دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:24 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة والصّافّات

سورة والصّافّات
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (والصّافّات صفّا (1)
أكثر القراءة تبيين التاء، وقد قرئت على إدغام التاء في الصاد.
وكذلك (فالزّاجرات زجرا (2)
فإن شئت أدغمت التاء في الزاي، وإن شئت بيّنت، وكذلك
(فالتّاليات ذكرا (3)
(إنّ إلهكم لواحد (4)
أقسم بهذه الأشياء - عزّ وجلّ - أنّه واحد.
وقيل معناه وربّ هذه الأشياء إنه واحد.
وتفسير الصافات أنها الملائكة، أي هم مطيعون في السماء يسبحون اللّه - عزّ وجلّ - فالزاجرات، روي أن الملائكة تزجر السحاب، وقيل: (فالزّاجرات زجرا) كل ما زجر عن معصية اللّه.
(فالتّاليات ذكرا).
قيل الملائكة، وجائز أن يكون الملائكة وغيرهم أيضا ممن يتلون ذكر اللّه.
[معاني القرآن: 4/297]
(ربّ السّماوات والأرض وما بينهما وربّ المشارق (5)
قيل المشارق ثلاثمائة وستون مشرقا، ومثلها من المغارب.
(إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب (6)
(بزينة الكواكب)
على إضافة الزينة إلى الكواكب، وعلى هذا أكثر القراءة، وقد قرئت بالتنوين وخفض الكواكب، والمعنى أن الكواكب بدل من الزينة.
المعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب، ويجوز بزينة الكواكب.
وهي أقل ما في القراءة على معنى بأن زينا الكواكب.
ويجوز أن يكون الكواكب في النصب بدلا من قوله بزينة، لأن " بزينة " في موضع نصب، ويجوز بزينة الكواكب.
ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأن بها.
إلا أن ثبتت بها رواية، لأن القراءة سنة.
ورفع الكواكب على معنى أنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب.
وبأن زيّنت الكواكب.
وقوله: (وحفظا من كلّ شيطان مارد (7)
على معنى وحفظناها من كل شيطان مارد، على معنى وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد.
يقذفون بها إذا استرقوا السّمع.
(لا يسّمّعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كلّ جانب (8)
(لا يسمعون)
ويقرأ بالتشديد (يسّمّعون) على معنى يتسمّعون.
(ويقذفون من كلّ جانب (8) دحورا)
أي يدحرون أي يباعدون.
(ولهم عذاب واصب (9)
[معاني القرآن: 4/298]
قيل دائم وقيل موجع.
(إلّا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب (10)
(إلّا من خطف) - بفتح الطاء وكسرها، يقال خطفت أخطف.
وخطفت أخطف، إذا أخذت الشيء بسرعة، ويجوز إلا من خطّف بتشديد الطاء وفتح الخاء. ويجوز خطف. بكسر الخاء وفتح الطاء.
والمعنى اختطف، فأدغمت التاء في الطاء وسقطت الألف لحركة الخاء، فمن فتح الخاء ألقى عليها فتحة التاء التي كانت في اختطف.
ومن كسر فلسكونها وسكون الطاء.
فأما من روى خطف الخطفة - بكسر الخاء والطاء - فلا وجه له إلا وجها ضعيفا جدا يكون على اتباع الطاء كسر الخاء.
(فأتبعه شهاب ثاقب).
يقال تبعته وأتبعته، واتّبعته، إذا مضيت في أثره.
و (شهاب ثاقب) كوكب مضيء.
(فاستفتهم أهم أشدّ خلقا أم من خلقنا إنّا خلقناهم من طين لازب (11)
أي سلهم سؤال تقرير.
(أهم أشدّ خلقا أم من خلقنا) من الأمم السالفة قبلهم وغيرهم من السماوات والأرضين.
(من طين لازب).
ولازم ومعناهما واحد، أي لازق.
(بل عجبت ويسخرون (12)
وتقرأ (عجبت) - بضم التاء - ومعناه في الفتح بل عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك ويسخرون، ويجوز أن يكون معناه بل عجبت
[معاني القرآن: 4/299]
من إنكارهم البعث.
ومن قرأ (عجبت) فهو إخبار عن اللّه. وقد أنكر قوم هذه القراءة.
وقالوا: اللّه - عزّ وجلّ - لا يعجب، وإنكارهم هذا غلط.
لأن القراءة والرواية كثيرة والعجب من اللّه - عزّ وجلّ - خلافه من الآدميين كما قال: (ويمكر اللّه)، و (سخر اللّه منهم)، (وهو خادعهم). والمكر من اللّه والخداع خلافه من الآدميين.
وأصل العجب في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال: عجبت من كذا وكذا، وكذا إذا فعل الآدميون ما ينكره اللّه جاز أن يقول فيه عجبت واللّه قد علم الشيء قبل كونه، ولكن الإنكار إنما يقع والعجب الذي يلزم به الحجة عند وقوع الشيء.
(وإذا رأوا آية يستسخرون (14)
أي إذا رأوا آية معجزة استسخروا واستهزأوا.
(وقالوا إن هذا إلّا سحر مبين (15)
فجعلوا ما يدل على التوحيد مما يعجزون عنه سحرا.
نحو انشقاق القمر وما أشبهه.
وقوله: (أإذا متنا وكنّا ترابا وعظاما أإنّا لمبعوثون (16)
ويجوز (إنّا)، فمن قرأ (إنّا) اجتزأ - بألف الاستفهام.
والمعنى في الوجهين أنبعث إذا كنا ترابا وعظاما، وتفسيره لمبعوثون.
(قل نعم وأنتم داخرون (18)
[معاني القرآن: 4/300]
المعنى قل نعم تبعثون وأنتم صاغرون، ثم فسر أن بعثهم يقع بزجرة واحدة بقوله:
(فإنّما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون (19)
أي يحيون ويبعثون بصراء ينظرون.
(وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدّين (20)
والويل: كلمة يقولها القائل وقت الهلكة.
ومعنى (هذا يوم الدّين).
يوم الجزاء، أي يوم نجازى فيه بأعمالنا، فلما قالوا هذا يوم الدين قيل لهم نعم:
(هذا يوم الفصل الّذي كنتم به تكذّبون (21)
أي هذا يوم يفصل فيه بين المحسن والمسيء، ويجازى كل بعمله، وبما يتفضل اللّه به على المسلم.
(احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون (22)
معناه ونظراءهم وضرباءهم، تقول عندي من هذا أزواج، أي أمثال، وكذلك زوجان من الخفاف، أي كل واحد نظير صاحبه.
وكذلك الزوج المرأة والزوج الرجل، وقد تناسبا بعقد النكاح.
وكذلك قوله: (وآخر من شكله أزواج (58).
(فاهدوهم إلى صراط الجحيم (23)
يقال: هديت الرجل إذا دللته، وهديت العروس إلى زوجها.
وأهديت الهديّة، وكذلك تقول في العروس: أهديتها إذا جعلتها كالهديّة.
[معاني القرآن: 4/301]
وقوله: (وقفوهم إنّهم مسئولون (24)
أي احبسوهم.
(ما لكم لا تناصرون (25)
قوله: (لا تناصرون) في موضع نصب على الحال، المعنى ما لكم غير متناصرين.
(وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون (27)
أي يسائل بعضهم بعضا.
(قالوا إنّكم كنتم تأتوننا عن اليمين (28)
هذا قول الكفار للذين أضلوهم. كنتم تخدعوننا بأقوى الأسباب، أي كنتم تأتوننا من قبل الدّين فتروننا أن الدّين والحقّ ما تضلوننا به [وتزيّنون لنا ضلالتنا].
(قالوا بل لم تكونوا مؤمنين (29)
أي إنما الكفر من قبلكم.
(فحقّ علينا قول ربّنا إنّا لذائقون (31)
حقت علينا كلمة العذاب.
(إنّا لذائقون).
أي إن الجماعة، المضل والضال في النار.
(فأغويناكم إنّا كنّا غاوين (32)
[معاني القرآن: 4/302]
أي أضللناكم إنا كنا غاوين ضالين.
(إنّا كذلك نفعل بالمجرمين (34)
المجرمون المشركون خاصة.
(إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلّا اللّه يستكبرون (35)
يعني عن توحيد اللّه عزّ وجلّ، وألّا يجعلوا الأصنام آلهة.
(يطاف عليهم بكأس من معين (45)
الكأس الإناء إذا كانت فيه خمر فهو كأس، ويقع الكأس لكل إناء مع شرابه [فإن كان فارغا فليس بكأس].
(من معين).
أي من خمر تجري كما يجري الماء على وجه الأرض من العيون.
(بيضاء لذّة للشّاربين (46)
أي ذات لذة.
(لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون (47)
لا تغتاله عقولهم، لا تذهب بها، ولا يصيبهم منها وجع.
(ولا هم عنها ينزفون).
(ينزفون) - بفتح الزاي وكسرها.
فمن قرأ " ينزفون " فالمعنى لا تذهب عقولهم بشربها، يقال للسكران نزيف ومنزوف.
ومن قرأ ينزفون، فمعناه لا ينفدون شرابهم، أي هو دائم أبدا لهم.
ويجوز أن يكون ينزفون يسكرون.
قال الشاعر:
[معاني القرآن: 4/303]
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم... لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا
(وعندهم قاصرات الطّرف عين (48)
أي عندهم حور قد قصرن طرفهن أي عيونهن على أزواجهن.
(عين) كبار الأعين حسانها. الواحدة عيناء.
(كأنّهنّ بيض مكنون (49)
أي كأنّ ألوانهن ألوان بيض النعام.
(مكنون)، الذي يكنه رأس النعام.
ويجوز أن يكون مكنون مصون، يقال كننت الشيء إذا سترته، وصنته، فهو مكنون، وأكننته إذا أضمرته في نفسك.
(يقول أإنّك لمن المصدّقين (52)
(المصدّقين)
مخففة من صدّق فهو مصدّق، ولا يجوز ههنا تشديد الصاد، لأن المصّدّقين الذين يعطون الصدقة.
و (المصدّقين) الذين لا يكذبون، فالمعنى كان لي قرين يقول أئنك ممن يصدّق بالبعث بعد أن تصير ترابا وعظاما، فأحبّ قرينه المسلم أن يراه بعد أن قيل له: (هل أنتم مطّلعون).
أي هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار.
(فاطّلع فرآه في سواء الجحيم (55)
فاطلع المسلم فرأى قرينه الذي كان يكذب بالبعث في سواء الجحيم.
أي في وسط الجحيم، وسواء كل شيء وسطه.
ويقرأ: هل أنتم مطلعون - بفتح النون وكسرها وتخفيف الطاء - فمن فتح النون مع التخفيف فقال " مطلعون " فهو بمعنى طالعون ومطلعون، يقال طلعت عليهم وأطلعت واطّلعت بمعنى ومن قرأ مطلعون - بكسر النون قرأ " فأطلع " ومن قرأ بفتح النون " مطلعون " وجب أن يقرأ فأطلع.
ويجوز " فأطلع " على معنى هل أنتم مطلعون
[معاني القرآن: 4/304]
أحدا، فأمّا الكسر للنون فهو شاذ عند البصريين والكوفيين جميعا وله عند الجماعة وجه ضعيف وقد جاء مثله في الشعر:
هم القائلون الخير والأمرونه... إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما
وأنشدوا:
وما أدري وظني كل ظني... أمسلمني إلى قومي شراح
والذي أنشدنيه محمد بن يزيد: أيسلمني إلى قومي، وإنما الكلام أمسلمي وأيسلمني، وكذلك هم القائلون الخير والأمروه، وكل أسماء الفاعلين إذا ذكرت بعدها المضمر لم تذكر النون ولا التنوين.
تقول: زيد ضاربي وهما ضارباك ولا يجوز وهو ضاربني، ولا هم ضاربونك. ولا يجوز هم ضاربونك عندهم إلا في الشعر إلا أنه قد قرئ بالكسر: (هل أنتم مطلعون) على معنى مطلعوني، فحذفت الياء كما تحذف في رؤوس الآي، وبقيت الكسرة دليلا عليها.
وهو في النحو - أعني كسر النون - على ما أخبرتك، والقراءة قليلة بها، وأجود القراة وأكثرها مطّلعون - بتشديد الطاء وفتح النون - ثم الذي يليه مطلعون بتخفيف الطاء وفتح النون.
(قال تاللّه إن كدت لتردين (56)
[معاني القرآن: 4/305]
(تاللّه) معناه واللّه، والتاء بدل من الواو، لتردين أي لتهلكني، يقال ردي الرجل يردى ردى إذا هلك، وأرديته أهلكته.
(ولولا نعمة ربّي لكنت من المحضرين (57)
أي أحضر العذاب كما أحضرت.
(أذلك خير نزلا أم شجرة الزّقّوم (62)
المعنى أنعيم الجنة وطعامها خير نزلا أم شجرة الزقوم خير نزلا.
والنزل: ههنا الرّيع والفضل، تقول: هذا طعام له نزل ونزل بتسكين الزّاي وضمها ونزل، ويكون ذلك خير نزلا؛ أي أذلك خير في باب الإنزال التي تتقوّت ويمكن معها الإقامة - أم نزل أهل النار.
وإنما قيل لهم فيما يقام للناس من الأنزال أقمت لهم نزلهم أي غذاءهم، وما يصلح معه أن ينزلوا عليه.
ومعنى: (إنّا جعلناها فتنة للظّالمين (63)
عبرة للظالمين، أي خبرة افتتنوا بها، وكذبوا بها فصارت فتنة لهم.
وذلك أنهم لما سمعوا أنها شجرة تخرج في أصل الجحيم قالوا: الشجر يحترق بالنار، فكيف ينبت الشجر في النار فافتتنوا وكذبوا بذلك.
(طلعها كأنّه رءوس الشّياطين (65)
فيه ثلاثة أقوال: قيل الشياطين حيات لها رءوس فشبّه طلعها برءوس تلك الحيات، وقيل رءوس الشياطين نبت معروف.
وقيل وهو القول المعروف أن الشيء إذا استقبح شبّه بالشيطان، فقيل: كأنّه وجه شيطان، وكأنه رأس شيطان، والشيطان لا يرى، ولكنه يستشعر أنه أقبح ما يكون من الأشياء، لو رئي لرئي في أقبح صورة.
قال امرؤ القيس:
[معاني القرآن: 4/306]
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟
ولم ير الغول قط ولا أنيابها ولكن التمثيل بما يستقبح أبلغ في باب المذكر، يمثل بالشيطان وفي باب ما يستقبح في المؤنث يشبه بالغول.
(ثمّ إنّ لهم عليها لشوبا من حميم (67)
أي لخلطا ومزاجا، ويقرأ (لشوبا من حميم)، الشوب المصدر، والشوب الاسم، والخلط: المخلوط.
(فهم على آثارهم يهرعون (70)
أي هم يتبعون آثارهم اتباعا في سرعة، ويقال (يهرعون) كأنهم يزعجون من الإسراع إلى اتباع آبائهم، يقال هرع وأهرع في معنى واحد إذا استحثّ وأسرع.
وقوله: (إلّا عباد اللّه المخلصين (74)
المخلصين الذين أخلصهم اللّه واصطفاهم لعبادته..
ويقرأ المخلصين أي الموحّدين.
(ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون (75)
أي دعانا بأن ننقذه من الغرق، والمعنى فلنعم المجيبون نحن.
(ونجّيناه وأهله من الكرب العظيم (76)
يعني كرب الغرق الذي هو عذاب.
(وجعلنا ذرّيّته هم الباقين (77)
[معاني القرآن: 4/307]
لما جاء الطوفان لم يبق ألا نوح وذرئته، والخلق الباقون من ذرئة نوح.
(وتركنا عليه في الآخرين (78)
أي تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة، وذلك الذكر قوله:
(سلام على نوح في العالمين (79)
المعنى تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة.
(وإنّ من شيعته لإبراهيم (83)
أي من شيعة نوح، من أهل ملّته يعني نوحا.
(إذ جاء ربّه بقلب سليم (84)
جاء في التفسير سليم من الشرك، وهو سليم من الشرك ومن كل دنس.
(فما ظنّكم بربّ العالمين (87)
قال إبراهيم لقومه - وهم يعبدون الأصنام: أي شيء ظنكم بربّ العالمين وأنتم تعبدون: غيره.
وموضع (ما) رفع بالابتداء، والخبر (ظنّكم).
(فنظر نظرة في النّجوم (88) فقال إنّي سقيم (89)
قال لقومه وقد رأى نجما إني سقيم، فأوهمهم أن الطاعون به.
(فتولّوا عنه مدبرين (90)
فرارا من أن يعدى إليهم الطاعون، وإنما " قال إني سقيم، لأن كل واحد وأن كان معافى فلا بد من أن يسقم ويموت، قال اللّه تعالى: (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون (30).
أي إنك ستموت فيما يستقبل، وكذلك قوله: (إنّي
[معاني القرآن: 4/308]
سقيم) أي سأسقم لا محالة.
وقد روي في الحديث: لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاثة، وقد فسّرنا ذلك، وأن هذه الثلاث وقعت فيها معارضة في قوله:
(بل فعله كبيرهم هذا).
على معنى: إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم وقوله: " سارّة أختي "، أي أختي في الإسلام.
وقوله: (إنّي سقيم) على ما فسّرنا.
(فراغ عليهم ضربا باليمين (93)
معنى راغ عليهم مال عليهم، وضربا مصدر، المعنى فمال على الأصنام يضربهم ضربا باليمين، يحتمل وجهين: بيمينه، وبالقوة والمكانة.
وقال: (عليهم) وهي الأصنام لأنهم جعلوها معبودة بمنزلة ما يميز كما قال: (وكلّ في فلك يسبحون).
(فأقبلوا إليه يزفّون (94)
يعني قوم إبراهيم.
(يزفّون) يسرعون إليه. ويقرأ على ثلاثة أوجه:
(يزفّون) - بفتح الياء ويزفّون - بضمها، ويزفون - بتخفيف الفاء.
وأعربها كلّها (يزفّون) بفتح الياء وتشديد الفاء، وأصله من زفيف النعام، وهو ابتداء عدوها، يقال زفّ النعام يزفّ.
ويقرأ يزفّون أي يصيرون إلى الزفيف.
ومثله قول الشاعر:
تمنّى حصين أن يسود جذاعه... فأمسى حصين قد أذلّ وأقهرا
معنى أقهر صار إلى القهر.
وكذلك يزفون.
فأما يزفون - بالتخفيف فهو من وزف يزف، بمعنى أسرع، ولم يعرفه الفرّاء، ولا الكسائي، وعرفه غيرهما.
وقوله: (قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم (97)
[معاني القرآن: 4/309]
كل نار بعضها فوق بعض، وهي جحم.
(ربّ هب لي من الصّالحين (100)
يقول: هب لي ولدا صالحا من الصالحين.
(فبشّرناه بغلام حليم (101)
وهذه البشارة تدل على أنه غلام وأنه يبقى حتى يوصف بالحلم.
(فلمّا بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصّابرين (102)
أي أدرك معه العمل، يقال إنّه قد بلغ في ذلك الوقت ثلاث عشرة سنة.
(قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى).
تقرأ غير مماله، و (ترى) - ممالة، - و (تري) - بلا إمالة، - وتري - بالإمالة - و (ماذا ترى) ففيها خمسة أوجه:
ترى - بالفتح وبالكسر.
وكذلك في تري وترى،. وفيها خمسة أوجه أخر لم يقرأ بشيء منها، فلا تقرأنّ بها، وهو أن تأتي الخمسة التي ذكرناها ممالة وغير ممالة بغير همز فتهمزها كلها، فما كان ممالا همز وأمال، وما لم يكن ممالا أمال ولم يهمز.
ويجوز ماذا ترأى ممال.
وماذا ترئي، وماذا ترأى، وماذا ترى وماذا ترى.
فمعنى ماذا ترأى وترئي من الرأي، ومعنى ماذا ترى ماذا تشير.
وزعم الفراء أن معناه ماذا تريني من صبرك، ولا أعلم أحدا قال هذا.
وفي كل التفسير ما تري ما تشير.
قال: (يا أبت افعل ما تومر).
ورؤية الأنبياء في المنام وحي بمنزلة الوحي إليهم في اليقظة.
وقد فسّرنا يا أبه، وإعرابه فيما سلف من الكتاب.
[معاني القرآن: 4/310]
(ستجدني إن شاء اللّه من الصّابرين).
يقول على أمر اللّه.
(فلمّا أسلما وتلّه للجبين (103)
أسلما استسلما لأمر اللّه.
رضي إبراهيم بأن يذبح ابنه، ورضي ابنه بأن يذبح تصديقا للرؤيا وطاعة للّه.
واختلف الناس في الذي أمر بذبحه من كان، فقال قوم إسحاق.
وقال قوم إسماعيل.
فأمّا من قال إنه إسحاق، فعليّ رحمة اللّه عليه وابن مسعود وكعب الأحبار، وجماعة من التابعين.
وأما من قال إنه إسماعيل فابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وسعيد بن المسيب وجماعة من التابعين.
وحجة من قال إنه إسماعيل قوله: (وبشّرناه بإسحاق نبيّا من الصّالحين (112).
وحجة من قال إنّه إسحاق، قال: كانت في إسحاق بشارتان الأولى فبشرناه بغلام حليم.
فلما استسلم للذبح واستسلم إبراهيم لذبحه بشر به نبيّا من الصالحين.
والقول فيهما كثير واللّه أعلم أيهما كان الذبيح.
فأمّا جواب (فلمّا أسلما وتلّه للجبين) أي صرعه.
فقد اختلف الناس فيه
فقال قوم جوابه وناديناه، والواو زائدة، وقال قوم إن الجواب محذوف بأن في الكلام دليلا عليه.
المعنى فلما فعل ذلك سعد وأتاه اللّه نبوة ولده وأجزل له الثواب في الآخرة.
(وفديناه بذبح عظيم (107)
الذّبح: بكسر الذال الشيء الذي يذبح، والذّبح المصدر، تقول: ذبحته أذبحه ذبحا.
وقيل إنه الكبش الذي تقبّل من ابن آدم حين قرّبه، وقيل إنّه رعا
[معاني القرآن: 4/311]
في الجنة أربعين سنة، وقيل إنه كان وعلا من الأوعال.
والأوعال التيوس الجبليّة.
(ونجّيناهما وقومهما من الكرب العظيم (115)
قيل من الغرق كما فعل بفرعون وقومه.
(وإنّ إلياس لمن المرسلين (123)
جاء في التفسير أنه إدريس، ورويت عن ابن مسعود أنه قرأ: وإن إدريس، ورويت سلام على إدراسين.
(أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين (125)
قيل إن بعلا كانوا يعبدونه، صنما من ذهب، وقيل إن بعلا تعني، ربّا.
(اللّه ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين (126)
وقرئت (اللّه ربّكم) على صفة أحسن الخالقين اللّه.
وقرئت: (اللّه ربّكم) على الابثداء والخبر.
(سلام على إل ياسين (130)
(سلام على آل ياسين).
وقرئت إلياس. فمن قرأ بالوصل فموضع إلياسين جمع، هو وأمته المؤمنون، وكذلك يجمع ما ينسب إلى الشيء بلفظ الشيء، تقول: رأيت المسامعة والمهالبة، تريد بني المهلّب وبني مسمع، وكذلك: رأيت المهلبين والمسمعين.
وفيها وجه آخر تكون فيه لغتان إلياس وإلياسين كما قال ميكال وميكائيل.
وقوله: (إلّا عجوزا في الغابرين (135)
يعني في الباقين.
وقوله: (إذ أبق إلى الفلك المشحون (140)
(أبق) هرب إلى الفلك المشحون، والمشحون المملوء.
[معاني القرآن: 4/312]
(فساهم فكان من المدحضين (141)
(فساهم) قارع، و (المدحضين) المغلوبين.
لما صار يونس في السفينة فلم تسر فقارعه أهل السفينة، ووقعت عليه القرعة فخرج منها وألقى نفسه في البحر.
(فالتقمه الحوت وهو مليم (142)
وهو السمكة، ولما خرج من السفينة سارت.
(وهو مليم).
قد أتى بما يلام عليه، يقال: قد ألام الرجل فهو مليم، إذا أتى ما يجب أن يلام عليه.
(فلولا أنّه كان من المسبّحين (143)
من المصلّين.
(للبث في بطنه إلى يوم يبعثون (144)
جاء في التفسير أنه لبث أربعين يوما، وقال الحسن لم يلبث إلا قليلا وأخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه.
(فنبذناه بالعراء وهو سقيم (145)
يعني بالمكان الخالي، والعراء على وجهين، مقصور وممدود.
فالمقصور الناحية، والعزاء ممدود المكان الخالي.
قال أبو عبيدة وغيره: إنما قيل له العراء لأنه لا شجر فيه، ولا شيء يغطيه، وقيل إن العراء وجه الأرض.
ومعناه وجه الأرض الخالي، وأنشدوا:
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها... ونبذت بالبلد العراء ثيابي
[معاني القرآن: 4/313]
(وأنبتنا عليه شجرة من يقطين (146)
كل شجرة لا تنبت على ساق، وإنّما تمتد على وجه الأرض – نحو القرع والبطيخ والحنظل - فهو يقطين.
وأحسب اشتقاقها من قطن بالمكان إذا أقام به، فهذا الشجر كله على وجه الأرض، فلذلك قيل يقطين.
(وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون (147)
قال غير واحد معناه بل يزيدون.
قال ذلك الفراء وأبو عبيدة وقال غيرهما معناه أو يزيدون في تقديركم أنتم إذا رآهم الرائي قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على المائة وهذا على أصل (أو).
وقال قوم: معناها معنى الواو. و (أو) لا تكون بمعنى الواو، لأن الواو معناها الاجتماع، وليس فيها دليل أن أحد الشيئين قبل الآخر.
و (أو) معناها إفراد أحد شيئين أو أشياء.
وقوله عزّ وجلّ: (فاستفتهم ألربّك البنات ولهم البنون (149)
أي سلهم مسألة توبيخ وتقرير، لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى اللّه عن ذلك.
(أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون (150)
معناه بل أخلقنا الملائكة إناثا -.. (وهم شاهدون).
(ألا إنّهم من إفكهم ليقولون (151) ولد اللّه وإنّهم لكاذبون (152) أصطفى البنات على البنين (153)
هذه الألف مفتوحة، هذا الاختيار، لأن المعنى سلهم هل أصطفى البنات على البنين، فالألف ألف استفهام. ويجوز اصطفى على أن يكون
[معاني القرآن: 4/314]
حكاية عن قولهم ليقولون اصطفى.
وفتح الألف وقطعها أجود على أأصطفى.
ثم تحذف ألف الوصل.
(وجعلوا بينه وبين الجنّة نسبا ولقد علمت الجنّة إنّهم لمحضرون (158)
الجنّة ههنا الملائكة.
(ولقد علمت الجنّة إنّهم لمحضرون).
أي: ولقد علمت الجنّة وهم الملائكة أن الذين قالوا: ولد اللّه...
لمحضرون العذاب.
(سبحان اللّه عمّا يصفون (159)
تنزيه اللّه من السوء عن وصفهم.
(فإنّكم وما تعبدون (161) ما أنتم عليه بفاتنين (162)
أي ما أنتم بمضلين عليه ألا من أضل اللّه.
(إلّا من هو صال الجحيم (163)
أي لستم تضلون إلا أهل النّار، وقرأ الحسن " إلّا من هو صال الجحيم " بضم اللام، والقراءة بكسر اللام، على معنى صالي.
والوقف عليها ينبغي أن يكون بالياء، ولكنها محذوفة في المصحف.
ولقراءة الحسن وجهان:
أحدهما أن يكون أراد صالون الجحيم فحذفت النون للإضافة وحذفت الواو لسكونها وسكون اللام من الجحيم، ويذهب بـ (من) مذهب الجنس، أي بالجنس الذين هم صالوا الجحيم، ويجوز أن يكون صال في معنى صائل، مفعول من صالى، مثل جرف هار أي هائر، والقراءة التي هي الإجماع كسر اللام.
(وما منّا إلّا له مقام معلوم (164)
[معاني القرآن: 4/315]
هذا قول الملائكة، وههنا مضمر، المعنى ما منا ملك إلا له مقام معلوم.
(وإنّا لنحن الصّافّون (165)
أي نحن المصلون.
(وإنّا لنحن المسبّحون (166)
الممجّدون للّه، الذين ينزهونه عن السوء.
(وإن كانوا ليقولون (167) لو أنّ عندنا ذكرا من الأوّلين (168) لكنّا عباد اللّه المخلصين (169)
كان كفار قريش يقولون لو جاءنا ذكر كما جاء غيرنا من الأولين لأخلصنا العبادة للّه عزّ وجل، فلما جاءهم كفروا به.
(فكفروا به فسوف يعلمون (170)
أي سوف يعلمون مغبّة كفرهم، وما ينزل بهم من العذاب والانتقام منهم في الدنيا والآخرة..
وقوله: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171)
أي تقدم الوعد لهم بأن اللّه ينصرهم بالحجة وبالظفر بعدوهم في الدنيا، والانتقام من عدوهم في الآخرة.
(وإنّ جندنا لهم الغالبون (173)
حزب اللّه لهم الغلبة.
(فتولّ عنهم حتّى حين (174)
حتى تنقضي المدة التي أمهلوا إليها.
[معاني القرآن: 4/316]
(فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين (177)
نزل بهم العذاب، وكان عذاب هؤلاء في الدنيا القتل.
وقوله: (فساء صباح المنذرين)
أي فبئس صباح [الذين أنذروا العذاب].
(سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون (180)
فيه ثلاثة أوجه، فمن نصب فعلى مدح اللّه عزّ وجلّ.
ومن قرأ بالرفع فعلى المدح أيضا على معنى هو ربّ العزّة.
ومن خفض فعلى قوله ربّك ربّ العزّة.
وفي النصب أيضا أعني ربّ العزّة، واذكر ربّ العزّة.
[معاني القرآن: 4/317]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir