دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:22 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة يس

سورة يس
(مكّيّة)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
جاء في التفسير (يس (1) والقرآن الحكيم (2)
معناه يا إنسان، وجاء يا رجل وجاء يا محمد والذي عند أهل العربية أنه بمنزلة " الم " افتتاح السّورة، وجاء أن معناه القسم، وبعضهم أعنى بعض العرب تقول: ياسن والقرآن بفتح النون، وهذا جائز في العربية، والتسكين أجود لأنها حروف هجاء.
وقد شرحنا أشباه ذلك.
فأمّا من فتح فعلى ضربين:
على أن (يس) اسم للسورة حكاية كأنّه قال: اتل يس، وهو على وزن هابيل وقابيل لا ينصرف، ويجوز أن يكون فتح لالتقاء السّاكنين.
وقوله جلّ وعزّ: (والقرآن الحكيم (2)
معناه أن آياته أحكمت وبيّن فيها الأمر والنهي والأمثال وأقاصيص الأمم السالفة.
(إنّك لمن المرسلين (3)
هذا خطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو جواب القسم جواب (والقرآن إنّك لمن المرسلين على صراط مستقيم).
أي: على طريق الأنبياء الذين تقدموك. وأحسن ما في العربية أن يكون (لمن المرسلين) خبر " إنّ " ويكون (على صراط مستقيم)
[معاني القرآن: 4/277]
خبرا ثانيا، فالمعنى إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة.
وقوله - عزّ وجلّ -: (تنزيل العزيز الرّحيم (5)
تقرأ (تنزيل) - بالرفع والنصب - فمن نصب فعلى المصدر على معنى نزّل اللّه ذلك تنزيلا.
ومن رفع فعلى معنى الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم.
(لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون (6)
جاء في التفسير لتنذر قوما مثل ما أنذر آباؤهم.
وجاء لتنذر قوما لم ينذر آباؤهم، فيكون (ما) جحدا - وهذا - واللّه أعلم - الاختيار؛ لأن قوله " فهم غافلون " دليل على معنى لم ينذر آباؤهم وإذا كان قد أنذر آباؤهم فهم غافلون ففيه بعد، ولكنه قد جاء في التفسير. ودليل النفي قوله: (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير (44).
ولو كان آباؤهم منذرين لكانوا منذرين دارسين لكتب – والله أعلم.
(لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون (7)
القول ههنا - واللّه أعلم - مثل قوله: (ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين).
المعنى لقد حق القول على أكثرهم بكفرهم وعنادهم.
أضلّهم اللّه ومنعهم من الهدى.
[معاني القرآن: 4/278]
وقوله جلّ وعزّ (إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون (8)
وقرأ ابن عباس وابن مسعود رحمهما اللّه: إنا جعلنا (في أيمانهم).
وقرأ بعضهم (في أيديهم أغلالا)، وهاتان القراءتان لا يجب أن يقرأ بواحدة منهما؛ لأنهما بخلاف المصحف.
فالمعنى في قوله في أعناقهم ومن قرأ (في أيمانهم) ومن قرأ (في أيديهم) فمعنى واحد.
وذلك أنه لا يكون الغل في العنق دون اليد ولا في اليد دون العنق، فالمعنى إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيمانهم أغلالا.
(فهي إلى الأذقان).
كناية عن الأيدي لا عن الأعناق، لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن، والعنق هو مقارب للذقن، لا يجعل الغلّ العنق إلى الذقن.
وقوله: (فهم مقمحون).
المقمح " الرافع رأسه الغاضّ بصره، وقيل للكانونين شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رءوسها لشدة برده، ولذا قيل شهرا قماح، وإنما ذكرت الأعناق ولم تذكر الأيدي إيجازا واختصارا لأن الغل يتضمّن العنق واليد.
ومن قرأ (في أيمانهم) فهو أيضا يدل على العنق.
ومثل هذا قول المثقّب:
فما أدري إذا يمّمت أرضا... أريد الخير أيّهما يليني؟
أألخير الذي أنا أبتغيه... أم الشّر الذي هو يبتغيني
[معاني القرآن: 4/279]
وإنما ذكر الخير وحده، ثم قال أيّهما يليني، لأن قد علم أن الإنسان الخير والشر معرّضان له، لا يدري إذا أمّ أرضا أيلقاه هذا أم هذا، ومثله من كتاب اللّه: (سرابيل تقيكم الحرّ)، ولم يذكر البرد.
لأن ما وقى هذا وقى هذا.
(وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون (9)
(سدّا) و (سدّا)- بالفتح والضم - ومعناهما واحد.
وقد قيل: السد فعل الإنسان والسّد خلقة المسدود.
وفيه وجهان: أحدهما قد جاء في التفسير، وهو أن قوما أرادوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - سوءا فحال اللّه بينهم وبين ذلك فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، فجعلوا بمنزلة من غلّت يمينه وسدّ طريقه من بين يديه ومن خلفه وجعل على بصره غشاوة، وهو معنى (فأغشيناهم).. ويقرأ فأعشيناهم بالعين غير معجمة، فحال اللّه بينهم وبين رسوله وكان في هؤلاء أبو جهل فيما يروى، ويجوز أن يكون وصف إضلالهم فقال: (إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان)، أي أضللناهم فأمسكنا أيديهم عن النفقة في سبيل اللّه والسعي فيما يقرب إلى اللّه (وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا)، كما قال: (ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم) الآية.
والدليل على هذا قوله: (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)، لأن من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار.
(إنّما تنذر من اتّبع الذّكر وخشي الرّحمن بالغيب فبشّره بمغفرة وأجر كريم (11)
[معاني القرآن: 4/280]
أي من استمع القران واتبعه.
(وخشي الرّحمن بالغيب).
أي خاف الله من حيث لا يراه أحد.
(فبشّره بمغفرة وأجر كريم).
المعنى من اتبع الذكر وخشي الرحمن فبشره بمغفرة وأجر كريم.
المغفرة هي العفو عن ذنوبه، وأجر كريم بالجنة.
(إنّا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين (12)
ما أسلفوا من أعمالهم، ونكتب آثارهم أي من سنّ سنّة حسنة كتب له ثوابها، ومن سنّ سنّة سيّئة كتب عليه عقابها.
وقد قيل: (وتكتب آثارهم) أي خطاهم، والأول أكثر وأبين.
(واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون (13)
(مثلا) مفعول منصوب به، معنى قول الناس: اضرب له مثلا أي اذكر له مثلا، ويقال: عندي من هذا الضرب شيء كثير، أي من هذا المثال وتقول: هذه الأشياء على ضرب واحد أي على مثال واحد.
فيعني اضرب لهم مثلا: مثل لهم مثلا.
وقوله: (أصحاب القرية).
أي خبر أصحاب القرية.
إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما فعزّزنا بثالث فقالوا إنّا إليكم مرسلون (14)
(إذ جاءها المرسلون).
[معاني القرآن: 4/281]
جاء في التفسير أنهم أهل إنطاكية، وجه إليهم عيسى اثنين فكذبوهما قال: (فعززنا بثالث).
ويقرأ فعززنا - بالتشديد والتخفيف - ومعنى فعززنا فقوينا وشدّدنا الرسالة بثالث أي برسول ثالث: (فقالوا إنّا إليكم مرسلون) إلى - قوله (البلاغ المبين).
فأعلمهم الرسل إنما عليهم البلاغ.
(قالوا إنّا تطيّرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنّكم وليمسّنّكم منّا عذاب أليم (18)
(قالوا إنّا تطيّرنا بكم)
أي تشاءمنا.
(لئن لم تنتهوا لنرجمنّكم).
أي لنقتلنكم رجما.
(قالوا طائركم معكم أئن ذكّرتم بل أنتم قوم مسرفون (19)
(قالوا طائركم معكم)
ويجوز طيركم معكم.
لأنه يقال طائر وطير في معنى واحد، ولا أعلم أحدا قرأ ههنا طيركم بغير ألف، والمعنى قالوا شؤمكم معكم.
(أئن ذكّرتم).
أي أئن ذكّرتم تطيّرتم، ويقرأ أأن ذكرتم، أي لأن ذكرتم.
وقوله: (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتّبعوا المرسلين (20)
هذا رجل كان يعبد اللّه في غار في جبل، فلما سمع بالمرسلين جاء يسعى، أي يعدو إليهم، فقال: أتريدون أجرا على ما جئتم به فقال المرسلون: لا، وكان يقال لهذا الرجل فيما روي حبيب النجار
[معاني القرآن: 4/282]
فأقبل على قومه فقال: (يا قوم اتّبعوا المرسلين (20) اتّبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون (21) - إلى قوله - (فاسمعون).
فأشهد الرسل على إيمانه - قال قتادة: هذا رجل دعا قومه إلى الله ومخضهم النصيحة فقتلوه على ذلك وأقبلوا يرجمونه وهو يقول: اللهم اهد قومي اللهم اهد قومي، فأدخله الله الجنّة فهو حيّ فيها يرزق، والمعنى فلما عذبه قومه، قيل ادخل الجنّة.
فلما شاهدها قال: (يا ليت قومي يعلمون (26) بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرمين (27).
أي بمغفرة ربي لي، (من المكرمين) أي من المدخلين الجنة.
وقيل أيضا بما غفر لي* ربي أي ليتهم يعلمون بالعمل والإيمان الذي غفر لي به ربّي، ويجوز " بم غفر لي ربّي "، على معني بأي شيء غفر لي ربي، ويجوز أن يكون " بما " في هذا المعنى بإثبات الألف، تقول: قد علمت بما صنعت هذا، وقد علمت بم صنعت هذا، أي قد علمت بأي شيء صنعت هذا، وحذف الألف في هذا المعنى أجود.
(وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السّماء وما كنّا منزلين (28)
المعنى لم ننزل عليهم جندا، لم ننتصر للرسول الذي كذبوه بجند.
ومعنى (إن كانت إلّا صيحة واحدة فإذا هم خامدون (29)
ما كانت إلا صيحة واحدة، إلا أن صيح بهم صيحة واحدة فماتوا
[معاني القرآن: 4/283]
معذبين بها، ويقرأ (إلّا صيحة واحدة) - قرأ بها أبو جعفر المدني وحده.
وهي جيدة في العربية، فمن نصب فالمعنى ما وقعت عليهم عقوبة إلا صيحة واحدة.
(فإذا هم خامدون).
أي ساكنون قد ماتوا وصاروا بمنزلة الرماد الخامد الهامد.
(يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلّا كانوا به يستهزءون (30)
وقرئت يا حسرة العباد بغير على، ولكني لا أحب القراءة بشيء خالف المصحف ألبتة.
وهذه من أصعب مسألة في القرآن.
إذا قال القائل: ما الفائدة في مناداة الحسرة، والحسرة مما لا يجيب؟
فالفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما لا يعقل، لأن النداء باب تنبيه.
إذا قلت يا زيد فإن لم تكن دعوته لتخاطبه لغير النداء فلا معنى للكلام، إنما تقول يا زيد فتنبهه بالنداء ثم تقول له: فعلت كذا وافعل كذا، وما أحببت مما له فيه فائدة، ألا ترى أنك تقول لمن هو مقبل عليك: يا زيد ما أحسن ما صنعت، ولو قلت له: ما أحسن ما صنعت كنت قد بلغت في الفائدة ما أفهمت به، غير أن قولك يا زيد أوكد في الكلام.
وأبلغ في الإفهام.
وكذا إذا قلت للمخاطب أنا أعجب مما فعلت، فقد - أفدته أنك متعجب، ولو قلت: واعجباه مما فعلت، ويا عجباه أتفعل كذا وكذا، كان دعاؤك العجب أبلغ في الفائدة.
والمعنى يا عجب أقبل، فإنه من أوقاتك، و إنما نداء العجب تنبيه لتمكن علم المخاطب بالتعجب من فعله.
وكذلك إذا قلت: - ويل لزيد أو ويل زيد: لم فعل
[معاني القرآن: 4/284]
كذا وكذا كان أبلغ. وكذلك في كتاب اللّه - عزّ وجلّ -: (يا ويلتى أألد وأنا عجوز) وكذلك (يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه).
وكذلك (يا حسرة على العباد).
والمعنى في التفسير أن استهزاءهم بالرسل حسرة عليهم.
والحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له بعده حتى يبقى قلبه حسيرا.
وقوله عزّ وجلّ: (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنّهم إليهم لا يرجعون (31)
أي: فيخافون أن يعجّل لهم في الدنيا مثل الذي عجّل لغيرهم ممن أهلك، وأنهم مع ذلك لا يعودون إلى الدنيا أبدا.
وموضع " كم "
نصب بـ (أهلكنا) لأن " كم " لا يعمل فيها ما قبلها، خبرا كانت أو استفهاما. تقول في الخبر: كم سرت، تريد سرت فراسخ كثيرة، ولا يجوز سرت كم فرسخا، وذلك أن كم في بابها بمنزلة ربّ، وأن أصلها الاستفهام والإبهام، فكما أنك إذا استفهمت فقلت للمخاطب: كم فرسخا سرت لم يجز سرت كم فرسخا، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، فكذلك إذا جعلت كم خبرا فالإبهام قائم فيها.
و (أنّهم) بدل من معنى (ألم يروا كم أهلكنا).
والمعنى ألم يروا أن القرون التي أهلكنا أنهم لا يرجعون.
ويجوز (إنهم لا يرجعون) بكسر " إنّ " ومعنى ذلك الاستئناف.
المعنى هم إليهم لا يرجعون.
[معاني القرآن: 4/285]
وقوله عزّ وجلّ: (وإن كلّ لمّا جميع لدينا محضرون (32)
من قرأ بالتخفيف (لما) فما زائدة مؤكدة، والمعنى إن كل لجميع لدينا محضرون، ومعناه وما كلّ إلا جميع لدينا محضرون.
ويقرأ (لمّا) بالتشديد ومعنى (لمّا) ههنا (ألّا)، تقول سألتك لمّا فعلت.
وتفسير الآية أنّهم يحضرون يوم القيامة فيقفون على ما عملوا.
وقوله: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبّا فمنه يأكلون (33)
(الميتة)
ويقرأ بالتشديد
وأصل الميتة الميّتة، والأصل التشديد، والتخفيف أكثر، وكلاهما جائز.
(وآية) مرفوعة بالابتداء، وخبرها (لهم) أي وعلامة تدلهم على التوحيد وأن اللّه يبعث الموتى إحياء الأرض الميتة.
ويجوز أن يكون آية مرفوعة بالابتداء، وخبرها الأرض الميتة.
وقوّله: (وفجّرنا فيها من العيون (34) ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون (35)
ويجوز ثمره - بإسكان الميم وضم الثاء.
(وما عملته أيديهم).
ويقرأ (وما عملت) بغير هاء، وموضع " ما " خفض.
المعنى ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم.
ويجوز أن تكون (ما) نفيا، على معنى ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم.
هذا على إثبات الهاء، وإذا حذفت الهاء فالاختيار أن يكون " ما " في موضع خفض، ويكون (ما) في معنى الذي، فيحسن حذف الهاء، ويكون هذا على قوله:
[معاني القرآن: 4/286]
(أفرأيتم ما تحرثون (63) أأنتم تزرعونه أم نحن الزّارعون (64).
وقوله: (سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون (36)
(سبحان) تبرئة اللّه من السوء وتنزيهه.
ومعنى الأزواج، الأجناس كلها من النبات والحيوان وغيرها.
(ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون).
مما خلق اللّه من جميع الأنواع والأشباه.
(وآية لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون (37)
ومعنى نسلخ نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوء النهار، وذلك من العلامات الدالة على توحيد اللّه - وقدرته.
(والشّمس تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم (38)
المعنى وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها.
أي لأجل قد أجّل لها وقدّر لها.
ومن قرأ " لا مستقر لها " فمعناه أنها جارية أبدا لا تثبت في مكان.
(والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم (39)
يقرأ بالرفع والنصب، فمن نصب فعلى " وقدّرنا القمر منازل قدّرناه منازل " والرفع على معنى وآية لهم القمر قدّرناه.
ويجوز أن يكون على الابتداء و (قدّرناه) الخبر.
(حتّى عاد كالعرجون القديم).
العرجون عود العذق الذي يسمى الكباسة.
وحقيقة العرجون
[معاني القرآن: 4/287]
أنه العود الذي عليه العذق، والعرجون عود العذق الذي تركبه الشماريخ من العذق، فإذا جفّ وقدم دق وصغر فحينئذ يشبه الهلال في آخر الشهر، وفي أول مطلعه.
وتقدير (عرجون) فعلول. من الانعراج.
(لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلّ في فلك يسبحون (40)
المعنى لا يذهب أحدهما بمعنى الآخر.
(وكلّ في فلك يسبحون).
لكل واحد منهما فلك، ومعنى يسبحون يسيرون فيه بانبساط.
وكل من انبسط في شيء فقد سبح فيه، ومن ذلك السباحة في الماء.
(وآية لهم أنّا حملنا ذرّيّتهم في الفلك المشحون (41)
خوطب بهذا أهل مكة، وقيل حملنا ذريتهم لأن من حمل مع نوح عليه السلام في الفلك فهم آباؤهم، وذرياتهم.
والمشحون في اللغة المملوء، شحنت السفينة إذا ملأتها.
وشحنت المدينة وأشحنتها إذا ملأتها.
وقوله: (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون (42)
الأكثر في التفسير أن من مثله من مثل سفينة نوح، وقيل من مثله يغنى به الإبل، وأن الإبل في البريّة بمنزلة السّفن في البحر.
(وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون (43)
أي فلا مغيث لهم.
[معاني القرآن: 4/288]
(إلّا رحمة منّا ومتاعا إلى حين (44)
منصوبة مفعول لها، المعنى: ولا ينقذون إلّا لرحمة منّا ولمتاع إلى حين.
إلى انقضاء الأجل.
(وإذا قيل لهم اتّقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلّكم ترحمون (45)
ما أسلفتم من ذنوبكم، وما تعملونه فيما تستقبلون، وقيل ما بين أيديكم وما خلفكم، على معنى اتقوا أن ينزل بكم من العذاب مثل الذي نزل بالأمم قبلكم، وما خلفكم، أي اتقوا عذاب الآخرة.
ومثله (فإن أعرضوا فقد أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود).
(وإذا قيل لهم أنفقوا ممّا رزقكم اللّه قال الّذين كفروا للّذين آمنوا أنطعم من لو يشاء اللّه أطعمه إن أنتم إلّا في ضلال مبين (47)
أي أطعموا وتصدّقوا.
(قال الّذين كفروا للّذين آمنوا أنطعم من لو يشاء اللّه أطعم).
كأنهم يقولون هذا على حد الاستهزاء.
وجاء في التفسير أنها نزلت في الزنادقة، وقيل في قوم من اليهود.
(ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48)
متى إنجاز هذا الوعد، أردنا ذلك.
(ما ينظرون إلّا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصّمون (49)
في (يخصّمون) أربعة أوجه:
سكون الخاء والصاد مع تشديد الصاد على جمع بين ساكنين، وهو أشد الأربعة وأردؤها، وكان بعض من
[معاني القرآن: 4/289]
يروي قراءة أهل المدينة يذهب إلى أن هذا لم يضبط عن أهل المدينة كما لم يضبط عن أبي عمرو إلى بارئكم.
وإنّما زعم أن هذا تختلس فيه الحركة اختلاسا وهي فتحة الخاء، والقول كما قال.
والقراءة الجيّدة (يخصّمون) بفتح الخاء، والأصل يختصمون.
فطرحت فتحة التاء على الخاء، وأدغمت في الصاد، وكسر الخاء جيّد أيضا - تكسر الخاء لسكونها وسكون - الصاد.
وقرئت يختصمون، وهي جيدة أيضا ومعناها يأخذهم وبعضهم يخصم بعضا، ويجوز أن يكون تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون في الحجة في أنهم لا يبعثون، فتقوم الساعة وهم متشاغلون في متصرفاتهم.
(فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون (50)
لا يستطيع أحد أن يوصي في شيء من أمره.
(ولا إلى أهلهم يرجعون).
لا يلبث إلى أن يصير إلى أهله ومنزله. يموت في مكانه.
(ونفخ في الصّور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ينسلون (51)
الصور كما جاء في التفسير القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل.
وقد قال أبو عبيدة: إنّ الصور جمع صورة، وصورة جمعها صور.
كما قال الله عزّ وجلّ: (وصوّركم فأحسن صوركم)
وما قرأ أحد أحسن صوركم ولا قرأ أحد: ونفخ في الصّور من وجه يثبت.
والأجداث القبور، واحدها جدث، وينسلون: يخرجون بسرعة.
وقوله: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون (52)
(قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)
هذا وقف التمام، وهذا قول المشركين.
[معاني القرآن: 4/290]
وقوله: (هذا ما وعد الرّحمن وصدق المرسلون).
(هذا) رفع بالابتداء، والخبر (ما وعد الرّحمن)، وهذا قول المشركين، أعني هذا ما وعد الرحمن، ويجوز أن يكون " هذا " من نعت مرقدنا على معنى من بعثنا من مرقدنا هذا الذي كنا راقدين فيه.
ويكون ما وعد الرحمن وصدق المرسلون على ضربين:
أحدهما على إضمار هذا.
والثاني على إضمار حق، فيكون المعنى حق ما وعد الرحمن.
والقول الأول أعني ابتداء هذا عليه التفسير، وهو قول أهل اللغة.
(إن كانت إلّا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون (53)
و (إلّا صيحة واحدة) وقد مضى إعرابهما.
(فإذا هم جميع لدينا محضرون).
فالمعنى إن إهلاكهم كان بصيحة وبعثهم وإحياءهم بصيحة.
(فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلّا ما كنتم تعملون (54)
المعنى من جوزي فإنما يجازى بعمله.
(إنّ أصحاب الجنّة اليوم في شغل فاكهون (55)
و (فاكهون) تفسيره فرحون.
وجاء في التفسير أنّ شغلهم افتضاض الأبكار، وقيل في شغل عما فيه أهل النار، ويقرأ في شغل وشغل وشغل وشغل. يجوز في العربية.
وقوله عزّ وجلّ: (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متّكئون (56)
وظلل، ويجوز ظلل.
[معاني القرآن: 4/291]
(على الأرائك متّكئون).
وهي الفرش في الحجال، وقيل إنها الفرش، وقيل الأسرة.
وهي على الحقيقة الفرش كانت في حجال أو غير حجال.
(لهم فيها فاكهة ولهم ما يدّعون (57)
أي ما يتمنون، يقال: فلان في خير ما ادّعى، أي ما تمنى، وهو مأخوذ من الدعاء.
المعنى كل مما يدعو أهل الجنة يأتيهم.
(سلام قولا من ربّ رحيم (58)
(سلام) بدل من (ما) المعنى لهم ما يتمنون به سلام، أي وهذا منى أهل الجنة أن يسلّم اللّه - عزّ وجلّ - عليهم.
و (قولا) منصوب على معنى لهم سلام يقوله اللّه - عزّ وجلّ - قولا.
(وامتازوا اليوم أيّها المجرمون (59)
أي انفردوا عن المؤمنين.
(ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين (60)
وتقرأ أعهد - بالكسر، والفتح أكثر، على قولك عهد يعهد.
والكسر يجوز على ضربين:
على عهد يعهد، وعلى عهد يعهد مثل حسب يحسب، ومعناه ألم أتقدم إليكم بعهد الإيمان وترك عبادة الشيطان.
(ولقد أضلّ منكم جبلّا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون (62)
(جبلّا)
ويقرأ (جبلّا) - بكسر الجيم والباء، ويقرأ جبلا - بضم الجيم والباء –
[معاني القرآن: 4/292]
وتقرأ جبلا على إسكان الباء وضم الجيم، ويجوز جبلا بفتح الجيم وجبلا بكسر الجيم، ويجوز أيضا جبلا - بكسر الجيم وفتح الباء بغير تشديد اللام، على جمع جبلة. وجبل، والجبلة في جميع ذلك معناه خليقة كثيرة وخلق كثير.
وقوله: (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصّراط فأنّى يبصرون (66)
المطموس الأعمى الذي لا يتبين له جفن. لا يرى شفر عينه، أي لو نشاء لأعميناهم فعدلوا عن الطريق فمن أين يبصرون لو فعلنا ذلك بهم.
(ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيّا ولا يرجعون (67)
(مكانتهم)
ومكاناتهم، والمكانة والمكان في معنى واحد.
(فما استطاعوا مضيّا ولا يرجعون).
أي لم يقدروا على ذهاب ولا مجيء.
(ومن نعمّره ننكّسه في الخلق أفلا يعقلون (68)
(ننكسه)
و (ننكّسه) و (ننكسه)، يقال نكسته أنكسه وأنكسه جميعا، ومعناه من أطلنا عمره نكّسنا خلقه، فصار بدل القوة ضعفا وبدل الشباب هرما (2).
(وما علّمناه الشّعر وما ينبغي له إن هو إلّا ذكر وقرآن مبين (69)
أي ما علمنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - قول الشعر.
(وما ينبغي له) أي ما يتسهل له ذلك.
(إن هو إلّا ذكر وقرآن مبين).
أي الذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وزعم الكفار أنه شعر ما هو بشعر.
[معاني القرآن: 4/293]
وليس يوجب هذا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتمثل ببيت شعر قط.
إنما يوجب هذا أن يكون النبي عليه السلام ليس بشاعر، وأن يكون القرآن الذي أتى به من عند اللّه، لأنه مباين لكلام المخلوقين وأوزان أشعار العرب، والقرآن آية معجزة تدل على أن نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآياته ثابتة أبدا.
وقوله: (لينذر من كان حيّا ويحقّ القول على الكافرين (70)
يجوز - أن يكون المضمر في قوله (لينذر) النبي عليه السلام.
وجائز أن يكون القرآن ومعنى: (من كان حيّا).
أي من كان يعقل ما يخاطب به، فإن الكافر كالميّت في أنه لم يتدبّر فيعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به حق.
(ويحقّ القول على الكافرين).
ويجوز (ويحقّ القول)، أي يوجب الحجة عليهم.
ويجوز لتنذر من كان حيّا - بالتاء - خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم.
ويجوز لينذر أي ليعلم، يقال نذرت بكذا وكذا، أنذر مثل علمت أعلم.
وقوله: (أولم يروا أنّا خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون (71)
معنى (مالكون)، ضابطون، لأن القصد ههنا إلى أنها ذليلة لهم ألا ترى إلى قوله (وذلّلناها لهم) ومثله من الشعر:
[معاني القرآن: 4/294]
أصبحت لا أحمل السلاح ولا... أملك رأس البعير إن نفرا
أي لا أضبط رأس البعير.
وقوله: (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون (72)
معناه ما يركبون، والدليل قراءة من قرأ (فمنها ركوبتهم)
ويجوز ركوبهم - بضم الراء ولا أعلم أحدا قرأ بها، على معنى فمنها ركوبهم وأكلهم وشربهم.
(لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون (75)
أي هم للأصنام ينتصرون، والأصنام لا تستطيع نصرهم.
وقوله (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم (78)
جاء في التفسير أن أبيّ بن خلف جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعظم بال " ففركه ثم ذرّاه، وقال من يحيي هذا؟
فكان جوابه: (قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة).
فابتداء القدرة فيه أبين منها في الإعادة.
ويقال إن عبد اللّه بن أبي كان صاحب القصة؛ ويقال العاص بن وائل. وأعلمهم أن خلق السّماوات والأرض أبلغ في القدرة، وعلى إحياء الموتى فقال:
(أوليس الّذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلّاق العليم (81)
وقال في موضع آخر: (لخلق السّماوات والأرض أكبر من خلق النّاس).
[معاني القرآن: 4/295]
وقال: (فسبحان الّذي بيده ملكوت كلّ شيء وإليه ترجعون (83)
معناه تنزيه اللّه من السوء ومن أن يوصف بغير القدرة، الذي بيده ملكوت كل شيء أي القدرة على كل شيء.
(وإليه ترجعون).
وترجعون أي هو يبعثكم بعد موتكم.
[معاني القرآن: 4/296]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir