به.
[معاني القرآن: 4/324]
(وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب).
قيل في ذلك أن يحكم بالبينة واليمين، وقيل في فصل الخطاب، أن يفصل بين الحق والباطل.
وقيل (أما بعد)، وهو أول من قال أمّا بعد.
(وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب (21)
والمحراب أرفع بيت في الدار، وكذلك هو أرفع مكان في المسجد، والمحراب ههنا كالغرفة.
قال الشاعر:
ربّة محراب إذا جئتها... لم ألقها أو أرتقي سلّما
و (تسوّروا) يدلّ على علوّ.
وقال (الخصم) ولفظه لفظ الواحد، و (تسوّروا)
لفظ الجماعة لأن قولك خصم يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى، يقال: هذا خصم وهي خصم وهما خصم وهم خصم.
وإنما صلح لجميع ذلك لأنه مصدر، تقول خصمته أخصمه خصما.
المعنى هما ذوا خصم وهم ذوو خصم، وإن قلت خصوم جاز كما تقول هما عدل وهما ذوا عدل، وقال اللّه تعالى، (وأشهدوا ذوي عدل منكم).
فمعنى هما عدل هما ذوا عدل.
فما كان من المصادر قد وصفت به الأسماء فتوحيده جائز، وإن وصفت به الجماعة، وتذكيره جائز وإن وصفت به الأنثى، تقول هو رضى وهما رضى، وكذلك هذه رضى.
وقوله تعالى: (إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصّراط (22)
لأنهم أتوه من غير مأتى الخصوم، وفي غير وقتهم، وفي وقت لم يكن
[معاني القرآن: 4/325]
داود يأذن فيه أن يدخل عليه أحد، فأنكر ذلك وفزع.
وإنّما بعث إليه ملكان فتصورا في صورة رجلين متخاصمين.
(قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض).
القراءة - الرفع، والرافع لخصمان نحن، والمعنى نحن خصمان ولو كان في الكلام لا تخف خصمين بغى بعضنا على بعض لجاز، على معنى أتيناك خصمين لأنه أنكر إتيانهم، وإتيان الخصوم قد كان يعتاده كثيرا.
(فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط).
أي لا تجر، يقال أشط يشط إذا جار، ويقرأ لا تشطط بمعنى لا تبعد عن الحق، وكذلك لا تشطط - بكسر الطاء وفتح التاء - معناه كمعنى الأول قال الشاعر:
تشطّ غدا دار جيراننا... وللدّار بعد غد
(واهدنا إلى سواء الصّراط).
إلى قصد الطريق - أي طريق الحق.
(إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزّني في الخطاب (23)
كنى بالنعجة عن المرأة.
قال الأعشى:
فرميت غفلة عينه عن شاته... فأصبت حبّة قلبها وطحالها
عنى بالشاة ههنا المرأة.
[معاني القرآن: 4/326]
(فقال أكفلنيها).
أي اجعلني أنا أكفلها، وانزل أنت عنها.
(وعزّني في الخطاب).
غلبني في الخصومة، أي كان أقوى على الاحتجاج منّي.
(قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإنّ كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم وظنّ داوود أنّما فتنّاه فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب (24)
المعنى بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه.
(وإنّ كثيرا من الخلطاء).
من الشركاء، تقول فلان خليطي وشريكي في معنى واحد.
(إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم).
أي قليل هم.
وقوله: (وظنّ داوود أنّما فتنّاه) الآية.
ويقرأ بالتخفيف - فتناه - يعنى به الملكان.
ومعنى ظن أيقن، ألا أنه ليس بيقين عيان، أما العيان فلا يقال فيه إلا علم.
(فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب).
مكث أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه يستغفر اللّه من ذنبه، إلا لصلاة مكتوبة وما لا بدّ له منه، ولا ترقأ دمعته.
[معاني القرآن: 4/327]
ويروى في التفسير - أن قصة داود والملكين سببها أن إبليس - غضب اللّه عليه - تمثل له في صورة طير من ذهب فسقط بقربه، فأوى إليه ليأخذه فتنحّى وطلبه حتى إذا قارب أن يتناوله تنحى فبصر داود في اتباع الطير بامرأة تغتسل، وبصرت به فتجلّلت بشعرها حتى سترها ويقال إنها امرأة أوريّا بن حنّا.
ويروى أنه كتب إلى صاحب جنده أن يقدم أوريّا في حرب كانت.
فقدّمه فقتل فتزوجها داود، ويروى أن عليّا عليه السلام قال: من قال: أن داود عليه السلام قارف من هذه المرأة ريبة جلدته مائة وستين جلدة، لأن من قذف غير النبي جلد ثمانين جلدة، ومن قذف نبيا جلد مائة وستين جلدة.
وكان في التفسير أن داود أحب أن يتلف أوريّا حتى يتزوج داود بامرأته.
وهذا - واللّه أعلم - إنما كان من داود على جهة محبّة أن يتفق له ذلك من غير أن يتعمد أو يسعى في دم الرجل، فجعله اللّه له ذنبا لما أحبه.
ويجوز أن يكون كتب في أن يقدّم أمام التابوت هذا الرجل لبأسه ونجدته في الحرب ورجا كفايته فاتفق مع ذلك أن أصيب وبه حلت له امرأته فعوتب على محبة امرأة رجل ليس له غيرها، ولداود تسع وتسعون امرأة، فكان ذلك من ذنوب الأنبياء، فلما بالغ في التوبة وجهد نفسه في الرغبة إلى اللّه في العفو حتى كاد أن يتلف نفسه تائبا ومتنصّلا إلى اللّه من ذنبه، واللّه عز وجل قد وصف ذلك فقال: (واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أوّاب).
وقول عليّ عليه السلام - صلى اللّه على داود ورحمه - يدل على صحة هذا التأويل، واللّه أعلم.
(يا داوود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه إنّ الّذين يضلّون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26)
[معاني القرآن: 4/328]
بهذا جاز أن يقال للخلفاء خلفاء الله في الأرض.
(فاحكم بين النّاس بالحقّ).
أي بحكم اللّه (ذكنت خليفته.
وقوله: (بما نسوا يوم الحساب).
أي بتركهم العمل لهذا اليوم صاروا بمنزلة الناسين، وإن كانوا ينذرون ويذكّرون.
(وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الّذين كفروا فويل للّذين كفروا من النّار (27)
أعلمهم اللّه أنه يعذبهم علي الظن.
وكذلك: (وظنّوا أنّهم إلينا لا يرجعون)
وإنّما قيل لهم هذا لأنهم جحدوا البعث.
ودليل هذا قوله: (أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا وأنّكم إلينا لا ترجعون (115).
إذا لم يكن رجعة لم يكن فصل بين الفاجر والبرّ.
وبعد هذا: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)
ثم قال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياته وليتذكّر أولو الألباب (29)
المعنى هذا كتاب ليدّبّروا آياته. ليفكروا في آياته، وفي أدبار أمورهم.
أي عواقبها.
(وليتذكر أولو الألباب) أي ذوو العقول.
(ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنّه أوّاب (30)
[معاني القرآن: 4/329]
المعنى نعم العبد سليمان إنّه أوّاب كثير الرجوع.
(إذ عرض عليه بالعشيّ الصّافنات الجياد (31)
الصافنات الخيل القائمة، وقال أهل اللّغة وأهل التفسير، الصافن القائم الذي يثني إحدى يديه أو إحدى رجليه حتى يقف بها على سنبكه.
وهو طرف الحافر، فثلاث من قوائمه متصلة بالأرض، وقائمة منها تتصل بالأرض طرف حافرها فقط قال الشاعر:
ألف الصّفون فلا يزال كأنه... مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقال بعضهم الصافن القائم ثنى إحدى قوائمه ولم يثنها، والخيل أكثر ما تقف - إذا وقفت - صافنة، لأنها كأنّها تراوح بين قوائمها.
(فقال إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي حتّى توارت بالحجاب (32)
" الخير " ههنا الخيل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سمى زيد الخيل - زيد الخير، وإنما سميت الخيل الخير لأن الخير معقود بنواصي الخيل - كذا جاء في الحديث.
وكانت هذه الخيل وردت على سليمان من غنيمة جيش كان له، فتشاغل
[معاني القرآن: 4/330]
باعتراضها إلى أن غابت الشمس وفاتته صلاة العصر.
قال أهل اللغة: (حتّى توارت بالحجاب).
يعنى الشمس، ولم يجر للشمس ذكر..
وهذا لا أحسبهم أعطوا الفكر حقّه فيه، لأن في الآية دليلا يدل على الشمس، وهو قوله: (إذ عرض عليه بالعشيّ) والعشي في معنى بعد زوال الشمس.
حتى توارت الشمس بالحجاب، وليس يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر أو دليل ذكر بمنزلة الذكر.
وكان سليمان لهيبته لا يجسر عليه أحد حتّى ينبّه لوقت صلاة، ولست أدري هل كانت صلاة العصر مفروضة في ذلك الوقت أم لا، إلا أن اعتراضه الخيل قد شغله حتى جاز وقت يذكر اللّه - جلّ وعزّ - فيه.
ومعنى (أحببت حبّ الخير) آثرت حب الخير على ذكر اللّه.
(ردّوها عليّ فطفق مسحا بالسّوق والأعناق (33)
المسح ههنا على ما جاء في التفسير القطع، وروي أنه ضرب سوقها وأعناقها، وسوق جمع ساق، مثل دار ودور. ولم يكن سليمان ليضرب أعناقها إلا وقد أباح اللّه ذلك، لأنه لا يجعل التوبة من الذنب بذنب عظيم. وقال قوم إنه مسح أعناقها وسوقها بالماء وبيده، وهذا ليس يوجب شغلها إياه، أعني أن يمسحها بالماء، وإنّما قال ذلك قوم لأن قتلها كان عندهم منكرا.
وليس ما يبيحه اللّه بمنكر، وجائز أن يباح ذلك لسليمان في وقته ويحظر في هذا الوقت، ومالك يذهب إلى أنه لا ينبغي أن يؤكل لحم الخيل والبغال والحمير، لقول اللّه عزّ وجلّ: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة)
وقال في الإبل: (لتركبوا منها ومنها تأكلون)
[معاني القرآن: 4/331]
(ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيّه جسدا ثمّ أناب (34)
(فتنّا) امتحنا.
(وألقينا على كرسيّه جسدا).
جاء في التفسير أنه كان لسليمان ابن فخاف عليه الشياطين، لأن الشياطين كانت تقدر الراحة مما كانت فيه بموت سليمان، فقالت إن بقي له ولد لم ننفكّ مما نحن فيه، فغذاه في السحاب إشفاقا عليه فمات. فألقى على كرسيه جسد، فجائز أن يكون هذا مجازاته على ذنبه، وجائز أن يكون فأثكله اللّه ولده.
وأكثر ما جاء في التفسير أن " جسدا " ههنا شيطان، وأن سليمان أمر ألا يتزوج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوج من غيرهم امرأة كانت تعبد غير اللّه، فعاقبه اللّه بأن سلبه ملكه وكان ملكه في خاتمه فدفعه عند دخوله الحمام إلى شيطان، وجاء في التفسير أنه يقال له صخر، فطرحه في البحر فمكث أربعين يوما يتيه في الأرض حتى وجد الخاتم في بطن سمكة.
وكان شيطان تصور في صورته وجلس مجلسه، وكان أمره ينفذ في جميع ما كان ينفذ فيه أمر سليمان، خلا نساء سليمان، إلى أن ردّ اللّه عليه ملكه.
قال: (فغفرنا له ذلك).
أي ذلك الذنب.
(وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) حسن مرجع.
(قال ربّ اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنّك أنت الوهّاب (35)
[معاني القرآن: 4/332]
أي هب لي ملكا يكون فيه آية تدل على نبوتي، لا ينبغي لأحد من بعدي من الآدميين الذين ليسوا بأنبياء، يكون له آية تدل على أنك غفرت لي ورددت إليّ نبوتي. والدليل على هذا قوله:
(فسخّرنا له الرّيح تجري بأمره رخاء حيث أصاب (36)
(رخاء) لينة، وقيل (تجري بأمره) ليست بشديدة كما يحب.
(حيث أصاب)
إجماع المفسرين وأهل اللّغة أنه حيث أراد، وحقيقته قصد، وكذلك قولك للمجيب في المسألة: أصبت، أي قصدت، فلم
تخطئ الجواب.
(والشّياطين كلّ بنّاء وغوّاص (37)
(الشّياطين) نسق على الريح.
وقوله (كلّ بنّاء وغوّاص) يدل على أنه من الشياطين.
المعنى وسخرنا له كل بناء من الشياطين وكل غواص.
وكان من يبني: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل).
وكان من يغوص يخرجون له الحلية من البحر.
(وآخرين مقرّنين في الأصفاد (38)
مردة الجن الشياطين، سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد.
والأصفاد السلاسل من الحديد، - وكل ما شددته شدّا وثيقا بالحديد وغيره، فقد صفدته وكل من أعطيته عطاء جزيلا. فقد أصفدته كأنك أعطيته ما ترتبط به، كما تقول للمتخذ مالا أصلا يبقى عليه: قد اتخذت عقدة جيدة.
(هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (39)
(هذا عطاؤنا فامنن)
أي أطلق من شئت منهم.
[معاني القرآن: 4/333]
(هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب
(أو أمسك) أو احبس من شئت ولا حساب عليك في حبسه.
وجائز أن يكون عطاؤنا ما أعطيناك من المال والكثرة والملك.
فامنن، أي فاعط منه.
(أو أمسك بغير حساب).
بغير منة عليك، وإن شئت بغير حساب بغير جزاء.
(واذكر عبدنا أيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الشّيطان بنصب وعذاب (41)
(عبدنا) منصوب بوقوع الفعل عليه، و (أيّوب) بدل من (عبدنا)، لأن أيوب هو الاسم الخاص، والاسم الخاص لا يكون نعتا إنما يكون بدلا مبيّنا بـ (نصب) ونصب - بفتح النون والصاد، ونصب بضم النون بمعنى واحد - وقد قرئت بنصب بضم النون - وإسكان الصاد، وقرئت بفتح النون وإسكان الصاد.
ونصب بفتح النون والصاد بمنزلة نصب بضم النون، والنّصب والنّصب بمنزلة الرّشد والرّشد، والبّخل والبّخل والعرب والعرب. والنّصب - بفتح النون وإسكان الصاد على أصل المصدر، والنّصب والنصب على معنى نصبت نصبا ونصبا. ونصبا على أصل المصدر.
ومعنى (بنصب وعذاب) بضرّ في بدني، وعذاب في مالي وأهلي ويجوز أن يكون بضرّ في بدني وعذاب فيه.
وروي أنه مكث أيوب عليه السلام سبع سنين مبتلى يسعى الدّود من بدنه، فنادى ربّه: (أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين).
(اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب (42)
المعنى قلنا له: اركض برجلك: معناه دس الأرض برجلك فداس الأرض دوسة خفيفة، فنبعت له عين فاغتسل منها فذهب الداء من ظاهر بدنه، ثم داس دوسة ثانية فنبع ماء فشرب منه فغسلت الداء من باطن بدنه.
[معاني القرآن: 4/334]
(ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منّا وذكرى لأولي الألباب (43)
قيل: ووهبنا له أهله أعطيناه في الآخرة ثواب فقدهم، ووهبنا له في الدنيا مثلهم، وقيل أحيي له أهله، ووهب له مثلهم.
(رحمة منّا).
(رحمة) منصوبة مفعول لها.
(وذكرى لأولي الألباب).
لذوي العقول، ومعنى (وذكرى لأولي الألباب) إذا ابتلي اللبيب ذكر بلاء أيوب فصبر.
(وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنّا وجدناه صابرا نعم العبد إنّه أوّاب (44)
المعنى وقلنا خذ بيدك. والضغث الحزمة من الحشيش أو الريحان أو ما أشبه ذلك.
وجاء في التفسير أن امرأة أيوب قالت له: لو تقربت إلى الشيطان فذبحت له عناقا: قال ولا كفّا من تراب، وحلف أن يجلدها إذا عوفي مائة جلدة، وشكر الله لها خدمتها إيّاه فجعل تحلة يمينه أن يأخذ حزمة فيها مائة قضيب فيضربها ضربة واحدة.
فاختلف النّاس فقال قوم هذا لأيوب - عليه السلام - خاصّة.
وقال قوم: هذا لسائر الناس.
(أوّاب) كثير الرجوع إلى اللّه.
(واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار (45)
(واذكر عبدنا - (وعبادنا) من قال (عبادنا) جعل إبراهيم وإسحاق ويعقوب بدلا من عبادنا.
ومن قرأ
[معاني القرآن: 4/335]
عبدنا جعل إبراهيم وحده البدل، وجعل إسحاق ويعقوب عطفا على قوله عبدنا.
وقوله: (أولي الأيدي).
وقرئت الأيد بغير ياء ومعنى أولي الأيدي أولي القوة في العبادة.
(والأبصار) أي هم ذوو بصيرة فيما يقرب إلى اللّه.
وقد يقول للقوم: لهم أيدي بهؤلاء أي هم قادرون عليهم
قال الشاعر:
اعمد لما تعلو فما لك بالذي... لا تستطيع من الأمور يدان
أي اعمد لما تقهر ولا تعمد لما تقهر فيه، أي فما لك قوة.
من قرأ أولي الأيد بغير ياء فمعناه من التأييد والتقوية على الشيء.
وقوله: (إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدّار (46)
ويقرأ بخالصة ذكرى الدار على إضافة خالصة إلى ذكرى ومن قرأ بالتنوين جعل ذكرى الدار بدلا من خالصة.
ويكون المعنى إنا أخلصناهم بذكرى الدّار.
ومعنى الدار ههنا الدار الآخرة.
وتأويله يحتمل وجهين:
أحدهما: إنا أخلصناهم جعلناهم لنا خالصين، بأن جعلناهم يذكرون بالدار الآخرة، ويزهّدون في الدنيا، وكذلك شأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم. ويجوز أن يكون بأنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله جلّ وعزّ.
(وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47)
أي الذين اتخذهم اللّه صفوة، صفاهم من الأدناس كلّها وأخلصهم منها.
[معاني القرآن: 4/336]
وقوله: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلّ من الأخيار (48)
ويقرأ واللّيسع وذا الكفل.
وكان تكفل بعمل رجل صالح. يقال إنه كان يصلي ذلك الرجل في كل يوم مائة صلاة فتوفّي الرجل الصالح فتكفل ذو الكفل بعمله، فكان يعمل عمله، ويقال إن ذا الكفل تكفّل بأمر أنبياء فخلّصهم من القتل فسمّي ذا الكفل.
(وكلّ من الأخيار).
المعنى وكل هؤلاء المذكورين من الأخيار.
والأخيار جمع خيّر وأخيار مثل ميّت وأموات.
(هذا ذكر وإنّ للمتّقين لحسن مآب (49)
معناه - واللّه - أعلم - هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبدا، وإن لهم مع ذلك لحسن مآب أي لحسن مرجع.
يذكرون في الدنيا بالجميل ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة اللّه.
ثم بين كيف حسن ذلك المرجع فقال:
(جنّات عدن مفتّحة لهم الأبواب (50)
(جنّات) بدل من (لحسن مآب)
ومعنى مفتحة لهم الأبواب أي منها.
وقال بعضهم: مفتحة لهم أبوابها والمعنى واحد، إلا أن على تقدير العربية " الأبواب منها " أجود من أن تجعل الألف واللام وبدلا من الهاء والألف. لأن معنى الألف واللام ليس معنى الهاء والألف في شيء.
لأن الهاء والألف اسم، والألف واللام دخلتا للتعريف، ولا يبدل حرف جاء لمعنى من اسم ولا ينوب عنه. هذا محال.
(وعندهم قاصرات الطّرف أتراب (52)
[معاني القرآن: 4/337]
يعني حورا قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم.
(أتراب).
أقران، (وكواعب أترابا) أي أسنانهن واحدة، وهن في غاية الشباب والحسن.
(هذا ما توعدون ليوم الحساب (53)
أي ليوم تجزى كل نفس بما عملت، ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن نعيم أهل الجنة غير منقطع فقال:
(إنّ هذا لرزقنا ما له من نفاد (54)
أي ماله من انقطاع.
(هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآب (55)
المعنى: الأمر هذا. فهذا رفع خبر الابتداء المحذوف، وإن شئت كان هذا رفعا بالابتداء والخبر محذوف، وجهنم بدل من (شرّ مآب)، أي شر مرجع.
(هذا فليذوقوه حميم وغسّاق (57)
بتشديد السين وتخفيفها، وحميم رفع من جهتين:
إحداهما على معنى هذا حميم وغسّاق فليذوقوه.
ويجوز أن يكون (هذا) على معنى تفسير هذا (فليذوقوه) ثم قال بعد (حميم وغسّاق).
ويجوز أن يكون (هذا) في موضع نصب على هذا التفسير.
ويجوز أن يكون في موضع رفع.
فإذا كان في موضع نصب فعلى " فليذقوا هذا " فليذقوه.
كما قال: (وإيّاي فاتّقون). ومثل ذلك زيدا فاضربه.
[معاني القرآن: 4/338]
ومن رفع فبالابتداء ويجعل الأمر في موضع خبر الابتداء، مثل (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما).
وقيل إن معنى (غساق) الشديد البرد الذي يحرق من برده، وقيل إن الغساق ما يغسق من جلود أهل النار.
ولو قطرت منه قطرة في المشرق لأنتنت أهل المغرب.
وكذلك لو سقطت في المغرب.
(وآخر من شكله أزواج (58)
ويقرأ (وأخر) (وآخر) عطف على قوله (حميم وغسّاق).
أي وعذاب آخر من شكله - يقول مثل ذلك الأول.
ومن قرأ وأخر، فالمعنى وأنواع أخر من شكله.
لأن قوله: (أزواج) معناه أنواع.
(هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنّهم صالو النّار (59)
الفوج هم تبّاع الرؤساء وأصحابهم في الضلالة وقيل لهم: (لا مرحبا) منصوب كقولك رحبت بلادك مرحبا، وصادفت مرحبا، فأدخلت (لا) على ذلك المعنى.
(قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدّمتموه لنا فبئس القرار (60)
هذا قول الأتباع للرؤساء.
(قالوا ربّنا من قدّم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النّار (61)
أي زده على عذابه عذابا آخر.
ودليل هذا قوله تعالى: (ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين)
ومعنى صعفين معنى فزده عذابا ضعفا.
[معاني القرآن: 4/339]
وقوله تعالى: (أتّخذناهم سخريّا أم زاغت عنهم الأبصار (63)
(أتّخذناهم)
يقرأ بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام ومن وصلها كان على معنى. إنا اتخذناهم سخريّا، ويقرأ (سخريّا) و (سخريّا) - بالكسر والضم.
والمعنى واحد.
وقد قال قوم: إن ما كان من التسخير فهو مضموم الأول.
وما كان من الهزؤ فهو مكسور الأول.
وقوله عزّ وجلّ: (إنّ ذلك لحقّ تخاصم أهل النّار (64)
أي إن وصفنا الذي وصفناه عنهم لحق ثم بين ما هو فقال: هو تخاصم أهل النار، وهذا كله على معنى إذا كان يوم القيامة قال أهل النار كذا وكذلك كلّ شيء في القرآن مما يحكي عن أهل الجنة والنار.
(قل إنّما أنا منذر وما من إله إلّا اللّه الواحد القهّار (65)
أي قل إنك تنذر، وإنك تدعو إلى توحيد اللّه.
ولو قرئت: (إلّا اللّه الواحد القهّار) - بالنصب - لجازت ولكنه لم يقرأ بها، فلا تقرأن بها.
ومن نصب فعلى الاستثناء، ومن رفع فعلى معنى ما إله إلا اللّه.
وقوله جلّ وعزّ: (قل هو نبأ عظيم (67) أنتم عنه معرضون (68)
أي قل النبأ الّذي أنبأتكم به عن اللّه - عزّ وجلّ - نبأ عظيم، والذي أنبأتكم به دليل على نبوتي.
يعني ما أنبأكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من قصة آدم وإبليس، فإن ذلك لا يعلم إلا بقراءة الكتب أو بوحي من اللّه، وقد علم الذين خاطبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يقرأ كتابا ولا خطه بيمينه ولا كان ريب فيما يخبر به أنه وحي ثم بيّن ذلك فقال:
(ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون (69)
[معاني القرآن: 4/340]
أي ما علمت هذه الأقاصيص إلا بوحي من اللّه.
(إذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشرا من طين (71)
هم الملأ من الملائكة، وملأ كل قرية وجوههم وأفاضلهم.
(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين (75)
(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت)
تقرأ على ثلاثة أوجه:
(بيديّ) على التّثنية، و (بيدي استكبرت) بفتح الياء وتخفيفها وتوحيد اليد، وبتسكين اليد والتوحيد، (بيدي استكبرت).
(قال فاخرج منها فإنّك رجيم (77)
أي فإنّك لعين، معناه فإنك مرجوم باللعنة.
(وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدّين (78)
يوم تدان كل نفس بما كسبت، ومعنى يوم الدين يوم الجزاء.
(إلى يوم الوقت المعلوم (81)
الّذي لا يعلمه إلا اللّه، ويوم الوقت يوم القيامة.
وقوله: (إلّا عبادك منهم المخلصين (83)
بفتح اللام، أخلصهم اللّه لعبادته، ومن كسر اللام، فإنّما أراد الّذين أخلصوا دينهم اللّه.
(قال فالحقّ والحقّ أقول (84)
[معاني القرآن: 4/341]
وقرئت: (قال فالحقّ والحقّ أقول) بنصبهما جميعا.
فمن رفع فعلى ضربين:
على معنى فأنا الحقّ، والحقّ أقول.
ويجوز رفعه علي معنى فالحقّ منّي.
ومن نصب فعلى معنى فالحقّ أقول والحقّ لأملأن جهنم حقّا.
(ولتعلمنّ نبأه بعد حين (88)
أي بعد الموت.
[معاني القرآن: 4/342]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir